الفصل الخامس

المشهد الأول

(يدخل جريميو أولًا، ثم يدخل بيونديلو ولوسنتو دون تنكر، وبيانكا.)١
بيونديلو : أرجوك تلطَّفْ يا مولايَ وأسرِعْ! فالكاهنُ جاهز.
لوسنتو :
سأطير إليه بيونديلو! لا تصحبْنا بل فابْقَ هنا؛ إذ قد يحتاجون
إليك بمنزلنا.

(يخرج لوسنتو وبيانكا.)

بيونديلو :
كلَّا بالله! سأُصاحبُكما حتى تتزوجا في الكنيسة ثم أعودُ إلى
سيدي بأسرع ما يمكن. (٥)

(يخرج بيونديلو.)

جريميو (وحده على المسرح) : لم يأتِ حتى الآن كامبيو … ولستُ أدري سرَّ هذا!

(يدخل بتروشيو وكاترينا وفنشنتو وجروميو وبعض الأتباع.)

بتروشيو :
هذا بابُ الدار. منزلُ لوسنتو.
أمَّا بيتُ أبي فالأقربُ من ناحيةِ السُّوق.
والواجبُ أن أقصدَه وإذَن أنصرفُ الآنْ.
فنشنتو :
لا خِيرةَ لك في أنْ تشربَ شيئًا قبل ذَهابِك، (١٠)
وأظنُّ بأنِّي سوف أطالبُ أهلَ المنزلِ
بضِيافَتِكَ هنا، والأرجَحُ أنَّ لدينا مأدُبةً جاهزةً.

(يطرق الباب.)

جريميو : أهلُ المنزلِ مشغولون. اطرُق الباب بصوتٍ أعلى.
(يطل التاجر من النافذة.)٢
التاجر : مَن الذي يطرق البابَ بشدَّة كمَن يريدُ تحطيمه؟ (١٥)
فنشنتو : هل السنيور لوسنتو موجود؟
التاجر : موجودٌ لكنَّه لن يخاطبَ أحدًا.
بتروشيو :
هبْ أنَّ رجلًا أتاه بمائة جنيه أو مئتين حتى ينفقها في بعض
مسرَّاته؟ (٢٠)
التاجر :
احتفظْ بالجنيهات المائة لنفسك. لن يحتاج إلى شيء ما دُمت أنا
حيًّا.
بتروشيو :
هل سمعت؟ قلتُ لك إنَّ ابنك محبوبٌ في بادوا (إلى التاجر)
هل تسمعُني يا سيد؟ فلنتجاهل السفاسفَ الآن. أرجوك (٢٥)
أَخبر السنيور لوسنتو أنَّ والده جاء من بيزا وأنَّه لدى الباب
الآن ويطلب أنْ يتحدَّث معه.
التاجر :
هذا كذب. لقد حضر أبوه إلى بادوا٣ فعلًا، وهو ينظر الآن من
النافذة إليكم.
فنشنتو : هل أنت والده؟ (٣٠)
التاجر : نعم يا سيدي. حسبما تقول أمُّه، إنْ كان لي أنْ أصدِّقَها.
بتروشيو :
يا عجبًا يا أيها السيد! هذه جريمةٌ لا شكَّ فيها. كيف تطلق
على نفسك اسم رجلٍ آخر؟
التاجر :
اقبضوا على المُجرم! أعتقد أنه ينتوي أن يخدع بعض الناس في (٣٥)
هذه المدينة مُنتحلًا شخصيتي.

(يدخل بيونديلو.)

بيونديلو (جانبًا) :
رأيتُهما في الكنيسة معًا أثناء القِران. أدعو الله أن ترسو السفينة٤
على بر الأمان. ولكنْ مَن هذا؟ إنه سيدي الوالد فنشنتو! هذا (٤٠)
خرابُ بيتنا! هذا ضياعُنا!
فنشنتو : تعالَ يا ربيبَ المِشنقة!
بيونديلو : من حقي اختيار مَن أخدم يا سيدي.
فنشنتو : أقبل أيها الوغد! هل نسيتني؟
بيونديلو :
نسيتك؟ لا يا سيدي. لا أستطيع أن أنساك. فإنَّني لم أشاهدك (٤٥)
في حياتي قط!
فنشنتو : يا ذا الخبث الصارخ! ألم ترَ في حياتك فنشنتو والد سيدك؟
بيونديلو :
تقصد الوالد المُبجل لسيدي؟ نعم. والحقُّ أنه هنا يا سيدي!
انظرْ حيث يطلُّ من النافذة! (٥٠)
فنشنتو : هل هذا حقٌّ يا كاذب؟

(يضربه.)

