الفصل الثاني

المشهد الأول

(تدخل كاترينا وبيانكا — مقيدة اليدين — ويمكن أن يكون المكان ساحةً أمام منزل بابتيستا أو حديقة ملحقة بالمنزل.)١
بيانكا :
لا تظلميني يا شقيقتي الكريمة … فتظلمي نفْسَكْ
لا تجعليني أَمَةً لكْ … ولستُ بالجاريةِ التي غَدَتْ
مِلْكَ يمينك! فذاك ما أبغضُهُ. أمَّا الحُليُّ والملابس المُزركَشَة
فإنْ فكَكْتِ القيد في يدي خلعتُها بنَفْسي.
بل إنَّني سأُلقي كلَّ مَلْبَسي حتى قميصَ النوم، (٥)
وأيُّ شيءٍ تأمرينني أن أفعلَهْ … سأفعلُهْ،
فإنَّني أُجِلُّ واجبي لمَنْ يكبُرُني إجلالًا.
كاترينا :
مَنْ من خُطَّابكِ يؤثرهُ قلبُكْ؟ آمُرُكِ بأنْ
تعترفي بالحقِّ ودون خداعْ.
بيانكا :
أرجوكِ صدِّقيني يا شقيقتي. لم أَلقَ بعدُ من (١٠)
بين الرجال مَنْ أُحبُّ وجهَهُ خصوصًا
فوق سائر الوجوهْ.
كاترينا : كذبتِ يا صغيرةً مُدلَّلة! أليسَ هورتنسو؟
بيانكا :
إنْ كان قلبُكِ ارتضاه يا شقيقتي … فإنَّني — قَسَمًا —
سأبذُلُ الذي في طاقتي حتى يكونَ من نصيبِكْ. (١٥)
كاترينا :
إذَنْ فربما هَويتِ أربابَ الثراءِ والزواجَ من جريميو،
لكي تحافظي على الجمال بالأموال في المستقبلِ.٢
بيانكا :
هل هذا سببُ الحقدِ عليَّ؟!
وإذَنْ لستِ بجادَّة. بل إنِّي أدركتُ الآن بأنَّ
سلوككِ نحوي لم يكُ إلا هزلًا في هذي الأثناءْ. (٢٠)
أختي كيت! أرجوكِ إذَنْ فَكَّ وِثاقي.
كاترينا : إنْ يكُ هذا هزلًا فسواه جميعًا من باب الهزلِ.

 (تضربها.)

 (يدخل بابتيستا ويرى الضرب.)

بابتيستا :
يا عجبًا كلَّ العجبِ! ما سببُ تعدِّيكِ عليها؟
ابتعدي يا بيانكا! المسكينةُ تبكي!
انطلقي فأتِمِّي التطريز ولا تشتبكي معها. (٢٥)
(يخلِّص يدَي بيانكا من قيودها.)
العارُ عليكِ هنا يا خائبةً تركبها روحٌ شيطانية!٣
ولماذا هذا العدوانُ على أختٍ لم تُخطئْ يومًا في حقِّكْ؟
ومتى ندَّتْ عنها شكوى فأثارتْ حَنقَكْ؟
كاترينا : يستهزئ بي هذا الصمتُ ولا بدَّ من الثأرِ لنفْسي.

(تحاول الهجوم على بيانكا.)

بابتيستا : عجبًا وعلى مرأًى منِّي؟ عودي للمنزل يا بيانكا. (٣٠)

(تخرج بيانكا.)

كاترينا :
ما عُدتَ تطيقُ وجودي؟ الآن اتضحَ الأمر!
فهي الكَنزُ المكنونُ لديكَ ولا بدَّ بأن تتزوجْ.
وعليَّ بأنْ أرقصَ حافية القدمين إذَنْ يومَ زفاف المحبوبة.
وكذا يقضي حبُّكَ بقيادتي القِرَدَةَ في نار جهنَّمْ.٤
لا أَقبلُ أيَّ مخاطَبةٍ بل أمضي كي أبكي وحدي (٣٥)
حتى أجدَ الفرصةَ سانحةً للثأرِ.

(تخرج كاترينا.)

بابتيستا :
هل يحيا رجلٌ في الأرضِ يُكابدُ أحزاني؟
لكنْ مَن جاء إلينا؟

 (يدخل جريميو. ولوسنتو متنكرٌ في دور كامبيو المعلم، ومُرتدٍ ملابس شخص عادي. وبتروشيو وهورتنسو المتنكر في دور ليسيو وترانيو المتنكر في دور لوسنتو خادمه بونديلو الذي يحمل آلة العود الموسيقية وبعض الكُتُب.)

جريميو : عِمْتَ صباحًا يا صاحبَنا بابتيستا.
بابتيستا : عِمْتَ صباحًا يا صاحبَنا جريميو … يحفظُكُم ربُّ العِزَّةِ يا سادة. (٤٠)
بتروشيو :
وأنتَ أيضًا أيها الكريمْ! أرجوكَ قُلْ لي هلْ لديكَ
بنتٌ ذاتُ حُسنٍ فاضلة … واسمُها كاترينا؟
بابتيستا : يا سيِّدي! لديَّ بنتٌ واسمُها كاترينا.
جريميو : مَدخلُكَ مُباشِرْ. لا بدَّ من التمهيدِ لِمَا تقصدْ. (٤٥)
بتروشيو :
لقد ظلمْتَني سنيور جريميو. أرجو بأنْ تسمعني.
يا سيِّدي! إنِّي من السادةِ في فيرونا،
سمعتُ عن جمالها وعن ذكائها،
عن لُطفها وحيائها … وما يَزِينُها من التواضعِ الرقيقْ
ومن خِصالٍ رائعة … ومن سلوكٍ ذي وداعةٍ رزينة. (٥٠)
وهكذا جرُؤتُ أنْ آتيكَ ضيفًا طامحًا
أنْ تَشهدَ العينان في مَنزلكُمْ … مِصداقَ ما سمعتُهُمْ
يُردِّدونه كثيرًا عن شمائل الفتاة،
وفي مُقابل الضيافةِ الكريمةِ التي لَقِيتُها
أرجو قَبولَ تابعٍ لديَّ جَهْبذٍ في العِلْمِ بالموسيقى (٥٥)
وما نسمِّيهِ الرياضياتِ حتى يَصقُلَ المعارفَ التي
لدى الفتاةِ في فُنونِ المَبحثَيْن،
فإنَّني لَواثقٌ بأنَّها عليمةٌ ببعض ما فيهما.
أرجوكَ فاقبلْ هذه الهدية … كي لا تُسيءَ إليَّ …
اسمُهُ ليسيو … ومانتوا مَسقطُ رأسِهْ. (٦٠)
بابتيستا :
يا مرحبًا بكْ … ومرحبًا بهِ من أجْلِكْ،
أمَّا فتاتي كاترينا … فإنَّني أقولُ واثقًا
بأنها ليست تُلائمُكْ، وذاك ما يُحزِنُني.
بتروشيو :
إخَالُ أنَّكَ لا تُطيقُ فِراقَها،
أو قُلْ بأنَّكَ لا تودُّ نَسَبي. (٦٥)
بابتيستا :
لا تُخطئْ فَهْمي؛ إذ لا أتكلمُ إلا عمَّا أعرفْ.٥
ممَّنْ أنتَ وماذا تُدعى؟
بتروشيو :
اسمي بتروشيو، وأبي أنطونيو
رجلٌ مشهورٌ في شتَّى الأرجاء بإيطاليا.
بابتيستا : أعرفُهُ معرفةً وُثقَى وأرحِّبُ بكَ من أجْلِهْ. (٧٠)
جريميو : مع احترامنا لروايتك يا بتروشيو، أرجو أن تدعنا نحن
المتوسلين المساكين نحكي ما نحكي. تراجعْ قليلًا٦ فلقد

تقدمت إلى حدٍّ مدهش.
بتروشيو : اعذِرْني يا جريميو، فأنا لا أحتملُ الصبرَ وأرجو إتمامَ العَمَلِ.
جريميو : لا شكَّ عندي في ذلك. لكنك سوف تندم على خِطبتك (إلى (٧٥)
بابتيستا) أيها الصاحب العظيم، إن هديَّته لكَ جديرة بكل

امتنان قطعًا، وها أنا ذا أجاري عطفه من بعد أن حمَّلتني معروفًا

أدينُ لك به أكثر من سواي، فأقدِّم إليك بلا مقابل هذا العلَّامة

الشابَّ (يقدِّم لوسنتو المتنكر في شخصية كامبيو)؛ فقد درس

طويلًا في جامعة رايمز،٧ وأتقن معرفة اليونانية واللاتينية (٨٠)

وغيرهما من اللغات إتقانَ الآخَر للموسيقى والرياضيات.

