الفصل الأول

المشهد الأول

 (المنظر: مدينة بادوا. تصدح الأبواق إعلانًا ببدء المسرحية، ويدخل لوسنتو وخادمه ترانيو.)١
لوسنتو :
انظر يا ترانيو! ها نحن وصلنا الآن إلى لو مباردي،٢
جنَّةِ إيطاليا العُظمى المثمرة الحسناءْ،٣
ولَكَم كنتُ أتوق إلى رؤية بادوا الفيحاءْ
مَهدِ العِلْمِ وراعية العلماءْ٤
ولديَّ سلاحٌ من حبِّ الوالد ورضاهُ (٥)
ونواياه الحَسَنةِ وبرفقةِ خادمي الموثوقِ بهِ
أنتَ هنا يا ترانيو يا مَن تُثبت إخلاصَكَ في كلِّ مجالْ!
فلْنَتَريَّثْ بعضَ الشيءِ هنا وعسانا أن نضع الخُطَّةَ
كي نكتسبَ معارفَ أو ندرسَ بعضَ عُلومِ السادة٥
كانت بلدةُ بيزا المشهورةُ بوقار السكان، (١٠)
مَسقطَ رأسي وأبي من قَبلي … فلقد كان التاجرَ
ذا الصِّيتِ الداوي في شتَّى أرجاءِ العالم!
واسم أبي فنشنتو … من نسل الذائع بنتيفوليو،
ما أحرى مَن أنجبه فنشنتو ونَمَا وترعرع في فلورنسا
أنْ يعملَ فيحقِّقَ كلَّ الآمالِ المعقودة، (١٥)
ويَزِينَ طريقَ السَّعد بأفعال الخيرِ.٦
وإذَن يا ترانيو سوف أحاول أثناء الدرس هنا
أنْ أتبحَّر في كلِّ فضيلة … والفرعِ الخاصِّ من الفلسفة الرامي
لسعادة أهل الأرض خُصوصًا،
ما لا يتحقَّقُ إلَّا بطريقٍ فاضل.٧ (٢٠)
قلْ لي رأيك: إني إذ خلَّفتُ ورائي بيزا،
ووصلتُ إلى بادوا أشعرُ أنِّي خلَّفتُ غديرًا ضحْلًا،
وأتيتُ إلى نهرٍ ذي أعماقٍ أطلبُ أنْ
أروي ظمئي فيها عَلَلًا من بعد نَهَل.
ترانيو :
سامحني٨ سامحني يا مولايَ الأكرمْ! (٢٥)
فالرغباتُ لديَّ تُوازي رغباتِك،
كم يُسعدني أنْ قرَّرتَ مواصلةَ السعيِ لرَشفِ
رُضابِ الفلسفة العذبِ ولكنِّي أرجو يا مولايَ الأكرمُ
— حتى إن كنتُ أشارككَ التبجيل لمنزلة فضائلنا
والفلسفة الأخلاقية — ألَّا ننفي مذهبَ أهل اللذَّة، (٣٠)
أو نطلبَ أيَّ جُمودٍ في الفكرِ الخُلُقي
يرفعُ مما أرساه أرسطو من ضبط النفْسِ
ويخفضُ مما جاء به أوفيد٩ أو يُنكرهُ لكنْ
لكَ أن تستعمل ذاك المنطقَ مع مَن تعرفُهُ
وتوسَّلْ بفُنون بلاغتنا في كلِّ حديثٍ لك، (٣٥)
واقبسْ من فنِّ الشِّعرِ وفنِّ الموسيقى ما يُنعشُ روحَك،
أمَّا الميتافيزيقا ورياضياتُ العلماءْ،
فخُذْ من أيِّهما ما تقبله ذائقتُك،
إذ لا خير بعلمٍ لا يُمتعُ قلبَ الإنسانْ.١٠
وبإيجازٍ يا مولايَ ادرُسْ أكثرَ ما تهواهُ وحسب. (٤٠)
لوسنتو :
أُجزِلُ شُكري لك يا ترانيو! فمَشورتُكَ هي المُثلى!
لو أنَّكَ١١ يا بونديلو كنتَ وصلتَ إلى الشاطئِ
لَتَجهَّزْنا فورًا للسُّكْنى بمكانٍ يصلُحُ
لاستقبالِ ضيوفٍ من أبناء البلدة في بادوا
ممَّن سوف نخالطُ ونصاحبُ أثناء العيش هنا (٤٥)
لكنْ فلْنتمهَّلْ بُرهة. ما هذا الجمعُ المُقبِل؟
ترانيو : عرضٌ فنيٌّ لا شكَّ بقَصْدِ الترحيبِ بنا.
(يدخل بابتيستا مع ابنتيه كاترينا وبيانكا، وخلفهم جريميو، وهو هرم نحيل أحمق، وهورتنسو الذي يريد خِطبة بيانكا، فيتوارى لوسنتو وترانيو ليشهدا ما يحدُث.)١٢
بابتيستا :
يا سادتي! أرجوكما كُفَّا عن الإلحاف في هذا الصَّدَدْ!
إذ تعرفان ما استقرَّ خاطري عَلَيْه،
فلستُ أرضَى أنْ أزوِّجَ ابنتي الصغرى (٥٠)
من قبل أن أزوِّج ابنتي الكُبرى،
فإنْ يكُنْ أيُّكما يميل للكبرى كاترينا
فإنَّ عِلْمي ووِدَادي لكما يُتيحُ لي السماحَ
للذي يريدُ أن يُطارح الكبرى الغرامَ أنْ يُطارحَها.١٣
جريميو :
يَطرحُها تَقصِدْ! إنَّ فظاظَتَها١٤ أكثرُ مما أحتملُهْ (٥٥)
هيَّا يا هورتنسو! أتُراكَ تُفضِّلُ أيَّهُما؟
كاترينا :
أرجوك اسمعني يا سيد! هل ترغب أن تجعلني قطعةَ شطرنج١٥
في أيدي الخُطَّاب هنا؟
هورتنسو :
خُطَّابٌ يا آنسة؟ ماذا ترمِينَ إليه؟١٦،١٧ لن نُصبحَ من خُطَّابِكِ
إلَّا إنْ أصلحتِ طباعَك وغدوتِ أرقَّ وألطف. (٦٠)
كاترينا :
عليكَ أن تستبعدَ الذي ذكرتَهُ تمامًا واسترح،
فمبدأ الزواج ما دنا من قلبها ولا أتى نِصفَ الطريق،
ولو تزوَّجَتْ فثِقْ بأنها حريصة على أن تَقْرعَكْ،
وأن تشجَّ رأسَكْ … وتغرسَ الأظفارَ في أنحاء وجهِكْ،
كي يكتسي بصبغة الدم المُهرَقْ،
ولن يكون في عيونها سوى أحمقْ!١٨ (٦٥)
هورتنسو : من شياطين البرايا نجِّنا يا ربُّ يا رحمن!
جريميو : ونجِّني يا رحيمُ أيضًا!

 (يتحادث ترانيو ولوسنتو جانبًا.)

ترانيو :
مولايَ أنصتْ! هذه بوادرٌ لما أراه خير تسلية،
فالبنت إمَّا في جُنون مطبقٍ أو غضبةٍ هوجاءَ عاتية.
لوسنتو :
لكنني في صمت أختها أرى الحياءْ (٧٠)
والحكمة التي تَزِينَ مَسْلكَ العذراءْ.١٩
اسكُتْ ترانيو!
ترانيو : مولايَ صَدَقت فلن أنبسْ. وتأمَّلْ كيف تشاء!٢٠
بابتيستا :
يا سادتي! سأُثبتُ الذي أقوله بلا إبطاءْ.
أرجوكِ الاحتجابَ يا بيانكا، (٧٥)
ولا تخالي أن في هذا إساءةً إليك يا ابنتي الوديعة،
فإن حبي لن يقلَّ يا فتاتي مطلقًا.
كاترينا : أفسدها التدليلُ! وما أحراها أن تبكي بدموعٍ زائفةٍ
إن وجدَتْ سببًا يدعوها!٢١
بيانكا :
فلتَرضَيْ يا أختي عمَّا أغضَبَني، (٨٠)
وأنا أخضعُ يا أبتِ لأمرِكِ بتواضُعْ،
سأصاحبُ كُتُبي والآلاتِ الموسيقيَّةَ،
أقرأُ وأمارسُ تدريبي وحدي!
لوسنتو : اسمعْ ترانيو! كأنما تكلمَتْ منيرفا٢٢ … ربة الحكمة!
هورتنسو :
لِمَ تُبدي هذي القسوة يا سنيور٢٣،٢٤ بابتيستا؟ (٨٥)
يؤسفني أن أفرَخَ حُسنُ نوايانا هذا الحزنَ لدى بيانكا!
جريميو :
ولماذا يا سنيور بابتيستا تحبسُها٢٥ كي تُرضي
هذي الشيطانةَ من قلبِ جهنَّمْ؟ ولماذا تأمرُها
بالتكفير القاسي عن أخطاءِ لسانِ شقيقتها؟
بابتيستا :
لا رجعة يا سادةُ عمَّا قرَّرتُهْ. (٩٠)
انصرفي يا بيانكا.
(تخرج بيانكا.)
أعرفُ كم تُبهجها الآلاتُ الموسيقيةُ والألحانُ٢٦
وأشعارُ الشعراءْ … ولسوف أجيءُ لها بأساتذةٍ
ليُقيموا في منزلنا ممَّن برعوا في تعليم النَّشْء،
لكي تتعلَّم منهم. لو كنت على معرفةٍ يا هورتنسو — (٩٥)
أو يا سنيور جريميو — بأساتذةٍ ممَّن أعني،
فرجائي أن توصيهم بالإتيان إلينا، فالعلماء ينالون
لديَّ العطفَ السابغ، وأنا أبسط كلَّ البسط يدي
في تنشئةِ بناتي تنشئةً صالحةً … وإذَن فوداعًا!
لكِ أن تَبْقَيْ يا كاترينا. (١٠٠)
أمَّا بيانكا فأنا أعتزمُ مواصلةَ نقاشي معَها.

(يخرج بابتيستا.)

كاترينا :
عجبًا! أفما من حقِّي أن أذهبَ أيضًا؟
هل سيحدِّدُ لي أحدٌ ساعاتٍ أعمل فيها أو لا أعمل؟
فكأني لا أعرفُ ما أختار وما أترك؟ ها!

(تخرج كاترينا.)

جريميو :
من حقِّكِ أن تذهبي لأمِّ الشيطان!٢٧ مواهبك رهيبة تمنع الناس (١٠٥)
من طلبك! اسمع يا هورتنسو! لم يبلغ هذا٢٨ الحبُّ درجةً تحُول
دون استمرار صداقتنا،٢٩ أو تمنعنا من الصبر قليلًا! لم يسعفني أو
يسعفك الحظ!٣٠ فوداعًا! أمَّا ما أحمله من حبٍّ لبيانكا فسيدفعني
أن أبحث٣١ عمَّن يصلُحُ لتعليمها ما يسرُّها أن تتعلمه، فإذا (١١٠)
وجدته زكيته لوالدها.
هورتنسو :
وكذاك أنا يا سنيور جريميو، لكن أرجوك اسمعْ منِّي هذي
الكلمات: إننا لم نتباحث إلى الآن في طبيعة خلافنا، ومع ذلك
فإنني أنعمتُ النظر في الأمر فوجدتُ أن القضية تهمُّني مثلما
تهمُّك، وأننا نستطيع رغم كل شيءٍ أن نصل إلى عروسنا (١١٥)
الجميلة ونعود إلى التنافس في حبِّ بيانكا إذا اجتهدنا وحقَّقْنا
أمرًا واحدًا.
جريميو : وما ذاك أرجوك قُلْ لي؟
هورتنسو : الأمر واضح! أن نعثر على زوج لأختها.
جريميو : زوج؟ قُل شيطان! (١٢٠)
هورتنسو : بل أقول زوج.
جريميو :
وأنا أقول شيطان! هل تعتقد يا هورتنسو أن ثراء أبيها يمكن
أن يُقنع رجلًا مهما يبلغ حمقه أن يتزوج من جهنَّم؟
هورتنسو :
اسكت يا جريميو! إن كنت وإياك لا نطيق الصبر على (١٢٥)
مشاكساتها الصاخبة، ففي الدنيا رجال صالحون، إن استطعنا
أن نجد أحدهم، ممَّن يقبلونها بكل عيوبها،٣٢ ما دامت تحمل لهم
المال الكافي.
جريميو :
لا أدري! لكنني أوثر أن أنال بائنتها بشرط واحد؛ أيْ أن تُجلد٣٣ (١٣٠)
كل صباحٍ عند الصليب الكبير في ساحة السوق.
هورتنسو :
الحق كما تقول؛ فإن الاختيار ينتفي إن كان التفاح كله عفنًا!٣٤
ولكن اسمع! ما دامت هذه العقبة القانونية٣٥ تجمع بيننا،
فلنحافظْ على التضافر والودادِ حتى نتمكن من العثور على (١٣٥)
زوج لابنة بابتيستا الكبرى، وبذلك نتيح للصغرى حرية
الزواج! وبعدها فلنعُد إلى التنافس والخصام من جديد! آه يا
بيانكا الحلوة! ما أسعد مَن يفوز بك! الأسرع يظفر بالخاتم!٣٦
ما قولك في هذا يا سنيور جريميو؟ (١٤٠)
جريميو :
موافق! ليتني أستطيع أن أهب أسرع جواد في بادوا لمَن يبدأ
التودُّد إليها وينجح قطعًا في أن يخطبها ويتزوجها ويبني بها٣٧
ويخلص المنزل منها. هيا بنا نمضي.

