ماذا في الحقيبة؟

صمت الأصدقاء أمام اقتراح «نوسة» … كانوا يفكرون في التصرُّف الصحيح. مرَّتْ لحظات لم يكن يقطعها أي صوت … رفع «زنجر» رأسه يتطلع إليهم وكأن صمتهم أيقظه … نظر إليه «تختخ» وابتسم قائلًا: إن «زنجر» لا يستطيع النوم إلا على أصواتنا.

ابتسم الأصدقاء ابتسامات هادئة وشملهم الصمت مرة أخرى، حتى قطعه «محب» قائلًا: من الممكن أن نتسلَّم الحقيبة، ثم نسلمها للشرطة … إنَّ هذا ليس ضد الأمانة!

نظر له الأصدقاء دون أن يتحدث أحدهم أو يوافق على اقتراحه … أخيرًا قال «تختخ»: إنني أنضم إلى رأي «محب» و«نوسة»، يجب أن نتسلَّم الحقيبة ونرى ما فيها، قد يكون شيئًا غير ذي قيمة … وفي جميع الأحوال سنبلغ الشرطة.

وافق الأصدقاء بعد مناقشات طويلة … استأذن «تختخ» للانصراف حتى يستطيع أن يتنكر من جديدٍ ويذهب إلى تسلُّم الحقيبة … نظر له «زنجر» ثم تمطى وتبعه مسرعًا، وقال «تختخ» وهو يقترب من باب الحديقة: موعدنا عندي في السادسة … ثم خرج وقفز على دراجته، وانطلق ومعه «زنجر» إلى البيت … وفي نصف ساعة عاد إلى شخصية الرجل الأجنبي، ثم انطلق وحده إلى محطة المترو وأخذ ينظر حواليه خوفًا من أن يكون أحد يتبعه … وعلى المحطة كان يقف قلقًا. وبرغم أن موعد وصول المترو لم يكن قد حان … إلا أن «تختخ» شعر أن المترو قد تأخر كثيرًا … نظر حواليه يتأمل الواقفين على المحطة في انتظار المترو … كان كل واحد مشغولًا بنفسه … غير أنه في طرف الرصيف كان يقف اثنان يتطلَّعان إليه باهتمامٍ ويتحدثان … كان يبدو أنهما يتحدثان عنه … حاول أن يشغل نفسه بأي شيءٍ حتى لا يفكر فيهما؛ فقد يكون مخطئًا … إلا أنه لم يستطع … كان ينظر تجاههما في حذرٍ حتى لا يشعرا بأنه يراقبهما.

قطعَتِ الصمتَ صافرةُ المترو، فتأهَّب «تختخ» … وعندما وصل المترو إلى المحطة قفز بسرعة داخله … لكن لدهشته الشديدة ركب الاثنان نفس العربة، ووقفا قريبًا منه … ظل يرقبهما بحذر … كانت عيونهما لا تغيب عنه … انطلق المترو وظل الاثنان يراقبانه ويتحدثان … فكر في خطة جريئة حتى يحدِّد موقفه وموقفهما … اقترب منهما كثيرًا، حتى لم يَعُد بينهما مسافة كبيرة … وحتى كان يستطيع أن يسمع حديثهما … لكنهما كفَّا عن الكلام … فكَّر مرةً أخرى … ثم بدأ يبتعد عنهما لينتقل إلى عربة أخرى … ظل ينظر في اتجاههما فلمْ يرَهُما … وتأكد أنه لم يكن المقصود … أو أنه قد هرب منهما … عند محطة «السيدة زينب» رآهما يدخلان نفس العربة التي يجلس فيها … عرف أنهما نزلا في المحطة عندما توقف المترو، ثم عادا إلى العربة بسرعة … تأكد هذه المرة من أنهما يتبعانه … ولا بدَّ أن الحقيبة كانت السبب. وعندما وصل المترو إلى محطة «باب اللوق» أسرع بالاختفاء بين زحام الناس … وما إن خرج إلى الشارع حتى وجد — لحُسْن الحظ — تاكسيًا، أشار إليه بسرعة فوقف … ركب التاكسي وهو يقول للسائق: أرجوك … أريد أن أصل إلى محطة باب الحديد لألحق بالقطار!

