السفر إلى هناك

لم يكد «عاطف» يصل إلى الباب حتى كانت «لوزة» تدخل الحجرة، قال لها: صباح الخير … «لوزة» أين الحقيبة؟

نظرَتْ له «لوزة» في دهشة … فكيف يسألها عن الحقيبة! إنها كانت بجوار سريره، ولذلك نظرَتْ له قائلةً: صباح الخير … الحقيبة كانت بجوار سريرك … هل اختفَتْ؟!

نظر إليها «عاطف» وهو يقول: لا داعي للهزار … أين الحقيبة؟ هزَّت «لوزة» رأسها في دهشة: لمْ أرها … ليس في هذا أي هزار!

لم يَرُدَّ «عاطف» … كان موعد الأصدقاء قد اقترب، فنزلا إلى الحديقة … ولم تَمْضِ دقائق حتى وصل «محب» و«نوسة»، ثم وصل «تختخ» و«زنجر» … كان يبدو على الأصدقاء الحماس للعمل … إلا أن «عاطف» و«لوزة» كانا في حالةِ صمتٍ شديد … وربما خجلٍ أيضًا … قال «تختخ»: والآن أيها الأصدقاء، هل توصَّلَ أحدكم إلى فكرة ما؟

تحرك «عاطف» في كرسيه، ثم قال: الفكرة الوحيدة التي خطرَتْ لي هي … أين ذهبت الحقيبة؟

نظر الأصدقاء إلى «عاطف» غير مصدِّقين … حتى إن «زنجر» نبح نباحًا قصيرًا، ثم رفع رأسه في اتجاه «تختخ» الذي مدَّ يده يداعبه. سألت «نوسة»: هل اختفَتِ الحقيبة، أم هو مقلب من مقالبك الظريفة؟

أخذ «عاطف» يحكي لهم بالضبط ما حدث منذ دخل الغرفة، حتى راح في النوم، وأنهى حديثه بقوله: الذي أذكره جيدًا أن النافذة كانت مغلقة، فليس من عادتي ولا من عادة «لوزة» أن نتركها مفتوحة!

نظر «عاطف» إلى «لوزة» التي هزَّتْ رأسها تؤكد كلام «عاطف»، وصمتَ الأصدقاء لا يدرون ماذا يفعلون.

أخيرًا قطع «تختخ» صمتهم قائلًا: إن الحقيبة ليس بها سوى الفيلم و«الباسبور»، ونحن قد رأينا الفيلم … وأظن أننا نذكر تفاصيله جيدًا، فقد شاهدناه مرات عديدة … علينا أن نفكر جيدًا وبتركيز، خصوصًا وأن «عاطف» قد أشار أمس إلى فرع نباتٍ مرسومٍ على أحد التماثيل في طريق «الكباش»، ثم هناك اختفاء المجوهرات من فيلا صديقنا «مجدي»، وخصوصًا زمردة الكبش!

قالت «نوسة»: أهم ما يجب أن نفعله هو أن نتحرك … لقد حصلنا على الحقيبة ولم نُبلِّغ الشرطة … ثم فقدنا الحقيبة … ويجب أن نستردها.

محب: ليس من السهل استرداد الحقيبة دون معونة الشرطة، وكيف نُبلِّغ عن فقد الحقيبة دون أن نذكر الحقيبة؟ إننا نتخبط.

تختخ: نعم … لقد كان قرار إخفاء الحقيبة عن رجال الشرطة قرارًا خاطئًا، ولعل هذا يعلمنا ألا نقع في مثل هذا الخطأ في المستقبل.

عاطف: ما رأيكم لو سافرنا إلى الأقصر … دعونا نفتِّش طريق الكباش هذا … خاصةً المكان الذي عليه فرع النبات.

تختخ: بالمناسبة … أي نبات كان؟

سكت الأصدقاء جميعًا، ثم ردَّت «نوسة»: الحقيقة أنه نبات غير مصري … فقد فكَّرتُ فيه طويلًا ولم أجِدْ أنه ينتسب إلى أي نوع من النباتات التي تُزرَع في مصر.

محب: ما رأيكم أن نسأل الأستاذ «سامح»؟ إنه أستاذ في النبات … وربما يكون قد شاهد الفرع!

أسرع «تختخ» إلى سماعة التليفون واتصل بالأستاذ «سامح» الذي قال: نعم … أتذكَّرُ هذا الفرع … إنه فعلًا ليس من النباتات المصرية … ولكننا نحاول زراعته في مصر … وهناك تجارب تُجرَى عليه في جزيرة النباتات في أسوان.

وسكت الأستاذ «سامح» لحظات ثم قال: بالمناسبة … فإن مجموعة السياح الذين رأيتهم في الفيلم كان في نيتهم زيارة أسوان بعد الأقصر.

تختخ: شكرًا يا سيدي.

وضع «تختخ» سماعة التليفون وقال للأصدقاء: أمامنا رحلة إلى أسوان.