(يخرج جريميو وهورتنسو.)

(يتقدم ترانيو ولوسنتو إلى وسط المسرح.)

ترانيو :
أرجوكَ أجبْني يا مولايْ: هل يمكنُ للحبِّ (١٤٥)
السيطرةُ على المرءِ تمامًا فجأة؟
لوسنتو :
بل ما ظننتُ يومًا أنَّ ذاك ممكنٌ أو محتملْ
حتى خبرته بنفسي فاكتشفتُ صدقَهْ! اسمعْ ترانيو،
بَيْنا أنا ألقي على الفتاة نظرةً عابرة
أحسستُ أنَّ قَطْرَ زهرةِ الغرام الساحرة٣٨،٣٩ (١٥٠)
في كلِّ عينٍ يترقرقْ! والآنَ دعني أعترفْ بالصِّدقِ لك
ما دمتَ خِلِّيَ الأمينَ والعزيزَ مثلما كانت لدايدو الملكة
خليلةً في عرشها على ربوع قرطاجنة تُدعى «أنَّا»!٤٠
اسمعْ ترانيو، إنني سأحترقْ! لا بل سأذوي ثم أَهلِكْ
إنْ لم أفُزْ بهذه الفتاة الوادعة. (١٥٥)
قدِّمْ إليَّ مَشورتَكْ … فأنتَ قادرٌ عليها.
ومُدَّ لي يدَ المساعدة … فأنتَ مَن يسخو بها.٤١
ترانيو :
مولايَ هذا الوقتُ لا يناسبُ المَلامْ
والعذلُ لا يمحو من القلب الغرامْ
إن كان ذاك الحبُّ قد مسَّكْ … فقُمْ وخلِّصْ نفسَكْ، (١٦٠)
وادفعْ أقلَّ فديةٍ مقابلَ الخلاص من أَسْرِكْ.٤٢
لوسنتو :
شكرًا جزيلًا يا فتى … قلْ لي إذَن ماذا ترى؟
فإن فيما قلت راحةً وفي المَشورة الحصافة.
ترانيو :
يا سيِّدي! لقد أطلتَ نظرةَ الإعجاب للفتاةِ حتى
غابَ عنكَ جوهرُ القضية. (١٦٥)
لوسنتو :
فعلًا رأيتُ ذلك الجمالَ عذْبًا في مُحيَّاها
كالفتنة التي بدَتْ في وجه يوروبا،
وأَرغمَتْ جوف العظيم عندها على الهبوط من علياهُ،
حتى ينالَ راكعًا يدَ التي يهواها،
إذ قبَّلَتْ رمالَ شطِّ البحرِ في كريت رُكبَتَاهُ.٤٣ (١٧٠)
ترانيو :
ألم تلاحظْ غير هذا؟ ألم تلاحظْ كيف أن أختها
هبَّتْ تسبُّ مثل أكبر العواصف المُدَمدِمَة
حتى غدا الضجيجُ داويًا ولا تُطيقُهُ الأُذنْ؟
لوسنتو :
رأيتُ مَرجانَ الشِّفاهِ يا ترانيو عندما افترَّتْ
وعطَّرتْ أنفاسُها الهواءَ حولنا. (١٧٥)
وكلُّ ما رأيتُهُ فيها مقدَّسٌ وعذْب.
ترانيو (جانبًا) :
حانَ الوقتُ لأن يصحو من سَكرتِهِ!
أرجوك استيقظْ يا مولايْ! إن كنتَ تُحبُّ البنتَ عليكَ
بتجنيدِ الفِكرِ ومَلَكَاتِ الذِّهن جميعًا للفوز بها! والموقف كالتالي:
الأختُ الكبرى سيئةُ الطبع وذاتُ لسانٍ حادٍّ ولذا
— حتى ينفُضَ والدُها يدَه منها — ستعيشُ (١٨٠)
«بيانكا» المحبوبةُ في المنزل عذراءْ،
إذ يُحكِمُ والدُها طَوْقَ الحبسِ عليها،
حتى لا يزعجها مَن يطلُبُ يدَها.
لوسنتو :
آهٍ يا ترانيو! ما أقسى ذاك الوالد!
لكن أفلم تلحظْ حرص الرجل على إحضار أساتذةٍ (١٨٥)
نُبهاءَ لتعليم ابنته في المنزل؟
ترانيو : بل إني لاحظتُهْ … ووضعتُ الخُطَّة!
لوسنتو : ولديَّ أنا أيضًا خُطة.
ترانيو : يا مولايْ! خُطتك وتدبيري يلتقيان بمشروعٍ واحد.٤٤
لوسنتو : قل ما لديك أولًا. (١٩٠)
ترانيو : كنْ أنت أستاذًا يعلِّمُها وهذي حيلتي.
لوسنتو : فعلًا، ولكن هل ستنجح؟
ترانيو :
بل ذا مُحالْ! إذ مَن سيشْغلُ موقعَكْ
ويكون ابن فنشنتو هنا في بادوا؟ أيْ مَن يُقيمُ
في مكانِهِ بمنزلة … وعاكفًا على دروسه مُرحِّبًا بأصدقائهِ (١٩٥)
مستقبلًا مواطنيه مُستضيفًا مُكرمًا لهم؟
لوسنتو :
اسكت! يكفي!٤٥ فبعين خيالي اكتمل المشروعْ.
لم يرَنا أحدٌ داخل أيِّ منازلْ
ومحالٌ أن يتبينَ أحدٌ من وجهينا مَنْ منَّا السيِّدُ
أو مَنْ منَّا الخادمْ. وعلى هذا (٢٠٠)
كُنْ أنتَ السيِّدَ بدلًا مني.
اسكُنْ بيتي وافعل فعلي واستأجرْ خدمي.
وسأصطنع لنفسي شخصية رجلٍ من أبناء فلورنسا حينًا،
أو من نابولي حينًا آخر … أو رجلًا أحقر من بلدة بيزا.
اكتمل التدبيرُ وسوف ننفِّذه … هيا يا ترانيو! اخلع ما تلبسُ (٢٠٥)
والبسْ قبَّعتي وعباءتي الزاهية الألوان على الفورِ
 (يتبادلان الملابس الخارجية.)٤٦
فإذا ما جاء بيونديلو أصبح من خدمك،
لكني سوف أعالجه (بالمال) لأضمن كتمانه.
ترانيو :
حاجتك إلى ذلك واضحة! وبإيجازٍ يا مولايْ،
يُرضيني أن أصبح لوسنتو، (٢١٠)
ما دامت تلك إرادتك وما دمت أنا ملتزمًا بالطاعة!
ذلك ما أوصاني والدك به عند رحيلي،
إذ قال «افعل ما يأمرك ابني به!»
ولو أني أتصور أن الوالد لم يكُ يقصد هذا،
لكنْ يُسعدني أن أصبحَ لوسنتو، (٢١٥)
إذ ما أعمقَ حبِّي لك يا لوسنتو!
لوسنتو :
كُن ذلك فالمدعو لوسنتو عاشقْ
ولأكُن العبدَ لأظفرَ بفتاةٍ لاحتْ لي فجأة
فاستعبدت العينَ وجَرَحَتْها بَغتة!
(يدخل بيونديلو.)
ها قد أقدَمَ ذاك الوغد! في أيِّ مكانٍ كنت؟ (٢٢٠)
بيونديلو :
أين كنت أنا؟ عجبًا! بل أين أنتَ قُل لي؟ يا سيدي هل سرق
زميلي الخادم ملبسَك؟ أم أنك أنتَ سرقت ملابسَه؟ أم أنكما
متواطئان؟ أرجوك قُل لي ما يحدُث؟
لوسنتو :
يا غلامٌ اقتربْ! ليس هذا الوقتُ وقتَ الهزْلِ.
فلتكيِّفْ كلَّ فعلٍ وفق ما تقضي به اللحظة (٢٢٥)
قد رأى ترانيو زميلُكْ … أنَّ إنقاذَ حياتي٤٧
يقتضي أنْ ألبسَ الذي يلبسُهُ … فاستعارَ مَظهري
وارتديتُ كي أفوزَ بالنَّجاة ملبسَهْ،
فأنا عند نزولي شاطئ البلدة
كنتُ نازلتُ فتًى ثم قتلتُهْ … وبقلبي خشيةٌ ممَّن عساهُ رآني. (٢٣٠)
إن أمري الآن أن تخدمه … وفق ما تقضي به الأحوال،
ريثما أرجو فراري ناجيًا بالروح من فوري.
هل فهمت الآن قصدي؟
بيونديلو : سيدي، لا! ما فهمت الآن حرفًا واحدًا!٤٨
لوسنتو :
واحذرْ أن تذكر حرفًا من اسم ترانيو،
إذ إنَّ ترانيو أصبحَ لوسنتو! (٢٣٥)
بيونديلو : ما أسعدَه! يا ليتني غدوتُ مثلَهْ!
لوسنتو :
وليتني يا أيها الغلام حقَّقتُ الرغيبةَ التي تليها،
أيْ أنْ ينال لوسنتو حقيقة فتاة بابتيستا الصغيرة،
لكن عليك يا غلامُ أن تراعي الكياسةَ التي أوضحتُها
من أجل سيدك — وليس من أجلي — بكلِّ مجتمعْ، (٢٤٠)
وهكذا إذا اختلينا كنتُ في عينيكَ مَنْ ترى؛ ترانيو
لكنَّني مولاكَ لوسنتو بكلِّ محفلٍ سِواه.
لوسنتو :
هيا ترانيو نذهبْ، لكنْ عليكَ أنْ تؤدِّي لي مهمَّةً أخرى؛
كُنْ خاطبًا من بين خطَّابِ الفتاة،
فإنْ طلبتَ علةً لذلك القرار عن يقينْ (٢٤٥)
كفاكَ قولي إنه لذو أساسٍ ثابتٍ متينْ.٤٩

 (يخرج الجميع.)

