الفصل الثالث

المشهد الأول

(يدخل لوسنتو، متنكرًا في شخصية مُعلِّم اللغات كامبيو، وهورتنسو متنكرًا في شخصية مُعلِّم الموسيقى ليسيو، وبيانكا.)١
لوسنتو :
يا عوَّادُ٢ كفى هذا الإلحاحْ! إنك تُقحمُ نفْسَكَ إقحامًا!
أنسيتَ بهذي السرعة ما لاقيتَ من الترحيبِ٣ هنا
في درس شقيقتها كاترينا؟
هورتنسو :
لكنْ يا علَّامةُ يا مُتحذلقُ هذي٤ (يورانيا.)
راعيةُ الأنغامِ المُتوافقةِ العليا في كلِّ سماءْ، (٥)
ذلك يسمح لي أنْ أبدأ درسي قبلَكْ،
فإذا انقضت الساعةُ في الدرس الموسيقي،
فاستغرقْ في درسِكَ زمنًا يَعدِلُ مدَّةَ درسي.
لوسنتو :
يا جحشًا يعكس ترتيب الأشياء!٥
يا مَنْ يجهلُ أسبابَ وجود الموسيقى أصلًا! (١٠)
أفلم توجَدْ حتى تُنعِشَ ذهنَ الإنسانْ
بعد الدرسِ ومجهودِ العمل اليومي؟ وإذَنْ
فاسمحْ لي أنْ أسقيها العِلمَ وأتفلسفْ،
ثم ابدأْ درسَ الموسيقى ساعةَ أتوقَّفْ.٦
هورتنسو : لن أسمحَ بمزيدٍ من هذي الألفاظ الوقحة! (١٥)
بيانكا :
أسأتُما إليَّ بالخلاف حول أمرٍ لا يكون فيه الاختيارُ
إلا في يدي! وهذه إساءة مضاعفة.
فلستُ بالتلميذة الصغيرة التي تحتاجُ للتأديبْ،
وأرفضُ التقيدَ٧ الدقيقَ بالساعات والمواعيد المحدَّدة،
لكنما دروسي أستقيها كيفما أشاء، (٢٠)
فلْنَطرح الخلافَ ولنجلسْ جميعًا بُرهةً.
خُذْ آلتَكْ. اعزفْ قليلًا واضبط الأوتارْ،
وسوف ننتهي من درسنا قبل انتهاء الضبط.
هورتنسو : ستتركين درسه عند انتهاء ضبط العُودْ؟
لوسنتو : ولن يحينَ ذاك أبدًا. اضبطْ إذَنْ آلتَكْ. (٢٥)
بيانكا : أين توقَّفْنا في آخر درس؟
لوسنتو : إنَّا توقَّفْنا هنا:٨
Hic ibat Simois, hic est Sigeia tellus,

Hic Steterat Priami regia celsa senis.

(هنا تدفقت مياه نهر سيمويس، وهذه أصقاع سيجيا (طروادة) وهنا القصر المنيف للمليك بريام العجوز انتصبا.)

بيانكا : ترجم السطرين. (٣٠)
لوسنتو :
(hic ibat) كما قلتُ لك من قبل (Simois) أنا لوسنتو (hicest)
ابن فنشنتو، من بيزا (Ségeia tellus)، تنكرتُ في هذه
الهيئة حتى أحصل على حبِّك (his steterat)، ولوسنتو ذلك
الذي جاء يخطبك (Priami) هو خادمي ترانيو (regia) محاكيًا
سلوكي (celsa senis) حتى نخدع المغفَّل العجوز. (٣٥)
هورتنسو : ضُبِطتْ أوتارُ الآلةِ يا سيِّدتي!
بيانكا : أسمِعْني النغماتْ. لا لا. الوترُ الحادُّ الأعلى ناشزْ.
لوسنتو : بَلِّل الثقبَ الذي يدخل فيه وتدُ الوتر حتى يثبت وأعدْ ضبطَه.٩
بيانكا :
والآن دعني أرى إنْ كنتُ قادرةً على الترجمة: (٤٠)
(hic ibat Simois) أنا لا أعرفك، (hic est Sigeia tellus)
لا أثقُ فيك، (hic Steterat Priami) حاذرْ أنْ يسمعَنا
(regia)، لا تتعلقْ بالآمالِ (celsa senis) ولا تيأسْ.
هورتنسو : الأوتارُ انْضَبَطتْ يا سيِّدتي.

 (يعزف.)

لوسنتو : باستثناءِ الوترِ الأغلظِ والأسفلْ.١٠ (٤٥)
هورتنسو :
الوترُ الأسفلُ١١ مضبوطْ. أمَّا الناشز فهو الوغدُ الأسفلْ.
(جانبًا.)
ذاك المتحذلقُ يزداد تجاسرُهْ وحماسُهْ.
أُقسِمُ بحياتي إنَّ الوغدَ يُطارحُ مَنْ أهواها حُبَّهْ،
وإذَنْ سأزيدُ مراقبتَكَ يا نصفَ مُعلِّمْ!١٢
بيانكا : قد أومِنُ بكَ بمرورِ الزمن ولكنَّ شكوكي قائمةٌ.
لوسنتو :
لا شكَّ بهذا فلقد كان أيا سيديس١٣ هو إيجاكس (٥٠)
إذ سُمِّي باسم الجَدِّ الأكبر لهْ.
بيانكا :
وإذَنْ لا بدَّ من الإيمان بما يحكي أستاذي،
ذاك وإلا واصلتُ نقاشي وشكوكي … لكنْ يكفي هذا!
والآن اسمعْ يا ليسيو يا خيرَ مُعلِّمْ،
أرجو ألَّا تَغضب من نبرات الهزل (٥٥)
فيما كنتُ أقولُ لكلٍّ منكم.
هورتنسو :
لكَ أنْ تتركني الآن قليلًا كي تتنزَّهْ
فدروسُ غنائي لا تتضمنُ أغنيةً لثلاثةِ أصواتْ.
لوسنتو (جانبًا) :
هل تلزمُ هذا الحدَّ من الدقة؟ وإذَنْ لا بدَّ من الصبرِ
لكي أرقب ما يحدُثْ، إذ إنِّي أتصور — إنْ لم أخطئْ — (٦٠)
أنَّ الموسيقيَّ البارع يهواها.
هورتنسو :
عليكِ يا آنستي، من قبل لمْسِ الآلةِ،
أنْ تعرفي مواضعَ الأصابع التي حدَّدتُها.
وهكذا لا بدَّ أنْ أبدأ بالأصولِ كي تُحيطي أولًا،
وباختصارٍ بالذي يُسمَّى السلَّمَ الموسيقي، (٦٥)
وقد وضعتُهُ بأسلوبٍ مركَّزٍ لطيفٍ ناجعٍ
يفوقُ في هذا جميعًا كلَّ منهجٍ مطبقٍ في فنِّنا،
وذاك ما دونتُهُ هنا بالصورةِ الحديثة.
بيانكا : لكنَّني ومن زمانٍ قد تجاوزتُ السلالمْ.
هورتنسو : فلتَقرَئي أرجوكِ سُلَّمَ الفتى هورتنسو.١٤ (٧٠)
بيانكا (تقرأ) :
«دو.»: إنِّي أصْلُ السلَّمِ مَنبعُ كلِّ توافُقْ.
«ري.»: أنقُلُ ما يُبطِنُ هورتنسو من حُبٍّ دافقْ.
«مي.»: فلْيتزوجْكِ بيانكا هذا العاشقْ.
«فا.»: في القلبِ لديه أشواقُ الصبِّ الوامقْ.
«صول لا.»: ثِنْتانِ من النغماتِ معًا في مفتاحٍ فائقْ (٧٥).
«سي دو.»: إنْ لم يُشفِقْ قلبُكِ ماتَ القلبُ الخافقْ.
أوَهذا ما أطلقتَ عليه السلَّمْ؟ لا! لا يُعجبُني.
فأنا أُوثِرُ كلَّ مناهجنا التقليديَّة … وأنا أَنفِرُ من نزواتِ
استبدالِ المُبتكَرَاتِ الشاذَّةِ … بقواعدَ ثابتةِ الصحَّة.

(يدخل خادم.)

الخادم :
مولاتي! يرجوكِ الوالدُ أنْ تتخلَّي عن كُتُبِكْ، (٨٠)
وتُعينينا في إعدادِ الزينةِ في غرفةِ أختِكْ،
فغدًا يومُ زفافِ شقيقتِكِ كما تَدرينْ.
بيانكا : وإذَنْ فوداعًا لكما يا أستاذَيْنِ لطيفين. لا بُدَّ بأنْ أمضي.

(تخرج بيانكا مع الخادم.)

لوسنتو : فعلًا يا آنستي! وإذَنْ لا أعرفُ ما يدعوني أنْ أبقى.

(يخرج لوسنتو.)

هورتنسو :
لكنِّي أعرف ما يدعوني لدراسةِ أمرِ المُتحذلقْ. (٨٥)
في ظنِّي أنَّ الرجل تلوح عليه أماراتُ العُشَّاقْ
لكنْ إنْ كانت أفكارُكِ يا بيانكا متواضعةً
تَقبَلُ أنْ تَجنَحَ عيناكِ فتنبهرا بمظاهرَ خادعةٍ
فلْيَظفرْ بكِ مَنْ يرجو وصْلَكْ.١٥ الآنَ سأنظُرُ في أمركْ،
فإذا أدركتُ بأنَّكِ نقَّلْتِ فؤادَكِ في كرِّكِ أو فرِّكْ١٦ (٩٠)
فسيثأرُ هورتنسو منكِ١٧ بأنْ يتحولَ عنكِ إلى غيرِكْ.

(يخرج.)

