مفاجأة في محطة السكة الحديد

لم يكن «تختخ» قد انتهى من إفطاره بعد، عندما سمع صوت جرس التليفون … كان الصوت طويلًا في البداية، فعرف أنها مكالمة خارجية … أسرع إلى التليفون، فعرف الصوت الذي يتحدث … قال «تختخ»: أهلًا «مصطفى»، من أين تتحدث؟

ردَّ «مصطفى»: من الإسكندرية. لقد اشتقتُ إليك وإلى الأصدقاء، سوف أصل في قطار الواحدة إلى القاهرة … وأرجو أن تكون في انتظاري …

قال «تختخ» مبتسمًا: أهلًا بك، لقد اشتقنا إليك أيضًا، وسوف تجدني في انتظارك في الكافتيريا.

وضع «تختخ» السماعة بعد انتهت المكالمة، وعاد يكمل إفطاره … وقعَتْ عيناه على ساعة يده. كانت تشير إلى التاسعة صباحًا، هذا يعني أن الوقت لا يزال مبكرًا، وأنه يستطيع أن يذهب إلى الأصدقاء ليخبرهم بوصول «مصطفى» وقضائه معهم عدة أيام … انتهى «تختخ» من الإفطار … وبدأ يلبس ملابسه … اتجه إلى التليفون، وطلب «محب» وقال له: صباح الخير يا «محب». لقد حدثني صديقنا «مصطفى» من الإسكندرية منذ قليل، وسوف يصل في قطار الواحدة، ما رأيك لو اجتمعنا عند «عاطف» وذهبنا إلى المحطة معًا؟

قال «محب»: فكرة طيبة، سوف أتصل ﺑ «عاطف» و«لوزة»، وسوف نكون في انتظارك … إلى اللقاء.

قال «تختخ»: إلى اللقاء.

وضع السماعة، ثم أخذ طريقه إلى حجرته. لمعَتْ في ذهنه فكرة أن الأصدقاء لم يقوموا بمغامرة منذ مدة، وهم الآن على استعداد لاعتبار أي شيء يحدث لغزًا يستحق الحل، وفكَّر لحظات، ثم هرش رأسه، وقال مُغمغِمًا: فكرة … فكرة مدهشة … إنها تذكرني بأيام زمانٍ … أيام الألغاز الأولى …

بعد ساعةٍ … كان الأصدقاء قد اجتمعوا في فيلا «عاطف» كعادتهم، فقال «محب»: لقد مضى وقتٌ طويلٌ دون مغامرة … أخشى أن تمر الإجازة دون أي حركة منا.

لوزة: مَن يدري؟ قد تظهر مغامرة بينما نحن جالسون.

ظلَّ الأصدقاء يتحدثون، إلا «نوسة» التي لم تتحدث أبدًا … كان هناك منظر يلفت نظرها، ولم تَدْرِ إلا و«عاطف» يهزها قائلًا: ما الذي يشغلكِ؟ إننا نتحدث منذ مدة، كأنكِ تجلسين وحدك!

التفتَتْ «نوسة» إليه، وكأنها لم تسمع ما قاله، فضحك الأصدقاء …

لوزة: دعوها تفكِّر، ربما تعثر لنا على مغامرة بين أفكارها.

استغرقَتْ «نوسة» مرة أخرى في مراقبة ذلك المنظر … كان هناك رجل أجنبي، ظل يروح ويجيء أمام الفيلا، ثم يُخرج من جيبه ورقة وقلمًا، ويدوِّن بعض الأشياء … ثم يضع الورقة في جيبه … لم تتحدث «نوسة» ولم تخبر الأصدقاء، ظلَّتْ ترقب الرجل، حتى لا تلفت نظره، فلو أنها قالت للأصدقاء وراقبوه جميعًا، فقد ينصرف.

عاطف: لقد تأخر «تختخ»، والوقت يمرُّ، وقد لا نلحق «بمصطفى» في المحطة.

لوزة: لا يزال الوقت مبكرًا!

نظرَتْ في ساعة يدها، ثم قالت: إن القطار قد غادر الإسكندرية منذ نصف ساعة فقط.

تمطَّى «محب» في كرسيه، وقال: إنني أشعر بالكسل … إن المغامرة تجعلنا أكثر نشاطًا … أليس كذلك يا «نوسة»؟!

نظر الأصدقاء إلى «نوسة» التي كانت مستغرقة في مراقبة الرجل … ثم ضحكوا جميعًا … نظرَتْ «نوسة» إليهم وهي لا تفهم ماذا قالوا؟!

