فجأة … اختفى الأثر

توقَّفَت صورة الرجل على الشاشة، وظل الأصدقاء ينظرون إليها. كان الرجل طويلًا حتى كان يبدو أطول من الموجودين كلهم … تبدو على وجهه ابتسامة واثقة … عيناه يظهر فيهما الذكاء الواضح.

قال «تختخ»: أرجو أن تحفظوا هذه الملامح جيدًا … فقد نلتقي به.

أدار «تختخ» ماكينة العرض فبدأَتِ الصور في تتابعها، حتى جاءت اللقطة التي يظهر فيها فرع النبات … أسرع «تختخ» يوقف آلة العرض، وثَبَّت اللقطة، ثم قام من مكانه واقترب من اللقطة … ثم وضع إصبعه على فرع النبات … وقال: هل تقصد هذا؟

قال «عاطف»: نعم … إنه مرسوم باليد … كأنه إشارة إلى شيءٍ ما … أو طريق ما!

عاد «تختخ» إلى مكانه … ثم أدار ماكينة العرض … فتتابعَتِ الصور من جديد حتى انتهى الفيلم … أضاء النور فغرقَتِ الغرفة في الضوء … ولم يفتح الأصدقاء أعينهم مباشرة … كان لا بدَّ أن يفتحوا عيونهم ببطء حتى تتعود على الضوء … ظلوا صامتين … كان كلٌّ منهم يفكر في الفيلم … أخيرًا قالت «نوسة»: هيَّا ننتقل إلى الحديقة.

خرج الأصدقاء الواحد بعد الآخَر حتى استقروا في الحديقة … وقال «عاطف»: هل نسيتم جريمة السرقة التي حدثَتْ في فيلا صديقنا «مجدي»؟ أظن أنه يجب أن نذهب إلى هناك.

وقف «تختخ» فنبح «زنجر» الذي كان ينام عند قدمَيهِ … ثم وقف بقية الأصدقاء وأخذوا طريقهم إلى فيلا صديقهم «مجدي».

وما إن وصلوا إلى هناك حتى كان «مجدي» يأخذهم إلى حجرة الصالون … حيث عرفوا أن رجال الشرطة قد انصرفوا منذ قليل … وفي الصالون جلسوا مع الأستاذ «سامح» والد «مجدي» الذي حكى لهم الحكاية … لقد خرجت أسرة الأستاذ «سامح» يوم الخميس آخِر النهار؛ لتناول العشاء عند جدة «مجدي» … وعندما عادوا بعد السهرة وجد الأستاذ «سامح» خزانته مفتوحة، وقد اختفت منها المجوهرات … سأل «تختخ»: ألم يكن أحد في الفيلا؟

سامح: لا.

تختخ: والشَّغَّالين؟

سامح: الشَّغالة سافرت في إجازة منذ أسبوع، والطباخ يأتي أربع مرات في الأسبوع، ولم يكن موجودًا في تلك الليلة … والجنايني يأتي ثلاث مرات في الأسبوع، وقد أوصلناه إلى بيته ونحن في طريقنا إلى بيت والدتي … وهو رجل أمين نعرفه من زمنٍ بعيدٍ.

دخلَتْ والدة «مجدي» تحمل أكواب الليمون … فقدَّمتها للأصدقاء الذين حيوها وشكروها … وأخيرًا سألت «نوسة»: هل تسمح لي يا عمي بسؤال عن تلك المجوهرات؟

ردَّ الأستاذ «سامح»: بالتأكيد.

نوسة: هل في مجموعة المجوهرات شيء ذو أهمية خاصة؟

فكر الأستاذ «سامح» قليلًا ثم قال: فعلًا … هناك تحفة أثرية توارثتها أسرتنا من قديم الزمن … تمثِّل كبشًا من الذهب في فمه زمردة نادرة.

تختخ: هل هي تحفة مشهورة عالميًّا؟

الأستاذ «سامح»: إلى حدٍّ ما … فهناك بعض الخبراء الأجانب يحضرون للتفرُّج على المجموعة … وعادةً ما يبدون إعجابهم بزمردة «الكبش».

وتشعَّب الحديث حول الآثار والمجوهرات المسروقة … وقال «تختخ»: لسوء الحظ أن المفتش «سامي» — وهو من أكفأ رجال البحث الجنائي — ليس موجودًا … وإلا لعثر على اللصوص بسرعة.

الأستاذ «سامح»: على كل حال … يقوم رجال الشرطة ببذل مجهود عظيم … وقد قام الشاويش «علي» باستدعاء كل خبراء مقاومة هذا النوع من السرقات.

نظر الأصدقاء بعضهم إلى بعض … وابتسمت «لوزة» … وقالت: وما هو رأي الشاويش في هذه السرقة؟

ردَّ الأستاذ «سامح»: إنه يبدو متفائلًا!

كادت المقابلة أن تنتهي عندما قامت «نوسة» وهمسَتْ في أُذن «تختخ» ببضع كلمات، ثم عادت إلى مكانها … وبدَتْ علامات التفكير على وجه «تختخ»، مما استرعى انتباه الأصدقاء … واستأذن الأستاذ «سامح» ودخل غرفة مكتبه … وقالت «لوزة» متسائلة: ماذا قالت لك «نوسة» يا «تختخ» وشغل تفكيرك؟!