 (مقدِّمو المسرحية٥٠— سلاي وبرثلوميو وخادم — في ركن المسرح، ربما فوق مصطبة منخفضة، يتحدثون.)
الخادم : إنكَ تغفو يا مولايَ ولا تأبهُ للتمثيلية
سلاي :
فِعلًا وبحقِّ القديسة آن! موضوعٌ ممتازٌ لا شكَّ!
ألها الآنَ بقيَّة؟
:
برثلوميو : مولايَ إنها ابتدَتْ لتوِّها. (٢٥٠)
سلاي : عملٌ ممتازٌ حقًّا يا سيدتي الزوجة. كم أرجو أن تختتم الآن!
 (يجلسون ليتابعوا المشاهدة.)٥١

المشهد الثاني

(يدخل بتروشيو وخادمه جروميو.)٥٢
بتروشيو :
ودعتُكِ يا فيرونا وأتيتُ لأمكث زمنًا في بادوا
كي ألقَى أصحابي وخصوصًا أقربَهم لفؤادي.
هورتنسو! مَن يُثبت صدقَ صداقتِه دومًا،
ويقيني أن الدار هنا دارهْ،
والآن جروميو قُمْ فاقرَعْ.٥٣ (٥)
جروميو :
أقرَعُ مَنْ يا مولايْ؟ هل ساءكَ أحدٌ تبغي أنْ
أقرعَهُ يا ذا العِزَّة؟
بتروشيو : يا وغدُ أقول وبصوتٍ عالٍ.
جروميو : أقرعُكَ هنا يا مولايْ؟ لكني أحقر من أن أقرَعَك هنا! (١٠)
بتروشيو :
يا وغدُ أقولُ اقْرَعْ لي، دُقَّ أو اطرُقْ،
ذاك وإلَّا فسأقرعُ هذا الرأسَ الأحمق.
جروميو :
مولايَ يريدُ مشاجرةً. إنْ أبدأْ بالقَرْعِ أنا
كي تعقُبني فسأعرفُ مَن منَّا ينهزمُ هنا.
بتروشيو :
أفلن تفعل؟ إن لم تقرَعْ يا وغدُ (١٥)
شددتُكَ من أُذنيكَ كحلْقةِ هذا البابْ،
وجعلتُ صُراخَكَ حقًّا أنغامَ عذابْ.٥٤

(يشدُّه من أذنه فيصرخ جروميو.)

جروميو : الغَوْثَ سادتي! قد جُنَّ سيدي!
بتروشيو : إذَن لتقرَعْ عندما تؤمر! يا أيها الوغد الحقيرْ!

(يدخل هورتنسو.)

هورتنسو :
عجبًا ما الأمر؟ أهذا جروميو صديقي القديم، وهذا صديقي (٢٠)
الصدوق بتروشيو؟ كيف حالكما وحال الأُسرة في فيرونا؟
بتروشيو : سنيور هورتنسو! هل جئتَ لتفصِلَ في هذي الوَقْعَة؟٥٥

«اقبلْ ترحيبي القلبي بلقائكَ في هذي البقعة!»

هورتنسو :
بل مرحبًا في دارنا بتروشيو٥٦ الكريمْ (٢٥)
انهضْ إذَنْ جروميو! فسوف نعقدُ المُصالحة.
جروميو :
لا لا! الأمر لا يهمُّ يا سيدي. فهو يزعم ما يزعمه باللاتينية٥٧
وإن لم يكُنْ هذا سببًا قانونيًّا لتَرْكي خدمتَه فإنه … أعني …
اسمع، أقول، يا سيدي: لقد طلب مني أنْ أقرَعَهُ وأضرِبَه. (٣٠)
«وبصوت عالٍ» وأنا أسألكم إن كان من اللائق أن يفعل.
ذلك خادم بسيده، فهو — حسب ما أرى — يعاني من خلل.
طفيفٌ في عقله … مقدارُه درجةٌ واحدة.
بالله كان ينبغي عليَّ الابتداءُ بالقِرَاع
من أجلِ أن أنجو فلا ألقَى انهزامًا في الصراع. (٣٥)
بتروشيو :
وغْدٌ لا عقْلَ له يا هورتنسو الأكرمْ
كنتُ أمرتُ السافلَ أن يقرَعَ بابَكْ
لكني قسمًا بحياتي لم أُفلِحْ قَط.
جروميو :
أن أقرع الباب؟ يا ربي! إنك لم تُصدِرْ هذا الأمرَ الواضح! ألم
تقُل اقرَعْ يا غلامُ هنا … دُقَّ واضرِبْ وبصوتٍ عالٍ؟ (٤٠)
بتروشيو : فلتمضِ أيها الغلامُ من هنا … أو فاسكُتْ! هذا أمري!
هورتنسو :
الصبرَ يا بتروشيو، إني كفيل بجروميو
أمَّا الذي جرَى هنا بينكما فأمرٌ مؤسفٌ (٤٥)
فإنه خادمك اللطيف والموثوق من زمنٍ بعيدٍ بِهْ،
والآن يا صديقي الرائع! قُلْ أيُّ ريحٍ طيبةٍ٥٨
هبَّتْ فجئتَ اليوم بادوا تاركًا أرباض فيرونا العريقة؟
بتروشيو :
قُلْ إنَّها الريح التي قد تنثر الشبَّانَ في الدنيا العريضة،
كي يستزيدوا من معارفهم ويَلقَوا سعدَهم (٥٠)
ما في المُقام بموطنٍ إلا قليلُ الخبرةِ.٥٩
يا سيدي هورتنسو، إن شئتَ إيجازًا فهذا موجزًا حالي،
قد مات أنطونيو أبي …
وهكذا ألقيتُ نفسي ها هنا في هذه المتاهة،
فربما سعدتُ بالزواج وازدهار حالي٦٠ قدْرَ طاقتي (٥٥)
كيسُ نقودي عامرٌ بالذهب، وعندي الخيراتُ في وطني،
وهكذا خرجتُ من دياري كي أرى الدنيا.
هورتنسو :
بتروشيو! هل أقدِرُ أن أدخل في الموضوع مباشرةً،
فأجيب لك المطلب بفتاةٍ سيئة الطبع وذاتِ لسانٍ حادٍّ؟
لن أتلقَّى أجزلَ شكرٍ منك على ذلك، لكنِّي (٦٠)
أعِدُكَ أن البنتَ غنيَّة … بل هي ذاتُ ثراءٍ فاحشْ.
لكنَّ صداقتنا أعمقُ من أنْ تسمحَ لي
أنْ أرجوها لك زوجة.
بتروشيو :
اسمع يا سنيور هورتنسو! عمق صداقتنا يقضى بالإيجاز٦١
فإن كان لديك العلمُ بمَنْ تبلغ ثروتها (٦٥)
حدًّا يجعلها صالحةً لزواجي منها،
(فالثروةُ لحني الأول في موسيقى الخِطبة)،
حتى لو كانت أقبح من زوجة صاحبنا فلورنتوس٦٢
أو بلغت أرذلَ عمرٍ مثل سيبيل٦٣ … أو سيئة الطبع ولاذعة
مثل قرينة سقراط المدعوَّة زانثيبى٦٤ أو أشنع منها، (٧٠)
فأنا لن أتزحزح — أو قُل لن تُفلح في سلبِ الحدَّة
من حبِّي إطلاقًا — حتى لو كانت هائجةَ الموجِ
كمِثْلِ البحرِ الإدرياتيكي الهائجْ!
جئتُ لأتزوج بثراءٍ في بادوا،
وعبارة بثراءٍ تعني بهناءٍ في بادوا. (٧٥)
جروميو :
اسمعْ يا مولاي! قد أعرب لك بصراحة عن رأيه. إن تمنحه
الذهب الكافي لن يتردَّد في أن يتزوج من دُمية، أو من حِلية
على شكل فتاة، أو من عجوزٍ شمطاء سقطت أسنانها، حتى
وإن كانت تعاني من أمراض اثنين وخمسين حصانًا!٦٥ فالمال
سيفتح كلَّ السُّبل! (٨٠)
هورتنسو :
ما دمنا الآن توغَّلْنا يا بتروشيو في الأمرِ إلى هذا الحدِّ
فلسوف أواصل ما كنت أشرتُ إليه بنبرات الهزلِ …
في وسعي يا بتروشيو تقديم يد العون بأن آتيك بزوجة
ذات ثراءٍ كافٍ وشبابٍ وجمال، (٨٥)
إذ نشأتْ واكتسبتْ أفضل ما تزهو فتياتُ الأشراف به
لكنَّ بها عيبًا أوحد … وكفى بالعيب المذكور عيوبًا!
أقصد أن لها طبعًا حادًّا لا يُحتمل
ولسانًا شتَّامًا وجسارة قلبٍ فاقتْ كلَّ حدود.
حتى إني لو زادت أحوالي المالية سوءًا (٩٠)
ما كنت لأقترن بها لو أوتيت كنوزًا من ذهب!
بتروشيو :
صمتًا يا هورتنسو! إنك تجهل تأثيرَ الذهبِ
يكفي أن تذكرَ لي اسمَ أبيها
وسأتزوجُها حتى لو شتمتني صارخةً
كالرعدِ إذا قعقعت السحبُ به في يوم خريفٍ عاصف. (٩٥)
هورتنسو :
والدها بابتيستا مينولا،
رجلٌ حلو المعشر ولطيفُ الطبع،
وهي تسمَّى كاترينا مينولا،
واشتهرت في بادوا بلسانٍ حادٍّ لاذع.
بتروشيو :
أعرف والدَها لكنِّي لا أعرفها، (١٠٠)
وأبوها كان وثيقَ العلم بوالديَ الراحل.
لن يغمض لي جفنٌ يا هورتنسو حتى تشهدَها عيني،
وإذَن فاسمحْ لي أن أتجاسرَ بمفارقتك كي
أقصدَ منزلَ بابتيستا حتى من بعد لقائي الأول بكَ٦٦
إلَّا إن كنت تريد مصاحبتي. (١٠٥)
جروميو :
أرجوك سيدي! دعْه يذهب ما دامت هذه النزوة تدفعه!
أقسم إنها لو كانت تعرفه مثلما أعرفه لاكتشفت أن الشتائم لن
تُجدي معه فتيلًا! وربما قالت له يا وغد عشر مرَّاتٍ أو نحوها،
وليس ذاك بشيء! فإذا انطلق فسوف يستخدم لغة (١١٠)
واستعارات يعاقب عليها بالشنق!٦٧ ولأضف يا سيدي: إنها إذا٦٨
صمدت له قليلًا فسوف يلقي في وجهها بتشبيه يجعله مشتبهًا
به! بل لن تبقى في وجهها عينان مبصرتان إلَّا كالقطة العمياء!٦٩
إنك لا تعرفه يا سيدي!
هورتنسو :
اصبر يا بتروشيو! لا بدَّ أن أمضي معك. (١١٥)
إذ إنَّ السيد بابتيستا يحرس كنزي ويصونه،
أيْ يحبس عني درَّة عمري،
ابنته الصغرى الحسناء بيانكا،
يمنعها عني وكذلك عن غيري
من خُطَّابٍ يتنافسُ كلٌّ منهم وينافسني في حبِّي، (١٢٠)
إذ لا يتصور أن تخطب كاترينا يومًا،
ويرى ذاك محالًا
لنقائصها المذكورة من قبل،
ولذلك قرر بابتيستا أن يُصدِر هذا الأمر،
أيْ ألَّا يخطبَ أحدٌ ودَّ بيانكا (١٢٥)
حتى تتزوج كاترينا الشرسة!
جروميو :
«كاترينا الشرسة.»
لا أقبحَ من هذا اللقبِ لعذراءْ!
هورتنسو :
والآن هل أرجو من الصديق بتروشيو هنا
إسداءَ معروفٍ إلي؟ أرجوه تقديمي إلى بابتيستا (١٣٠)
متنكرًا في بعض أرديةٍ وقورة
توحي بسَمْتِ العلماءْ … وبأن يقول بأنني متبحِّرٌ في
مَبْحثِ الموسيقى … حتى أعلِّم بنته بيانكا … ولسوف تُفلح حيلتي
في أن تتيحَ لي التودُّد والكلام٧٠ على الأقل مع الحبيبة،
وبذاك أخطبها إذا انفردت معي دون انتباه أحد. (١٣٥)
جروميو :
لا خبث هنا! انظر كيف تتضافر أذهان الشبان لخداع الشيوخ.٧١
يا سيدي! يا سيدي! انظر هناك! مَن هذان المُقبِلان؟

 (يدخل جريميو الهرم وفي يده ورقة، ولوسنتو متنكرًا في زيِّ معلم يدعى كامبيو.)

هورتنسو :
اسكت جروميو! ذاك ينافسني في حبِّي.
فلنتنحَّ قليلًا يا بتروشيو. (١٤٠)
جروميو : يافعٌ زاهٍ وعاشقْ!٧٢

 (يبتعد بتروشيو وهورتنسو وجروميو ويختبئون لاستراق السمع، ويتقدم جريميو الهرم ولوسنتو.)