قالت «لوزة» وهي تبتسم: ما الذي يأخذكِ منا؟

نظرَتْ لهم «نوسة» قليلًا … ثم قالت بهدوءٍ: اسمعوا ما سوف أقوله لكم، وعليكم ألا تتحركوا، وألا تنظروا حولكم … يجب أن تظلوا كما أنتم، وإلا ضاعتِ المفاجأة.

قفزَتْ «لوزة» من مكانها، وهي تقول بصوت مرتفع: مفاجأة!

نظرت لها «نوسة» في عتاب … ثم ابتسمَتْ وقالت: لقد قلتُ لكم: لا تتحركوا، يبدو أننا أمام مفاجأة طيبة، أو مغامرة مثيرة!

حبس الأصدقاء أنفاسهم، وتعلَّقَتْ عيونهم «بنوسة» … صمتَتْ «نوسة» قليلًا … ثم قالت: أمامي بالضبط — لا يجب أن يلتفت أحدكم، حتى لا ينزعج الرجل، أو نلفت نظره — أمامي بالضبط رجل يبدو أنه أجنبي … منذ مدة وهو يدور حول الفيلا … أحذِّركم مرة أخرى، لا يلتفت أحدكم حتى لا يشك الرجل فينا … إنه منذ مدة يدور حول الفيلا، ويُدوِّن بعض الملاحظات … يبدو أننا سوف نكون هدفًا لشيء …

صمت الأصدقاء قليلًا … ثم سأل «عاطف»: هل هو أمامكِ الآن؟

قالت «نوسة» (وما تزال عيناها على الرجل الأجنبي الذي كان يدوِّن بعض الملاحظات): نعم، إنه أمامي مباشرة الآن … وسوف أصف لكم كلَّ حركة يقوم بها، حتى لا يلتفت أحدكم، وحتى تكونوا على علمٍ بما يحدث … لقد طوى الورقة ووضعها في جيبه … إنه يتحرك الآن … لكنه لا يبتعد … إن حركته حول الفيلا كما هي … إنه يستدير … وينظر إلى الفيلا المجاورة … إنَّ ظهره في اتجاهنا … تستطيعون أن تنظروا الآن … بسرعةٍ …

التفت الأصدقاء في اتجاه الرجل … كان ظهره ناحيتهم، وقد أخرج الورقة وبدأ يرسم خطوطًا …

قالت «نوسة» بسرعة: هيَّا … عودوا إلى وضعكم السابق … فقد يلتفت فجأة.

عاد الأصدقاءُ إلى جلستهم العادية … وقال «محب»: يجب أن نتصل ﺑ «تختخ» الآن … إنه يستطيع أن يراقب الرجل دون أن يلفت نظره.

قالت «نوسة»: لا يتحرك أحد … أقترح أن يذهب أحدنا إليه … «عاطف» مثلًا … على أن نكون مستعدين لأي حركة قد يقوم بها.

وقف «عاطف» مسرعًا … ثم أخذ طريقه إلى الرجل … التفت الرجل فجأة … ثم أخذ طريقه مبتعدًا … أسرع «عاطف» خلفه … كان الأصدقاء يراقبون تلك المطاردة المثيرة، وكلٌّ منهم يضع تصوُّرًا لنهايتها!

قالت «نوسة»: يجب أن تتحرك بسرعة يا «محب»؛ فقد يبتعد الرجل «بعاطف»، ثم يقع شيء لا نتوقعه!

أسرع «محب» هو الآخَر خلف «عاطف»، كان «عاطف» لا يزال يتابع الرجل الذي أصبحَتْ خطواته أسرع، وأوسع … جرى «عاطف» حتى يلحق بالرجل، وعندما أصبح خلفه تمامًا … استدار الرجل فجأةً … حتى إن «عاطف» اصطدم به، فانفجر الرجل ضاحكًا، كان «محب» يتابع ما يحدث، فلم يكن قد اقترب تمامًا. نظر «عاطف» لحظةً إلى الرجل، ثم انفجر في الضحك هو الآخَر، حتى إن «محب» دُهِشَ لهذه المسألة. ودُهش أكثر عندما رآهما يسيران معًا في اتجاهه، اقترب الاثنان من «محب» الذي نظر إلى الرجل قليلًا، ثم انفجر ضاحكًا هو الآخَر، وقال: يجب أن نتصل ﺑ «تختخ» بسرعةٍ … إن هذه خدعة طيبة!