واسمه كامبيو. أرجو أن تَقبل خدماته.
بابتيستا : ألف شكر يا سنيور جريميو، ومرحبًا بك يا كامبيو الكريم.
(إلى ترانيو) لكنني أتصور أيها الكريم أنك تقف خارج

الجماعة. هل أجرؤ أن أسألك عن سبب مجيئك؟ (٨٥)
ترانيو :
الصَّفْحَ سيِّدي على جَسارتي فإنَّني
من غير أهلِ هذه المدينة،
لكنَّني قَدِمْتُ خاطِبًا هُنا لابْنَتِكُمْ بيانكا،
تلكَ التي تمتازُ بالجمالِ والعفافْ، (٩٠)
ولستُ أجهَلُ القرارَ الصارمَ الذي اتخذتَهُ يا سيِّدي
بأولويَّةِ الزواجِ للأُختِ الكبيرة،
وليس عندي غيرُ مَطلبٍ وحيدْ؛
ألَّا تحُول بيني — إن عرفْتَ أُسرتي —
وبين الانضمامِ للذين يطلبون يدَها، (٩٥)
وأنْ تُتيحَ لي الترحيب والدخول والخروج مِثلَهمْ.
أمَّا بشأن تعليم ابنتَيك … فإنَّني أُهديكَ آلةً بسيطةً
وحُزمةً صغيرةً من الكُتُبْ.
(يتهامس معه أثناء إهدائه الكتب.)
فبعضُها يوناني … وبعضُها لاتيني،
فإنْ قَبِلْتَها تأكَّدَ ارتفاعُ قَدْرِها. (١٠٠)
بابتيستا : اسمُكَ لوسنتو٨ … ما موطنُكَ ونَسَبُكْ؟
ترانيو : إنِّي من بيزا … وأبي فنشنتو.
بابتيستا :
رجلٌ شديدُ البأسِ في بيزا … وقدْ عرفْتُهُ
بفضلِ ما سمعتُ عنه خيرَ معرفة. يا مرحبًا بكَ بيننا.
(إلى هورتنسو) خُذْ أنتَ هذا العُودْ.
(إلى لوسنتو) وأنتَ فلْتحمِلْ جميعَ الكُتُبِ. (١٠٥)
ولْتَذهبا حتى تُقابلا تلميذتَيْكُما فورًا.
(ينادي) يا مَنْ هُناكْ!
(يدخل خادم.)
قُمْ يا غلامُ باصطحابِ السيِّدَين كي يُقابلا ابنتيَّ،
أَنْبئْهُما بأنَّ هذين هنا هُما المُعلِّمانْ … واطلُبْ إليهما
أنْ يُبديا الإجلالَ لهما.
(يخرج الخادم ولوسنتو وهورتنسو ومن ورائهم بيونديلو.)
فلْنخرُج الآن إلى البُستان بُرهةً قبل العَشاءْ، (١١٠)
إنَّ ترحيبي بكُمْ يفوق كلَّ وصف،
ولْتَطمئنُّوا كلُّكُمْ لذلك الترحيبْ.
بتروشيو :
يا سيِّدي بابتيستا … مهمَّتي تُلزمُني بالعَجَلَة
لا أستطيعُ أنْ أجيءَ خاطِبًا في كلِّ يوم٩
وأنتَ تَعرفُ المرحوم والدي ومن خلاله عَرَفْتَني١٠ (١١٥)
كخَيرِ ما تكون المعرفة. فإنَّني وريثُهُ الوحيدُ للأملاكِ والبضائعْ،
وقدْ نجحتُ في زيادةِ الميراثِ لا نُقصانِهِ.
قُلْ لي إذَنْ، إذا نجحتُ في نَوالِ حُبِّ بنتِكْ،
فما حدودُ ما أناله لدى الزواج من بائنةٍ؟
بابتيستا :
مِيراثُها بعد وفاتي نِصفُ أملاكي، (١٢٠)
وعندها عشرون ألفَ درهمٍ حاضرة.
بتروشيو :
ومُقابلَ هذِي البائنةِ سأكفُلُ أنْ تَحيا في رَغَدٍ
عند ترمُّلِها؛ أيْ إنْ كُتب لها أنْ تحيا من بَعدي،
إذ أَنزِلُ عن كلِّ عقاراتي المملوكة والمُستأجَرة لها،
وإذَنْ فعلينا إبرامُ عقودٍ قانونية١١ (١٢٥)
مُلزِمَةٍ للطَّرَفَين وفي أيدي كلِّ طَرَفْ.
بابتيستا :
هذا إذا نجحتَ في تحقيق شَرطي الأساسي،١٢
أيْ أنْ تنالَ حُبَّها … فالحبُّ عندي كلُّ شيء.
بتروشيو : أقولُ بأنَّهُ أمرٌ يسير.
ألَا فاعْلَمْ أبي أنِّي عنيدٌ
وعزمي في صَلابةِ كِبْرياها (١٣٠)
فإمَّا يلتقي لهبٌ شديدٌ
بنارٍ من ضِرامٍ تَتَباهى
رأيتَ تلاحُمَ النارَين فِعلًا
ليُحرِقَ ما غَذَا النارَين تِيها
فإنْ أدَّى النسيمُ إلى اشتدادٍ
بوقدةِ جمرةٍ فَغَدتْ ضِراما
فإنَّ الريحَ إنْ عصفَتْ عُتوًّا
ستُخمِدُ كلَّ نيرانٍ تَراها١٣
فذاك مِثالُها وكذا مِثالي
فإنِّي سوف أُخضِعُها غَرامَا (١٣٥)
فإنِّي عارمٌ وشديدُ بأسٍ
وما أنا بالرَّضيعِ إذا هواها!
بابتيستا :
إذَنْ أَقدِمْ وطارِحْها غَرامَكْ
وأرجو أنْ تنالَ بها مَرامَكْ
تَسلَّحْ بالدروع فسوف تَلْقَى
هُجومًا من شتائمها أمامَكْ!
بتروشيو :
نعمْ ولديَّ دُروعٌ حَصينَة
كمِثْلِ الجبالِ أمامَ الرياحْ
فليس تهُزُّ الجبالَ الرياحُ
وإنْ دامَ هذا الهبوبُ وجَاحْ (١٤٠)

(يدخل هورتنسو، المتنكر في شخصية ليسيو، وقد جرح رأسه.)

بابتيستا : ماذا أصابَكَ صاحبي فَكَسا مُحيَّاكَ الشُّحوب؟
هورتنسو : إن كنتُ أبدو شاحبًا فمَخَاوفي سرُّ الشُّحوب.
بابتيستا : أترى فتاتي سوف تُحكِمُ صنعةَ الموسيقى؟
هورتنسو :
بل سوف تُحكِمُ عن قريبٍ حِرْفةَ الأجنادِ
إنَّ الحديدَ مُلائمٌ للبنتِ لا عزْفٌ على الأعوادِ. (١٤٥)
بابتيستا : أمَا استطعتَ أنْ تُعلِّمَ الفتاةَ عزْفَ العُودْ؟
هورتنسو :
بل علَّمَتْني شَجَّ رأسي بانقضاضِ العُودْ! ١٤
حاولتُ أنْ أدُلَّها على أماكنِ الأنغامِ في الأوتارْ،١٥
لكنَّني ما كِدتُ أُرشِدُها بتوجيهِ الأصابعِ للخُطوطِ البارزة
حتى وجدتُ البنتَ تصرخُ مثلَ شيطانٍ مُريدٍ لا تُطيقُ الصبرَ، (١٥٠)
قالت «تُسمِّيها خطوطًا بارزة؟ إذَنْ فغَضْبَتي عليكَ بارزة!»
وعندها هَوَتْ على رأسي بضربةٍ عظيمة،
فغاصَ داخلَ العُودِ الذي انشقَّتْ بهِ فُتْحَة،
وحلَّ بي الذهولُ بُرهةً كأنَّني صُلبْتُ في الحبَّاسةِ الخشبيَّة
وناظرٌ إلى الحياة من خلال العُود. (١٥٥)
وفي غُضونِ هذا لم تكُفَّ عن سِبابي … «أنتَ وغدٌ!» «يا حقير!»
«يا قليل الأصل!» ومثلُها عشرون لفظًا من شتائمٍ شَنيعَة
كأنَّما أعدَّت العُدَّةَ كي تُهينَني!١٦
بتروشيو :
أقسَمْتُ بالدنيا بأنَّ هذه الفتاةَ بالحياةِ نابضة،١٧
وفي فؤادي ضُوعِفَ الحُبُّ لها عَشرَةَ أضعافْ، (١٦٠)
أوَّاهُ كم أتوقُ أنْ أُجاذبَ الفتاةَ أطرافَ الحديث!١٨
بابتيستا (إلى هورتنسو) :
فلْتدْخُل الآن معي … بل لا تَدَعْ هذا يَفُتَّ في عَضُدِكْ.
تابِعْ دُروسَكَ لابْنَتي الصغرى،
إذ تَقبَلُ التعليمَ بل تُبدي امتنانًا للذي يُفيدُها.
(إلى بتروشيو)
هل تُؤْثرُ اصطحابَنا إليهما أم أُرسلُ الفتاةَ كيت إليك؟ (١٦٥)
بتروشيو :
أرجوكَ أَرسلْها.
(يخرج الجميع ويظل بتروشيو وحده على المسرح أثناء ما يلي.)
سوف أبقى في مكاني أنتظرْ،
عندما تأتي سأُفضي بغرامي في حماسْ،
إنْ رَمَتْني بالشتائمْ … قُلتُ ما أحلى الغناءْ!
فهْو أشجى من غناء العندليبْ. (١٧٠)
إنْ بدَتْ لي عابسة … قُلتُ ما أصفى الجبينْ!
مثل وردِ الصبحِ والأنداءُ قد زادتْهُ نُضرة.
إنْ بدَتْ لي صامتة … ثم لم تنبسْ ببنتِ شَفَة،
قُلتُ ما أجملَ ما تنسابُ ألفاظٌ كِرامٌ دافِقة،
مادحًا تلك الفصاحة … مُطريًا فنَّ النفاذِ للقلوبْ. (١٧٥)
إنْ دَعَتْني للرحيلْ … قُلتُ إنِّي شاكرٌ هذا الكرَمْ،
أيْ كأنَّ البنتَ تدعوني إلى أنْ … أقضيَ الأسبوعَ في صُحبتِها!
إنْ تكُنْ ترفُضُ أنْ تَقْبَلَني زوجًا
قُلتُ كم أشتاقُ يومَ العُرسِ في حفل الزفاف.
(تدخل كاترينا.)
ها هي الآن أتَتْ … حان بتروشيو كلامكْ، (١٨٠)
فلْأقُلْ يا كيت عِمْتِ صباحًا … ذاكَ فيما قِيلَ اسمُك.
كاترينا :
حقًّا سمعتَ ما يُقالْ … لكنَّ في أُذنيكَ وَقْرًا،
فإنَّما الذين يَعرفونني يدعونني كاترينا.
بتروشيو :
هذا كذبٌ في الواقعْ. إذ يدعونكِ إمَّا «كيت» وحَسْب،
أو «كيت الكبرى»، أو «كيت الشرسة» في بعض الأحيانْ، (١٨٥)
لكنكِ «كيت» غرامي، أحلى كيت في أرضِ الله،
مَن يتسمى أعظم قصرٍ باسمكِ يا ذاتَ الحُسنِ الرائعْ!١٩
إذ إنَّا ندعو خيرَ لطائفنا «كيت»! وإذَنْ فاسمُكِ يعني الألطف،
لكنْ أرجوكِ التصديقَ لما أحكي يا «كيت» السلوى والسلوانْ،
إنِّي حين سمعتُ الناسَ تردِّدُ لُطفَ طباعكِ في كلِّ مدينة، (١٩٠)
أو تتغنَّى بفضائلِكِ وحُسنِك
— حتى إنْ لم يبلُغْ ما قِيلَ حقيقةَ أمْرِكْ —
حرَّكَ ذلك في نفسي الرغبةَ في أنْ أخطُبَ وُدَّكِ
كي أتزوجَ بكْ.
كاترينا :
قُلتَ تحركتَ فجئتَ إلينا؟ دعْ مَن حرَّكَكَ يُزيحُكَ فورًا عنَّا! (١٩٥)
فأنا أدركُ من أول لحظة … أنكَ من بين المنقولات!
بتروشيو : ماذا تعني المنقولاتْ؟
كاترينا : قِطَعُ أثاثٍ تُنقَلُ مثل الكُرسي.
بتروشيو : هذا صوابٌ فاجلسي فوقي.
كاترينا : الحُمُرُ دوابٌّ خُلِقتْ للحَمْل … وكذلك أنتَ! (٢٠٠)
بتروشيو : المرأةُ خُلِقتْ للحمل … وكذلك أنت!
كاترينا : لستُ حصانًا مهزولًا مثلكَ إنْ كنتَ بذلك تقصدُني.
بتروشيو :
لا أيا كيت الكريمة … لن تُحسِّي أيَّ ثقْلٍ لو عَلَوتُكْ
إنَّما أنتِ كما أعلَمْ … لا تزالينَ صغيرة … وخفيفة!
كاترينا :
أخِفُّ عدْوًا إنْ أراد عاشقٌ جِلْفٌ بأنْ يَقنِصَني، (٢٠٥)
لكنَّني ثقيلةٌ كعملةٍ شريفةٍ ووزنُها صحيحْ.
بتروشيو : مثل اقتناصِ نحلةٍ زنَّانة؟
كاترينا : أدركتُ ما تعني … فالزنُّ للصقر الصغيرْ.
بتروشيو : يمامتي بطيئةُ الجَناحْ … هل يستطيعُ الصقرُ أنْ يقتَنِصَكْ؟
كاترينا : نعم! كأنها يمامةٌ تصيدت جُعْلًا كبيرًا.٢٠ (٢١٠)
بتروشيو : بل أنتِ نحلةٌ طنَّانة … لديكِ سُخْطٌ زادَ عن حدِّه.
كاترينا : إن كنتُ نحلةً حذارِ من لَسعةِ حُمَتي.
بتروشيو : إنَّ العلاجَ يقتضي انتزاعَها.
كاترينا : إذا استطاع أحمقٌ أن يهتدي لمكانِها.
بتروشيو : ويَعرفُ الجميع أنها تكون عند ذَيلها. (٢١٥)
كاترينا : بل في لسانها.
بتروشيو : لسانِ مَنْ؟
كاترينا : الحقُّ أنه لسانُكْ. ما دمت تحكي عن ذيولٍ فالوداعْ!

