التصدير

هذه هي الترجمة العربية الكاملة لمسرحية The Taming of the Shrew التي كتبها وليم شيكسبير (Shakespeare) شاعر الإنجليزية الأشهر في أواخر القرن السادس عشر، وقد سبقت ترجمتها إلى العربية نثرًا بهذا العنوان، أيْ ترويض الشرسة، بقلم أستاذتنا سهير القلماوي ونُشرت عام ١٩٦٨م، وهي تشير إلى ترجمة سابقة للمسرحية نفسها بعنوان ترويض النمرة، بقلم إبراهيم رمزي، ويذكر الدكتور أحمد الجارم أن والده علي الجارم راجع تلك الترجمة عام ١٩٣٣م (فصل الخطاب، علي الجارم ٢٠٠٩م، ص١١٦)، وعلى أية حال فأنا ألتزم بالعنوان الذي وضعته أستاذتنا، وأشرح في المقدمة معنى الكلمة الإنجليزية بما يكفي لإيضاح المقصود للقارئ العربي.
وأنا أعتمد في الترجمة على أحدث وأوثق نصٍّ محقَّق لمسرحية شيكسبير، ترويض الشرسة، صدر في سلسلة آردن (Arden) المعتمدة عام ٢٠١٠م، والذي يتضمن ملحقًا بالنص الكامل المصوَّر للمسرحية المبنية عليها، وهي ترويض امرأة شرسة، المجهولة المؤلف، والمحررة هي باربرا هودجدون (Hodgdon) وهي من الباحثات المرموقات في شيكسبير (في هذه المسرحية وغيرها) وشروحها تفصيلية متميزة، ومقدمتها وافية (١٣٠ صفحة) وإن كنت لم أكتفِ بشروحها أو دراستها بل كنت أرجع باستمرار إلى الشروح النصِّيَّة في الطبعات الأخرى للمسرحية على امتداد الخمسين عامًا الأخيرة، فهي تقدم تفسيراتٍ تؤكد أو تعدِّل مما كنت أخرج به من طبعة آردن، إلى جانب مقدماتها الضافية، وأمَّا آردن الأولى التي صدرت عام ١٩٠٤م من تحرير ر. ووريك بوند (Bond) وأُعيدت طباعتها عام ١٩٢٩م، فقد نفدت نسخها ولم أستطع الحصول على أيِّها، أمَّا آردن الثانية (١٩٨١م) فهي من تحرير أستاذ عظيم، هو بريان موريس (Morris)، وهو يقدم لها بمقدمة طولها ١٥٠ صفحة، وإلى جانب طبعتَي آردن، كنت أرجع إلى الطبعات التالية:
طبعة أوكسفورد من تحرير ه. ج. أوليفر (H. J. Oliver) الصادرة عام ١٩٨٢م، وطبعة نيوكيمبرج من تحرير آن طومسون (Ann Thompson) الصادرة عام ١٩٨٤م، ثم أعيد إصدارها مزيدة منقحة (أيْ محدَّثة) عام ٢٠٠٣م، وطُبعت هذه الطبعة الجديدة سبع مرَّاتٍ كان آخرها عام ٢٠١٢م. كما رجعت إلى طبعة سيجنت (Signet) الأولى (عام ١٩٦٦م) وأحدث طبعة لها — مزيدة منقحة — عام ١٩٩٨م، وفي كلٍّ من هاتين الطبعتين دراسات نقدية معاصرة لتاريخ صدور كلٍّ منها، بأقلام كبار النقاد. كما رجعت أيضًا إلى طبعة فولجر (Folger) الأولى للمسرحية عام ١٩٩٢م وطبعتها الأخيرة المزيدة عام ٢٠٠٩م، ورجعت كذلك إلى طبعة ماكميلان (MacMillan) عام ١٩٧٥م من تحرير وتقديم ر. سي. هود (Hood) وأخيرًا إلى طبعة بنجوين (Penguin) من تحرير ج. ر. هيبارد (Hibbard) الذي كتب الشروح النصِّيَّة، وشاركت مارجريت جين كيدني (Kidnie) بكتابة مقدمة الطبعة في عام ٢٠٠٦م.