محب: أسوان … لماذا؟

تختخ: إنني أتصوَّر أن مجموعة الأجانب الذين كانوا في طريق الكباش هم الآن في أسوان … ففرع النبات الذي رسم على طريق الكباش إشارة إلى أسوان … وقد علمتُ من الأستاذ «سامح» أنهم ذاهبون إلى أسوان.

دارت مناقشةٌ سريعةٌ … وسرعان ما استقرَّ رأي المغامرين على أن يقوم «عاطف» بالاتصال بمحطة السكة الحديد، ليسأل عن أول قطار إلى أسوان … وبسرعةٍ تحرك «عاطف» واتصل بالمحطة … فعرف أن أول قطار يقوم اليوم سوف يتحرك في الرابعة عصرًا، ويصل إلى أسوان في السادسة مساء الغد … وأن الأماكن الموجودة قليلة لكثرة عدد السياح. قال «تختخ»: سوف أنطلق الآن لأحجز خمسة مقاعد إلى أسوان، وعليكم أن تُجهِّزوا أنفسكم.

•••

عندما كان «تختخ» يقف أمام شباك التذاكر في المحطة، كانت عيناه تتفحَّصان كلَّ السياح الموجودين. كان يبحث بينهم عن ذلك الرجل الأجنبي الذي شاهده أمس … والذي أرسل له المظروف، وكان يحاول أن يستمع إلى أحاديثهم، لعله يلتقط اسم «هانز بوسن»، صاحب «جواز السفر» … كان الصف طويلًا أمام شباك التذاكر … فظل «تختخ» يرقب صالة المحطة الواسعة بكل حركتها التي لا تتوقف … وعندما أصبح أمام الشباك تمامًا … قدَّم النقود إلى موظف التذاكر، ثم سأله: هل أستطيع مصاحبة كلب معي؟

نظر له الموظف قليلًا ثم قال: إن هذا ممنوع … وهناك عربات لنقل الحيوانات إن كنتَ تريد.

فكَّر «تختخ» قليلًا، وتذكر «زنجر» وكيف يمكن أن يفارقه في تلك المغامرة الجديدة … ثم في النهاية قال: لا بأس، يمكن أن يركب عربة الحيوانات.

•••

في البيت، أخبر والده ووالدته برحيله إلى أسوان مع المغامرين … فقال الوالد: هناك في فندق «كتراكت» صديق قديم لي اسمه «مسعود عبد الرحيم» يجب أن تتصل به، وسوف يعاونكم كثيرًا.

قام والد «تختخ» وكتب خطابًا لصديقه القديم «مسعود عبد الرحيم» قدَّمه ﻟ «تختخ» الذي حيَّا والده، وصحب «زنجر» بعد أن أخذ كل ما يحتاج إليه وانصرف.

•••

في فيلا «عاطف» كان بقية الأصدقاء في انتظار «تختخ» … وما إن رأوه حتى رفع «عاطف» يده ونظر في ساعته، ثم قال: نستطيع أن نصل إلى المحطة في وقتٍ مناسبٍ.

انطلق الأصدقاء إلى محطة «المعادي» وتوقفوا في انتظار المترو، لحظةً وظهرَتِ الدهشة على وجه «تختخ» … كان ينظر في اتجاه مُعيَّن … فاقترب منه «محب» وسأله: ماذا هناك؟

همس «تختخ» في هدوء: هذان ما حدثتكما عنهما أمس … قال «تختخ» ذلك دون أن يشير في اتجاههما … لكن «محب» الذي تابع المكان الذي ينظر إليه «تختخ» رآهما … وصل المترو فقفز الأصدقاء داخله … وعندما نظر «تختخ» في اتجاه الاثنين لم يتحركا من مكانهما. انطلق المترو … وجلس الأصدقاء ومعهم «زنجر» يلاحظون تتابع المناظر من النافذة.

قبل الساعة الرابعة كان الأصدقاء يقفون على رصيف محطة السكة الحديد في انتظار القطار المتجه إلى أسوان … لم تمضِ لحظات حتى سمعوا ميكروفون المحطة يعلن وصول القطار … استعدوا جميعًا … حتى إذا وقف القطار عند الرصيف انطلقوا يبحثون عن أماكنهم … بينما كان «تختخ» يصاحب «زنجر» إلى عربة الحيوانات … ولما اطمأنَّ عليه عاد بسرعة إلى حيث كان الأصدقاء. كانت حركة المحطة ما تزال نشطة … المسافرون والمودِّعُون والباعة …

مضت فترة ثم دقَّ جرس المحطة مُعلِنًا قيام القطار.

نظر «تختخ» حواليه … كان السياح يملئون القطار … نظر إلى الأصدقاء ثم هزَّ رأسه … ففهموا أنه يقصد معنى واحدًا … إن هذه فرصتنا … فقد نجد بينهم مَن يصلح ليكون أول الخيط.

تتابعَتِ المحطات حتى خرجوا من بني سويف، وبدأ الغروب ينشر ألوانه فوق الأشياء.