(تتجه للخروج.)

بتروشيو :
كيف تَمضين وما زال لساني عند ذيلكْ؟
ارجعي يا «كيت» يا ذاتَ الكَرَمْ، إنَّني بالحقِّ سيِّدٌ مُهذَّبْ. (٢٢٠)
(يستبقها بذراعه.)٢١
كاترينا : ذاك ما أرجو اختبارَهْ (تضربه.)
بتروشيو : أقسَمْتُ إنْ ضربتِ ضربةً أخرى لطمتُكْ.
كاترينا :
فإنْ فعلتَ ضاعَ نُبْلُ مَحتِدِكْ،٢٢
إذ إنَّ ضَرْبي سوف ينفي أيَّ تهذيبٍ لديك،
وفاقدُ التهذيبِ فاقدٌ دِرْعَ النَّبالة. (٢٢٥)
بتروشيو : هل أنتِ مَنْ يُحدِّدُ النَّبالة؟ إذَنْ فسجِّلي اسمي لديك.
كاترينا : وما شِعارُ أُسرتِكْ؟ طُرطُورُ حُمْقٍ مثل عُرْفِ الدِّيكْ؟
بتروشيو : بل إنَّني ديكٌ بلا عُرْفٍ … و«كيت» هذه دجاجتي!
كاترينا : بل لستَ ديكًا صالحًا لي … فإنَّما تصيحُ صيحةَ الخُوارْ.
بتروشيو : هيَّا إذَنْ يا كيت هيَّا! انزعي هذا العُبُوسَ المُر! (٢٣٠)
كاترينا : ذلك دَأْبي حين أرى سرطانَ البحر.
بتروشيو : ليس لدينا سرطانٌ فابتسمي!
كاترينا : بل يوجَدُ هذا قَطْعًا.
بتروشيو : وإذَنْ أَرينيه الآنْ.
كاترينا : لو كانتْ عندي مرآةٌ لأَرَيتُكْ. (٢٣٥)
بتروشيو : هل قصدُكِ وجهي؟
كاترينا : الرَّمْيةُ صائبةٌ رغمَ يُفوعِكْ.
بتروشيو : أقسَمْتُ إنَّ عُنفواني٢٣ عارمٌ لن تَقدِري عليه.
كاترينا : لكنَّما على جبينكَ الغُضونْ.
بتروشيو : جاءتْ بها الهُمُومْ. (٢٤٠)
كاترينا : وذاك لا يُهِمُّني.
بتروشيو : الآن فاسمعيني «كيت». لن تُفلتي منِّي بهذه السُّهولة.
كاترينا : دعني أذهبْ. فأنا أُغضِبُكَ إذا لم أذهبْ.
بتروشيو :
إطلاقًا! إني أراكِ ذاتَ رقَّةٍ فائقةٍ،
وكنتُ قد سمعتُ عن فظاظةٍ أو كبرياءَ أو تجهمٍ في طبْعِكْ، (٢٤٥)
لكنَّني اكتشفتُ أنَّ هؤلاء كاذبونْ،
فأنتِ تُبهجين القلبَ تَهوين المُلاعَبَة … ولا حدودَ فيكِ للكياسَة،
وما لسانك الذي سَمِعتُهُ بلاذعٍ … فأنتِ حُلوةٌ مثل الزهورِ
في الربيع! بل ليس في مقدوركِ العُبوسُ أو أنْ تنظري شزْرًا
إلى مخلوقْ! وأنتِ لا تعضِّين الشفاهَ شأن الحانقاتْ! (٢٥٠)
وما لديكِ أدنى مُتعةٍ في أنْ تُناقضي أيَّ حديثْ،
بل تأخذين لُبَّ خاطبِيكِ بالوداعة … وبالأحاديثِ الرقيقة،
وكلُّ ما بها ينمُّ عن حياءٍ وبشاشة.
قولي لماذا يزعم الناسُ هنا بأن «كيت» عرجاءْ؟
فذاك من تخريصِ مُرجِفينْ! بل إن «كيت» مثل غُصنِ البانْ (٢٥٥)
قَوامُها سويٌّ مثل غُصنِ بندقٍ نحيلْ
فإنْ تكُنْ سمراءَ كالبندقةِ٢٤ … فإنَّها لذيذةٌ كالثَّمرَة.
أريدُ أنْ أراكِ تَمشين أمامي … فليس فيكِ من عَرَجْ.
كاترينا : اذهَبْ يا أحمقُ ولْتُلقِ أوامرَكَ على خَدَمِكْ!
بتروشيو :
تميسُ كيت دلالًا … بمِشيَةِ الأمراءِ (٢٦٠)
في غرفةٍ تَتَباهى … بها بكلِّ رواءِ
تفوقُ دلَّ ديانا … في وسْطِ تلكَ الخَميلة
إن «كيت» صارتْ ديانا … بطُهرِ بنتٍ أصيلة
أضحَتْ ديانا لَعوبًا … من وحي كيت الجميلة.
كاترينا : وأين تعلَّمْتَ هذا الكلامَ المُنمَّقْ؟٢٥
بتروشيو : بل ارتجلتُهُ٢٦ … ممَّا ورِثْتُهُ … من عقْلِ أمِّيَ اللمَّاحِ بالفِطرة. (٢٦٥)
كاترينا : أمٌّ ذكيةٌ بلا جدالْ … هذا وإلَّا جاءَ طفلُها غبييًّا.
بتروشيو : ألستُ عاقلًا؟
كاترينا : نعم ما دمتَ قد نجحتَ في اكتسابِ الدفء.٢٧
بتروشيو :
وذاك ما قصدتُهُ يا كاترينا الحُلوة! الدفءُ في فِراشِكْ
وهكذا فإنْ طرَحْنا كلَّ ذلك التراشُقِ اللفظي (٢٧٠)
أقولُ في وضوحٍ إنني حُزتُ الرضا من والدِكْ
على الزواجِ بكْ. بل واتفقنا حول حجم البائنة،
وسوف تُصبحين زوجتي … رضيتِ أم أبيتِ!٢٨
ولْتَعلَمي يا كيت أنني الزوج الذي يلائمُكْ!
أقسَمْتُ بالضوءِ الذي يجلو لعينيَّ جمالَكْ (٢٧٥)
— وذا جمالٌ عمَّقَ الحبَّ بقلبي لكْ —
ألَا تكوني زوجةً لسوايْ!
(يدخل بابتيستا وجريميو وترانيو متنكر في شخص لوسنتو.)
إذ إنَّني مَن جاء للدنيا لكي يروِّضَكْ … يا كيت …
وأنْ يحوِّلَكْ … من «كيت» ذاتِ الشراسة … من قطَّةٍ بريَّة
إلى الأليفةِ التي نرى أمثالها في المنزلْ (٢٨٠)
ها قد أتى والدُكْ. حذارِ أنْ تنفي الذي تقرَّرْ
لا بدَّ أنْ أحظى بزوجتي كاترينا … وسوف أفعلْ.
بابتيستا : سنيور بتروشيو! كيف تسير أمورُك مع بنتي؟
بتروشيو :
طبعًا بالتوفيقْ. هل يُمكنُ إلا التوفيقْ؟ (٢٨٥)
ومحالٌ ألَّا يتحقَّقَ عندي هذا التوفيقْ!
بابتيستا : إذَنْ فكيف عادَكِ اكتئابُ النفسِ يا ابنَتي كاترينا؟
كاترينا :
هل قلتَ إنني ابنتُكْ؟ دعْني أقولُ لكْ: هل ذاك
إبداءُ الحنانِ الأَبَوي؟ أيْ أنْ تريدَ لي الزواجَ من فتًى
قد طارَ نصفُ عقلِهْ؟ وغدٌ ومخبولٌ وحلَّافٌ عجيبْ! (٢٩٠)
أيمانُهُ في ظنِّهِ تكفي لأنْ يقضي الوَطَرْ.
بتروشيو :
حقيقةُ الموضوعِ ما يلي يا والدي:
أنتُم وكلُّ مَن تصدَّى للحديث عن فتاتي خانه التوفيقْ.
أمَّا الذي تُبديهِ من شراسةٍ فإنه مُسَخَّرٌ لِنَيْلِ غايةٍ
مُعيَّنة! لكنها ليست شموسًا بل وديعةٌ مثل الحمامْ٢٩ (٢٩٥)
وليس طبعُها عنيفًا بل رقيقًا مثل أنسامِ الصباحْ،
وصبرُها يعادل اصطبارَ مَن تُدعى جريسيل.٣٠
مثالُ كلِّ زوجةٍ مطيعةٍ صَبور
كما يُضارعُ العفافُ عندها عفافَ لوكريس٣١ التي
تألَّقتْ في روما! كما أقولُ في الختام إنَّنا اتفقنا (٣٠٠)
أنْ نَعقِدَ القِرانَ في يوم الأحدْ.
كاترينا : يا ليتني أراكَ قد شُنِقتَ أولًا يوم الأحدْ!
جريميو :
فهل سمعتَ بتروشيو؟ تقول إنها تريدُ أنْ
تراكَ قد شُنِقتَ أولًا!
ترانيو : هل ذاك يُثبِتُ التوفيقَ في مهمَّتِكْ؟ إذَنْ على حظوظنا السلامْ!٣٢ (٣٠٥)
بتروشيو :
إنْ سمحتم يا سادتي بعضَ صبرِ
فلِنَفْسي اصطفيتُها لا لغيري
إنْ سعِدْنا معًا وسادَ التراضي
فأجيبوا: ما شأنُكم بالودادِ
إذ عَقَدْنا من قبلُ في خَلوتِنا
اتفاقًا بأنْ تظلَّ شموسًا
ظاهريًّا وأن تظل عبوسًا
ودعوني أقُلْ لكُمْ كيف يَستَعْصي (٣١٠)
عليكُمْ تصديقُ عُمْقِ الوِفاقِ
إنَّ في «كيت» دفقةً من حنانٍ
جَعَلَتْها تَشَبَّثَتْ بعِناقي
أمطرَتْني قُبْلاتِها دونَ عَدِّ
وعديدَ الأيمانِ من غيرِ حَدِّ
فإذا بي في لحظةٍ أهواها
حُبَّ صَبٍّ حياتُهُ في صِبَاها
لستُمُو يا رفاقُ إلَّا صِغارَا
لم تَرَوْا بعدُ مَشهدًا لا يُجارَى
هل رأيتُمْ أرقَّ عذراءَ رُوحًا (٣١٥)
طِيبةً أو دماثةً أو وداعة؟
عندما تختلي بمَنْ تَعشقُهُ
ورأيتُم من بعدها كيف تغدو
أشرسَ الخَلْقِ مَنطقًا أو طِباعَا؟
صافحيني يا كيت هاتي يديْكِ
(يشدُّ على يدها دليلًا على عهد الزواج.)
إنَّني راحلٌ إلى البندقية
لابتياعِ الملابسِ الموعودة
لارتداءِ العروسِ يومَ الزفافِ
ولتقُمْ والدي بإعدادِ ما
تقتضيه الوليمةُ الممدودة
وادْعُ كلَّ الضيوفِ أيضًا إليها (٣٢٠)
وأنا واثقٌ بأنَّ عروسي٣٣
كاترينا ستزدهي في الزفافِ
بابتيستا :
لستُ أدري ما ينبغي أنْ أقولَهْ: إنما قدِّموا إليَّ الأيادي٣٤
(يضع يده فوق أيديها إتمامًا للخطبة الرسمية.)
أرسل الله كلَّ فرْحٍ إلى بتروشيو إذ تمَّت الخِطبة.
جريميو - ترانيو : آمين آمين سوف نغدو شهودًا.
بتروشيو :
فوداعًا يا أبي وزوجتي … يا سادة! (٣٢٥)
أذهبُ الآن إلى البندقية … يُسرعُ اقترابُ يومِ الأحدِ
سوف نأتي بالخواتمْ … بالحُليِّ الزاهياتِ … والزراكيشِ الجميلة
قبِّليني الآن كيت! عندما يأتي الأحدْ … سوف تُمْسينَ حَليلَة.٣٥

(يخرج بتروشيو وتخرج كاترينا من باب آخر.)

