الهجوم

لقد ظهر ذو اللحية وبيده نفس الحقيبة السوداء … فكَّر «تختخ» بسرعة: إن «عاطف» يجب أن يختفي، فربما عرفه الرجل، فكيف وصلت الحقيبة إليه إن لم يكن هو نفسه الذي سرقها؟ اقترب «تختخ» بسرعة من «عاطف»، وهمس في أذنه بما يفكر فيه، ثم أشار إلى الرجل الذي كان منهمكًا في حديث مع الحاج «مسعود» حول شراء بعض الأشياء.

كان بقية الأصدقاء مُنهمِكين في مشاهدة الآثار ومشغولات خان الخليلي … وهذا أعطى فرصة ﻟ «تختخ» و«محب» أن ينصرفا بهدوءٍ.

اقترب «تختخ» من «فريد» وجذبه ناحيته ثم سأله: هل يقوم الوفد برحلة إلى النيل؟

فريد: من الضروري، وسوف يذهبون إلى جزيرة النباتات.

عاطف: متى؟

فريد: سوف أعرف الآن؟

اقترب «فريد» من أحد عمال المحل وسأله … تحدث العامل مع أحد السياح ثم نظر «لفريد» وقال: الآن … فهي أول زيارة سوف يقومون بها بأسوان.

عندما زجر «فريد» «تختخ» و«عاطف» … قال «تختخ» بهدوء: إذن ينبغي أن نكون معهم.

فريد: ولماذا معهم؟! إننا نستطيع أن نكون بمفردنا.

انصرف السياح، وركبوا سيارة الأتوبيس الكبيرة التي ستنقلهم إلى «لنش» ضخم يرسو بعيدًا عن الفندق.

أبدى «تختخ» رغبته في أن يذهب الأصدقاء إلى «جزيرة النباتات»، ولم تمضِ لحظات، كان المركب الشراعي يشق طريقه إلى الجزيرة، وفيه الأصدقاء، ومعهم «فريد» و«مصطفى».

لوزة: رحلة رائعة.

نوسة: الأروع منها أن نلتقي بأصدقائنا هناك.

فريد: هل لكم أصدقاء هنا؟

تختخ: إنها تقصد أصدقاءنا المصريين القدماء … ثم ابتسم وأضاف: أجدادنا!

ضحك الجميع … اقترب «محب» من «تختخ» وهمس: هل رأيت شيئًا؟

تختخ: نعم … ذا اللحية!

ظلَّتِ المركب تتهادى على صفحة النيل … كان الجو رائعًا في هذا الوقت من النهار. ومن بعيد رأى «تختخ» اللنش الضخم الذي يَقِل الوفد السياحي في طريقه إلى جزيرة تتوسَّط مجرى النيل.

لوزة: هل مجموعة الأشجار هذه جزيرة؟

مصطفى: نعم … وهي جزيرة بها نباتات نادرة.

لوزة: نباتات فقط؟

مصطفى: بها أيضًا متحف متوسط الحجم، يضم عددًا من التماثيل الفرعونية وأشياء أخرى ظريفة.

نوسة: تقصد تماثيل ظريفة؟

فريد: لا … إنه يقصد بعض الأشياء التي كان المصريون يستعملونها … مثل المرآة ودبابيس الإبرة، وغيرهما من الأدوات المنزلية، لا تزال مُستخدَمة حتى الآن.

ثم ابتسم «فريد» وأضاف: هل تذكرون لعبة البلي التي نلعبها في بعض الأحيان؟

محب: نعم!

فريد: القدماء أيضًا كانوا يلعبونها، وسوف تَرَوْنَ أنواع البلي «الفرعونية».

ضحك الأصدقاء، ومن بعيدٍ سمعوا أغنيات تنقلها النسائم اللطيفة إليهم، قال «مصطفى»: هذه هي الأغاني النوبية … ولها — كما تعرفون — طابعها الخاص!

كانت الجزيرة تقترب أكثر فأكثر، لكن لم يكن يظهر سوى مجموعة ضخمة من الأشجار التي تمثل الجزيرة.

وعندما وقفت المركب بجوار الجزيرة، كان «اللنش» يقترب هو الآخَر، لكنهم كانوا أسرع النزول والصعود إليها … هناك استقبلهم بعض المُوظَّفين الذين رحَّبوا بهم، عندما عرفوا أنهم ضيوف الحاج «مسعود».

اقترب «فريد» منهم وقدَّم لهم شابًّا أسمر طيب الملامح، مبتسِمًا دائمًا: «مجيد» … ابن خالي … إنه يعمل في الجزيرة.

تقدم «مجيد» مُرحِّبًا ثم اصطحبهم إلى داخلها … كانت «الجزيرة» عبارة عن كتلة كبيرة من الأشجار … ولم يكن يظهر داخلها أي شيء. مجرد نباتات كثيرة وطرقات ضيقة … لكنها كانت مُنظَّمة تنظيمًا بديعًا … وأمام عدد من النباتات وقف «مجيد» يشرح لهم ندرتها وأهميتها.

فجأةً، سمعوا أحاديث الوفد السياحي، وعندما نظر «تختخ» في اتجاههم، لم يجد بينهم مَن يعرفه، لكن فجأةً أيضًا اقتربت مجموعة أخرى من السياح، وسمع صوتًا عاليًا ينادي: هاي … «هانز»، أين أنت؟

سمع آخر يرد: هاللو «ناش» … لعلك أنت في مكان الأمس!

اقترب الوفدان، ودارت أحاديث، كان «تختخ» قد اقترب هو الآخَر من «هانز» و«ناش». فكَّرَ بسرعة: إذن، هذا «هانز» والآخَر هو «ناش» الذي قابلتُه في المحطة.