عندما تحرك التاكسي تنفَّسَ «تختخ» بارتياح … لقد أَفْلَت منهما في النهاية … كانت الشوارع مزدحمة … حتى إن التاكسي كان يتحرك ببطء … لكنه في النهاية وصل إلى ميدان «رمسيس» … نزل بسرعة من التاكسي واتجه إلى داخل المحطة … ثم إلى مكتب «الأمانات». كانت المحطة شديدة الازدحام … حتى إنه كان يمر بصعوبة … في النهاية وصل إلى المكتب … كان المكتب مزدحمًا بالناس، ووقف في الصف الذي كان يتحرك ببطء … وعندما وصل إلى الموظف أبرز «الباسبور» وبطاقة استلام الحقيبة … نظر الموظف إلى «الباسبور» وتطلَّع إليه … خشي «تختخ» أن يشك فيه الموظف فيدخل في تفاصيل لا يعرفها قد تنتهي في قسم الشرطة … لكن الموظف أخذ البطاقة ونظر إليها … ثم اختفى قليلًا بين أكوام من الحقائب … وعاد وهو يبتسم … قدَّم الحقيبة إلى «تختخ» الذي تسلَّمها بسرعة وانصرف … وعندما خرج من باب مكتب «الأمانات» رأى الاثنين اللذين كانا يتبعانه في المترو … لم يكونا ينظران تجاهه … فأسرع بالخروج … تجاوز باب المحطة … فاستقلَّ تاكسيًا … وعندما ألقى بنفسه في التاكسي قال للسائق: المعادي من فضلك.

نظر «تختخ» إلى الحقيبة التي معه … كانت حقيبة صغيرة من نوع «السامسونايت»، وكانت من ذلك النوع الذي لا يفتح إلا بالأرقام … لم يشغل باله بهذه المسألة … كان التاكسي يقطع الطريق بسرعة، بينما «تختخ» يتأمل «النيل» الهادئ … تذكَّر الرجلَينِ اللذين كانا يتبعانه … وأدرك أن للحقيبة أهمية كبيرة. وعندما توقف التاكسي أمام بيته أسرع بالخروج وهو يُقدِّم للسائق النقود … ثم دخل البيت. لم تكن الساعة قد تجاوزت الخامسة بعدُ … أسرع «تختخ» إلى داخل البيت، فأزال الماكياج وخلع ملابس التنكُّر ثم استلقى على سريره. لم يكن يفكر في الحقيبة، ولم يكن يفكر في الرجل الأجنبي الذي رآه في الصباح في المحطة، كان لا يزال يفكر في الاثنين اللذين تبعاه من محطة المعادي. فكر «تختخ» كيف استطاعا أن يتبعاه إلى محطة السكة الحديد … وبرغم أنه فكَّر في هذه المسألة كثيرًا، إلا أنه في النهاية لم يتوصل إلا لاحتمالٍ واحدٍ … أن يكونا قد تبعاه وسط زحام محطة «باب اللوق»، ثم استقلا تاكسيًا خلفه … فلحقا به عند المحطة، لكن زحام المحطة أخفاه عنهما.

ظل «تختخ» في سريره، حتى سمع صوت الأصدقاء يسبقه صوت «زنجر» الذي كان يرحِّب بهم … أسرع إليهم في الحديقة وهو يحمل الحقيبة السوداء الصغيرة … وما إن رآه الأصدقاء حتى صاحت «نوسة»: رائع! هذا هو اللغز في يدك!

التفَّ الأصدقاء حول «تختخ» الذي كان لا يزال يفكر … نظر إليهم ثم قال: ينبغي أن أحكي لكم ما حدثَ لي قبل أن نبدأ في فتح الحقيبة … أو التفكير فيها.

لوزة: هل حدث شيء؟

تختخ: مسألة غريبة حدثت لي في محطة «المعادي»!

أخذ «تختخ» يقصُّ على الأصدقاء ما حدث له من هذَينِ الاثنَينِ اللذين ظلَّا يتبعانه، وعندما انتهى من حكايته، سأل «عاطف»: هل هما مِصْريَّان؟

تختخ: نعم.

عاطف: دَعْنا منهما الآن … وهيَّا بنا نبحث عن حل لهذه الحقيبة … فهي تبدو ممتلئة بالأسرار.

ضحك الأصدقاء … ثم بدءوا يتأملون الحقيبة ويُقلِّبُون فيها … وتوقفوا جميعًا عند لغز الأرقام … فكيف يمكن فتحها دون أن يعرف أحدهم الرقم الذي تفتح به؟! قالت «لوزة»: دعونا نقترح بعض الأرقام ثم نقوم بتجميعها!

اقترح «محب» رقمًا وقام بتجميعه فلم تُفتح الحقيبة.

ضحك الأصدقاء … ثم قام «عاطف» بنفس المحاولة … ولكن الحقيبة أيضًا لم تفتح. قالت «نوسة»: نبدأ برقم «١» إلى اليسار … ثم بقية الأرقام بعده … فإذا فشلنا جربنا رقم «٢» وهكذا … وهي الطريقة الوحيدة التي ستؤدي إلى نتيجة.

تختخ: لكنها تستغرق وقتًا طويلًا، فهذا يعني أننا سنجرِّب كل الأرقام!

صمت الأصدقاء، وبدأ كلٌّ منهم يفكر في طريقة. في نفس الوقت … كانت «نوسة» تقوم بتجربتها الصعبة.

سمع الأصدقاء صوت سيارة النجدة تقترب من منزل «تختخ» ثم تتوقف غير بعيدة منه.