جريميو : هل تمَّت خِطبةُ أحدٍ من قبلُ بهذي السرعة؟
بابتيستا :
كأنَّني يا سادتي أصبحتُ مثلَ تاجرْ (٣٣٠)
يُلقي بضاعةً له دون اعتبارٍ للمخاطرْ
في صفقةٍ خرقاءَ في سُوقٍ تعاني من خسائرْ.
ترانيو :
تلك البِضاعةُ٣٦ طالما جاء الكسادُ بها بأعباءِ القلقْ
إرسالُها بالبحرِ قد يأتي بربحٍ أو يضيِّعُها الغرقْ!
بابتيستا : ربحي الذي أرجوه لا يعدو اقترانَهُما المتينْ.
جريميو :
قطعًا! لكنما فاز العريس اليومَ بالصيدِ الثَّمينْ.٣٧ (٣٣٥)
والآن فلننظرْ قضيةَ بنتِكَ الصغرى أيا بابتيستا،
هذا هو اليومُ الذي طال انتظارُنا لهُ،٣٨
أنا جارُكَ المأمونُ أوَّلُ مَن تقدَّمَ طالبًا يدَها.
ترانيو :
وأنا الذي في قلبه حبٌّ عميقٌ للفتاة
لا تَقدِرُ الألفاظُ أنْ تُظهِرَهُ … أو خاطراتُ الذهنِ أنْ تَحْدِسَهُ. (٣٤٠)
جريميو : يا أيها الصغيرُ لستَ قادرًا على الحبِّ العميقِ مثلي.
ترانيو : بل إنَّ حُبَّ اللِّحيةِ الشمطاءِ باردٌ كالثلجْ.
جريميو :
وشعلةُ الغرامِ في الشبابِ حارقة.
ارجعْ إذَنْ يا أرعنُ! فلا يغذو الحياةَ غيرُ كَهلْ.
ترانيو : لكنَّما الشبابُ في عين النساءِ ذو حولٍ وطَولْ!
بابتيستا :
أرجوكما أنْ تَهدَآ … فلسوف أفصلُ في النزاعْ، (٣٤٥)
إنَّ الفِعالَ وحدها هي التي تفوزُ بالجائزةِ،
ومَن يفوقُ منكما صاحبَهُ … في حجم ما يأتي به مهرًا لبنتي٣٩
ينال حبَّ بيانكا … سنيور جريميو ما الذي تضمنُهُ لها؟٤٠
جريميو :
خُذْ أولًا بيتي الذي في داخل المدينة … وأنت تعرفُهْ
فإنَّه لَحافلٌ بأطقمِ الموائدِ الفِضِّيَّة … وغيرُها ذهبية (٣٥٠)
به أباريقُ وأحواضٌ لغَسْلِ كفَّيْها الصغيرتَين
وفوق جدران المكان عُلِّقتْ ستائرٌ ولوحاتٌ من النسيجِ
الرائعِ المصنوعِ في صُورَ بلُبنان. أمَّا خزائني العاجيَّة
فإنَّني أتخمْتُها دراهمًا ذهبيَّة!
وفي صناديقٍ من السَّرْو الجميل أحفظ المُلاءاتِ التي (٣٥٥)
يحتاجُها الفِراشُ والأرديةُ الثمينة … وكلُّ كِلَّةٍ
وما تُقامُ فوقه … ثم الملابسُ القُطنيَّة
وما عداها من وسائدٍ تركيةٍ وثيرةٍ قد رُصِّعتْ باللؤلؤْ
ومن شراريبٍ من النُّضارِ البندقيِّ رائعٌ تطريزُها بالإبرة
ثم الأواني المعدنيَّة! والنحاسية! وكل ما يحتاجه البيت الكبير (٣٦٠)
كما لديَّ داخل المزرعةِ … أبقاريَ الحلوبُ المائة،
وثيرانٌ سمينةٌ في داخل الحظيرةِ … وعدُّها مائةٌ وعشرونْ،
وكلُّ هذا داخلٌ فيما عرضتُهُ من المهر المُقدَّمْ،
إني أقرُّ بأنَّني جاوزتُ مرحلةَ الشبابْ،
إذَنْ فإنِّي إنْ أمُتْ غدًا … آلَ إليها كلُّ هذا (٣٦٥)
لو أنَّها ما مانعتْ في أنْ تُشاركني حياتي الباقية.
ترانيو :
وأصبتَ في استخدام لفظ «لو» يا سيدي. أصغِ إليَّ:
إنِّي وريثُ والدي الوحيدُ وابنُه الوحيدْ،
فإنْ تزوجتُ ابنتَكْ
تركتُ من منازلي لها ثلاثةً أو أربعة (٣٧٠)
في داخل الأسوارِ حول موطني بيزا،
وكلُّ منزلٍ مجهَّزٌ بما يَزِينُ قَصرَ ذلك العجوزِ في بادوا،
إضافةً إلى ريع الأراضي المثمرة … ألفان كلَّ عامٍ من
دراهمي الذهبيَّة … وكلُّ هذا سوف ينتهي إليها إنْ ترمَّلَتْ.٤١
تراي يا سنيور جريميو قد قرصتُكْ؟ (٣٧٥)
جريميو :
وريعُ أرضه في العام ألفا درهمٍ؟
(جانبًا) هذا يفوقُ سعرَ أرضي كلِّها!
نسيتُ أنْ أضيفَ أنها تنالُ فوق كلِّ هذا … سفينةً تجارية٤٢
ترسو هناك الآن في مرسيليا٤٣
هل غُصَّ حَلْقُكَ بالسفينة؟٤٤ (٣٨٠)
ترانيو :
بل يَعرفُ الجميعُ يا جريميو أنَّ والدي لديه من
هذي السفائن العظمى التجاريَّة … ما لا يقلُّ عن ثلاثْ … ومَركبانِ
رائعانِ … وفوقها الزوارقُ الخفيفةُ الاثنا عَشَرْ … وذاك أضمنُهُ لها،
وِضعفُ أيِّ شيءٍ قد ترى من بعدُ عرضَهْ.
جريميو :
كلا! فقد عرضتُ كلَّ شيءٍ … ليس عندي ما يزيدْ، (٣٨٥)
ولن تنالَ ما يزيدُ عمَّا أمتلكْ،
فإنْ يكُنْ هذا يروقُ لك … غدوتُ في يمينها وما أملكْ.
ترانيو :
إذَنْ ومن دونِ الرجال كلِّهم أفوزُ بالمُرادْ
طبقًا لوعدكْ. ما دام هذا الشيخُ قد خسرَ المَزادْ.
بابتيستا :
لا بدَّ من التسليم بأنَّ العرض لديك هو الأفضلْ، (٣٩٠)
دعْ والدَكَ يقدِّمْ إقرارًا رسميًّا بالأيلولة.٤٥
ولسوف تكون فَتاتي لك. ذاك وإلَّا — من دون مؤاخذةٍ —
إنْ ترحلْ عن هذي الدنيا قبل أبيكَ فأينَ المَهر؟
ترانيو : لستَ جادًّا! إنَّني في مَيْعَةِ الصِّبا وذاكَ شيخ!
جريميو : أفلا يموتُ الشابُّ مثلَ الشيخِ؟ (٣٩٥)
بابتيستا :
يَعلمُ كلٌّ منكم أنِّي قررت بأنْ تتزوجَ بنتي كاترينا
يومَ الأحدِ المُقبِلْ. ولسوف تكون بيانكا من حظِّكَ يا لوسنتو
في يومِ الأحدِ التالي إنْ قدَّمْتَ ضَمانًا بالميراثْ،
ذاك وإلا فازَ بها جريميو.
وإذَنْ أستأذنُ في أنْ أنصرفَ وأشكرُكم. (٤٠٠)

(يخرج بابتيستا.)

جريميو :
إلى اللقاء أيها الجارُ العزيزْ! الآن لا أخافُكْ.٤٦
يا أيُّها المُقامِرُ الصغيرُ اسمعْ:
لو كنتَ نِلتَ كلَّ هذا من أبيكَ فِعْلًا كان غافلًا غريرَا،
إذ كيف يحيا عالةً على الإحسانِ منك٤٧
وعمرُهُ على وشْكِ المَغيب؟ هذا هُراءْ! إبداءُ ذلك الحنانِ (٤٠٥)
ليس من سماتِ أيِّ ثعلبٍ مُحنَّكٍ٤٨ إيطالي.

(يخرج جريميو.)

ترانيو :
يلعنُكَ الله٤٩ أيا داهيةً ذبُلَتْ بشرتُهُ مكرًا!٥٠
لكنِّي فُزتُ عليك — وإنْ لم أملكْ أسلحةً —٥١ بالحيلة.
إنِّي قررتُ بأنْ أخدمَ مولايَ أجلَّ الخدماتْ،
ومن المحتومِ على لوسنتو المزعومِ الآنْ (٤١٠)
أنْ يُنجِبَ والدَهُ المزعومَ المَدعو فنشنتو،
وأرى تلك عجيبة. فالمعتادُ لدينا إنجابُ الآباءِ
لأبناءٍ من أصلابِهِمُو … أمَّا في حالةِ هذي الخِطبة
فسيُنجبُ ولدٌ والدَهُ٥٢ إن أحكمتُ الحيلةَ في هذي اللعبة.٥٣

(يخرج ترانيو.)