المشهد الثاني

(يدخل بابتيستا وجريميو وترانيو (متنكرًا باسم لوسنتو) وكاترينا وبيانكا ولوسنتو (متنكرًا باسم كامبيو) وغيرهم وأفراد الحاشية.)١٨
بابتيستا :
يا أيُّها السنيور لوسنتو! هذا هو اليومُ المحدَّدُ للزفافْ،
أعني زواجَ كاترينا هنا بعريسها بتروشيو،
لكنَّنا لم تأتِنا الأنباءُ عمَّنْ قد غدا صِهْرًا لنا.
ماذا يقولُ الناسُ عنَّا؟ بل ما مدى ما سوف تغدو السخرية
إنْ غابَ عن عقد القِران عريسُنا والكاهنُ المأذونُ عندي (٥)
جاهزٌ لتلاوةِ النصِّ الذي يُتْلى هنا وَفْقَ الشعائرْ؟
ما رأيُ لوسنتو بهذا العارِ في أُسرتِنا؟
كاترينا :
لا عارَ هنا إلَّا عاري. لا بدَّ بأنْ أُضْطرَّ إلى أنْ
أرضى بزواجٍ يرفضه قلبي من مَخبولٍ حادِّ الطَّبْعِ
وذي نزواتٍ لا حدَّ لها.١٩ فإذا هو في الخِطْبَةِ يتعجَّلْ، (١٠)
وبيومِ زفافي يقصدُ أنْ يتمهَّلْ!٢٠
قلتُ لكم من قبلُ بأنَّ الرجلَ غريبٌ مأفونْ،
ويحاولُ بسلوكٍ فظٍّ إخفاءَ مَلاعبِهِ المُتفكِّهَةِ المُرَّة،
ولكي يكتسبَ الصِّيتَ بقُدرتهِ البالغةِ على الهَزْلِ
تراهُ يَخطُبُ ألْفَ فتاةٍ ويحدِّدُ يومَ زفافهْ (١٥)
فيقيمُ المأدُبَةَ ويدعو الأصحابَ ويعلنُ نصَّ العَقدِ الكَنَسي
من دون النيَّةِ في أنْ يقترنَ بأيِّ فتاةٍ يخطُبُها.
لا بدَّ بأنَّ الدنيا الآن تشيرُ إلى كاترينا المِسكينَةِ،
وتقولُ «انظُرْ! ها هي ذي زوجةُ بتروشيو المجنونْ،
فلْيتَعطَّفْ إنْ شاءَ فيأتي كي يتزوَّجَها.» (٢٠)
ترانيو :
الصبرَ كاترينا الكريمة! وأنتَ يا بابتيستا!٢١
أقسَمْتُ بالحياة إنَّ بتروشيو سليمُ النيَّة.
إنْ كانت الأقدارُ قد عاقتْهُ عن تنفيذِ وعدِهْ
فإنَّهُ على فظاظتِهْ … لديهِ ما عَرَفْتُهُ من حِكْمةٍ وعَقْل،
ورغمَ ما لديه من مرَحْ … فإنَّه لَذو أمانةٍ وذو شرفْ. (٢٥)
كاترينا : ورغمَ ذاك ليتَ أنَّ كاترينا هنا … ما شاهَدَتْهُ قَط!

(تخرج كاترينا باكية وبيانكا تتبعها.)

بابتيستا :
امْضِي فَتَاتي … لا لَوْمَ عندي إنْ بَكيتِ اليوم! فهذه إهانةٌ
من شأنِها إخراجُها عن طَوْرِها وإنْ تكُنْ قدِّيسة،٢٢
ناهيكَ إنْ كانت شُموسًا ذاتَ طَبْعٍ لا يُطيقُ الصبر.

(يدخل بيونديلو.)

بيونديلو : يا سيدي يا سيدي أنباء! لديَّ أنباء قديمة … كما لديَّ ما لم (٣٠)
تستمع لمثله من قبل!
بابتيستا : قديمة جديدة معًا؟ وكيف كان ذلك؟
بيونديلو : طبعًا! أوَليس من الأنباء … أن تسمع عن مقدم بتروشيو؟
بابتيستا : هل أتى؟ (٣٥)
بيونديلو : لا يا سيدي.
بابتيستا : ماذا إذَن؟
بيونديلو : فإنه لَقادم.
بابتيستا : متى نراه بيننا؟
بيونديلو : حين يقف حيث أقف فترونه ويراكم! (٤٠)
ترانيو : قُل إذَن … ما شأن أنبائك القديمة؟
بيونديلو : يُقبِل بتروشيو مرتديًا قبعة جديدة، وسُترة ضيقة قديمة،
وسروالًا باليًا قلبه الحائك ثلاث مرات ظهرًا لبطن، وحذاء

برقبة كان يستخدم لتخزين الشمع، وهو مقفول بأزرار في

إحدى القدمين، وبرباط في القدم الأخرى، وإن كان الرباط ذا (٤٥)

طرفين مقطوعين، وإلى جانبه سيف علاه الصدأ من مخزن

أسلحة البلدية، مقبضه مكسور، ولا غمد له، والنصل مفلول

في موضعين، والحصان ذو عرج في الفخذ، وسرجه عتيق أكلته

العثَّة، وبه مهمازان من نوعين مختلفين، وهو مصاب بالتهاب

الغدَّة، ورشح الأنف، واحتمال تآكل العمود الفقري، وفمه (٥٠)

منتفخ، مليء بالقروح الخبيثة، وفي أرجله أورام، وغضاريف

المفاصل ملتهبة، والجلد أصفر من اليرقان، وخلف الأذنين

انتفاخ يصيبه بالدوار، وتنهكه ديدان البطن، والظهر منحول،

والكتف مخلوع، وساقاه الأماميتان تصطكان، وشكيمته (٥٥)

مكسورة، ومقدمة زمامه من جلد الغنم الضعيف، ولمَّا كانت

وظيفتها منعه من التعثر فقد انقطعت وعُقِدت أجزاؤها بعضها

إلى بعض، ورباط السرج حول البطن قُطِع ستَّ مرات، وأمَّا

الحزام الذي يمرُّ تحت الذيل لتثبيت السرج فهو من نسيجٍ

نسائيٍّ كالقطيفة ومنقوش عليه حرفان من اسم المرأة بالنحاس (٦٠)

البارز ورُبط هنا وهناك بالدوبار.
بابتيستا : ومَن أتى معه؟
بيونديلو : غلامه الصغير يا سيدي، وهو من جميع الوجوه٢٣ غريب المظهر
كالحصان يرتدي جوربًا قطنيًّا في إحدى قدميه، وجوربًا

طويلًا من الصوف في القدم الأخرى، يربطه برباطٍ أحمر (٦٥)

وأزرق، ويلبس قبعةً قديمة، وبها شرائط من أربعين لونًا بدلًا

من الريشة،٢٤ فهو مسخٌ شائهٌ في ملبسه، بحيث لا يشبه خدم

المسيحي٢٥ الحق ولا غلمان السادة الشرفاء.٢٦
ترانيو : لا بدَّ أنَّ نزوةً غريبةً حَدَتْ به إلى الظهورِ هكذا،
لكنْ من عاداته ارتداءُ مَلبسٍ حقيرْ. (٧٠)
بابتيستا : يسرُّني قدومُهُ مهما يكُن مظهرُهُ.
بيونديلو : لكنَّه لم يأتِ يا سيِّدي.
بابتيستا : ألم تقُلْ بأنَّه أتى؟
بيونديلو : مَن؟ هل قلتُ إنَّ بتروشيو أتى؟ (٧٥)
بابتيستا : نعم، تقولُ إنَّ بتروشيو أتى.
بيونديلو : لا لم أقُلْ يا سيِّدي. بل قلتُ قد أتى حصانُهُ وفوق ظهرِه بتروشيو!
بابتيستا : سيَّانْ!٢٧،٢٨
بيونديلو (يغني) :
هذا بحقِّ قِدِّيسي رهانْ ٨٠٢٩
مِقدارُهُ قِرْشٌ وقُلْ قِرْشانْ
بأنَّ راكبَ الحصانِ والحصانْ
ليسا بفردٍ أو هما سيَّانْ
لكنما هنا توحَّدَ الاثنانْ

(يدخل بتروشيو وجروميو.)

بتروشيو : هيا! أين السادةُ والأشرافْ؟ مَنْ بالمنزلْ؟ (٨٥)
بابتيستا : يا مرحبًا خيرَ٣٠ الرجالْ!
بتروشيو : لكنَّني لستُ بخيرْ.
بابتيستا : بل ليسَ فيكَ من عَرَجْ.
ترانيو : لستَ في خيرِ ثيابٍ كنتُ أرجوكَ بها.
بتروشيو :
ألم يكُن خيرًا قُدومي هكذا على عَجَلْ؟ (٩٠)
أقولُ لكنْ أين كيت؟ أين عروسي الفاتنة؟
وكيف حالُ صِهْري؟ يلُوحُ لي يا سادتي بأنَّكم عُبُوسْ!
قولوا لماذا ينظُر الحشدُ الكريمُ لي مُحمْلقًا
كأنما يرى نصبًا عجيبًا فوق قبرٍ أو مُذنَّبًا
وسْطَ السماءِ أو نذيرًا من خوارقِ الطبيعة؟٣١ (٩٥)
بابتيستا :
تعرفُ يا سيِّدُ أنَّ اليومَ هنا يومُ زفافكْ،
في البَدءِ خَشِينا ألَّا تأتي وتأَسَّيْنا،
والآن ازدادَ الحزنُ لأنَّكَ جئتَ بلا استعدادْ،
تبًّا لك فاخلعْ هذا المَلبسْ! ذاكَ يَشينُ مَقامَكْ!
وأراهُ قبيحًا يُزري بوقارِ الحفْلِ الرسمي. (١٠٠)
ترانيو :
وقُلْ لنا ما تلكم الظروفُ القاهرة؟
تلك التي دعَتْ إلى تأخيرِكَ الشديدِ٣٢ عن زوجتِكْ،
وأرسلَتْكَ ها هنا في هذه الصورة!
وما أشَدَّ بُعدَها عن ذاتِكَ الحقَّة.
بتروشيو :
حكايتي طويلةٌ مُملَّة … ووقْعُها في سَمْعِكم أليمْ!
يكفي حضوري الآن مِصداقًا لوعدي، (١٠٥)
وإنْ شعرتُ أنَّني اضطررتُ للإخلالِ بعضَ الشيءِ بِهْ،٣٣
إنْ تسمح الظروفُ سوفَ أعرِضُ الأعذارَ والذرائعْ
وسوف تقبلونها كل القبول كلها! لكنني
أقولُ أين «كيت»؟ قد زاد تأخيري عن الحدودْ،
والصبح يمضي مسرعًا وآنَ أنْ نكونَ في الكنيسة. (١١٠)
ترانيو :
بل لا تقابل العروسَ لابسًا هذي الثيابَ المُزرية،
اذهبْ إذَنْ لغُرفتي والبَسْ ثيابًا من ثيابي.
بتروشيو : بل سوف ألقاها كما أنا وصدِّقوني!
بابتيستا : لن تَقدِرَ في رأيي أنْ تتزوجها في هذي الحالة!
بتروشيو :
بل أُقسِمُ إنِّي أقدِرْ … وإذَنْ يكفي ما قُلناهُ، (١١٥)
إنَّ عروسي اقترنَتْ بي لا بثيابي،
لو أقدِرُ أنْ أُصلِحَ ما تملِكُهُ منِّي أو ما تُبليهِ
بسُهُولةِ تغيير ثيابي المُزريةِ الرَّاهَنةِ
لأفادَتْ كيت بهِ ولعادَ بكلِّ الخيرِ عليَّ.
لكنْ ما أحمَقَني إذ أقضي الوقتَ أناقشُكمْ، (١٢٠)
والواقعُ يدعوني للقاءِ عروسي والترحيبِ بها،
والتصديقُ على عَقْدِ زواجي منها الآن بقُبْلةِ حُب.