سار الثلاثة، حتى اقتربوا من فيلا «عاطف» … عندما كانت «نوسة» و«لوزة» تنظران في دهشة، وهما تريان الرجل الأجنبي يسير مع «عاطف» ومحب، وعندما اقترب الثلاثة من «نوسة» و«لوزة» … كان الجميع يضحكون، فقد كان الرجل الأجنبي هو نفسه «تختخ» متنكِّرًا …

جلس الأصدقاء … وسألت «لوزة»: لماذا فكَّرتَ في حكاية التنكُّر هذه؟ ضحك «تختخ» وقال: أنتم تعرفون أن «مصطفى» صديقنا من هواة المغامرات … ولقد فكرتُ أن أبدأ لقاءه بمفاجأة … فتنكرتُ … وعندما اقتربتُ من الفيلا … ورأيتكم مجتمعين … فكرتُ أن أجرِّب فيكم خدعة التنكُّر!

ضحك الأصدقاء، وقالت «نوسة»: لقد أجدتَها تمامًا … إنني منذ وقعَتْ عيني عليك، تصوَّرْتُ أنك أحد الجواسيس، أو أحد أفراد عصابة كبيرة.

ضحك «تختخ» وقال: لقد تعمدتُ أن أقف ناحيتكِ أنتِ بالذات؛ لأنني أعرف أنكِ ستفكرين كثيرًا قبل أن تتحركي!

كانت الساعة تقترب من منتصف النهار، عندما قال «عاطف»: يجب أن نتحرك الآن، حتى نستطيع أن نكون في المحطة في وقتٍ مناسبٍ.

تختخ: إنني أقترح أن أذهب وحدي حتى تكون المفاجأة قوية لمصطفى، فلو ذهبنا جميعًا لن تكون اللعبة كاملة!

نوسة: لا بأس، اذهبْ وحدك، وسوف نظل في انتظارك حتى تعود ومعك «مصطفى»، الحقيقة إنه صديق طيب، ولا أنسى تلك الأيام التي قضيناها معه في الإسكندرية في الصيف الماضي.

حيَّاهم «تختخ» وانصرف في طريقه إلى المحطة، وعندما كانت الساعة تدق الثانية عشرة والنصف … كان «تختخ» يجلس في بوفيه المحطة … جاء الجرسون فطلب كوبًا من عصير الليمون … وعندما كان يرشف الليمون المثلج … لفت نظره رجل أجنبي ينظر له كثيرًا … أخذ «تختخ» يشغل نفسه بمشاهدة المسافرين؛ لكنه في نفس الوقت كان يرقب الرجل الأجنبي خفية.

كان الرجل الأجنبي ممتلئ الجسم، طويل اللحية والشارب … يجلس هادئًا، يرشف فنجانًا من الشاي … وكاد «تختخ» ينسى ما جاء من أجله، لولا أن دقت ساعة المحطة الواحدة، وأعلن مكبر الصوت عن وصول قطار الإسكندرية. وقف «تختخ»؛ لكنه فجأةً لم يرَ الرجل الأجنبي … ولم يَكَدْ يخطو خطوة واحدة حتى جاءه الجرسون يقدِّم له مظروفًا، ولما سأله عن صاحبه … أشار الجرسون إلى الرجل الأجنبي الذي كان يغادر المحطة في تلك اللحظة. قال «تختخ»: قال لك أن توصله لي؟!

الجرسون: نعم يا أستاذ … أشار عليك وطلب مني توصيل المظروف.

تختخ: هل أنت متأكد أنه كان يعنيني أنا بالذات؟

الجرسون: نعم … لقد أشار إليك بضع مرات … بينما كنتَ تقومُ من كرسيك وقال لي: أعطه له.

اشتدت دهشة «تختخ» فهو لا يعرف هذا الرجل … لكنه ابتسم وهو يفكر … ربما ظن الرجل أنني أجنبي مثله … وقد خدعه التنكُّر.

دسَّ «تختخ» الخطاب في جيبه … وأسرع إلى الباب الحديدي … كان ركاب قطار الإسكندرية قد بدءوا يتوافدون … ظل يرقبهم واحدًا واحدًا، لعله يجد بينهم صديقه «مصطفى» … لكن «مصطفى» لم يظهر … ظل «تختخ» واقفًا بجوار باب الخروج الحديدي، لكن «مصطفى» لم يظهر، ولم يكن أمامه إلا أن ينصرف … تذكَّر المظروف الذي في جيبه … فابتعد عن البوابة وأخرجه … كان الخطاب ثقيلًا … فتحه بحذرٍ، وكانت المفاجأة … كان المظروف يحتوي على باسبور … وبطاقة لاستلام حقيبة من أمانات السكة الحديد باسم «هانز بوسن» … فتحَ «الباسبور» وقرأ اسم صاحبه … كان «هانز بوسن» أيضًا …