جريميو (مشيرًا إلى الورقة) :
لا بأس. درست الفاتورة.٧٣ أرسل هذي الكُتُبَ إلى
ورشة تجليدٍ حتى تكتَسِبَ الرونقْ،
(فهي جميعًا من كُتُبِ الحبِّ على أيَّة حالْ)،
واحرصْ ألَّا تُقرئَها موضوعاتٍ أخرى … وأظنُّك تفهمني، (١٤٥)
فإلى جانبِ ما تسخو يدُ سنيور بابتيستا به
سأضيفُ مكافأةً مُجزيةً لك.
خذ أيضًا فاتورتك وأرجو تعطيرَ الكُتُبَ بعطرٍ نفَّاذٍ،
إذ تُهدَى لفتاةٍ ذات جمالٍ أبهى من أحلى عطرٍ، (١٥٠)
ماذا سوف تعلِّمَها؟
لوسنتو :
مهما يكُن الموضوع فسوف أزكِّيكَ لها.
وأقولُ بأنَّكَ ترعاني. ثِقْ في هذا كلَّ الثِّقةِ،
كأنكَ تقفُ هنالك معنا أثناءَ الدَّرسْ،
وبألفاظٍ قد تنجحُ أكثر من ألفاظكَ يا مولايْ، (١٥٥)
إلَّا إن كنتَ تعلَّمتَ العِلْم.
جروميو : يا للتَّعليم! ما أغرَبَهُ من شيء!
جروميو  (جانبًا) : يا للأبله! ما أشبهَهُ بحمارْ!
بتروشيو  (جانبًا)  : اسكُتْ يا غُلام!
هورتنسو  (جانبًا)  :
اخرس يا جروميو! (١٦٠)
 (يتقدم هورتنسو وبتروشيو وجروميو من جريميو ولوسنتو.)
فليحفظْكَ اللهُ أيا سنيور جريميو!
جريميو :
ما أسعدَني بلقائِكَ يا سنيور هورتنسو!
هل تدري مَنْ أتَّجهُ إليه؟ بابتيستا مينولا،
كنت وعدتُ الرجل بأنْ أبحثَ بعناية
عن أستاذٍ لابنتِهِ بيانكا الحسناءْ، (١٦٥)
ولقد وُفِّقتُ لحُسنِ الحظِّ إلى هذا الشابِّ النابِه،
مَنْ يصلُحُ عِلْمًا وسلوكًا للتدريسِ لها،
فهو المتبحِّرُ في شِعرِ الشعراءِ وفي الكُتُبِ الأخرى …
فيها كُتُبٌ قيمة … وأؤكدُ لك.
هورتنسو :
لا بأس بهذا، إذ قابلتُ أنا أيضًا رجلًا (١٧٠)
وعَدَ بأنْ يأتيَني بفتًى آخَرْ،
موسيقيٌّ محترفٌ يتولَّى تعليم حَبيبتِنا،
وبهذا لن أتخلَّفَ عمَّا يفرضه حبُّ الحسناءِ بيانكا
من واجبْ … إذ شَغَفَتْني حبًّا.
جريميو : هي مَن أهواها وكما أُثبت بالأفعال. (١٧٥)
جريميو  (جانبًا)  : وكما يُثبتُ بالأموالْ!
هورتنسو :
ليست هذي اللحظةُ لحظةَ تنفيسٍ عن مكنون الحبِّ
وإذا راعيتَ أصولَ المنطق فيما نتفاوضُ فيهِ
فسأروي لكَ خبرًا يُعقِبُ خيرًا لكلينا:
إنِّي قابلتُ مصادفةً رجلًا يقبَلُ، (١٨٠)
(إنْ أرضاهُ العائدُ من هذي الصفقة)،
أنْ يخطب كاترينا الشرسة،
بل أن يتزوجها إن وجَدَ البائنةَ ملائمةً لهْ.
جريميو :
أنعِمْ بهِ إن صدَّقتْ أفعالُهُ أقوالَهْ.٧٤
أتراك كشفت له يا هورتنسو عن كل عيوبٍ فيها؟ (١٨٥)
بتروشيو :
عرفت أنها سليطةُ اللسانِ تطلبُ الشجارَ والنكدْ
إن لم يكُنْ في الأمر غيرُ هذا ما أصابني كمَدْ
جريميو : ما أعجبَ قولَكَ يا صاحْ! ما وطنُكْ؟
بتروشيو :
فيرونا مسقط رأسي وأبي أنطونيو.
مات أبي لكنَّ الثروةَ واللقبَ يعيشان معي، (١٩٠)
وأنا أرجو أن أحيا أيامًا هانئةً وأعيشَ طويلًا.
جريميو :
لكنِّي أستبعدُ ذلك مع تلك الزوجة،
أمَّا إن آنستَ القُدرةَ في نفسك فتقدَّمْ باسم الله،
وأنا أضمنُ تقديم العَونِ إليكَ بكلِّ الأشكالْ،
أتُراكَ تودُّ بصدقٍ أن تخطبَ ودَّ فتاةٍ متوحشةٍ؟
بتروشيو : أتراني أرغب في أن أحيا؟٧٥ (١٩٥)
جروميو : هل يخطبُها؟ ذاك وإلَّا أشنُقُها!٧٦
بتروشيو :
وهل جئتُ إلا كي أفوزَ بوصلِها؟
وكيف تخيَّلتُم بأنَّ مَسامِعي
تخافُ ضجيجًا تافهًا من لسانِها؟
تُرانيَ لم أسمعْ بما مرَّ من عمري
زئيرًا لرِئْبالٍ وصيحةَ ضيغمِ؟
تُرانيَ لم أسمعْ هديرَ بحارِنا
إذا لَطَمتْها الريحُ فاشتدَّ سُخْطُها (٢٠٠)
وهاجتْ كخنزيرٍ من الوحشِ غاضبٍ
ويعرَقُ من غيظٍ فيعلو قُباعُهُ؟
تُرانيَ لم أسمع ضجيج مدافعٍ
ضخامٍ وفي الميدان يرعدُ قصفُها؟
تُراني لم أسمعْ هزيمًا مقعقعًا
لقصف رعودٍ كالمدافع في السما؟
ألم أستمعْ من قبلُ في حَوْمةِ الوَغَى
لدقاتِ طبلٍ أو نفيرٍ يدوِّي أو صهيل خيولها؟٧٧ (٢٠٥)
وها أنتمُو خِلْتُم بأنْ قدْ يُخيفُني
لسانٌ لأنثى لا يزيد ضجيجُهُ
عن الكستنا إن طقطقت ومُزارعٌ
على ناره يشويها،
أخيفوا إذَن أطفالَكُم بالبَعَابِع.
جروميو : فذلك لا يخشى من الناس لاغيًا!
جريميو :
فلْتتنبَّه هورتنسو! عقلي يقول لي (٢١٠)
وصولُ هذا السيد الكريم قد أتى بالسَّعد ها هنا
لخيرهِ وخيرِك.
هورتنسو :
كنتُ وعدْتُ الرجلَ بأن نُسهِمَ في نفقاتِ الخِطبة
بل أنْ نتحمَّلها عنه مهما تَبْلُغْ
جريميو : ولسوف نفي بالوعدِ بِشَرطِ نجاحِه. (٢١٥)
جروميو :
يا ليتَ عندي ما لديه من ثِقَة
في أنْ أنالَ وجبةً شهيَّة!

 (يدخل ترانيو متنكرًا في شخصية لوسنتو ومعه الخادم الصغير بيونديلو.) 

ترانيو :
يا سادة حفظكم الله! هل لي أن أجرؤ كي أسألكم ما أقصَرُ
هذي الطرقِ إلى منزلِ بابتيستا مينولا؟
بيونديلو : والد الجميلتين؟ هل ذاك مَن تعني؟ (٢٢٠)
ترانيو : بل هو مَنْ أعني يا بونديلو حقًّا!
جريميو : لكنَّكَ لا تعني أن تخطبها صدقًا؟
ترانيو : ربما قصدتُهُ ورُمْتُها مَعَهْ … ما الذي يعنيك أنتَ من شُئونِها؟
بتروشيو : أرجو بألَّا تنتوي أن تخطب التي قد ذاعَ سوءُ طَبعِها!
ترانيو : بل لا أحبُّ سيئاتِ الطبعِ … هيَّا مِنْ هنا بونديلو. (٢٢٥)
لوسنتو (جانبًا) : أحسنت يا ترانيو هذه البداية.
هورتنسو :
يا سيِّدي أرجوك كِلْمةً من قبل أن تذهبْ
هل هذه الفتاةُ حقًّا مَنْ تريدُ أن تُخطَبْ؟
ترانيو : وإن أكُنْ أريدُها فهل ترى في ذاك وِزرًا؟
جريميو : كلَّا إذا مضيت دون كلمةٍ أخرى وفورًا! (٢٣٠)
ترانيو : أقول إنما شوارع المدينة … لكلِّ عابرٍ مباحة
جريميو : لكنما العذراءُ غير متاحة.
ترانيو : قل لي لماذا لو سمحت؟
جريميو :
إذا أردتَ أنْ تُحيطَ بالسببْ … فقُلْ
لأنها الحبيبةُ الأثيرة … للسنيور جريميو. (٢٣٥)
هورتنسو : وإنها الحبيبة الأثيرة … للسنيور هورتنسو.٧٨
ترانيو :
أرجو الهدوءَ سادتي! إن كنتمو حقًّا من السادة
فلتمنحوني الحقَّ في أن تصبروا وتسمعوني.
الشيخ بابتيستا نبيلٌ ذو شرفْ،
وليس جاهلًا بوالدي، (٢٤٠)
لو أن بنتَهُ زادت بهاءً فوق حُسنها
فسوف تستحقُّ أن يزيد خاطبوها … وها أنا من بينهم!
قد كان يسعى كي يفوز بقلب هيلين الجميلة٧٩ ألفُ خاطبْ.
وإذَن فما ضرَّت زيادةُ خاطبي بيانكا الجميلة واحدًا
ولسوفَ يزدادون بي: فالآن لوسنتو أتاكم طالبًا يدها (٢٤٥)
حتى ولو جاء الفتى باريس٨٠ يرجو أن يفوزَ بها لنفسه.
جريميو : عجبًا! هل يتفوقُ هذا الرجلُ علينا بحديثه؟
لوسنتو : اسمحْ للفرس بأن يتسابق، إذ لن يلبثَ أن يتقهقر!
بتروشيو : هورتنسو! ما الغاية من هذي الأقوال جميعًا؟
هورتنسو :
اسمحْ لي يا سيِّد أن أتجرأ بسؤالك: (٢٥٠)
هل شاهدتَ ابنة بابتيستا يومًا ما؟
ترانيو :
كلَّا لكني أسمعُ أن له بنتَين؛
الأولى اشتهرَتْ بلسانٍ لاذعْ
والأخرى اشتهرَتْ بجمالِ تواضُعْ
بتروشيو : اسمع يا سيِّد! الأولى من حقِّي فتحاشاها. (٢٥٥)
جريميو :
فعلًا! اترك ذاك الجهدَ الخارقَ لهرقلَ الأعظَمْ
حتى لو أنَّ مَشَقَّتَهُ فاقَتْ إنجازاتِ البطلِ الاثنَي عَشَرَ.٨١
بتروشيو :
أرجوكَ افهمْني يا سيِّدُ حقَّ الفَهْم
أمَّا ابنتُه الصغرى … مَنْ تَسعَوْن جميعًا للفوزِ بها،
فأبوها يحجُبُها عن كلِّ الخُطَّابْ، (٢٦٠)
بل لن يقبَلَ أنْ يخطبَها أيُّ رجلْ
حتى تجد الكبرى مَنْ يتزوجها،
أيْ لن تتحرر تلك الصغرى قبل زواجِ الكبرى.
ترانيو :
إن كان الأمر كذلك وغدوتَ الرجلَ المتوقَّعَ منهُ
إسداءُ العَونِ لنا … وأنا من بين الكُلِّ … (٢٦٥)
إن كنت ستأتي فتذيبُ جليدَ الموقِفِ٨٢ وتحقِّقُ هذا الإنجازْ
أيْ أنْ تقترن هنا بالكبرى كي تتحرر تلك الصغرى
حتى نتواصل معها … فالفائز حَسَنُ الطالِعِ٨٣
لن يبلغ سوءُ التقديرِ به أن يجحَدَ فضلَكْ.
هورتنسو :
أحسنتَ التعبير وإدراكَ الموقفْ، (٢٧٠)
وإذَن ما دمتَ تقرُّ بأنَّك خاطِبْ
فعليكَ بأن تفعلَ ما نَفعلُ وتكافئَ هذا السيدْ،
إذْ نحنُ له ممتنونَ مدينونَ جميعًا.
ترانيو :
لن أتوانى عن هذا الواجبْ! وبذلك أدعوكُمْ
لقضاءِ الأمسيةِ ضيوفًا عندي كي نشربَ أنخابًا (٢٧٥)
في صحَّةِ محبوبتنا ونحاكي المتقاضين المختصمين،
إذ يبذُلُ كلٌّ جُهدًا جبارًا في عرضِ قضيتِهِ،
لكنْ يربطهم حبلُ صداقتهم في الأكل وفي الشرب معًا.
جروميو وبونديلو : مُقترَحٌ ممتازْ! هيَّا نذهبْ يا أصحابْ
هورتنسو :
مُقترَحٌ ممتازٌ لا شكَّ. وإذَنْ أدعو (٢٨٠)
أحبابي للترحيب الحار هنا ببتروشيو.٨٤

(يخرج الجميع.)