١  في عام ١٧٧٣م صدرت طبعة بيل (Bell’s Edition) التي نشرت مؤلَّفات شيكسبير الدرامية «بالصورة التي قُدِّمت بها على المسرح» آنذاك، ويبدأ فيها هذا المشهد بدخول «المجموعة» في السطر ٣٨، وذلك «حتى تحمي بيانكا من الظهور بهذا المنظر المزري المثير للحرج».
٢  صرحتُ في الترجمة بالمعنى المضمر في نصِّ كاترينا.
٣  «يا خائبة تركبها روح شيطانية»: يقول المعجم الكبير إن كلمة «الخائبة» (hilding) غير معروفة المصدر، ويورد من معانيها «التافهة» أو مَن لا تصلح لأداء شيء، والمقصود أعمال المنزل، وهو المعنى القديم لصفة «الخرقاء» العربية.
٤  تشير كاترينا هنا إلى مَثَلين شعبيين وتوردهما دون تعديل، أمَّا الرقص حافية القدمين، مرتديةً جوربًا أصفر، فالمقصود به «تجنب سوء الحظ» والظفر بزوج، وأمَّا قيادة القردة في جهنم فالمقصود به أن العانس ليس لها أطفال يمكن أن تقودهم إلى الجنة. وذكر كاترينا لهذين المَثَلين يدلُّ على رغبتها الدفينة في الزواج، وهو ما يتضح عمومًا في هذا المشهد.
٥  «لا أتكلم إلا عمَّا أعرف»: مَثَل سائر هو I speak but as I find.
٦  «تراجعْ قليلًا»: وهي صيغة لاتينية محرَّفة، ويوردها معجم أوكسفورد الكبير باعتبارها كلمةً إنجليزية لها صورتان هما backare أو baccare، ويقول الشرَّاح إنها ترِد في مَثَل شعبي في صورة backare، وتتكرر هذه الصورة في شواهد الشرَّاح.
٧  «جامعة رايمز» (Rheims): كان ذلك اسم المكان الذي أُنشِئت فيه الجامعة عام ١٥٤٧م، ويقول موريس «إنها كانت أهمَّ موقع للنشاط الكاثوليكي في إنجلترا»، وإن الكلية الإنجليزية في «دواي» (Douai) نُقلت إليها ما بين عامَي ١٥٧٨–١٥٩٣م. وتقتطف هودجدون ما يقوله موريس دون تعليق، وجميع الطبعات الأخرى تكتفي بالإشارة إلى أن المكان اسم جامعة «أوروبية» شهيرة، باستثناء طبعة نيوكيمبرج التي تتجاهل شرح الكلمة.
٨  «اسمك لوسنتو»: لا شيء في الحوار يبرر معرفة بابتيستا باسم لوسنتو (الذي يزعمه ترانيو لنفسه)، ولذلك أضاف المحرر تيبولد عبارة «يتبادلان التحية فيما بينهما.» بعد السطر ٩٩، ويضيف هيبارد إلى هذه العبارة ما يفيد أن بابتيستا «يفتح أحد الكُتُب حيث يرى اسم لوسنتو على الغلاف الداخلي». وفي العروض المسرحية الحديثة، يقدِّم ترانيو بطاقةً تحمل اسم لوسنتو إلى بابتيستا، وتضيف طبعة فولجر عبارة «يتقدم بونديلو حاملًا الهدايا»، ولكن ذلك في ذاته لا يبرر معرفة بابتيستا باسم لوسنتو، ولذلك أضفت أنا في الترجمة الإرشاد المسرحي المهمَّ بعد السطر ٩٨ وهو «يتهامس معه أثناء إهدائه الكتب.» فهذا يبرر بوضوح معرفة بابتيستا بالاسم.
٩  «لا أستطيع أن أجيء خاطبًا في كل يوم» (And every day I cannot come to woo).
يقول أوليفر إن هذا السطر كان جزءًا من أغنية حوارية بين شخصين يرمزان للذكر والأنثى بالاسمَين جون وجوان (John & Joan) مقتطفًا شروح بعض الباحثين الذين يبينون أن الفتاة كانت ذات إرادة صلبة، ومن ثَم يقول إن الجمهور الإليزابيثي كان يعرف هذه القصة الحوارية المنظومة في شكل «البالاد»، مضيفًا إن قول بتروشير يشير من طرفٍ خفيٍّ إليها، ويشير الشرَّاح الآخرون إلى أن تكرار هذا السطر في آخر كل فقرة، أيْ كونه ما يسمى «قرارًا»، في هذه «البالاد» وربما في غيرها، يعني أن بتروشيو «يلاعب» الجمهور، أيْ يسهم في تحديد النطاق الدلالي الذي شرحته باستفاضة في المقدمة، بمعنى أنه يقول العبارة «ضاحكًا» وواثقًا من ردِّ فعل الجمهور.
١٠  ١١٥–١٢٦: تقول هودجدون: كان على الوالد في الزيجات التقليدية تقديم أرصدة أو أصول اقتصادية تتضمن الأراضي في العادة إلى زوج ابنته. وعلى العكس من هذا لم يكُن من حقِّ الأرملة إلا جانب معيَّن من أملاك زوجها المتوفَّى، إذ كان معظم أملاكه من نصيب الورثة الآخرين، إمَّا من سلالته أو من أصهاره. ولكن بتروشيو يعرض كل أملاكه في حالة ترمل كاترينا، مما يمثل استجابةً بالغة السخاء لما يعرضه بابتيستا من بائنة قدرها عشرون ألف درهم، أيْ نحو خمسة آلاف جنيه وفق قيمة الجنيه في العصر الإليزابيثي، وهو مبلغ هائل. ويحقُّ لنا أن نتساءل عن استجابة جمهور المسرح في الفترة المذكورة من همسات أو ضحكات، فهل كان التخلص من كاترينا يقتضي هذه التكاليف الهائلة؟ وكان قد صدر في عام ١٥٨٧م إعلانٌ، أيْ مرسوم حكومي، ينظم أجور العاملين، ويمثل السياق اللازم لتصور قيمة هذه المبالغ، إذ كان أفضل العاملين بصناعة الأحذية والحياكة والجوارب والملابس الداخلية يتقاضون، إلى جانب علاوات الطعام والشراب، أربعة جنيهات في السنة، وأفضل النسَّاجين خمسة جنيهات في السنة، وصانعو الجِعَة والحدادون والجزارون ستة جنيهات في السنة.
١١  لاحظ غرابة التعبير عن العقود القانونية؛ إذ كانت تسمى specialties وفق ما يقول معجم أوكسفورد الكبير (OED 7) وتؤكد ذلك كلمة تفيد المعنى نفسه وهي covenants، وهي التي نترجمها اليوم ﺑ «العهود». ولاحظ كما أبين في كتابي مرشد المترجم (٢٠٠٠م) أن معظم المصطلحات الخاصة بالمعاملات المالية في تلك الفترة التي شهدت نشأة النُّظم التجارية السارية إلى اليوم كانت تقوم على الثقة أو ما نسميه الائتمان اليوم، فالاسم الذي نطلقه إلى الآن على القرض يعني ائتمانك شخصًا ما بقدْرٍ من مالك، أيْ ثقتك في أنه سوف يردُّه إليك، ربما مع نسبة من الربح الذي سوف يجنيه منه كما نفعل في البنوك التي نقرضها المال (على شكل وديعة) ونقترض منها المال. فكلمة الائتمان (credit) المعنى الاشتقاقي حرفيًّا إلى جانب المعنى الاصطلاحي أي القرض، وإذَن فإن كلمة «العهد» ليست غريبة، وحتى عهد قريب، كان يُكتب على الورقة المالية: «أتعهد بأن أدفع لحامله مبلغ كذا.» أيْ حتى إلغاء معيار الذهب في عهد الرئيس الأمريكي نيكسون (The Gold Standard).
١٢  الملاحظ أن شرط الحبِّ الذي يفرضه بابتيستا في حالة كاترينا لا ينطبق على بيانكا، ويقول بعض النقاد إنه مجرد صيغة تقليدية أو حرص من الوالد على سعادة ابنته، لكنني أراه يمثل جانبًا من المظاهر الخاوية في هذا الجو الذي تسيطر عليه المادة.
١٣  يستند هذان البيتان إلى مَثَل شائع مضغوط يقول:

النارُ يُذْكيها النسيمُ وليس تصمُدُ للرياحِ العاتية.