قال «تختخ»: هل يذهب أحدنا لمعرفة الأخبار؟

تحرك «عاطف» بسرعة في اتجاه السيارة … كانت تقف أمام فيلا صديقهم «مجدي» … فأسرع إليه وسأله عن الحكاية … فأخبره «مجدي» أن سرقة ضخمة قد حدثَتْ عندهم … نظر إليه بدهشة ثم سأله: أيُّ نوع من السرقة؟!

مجدي: مجموعة نادرة من المجوهرات.

عاطف: هل عرفتم السارق؟

مجدي: أبدًا!

انطلق «عاطف» مُسْرعًا إلى الأصدقاء … وعندما اقترب منهم رأى الحقيبة مفتوحة.

وقف «عاطف» يحدِّق في محتويات الحقيبة … ثم سأل: مَن الذي فتح الحقيبة؟!

لوزة: «نوسة» هي التي فتحتها … لقد كانت تجربتها بطيئة ولكن مؤكدة … ومن حُسْن الحظ أن الأرقام المطلوبة كانت أرقامًا صغيرة فتجمعت بسرعة.

تختخ: وما العمل الآن؟

نوسة: نفتح العلبة التي وجدناها في الحقيبة.

كانت داخل الحقيبة علبة بيضاء متوسطة … ولم يكن معها شيء آخَر … أمسك «تختخ» بالعلبة ثم هزَّها … كانت ثقيلة نوعًا … قال «تختخ»: إنها علبة من النوع الذي يُستخدَم في حفظ الأشرطة السينمائية.

فتح «تختخ» العلبة وملأَتِ الدهشة وجوه الأصدقاء … لقد كان في العلبة فيلم سينمائي … رفع «تختخ» الفيلم وعرضه أمام الضوء … فرأى صورًا بها مجموعة من الأشخاص لم يتبيَّنْهم جيدًا … نظر إلى الأصدقاء وقال: يجب أن ننتقل إلى الصالة حتى نعرض الفيلم.

تحرك الأصدقاء … غير أن «محب» سأل «عاطف»: لم تقل لنا ماذا رأيت في الخارج!

عاطف: ياه … لقد شغلتني الحقيبة … هناك سرقة ضخمة حدثت في فيلا صديقنا «مجدي». توقف «تختخ» الذي كان يسبقهم … فاقترب منه «عاطف» وهو يهز رأسه … ابتسم «تختخ» قائلًا: مغامرتان في يوم واحد … إن هذا كثير!

ضحكَتْ «لوزة» وهي تقول: تعالوا نفتح فرعًا ثانيًا للمغامرين الخمسة!

تقدَّم الأصدقاء داخل الفيلا وجلسوا في الصالة … بينما كان «تختخ» قد اختفى لإحضار آلة السينما التي عنده … ولم تمضِ لحظات حتى كان الشريط يدور … وأُطفِئَت الأنوار.

كان الأصدقاء يحبسون أنفاسهم، وعيونهم مُعلَّقة بالحائط الذي كانت تتتابع الصور عليه … كان الفيلم مُلوَّنًا، يصوِّر طريق «الكباش» في الأقصر … وبين صفَّيِ «الكباش» كانت تسير مجموعة من السياح، وبينهم مرشد سياحي يشرح لهم … كانت كاميرا التصوير تقترب من بعض التماثيل حتى تبدو ضخمة جدًّا … ثم تتوقف قليلًا وتعود إلى استعراض الطريق … ثم فجأةً أصبح الشريط أبيض … أوقف «تختخ» آلة العرض وأضاء النور … أغلق الأصدقاء أعينهم حتى لا تتأثر بالضوء … وشيئًا فشيئًا بدءوا يفتحون عيونهم.

بعد لحظاتٍ قال «تختخ»: نحن في حاجة إلى مشاهدته مرة أخرى … قام وأعاد الفيلم … ثم أطفأ النور … وبدأ عرض الفيلم مرة أخرى … بدأت الصور تتتابع … فجأةً صاح «عاطف»: أوقِف الفيلم!

أسرع «تختخ» وأوقف الفيلم عند لقطة مُعيَّنة، كانت صورة لأحد «الكباش» وقد رُسِمَ عليه فرع نبات … ظلَّت اللقطة ثابتة أمامهم … وقال «عاطف»: ألا يعني هذا شيئًا؟

ظل الأصدقاء يتأملون فرع النبات دون أن ينطق أحدهم بحرف … قال «عاطف»: فلنكمل الفيلم … لكن يجب أن نتذكر فرع النبات، فقد ركَّز المصوِّر عليه!

أدار «تختخ» الفيلم … فبدأت الصور تتحرك … وفجأة صاح «تختخ»: إنه هو!

محب: مَن؟

تختخ: الرجل الأجنبي الذي قابلني في المحطة.

أعاد «تختخ» الشريط بسرعة ثم أداره … وعندما جاءت اللقطة التي فيها الرجل، أوقف «تختخ» الفيلم وهو يصيح: انظروا جيدًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