(يخرج مع جروميو.)

ترانيو :
المَلبسُ يُوحي بجنونٍ لكنْ لا بدَّ له من غَرَضٍ ما٣٤
وسنُقنِعُهُ إنْ أمكنَ ذلك أنْ يستبدلَ بهْ
هِندامًا أفضلَ قبلَ دُخولِ كنيستِنا. (١٢٥)
بابتيستا : وسأمضي خلفَهْ … كي أَشهدَ ما يَعقُبُ ذلك.

(يخرج بابتيستا مع جريميو وبيونديلو والأتباع.)

ترانيو :
ألَا رَجَعْنا سيِّدي إلى غرامِكْ؟٣٥ الحبُّ لا يكفي ويَلزَمُ اكتسابُ
مَرضاةِ أبيها، ولن يكون هذا إلا إنْ وجَدْنا والدًا لَكَا!
أيْ وَفْقَ ما أخبرتُكم يا صاحبَ العِزَّة.
إذَنْ عليَّ أنْ آتي بشخصٍ لا يُهمُّ مَنْ يكونْ (١٣٠)
حتى نُعدَّهُ لتنفيذِ الذي نريدُهُ … أيْ إنَّهُ عليه أنْ
يُمسي هنا فنشنتو من بيزا … وأنْ
يُقدِّمَ الضمانَ في بادوا بأنَّ عندهُ
من الثراءِ ما يفوقُ ما وعدْتَ والدَ الفَتاةِ بِهْ.
وهكذا تنالُ في هدوءٍ ما رجوتَهُ من الزواجِ من بيانْكا (١٣٥)
وفوقَهُ رِضَى أبيها.
لوسنتو :
لوْلا أنَّ الأستاذَ زميلي يرقُبُ كلَّ خُطًى تخطوها بيانكا
لرأيتُ المَخرَجَ في أنْ نهربَ كي نتزوجَ سرًّا،
فإذا عُقِدَ قِراني لن آبَهَ لو عارَضَني العالَمُ كلُّهْ! (١٤٠)
فسأحرصُ وأدافعُ عمَّنْ أملِكُهُ رغمَ أُنوفِ الخلْقِ جميعًا.
ترانيو :
وذاك يقتضي الأنَاةَ والدراسةَ المُفصَّلة،
حتى تُواتي الفرصةُ المناسِبة
لقهْرِ مَنْ لديه لحيةٌ شمطاءْ … جريميو،
وقهْرِ والدٍ عيونُهُ لا تَغْفُل … مينولا، (١٤٥)
وقهْرِ عاشقٍ وعازفٍ موهوبْ … ليسيو،
وكلُّ هذا في سبيل سيِّدي … لوسنتو.٣٦،٣٧
(يدخل جريميو.)
سنيور جريميو … أجئتَ من حفْلِ الكنيسة؟
جريميو : غادرتُها سعيدًا مثلما أغادرُ المَدرسة.
ترانيو : وهل يعودُ ذلك العريسُ والعروسُ للمنزلْ؟ (١٥٠)
جريميو :
سمَّيتَهُ العريسْ؟٣٨ بل قُلْ هو ابْنُ عُرْس!
فظٌّ غليظُ القلبِ جِلْف … وذاك ما ستعرفُ الفَتاة.
ترانيو : يزيدُ سوءُ طَبْعِه عنها؟ هل ذاك ممكنْ؟
جريميو : بل إنَّهُ الشيطانُ نفْسُهُ ومن قَبيلِ إبليسَ اللَّعينْ!
ترانيو : بل إنَّها شيطانةٌ وأمُّ إبليسَ اللَّعينْ! (١٥٥)
جريميو :
لكنْ إذا قِيسَتْ بِهِ وجدْتَها حمامةً أو حمَلًا أو طفلةً ساذجةً!٣٩
سنيور لوسنتو! دعني أقُلْ ما كان منه عندما ألقى
عليه الكاهنُ الوَقورُ بالسؤالْ: «رضيتَ بالزواجِ من كاترينا؟»
إذ ردَّ قائلًا «نعمْ بحقِّ أحزانِ المَسيح!» مجلجلًا بصيحةٍ عظيمةٍ
أصابت الكاهنَ بالذهولِ ثم أسقطَتْ كتابَهُ من يدِهِ، (١٦٠)
وعندما انحنَى ليأخُذَ الكتابَ إذ بذلك العريسِ الأخرقِ
المَخبولِ يَلْطِمُهْ … وعندها هوى الكتابُ والكاهنْ
كما هوى الكاهنُ والكتابْ! فقال عندها:
«ألَا يُقيلُهُ من عَثْرتِهْ … مَنْ شاءَ أنْ يُقيلَهُ منكم؟»
ترانيو : وما الذي ردَّتْ بهِ الفتاةُ بعد أنْ نَهَضْ؟ (١٦٥)
جريميو :
ارتجفَتْ وارتعدَتْ!٤٠ فما الذي حدا به أنْ يَخبِطَ الأرضَ
ويحلفْ؟ كمَنْ يظنُّ أنَّ الكاهنَ الأمينَ يَنْتَوي أنْ يخدَعَهْ!
لكنَّما بعد انتهاءِ هذه المراسمِ الكثيرةِ المقدَّسة
إذا به يصيحُ طالبًا كأسًا من النبيذِ هاتفًا «في صحَّتِكْ!»
كأنَّهُ البحَّارُ فوق متنِ مركبٍ يُحيِّي مَنْ مَعَهْ … (١٧٠)
من بعد عاصفة! وهكذا عبَّ النبيذَ من كأسِ الزفافِ عبًّا،
وبعدها ألقى فُتاتَ الكعْكِ في وجهِ الفَتَى الشمَّاسْ،
ولم يكُن لديه من سببْ
إلَّا نُحولُ لحيةِ الشمَّاسِ أو سقوطُ شَعْرِها،
أو ظنُّه بأنَّ ذلك الشمَّاسَ كان يطلُبُ الفُتاتَ أثناءَ شَرابِهْ، (١٧٥)
وعندما انتهى أحاطَ بالذراعِ جِيدَ زوجتِهْ … وضمَّها إليهِ
ثم قبَّل الشفاهَ قُبلةً رنانةً مُدوِّية
تردَّدتْ أصداؤها بجدرانِ الكنيسة … عند افتراقِ تلكُمُ الشفاهْ!
وعندما رأيتُ هذا قُمْتُ من فوري وعُدْتُ شاعرًا بالعارْ!
أدري بأنَّ الحشدَ قادمٌ ورائي، (١٨٠)
لم يشهد التاريخُ عَقْدًا للقِرانِ شابَهُ هذا الجنونْ.
(تُسمع أنغام موسيقية.)
أنصتوا! أظنُّ أنَّني سمعتُ المُنشدينْ.

(يدخل بتروشيو وكاترينا وبيانكا وهورتنسو (متنكرًا في شخصية ليسيو) وبابتيستا وجروميو وغيرهم.)

بتروشيو :
يا سادتي وأصدقائي! شكرًا على جهودكم.
لا شكَّ أنَّكم ترون أنْ تشاركوني وجبةَ العَشاءِ اليوم،
وأنَّكم جهَّزْتُمُو الكثيرَ من أطايبِ الطَّعامِ والشَّرابِ للزفافْ، (١٨٥)
لكنَّما تُحتِّمُ الظروفُ أنْ أغادرَ المكانَ مُسرعًا،
وهكذا أستأذنُ الجميعَ ها هنا في الانصرافْ.
بابتيستا : هل يُعقَلُ أنْ ترحلَ هذي الليلة؟
بتروشيو :
لا بدَّ من رحيلي بالنهار قبل أنْ يحلَّ الليل.
لا تَدْهَشوا فإنْ عَلِمْتُم المسائلَ التي تَشغَلُني (١٩٠)
فسوف تَحفِزُونني على الرحيلِ لا على البقاءْ.
يا صُحبةً من الأشرافِ إنِّي شاكرٌ لكم جميعًا،
فقد شهدتُم كيف أنَّني قدَّمتُ نَفْسي بل وهبتُها لزوجةٍ
تفوقُ أهل الأرضِ في الصبرِ الجميلِ٤١ والرُّواءِ والفضيلة.
إذَنْ فشاركوا صِهْري العَشاءَ واشربوا نَخْبي (١٩٥)
فإنَّني لا بُدَّ راحلٌ وهكذا لكم جميعًا الوداعْ.
ترانيو : فلْنتوسَّلْ لكَ أنْ تبقى حتى بعد عَشائِكْ!
بتروشيو : ذاك مُحالْ.
جريميو : دعني أتوسَّلْ لكْ!
بتروشيو : ذاك مُحالْ. (٢٠٠)
كاترينا : فلْأتوسَّلْ أنا لكْ.
بتروشيو : وأنا أرضى.
كاترينا : ترضى أنْ تبقى؟
بتروشيو :
بل أرضى بتوسُّلِكِ إليَّ بأنْ أبقى،
لكنِّي لن أبقى مهْما تبلغْ طاقاتُ توسُّلِكِ إليَّ!
كاترينا : فلتبقَ إنْ تكُنْ تُحبُّني. (٢٠٥)
بتروشيو : جهِّزْ جِيادي٤٢ يا جروميو.
جروميو : جاهزةٌ يا مَولايْ. الشُّوفانُ التَهَمَ الخيل.٤٣
كاترينا :
افعلْ إذَنْ كل الذي في طَوْقِكْ
فإنَّني لا أنتوي الرحيلَ اليومَ … لا ولا غدًا
إلَّا إذا أردتُه بنَفْسي … يا سيِّدي … البابُ مفتوحٌ أمامَكْ،٤٤ (٢١٠)
والدربُ يدعوك إليه … «هرولْ وفي الأقدامِ أحذيةٌ جديدة!»٤٥
كما يُقالُ في الأمثالْ … أمَّا أنا فلن أغادرَ المكانَ إلَّا
إنْ رغبتُ في الرحيل. يبدو بأنَّكَ تنتوي
منذُ البدايةِ أنْ تبيِّنَ كيف تَقْهرْ،
وبأنْ تكونَ ليَ العريسَ الفظَّ والمُسيطِرْ. (٢١٥)
بتروشيو : لا تحزني يا كيت … أرجوكِ ألَّا تَغضَبي.
كاترينا :
بل إنَّني لَغاضِبَة … وأيُّ شأنٍ لكَ في هذا؟
اسكُتْ أقولُ والدي … لسوف يبقى ريثما أتجهَّزْ.
جريميو : إنِّي لأُقْسِمُ سيِّدي … قد ابتَدَا ظهورُ رَغْوٍ وزَبَدْ!٤٦
كاترينا : هيَّا يا أصحابُ إلى مائدةِ العُرْس، (٢٢٠)
فأنا أدركُ أنَّ المرأةَ يُمكنُ أنْ تُقهَرْ