نظر «تختخ» حوله … فربما كان هناك مَن يرقبه … لم يكن أحدٌ ينظر إليه … لم يكن هناك سوى زحام المسافرين … بين حاضِرين ومستقبلين، ومسافرين … وصوت ميكروفون المحطة وهو يقطع صوت حركة الناس، ليعلن عن موعد قيام قطار أو موعد وصول قطار آخَر … أخذ «تختخ» يمر بعينَيْه على اللافتات المعلَّقة … حتى قرأ «أمانات» … خطا خطوة في اتجاه مكتب الأمانات … لكنه تردَّد … توقف وظلَّ يفكر: هل يذهب لاستلام الحقيبة؟ وما هي هذه الحقيبة؟ وماذا فيها؟ وهل يسلمها له موظف «الأمانات»؟! أسئلة كثيرة ظل يفكر فيها … وأخيرًا اتجه إلى باب المحطة للخروج، فقد استقر رأيه على أن يجتمع بالأصدقاء أولًا. وعندما وقف عند الباب الخارجي … كان ميدان «رمسيس» المتسع يعجُّ بحركة المشاة والسيارات، وكان تمثال «رمسيس الثاني» يحتل الثلث الأخير من الميدان بنافورته التي كان يتناثر رذاذ مائها على وجوه الأطفال الذين كانوا يلعبون حولها، أسرع يستقل الأتوبيس إلى محطة المترو … ثم من محطة المترو إلى «المعادي»، وعندما أصبح هناك فكر أن يذهب إلى بيته أولًا، حتى يتخلص من الماكياج الذي أصبح لا داعي له.

في البيت عرف أن صديقه «مصطفى» قد اتصل به واعتذر؛ لأنه قد اضطُرَّ إلى تأجيل سفره إلى القاهرة لعدة أيام، وأنه سوف يتصل به مرة أخرى …

انتهى «تختخ» من إزالة الماكياج، وغيَّر ملابسه، ثم صحب «زنجر» الذي استقبله بمرح، وأخذ طريقه إلى الأصدقاء في فيلا «عاطف» …

كان الأصدقاء يمرحون وهم يتذكرون مغامراتهم السابقة … ويتذكرون ذلك الصيف الذي قضوه بصحبة صديقهم «مصطفى»، وكان منهم مَن يعد برنامج زيارة حتى يستمتع «مصطفى» بالأيام التي سوف يقضيها بالقاهرة … لكن فجأةً، صاحت «لوزة»: إن «تختخ» وحده، ليس معه سوى «زنجر»!

نوسة: لعل «مصطفى» في بيت «تختخ» بعد عناء السفر!

محب: خصوصًا وأن «تختخ» قد أبدل ملابسه … وأزال الماكياج.

ظل الأصدقاء يرقبون «تختخ» وهو يقترب منهم بدراجته حتى وصل إليهم، ولم يستطع «محب» أن ينتظر، فصاح: لماذا أنت وحدك؟ أين «مصطفى»؟

ضحك «عاطف» وقال: أرجو ألا تكون هناك خدعة جديدة!

كان يبدو على «تختخ» التفكير … فلما جلس بينهم قال: إننا أمام لغز جديد.

نظر الأصدقاء له بتساؤل وقد لمعت عيونهم بعد سماع كلمة «اللغز» … وفي هدوء أخرج «تختخ» «الباسبور» ثم ألقاه على المنضدة الصغيرة التي أمامهم … نظر الأصدقاء إلى «الباسبور» ثم نظروا إليه … وقالت «نوسة»: ماذا يعني هذا؟

أخرج «تختخ» بطاقة الأمانات … ثم وضعها أمامهم … نظر إليها الأصدقاء في دهشة … وقال «عاطف»: ما هذا؟

وبدأ «تختخ» يحكي لهم ما حدث …

كانت وجوه الأصدقاء تتابع الحديث بدهشة … بينما كان «زنجر» يغط في نوم عميق … وعندما انتهى «تختخ» من كلامه … قالت «نوسة»: أقترح أن نتصل بالمفتش «سامي» فورًا.

عاطف: يجب أن نفكر قليلًا!

لوزة: ولماذا التفكير؟ يبدو أننا أمام عصابة!

محب: ولهذا يجب أن نفكر!

أخيرًا قال «تختخ»: إنني مع «نوسة»، يجب أن نتصل بالمفتش «سامي» فورًا.

أسرع «عاطف» إلى التليفون، واتصل بالمفتش «سامي»، فعرف أنه في مهمة سرية خارج القاهرة … وعندما أخبر الأصدقاء قالت «نوسة»: ينبغي ألا نضيع وقتًا … يجب أن نتسلَّم الحقيبة فورًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