١  يقول هيبارد: يُعتبر استهلال هذا المشهد عرضًا ساذجًا إلى حدٍّ ما للموقف الدرامي، وينتمي للنوع الذي سخر منه شريدان (Sheridan) سخريةً رائعةً في مسرحيته الناقد، إذ يخبر لوسنتو خادمه ترانيو بأمور كثيرة لا يجهلها ترانيو، ولكنها موجهة إلى الجمهور الذي يريد أن يعرف أين يدور الحدث في هذا المشهد وما يفعله هذان الشخصان هنا، ولا يكتسب المشهد حياته الدرامية الكاملة إلا بدخول بابتيستا وابنتيه وخاطبيهما، فهنا يتحول تقديم المعلومات إلى حدثٍ مسرحي (ص١٤١).
٢  لومباردي: ليست مدينة بادوا في لومباردي وإن ظن أبناء ذلك العصر أنها تقع فيها، ويقول موريس إن الخريطة المنشورة آنذاك كانت تشير إلى شمال إيطاليا كله باسم لومباردي.
٣  «جنة إيطاليا العظمى المثمرة الحسناء»: كان المَثَل الشائع يقول إن لمباردي جنة العالم.
(La Lombardia è il giardino del mondo)
وقد أتيت بالسطر الثاني في الأصل بعد الثالث حفاظًا على ترابط المعنى.
٤  «مهد العلم وراعية العلماء»: كانت جامعة بادوا التي أُنشِئت عام ١٢٢٨م من أقدم جامعات أوروبا، وكانت لا تزال تشتهر في القرن السادس عشر بأنها أهم مركز لنشر العلوم الأرسطية، ونحن نعرف أن الدوق في تاجر البندقية يرسل في طلب العلامة بيلاريو من بادوا (٤ / ١ / ١٠٥-١٠٦) وكلمة arts في شيكسبير تعني العلوم.
٥  «كي نكتسب معارف أو ندرس بعض علوم السادة»: الأصل:
(… institute/A course of learning and ingenious studies)
المشكلة هنا تكمن في وصف الدراسات، فعلى الرغم من هجاء كلمة ingenious على هذا النحو في النص الأصلي المنشور في ١٦٢٣م، إلا أن الدكتور جونسون يقول باحتمال كون المقصود ingenuous والمعنى الحديث للكلمة الأخيرة يفيد الصراحة والسذاجة، على عكس معناها القديم الذي كان يعني كرم المحتد أو كرم الطبع، أيْ إنه يفيد الصفة اللازمة للسادة، وأمَّا الكلمة المطبوعة فكان معناها القديم يتعلق بالعبقرية (اشتقاقًا واصطلاحًا) ويفيد معناها الحديث المهارة الذهنية أو طاقة الابتكار والأصالة الحميدة. وتقول هودجدون إن الكلمتين كانتا تكتبان بالهجاء نفسه، على ما بينهما من اختلاف، وقد أكد ستانلي ولز (Wells) في كتابه مع جاري تيلور عن تحديث هجاء شيكسبير (١٩٧٩م) قراءة الدكتور جونسون، والمعنى الذي أجمع عليه المحدثون هو أنها العلوم التي تليق بالسادة، على اختلافٍ بينهم في تحديدها، واتفاقٍ على أنها تتطلب الذكاء، وهذا المعنى مضمر في اكتساب المعارف أيضًا.
٦  أقدِّم هنا نصَّ الجملة ذات البناء اللاتيني التي حرص الشرَّاح على تقديم صيغةٍ مبسطةٍ لها:
Vincento’s son, brought up in Florence,
It shall become to serve all hopes conceived.
To deck his fortune with his virtuous deeds:
ما أحرى مَن أنجبه فنشنتو ونَمَا وترعرع في فلورنسا
أنْ يعملَ فيحقِّقَ كلَّ الآمالِ المَعقودة،
ويَزِينَ طريقَ السَّعد بأفعال الخيرِ.
٧  القول بأن الفضائل تؤدِّي إلى السعادة مبدأ أساسي في كتاب أرسطو عن الأخلاق.
٨  «سامحني»: الأصل إيطالي mi perdonato، ويُجمِع الشرَّاح على أن العبارة ليست إيطالية أصيلة ولكنها تفي بالغرض، مثل Basta في السطر ١٩٧ بمعنى (يكفي! اسكت)، ومثل العبارة في ١ / ٢ / ٢٤. والمقصود الإيحاء بأننا تركنا إنجلترا (في المدخل) وأصبحنا في إيطاليا.
٩  «مما جاء به أوفيد»: المقصود كتاب فن الحب الذي يذكره لوسنتو في ٤ / ٢ / ٨.
١٠  «لا خير بعِلمٍ لا يُمتع قلب الإنسان»: فكرة الجمع بين المتعة والفائدة في الشعر كانت ذائعة في عصر النهضة، بناءً على قول هوراس في فن الشعر:
(omne tulit punctum qui miscuit utile dulci,/
lectorem delectando pariterque monendo) .
ويترجمها أستاذنا لويس عوض على النحو التالي:

«فمن مزج النافع بالممتع عن طريق تسلية القارئ وإفادته معًا فقد نال رضا الجميع» (فن الشعر، ١٩٧٠م، ص١٣٤).

١١  يشير لوسنتو إلى بونديللو، خادمه الغائب، بضمير المخاطَب، ونحن نسمِّي هذا «الالتفات» باللغة العربية (shift)، وأمَّا عبارة «وصلت إلى الشاطئ.» فتقول هودجدون إنها تعبير اصطلاحي معتمد يفيد الوصول وحسب، ولكن جميع الشرَّاح يقولون إن شيكسبير كان يتصور أن بادوا كانت ميناءً، أو إنه كان متأثرًا بمصدر حبكته الثانوية (المزاعم) حيث يصف فيلوجانو (Philogano) المقابل في هذه المسرحية لفنشنتو، رحلته إلى أنكونا، ومنها إلى رافينا، عن طريق الأنهار والقنوات التي تربط مدن إيطاليا بعضها بالبعض. وتقول آن طومسون إنه من المحتمل أن يكون شيكسبير متأثرًا بالكوميديا الرومانية التي كانت تفترض دائمًا وجود مرفأ في جانب من جانبي المسرح. وتضيف قائلةً: «وباستثناء هذه الهفوة، كان شيكسبير يحيط إحاطةً دقيقةً بالمعالم الجغرافية لإيطاليا، على نحو ما تشهد عليه معرفته بالمواقع النسبية لمدينة بادوا، ومانتوا وفيرونا وفينيسيا (البندقية).» ويقول ماريو براز (Praz) إن شيكسبير كان قد اكتسب المعرفة بهذه المناطق الإيطالية من التجار الذين قابلهم في لندن، في كتابه صورة إيطاليا عند شيكسبير، ص١٠٤-١٠٥، الذي تشير إليه الباحثة المذكورة في ص٦٩.
١٢  الإرشاد المسرحي: يصف الإرشاد المسرحي جريميو بأنه هرِم نحيل أحمق، وقد سبق الحديث عنه بإيجاز في حواشي الشخصيات، ومن المناسب أن أضيف هنا وصف هيبارد له، إذ يقول إنه دائمًا طاعنٌ في السن، وأصله من البندقية، ويتكلم بلهجة أهلها، وعادةً ما يرتدي سُترةً حمراء وفوقها معطفٌ ذو أكمامٍ سوداء، وفي قدميه خُف. ويقول أوليفر إن وصف شيكسبير للطور السادس للإنسان على لسان جاك في مسرحية كما تحب، ينطبق عليه، وها هي ذي السطور التي تصفه:
نراهُ يستحيلُ شيخًا ناحلًا ومُضحِكًا ويرتدي خُفًّا
وفوقَ أنفهِ نظارةٌ وحاملًا في جنْبهِ مِحفظتَهْ
أمَّا سراويلُ الشباب فأصبحَتْ من بعد أن يصونها فَضْفاضةً
ولا تُلائمُ الهُزالَ في ساقيه … وصوتُه الجَهيرُ والفيَّاضُ بالرجولة.
يعود من جديدٍ صوتَ طفلٍ زاعقٍ وفي النبرات حِدَّة
وجَرْسُهُ فيه صَفيرْ.
(٢ / ٧ / ١٥٩–١٦٤)
(من الترجمة العربية، القاهرة، ٢٠١٠م.)
١٣  انظر المقدمة حيث أشرح أن قول بابتيستا مقصود به إطلاع الجمهور على المشكلة، لا إطلاع الخاطبين، فهما يعرفان شروطه، وحديثهما التالي يؤكد هذا.
١٤  «يطرحها تقصد»: الأصل To cart her, rather والمقصود بالفعل cart هو النبذ اجتماعيًّا، وإن كان أصل المعنى عادة قديمة، نشير إليها بكلمة التجريس بالعربية، إذ توضع المرأة في عربة (cart) ويُطاف بها في طرقات البلدة لإعلان خرقها أعرافًا أخلاقية، خصوصًا إذا كانت عاهرة. ويُجمع النقاد على أن الغاية من استعمال هذه الكلمة هو الجناس (الناقص) بين الفعل «يطارح الغرام» (to court)، والفعل هنا «يطرح» (to cart) فذلك غاية ما يقصده جريميو، وإن كانت الكلمة التي نقلت الجناس لم تَجُرْ على لُبِّ المعنى وهو النبذ.
١٥  «تجعلني قطعة شطرنج في أيدي الخُطَّاب هنا»: الأصل
(to make a stale of me amongst these mates)
هذه أول عبارة تقولها كاترينا في المسرحية، ومن الطبيعي أن تظهر فيها براعتها اللغوية إلى جانب القضية الأساسية؛ وهي أن لها إرادةً مستقلةً وليست متاعًا يُقدَّم لمَن يريد، وهكذا فقد فحصت جميع المعاني الممكنة وفق ما جاء في معجم أوكسفورد وما انتهى إليه الشرَّاح، وهي بترتيب ورودها (١) هُزْأة و(٢) بديلٌ يُلعَب به و(٣) الورطة أو الحرج أو الجمود، بسبب ارتباط هذه الكلمة بكلمة mate هنا وفي السطر التالي، وتعبير stalemate يعني في الشطرنج المباراة التي من المُحال القطع فيها بفوز أحد اللاعبين. وهكذا رأيت أن أجمع في الترجمة بين المعنى الثاني الذي يمسُّ قضيتها الأساسية، والمعنى الثالث الذي يشير إلى الشطرنج، مع الإيحاء بأن ذلك يجعلها هُزأة؛ أيْ مَثار استهزاء، والملاحظ أن إشارتها إلى الرجال بأنهم mates وهي كلمة تعني الصاحب أو الرفيق أو — وهو الأهم — الزوج، ترمي إلى الإيحاء بأنهم يريدون الزواج (وهذا صحيحٌ وإن كانوا يطلبون أختها الصغيرة)، وتومئ من ناحية أخرى إلى رغبتها الدفينة في أن تتزوج، بدليل إنكارها ذلك والنصِّ في الجملة نفسها على ما تعتزم فعله إن تزوجَت، وهي أولى مفارقات كاترينا التي أشرت إليها في المقدمة.
١٦  وسرعان ما يلتقط هورتنسر خيط الخِطبة والزواج مستندًا إلى لفظة mates نفسها.
١٧  هذه السطور تتضمن عددًا من الأمثال السائرة والحيل البلاغية، فالتعبير الأول اصطلاحي حتى في الإنجليزية المعاصرة، فقولك ردًّا على شيء no fear يعني أنه غير مُحتمَل الوقوع، أيْ إنه مُستبعَد، وهي تضيف إليه دلالةً يوحي بها بناء الاصطلاح اللغوي، بوضعها كلمة fear في آخر السطر الذي يصبح جملةً مستقلة، بحيث يتولد لنا معنى التركيب الحرفي، وهو ما نعبِّر عنه بالعامية بعبارة «رَيَّح نفسك!» وحاولت نقل ذلك بالفصحى فقلت «واسترح!» ويلي ذلك ما يُعتبر حيلةً صياغيةً هي الالتفات؛ إذ تشير إلى نفسها بضمير الغائب كأنما لتزيد من ابتعاد الفكرة (فكرة الزواج) عن ذهنها، وقد نقلت الصورة كما هي، أيْ إن الفكرة لم تقطع نصف الطريق إلى قلبها، وبعد ذلك يأتي مثل سائر وهو:
(To comb (somebody’s) head with a three legged stool)
والمعنى أن يقرع المرءُ رأسَ شخص فيشجَّه، ولا علاقة للمعنى المقصود بتفاصيل المَثَل نفسه، أيْ إنه ينتمي إلى ما يسمَّى التعبير الاصطلاحي الخالص (pure idiom)، ويتلو ذلك تعبيرٌ بلاغيٌّ وهو: to paint your face؛ أيْ أن أخمشك بأظفاري حتى يكتسي وجهك لون الدم المُراق، والأهمُّ من ذلك استعمال القافية في المزدوج الأخير.
ومن المعروف أن استخدام الأمثال السائرة والقوالب اللفظية الجاهزة دليل على ضحالة ذهن مَن يستخدمها، فأكثر مَن يستخدمها الشخوص في أحطِّ مستوى للعربية المصرية (العامية)، ولكن استخدام كاترينا ها هنا يقترن بالقافية التي عادةً ما توحي بأن مقولةً ما قاطعةً لا تقبل النقض، أو تشبه الحِكَم والمواعظ، مع ما يمكن أن يكون في هذا من سخرية مريرة. ويناقش أوليفر هذه القضية تفصيلًا (ص٦٠–٦٢)، وقد اهتديت بتحليله فحافظت على الوزن والقافية، بحيث أدَّى حديثها إلى أن صاح هورتنسو صيحةً تعتمد أيضًا على القوالب الثابتة، هاتفًا بنبرات كتاب الصلوات العامة.