وفيما يلي قائمة بالطبعات التي كنت أرجع بانتظام إلى شروحها وحواشيها، في طبعاتها الأولى، مع بيان تاريخ الطبعات المحدَّثة إن كانت قد صدرت لها طبعاتٌ محدَّثة، وأنا أوردها تيسيرًا على القارئ الذي يريد أن يعرف مصدر الكلام الذي أنسبه إلى كاتب المقدمة فقط ذاكرًا السنة تمييزًا مما كتبه في غير تلك المقدمة، فبعض هؤلاء يتميزون بغزارة الإنتاج، وتحديد عام الصدور يساعد القارئ على الرجوع إلى المرجع في القائمة الببليوغرافية، والكتب التالية مرتبة ترتيبًا زمنيًّا تنازليًّا، أي الأحدث فالسابق فالأسبق:

  • Third Arden, ed. Barbara Hodgdon, 2010.
  • New Penguin, ed. Hibbard; intro. Kidnie, 2006.
  • Folger, ed. Barbara Mowat & Paul Werstine, 1992.
  • New Cambridge, ed. Ann Thompson, 1984. (Updated edn. 2003).
  • Oxford, ed. H. J. Oliver, 1982.
  • Second Arden, ed. Brian Morris, 1981.
  • MacMillan, ed. R. C. Hood, 1975.
  • Signet, ed. & intro. Robert B. Heilman, 1966 (Updated edn. 1998).
وأمَّا منهجي في الترجمة فكان يتكون من مرحلتين؛ الأولى قراءة النص أكثر من مرَّة (بل مرَّات عديدة) لاستيعاب طبيعته، خصوصًا إزاء الشهرة الفائقة التي نالتها هذه المسرحية، وبعد أن أتصور أنني فهمته الفهم الكافي، كنت أقرأ المقدمات النقدية وأبحث فيها عمَّا يؤكد أو يعدِّل انطباعي عن النص نفسه، مستعينًا ببعض الدراسات التي يتيسر الحصول عليها إما بفضل الكتب التي تضمُّها معًا مثل كتاب مقالات نقدية عن ترويض الشرسة من تحرير دانا أسبينول (Aspinall) (٢٠٠٢م) الذي يضم ١٩ دراسة حديثة ومقدمة للمحررة، وإما بفضل الإنترنت. فإذا حددتُ لنفسي الصورة التي أقتنع بها للنص بدأت الترجمة، فهذه الصورة (أو المفهوم العام) تساعدني في تمييز تغيُّر النطاق الدلالي (register) من مشهدٍ إلى مشهدٍ وداخل المشهدِ نفسه.

والقسم الأول من مقدمتي يلخِّص نتيجة هذه المرحلة. وبعد ذلك تبدأ الترجمة التي تقوم كما يعرف الجميع على الإدراك «الصحيح» لمعاني الحوار والأحاديث وأشكالها، والقطع بالصحة المطلقة أمرٌ محال، فهي دائمًا صحة نسبية، وتتوقف على المفهوم الذي قرره القارئ / المترجم لنفسه أولًا ومدى اتفاقه أو اختلافه مع شروح الشارحين من أساتذة اللغة المصدر، فإذا لم يجد المترجم اختلافًا يُذكر تيسرت الترجمة، وإذا وجد خلافًا جديرًا بالنظر فيه فحص جميع أقوال الشراح وقارن بعضها بالبعض ورجَّح ما يتفق مع السياق وفقًا لمفهومه، وسواء في حالة الاتفاق أو الاختلاف يواجه المترجم الأدبي اختباره الحقيقي عند وضع النص العربي الذي يراه أقرب ما يكون فنيًّا إلى النص الذي استوعبه، لأن التعادل المطلق محال.