أسرع يجذب «عاطف» من ذراعه، ثم أخبره بما رآه. قال «عاطف»: إننا لا نستطيع أن نتحرك نحن الخمسة … علينا أن نجدهم، وأن نبدأ نحن عملنا.

أسرع «عاطف» إلى بقية الأصدقاء، وبهدوء أخبر كلَّ واحد بمفرده، حتى لا يلفت نظر أحد، كان الاتفاق أنهما إذا غابا عنهم فعليهم أن يخبروا «مجيد».

كان «هانز» و«ناش» يقفان وحدهما يتحدثان … اختفى «تختخ» قليلًا ثم أخرج الكاميرا وأخذ يلتقط لهما صورًا عديدة … في نفس الوقت الذي كان يقف فيه «عاطف» يرقبهما.

فجأة، تغيَّرَتْ ملامح «ناش» وهو ينظر في اتجاه «عاطف» … ثم همس بشيءٍ «لهانز» … مشى «عاطف» بعيدًا عنهما، لكنهما تبعاه. شاهد «تختخ» ما يحدث، فعرف أن «ناش» قد تعرَّف على «عاطف» … كان لا بد أن يتصرف بسرعة. أسرع في خطواته حتى اقترب من «عاطف»، ثم مشى بجواره وهمس في أذنه: كُنْ عاديًّا … قفْ لألتقط لك بعض الصور!

توقَّفَ «عاطف» وبدأ «تختخ» يلتقط له بعض الصور، في نفس الوقت الذي كان «هانز» و«ناش» يقتربان. نظر «تختخ» حواليه فلمْ يَرَ أحدًا … كان من الواضح أنهما توغَّلا في الجزيرة … ولأنهما لا يعرفان طرقاتها فقد كانت عودتهما صعبة.

اقترب «تختخ» من «عاطف» ثم قال: إننا سوف ندخل معركة الآن!

اقترب «هانز» و«ناش» حتى وقفا أمامهما. قال «ناش»: هل أنتما من أسوان؟!

تختخ: نعم … نحن من أسوان … وعائلتنا كلها هنا.

هزَّ «ناش» رأسه وقال: إذن، أنتما تعرفان الجزيرة جيدًا!

تختخ: إلى حد ما … فنحن لا نأتيها كثيرًا.

ابتسم «هانز» وقال: هيَّا نلتقط صورة تذكارية؟

ابتسم «ناش» أيضًا، ثم اقترب من «عاطف»، بينما كان «تختخ» يستعد لالتقاط الصورة. عندما أصبح «عاطف» يقف بين «ناش» و«هانز» … وعندما كان «تختخ» يرفع الكاميرا أمام عينيه، طارت الحقيبة السوداء في اتجاه وجه «تختخ»، بينما كان «هانز» يلكم «عاطف» لكمة طوَّحته بعيدًا.

كان «تختخ» قد استطاع أن يتفادى الحقيبة … لكنه لم يَكَدْ يتحرك من مكانه حتى كان «ناش» قد قفز فوقه وهو يضرب الكاميرا بيده، فتسقط على الأرض، غير أن «تختخ» كان أسرع حركةً منه، ففاجأه بلكمة قوية بين عينَيهِ، جعلت «ناش» يهتز وإن كان لم يتأثر كثيرًا … أسرع «تختخ» يلتقط الحقيبة، ثم قذفها بقوة، فارتفعَتْ بين الأشجار.

وقف «هانز» و«ناش» مذهولَينِ لحظةً … ثم سُمِعَ صوتُ الحقيبة وهو يصطدم بشيءٍ طريٍّ.

قفز «تختخ» طائرًا في الهواء؛ إلا أن «هانز» استطاع أن يتفاداه، بينما استطاع «ناش» أن يقبض على ذراعَيْه … عندما استقر على الأرض كان «عاطف» لا يزال مُلقًى على الأرض، وأخرج «هانز» من جيبه سلكًا رفيعًا ثم بدأ يُقيِّد «تختخ» … في نفس الوقت كان «ناش» قد كمَّم «تختخ» بمنديل حتى لا ينادي أحدًا، تركه الاثنان وأسرعا إلى «عاطف» وكمَّماه وقيَّداه، ثم ربطاه إلى شجرة خلف الأعشاب بين مجموعة من شجرات الورد. أما «تختخ» فإنهما اقتاداه بسرعة إلى كهف يختفي بين الصخور، ثم أدخلاه فيه وربطا رجلَيْه.

ضحك «ناش» وهو يقول: أرجو ألا تَمُرَّ أيام طويلة قبل أن يعثروا عليك!

ثم اختفى الاثنان.

•••

انتصف النهار ولم يظهر «تختخ» أو «عاطف» أمام الأصدقاء.

وكانت أفواج السياح قد بدأَتْ تغادر الجزيرة، وتتجه إلى اللنش الكبير الذي أبحر مبتعدًا عن الشاطئ.

قال «محب»: لقد تأخرا!

فريد: لعل المناظر الجميلة في الجزيرة قد سحرتهما … لا تخافوا فنحن نعرف كل أجزاء الجزيرة.

نظرَتْ «نوسة» إلى «لوزة» ثم إلى «محب» وقالت: لقد انصرف السياح، واختفاء «تختخ» و«عاطف» يحمل وراءه شيئًا.

مصطفى: ماذا تقصدين؟

كانوا يقفون على شاطئ الجزيرة واللنش الكبير يبتعد، حتى كاد يصل إلى الشاطئ الآخَر.

قالت «نوسة»: يجب أن نبحث عنهما فورًا، فإن قلبي يُحدِّثني أنهما في خطرٍ شديدٍ!

فجأةً، صاح «محب»: انظروا! ما هذا؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