من شياطين البرايا نجِّنا يا ربُّ يا رحمن! (١ / ١٦٦).

١٨  وهنا يلجأ ترانيو أيضًا إلى النظم والقافية، وتصفه هودجدون بالشعر الركيك.
١٩  ويحاكيه لوسنتو وإن كانت لغته «رومانسية» مصطنعة. ولاحظ أن تأكيده للصمت بصفته من خصائص الأنوثة الحقَّة يتفق مع «المثل الأعلى» للمرأة آنذاك، ويؤكد لنا أن انطلاق «كيت» في الحديث آخر المسرحية يعني هدم ذلك المثال، أيْ إن خرقها لمبدأ الصمت يعتبر تحدِّيًا لقيم المجتمع ولأعراف العلاقة بين الجنسين، ومن ثَم يعني مولد المرأة المستقلة المتحررة.
٢٠  لاحظ أن آخر جملة يهمس بها ترانيو إلى لوسنتو (فهما يتحادثان جانبًا) تؤدِّي إلى إعلان من جانب بابتيستا يتفق معه في القافية ويختلف في الوزن الشعري. وقد حاولتُ إبراز بعض هذه الملامح في حديثي عن النسيج في المقدمة، ولكن المساحة لم تسمح إلا بنماذج محدودة.
٢١  بعض الطبعات تُورد هذين السطرين في صورة نَظم، ولكن الواضح أنه نثر، على ما به من إيقاع النَّظم، ولذلك حافظت على الإيقاع من دون تقسيم الجملة إلى شطرين، ويتضمن هذا السطر تعبيرًا اصطلاحيًّا يجري مجرى الأمثال أيضًا وهو to put the finger in the eye بمعنى أن يتعمد المرء أن يذرف الدمع (الكاذب)، وهو ما يذكرنا بقول اللورد في المدخل إن من «مواهب النساء» إنزال «شؤبوب من الدمع الغزير» وقتما يشأْنَ (المدخل ١ / ١٢٣-١٢٤).
٢٢  «منيرفا» (Minerva): ربَّة الحكمة الرومانية، ويقول أوليفر إنها التي اخترعت الناي وأمثاله من آلات النفخ الموسيقية، وقد اكتفيتُ في تعريفها بالصفة الشائعة عنها.
٢٣  معظم الطبعات الحديثة تأتي بالهجاء الإيطالي Signor للقب سنيور، ولكن طبعة أوكسفورد التي حررها ستانلي ولز وغيره عام ١٩٨٦م تضيف حرفًا للمزج بين الشكل الإيطالي والشكل الإسباني للكلمة بحيث تصبح شكلًا خاصًّا بشيكسبير، والنطق في الحالين واحد ولا يؤثر في صورتها العربية.
٢٤  أخذتُ في تفسير strange بالمعنى الذي تورده آن طومسون وهو القسوة (لا اللامبالاة كما تقول هودجدون أو البرود كما يقول أوليفر).
٢٥  «تحبسها» (mew her up): والحبس خاص بترويض الصقور، ومن ثَم يشير من طرفٍ خفيٍّ إلى ما سوف يحدُث لأختها كاترينا.
٢٦  كانت الموسيقى والشعر من الموضوعات التي تدرسها بنات الطبقة الأرستوقراطية في إنجلترا آنذاك.
٢٧  «أمُّ الشيطان»: كانت الأساطير الشعبية تنسب سلاطة لسان النساء إلى طبع ورثْنَه من أمِّ الشيطان، والمَثَل الشائع آنذاك يقول «لا أسوأ من شيطان إلا أمه.»
٢٨  الخلاف حول كلمة There وهل هي Their لا يغير المعنى، وقد تفاديتُ العقبة باستخدام اسم الإشارة «هذا»؛ أيْ إن كان المقصود «غرامنا بالنساء» أو «الغرام» فقط، فإن «هذا الحب» تفي بالمراد.
٢٩  «استمرار صداقتنا»: يعبِّر عنها جريميو بمَثَل سائر وهو «أن نشترك في تدفئة أصابعنا بالنفخ عليها معًا» (to blow our nails together). وكلمة الأظفار مجاز مُرسَل للدلالة على الأصابع (بعض من كل). وتقول آن طومسون إن المعنى هو أن نصبر، ويقول أوليفر إن المعنى هو أن نقضي الوقت معًا، وتوافقه هودجدون، وأمَّا العبارة التالية التي ترجمتها بأن تنافسنا في الحب «لا يمنعنا من الصبر قليلًا» (fast it fairly out). فتستكمل دلالة المَثَل الأول، وقد أصاب هيبارد في أنْ جمع بين الدلالتين، ولذلك أخذت بتفسيره في الترجمة، فهو تفسير يتجاوز الشطحات الناجمة عن تفتيت العبارة.
٣٠  «لم يسعفني أو يسعفك الحظ» (Our cake’s dough on both sides): والمعنى الحرفي أن العجين الذي كنا نريد أن نخبزه لصنع فطيرة لم يتخمر وفسد! وهذا مَثَل أيضًا يدل على تفاهة تفكير جريميو، والمَثَل الأصلي His cake is dough أيْ «فطيرته عجين.» وأضيف إليها on both sides أيْ «على الجانبين.» بمعنى من ناحيتك وناحيتي! (انظر الحاشية على ٥ / ١ / ١٢٩–١٣٢ أدناه.)
٣١  «نتباحث» (brooked parle): وهذا أيضًا مَثَل شائع.
٣٢  «بكل عيوبها» (with all faults): عبارة شائعة في أسواق الماشية، ومختصرها WAF يستخدم حتى الآن في الإشارة إلى الكتب المستعملة.
٣٣  كان الجلد عقوبةً معمولًا بها في حالات الجُنَح الطفيفة.
٣٤  «الاختيار ينتفي إن كان التفاح كله عفنًا»: مَثَل لم يغير هورتنسو منه شيئًا:
(There’s small choice in rotten apples)
٣٥  «العقبة القانونية»: الأصل هو bar in law والمقصود إصرار نابنيستا على تزويج كاترينا أولًا.
٣٦  «الأسرع يظفر بالخاتم»: الأصل مَثَل سائر يقول:
(He that runs fastest gets the ring)
ويقول هيبارد إن أصل المَثَل قول الشاعر المعاصر جون هييوود (Heywood)
Where wooers hop in and out, long time may bring
Him that hoppeth best, at last to have the ring
(wedding ring)
وعندها قدْ يرقُص الخُطَّابُ طامحينَ داخلينَ خارجينْ
وبعد فترةٍ طويلةٍ يحوزُ خاتمَ الزواجِ خيرُ الراقصينْ
ويعلق على ذلك قائلًا «إن شيكسبير فيما يبدو قد عدَّل المَثَل القديم تعديلًا أصيلًا بأن جعل المَثَل يشير إلى لعبة المبارزة على ظهور الخيل؛ حيث يحاول عددٌ من الفرسان أن يحمل في طرف رمحه حلقةً معدنيةً معلَّقةً على عمود» (ص١٤٦). ويوافق موريس على هذا التفسير، وأوليفر الذي يؤكد تغيير مفهوم كلمة ring أيْ تحويل المعنى من خاتم الزواج إلى حلقة المبارزة. ولكن آن طومسون تقول إن الكلمة لها معنًى جنسي، مشيرةً إلى آخر سطرين في تاجر البندقية (٥ / ١ / ٣٠٤–٣٠٧) (٢٠٠٣م)، وتوافق هودجدون (٢٠١٠م) على ما قاله هيبارد أولًا (دون ذكر له)، ثم تأتي برأي طومسون استنادًا إلى ما يقوله بارتريدج (Partridge) في كتابه عن الإشارات البذيئة عند شيكسبير (الطبعة الثالثة ١٩٦٨م)، وتورد السطرين اللذين يوردهما هذا الباحث من تاجر البندقية وهما «ولن أخاف ما حييت أيَّ شيء / إلا ضياع هذا الخاتم.» (٥ / ١ / ٣٠٦-٣٠٧) (الترجمة العربية، القاهرة، ط٣، ص١٩٨). وأقول أنا بكل تواضع إنني لم أشعر بوجود ذلك المعنى البذيء الذي تشير الباحثتان إليه استنادًا إلى رأي بارتريدج، بل إن الإيحاء بالمبارزة على ظهور الخيل معنًى يتأكد حين يشرح جريميو المقصود بالسرعة على متون الخيل (في السطر التالي أيْ ١٤١).
٣٧  في الكلام المنثور هنا قالب لفظي (كليشيه) طريف يتضمن من السجع ما استعصى نقله إلى العربية، وهو «يخطبها ويتزوجها ويبني بها.»
(woo her, wed her, and bed her)
ويضيف جريميو إلى ذلك القالب الثابت «ويخلص المنزل منها.»
(and rid the house of her)
٣٨  تنسب الأساطير إلى هذه الزهرة القدرة، إذا وضع رحيقها في العين، على جعل الناظر يهوي أول ما تقع عليه عيناه، وهو ما يفعله أوبرون ملك الجان في مسرحية حلم ليلة صيف لشيكسبير (٢ / ١ / ١٧١–١٧٤) واسم الزهرة عنده love-in-idleness، واسمها الشائع heartease، وهي تشبه البانسيه واسمها العلمي Viola tricolor.
٣٩  «قطر زهرة الغرام الساحرة»: شرحتُ هذه الإشارة في الهامش على المتن لأن فهم السطر يتعذر من دونها.
٤٠  كانت «أنَّا» (Anna) شقيقة دايدو (Dido) وكاتمة أسرارها، والمعروف أن دايدو كانت ملكة قرطاجنة وحبيبة إينياس (Aeneas) في ملحمة الإنيادة للشاعر الروماني فيرجيل (Virgil).
٤١  لاحظ «التقطيع» المقصود في نظم لوسنتو؛ فكل سطر ينقسم إلى قسمين متوازنين، وهما يتميزان بالتكرار الذي يُعتبر صفةً بلاغيةً توحي بالتوسل (كما يوجد في الدعاء).
٤٢  لاحظ كيف يحافظ ترانيو على استقلال كل سطرٍ بمعنًى كامل، وذاك ما يعني عند شيكسبير أن المتحدث إمَّا متحذلق أو متصنع، وقد أكدت أنا هذه الصفة بإضافة قافية عارضة، فهي الوسيلة العربية المتبعة لتحديد استقلال العبارة، وعندما يستخدم ترانيو قافيةً داخليةً حرصت على إيرادها؛ في السطر ١٦٠، إلى جانب القافية الصريحة بين سطرٍ إنجليزي وآخر لاتيني:
If love have touched you, naught remains but so
Redime te captum quam queas minimo.
إنْ كان ذاك الحُبُّ قد مسَّكْ … فقُمْ وخلِّصْ نفْسَكْ
وادفعْ أقلَّ فِدْيةٍ مُقابلَ الخلاصِ من أَسرِكْ.
(١٦٠-١٦١)
يقول أوليفر إن النصَّ اللاتيني غير دقيق، فكلمة captum كانت مطبوعة captam وهو خطأ نحوي، ولكننا لا نستطيع القطع فيما إذا كان شيكسبير تعمَّد أن يجعل الخادم يخطئ في اقتباس سطر من مسرحية الخصي للمؤلِّف الروماني تيرينس، أم أخطأ هو نفسه في الاقتباس. ويقول الدكتور جونسون إن السطر لم يقتبسه شيكسبير من الأصل اللاتيني، بل من كتاب تعليم اللاتينية الذي درسه في المدرسة، وتشهد مسرحية زوجات مرحات على ذلك.
