الرسالة الرابعة والثلاثون١

الميلاد

يا أخي:

في مثل هذا اليوم منذ ألف وتسعمائة وإحدى وثلاثين سنة، وُلِد السيد المسيح أعظم عظماء الأرض.

إن المسيحيين كافةً يقدسون هذا اليوم، الذي يذكِّرهم بولادة المسيح، ذلك الاشتراكي العظيم، الذي أَبْصَرَ النور في مزود البقر كالمعدمين، ومات على الصليب كالأشقياء.

لقد تأمَّلْتُ اليوم كثيرًا في ولادته، وفي حياته على الأرض؛ كيف عاش ومات فقيرًا معدمًا؟ ولم يكن فقره مانعًا له من أن يتسلط على العالم في تعاليمه وروحانياته!

فعندئذ قُلْتُ في نفسي: لقد علَّمنا المسيح في ذاته أن النَّفْسَ إذا كانت نيِّرةً لا يَقِفُ الفقر في سبيلها، فهي تضيء على العالم من أكواخها المظلمة وقت تكون الأنفس اللئيمة خابطة في ظلمة آثامها، ولو كانت تسكن أفخم القصور، وأسطعها نورًا.

إن السرَّ في السكان لا في المكان.

•••

يا أخي:

في هذا العيد — عيد الميلاد المجيد — تأمَّلْتُ بك كثيرًا، وتذكرتك كثيرًا.

تُمَثِّل أمامي الماضي البعيد، فتذكرْتُ ولادتك وأيام صغرك، وكيف كنا في مثل هذا اليوم نصرف العيد معًا في البيت الأبوي بين عطْف الوالدين، وحنان الشقيقتين.

أتذكر الآن — ويا لها من ذكرى عذبة ولكنها موجعة! — كيف كُنْتَ تستفيق في صباح العيد، مستقبلًا أطباق الحلوى وأنواع اللعب والدُّمى! تَبْسِم للحياة، وتقفز في أفناء البيت صاخبًا لاعبًا، منتقلًا من حضن أبيك إلى صدر أمك، إلى أخيك إلى شقيقتيك، إلى مغارة العيد التي كانت أمك تصنعها لك؛ لتُمَثِّل أمامك مَوْلِد المخلص.

ولا أزال أذكر أن مغارة العيد كانت بالحقيقة بهجة عيدك؛ لأنها كانت تملأ قلبك فرحًا وسرورًا.

والآن لقد عاد العيد ولم تَعُدْ، فأخذْتُ أناجيك متسائلًا: أين أنت يا أخي؟! وأين حداثتك؟! وأين أمك؟ وأين مغارة عيدك؟

١  بيروت في ٢٥ ك١ سنة ١٩٣٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