إنْ فَقَدَتْ روحَ مقاومةِ القَهْر.
بتروشيو :
لسوف يَذهبونَ مُنصاعِينَ يا كيت لأمرِكْ،
يا مَنْ تُرافقون هذه العروسَ نفِّذوا مَطلبَها،
هيَّا إلى الوليمة!٤٧ هيَّا إلى احتفالٍ صاخبٍ مُعَرْبِدْ، (٢٢٥)
ولتشربوا الأنخابَ مُتْرَعَةً لعُذريَّتها،
إنْ لم تُعاقروا المَراحَ والجنونَ فاشنُقُوا أنفُسَكم!٤٨
أمَّا حبيبتي كيت الجميلة … فإنَّها لا بُدَّ أنْ تأتي معي،
أرجوكُمُو ألَّا تُقاوموا … لا تضربوا الأرضَ بأرجُلِكُمْ،
ولا تُحمْلقوا ولا تُعبِّروا عن استيائِكُمْ٤٩
فإنَّني لَمَالكٌ أُريدُ أنْ يكونَ في يَدِي ما أملِكْ! (٢٣٠)
إنَّها بَضائعي أو قُلْ مَتَاعي … منزلي وكلُّ ما يكونُ فيه!
إنَّها حقلي وجُرْني وخيولي بل وثيراني وحتى حُمُري!
إنَّها لي كلُّ شيءٍ. ها هي الآن بمرأًى منكُمْ،
فلْيحاولْ مَنْ لديه جُرأةٌ أنْ يَلْمِسَها،٥٠
سوف أشكو للقضاءِ أو أصدُّ عَنْوةً أعتى الرجالْ (٢٣٥)
إنْ أعاقوا مَسلكي في بادوا! يا جروميو سُلَّ سيفَكْ!
قد أحاطَتْنا اللصوصْ! هُبَّ كي تُنقِذَ مَولاتَكْ،
أظهِر الآن الرجولة! لا تخافي يا فَتَاتي الفاتنة،
لن يمَسُّوكِ أيا كيت بسوءْ،
فأنا أحميكِ حتى لو تكُنْ منهم ألوفٌ وألوفْ.٥١،٥٢ (٢٤٠)

(يخرج بتروشيو وكاترينا وجروميو.)

بابتيستا : فلْيذهَبَا إذَنْ … ولْيَنْعَما بالسِّلْمِ والهدوءْ!
جريميو : لولا ذَهابُهُما سريعًا مُتُّ من ضحكي عليهمْ.
ترانيو : لم يَشهَد الزمانُ زيجةً أصابَها الجنونُ مثلها.
لوسنتو : آنستي ما رأيُكِ في أُختِكْ؟
بيانكا : مجنونةٌ تزوجَتْ مجنونًا. (٢٤٥)
جريميو : أُصيبَ بتروشيو بداءِ كيت!٥٣،٥٤
بابتيستا :
يا أيُّها الجيرانُ والأصحابْ! إنْ كانَ قد غابَ العريسُ٥٥
والعروسُ عن شغْلِ مَقْعَدَيْهما في المائدة،
فلم تغِبْ أصنافُ حَلْوى العُرْس عن مائدتي.
اشغَلْ إذَنْ كُرسي العريسِ يا لوسنتو، (٢٥٠)
ولْتَجلِسي بيانكا في مكانِ أُختِكْ.
ترانيو : وهل ستلعبُ المُثْلى بيانكا دورَ تِلكُمُ العَروسْ؟
بابتيستا : نعم أقولُ يا لوسنتو! هيَّا بنا الآن جميعًا.

(يخرج الجميع.)