٤٣  الأصل لا يقول «يوروبا»، بل يقول بنت أجينور (Agenor)، ويقول أوفيد في كتابه مسخ الكائنات إن جوف وقع في غرام يوروبا (Europa) بنت أجينور المذكور ملك صور، وإن جوف حوَّل نفسه إلى ثَورٍ ناصع البياض، وتودد إليها حتى حملها على ظهره عبر البحر إلى جزيرة كريت، ويُقال إن شيكسبير كان يرى أن جوف، رب الأرباب، قد فرض على نفسه اتخاذ هذه الصورة الحيوانية الحقيرة في سبيل الحب. وأمَّا صورة تقبيل الركبة للأرض دليلًا على التواضع فترد في ريتشارد الثاني ٣ / ٣ / ١٩٠-١٩١، وفي كوريولانوس ٣ / ٢ / ٧٥. وتقول هودجدون إن لوسنتو لا يرى في الصورة أيَّ خداع، بل التواضع وحسب. وإذا كان أوليفر قد هاجم القافية في هذه السطور باعتبارها مفتعلة، فعلينا أن نُرجع ذلك الافتعال إلى صورة لوسنتو العاشق الرومانسي الذي يسخر منه الشاعر (انظر المقدمة).
٤٤  «يلتقيان بمشروع واحد»: الأصل Both … meet and jump.
التعبير الاصطلاحي يستند إلى مَثَل سائر يقول Good wits jump، والفعل يعني تتفق وتلتقي، وللمَثَل صورة أخرى وردت في الليلة الثانية عشرة، وهي الجمع بين فعلين هما cohere and jump بالمعنى نفسه.
٤٥  «اسكت! يكفي»: الأصل كلمة إيطالية سبقت الإشارة إليها وهي Basta، وتقابل العامية المصرية «بَسْ بَسْ!»
٤٦  يتبادلان الملابس الخارجية: هذا الإرشاد المسرحي أدَّى إلى تعليقات مسهبة وتفصيلية عمَّا يتبادله السيد والخادم، لأن ما يسمى باللائحة الخاصة بملابس الخدم، الصادرة في عام ١٥٨٥م، كانت مُطبَّقة بدقة، ومن المحتمل أن ترانيو كان يلبس في العروض الأولى للمسرحية حُلَّةً زرقاء، ولوسنتو يلبس صِدارًا زاهي الألوان وقبعةً وعباءة. والمفترض تغيير كل هذا قبل دخول بيونديلو في السطر ٢١٩.
٤٧  القصة التي يرويها لوسنتو هنا حتى السطر ٢٣٣ تثير أسئلةً عديدة، كما ألمحت في المقدمة، وتقول آن طومسون: «لا يتضح لنا السبب الذي حدا بلوسنتو إلى اختراع هذه القصة، إذ لا توجد محاولة دائبة لخداع بيونديلو، وربما كان شيكسبير يرمي بالمبالغة الشديدة في هذه القصة الوهمية إلى تأكيد سخريته من الأعراف الرومانسية.» وكلام الباحثة يسانده تصوير لوسنتو في المسرحية، وانظر ما قاله عندما شاهد بيانكا: «اسمع ترانيو، إنني سأحترق! لا بل سأذوي ثم أهلك إن لم أفُز بهذه الفتاة الوادعة!» (١٥٤-١٥٥ أعلاه). ولكن طومسون تضيف قائلة: «أو ربما كان لدى لوسنتو سبب وجيه لخداع بيونديلو، ولكنه حُذِف من كلام ترانيو السابق في السطور ٢٠٩–٢١٦.» وأنا أميل إلى الاحتمال الأول، فالقصص الوهمية مقبولة في الهزلية.
٤٨  «ما فهمت حرفًا واحدًا»: الأصل Ne’er a whit، وهي تساوي التعبير الاصطلاحي الجاري مجرى الأمثال not a jot، ولذا ترجمته «واحذر أن تذكر حرفًا من اسم ترانيو.»
(And not a jot of ‘Tranio’ in your mouth)
٤٩  يختتم لوسنتو الأمر الذي أصدره بسطرين مقفَّيين، ويخرج، كأنما يقول كلامًا لا رجعة فيه ولا نقاش، وبعد أن يخرج الجميع، تُسلَّط الأضواء في المسرح الحديث على سلاي وصَحبه.
٥٠  مقدِّمو المسرحية (The Presenters)، ويقابل في المسرح العربي ما نسميه «الراوي» الذي يقدم الأحداث أو يشرحها أو يعلق عليها. ويقول هيبارد إن «الخادم» المذكور في طبعة الفوليو هو «اللورد» الذي يقوم بدور الخادم، ويقدم أسبابًا مقنعة لذلك، ومن ثَم يجعل كلام «الخادم» منسوبًا إلى «اللورد»، ولكنني احتفظت بما جاء في النص الأصلي، ويضيف هيبارد أيضًا إرشادًا مسرحيًّا آخر هنا؛ وهو إن «سلاي ينتبه من نومه فزعًا.» لكنني لم أجد ضرورةً لإضافة هذا الوصف المنطقي.
٥١  الإرشاد المسرحي: «يجلسون ليتابعوا المشاهدة.» الواقع أنهم في هذه المسرحية لا يظهرون مرةً أخرى ولا يتكلمون على الإطلاق، وهم يغادرون المسرح «بهدوء» بعد هذا الحوار القصير في معظم العروض الحديثة. والمعروف، كما أوضحت في المقدمة، أن سلاي يعود للحديث في المسرحية الأخرى المبنية على هذه المسرحية، وقد أوردت في الملحق ما يقوله لأن بعض المُخرجين استعانوا بأقواله وأفعاله في إخراج النصِّ الحالي، مثل جون بارتون (Barton) عام ١٩٦٠م، وبِلْ ألكسندر عام ١٩٩٢م، والطريف أن الشاعر ألكسندر بوب (Pope) نقل هذا الحوار القصير (٢٤٧–٢٥١) من هنا إلى آخر الفصل الأول، حتى ينتهي الفصل نهايةً قاطعةً بحيث ننسى بعدها سلاي وصَحبه. وقد دأب المحررون من عام ١٧٢٣م، العام الذي أصدر فيه الشاعر بوب طبعته، إلى عام ١٧٩٠م العام الذي أصدر فيه المحرر مالون (Malone) طبعته، على حذف هذا الإرشاد المسرحي تمامًا.
٥٢  تقول آن طومسون إن المشاهدين قد يتصورون أن المسرحية سوف «تبدأ» من جديد، بسبب التوازي في البناء بين المشهدين الأول والثاني، إذ يدخل بتروشيو مع خادمه، مثلما دخل لوسنتو مع خادمه، ليعرض على الجمهور الموقف.
٥٣  «قُم فاقرع»: التورية في هذا الفعل واضحة، فبتروشيو لا يقول اقرع الباب، والحوار كله قائم على التورية في هذه الكلمة، وكلمة here التي ينطقها العامة مثل كلمة ear أيْ أُذن، وقد لاحظت في المرَّات التي سمعت فيها النصَّ أو شاهدته أن الجمهور لم يعُد يجد في هذا الهزل ما كان جمهور عصر شكسبير يجده من فكاهة.
٥٤  لاحظ القافية المتكلَّفة في كلام بتروشير وجروميو. وكنت قد ذكرت أن الكلام المقفَّى عند شيكسبير يوحي بسبق الإعداد، وهي الصورة التي يحرص شيكسبير على رسمها لهذا الثنائي الذي سوف يقوم بدور كبير في أحداث المسرحية.
٥٥  يصرُّ بتروشير على استعمال القافية حتى حين يستخدم عباراتٍ إيطاليةً، ويحاكيه هورتنسو.
٥٦  يخطئ هورتنسو (أو يخطئ شيكسبير) في هجاء اسم بتروشير؛ إذ يظهر في صورة بتروكيو (Petruchio) لا بتروشيو (Petricio).
٥٧  كيف يتصور جروميو أن الإيطالية — لغته القومية — لاتينية؟ تقول هودجدون إنه خادم إيطالي تَنَجْلَزَ إلى أقصى حدٍّ، ومن ثَم فهو يتصور أن ما قِيل لغة المثقفين، أي اللاتينية، ومن ثَم فهي غريبة عنه أو لغة أجنبية. وأقرب الأمثلة إلى ذلك عندنا تخاطب بعض المتعلمين بالفصحى أمام خادم أميٍّ، فقد يتصور أن المتعلمين يتكلمون «بالنحوي» بفتح الحاء! ولن أنسى أنني كنت واقفًا عام ١٩٨٨م أمام شُبَّاك التذاكر أثناء عرض مسرحيتي «الغربان»، فلاحظت أن بعض الرواد يأتون ويتهامسون مع شخصٍ يقف بجوار الشُّبَّاك ثُم ينصرفون، واسترقت السمع فإذا بهذا الشخص يحذِّرهم من أن المسرحية «بالعربي» (أيْ بالفصحى)، ولم يُجدِ دفاعي، فقد كان هذا الناصح يتصور أنه يؤدِّي خدمةً للشعب (الذي لا يعرف / لا يحب العربية).
٥٨  «أي ريح طيبة … إلخ»: الأصل مَثَل سائر What happy gale blows you.
والمَثَل الأصلي هو What wind blows you hither?.
٥٩  «ما في المقام بموطنٍ إلا قليل الخبرة»: الأصل يتضمن التقديم والتأخير:
(at home,/where small experience grows)
والفكرة قائمة على مَثَل سائر هو: He who still keeps home knows nothing.
والترجمة تستعين بما لدينا في التراث العربي:
ما في المُقامِ لِذِي عقْلٍ وذِي أدبِ
من راحةٍ فَدَعِ الأوطانَ واغتَرِبِ
وهو مطلع أبيات تُنسب للإمام الشافعي، أو مثل البيت الذي حرَّفه العامة، (وسافِرْ ففي الأسفارِ خَمسُ فوائدِ)، فاستبدلوا «سبع» فوائد بخمس فوائد في الأصل، وهي (تجنُّبُ همٍّ واكتسابُ معارفٍ، ودينٌ، وأخلاقٌ، وصُحبةُ ماجِدِ).
٦٠  فربما سعدت بالزواج وازدهار حالي: Haply to wive and thrive.
ارتباط الزواج بازدهار الحال شائع في عدَّة أمثال سائرة منها:
ابدأ فتجهَّزْ ثم تزوَّجْ (First thrive then wive).
مَن يتزوج قبل بلوغ الرُّشد يمُتْ قبل بلوغ السَّعد.
((He) who weds ere he be wise shall die ere he thrive)
يصعُب أن تَجمع بين زواجٍ ورخاءٍ في عامٍ واحد.
(It is hard to wive and thrive both in a year).
وأهمية إيحاءات هذه الأمثال اقتران الزواج بالمال، إذ إن بتروشيو، على ما يتمتع به من ثراء لا يزال يطلب المزيد، وهو المذهب الذي يسخر منه شيكسبير كما ذكرت في المقدمة.
٦١  «عمق صداقتنا يقضي بالإيجاز»: الأصل ‘twixt such friends as we/Few words suffice وهو يستند إلى مَثَل سائر يقول «حبذا الإيجاز بين الأصدقاء.» أيْ:
(Few words among friends are best)
٦٢  «فلورنتوس» (Florentius): في قصيدة جاور (Gower) (الشاعر الإنجليزي الذي عاش في القرن الرابع عشر وكان معاصرًا للشاعر الأشهر تشوسر) بعنوان Confessio Amantis أيْ اعتراف العاشق، ترد في الكتاب الأول قصة الفارس فلورنت (Florent). وكان على هذا الفارس طلبًا للنجاة أن يعرف الإجابة عن سؤال يقول «ما الذي ترغبه المرأة أكثر من غيره؟» وتقدم له الإجابة عجوزٌ دميمةٌ خبيثة، وتقول الإجابة إن أكثر ما تشتهيه المرأة أن تستحوذ على حبِّ رجل ما، ولكن الثمن الذي كان عليه أن يدفعه هو أن يتزوج تلك العجوز. وإذا بها في ليلة الزفاف تكتسي صورة شابَّة حسناء، وعندما يؤدِّي إيمانه إلى تخليصها من السحر الذي كانت تخضع له، يكتشف أنها ابنة ملك صقلية. والقصة يحكيها تشوسر أيضًا في حكاية «زوجة من مدينة باث.» وهي إحدى حكايات كنتربري التي ترجمها العبقري مجدي وهبة، ولكن الفارس بطل القصة عند تشوسر، وكان من فرسان الملك آرثر، لا يذكر الشاعر له اسمًا.
٦٣  «سيبيل» (Sibyl): توجد في الأساطير عدَّة نساءٍ يحملن هذا الاسم، والمشهورة فتاة جميلة كان الربُّ أبوللو يراودها عن نفسها، وقدَّم لها هديةً تختارها بنفسها فطلبت طول العمر فوافق على أن يجعلها تعيش عددًا من السنين بقدر عدد حبات الرمل التي تستطيع أن تقبض عليها بيدها، ولكنها نسيت أن تطلب الشباب الدائم، وعندما طلبته قال إنه يستطيع منحه لها إذا سلمت نفسها له، ولكنها رفضت، فبلغت أرذل العمر من دون أن تموت، وأصبحت مضرب الأمثال للهرم. وتقول بورشيا في تاجر البندقية:
لو عشتُ إلى عمر «سبيلَّا» … فلسوف أموتُ بهذي العِفَّةِ
مثل ديانا عذراءَ ولا أتزوجُ أحدًا منهم
إلَّا بطريقِ القُرعةِ تنفيذًا لكلامِ أبي.
تنفيذًا للكلام أبي (١ / ٢ / ٩٥-٩٦)
٦٤  «زانيثيبى» (Xanthippe): زوجة سقراط التي ساءت سُمعتها بسبب ما نُسب إليها من سوء الطبع وسلاطة اللسان، وربما كانت هذه الصفات تظلمها.
٦٥  «أمراض اثنين وخمسين حصانًا»: تقول آن طومسون إن أبناء العصر الإليزابيثي كانوا يُدهشون لكثرة أمراض الخيل.
٦٦  أيْ ولو أنني لم أقضِ في صُحبتك (أو في ضيافتك) الوقت الذي تقضي به الأعراف.
٦٧  «يعاقب عليها بالشنق»: الأصل هو rope-tricks، والشرَّاح الثمانية (محرِّرو طبعات المسرحية عندي) يُجمعون على غموض التعبير، وبعضهم يسهب في استقصاء أصوله ومعانيه المحتملة، وسوف أوجز الآراء على كثرتها في كلمات قليلة: المتحدث جروميو مولع باختراع تعابير عجيبة ولذا فنحن غير ملزمين بتقبلها كما لو كانت قائمة في اللغة، ولنا أن نفترض بعض التحريف، ومن ثَم لنا أن نفترض أنه يعني rope-rhetorics قاصدًا «البلاغة التي يعاقب عليها بالشنق.» ولهذا ترجمت العبارة الأصلية he’ll rail in his rope-tricks بتعبير «فسوف يستخدم لغةً واستعاراتٍ يعاقب عليها بالشنق!»
٦٨  «ولأضف يا سيدي»: هذه هي الصيغة «الفصيحة» للتعبير العامي «بقول لك إيه …» أيْ I’ll Tell you what، وذلك من عبارات الحشو القائمة في الإنجليزية الحديثة في صورة مختصرة، وهي tell you what، وتقابل العامية «عارف؟» أو «عارف!»
٦٩  «كالقطة العمياء»: تعبير غامض في الأصل ويقول الشرَّاح إنه قد يشير إلى المَثَل السائر: «يجوز أن تغمز القطة بعد ذهاب بصر العينين.»
(Well might the cat wink when both her eyes are out)
والعبارة مثبتة يُراد بها النفي؛ أيْ إن ذلك غير محتمل الوقوع!
٧٠  «التودُّد والكلام»: الأصل to make love فذاك ما كان هذا التعبير يعنيه قبل تحوُّل معناه هذه الأيام، إذ غدا يعني «يضاجع» انظر OED love n.1 P3a.
٧١  ١٣٦-١٣٧: هذان سطران منثوران كما هو واضح.
٧٢  «يافع زاه وعاشق»: الأصل: A proper stripling and an amorous.
٧٣  «الفاتورة»: أخذتُ بتفسير هودجدون.
٧٤  «أنعم به إن صدقت أفعاله أقواله»: يقول بعض الشرَّاح إن هذا التعبير يتضمن تعديلًا للمَثَل السائر «ما إن ينطق حتى يفعل» (No sooner said than done). ولكن أوليفر يقول إن في العبارة سخريةً باطنةً تقابل التعبير العربي «أفلح إن صدق.» ومقابله في المعنى بالإنجليزية I’ll believe it when I see it، وإيقاع العبارة الإنجليزية يوحي «بالحكمة» المستمدَّة من المَثَل، ولكنه يغير الإيقاع في السطر التالي؛ الأمر الذي جاء بترجمة السطر الثاني من بحر مختلف أقرب إلى الواقع الذي يتصدى الرجال له، والغريب أنني لم أكتشف هذا إلَّا في المراجعة، أيْ مضاهاة النصَّين الإنجليزي والعربي، وهاك ما يقوله جريميو:
(So said, so done, is well.)
Hortenio, have you told him all her faults?
أنعِمْ بهِ إنْ صدَّقَتْ أفعالُه أقوالَهْ.
أتراكَ كشفتَ له يا هورتنسو عن كلِّ عُيوبٍ فيها؟
٧٥  «أتراني أرغب في أن أحيا»: المقصود «بكل تأكيد.» وهو من الأمثال.
٧٦  «هل يخطبها؟ ذاك وإلا أشنقها»: جروميو يتلاعب بمَثَلين، هما: «الشنق والزواج في يد الأقدار» (Wedding and hanging go by destiny). ونحن نقول بالعامية «الجواز قسمة ونصيب.» وهم يضيفون الشنق! (Better be half hanged than ill wed).
وفي مسرحية الليلة الثانية عشرة يقول المهرِّج (نثرًا) «كم من شنقٍ جميلٍ أنقذ المرء من زواجٍ قبيح.» (١ / ٥ / ١٨) (Many a good hanging prevents a bad marriage).
٧٧  ١٩٧–٢٠٥: تفاخُر بتروشيو بأمجاده العسكرية مبالغٌ فيه إلى درجة تدفع السامع إلى التشكك في صدقه، وهو ما يفعله بعض الشرَّاح «حذرين»، لكنني لم أكن حذرًا، فقد انتهيت منذ قراءتي الأولى للمسرحية إلى وجود نبرة زيف، وحدست أنه يخلق لنفسه صورةً مبالغًا فيها ليبهر السامعين، ولكم كان سروري حين وجدت التأييد لهذا الإحساس في دراسة الناقد ديفيد دانيل (Daniel) بعنوان «الزواج الناجح بين كاثرين وبتروشيو.» المنشورة في كتاب مقالات نقدية عن مسرحية ترويض الشرسة، من تحرير دانا أسبينول (Aspinall) عام ٢٠٠٢م، ص٧١–٨٣، وهذا الناقد لا يتحرز مثل آن طومسون فيقول إن كلام هذا الرجل هنا يتناقض مع ما قاله من قبل فحسب، أو مثل هودجدون التي تقول إنه قد يكون صادقًا وقد يكون كاذبًا، ولكنه يقطع مثلما أقطع في الأمر، وهو ما تحدثت عنه في المقدمة بما فيه الكفاية ولذلك لن أعود إلى ما ذكرته.
٧٨  ٢٢١–٢٣٦: تكثر في هذه الأسطر القوافي التي حرصت على نقلها بالعربية، إذ تُستخدم القافية هنا كما تقول آن طومسون كوسيلة فكاهية.
٧٩  «هيلين الجميلة»: في الأصل Fair Leda’s daughter، فأتيت بالاسم مباشرةً بدلًا من اسم الأم، والمعروف أن هيلين كانت وفق ما تقول الأساطير ابنة جوف، ربِّ الأرباب وليدا، وهي التي يُشار إليها عادةً باسم هيلين الطروادية (Helen of Troy)، وفي مسرحية الدكتور فاوستوس التي كتبها كريستوفر مارلو (Marlowe) معاصر شيكسبير، يستحضر الشيطان صورتها حتى يشاهدها فارستوس فيقول سطره المشهور «هل كان هذا الوجه هو الذي دفع ألف سفينة إلى الإبحار؟» (٥ / ١ / ٩٧) وتقول هودجدون إن ارتباط رقم «ألف» بهيلين ربما يكون السبب الذي جعل ترانيو يقول إن هيلين كان لها ألف خاطب، متفقة مع هيبارد في ذلك.
٨٠  باريس هو عشيق هيلين الذي اختطفها من زوجها منيلاوس.
٨١  «هرقل الأعظم … إنجازات البطل الاثني عشر»: كُلِّف هرقل بأعمالٍ شاقة كان يظنُّ بأنها مستحيلة التحقيق ولكنه أنجزها، وقد استبدلت كلمة «البطل» بالاسم الآخر الذي يورده جريميو لهرقل وهو ألكيديس (Alcides) الذي يعني أنه حفيد ألكييوس (Alcaeus)، ولكن الباحثين يرجِّحون أن الأساطير تقول إنه كان ابن زيوس (Zeus) (ربِّ الأرباب باليونانية، المعادل لجوبيتر أو جوف الروماني)، لا ابنًا لابن ألكييوس وكان اسمه أمفيتريون (Amphitryon). والمراد هنا أن الزواج من كاترينا إنجاز شاق أو أشق من إنجازات هرقل.
٨٢  «تُذيبُ جليدَ الموقف» (break the ice): مصطلح شائع، دخل العربية، فاحتفظت بصورته الأصلية.
٨٣  تقول آن طومسون إن ترانيو يحاكي أحاديث السادة فيتحذلق.
٨٤  ينهي شيكسبير الفصل بقافية بين كلمة إنجليزية so وكلمة إيطالية هي عبارة ben venuto، فأنهيته أنا بقافية بين كلمة عربية (أدعو) وكلمة أجنبية هي اسم بتروشيو.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