(A little wind kindles, much puts out the fire)
١٤  ١٢٩–١٤٧: هذا الحوار كله يعتمد على «المهارة» في الصياغة، فكل سطرٍ مستقلٌّ ببنائه النحوي، والفقرة كلها تحكمها الموسيقى الغلابة، والصور تتوالى بأسلوب الشعر العربي العمودي، وهو ما اقتضى الالتزام بالبناء وفقًا لما يقابل هذا كله بالفصحى المعاصرة، من بحر واحد (هو الوافر) إلى جانب الاستعانة بالقافية القادرة على نقل خصائص الأصل. ولن أرهق القارئ بتفاصيل ما نسميه «فن الصنعة»، ولكني أقول فقط إن السطرين الأولين من كلام بتروشير قد انقسما في الترجمة إلى ثلاثة شطرات؛ الشطر العربي الأول يمثل نصف السطر الإنجليزي الأول، والشطران التاليان بالعربية يمثلان النصف الثاني من السطر الأول والسطر الثاني كله:
أقولُ بأنهُ أمرٌ يسير.
ألَا فاعْلَمْ أبي أنِّي عنيدٌ … وعزمي في صَلابةِ كِبْرياها
(١٢٩-١٣٠)
وقِسْ على هذا باقي أبياته الثمانية، ويجاريه بابتيستا ببيتين من الشعر يقابلان السطرين الإنجليزيَّين، فيردُّ بتروشيو ببيتين آخرَين من بحر آخر، تمهيدًا لتغيير البحر مرة أخرى في الحوار ما بين بابتيستا وهورتنسو، وهكذا فنحن نتحول في هذا الحوار من الوافر إلى المتقارب إلى الكامل ثم يعود الرجز الملائم للحكاية الفكاهية التي يحكيها هورتنسو. ويؤكد بتروشيو مهارته اللفظية من جديد عندما يخلو له المسرح اعتبارًا من السطر ١٦٧ حتى دخول كاترينا بعد اثني عشر سطرًا، ثم يواجهها بتروشيو بالرَّمَل فترغمه على تغيير الإيقاع إلى بحر آخر!
١٥  توجد على ما نسميه «رقبة العود»، أي الجزء الذي تمسكه اليد اليسرى ويضع العازف أصابعه على الأوتار فيه، خطوط تحدد مكان كل نغمة بخطٍّ معيَّن، والعود الشرقي يبين هذه الخطوط (للمبتدئين عادة) بقِطَع من الصَّدف دفينة في الخشب، وأمَّا الأعواد الشرقية للمحترفين فلا تبين هذه الخطوط لأن أصابعهم تهتدي وحدها إلى أماكن الأنغام، ولكن العود الغربي كان يشبه الجيتار في وجود فواصل بارزة، تسمى frets، والعازف يضع إصبعه ما بين الفاصلين (لا على الفاصل في العود الشرقي)، ويقول أوليفر إن هذه الفواصل في العود كانت تُصنع من مِعَى الحيوان، ويُشار إليها اصطلاحًا بمِعَى أيْ أمعاء القِطِّ (catgut) مثل الأوتار، على عكس الجيتار حيث تُصنع الفواصل من المعدن. والتورية في الأصل تتعلق بهذه الفواصل، فكلمة fret تعني فيما تعني مظاهر التوتر أو القلق. وغالبًا ما ترتبط هذه الكلمة بفورة الغضب وهي fume ولمَّا كان من المحال أن آتي بالتورية الإنجليزية في الترجمة، فقد تحايلت حتى أظهر تلاعب كاترينا باللفظ الذي يأتي بالتورية.
١٦  ١٤٦–١٥٨: تقول هودجدون إن وصف هورتنسو لما حدث له حين كسرت كاترينا العود على رأسه وأدخلت رأسه فيه بعد أن شُقَّ وانفتح يتضمن إشارةً جنسية. ولكنني لم أعثر على مثل هذا التفسير عند غيرها من النقاد، ولم أشعر به قطعًا على طول تأملي للفقرة المذكورة.
١٧  «بالحياة نابضة»: هو المعنى الإليزابيثي المعتاد للصفة lusty.
١٨  لاحظ أن بتروشيو يُعرب عن شوقه للحديث مع كاترينا، وهذا في ذاته يؤكد طبيعة العلاقة التي يتوقعها مع هذه السليطة، ويثير شوقنا كذلك إلى سماع مناقشاتهما.
١٩  «من يتسمى أعظم قصر باسمك يا ذات الحسن الرائع»
(Kate of Kate Hall, my super-dainty Kate-)
ويلسون إلى الأصل التاريخي لهذا القصر الذي كان يسمى «قصر كاثرين»، وكان مقامًا في جنوب إنجلترا وترتاده الملكة إليزابيث أثناء رحلاتها الصيفية، ويبدو أنه كان من أملاك اللورد ساوثامتون، راعي شيكسبير، وهي حقيقة يذكرها موريس دون أن يزعم قدرتها على إثراء فهمنا للسطر المذكور. ولكن آن طومسون تشكِّك في صحة هذه المقولة، مؤكدةً أن الإحالة غامضة، كما ترجح أن تكون الإشارة ساخرة، وهو ما لا يشاركها أحدٌ من النقاد فيه. وأمَّا ترجمتي الصورة المستمدة من الطعام هنا وفي السطر التالي فقد حولتها للمعنى الأعم، فإن كلمة dainty إذا كانت صفةً كانت تعني الأنيق والرقيق، وأمَّا إن كانت اسمًا وأصبحت جمعًا dainties فإنها تعني «ما لذ وطاب» (مجدي وهبة). ولذلك اقتصرت في ترجمة الصفة على المعنى العام، وأمَّا معنى الاسم في السطر التالي فاخترت له «اللطائف» (التي توحي بالقطائف) وهي لا تقتصر على الحلوى بل تتضمن كل ما هو رقيق ولطيف. والمعروف أن هذه الأطعمة الرقيقة اللطيفة، سواءٌ كانت حلوة المذاق (sweet) أو «حوادق» (savouries) تسمَّى cates. أيْ إن بتروشيو يتلاعب باسمها دون حاجة لذكر الطعام، خصوصًا حين يخاطبها بقوله: «ياكيت السلوى والسلوان» (consolation). وقد شجعني على استخدام «اللطائف» إشارة بتروشيو بعد ذلك إلى «لطف» طباع كيت.
٢٠  «نعم كأنها يمامةٌ تصيدت جُعلًا كبيرًا»: يُجمع الشرَّاح على صعوبة هذا السطر أو غموضه:
(Ay, for a turtle, as he takes a buzzard)
وبعد تمحيص كل ما جاء به الشرَّاح، وجدت أن سرَّ الغموض يكمن في معنى buzzard إذ استعمل بتروشيو هذا اللفظ بمعناه المشهور وهو الصقر، ولكن كاترينا تستخدمه بمعناه الآخر وهو الجُعْل الكبير، وهو حشرة تشبه الدود، بيضاء اللون، تسمَّى cockchafer، وتسمَّى في بريطانيا May bug، وفي أمريكا June bug؛ أيْ بقَّة الربيع وبقَّة الخريف على الترتيب، وهي نوعٌ من الخنافس أو الجعارين التي تعيش في المناطق الباردة ولا تُرى إلا في الربيع أو الصيف عندما يعتدل الجو حتى تتكاثر، ويبدو أن الطيور تعافها (لطعمها القبيح)، ولذلك فإذا اصطادت اليمامةُ هذه الحشرة أو إذا دخلت فَمَها عفوًا لفَظَتها، والكلمة التي ترجمتها باليمامة هنا هي في الحقيقة القمرية turtle-dove، واليمامة علميًّا تسمَّى palm-dove، لكنني حاولت التبسيط لأن القِمري طير أوروبي يزور مصر في الخريف أثناء رحلته السنوية إلى السودان حيث يقضي فصل الشتاء. والقمرية يضرب بها المَثَل في الوفاء لزوجها، وإزاء هذا كله اقتنعت بقول هيبارد «إن أفضل شرح لهذه الفقرة الصعبة ما جاء به دوفر ويلسون الذي يشرحها قائلًا «لن يظن أنني زوجة وفية إلا أحمق، مثلما تبتلع القمرية جُعلًا كبيرًا.» ولا أظن أن النصَّ بصورته المقتبسة أعلاه، يوضح هذا المعنى للقارئ، ناهيك بالسامع! وحتى بعد الترجمة يظل المعنى غامضًا فنحن لا نعرف القِمري في مصر، ولا نعرف عنه طبع الوفاء الزوجي، والحقُّ أن هذا يصدُق على اليمام (لمَن عرف اليمام طول حياته مثلما عرفته)، ولكن المشكلة تكمن في هذا الجُعل الكبير! ولمَّا كانت العبارة غامضةً عند أهل اللغة المصدر، فلن يُقلقني كثيرًا أن يشوبها الغموض باللغة الهدف (أو المستهدفة). وعزائي أن المترجم الذي يتمثل جانبٌ من عمله في التفسير ليس مطالبًا بتفسير شيء يتعذر تفسيره، ومن يتجاهلْ صعوبات النصِّ ويأتِ بما يُرضي القارئ وحسب يكُن خائنًا للأمانة. وهكذا أتصور أن الطنين الذي يُصدره الجُعل، يربط هذه الصورة بردِّ بتروشيو عليها إذ يقول لها بل أنت نحلة طنَّانة.