١  نصُّ المسرحية الأصلي يبدأ هذا الفصل بعبارة (Actus Tertia) أي الفصل الثالث، وهي أول إشارة إلى بداية أيِّ فصول في المسرحية، وتقول إليزابيث شافر (Schafer) في كتابها عن النساء اللاتي أخرجْن مسرحيات شيكسبير (٢٠٠٠م) إن هذا المشهد يُسمَّى «درس الموسيقى».
٢  «يا عوَّادُ»: الأصل fiddler وتعني عازف «الكمان» (الكمنجة) أو أيَّة آلة وترية من نوعها تعزف بإمرار القوس على الأوتار، ولكن الآلة التي يستخدمها هورتنسو هنا، كما رأينا، هي العود (lute)، ولذلك فضَّلتُ تغيير «الكمنجاتي» إلى «عوَّاد»، للربط بين هذا المشهد وما سبقه، وأيضًا لأن «كمنجاتي» العامية لا تتفق مع الشِّعر في هذا الموقف.
٣  «الترحيب»: الأصل entertainment ويقصد به «الاستقبال الودي» الذي لقيه من كاترينا، والمقصود السخرية منه ما دامت كاترينا قد حطمت العود على رأسه.
٤  السطر ينتهي بكلمة «هذي» فقط، وهو سطر ناقص عروضيًّا ويتطلب كلمة لاستكماله، ولكن المعنى لا يتأثر بغياب الكلمة المذكورة فالسطر التالي يأتي بالمُراد وهو «راعية الأنغام»، ومع ذلك فإن تليارد (Tillyard) يقترح إضافة اسم الراعية المذكورة وهي الربَّة يورانيا في آخر السطر (Urania)، بدلًا من اقتراح تيبولد بإضافة «تلك الشرسة» في أول السطر، ولكن أوليفر يقول إننا لا نستطيع القطع فيما إذا كان شيكسبير يقصد الإشارة إلى ربَّة معيَّنة، مثل منيرفا، أو ملهمة معيَّنة، مثل إراتو (Erato) ربَّة القيثارة، أو ملهمة الأناشيد الربَّانية العليا بوليهيمنيا (Polyhymnia). وقد أخذتُ أنا باقتراح تليارد لأنه يشير إلى الربَّة التي يستلهمها ملتون في مطلع الكتاب السابع من الفردوس المفقود باعتبارها ذات قداسة سماوية، وشيكسبير يصفُ الأنغام المتوافقة بأنها سماوية (heavenly harmony) في هذا السطر وفيما يلي السطور الأولى من ديباجة الكتاب المذكور:
اهبطي من السماءِ يا يورانيا، إنْ كان ذاك الاسمُ حقًّا
اسمَكِ الذي تُدعَيْنَ بهْ، فصوتُك المُقدَّسْ
قد حداني فانطلقتُ طائرًا إلى ذُرا الأوليمب،
واجتزتُ آفاقَ الجوادِ الطائر،
إنَّني أدعو المعاني لا حروفَ الاسمْ،
فلستِ من ربَّاتِ تلكُمُ الفنونِ التِّسعْ، ولستِ تقطنينَ
قمةَ الأوليمبِ ذي الأمجادِ من قديمْ، بل قدْ وُلدتِ في السماءْ
من قبل أنْ تُلقَى الرواسي أو تُشقَّ الأنهرُ الدفَّاقَة.
وصحبتِ في صِباكِ الحكمةَ المُخلَّدة،
فالحكمةُ كانت أختَكْ، معها لَهَوْتِ لدى عزيزٍ مُقتدِرْ،
إذ سرَّهُ الذي أنشدْتِ من أهازيج السماءْ!
الفردوس المفقود، القاهرة، ٢٠٠٨م، ص٣٤١،
الكتاب السابع، ١–١١
٥  «يا جحشًا يعكس ترتيب الأشياء»: الأصل يقول Preposterous ass والترجمة تقدِّم المقصود بدقة، ألا وهو المعنى الاشتقاقي للصفة، فهي تتكون من عنصرين؛ الأول هو pre أيْ قبل والثاني هو poster أيْ بعد، وضمُّهما يعني وضع الأخير قبل الأول (العربة أمام الحصان)، والمقصود هنا وضع الموسيقى قبل الفلسفة (بمعنى الفكر). والمعروف أن الفلسفة الأفلاطونية الجديدة كانت تعتبر الموسيقى هي الأساس الذي بُني عليه الكون، ولكن الحُجَّة المقابلة في القرن السادس عشر جاءت على لسان توماس إليوت (Elyot) في كتابٍ جعل عنوانه الكتاب الذي يُدْعَى الحاكم، ويقول فيه إن «الموسيقى وظيفتها الترويح عن النفس بعد بذل الجهد في العمل أو في أنشطة مملة.» كما كان يربط بين الموسيقى وإكساب الرجال طابع «الإناث» (مقتطف في هودجدون ٢٠١٠م، ص٢١٩).
٦  لاحظ أن لوسنتو يختتم كلامه بسطرين مقفَّيَين، وقد حاكيتُ القافية في الترجمة، ولو أنها قافية ضعيفة، ولو كانت بالعربية ما عددناها قافيةً على الإطلاق، فهي بين كلمة philosophy وكلمة harmony.
٧  أشرتُ في المقدمة إلى أن كلام بيانكا «المطيعة» يرجع صدى ما قالته كاترينا عن رفضها التقيد بالنظم والمواعيد في ١ / ١ /  ١٠٣ عاليه.
٨   (وما بعده) السطران باللاتينية من نظم أو قيد، من كتابه البطلات (Heroides)، ويقول باحث متخصص معاصر إن هذه الصيغة من وضع بريسكيان (Priscian) أستاذ النحو اللاتيني القديم، وإن كانت الصيغة الصحيحة يجب أن تكون رسائل البطلات Epistulae Heroictum (معجم أوكسفورد الكلاسيكي ١٩٩٦م)، وترجمة السطرين مُدرَجة في متن المسرحية، وقد علَّقتُ في المقدمة على الاستغلال «الفكاهي» للنصِّ اللاتيني في التعبير عن المشاعر التي لا علاقة لها بالنصِّ الأجنبي.
٩  «بَلِّل الثقب الذي يدخل فيه وتد الوتر حتى يثبت وأعدْ ضبطَهْ»: العبارة في النصِّ الأصلي مضغوطة إلى حدِّ الغموض فاضطررتُ إلى شرحها، تقول العبارة:
Spit in the hole, man, and tune again
فمن المعروف أن الأوتار تثبت في العود (في الرقبة) بلف أطرافها حول أوتاد وإدخال الأوتار في ثقبين في الرقبة، فإذا أدرت الوتد زدت من شدِّه، والعكس بالعكس، ولكن هذه الأوتاد قد لا تثبت بسبب كثرة الاحتكاك فتحتاج إلى البلل حتى تلتصق بخشب الرقبة، أيْ إن «البصق في الثقب.» كما يقول النصُّ لا علاقة له بالضبط، بل يؤدِّي إلى تثبيت الوتد وحسب، ولهذا أضفت ما أضفت من كلماتٍ لا يتضح المعنى بدونها.
١٠  «الوتر الأغلظ والأسفل»: في الأصل كلمة واحدة هي the bass، والمقصود أنه الوتر الأعلى في العود الشرقي (يسمى نهوفت = صول) ولكنه يُكتب في النوتة أسفل الأسطر الخمسة في سطر مستقل وهمي (هكذا ) ويقابل عندنا نغمة «دو» المنخفضة، ولذلك فهو يُعتبر الأسفل أيضًا. وبناءً على ذلك أخرجتُ التلاعب اللفظي بين bass وbase في رد هورتنسو في السطر التالي.
١١  «الأسفل»: الأولى bass والأسفل الثانية base، والفرق في المعنى يتضح من الكلمات المرتبطة بكلٍّ منهما، أي الوتر الأسفل والوغد الأسفل على الترتيب.
١٢  «يا نصف معلِّم»: الأصل Pedascule صيغة تصغير لاتينية سكَّها شيكسبير خصوصًا ولم تُستخدم إلا مرة واحدة، والكلمات التي تنتمي إلى هذه الفئة تُسمَّى nonce word ولذلك ترجمتها بالمقصود وهو الإهانة.
١٣  أيا سيديس (Aeacides): كان إيجاكس (Ajax)، ابن تيلامون (Telamon)، يُدعى أياسيديس، أيْ حفيد إيكوس (Aeacus)، يقول موريس إن شيكسبير ربما قد تذكَّر هنا كتاب مسخ الكائنات لأوفيد (١٣ / ٣٥) ولكن الطبعات الأحدث (هيبارد، وآن طومسون وباربرا هودجدون) تبين أن الإحالة هنا إلى البطلات (١ / ٣٥). وأمَّا أحدث الآراء فقد وجدتُها في كتاب عنوانه شيكسبير المفكر (٢٠٠٧م) يقول فيه المؤلِّف أ.د ناطول (Nuttall) في حاشية طريفة في صفحة ٣٩٠، إن إشارة لوسنتتو تتضمن سوء تفسير مقصود يتضمن سخرية مُضمَرة، إذ إن أياسيديس المذكور كان في الحقيقة أخا Achilles لا إيجاكس، وكان كلٌّ منها ينتسب إلى الجَدِّ (وأمَّا نطق هذه الأسماء فتورده هودجدون في صفحة ٢٢٢).
١٤  «سلَّم هورتنسو» (the gamut of Hortensio): كان السلَّم الموسيقي في العصور الوسطى يتكون من ستِّ نغمات فقط، أيْ hexachordal أثبتها وحددها جويدو دارتزو (Guido d’Arezzo) وأسمى هذا السلَّم باسم أخفض النغمات على خطوط الإيقاع (عادةً لدينا من مفتاح فا)، وهي نغمة G وقد أصبحت ut التي توازي «دو» الحديثة عندنا (انظر الحاشية على ٤٥ أعلاه)، وكانت تنطق جاما (Gamma) وهو ثالث حرف من حروف الأبجدية اليونانية، والاسم مُستقًى من اللغات السامية، فهو الحرف الثالث في العبرية أيضًا، وفي حساب الجُمَّل بالعربية (أبجد هوز حطي … إلخ)، وتتكون كلمة «جاموت» من «جاما» زائد كلمة ut اللاتينية باعتبارها أخفض نغمة موسيقية (والطريف أن الحرف جاما نفسه مأخوذ من كلمة «جَمَل» باللغات السامية). وهكذا فإننا حين نبدأ السلم من أدنى نغماته نصل إلى النغمة السادسة. وأحب أن أبين كيف اختلف الأمر عندما أصبح السلَّم سباعيًّا. يقول الأصل:
Gamut I am, the ground of all accord:
  • A: re, to plead Hortensio’s passion;
  • B: me, Bianca, take him for thy lord;
  • C: fa, ut, that loves with all affection;
  • D: sol, re, one clef, two notes have I:
  • E: la, me. Show pity, or I die E
  • «دو.»: إنِّي أصْلُ السلَّمِ مَنبعُ كلِّ توافُقْ.
  • «ري.»: أنقُلُ ما يُبطِنُ هورتنسو من حُبٍّ دافقْ.
  • «مي.»: فليتزوجْكِ بيانكا هذا العاشقْ.
  • «فا.»: في القلبِ لديه أشواقُ الصبِّ الوامقْ
  • «صول لا.»: ثِنْتانِ من النغماتِ معًا في مفتاحٍ فائقْ.
  • «سي دو.»: إنْ لم يُشفِقْ قلبُكِ ماتَ القلبُ الخافقْ.
٧١–٧٦ (في الأصل والترجمة.)