تختخ: قالت ما كان يجب أن نفكر فيه جميعًا بعد أن سمعنا تفاصيل سرقة المجوهرات … كان يجب أن نلاحظ أنه ربما كانت هناك علاقة بين «الكبش» الذهبي وطريق «الكباش» الذي ظهر في الفيلم!

عاطف: معها حق … إنها فكرة «تنطح» أي رأس.

محب: دَعْكَ من الهزار الآن … لقد خطر لي أيضًا أن جماعة الأجانب الذين رأيناهم في الفيلم ربما كان أحدهم ممَّن شاهد مجموعة المجوهرات.

تختخ: إنكم تقفزون إلى النتائج بسرعة … من المستحيل أن تحدث مثل هذه المصادفة!

نوسة: ليس في الدنيا مستحيل!

قال «تختخ» موجِّهًا حديثه إلى «مجدي»: هل يمكن أن يأتي والدك معنا لمشاهدة فيلم؟

مجدي: أعتقد أنه سيوافق.

أسرع «مجدي» خارجًا … وبعد لحظات عاد ومعه والده … وانتقلوا جميعًا إلى فيلا «عاطف» حيث أدار «تختخ» الفيلم.

ابتسم الأستاذ «سامح» في الظلام وهو يقول: لقد كنت مع هذا الوفد السياحي في الأقصر … وقد صوَّرْنا هذا الفيلم فعلًا … لكن يبدو أن بعض أجزائه غير موجود!

تختخ: وهل تعرف هؤلاء الأجانب؟

الأستاذ «سامح»: أعرف بعضهم.

لوزة: لكن حضرتك لم تظهر في الفيلم!

الأستاذ «سامح»: إن الفيلم غير مكتمل … لكن أين عثرتم عليه؟!

ابتسم «تختخ» وقال — بينما الأصدقاء ينظرون إليه: إنها قصة طويلة، سوف أحكيها لسيادتك فيما بعد!

صمت «تختخ» قليلًا ثم قال: سوف أعيد الفيلم أمامك مرةً أخرى، وهناك شخصية مُعيَّنة سوف أُشير عليها، لعلك تعرفها.

أطفأ «تختخ» النور، ثم أدار آلة العرض … وبدأ الفيلم يظهر … وعند شخصية الرجل الأجنبي أوقفَ آلة العرض، ثم أشار إلى الرجل وقال: هذا الرجل، هل تذكره؟

حدَّق الأستاذ «سامح» في الرجل، ثم قال: أذكره … لكني لا أعرف اسمه … أذكر أن بينهم من يُدعى «هوسن» أو «بوسن» … لا أدري، ولقد زارني في البيت مع آخَرين، وكان ممَّن شاهدوا الزمردة وأبدى إعجابه بها!

عاطف: ألم تره بعد ذلك؟

الأستاذ «سامح»: لا أذكر … لكن لماذا كل هذه الأسئلة؟

ابتسم «تختخ» وقال: هذا أيضًا يتعلق بتلك القصة التي سوف أحكيها لسيادتك عندما تنتهي كل الأبحاث التي نقوم بها.

استأذن الأستاذ «سامح» ثم انصرف يصحبه «مجدي»، وعندما أصبح الأصدقاء وحدهم، كان يبدو أنهم بدءوا يُكوِّنون فكرةً عن حكاية الرجل الأجنبي، وعن سرقة زمردة «الكبش».

كانت الساعة قد اقتربت من التاسعة مساء … وكان عليهم أن ينصرفوا. قال «تختخ»: علينا أن نجتمع هنا غدًا صباحًا، لنرى ماذا سوف نفعل … وأنت يا «عاطف» احتفِظْ بالحقيبة … وضَعِ الفيلم بداخلها … لكن لا تنسَ الرقم الذي تُفتَحُ به!

انصرف الأصدقاء … وصعد «عاطف» و«لوزة» إلى حجرتهما … وعندما استعدَّا للنوم، كانت الحقيبة السوداء بجوار سرير «عاطف».

كانت أصوات السيارات تصل إلى «عاطف» الذي استغرق في التفكير، ومن بعيدٍ سمع صوت دقات الساعة من خلال الراديو … كانت تُعلن الحادية عشرة … فعرف أنه قضى وقتًا طويلًا في التفكير … وعندما نظر في اتجاه «لوزة» رآها مستغرقة تمامًا في النوم … اعتدل ومدَّ يده يبحث عن الحقيبة … كانت موجودة في مكانها … أغلقَ عينَيهِ … ولم تَمْضِ دقائق حتى كان قد استغرق في النوم.

•••

عندما استيقظ «عاطف» من نومه … اتجهَتْ عيناه إلى الحقيبة … لكنه لم يجدها … وعندما نظر إلى اتجاه «لوزة» لم يجدها … ووجد النافذة التي بجوارها مفتوحة.

كان الضوء يغمر المكان … وأشعة الشمس تدخل في هدوءٍ من النافذة المفتوحة … لم يتحرك «عاطف» من فراشه … ظلَّ راقدًا … كان يفكر: لماذا أخذت «لوزة» الحقيبة؟

ظلَّ «عاطف» يفكر، بينما كانت دقات الساعة تأتيه من الخارج هادئة بطيئة … كانت الساعة الثامنة … وعندما بدأ يتحرك من فراشه كانت أفكار كثيرة قد بدأَتْ تغزو رأسه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