٢١  أضفتُ الإرشاد المسرحي الذي أضافه هيبارد وأضافته آن طومسون، وتكتفي هودجدون بالإشارة إليه في الحاشية.
٢٢  «ضاع نُبل محتدك»: المقصود فقدت درع النبالة الذي يشهد بأنك نبيل المحتد، وهي تعبِّر عن «درع النبالة» (coat of arms) بكلمة واحدة هي arms، ولكنها تشرح المقصود في السطر ٢٢٥، ولكن هيبارد يورد معنًى محتملًا ثانيًا وهو «ارفع يدك عني.» وهو معنًى ضعيف، يستند إلى موازاة كلمة lose الواردة في النصِّ (أيْ يفقد) بكلمة loose التي تعني خفِّف قبضتك على ذراعي، أيْ فُكَّ وثاقي ودعني أمضي، والطريف أن النصَّ الأصلي (نص الفوليو ١٦٢٣م) يؤيد الهجاء الأخير، الذي لا يختلف في المعنى، وفق ما تقوله هودجدون، عن الهجاء الأول. وأنا أصفه بالمعنى الضعيف لأنه يورد arms التي تشير إلى نبل المحتد، لا arm التي كان يمكن أن تشير إلى ذراعه، إلا إنْ تصوَّرنا أنه يحتضنها، وفي هذه الحالة قد يتعذر عليها أن تضربه كما يقول النصُّ الأصلي.
٢٣  ٢٣٧-٢٣٨: في السطرين تلاعب بكلمة young إذ تعني كاترينا بها صِغَر السن، أي اليُفوع، كما نقول بالعامية المصرية «أنت صُغَيَّرْ عليَّ.» وعبارتها تعتبر اليفوع مرادفًا لعدم الخبرة، ولذلك تقول «رغم يفوعك.» وأمَّا بتروشيو فيرى في الكلمة نفسها قوة الشباب وعنفوانه، أيْ إنه يجعل الشباب صفةً للقوة التي لا تستطيع كاترينا مغالبتها (I am too young for you).
٢٤  بتروشيو يشبِّه كاترينا بالغصن المستقيم النحيل، ومن ثَم بالغصن الأملود، أي الليِّن الناعم، وهذه الصفات ترتبط في ثقافتنا العربية بغصن البان، فأشجار البان هي مصدر التشبيه لدينا لا أشجار البندق (الذي لا يُزرع عندنا)، ومن ثَم بدأت بغصن البان ثم أردفته بغصن البندق وبقية الصورة كما رسمها بتروشيو، فذلك من باب تقريب الصورة، خصوصًا لأن سمرة البشرة أقرب إلى صفاتنا من البياض لدى شيكسبير.
٢٥  ٢٦٠–٢٦٤: هذه الأبيات الخمسة بقوافيها (من المجتث) ترجمة شعرية بمعنى تحويل الشعر الذي بذل فيه بتروشيو جهدًا كبيرًا إلى شعر عربي تقبله الأُذن العربية، ويتضمن التحويل إعادة صوغ شبه كاملة، ومن الطبيعي في هذه الحالة الاستعانة بقوافٍ جديدة مستمَدَّة من داخل الصورة وليست مُقحَمة عليها. ونحن نعرف مدى الصنعة فيها بسبب تعليق كاترينا، فقولها متى «تعلمت» يعني متى حفظت هذه الأبيات عن ظهر قلب.
٢٦  ينكر بتروشيو أنه حفظ الأبيات المذكورة زاعمًا أنه ارتجلها.
٢٧  تقول هودجدون: هذه الفقرة تتضمن شعرًا ركيكًا، وبعض القوافي، أو ما يشبه القوافي، والتلاعب اللفظي السريع، والإشارات «الخارجة»، وبناء أقوال مُتحدِّثٍ على أقوال صاحبه، وهذا كله يخلق جوًّا من العلاقة الحميمة بينهما أثناء تجاربهما في استعمال أساليب لغوية مختلفة، ووفق تقطيع السطور هنا، حيث تتناوب أنصاف الشطور والسطور التي توحي باختلاط النَّظم بالنثر، وهو ما يعني ضمنًا أن اللعبة تظلُّ غير محسومة إلى النهاية، ومَن يستطيع منها استكمال سطر منظوم يكسب «نقطة».
٢٨  «وسوف تصبحين زوجتي … رضيتِ أم أبيتِ»
(And will you, nill you, I will marry you):
الجزء الأول من العبارة الإنجليزية اصطلاحيٌّ ويجري مجرى الأمثال، فالمصطلح الشائع هو will he, nill he الذي يوازي التعبير الحديث willy-nilly.
٢٩  «وديعة مثل الحمام»: الأصل modest as the dove تعبير اصطلاحي ومَثَل سائر.
٣٠  «وصبرها يعادل اصطبار مَن تُدعى جريسيل» (Grissel) أو جريسيلدا (Griselda): كانت تسمَّى جريسيلدا الصبور المطيعة، وترِد قصتها عند تشوسر في حكايات كنتربري، الذي استعارها من قصص الديكاميرون التي كتبها بوكاشيو، وقد أصبحت بعد ذلك موضوعًا لقصائد كثيرة وقصص شعرية شعبية (بالادات) بالإنجليزية، وكُتبت مسرحيتان عنها في أواسط القرن السادس عشر، كما اشترك ثلاثة مؤلِّفين هُم ديكر (Dekker) وتشيتيل (Chettle) وهوتون (Haughton) في كتابة مسرحية عنوانها جريسيل الصبور (Patient Grissel) مُثِّلت للمرة الأولى عام ١٦٠٠م.
٣١  لوكريس (Lucrece): قصة لوكريس الرومانية قصة بطلة رومانية أسطورية اغتصبها تاركوين فانتحرت، ويقصُّ شيكسبير قصتها في قصة شعرية بالغة الطول نُشرت للمرة الأولى عام ١٥٩٤م.
٣٢  «إذَن على حظوظنا السلام»: ترجمة تراعي البُعد الثقافي للجملة الإنجليزية:
(Nay, then, goodnight our part!)
٣٣  ٣٠٦–٣٢١: سطور بتروشيو الستة عشر تتضمن عدَّة خطوات وعدَّة ملامح أهمُّها الصعود إلى الذروة، وهي المصافحة مع كيت على عهد الزواج، الخطوة الأولى، وما يُسمَّى التفاصيل التنفيذية التي تعقب ذلك، من رحيله إلى البندقية وطلبه الاستعداد للزفاف من صهره، وهي سطور تلتزم بقواعد العَروض على الرغم من تراوح أنغامها، وخرجت عندي من (الخفيف).
٣٤  لا يزال بتروشيو مصافحًا لكيت، ووضْعُ والدها يدَهُ فوق أيديهما، وفي وجود شهود، يعني أن المرحلة الأولى من مراحل الزواج قد اكتملت، وقد نسميها الخِطبة (betrothal)، ولكنها أشدُّ إلزامًا مما نسميه الخِطبة اليوم (engagement)، فإن هذا يسمَّى العهد السابق للعقد (pre-contract) أو يُعتبر في ذاته عقدًا سابقًا للعقد الرسمي (الكنسي)، ولا يستطيع أحد المتعاقدين بعده أن يتخذ قرينًا آخر. انظر شرح تقاليد الزواج آنذاك في مقدمتي لترجمة دقة بدقة، القاهرة، ٢٠١٣م.