عجلات القطار في دورانها تجعل المنظر كله وكأنه فيلم سينمائي إلى عالَم مجهول.

قال «محب»: لقد بدأتُ أشعر بالجوع!

ابتسمَتْ «نوسة» وهي تفتح حقيبتها، ثم تُقدِّم له بعض الساندويتشات … وكذلك بقية الأصدقاء.

قام «تختخ» متجهًا إلى بوفيه القطار يطلب لهم شايًا … كان يمشي بين المقاعد ببطءٍ، متفحِّصًا الوجوه … لكنَّ شيئًا لم يلفت نظره … وعندما عاد كان الأصدقاء قد انتهوا من طعامهم … كان الوقت يمر بطيئًا … خصوصًا وأن المغامرين كانوا يتمنُّون الوصول بسرعة إلى أسوان … وعندما بدأت الأحاديث تخفت ثم تنتهي، ويستسلم الجميع للنوم … كانت «لوزة» أول مَن نام، قال «تختخ» لعاطف و«محب»: علينا أن نقوم بالحراسة بالتناوب … كلٌّ منا ثلاث ساعات. وسوف أبدأ بحراستكم … ثم «عاطف»، وأخيرًا «محب».

نوسة: وأنا أَلَا أشارككم حراستكم؟

تختخ: إننا ندَّخِر قواك لما سوف يحدث … هيَّا نامي … حتى تكوني مستعدة.

أغلقَتْ «نوسة» عينَيْها؛ فقد كانت تشعر بالرغبة في النوم … سحبَتِ الغطاء على «لوزة» وعليها … وكذلك فعل «عاطف» و«محب» … وظل «تختخ» مستيقظًا.

لم يكن هناك صوت سوى صوت عجلات القطار ودورانها الرتيب … كان «تختخ» يستمع إلى تلك الأصوات وهو يذكر سريره في البيت الآن، ويتذكر «زنجر» ونومه في عربة الحيوانات.

فجأةً … سمع «تختخ» صوتًا … كان الصوت يأتي بعد منتصف العربة بعدة مقاعد … أنصت «تختخ» أكثر … وبالرغم من أن المتحدث كان يرفع صوته حتى يسمعه زميله، بسبب ارتفاع صوت العجلات … إلا أن «تختخ» لم يكن يستمع إلا إلى كلمات متناثرة … أنصتَ أكثر … ثم ملأَتِ الدهشةُ وجهه … لقد سمع اسم «بوسن» … تصوَّرَ للحظة أنه يحلم … لكنه ظلَّ مُنصِتًا … ردَّدَ بينه وبين نفسه «هانز بوسن» … قام من مكانه بهدوء، وكأنه في طريقه إلى دورة المياه في القطار … كان يمشي بلا صوت … ولحسن الحظ كان ظهر المتحدِّثَينِ في اتجاهه؛ فلم يَرَهُ أحدُهما … تمهَّلَ قليلًا … فإذا به يسمع مرةً أخرى «صديقنا بوسن» … حدَّد مكان المتحدث بسرعة، ثم استمر في طريقه … وصل إلى دورة المياه. توقف بداخلها قليلًا ثم عاد … كان الظلام يُغطِّي العربة … حتى إنه لم يستطع أن يرى إلا شبحَيِ الرجلَينِ وقد لاذا بالصمت، وتظاهر بعدم الاهتمام، وسار حتى جلس بجوار «عاطف» وظلَّ مستيقظًا … نظر في ساعته … لقد انقضَتْ أربع ساعات … هل يوقظ «عاطف»؟ إنه لم يكن يشعر بالرغبة في النوم. ولذلك ظلَّ مستيقظًا يترقب أن يستمع مرةً أخرى لهذَينِ السائِحَينِ … لكنهما لم يتحدثا بعدها … وعرف أنهما ناما.

بدأتْ أشعة الفجر تتسلل إلى الوجود … فتح «عاطف» عينَيهِ، ثم نظر إلى «تختخ» … كان يجلس نائمًا، ابتسم ثم هزَّهُ برفق … فتح «تختخ» عينَيهِ بسرعة … وعندما وقعت عيناه على «عاطف» ابتسم … قام «عاطف» وجلس مكان «تختخ» الذي أخذ مكان «عاطف» ثم استغرق في النوم مباشرة.

بدأَتِ الحركة في العربة، فاستيقظ الأصدقاء ما عدا «تختخ» الذي كان لا يزال نائمًا … وبدءوا الواحد بعد الآخَر يذهب إلى دورة المياه، ثم يعود … وبدأت «نوسة» تُقدِّمُ لهم الإفطار … باسكويت ومربى وقطعًا صغيرة من الجُبن … كانوا يأكلون وهم ينظرون إلى «تختخ» الذي كان لا يزال مستغرقًا في النوم.

عندما توقف القطار في محطة الأقصر كان «تختخ» قد استيقظ وتناول إفطاره … وعندما بدأت حركة القطار كان «تختخ» ينظر من النافذة … وفجأةً صاح: إنه هو!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