وكثيرًا ما أذكر لطلابي أن المشقَّة التي يكابدها المترجم في التحقُّق من دلالةٍ معينة تتضمن قدرًا لا شك فيه من المتعة، إذ إن البحث عن معنًى اشتقاقي أو اصطلاحي يؤدِّي إلى نزهة لغوية في المعاجم أو رحلة صيد قد يعود المرء منها بغنيمة، وهو في أثناء ذلك، على أيَّة حال، يكتسب المزيد من الخبرة باللفظ أو المصطلح في سياقه وفي غير سياقه، وأنا أسجل بعض هذا في الحواشي، ولكن الجهد الحقيقي في الترجمة الأدبية يشبه الإبداع في أكثر من وجه، فإذا استوعب المترجمُ النصَّ استيعابًا كافيًا من ناحية البناء أو النسيج فإنه عادةً ما يسمع الصوت الداخلي الذي يردِّد صدى العبارة التي قرأها بلُغته الأم، وقد يسمع في خاطره إيقاعًا معيَّنًا يفرض عليه البحر الشعري الذي يحسُّ بأنه ناطق في النص الأصلي. فعندما يقرأ المترجم السطر الافتتاحي في خطاب لوسنتو في آخر مشاهد المسرحية:

At last, though long, our jarring notes agree
لا يملك إلا أن يسمع إيقاع البحر المتقارب:
أخِيرًا ومن بَعْدِ طُولِ النَّشَازِ بألحَانِنَا قد أتَانَا التناغُمْ.
(٥ /  ٢ /  ١)
ومهما يحاول المترجم أن يبتعد عن الشعر فإن البحر الخفيف يفرض نفسه هنا:
Love wrought these miracles
حَقَّقَ الحبُّ هذه المُعجزَاتِ
(٥ /  ١ /  ١١٤)
ألا تكاد تسمع الصوت الداخلي يقول «هاتِ ما شِئْتَ من قَرِيضِكَ هَاتِ!»؟

وعندما يستعرض بتروشيو براعته الشعرية أمام كيت قائلًا:

Did ever Dian so become a grove
As Kate this chamber with her princely gait?
O, be thou Dian, and let her be Kate,
And then let Kate be chaste and Dian sportful.
(2.1.260–4)

إنك تحسُّ تعقيد الصورة، وتعجب لبنائها العَروضي المنتظم، فليس فيها من العلل والزحافات إلا ما هو معهود ولا تشعر بتأثيره في استواء التفعيلات، ولو ترجمتها نثرًا بتجنُّب التقديم والتأخير وإيراد ما هو محذوف (باعتبار إيجاز الحذف من الحيل البلاغية) لأتيت بما يشبه الشرح لا الترجمة، ولَمَا كان لردِّ كاترينا معنًى إذ تقول له «وأين تعلمت هذا الكلام المُنمَّقْ؟» ولكن إيقاع الشعر كفيل بإخراج ما «يفعله» بتروشيو لا ما «يقوله» فقط، وهذا ما تعلَّمناه وما نفتأ نردِّده، ماهر شفيق فريد وأنا، على الذين لا يهتمُّون إلا بما يقوله النص، وهكذا، وبعد فترة الاختمار اللازمة وجدت بتروشيو يقول (من المجتث):

تَميسُ كيتُ دلالًا
بمِشْيةِ الأُمراءِ
في غُرفة تتباهى
بها بكُلِّ رُواءِ
تفوقُ دلَّ دَيَانَا
في وَسْطِ تِلْكَ الخَمِيلَة
إن «كيت» صارتْ دَيَانا
بطُهْرِ بِنْتٍ أصيلة
أضحت دَيَانَا لَعُوبًا
مِنْ وَحْيِ كيتَ الجَمِيلَة

ولما كنت لاحظتُ اهتمام الشاعر في هذه المسرحية المبكرة بالنَّظم والقافية، فقد جعلت ذلك جزءًا من مفهومي، وهكذا ترجمت النَّظم نظمًا والنثر نثرًا، محاولًا قدر الطاقة أن أنقل إبداع شيكسبير بما يمكن أن يمثله بالعربية، فما دامت اللغة قد تغيرت فلا بدَّ أن تتغير الإيقاعات بل وظلال الدلالات والصور، مهما تصوَّر المترجم أن التزامه بالأصل سوف يتيح له نقل هذه الظلال نفسها أو ما تُحدِثه من تأثيرٍ في السامع أو القارئ.