ويلاحظ القارئ أنني حذفت حروف الأبجدية الإنجليزية في مطلع كل سطر لأنها لا تعني شيئًا للقارئ العربي، فنحن نتبع النظام العالمي للنغمات الموسيقية، ورغم حبِّي الشديد للموسيقى نظريًّا وعمليًّا فإنني لم أستسغ قطُّ النظام الإنجليزي الذي يستخدم هذه الحروف، وكنت أحوِّلها في ذهني إلى النظام العالمي المعروف، وهو الذي ينسب إلى بدايات كلمات في عبارة لاتينية لا داعي لأن أشغل القارئ بها.
١٥  «فليظفرْ بك مَن يرجو وصلك»: الأصل طريف؛ إذ يتكون من فعل أمر مباشر يتضمن حذفًا يُعتبر من سمات البلاغة الشيكسبيرية وهو Seize thee that list.
وأقول إنني رغم محاولتي للإيجاز المماثل اضطررتُ إلى الإيضاح، فللإيجاز حدود عندنا أبناء العربية.
١٦  لم أعبأ بالإيجاز هنا لأن الوزن والقافية يتطلبان الصياغة المُتَّئدة.
١٧  «فسيثأر هورتنسو منك» (Hortensio will be quit with thee):
معنى الثأر هنا هو الثأر للنفس، الذي يفيد التساوي والتعادل، وهو ما نعبِّر عنه اليوم بالتعبير الشائع be quits، وأوليفر يصف الأخير بأنه دارج (colloquial)، ولكنني أقرؤه في نصوص أدبية وغير أدبية مطبوعة اليوم، وربما كان الأقرب إلى وصفه أن نقول إنه «غير رسمي.» والتعبير البريطاني خصوصًا هو to ery quits أيْ إعلان شخص أنه تساوى مع شخص (وسوف يقلع عن منافسته)، وأمَّا التعبير الرسمي عن هذا المعنى فهو requite الذي يفيد في أحد معانيه سداد الدَّين أو الثأر للنفس، وهكذا فإن جميع الطبعات تورد معنى «التساوي»، أيْ بأنْ يثأر المرء لنفسه (to get even)، بالصورة «الرسمية»، أو «غير الرسمية»، باستثناء طبعة آردن التي تأتي محررتها الأمريكية بهذا المعنى مسبوقًا بمعنى «أتخلص منك» (be rid of) متأثرةً على الأرجح بالتعبير الأمريكي، الدارج أيضًا، call it quits، الذي يعني قطع الصلة بشخصٍ ما (هذا فراق بيني وبينك) كما تورد طبعة نيوكيمبريدج هذا المعنى ثانيًا، وأظن أن هيبارد أقرب الجميع إلى المعنى الذي أدركته من السياق وهو: مثلًا انصرفت عنى لغيري، انصرف عنها إلى غيرها.
١٨  يقول ر. سي. هود (Hood): «يكتسب هذا المشهد حيوية فكاهية حافلة مما يتميز به بتروشيو من طاقة فياضة وغرابة أطوار محيِّرة، نرى بعضها مباشرةً والبعض الآخر في قِطَع وصفية رائعة تُروى على لسانَي بيونديلو وجريميو، فالمشهد يصور استعداد بتروشيو لترويض كاترينا من خلال زعزعة موقفها، وذلك بإطلاعها على صورةٍ لعنادها الجانح، ولمحة أولى من قوة إرادته، وإلى جانب هذا يمثل بتروشيو طعنًا أعمَّ وأشمل في عادة الحكم استنادًا إلى المظاهر، وإيلاء أهمية أكبر مما ينبغي لمظاهر السلوك الخارجية» (ص١٣٠).
١٩  «مخبول حاد الطبع وذي نزوات لا حدَّ لها»: الأصل a mad-brain rudesby full of spleen.
يقول الشرَّاح إن «الطحال» (spleen) كان يجمع في نظر «علماء الفسيولوجيا» في تلك الفترة بين كونه مصدر الضحك والمرح، وكونه مقرًّا للحقد والضغينة، وأمَّا المقصود هنا فهو «النزوات» التي يحكمها الطحال، ويورد أحد الشرَّاح مقتطفًا من نصٍّ «علمي» معاصر يقول إن الطحال يدفع المرء إلى ضروب سلوك عجيبة لا تفسير لها، ويعلِّق الشارح على ذلك قائلًا إن أطباء ذلك العصر كانوا يعبِّرون آنذاك عن حيرتهم في وظيفة الطحال. والمعجم يورد أمثلةً كثيرةً على الصفات المتناقضة في السلوك التي كان الناس ينسبونها إلى الطحال، ومن ثَم أتيتُ بالمقصود وحسب. انظر الحاشية على السطر ١٣٦ من المشهد الأول من المدخل.
٢٠  «في الخطبة يتعجل، وبيوم زفافي يتمهل»: تتلاعب كاترينا بالمَثَل الشائع: «تزوَّجْ على عجل واندمْ على مهل.»
٢١  يقول المحررون إن ترانيو هنا يتكلم كلام المُلمِّ بطبع بتروشيو، ولا سند لهذا في النصِّ، ومن ثَم فهم يحدسون أن كلامه كان مُعَدًّا لهورتنسو، صديق بتروشيو الصدوق.
٢٢  «وإنْ تكُنْ قدِّيسة»: الإشارة هنا إلى مَثَل سائر يقول «ذلك يكفي لجعل القدِّيس شتَّامًا.»
٢٣  «من جميع الوجوه»: في الأصل for all the world مصطلح لغوي شائع.
٢٤  «شرائط من أربعين لونًا بدلًا من الريشة»: تقتطف هودجدون شرح المحرر هاليويل (Halliwell) في القرن التاسع عشر، وترجِّحه، فأخذتُ به.
٢٥  يميز بيونديلو هنا بين الغلام الصغير (lackey) وبين نفسه باعتباره من خدم المسيحي الحق (a Christian footboy) وبين غلمان السادة الشرفاء في ذلك العصر (a gentleman’s lackey)، وهو تمييز غامض لم يفسره أحد الشرَّاح تفسيرًا مقنِعًا.
٢٦  ٤٣–٦٨: يقول هيبارد في كتابه بناء الشعر الدرامي عند شيكسبير، ١٩٨١م، الذي يناقش فيه وظائف الشعر والنثر في الكوميديا والتراجيديا، إن الوصف الذي يقدِّمه بيونديلو هنا لحصان بتروشيو، ووصف جريميو لمراسم عقد القِران في ١٤٨–١٨١، وشتائم بتروشيو للحائك في الفصل الرابع (المشهد الثالث) «تُعتبر جميعًا قِطَعًا نثريةً ذوات تقنية عالية، وعروضًا متعمدة للفنون البلاغية الخاصة بالوصف الجروتسك، والسرد الهزلي، والشتائم المبتكرة.» (ص٨-٩) و«الجروتسك» فن التشويه المضحك أو الغرابة القائمة على الخلط الفكاهي والبشع، وتقدِّم طبعة آردن الثانية عدَّة مصادر للأوصاف الواردة في القِطَع المذكورة، وتشير إلى وجود هذه المصادر في طبعة آردن الأولى (غير المتوافرة)، وتنتهي إلى أنها تمثل عكس درع النَّبالة، فإذا كان درع النَّبالة (coat of arms) يقدِّم الصفات الحميدة، ولو كانت تستند إلى الحسب والنسب وأمجاد السلف، فإن هذه المصادر تقدِّم الصفات القبيحة أو المثالب والمعايب، في كل حالة من الحالات الثلاث المذكورة، ويقول هيبارد إن براعة شيكسبير في هذا المجال تشبه براعة مُعاصره توماس ناش (Nashe) (ص٩٥–٩٧). ولن أرهق القارئ بالمعاني الدقيقة لكل مظهر ومَرَض في هذه الأوصاف، فالمعجم يقول إنها «غامضة» والشرَّاح يقدِّمون تفسيراتٍ معقولةً أخذتُ بها في الترجمة.
٢٧  ٧١–٧٨: الحوار بين بيونديلو وبابتيستا يشبه الحوار بين جروميو وبين بتروشبو وكبرتيس في الفصل الأول (١ / ٢ / ٦–١٧) والرابع (٤ / ١ / ٤٦–٥٦).
٢٨  «سيان»: الأصل why, that’s all one.
٢٩  الأغنية القصيرة جزء من قصة شعرية شعبية، والقديس المذكور (جيمى) ربما يكون القديس الإسبانى جيمز دى كومبو ستيلا (James de Compostella) أو ربما تكون له علاقة به، ولكن معظم الشراح يحجمون عن الإشارة إليه بل يحذفون اسمه تماما من شروحهم ويقول هيبرد إن الاسم غير مقصود وعير محدد؛ والهدف هو القافية و حسب، وأكرر أن هذه القافية الإنجليزية لا نعدها قافية بالعربية، ولكن الميم والنون حرفان متقاربان على أية حال، في الألفاظ (Jamy, penny, many).
٣٠  يتلاعب بتروشيو بمعنى well التي يستخدمها بابتيستا في عبارة الترحيب به، أيْ welcome فيقسمها إلى well وcome، وأحببت أن أبين التلاعب فجعلتُ بتروشيو يقول «لكنِّي لست بخير» (And yet I come not well)، وهي كما نرى نكتة سخيفة. ويحاول ترانيو إحياء الفكاهة في «خير ثياب» بصيغة النفي not well apparelled، ويجيبه بتروشيو بصيغته في السطر ٩٠.
٣١  يختلف الشرَّاح في تحديد معاني الكلمات الأساسية في هذين السطرين، وهما:
As if they saw some wondrous monument,
Some comet, or unusual prodigy?
فأمَّا آخر كلمة في السطر الأول والصفة المقترنة بها فيشرحها هيبارد بأنها «نذير غريب.» ولكن أوليفر يقول إن المقصود، أو الذي يفهمه جمهور شيكسبير، هو النُصْبُ المقامُ فوق القبر، وربما يكون رمزيًّا، ولكنه عجيب على أيَّة حال، وأمَّا آن طومسون فتقبَل تفسير هيبارد، وأمَّا باربرا هودجدون فتقبَل تفسير أوليفر، وليس الاختيار عسيرًا بين هذين التفسيرين، فالتفسير الأول يُضعفه عدم استخدام monument بهذا المعنى في أيِّ سياق، عند شيكسبير أو غيره، إلى جانب وجود معنى «النذير» الغريب في كلمة prodigy وهو تفسير يتفق الجميع عليه، والمقصود شيء من خوارق الطبيعة، وهو موجود أيضًا في الإشارة إلى «المُذَنَّب» (comet) الذي إذا ظهر وسط السماء كان نذيرًا بأحداثٍ جِسام، وإذَن فلنا أن نتصور أن بتروشيو يشير أولًا إلى أشياء محسوسة لها دلالاتها قبل الإشارة إلى شيء بصفته المجردة، وعلى هذا ترجمت السطرين على النحو التالي:
كأنما يرى نُصْبًا عجيبًا فوق قبرٍ أو مُذَنَّبًا
وسْطَ الشتاءِ أو نذيرًا من خوارق الطبيعة؟
٣٢  «تأخيرك الشديد»: التعبير عن الشدَّة غير مألوف وهو all so long.
٣٣  الصور الخاصة بالملابس والزينة الشخصية بدأت في مطلع الفصل الثاني (٢ / ١ / ٣–٥) وتستمر على امتداد المسرحية حتى نصل إلى اللحظة التي تدوس فيها كاترينا على قبعتها (١٢٨ / ٢ / ٥)، والواقع أن بتروشيو يعود لمعالجة القضية خلقيًّا في الفصل الرابع (٤ / ٣ / ١٦٨–١٧٨). وفكرة العلاقة بين الملبس والإنسان ذات أصول في الأمثال الشعبية والمصطلح اللغوي، ويورد الشرَّاح منه مثلًا يقول «القَزُّ والخَزُّ لا يصنعان سيِّدًا شريفًا.» ولدينا في مصطلح هذه الأيام المَثَل المشهور: «الملبس يبني الإنسان أو يهدمه.» Clothes do not make the man وClothes make the man.