٣٥  ٣٢٥–٣٢٨: ناقشت البناء الخاص لهذه الأسطر في المقدمة، حيث أبيِّن كيف حاكيتُ الإيقاع العَروضي وما له من دلالة في البناء الذي تتجلى فيه أفكار بتروشيو المنفصلة، إذ يتكون من عبارات قصيرة متوالية من الرَّمَل (انظر ص٩٠).
٣٦  «تلك البضاعة» (a commodity): يشير ترانيو، الخادم المتنكر في زيِّ سيده لوسنتو إلى اعتبار المرأة بضاعةً جنسية، وصراحته تصدم بابتيستا فيسارع إلى تأكيد أنه لا يرجو إلا نجاح الزواج (٣٣٤)، ولكن جريميو يُعرب عن حقيقة ما يراه في هذا الزواج وهو المال الذي سيفوز به بتروشيو (٣٣٥).
٣٧  ٣٣٠–٣٣٥: بعد خروج بتروشيو وكاترينا يعبِّر بابتيستا عن عدم ثقته في نجاح الزيجة التي وافق عليها باعتبارها مغامرةً تجارية، أو كما يقول، «صفقة خرقاء»، في سطرين مقفَّيَين، وبعدها تتوالى الصور التجارية والمالية بأبياتٍ مقفَّاة ولو بين عدَّة متحدثين.
٣٨  «هذا هو اليوم الذي طال انتظارنا له»: الأصل
Now is the day we long have looked for
وهو تحوير للمَثَل السائر: «لطالما نشدته وإذ به يأتي أخيرًا.»
Long looked for comes at last
٣٩  يعلن بابتيستا بداية المزاد بين العاشقَين اللذَين يطلبان يد ابنته بيانكا، وكنا قد شهدنا مثل هذا التنافس في الفصل الأول (المشهد الأول) بين جريميو وهورتنسو، ولكن ترانيو (لوسنتو) هنا قد حلَّ محلَّ هورتنسو! ومن الغريب أن بابتيستا وجريميو ينسيان، فيما يبدو، أمر هورتنسو، تمامًا! ولا يقتصر ذلك على هذه اللحظة بل يستمر إلى آخر المسرحية، والواقع أنه من المُحال أن يشارك في هذا المزاد لأنه في هذه الآونة متنكر في زيِّ ليسيو، ومن المفترض أنه يُعلِّم بيانكا عزف العود في هذه اللحظة نفسها! والأغرب من ذلك أننا — قراءً ومشاهدين — ننساه مع مَن نسيه!
٤٠  «ما الذي تضمنه لها» (What can you assure her?): يقول معجم أوكسفورد الكبير إن معنى الفعل هنا يوازي «يضمن»، وهو معنًى يتداخل مع «التأمين» (OED v. lc, 5)، ولكنه يضيف بعد ذلك إن للكلمة معنًى قانونيًّا هو نقل الملكية أو التكليف (OED v. 3)، وما دام الحديث هنا عن المَهر (dower) أي المال الذي يقدِّمه العريس لأهل العروس (OED n.2 2b) فقد فضَّلت المعنى الأول، لأن نقل الملكية لن يحدُث، كما يقول جريميو نفسه، إلا بعد وفاته، إذ يئول إليها كل ما ذكره من أملاك (السطر ٣٦٥).
٤١  «وكل هذا سوف ينتهي إليها إن ترمَّلت» (all which shall be her jointure):
وقد نقلتُ معنى الكلمة الأخيرة في العبارة من المعجم OED n. 4a 4b، والشرَّاح يشيرون إلى المعنى بعبارة «تسوية الترمل.» بمعنى أن ما يعرضه ترانيو (باسم لوسنتو) لن ينتقل إلى بيانكا إلَّا بعد وفاته.
٤٢  «سفينة تجارية» (an argosy): وقد اكتسبت هذه السفينة هذا الاسم من المدينة التي اشتهرت بصناعتها وهي مدينة راجوزا (Ragusa) القديمة في شبه جزيرة البلقان، والتي أصبح اسمها اليوم دوبروفنيك (Dubrovnik) في كرواتيا.
٤٣  «مرسيليا»: الأصل يقول Marsellis’ road، والمقصود المرفأ الآمن في مدينة مرسيليا (Marseilles) الفرنسية، واسم المدينة يختلف في طبعات المسرحية الأولى.
٤٤  «هل غُصَّ حَلْقُكَ بالسفينة»: يتجاهل معظم الشرَّاح إيضاح الصورة، ربما بسبب اشتراكها مع العبارة العامية في الإنجليزية الحديثة «هل غَصَصْتُ حَلْقَكَ؟» ((Have i) choked you off) أيْ هل كتمتُ أنفاسك؟ أو هل نجحت في إسكاتك؟ (Have I shut you up?).
٤٥  «الأيلولة»: هنا assurance انظر الحاشية على ٣٤٨ أعلاه.
٤٦  ٣٣٦–٤٠١: في غمار التنافس بين لوسنتو (الذي يتحدث ترانيو باسمه) وبين جريميو حول المَهر الذي يمكن أن يدفعه كلٌّ منهما لقاء الاقتران ببيانكا، لا يشير بابتيستا إلى ما سوف يقدمه بائنةً لابنته الصغرى بيانكا. وتقول هودجدون: «نفترض إذَن أنها في ذاتها بائنة!»
٤٧  «يحيا عالةً على الإحسان منك»: الأصل يقول: set foot under thy table وهو مقتبس من مصطلح لغوي أو مَثَل سائر يقول To thrust one’s feet under another man’s table.
٤٨  «ليس من سمات أيِّ ثعلبٍ محنَّك»: المعنى مقتبس من مَثَل شائع يقول: الثعلب المحنَّك لا يقع في الشَّرَك.
٤٩  «يلعنك الله»: هو المعنى المعتاد لعبارة: A vengeance on him أو A vengeance take him.
٥٠  «ذبلت بشرته مكرًا»: راقني ميل بعض المحررين إلى ربط المكر (craft) بتغضُّن البشرة (withered hide)، والآخرون يفصلون بين الصفتين crafty الداهية وذبول البشرة، فجمعت بينهما ما دام النصُّ يسمح بإخراج هذه الصورة الطريفة.
٥١  يستخدم ترانيو مصطلحًا لغويًّا يجري مجرى الأمثال وهو «يكسب على الرغم من ضعف أوراق اللعب في يده» (To outface with a card of ten). والنصُّ يقول yet I have faced it with a card of ten، ولتقريب المعنى لقارئ العربية أقول إن اللغة الإنجليزية حافلة بمصطلحات مُستمَدَّة من المراهنات، فالرهان مقامرة، والمقامرة مغامرة، والإنجليزيُّ بطبعه مغامر مقامر لأنه يركب البحر إن أراد إنجاز شيء، والبحر خائن غدار، وركوب البحر يتطلب من المرء روح المغامرة، وألعاب الورق تعتمد على المغامرة، وأمَّا لعبة البوكر (Poker) فتعتمد على الخداع إذ يتظاهر اللاعب بأن لديه أوراقًا معيَّنةً حتى يدفع خصمه إلى المغامرة برهان أكبر ثم يفوز المخادع. وهذا هو ما فعله ترانيو هنا، إذ زعم أن له (باعتباره لوسنتو) أموالًا وعقاراتٍ تفوق ما يملكه في الواقع فتغلَّب على خصمه.
٥٢  «إنجاب الولد والدًا له»: قلب طريف للأوضاع، وهو يصبُّ في النطاق الدلالي للهزلية، مثلما نسمع فيما بعدُ أن الشوفان التهَمَ الخيل! (٣ / ٢ / ٢٠٦-٢٠٧).
٥٣  يُنهي شيكسبير المشهد بسطرين مقفَّيَين، ويتكرر فيهما ذكر الحيلة والخطبة، فالتحايل أساسيٌّ في حبكة المسرحية منذ البداية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