وتنقسم مقدمتي إلى خمسة أقسام متفاوتة الطول؛ القسم الأول يلخِّص المفهوم الذي اهتديت إليه للمسرحية، ويعرض مع القسم الثاني بعض المصطلحات الأساسية التي أستخدمها فيما بعد، مثل النطاق الدلالي، والتمسرح، والنغمة، والهزلية، والشخصية، والميتامسرح وهلم جَرًّا. ويناقش القسم الثاني قضية العلاقة بين مسرحية ترويض الشرسة (١٦٢٣م) المترجمة هنا، والمسرحية الأخرى التي يُجمع النقاد والباحثون المحدثون على أنها اقتبست منها قبل نشرها، بل استنادًا إلى ما يتذكره الممثلون من أدوارهم، وتسمَّى ترويض امرأة شرسة (The Taming of the Shrew) المنشورة عام ١٥٩٤م فيما يسمَّى «الكوارتو الرديء». وهذه العلاقة مهمَّة لأن هذا الكوارتو الرديء يتضمن الإطار الميتامسرحي الكامل الذي حذفه شيكسبير (إن كان موجودًا في النص الذي قُدِّم على المسرح) أو أضافه مَن أضافه، كما أبيِّن في تحليلي. وأتعرض في القسم الثالث للنوع المسرحي ملخِّصًا وجهة نظري ومستشهدًا على صحتها بما أقتبسه من أقوال الثقات، إلى جانب أقوال مَن يختلف عن هذا المفهوم. ويركز القسم الرابع على ما يسمَّى المصادر، ويتضمن نتائج بعض أحدث البحوث في الأدب الشعبي أو الفولكلور، حتى أصل إلى القسم الخامس الذي أعتبره صلب المقدمة، لأنني أقدم فيه تحليلي للبناء والنسيج في المسرحية، مبيِّنًا كيف يؤثران في بعضها البعض، ومستخدمًا كل ما تعلَّمه جيلنا من مناهج النقد الجديد في التحليل والربط، وهو الذي كان محمد مندور يسميه «الميزان الجديد»، وما زلنا نمارسه (ماهر شفيق فريد وأنا) على كرهٍ من دُعاة البحث عن الأيديولوجيا في الأدب، واعتبار كل كتابة «نصًّا»، وحسب أيِّ وثيقة أيديولوجية يقرأ مَن يريد فيها ثقافة المجتمع وتاريخه، أدبًا كانت أو غير أدب. وأختتم المقدمة بعرض موجز للتيارات النقدية والإخراجية، أي الخاصة بالعروض المسرحية، فأنا أومن أشدَّ الإيمان بأن حياة النص المسرحي لا تكتمل إلا على خشبة المسرح، وأشارك الدكتورة نهاد صليحة أستاذ النقد والدراما بأكاديمية الفنون (وهي بالمناسبة زوجتي) هذا الرأي، وقد أفادتني دراستها لعرض ترويض الشرسة الذي قدمته إحدى الفرق المسرحية الإنجليزية في القاهرة، المنشورة في كتابها شيكسبيريات، إذ وجدت لديها المفتاح الذي فتح لي باب التمسرح والميتامسرح في هذا النص.

وأخيرًا أودُّ أن أتقدم بالشكر لكل مَن أعانني على استكمال هذا العمل في ظروفٍ قومية غير عادية، وأخصُّ بالشكر مَن أمدَّني بالمادة العلمية اللازمة، وأبدأ بابنتي الدكتورة سارة عناني المدرِّس بآداب القاهرة، وصديقي الأديب والمترجم ماهر البطوطي، والدكتورة سمر طلبة، المدرِّس بآداب بنى سويف، التي راجعت المخطوط وتداركت بعض الهفوات العَروضية خصوصًا، وبطبيعة الحال رفيق المعاناة والإيمان بالعلم والأدب في عالمنا الذي تتهدَّده أخطار لا يعلمها إلا الله، وأعني به الأديب والناقد العلامة ماهر شفيق فريد، الذي ما انفكَّ يؤازرني ويساعدني ويقدم لي كل ما يستطيعه، فأشكره على قراءة المخطوط واقتراح ما اقترحه، وهو ما آخذ به في كل الأحوال.

أرجو أن يكون هذا العمل مثار متعةٍ وفكرٍ وخلاف، كشأن كل عمل من أعمال شيكسبير العظيم.

والله ولى التوفيق.

محمد عناني
القاهرة، ٢٠١٣م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