٣٤  للمرة الثالثة يتقدم ترانيو لبثِّ الاطمئنان في قلب الوالد القَلِق.
٣٥  تقول آن طومسون: الانتقال هنا إلى قضية غرام لوسنتو غير مُقْنع، فلقد اتفق ترانيو لتوِّه مع بابتيستا على محاولة إقناع بتروشيو بتغيير ملابسه، ولكنه لا يخرج مع باقي الشخوص من المسرح لأداء المهمَّة. أضف إلى ذلك أنه في السطر ١٢٦ يبدو كمَن كان مستغرقًا في حوارٍ ما مع لوسنتو (الذي ظلَّ صامتًا طول الوقت في هذا المشهد، بل ولم تكُن تضمه قائمة الذين دخلوا المسرح في الإرشادات المسرحية في مستهل هذا المشهد نفسه)، وهو مما يجعل من الصعب تصور أن ترانيو يخاطب بابتيستا في ١٢٤. ويمكن التغلب على هذه الصعوبة بحذف ترانير ولوسنتو من هذا المشهد تمامًا، وجعل هورتنسو يقول الحوار الذي يقوله ترانيو، فهو مناسب له لأنه يعرف بتروشيو بسبب صداقتهما العميقة، انظر الحاشية على السطر ٢١ أعلاه، وابتداء مشهد جديد تمامًا بدخول ترانيو ولوسنتو.
ويقول آرثر كويلار-كوتش ودوفر ويلسون في طبعتهما للمسرحية عام ١٩٢٨م (الطبعة الثانية ١٩٥٣م) إن النصَّ الحالي يبدو ناقصًا، كأنما قد سقط منه مشهد كامل، لأن الحوار بين ترانيو ولوسنتو لا يتيح إلا «زمنًا مسرحيًّا» محدودًا، وهو الوقت الذي يستغرقه حوارهما الذي لا يزيد زمنه عن عشرين سطرًا، وهي فترة لا تكفي لعثور بتروشيو على كاترينا، واصطحابها إلى الكنيسة، وإتمام مراسم عقد القِران فيها. وإذا نظرنا إلى مسرحية ترويض امرأة شرسة وجدنا في هذه اللحظة تحديدًا مشهدًا فكاهيًّا بين خادم بوليدور (الموازي لبيونديلو) وساندر (الموازي لجروميو)، وتورد طبعة نبوكيمبريدج هذا المشهد في الملحق ١، وتضيف أنه «المشهد المفقود» وفق ما يقوله المحرران المذكوران.
ونجد في طبعة أوكسفورد لأعمال شيكسبير عام ١٩٨٦م، من تحرير ستانلي ولز، وجاري تيلور، وجون جويت، وويليام مونتجومري، أن المشهد الثاني ينتهي هنا، ويبدأ مشهد جديد من هنا ويستمر حتى آخر المشهد الحالي وآخر الفصل. ولا شكَّ أن في هذا حلًّا للصعوبة التي أثارتها آن طوسون، ولكن باربرا هودجدون تقول إن هذه الصعوبة تبدو للقارئ أكثر ما تبدو لمُشاهد المسرحية، والحقُّ أنني لم ألحظها على المسرح، وأظن أن ما قلتُه عن طابع الهزلية يفسر لنا أمثال هذه الصعوبات التي لا تعدو أن تمثل خرقًا لمنطق الحياة المعتاد، والهزلية (تعريفًا) تخرق هذا المنطق.
٣٦  لاحظ مهارة ترانيو في صياغة هذه السطور المتوازية الخمسة، والمتعادلة عروضيًّا، فهي متماثلة في الإيقاع ومتفاوتة في القوافي.
٣٧  من لحظة دخول جريميو يتحول الحوار إلى حيلة بلاغية لا يلتفت إليها الشرَّاح ولكنها مهمَّة في البناء، أيْ إنها من حيل النسيج التي تسهم في البناء وإن لم أعرض لها في المقدمة، وهي تُسمَّى stichomythia أيْ تبادل عبارات حوارية تتكون كلٌّ منها من سطر واحد، وبإيقاع سريع ينبئ عن اللهفة أو الإثارة، ويسميها مجدي وهبة «التناشد المسرحي» / «المعارضة المسرحية» / «جدل المماحكة»، وأظن أن الترجمة الأولى معقولة، ولو أنني لم أستطع أن أجد مقابلًا دقيقًا لهذه الحيلة بالعربية، والمزية الرئيسية لهذا «التراشق السريع» الصعود بالإيقاع إلى ذروة معيَّنة، تتمثل هنا في وصف جريميو لما حدث أثناء مراسم عقد القِران.
٣٨  عندما يُسأل جريميو عن «العريس» bridegroom يجيب إنه groom وهي صورة سوقية «للعريس» أو لأيِّ شخص فيه طباع الحيوان، ومعناها المألوف هو سائس الخيل كما نعرف، ولكن المعجم يقول إنها تفيد الفظاظة الحيوانية أو الوحشية، ثم يتبع هذا الوصف بكلمة grumbling التي تخصِّص بعض سمات الحيوان المقصود، ومن ثَم حاولتُ محاكاة التورية في الكلمة الأولى بأن أتيت بصورة «ابن عِرس» (weasel) مستغلًّا اسم العرس والعريس، ثم فصلت الصفات الخاصة به في السطر التالي. وأحب أن أوضح للقارئ أن العين مكسورة في اسم هذا الحيوان، والاسم إذا كُسرت عينه يعني العريس أو العروس أيضًا، والمعروف أنه يُجمَع على بنات عرس، ذكورًا وإناثًا، وقد وجدت مساندةً للتفسير الخاص بالصفات الحيوانية في قول جريميو بعد ذلك إن كاترينا إن قورنت به كانت حمامةً أو حمَلًا!
٣٩  انظر تعليق هيبارد على رواية جريميو لمشهد مراسم القِران، في الحاشية على ٤٣–٦٨ أعلاه.
٤٠  «ارتجفت وارتعدت»: الأصل trembled and shook هذه من النماذج القليلة في المسرحية للجمع بين كلمتين مترادفتين بغرض التوكيد (intensification) فهذا من سُنن العربية، كما يقول الثعالبي، ولكنه ليس بصفة عامة من سُنن الإنجليزية، ولقد مرَّ بنا من قبلُ نموذج من هذه النماذج في الإنجليزية وهو cohera and jump، ومثيله في نصِّ شيكسبير meet and jump بمعنى يلتقي ويتفق، انظر الحاشية على ١ / ١ / ١٨٩ أعلاه. وهذا نمط من أنماط التلازم اللفظي الذي لا يرمي إلا إلى التوكيد، في حين تزخر الإنجليزية بنماذج عديدة للازدواج اللفظي (coupling) أو (compounding) الذي يشبه التلازم اللفظي (collocation) من دون أن يؤدي الغرض نفسه، مثل المزدوج الاسمي (binomial) الذي يعني اقتران اسمَين دون أن يكونا مترادفَين ترادفًا تامًّا، بل يشتركان وحسب في عنصر أو أكثر من عنصر، مثل peace and quiet حيث درجة الترادف كبيرة، ومثل cool and collected، أو rough and tumble وغيرها مما لا يكاد يكون به ترادفٌ ولكن قاعدة التلازم تجمع بين الاسمين مثل sweetness and light التي استخدمها أولًا ماثيو أرنولد (Arnold) في كتابه الثقافة والفوضى (Culture & Anarchy) تعريفًا لتأثير الثقافة في النفس، مستعيرًا الصورة من الشاعر جون دَنْ (Donne) الذي قال إن النحل يهبنا الحلاوة (الشهد) والنور (الشمع) جامعًا بين اللفظين في سياق مختلف، ونحن نستخدم هذا المزدوج الاسمي اليوم للتعبير عن التناغم والصفاء، على عكس ما يوحى به مزدوج اسمي مناقض هو gloom and doom أي الكآبة والمصير المدلهم! ولدينا في العامية الإنجليزية مزدوجات لا حصر لها من easy peasy إلى gruesome twosome، وهذه الأخيرة توازي بعض النظائر في العامية المصرية، ووظائفها متفاوتة، فالأخيرة توازي «ضربة وكُبَّة»، وأصلها مَثَل سائر يقول «من ضربة لكُبَّة يا قلبي لا تحزن!» وتوجد في الإنجليزية أنواع أخرى من المزدوجات (compounds) مثل helter-skelter وhurly-burly ومقابلاتهما بالعربية تتضمن «الهرج والمرج» … إلخ. وأظن أن العربية الفصحى تزخر بهذه الضروب جميعًا من التلازم اللفظي بدرجاته ووظائفه، وبالمزدوجات الاسمية بأنواعها، وإن لم تُحط بالدراسة العلمية الكافية، ويكفيني أن ألمح في هذا المقام إلى وظيفة الازدواج اللفظي في العربية بدلًا من استخدام أدوات التوكيد الإنجليزية مثل very والألفاظ التي تحمل معناها وتدل على الدرجة مثل extremely أو outstandingly وأضرابهما. فنحن في الترجمة نجد أن المترجم الذي يريد أن يُخرج نصًّا متفقًا مع مصطلح العربية، أيْ أن يوفر للقارئ الألفة مع الأسلوب العربي الصادق، وقد ابتعد عن استعمال «جدًّا»، أو «إلى حدٍّ كبير»، أو «بصورة هائلة»، وأتى بكلمتين شبه مترادفتين، أو مقترنتين في لغته للتعبير عن الدرجة، فإذا قرأ عبارةً بسيطةً مثل The place was extremely devastated وجد أن حدسه يقول له إن المكان أصبح خرابًا يبابًا، أو غدا قاعًا صفصفًا، وما إلى هذه التعابير الاصطلاحية بدلًا من تعرض المكان للتخريب الشديد / البالغ، ولا غبار بطبيعة الحال على الصيغة الأخيرة، فهي شائعة في الصحف، ولكن فائدة هذه الملاحظة تظهر عند الترجمة من العربية إلى الإنجليزية، وقِسْ على ذلك شتَّى التعابير التي تتوسل «بالأدوات» (articles) بالإنجليزية، وتقابلها ألفاظ عاملة بالعربية. وأقول في إطار هذه الحاشية التي طالت إنني أحببت أن ألقي الضوء على جانب من جوانب الترجمة لم يلقَ حظَّه من الاهتمام، وهو وجود ثنائيات لفظية بعضها ثابت وبعضها متغير، فالثابت نسميه التلازم بأنواعه التي ألمحت إليها، والمتغير يقبل، كما يدل اسمه، استبدال كلمة بأخرى، بل ويقبل استعمال أحد اللفظين وحده، فقولك للعروسين «بالرفاء والبنين» ثنائي ثابت، ولكن قولك لصاحبك «أهلًا وسهلًا» ثنائي متغير إذ يقبل استخدام «أهلًا» فقط أو أهلًا ومرحبًا، وقِسْ على ذلك «هنيئًا مريئًا»، وتختلف العربية من هذه الزاوية عن الإنجليزية في التعبير عن الدرجة بثنائي لا بصفة وأداة، فقولك He looked very unkempt يمكن أن تترجم «كان يبدو أشعث أغبر.» وقولك: He is very much in love يمكن أن تترجم «إنه صَبٌّ وامِقْ.» وقولك: He felt all free يمكن أن تترجم «كان يشعر بأنه حُرٌّ طليق.» وقِسْ على ترجمة ذلك سائر وسائل التوكيد التي تسميها intensifiers إلى كلمات في ثنائيات ثابتة أو متغيرة، فهذا من طبيعة العربية، والشاعر الذي قال:
أمُعفِّرَ اللَّيْثِ الهِزَبْرِ بسَوْطِهِ
لمَن ادَّخرْتَ الصارمَ المصقولا؟
       قد عبَّر عن قوة الأسد بكلمتين وعن مضاء السيف بكلمتين، وكلاهما من الثنائيات المتغيرة، وقد يكفي أحد اللفظين خارج الثنائية كقول حافظ: «إنما الحقُّ قوة من قوى الديان أمضى من كل أبيض هندي.» إذ عبَّر عن السيف أيضًا بكلمتين، والشاعر الذي قال: «ونار حبِّك لا تُبقي ولا تذر.» عبَّر بفعلين عن معنًى مؤكد، وما دام التوكيد يخصُّ الفعل فهو يترجم بصيغة الحال الإنجليزية المرتبطة بالفعل، والعكس بالعكس، فقولك We utterly destroyed it يمكن ترجمتها بالمفعول المطلق المؤكد (إبراهيم عبادة، الجملة العربية، ٢٠٠٢م) أيْ بعبارة «دمرناها تدميرًا.» وقد وردت هذه الصيغة في القرآن: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا(الإسراء، ١٦). ووردت في سورة الفرقان أيضًا، الآية ٣٦، إلى جانب ما سبق لي أن ذكرت في غير هذا المكان عن المفعول المطلق المبين للنوع (أي التمييزي) والمفعول المطلق المبين للعدد.
وخلاصة القول أن التعادل في المعنى لا يتأتَّى بالتعادل في عدد الكلمات، وقد أشرتُ منذ صفحتين في الهامش على السطر ١٥١ إلى أنني عبَّرت عن المعنى الذي يريده جريميو بعبارة grumbling groom بتعبير عربي أصيل هو «فظ غليظ القلب.» وأتيت بكلمة groom الأخرى في هذا السطر في صورة «جلف»، فالسطران الإنجليزيان ١٥١-١٥٢ يتضمنان ثلاث صور للمعنى في الصور الثلاث لكلمة groom، وأنا عندما أترجم أتوسل بما يسمى المدخل الكلي (holistic approach) أيْ أتناول المعنى في صورته الكلية وأعبِّر عنه بما يحقِّق هذه الصورة بالعربية مهما يزِدْ عدد الحروف، ولا يعني ذلك أن الحروف في العربية تزيد في كل مرة، بل أحيانًا ما تقل، وأحيانًا تتساوى، فعندما يسأل ترانيو what said the wench when he rose up again? تقول الترجمة: «وما الذي ردت به الفتاة بعد أن نهض؟» (١٦٥) ولكن عندما يكون التعبير موحيًا «بدرجة معينة» من الشِّدَّة أو التأكيد، فموارد العربية لا تنضب، فعندما يشير جريميو إلى تناول بتروشيو لكأس من النبيذ يُسمَّى «موسكاديل» (muscadel) والاسم لا يعني شيئًا لسامعه بالإنجليزية أو العربية، يوحي جريميو بأن ذلك العريس لم يكُن «يرتشف» النبيذ بل يعبُّه عبًّا، وهكذا قلتُ في الترجمة: «وهكذا عبَّ النبيذ من كأس الزفاف عبًّا» (١٧٠). وكذلك عندما يقول جريميو And kissed her lips with such a clamorous smack/That at the parting all the church did echo (وقبل الشفاه قبلة رنانة مدوِّية / تردَّدتْ أصداؤها بجدران الكنيسة … عند افتراق تلكم الشفاه) (١٧٧-١٧٨) (عربي وإنجليزي).
والباحث في هذا الموضوع سوف يكتشف أكثر من وظيفة واحدة لهذه الثنائيات، وقد يودُّ الحفاظ على الوظيفة في الترجمة إذا كان يؤمن بمذهب الغرض من الترجمة ونظريته التي ناقشتها في بعض كتبي، فقد يجد أن من وظائف الثنائيات (١) التوكيد، و(٢) إظهار التضاد، و(٣) الارتباط الاصطلاحي. فالتوكيد قد سبق ذكره، والتضاد أمثلته أوفر في العامية المصرية (غشيم ومتعافي) (أقرع ونزهي)، ويظهر في الإنجليزية بصورة المفارقات الشائعة officially unofficial أو keenly uninterested أو explicitly implicit أو conspicuous by absence، وأمَّا الارتباط الاصطلاحي فيشير إلى المتلازمات اللفظية الخاصة بكل لغة، ولا مبرر لها إلا الاستعمال والشيوع، أي الانتماء إلى التداولية (pragmatics) فنحن نقول «أماط اللثام.» و«صروف الدهر.» وهذا هو النوع الخاص من التلازم (collocation) الذي يجبر المبتدئ، فعبارة «اختلاف النهار والليل» قد تعني له الاختلاف بمعناه المعتاد، وقد لا يفطن إلى المعنى المُضمَر أيْ «توالي» الليل والنهار:
اختلافُ النَّهارِ واللَّيلِ يُنسي
جَدِّدا لي الصِّبا وأيامَ أُنسي
       والفعل «كان يختلف إلى المقهى فيجالس أصحابه.» وأظن أنني نقلتُ الخطوط العامة للبحث في هذا المجال الذي لا يزال مهمَلًا إلى حدٍّ ما في دراسات الترجمة، وقد تكون ترجمة المفارقات ذات صعوبة خاصة، وليس هذا قطْعًا مجال الحديث فيها.
٤١  «الصبر الجميل» (most patient): انظر الحاشية السابقة.
٤٢  «جيادي» (my horse): سبقت الإشارة إلى أن الكلمة الإنجليزية كانت تفيد الجمع حتى القرن السابع عشر (OED n. 1b) .
٤٣  تعمَّد جروميو عكس المعنى.
٤٤  «الباب مفتوح أمامك، والدرب يدعوك إليه»: المَثَل الشائع يقول «هذا الباب وذاك طريقك.»
٤٥  «هرولْ وفي الأقدامِ أحذيةٌ جديدة»: مَثَل تسوقه كاترينا دون تعديل:
Be jogging while your boots are green!
٤٦  «قد ابتَدَا ظهورُ رَغْوٍ وزَبَدْ»: الأصل يشير إلى بداية التخمر بظهور الرغو والزبد، أو بداية الغليان بظهور الفقاقيع التي تتحول إلى رغوٍ وزبد، والثنائي «يرغي ويزبد» من المتلازمات، انظر الحاشية على ١٦٦ أعلاه.
٤٧  «هيا إلى الوليمة! هيا إلى احتقال صاخب معربد»: في الأصل كلمة domineer تفيد معنى revel مضافًا إليه الصخب: Go to the feast, revel and domineer!.
٤٨  «فاشنقوا أنفسكم»: مَثَل شائع، وكان أصله Farewell and be hanged!.
٤٩  يجمع جروميو بين ثلاثة تعابير اصطلاحية تجري مجرى الأمثال؛ أولها to look big أو to talk big بمعنى يقاوم، وأصبح لدينا في العامية المصرية مثالان لهذا التعبير (عامل تخين) و(كلام كبير قوي)، والثاني تركيب يضمُّ فعلين متلازمين to stamp and stare، والثالث يضمُّ متلازمةً من فعلين أيضًا to fret and fume، وقد ترجمتها جميعًا، ولا بأس، بالمناسبة، من تذكير القارئ بمتلازمة فعلية لا علاقة لها بالموقف هنا وهي to stand and stare، أي يترك ما يعمله حتى يتأمل الدنيا من حوله، وأصله شطر شعري من بيت شهير.
٥٠  يحذر بتروشيو أيَّ شخص يريد أن يتدخل للدفاع عن كاترينا ما دام قانون الزواج قد جعلها الآن ملك يمينه. واعتبار بتروشيو أن كاترينا ملك يمينه يُرجع أصداء الوصية العاشرة في سفر الخروج، بالعهد القديم من الكتاب المقدَّس، التي تقول «لا تشتهِ بيت جارك، ولا زوجته، ولا عبده، ولا أمَتَه، ولا ثوره، ولا حماره، ولا شيئًا مما له.» (٢٠ / ١٧)، ولاحظ أن التحول إلى بحر الرَّمَل يخفِّف من وقع القول بالملكية وموازاة الزوجة بالأشياء والحيوان، اعتبارًا من «إنها لي كل شيء.»
٥١  ٢٣٥–٢٤٠: يبدأ بتروشيو بإشارة إلى القضاء ثم يتحول إلى الإشارة إلى استعمال القوة الجسدية، ومما ييسر انتقاله هذا استخدام كلمة action التي تعني رفع قضية وتعني في الوقت نفسه الفعل المادي اللازم للدفاع عن ممتلكاته، ويلجأ بتروشيو إلى العبارات القصيرة المتوالية، أو ما نسميه الجمل البسيطة وهي التي تغلب عليها أفعال الأمر، «سُلَّ سيفك!» «هُبَّ كي تنقذ مولاتك!» «أظهر الآن الرجولة!» وهي أفعال مثبتة، يتلوها فعل منفي «لا تخافي!»
٥٢  «ألوف وألوف»: في الأصل «مليون» وليس ذلك هو المُراد بل المبالغة، ولذلك فضلت الكلمة العربية على الرغم من أنني لستُ ضدَّ الكلمة الدخيلة، فالعرب تقول ألف ألف ولا تقول مليون، ولكني أردت جَرْسَ حرفَي العلة (الواو) الذي يختتم بتروشيو به حواره قبل الخروج.
٥٣  ٢٤١–٢٤٦: يعود شيكسبير إلى حيلة التراشق السريع، أي استقلال كل متحدث بسطر واحد، وهو ما أشرتُ إليه بالمصطلح البلاغي stichomythia انظر الحاشية على ١٤٧.
٥٤  «أصيب بتروشيو بداء كيت»: الأصل Petruccio is Kated هذا هو التفسير الذي اتفق عليه الشرَّاح، باستثناء أوليفر الذي يقول إن هذا المعنى غير مرجَّح.
٥٥  لاحظ اللهجة الخطابية في قول بابتيستا:
إنْ كانَ قد غابَ العريسُ فلم تَغِبْ …
أصنافُ حَلْوى العُرْسِ عن مائدتي!
وعلى الرغم من أنه يخفِّف من وقع هذه النبرة بعددٍ آخر من الكلمات، فالإيقاع الرئيسي لمقاله في الختام يركز تركيزًا واضحًا على البحر الشعري الكامل. وتدخلاته لتحوير ذلك البحر تدعو ترانيو إلى تحويراتٍ في الرجز أيضًا، بحيث يسهم الإيقاع في تلوين إيقاع الحفل المنتظَر، حيث يسمح بابتيستا لترانيو (المتنكر في شخص لوسنتو) بأن يلعب دور عريس بيانكا، وهو الذي نعرف في النهاية أنه يُخفي عشقه الدفين لها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