بيونديلو : النجدة! النجدة! النجدة! مجنون يريد أن يقتلني!
(يخرج بيونديلو.)٥
التاجر : النجدة يا ولدي! النجدة يا سنيور بابتيستا.

(يغلق الشبَّاك ويختفي.)

بتروشيو : أرجوك يا كيت … فلْنتَنحَّ جانبًا ونشهد ما ينتهي إليه هذا النزاع. (٥٥)

(يدخل التاجر على المستوى الأرضي للمسرح، مع الخدم، وبابتيستا، وترانيو متنكرٌ في زيِّ لوسنتو.)

ترانيو : سيدي! مَن أنت حتى تجرؤ على ضرب خادمي؟
فنشنتو :
مَن أنا يا سيدي؟ بل مَن أنتَ يا سيدي؟ يا أربابنا الخالدة!
يا أيها الوغد المتأنق! صِدار من حرير، وسروال من قطيفة، (٦٠)
وعباءة قرمزية، وقبعة رفيعة، لقد أفلستُ وانتهى أمري!
أفلست فعلًا! فبينما أقتِّر على نفسي في بلدي، يُهدر ابني
وخادمه أموالي في الجامعة!
ترانيو : عجبًا! ماذا في الأمر؟
بابتيستا : عجبًا! هل الرجلُ مجنون؟
ترانيو :
يا سيدي! ملبسك يقول إنك من كبار السادة العقلاء، ولكن (٦٥)
ألفاظك ألفاظ مجنون! ماذا يعنيك يا سيدي إذا اكتسيت
باللآلئ والذهب؟ الفضل فضل الوالد الكريم الذي يتيح لي
العيش على هذا المستوى!
فنشنتو :
والدك؟ أيها الوغد! والدك من عُمَّال صُنع أشرعة السفن في
برجامو!٦ (٧٠)
بابتيستا :
أنت مُخطئٌ يا سيدي. أنت مخطئ. أرجوك قُلْ لي: ماذا تظنه
يُدعى؟ ما اسمُه؟
فنشنتو :
اسمُه؟ كأنني لا أعرف اسمَه! لقد ربيتُه ورعيتُه منذ أن كان
طفلًا في الثالثة. اسمُه ترانيو. (٧٥)
التاجر :
ألا بُعدًا لك أيها الجحش المختل! إنَّ اسمَهُ لوسنتو. وهو
ولدي الوحيد، ووريث أملاكي كلها … أنا السنيور فنشنتو.
فنشنتو :
لوسنتو؟ إذَن فقد قتل سيده! اقبضوا عليه! إني أتهمك باسم
الدوق بقتل ولدي! آه يا ولدي يا ولدي! قُلْ لي يا مُجرم أين (٨٠)
ابني لوسنتو؟
ترانيو :
استدعوا شرطيًّا!
(يدخل شرطي.)
خذ هذا الوغد إلى السجن. يا والدي بابتيستا! إني أُحمِّلك (٨٥)
المسئولية عن حضوره المحاكمة.
فنشنتو : يُدخلونني السجن؟
جريميو : انتظر أيها الشُّرطي. لن يذهب إلى السجن.
بابتيستا : لا تتدخلْ يا سنيور جريميو. أقول إنه سيدخل السجن.
جريميو :
احذرْ وانتبهْ يا سنيور بابتيستا، وإلا نجحوا في التغرير بك في (٩٠)
هذه القضية. أكاد أُقسِمُ إنَّ هذا فنشنتو الحقيقي.
التاجر : إذَن فأَقسِمْ إنْ كنت تجرؤ.
جريميو : لا! لا أجرؤ أنْ أُقسِم.
ترانيو : إذَن فأنت تنكر أنني لوسنتو؟ (٩٥)
جريميو : كلَّا! فأنا واثقٌ أنك لوسنتو.
بابتيستا : خذوا المخرف العجوز من هنا وأدخلوه السجن.

(يدخل بيونديلو ولوسنتو وبيانكا.)

فنشنتو : وهكذا تسبُّون الغرباء وتشتمونهم! يا أيها الوغد الشنيع!
بيونديلو :
لقد أصابَنا الدمار. ها هو ذا أمامك. أنكِرْ صِلَتَك به، وتبرأْ منه (١٠٠)
وإلا ضعنا كلنا.
(يخرج بيونديلو وترانيو والتاجر بأسرع ما يستطيعون.)٧
لوسنتو : اصفَحْ عنِّي والدي المحبوب.

(يركع أمامه.)

فنشنتو : هل يحيا ابني المحبوب؟
بيانكا : اصفَحْ عني يا أبتي الغالي!
بابتيستا : ما نوعُ جريرَتِك إذَن؟ أين مضى لوسنتو؟ (١٠٥)
لوسنتو :
هذا لوسنتو الحقُّ! الولد الحقُّ لوالده فنشنتو الحق!
وقِراني من بنتك أكسَبَني إيَّاها زوجة،
لكنَّ مزاعمَ باطلةً كانت تَغشَى عينيكَ خلالَ الخِطبة.
جريميو : تلك مؤامرةٌ مَسبوكة … ترمي لخداعِ الكلِّ هنا!
فنشنتو :
أين ولَّى ذلك الوغدُ اللعينُ خادمي ترانيو؟ (١١٠)
بعد أنْ أبدَى التحدِّي ورماني بافتراءاتٍ بهذا الأمر؟
بابتيستا : أخبروني! أليس ذلك كامبيو؟
بيانكا : كامبيو قد غَدَا هنا لوسنتو!
لوسنتو :
حقَّقَ الحُبُّ هذهِ المُعجزاتِ!٨
فبيانكا غرامُها أوحَى لي
أنْ يحُلَّ الفَتَى ترانيو مكاني (١١٥)
فغَدَا في الدِّيارِ يُدعى لوسنتو
ريثَما حقَّقَ الزمانُ مَرامي
والذي كنتُ أرتجيهِ أتاني
من نعيمٍ بمرفأٍ من غرامي
كلُّ ما قد أتَى ترانيو أخيرًا
كنتُ أرغمتُهُ على إتيانِهْ
وإذَنْ يا أبي الحبيب لتغفرْ
في سبيلي ما كان من سيِّئاتِهْ (١٢٠)
فنشنتو : سوف أجدع أنف٩ الوغد الذي أراد إرسالي إلى السجن.
بابتيستا :
لكنْ هل تسمعُني يا سيد؟ هل تزوجت ابنتي من دون أن تنال
رضاي؟
فنشنتو :
لا تخفْ يا بابتيستا. فسوف نرضيك واطمئن. لكنني لن أهدأ
حتى أثأر لنفسي من هذه المكيدة الخبيثة. (١٢٥)

(يخرج.)

بابتيستا : ولا بدَّ أن أسبر أغوار هذه المؤامرة الدنيئة.

(يخرج.)

لوسنتو : اطرحي ذلك الشحوب بيانكا. سوف يَرضَى أبوك عمَّا فعلنا.

(يخرج لوسنتو وبيانكا.)

جريميو :
خابَ ما كنتُ أرتجيهِ ولكنْ
سوف أَبقَى في الصُّحبةِ المُستديمة (١٣٠)
ضاعَ كلُّ الرجاءِ عندي ولكنْ
لم يضِعْ ما رجوتُهُ في الوليمَة١٠

(يخرج.)

كاترينا : هيَّا نتبعهم يا زوجي حتى نشهد آخر تلك الضجة.
بتروشيو : قبِّليني أولًا يا كيت قبل المسير.
كاترينا : لكنْ أفي وسط الطريق؟ (١٣٥)
بتروشيو : تراك تستحين مني؟
كاترينا : لا قدر الله يا سيدي! لكنني أستحيي من القبلة.
بتروشيو : إذَن نعود ثانيًا لبيتنا! جهِّزْ لنا الخيول يا غلام!
كاترينا : لا لا! سأعطيكَ قُبلة! (تقبِّله) أرجو بأن تبقى الآن يا حبيبي.
بتروشيو :
هيَّا إذَن يا كيت يا حبيبتي … قد كان ذاك صادقَا (١٤٠)
مهْما يزدْ تأخيرُ ما تأتي به … يأتي لنا مُوَفَّقَا١١،١٢
فإنَّما أوانُ فِعْلِ الخيرِ لا يفوتُ مطلقَا!

(يخرجان.)

المشهد الثاني

(يدخل بابتيستا، وفنشنتو، وجريميو، والتاجر، ولوسنتو، وبيانكا، وبتروشيو، وكاترينا، وهورتنسو، والأرملة، وجروميو، وبيونديلو، وترانيو، والخدم يحملون المشروبات والحلوى والفواكه.)١٣
لوسنتو :
أخيرًا ومن بعد طولِ النَّشازِ بألحانِنا والشِّقاقْ،
أتتْ بالتناغُمِ روحُ الوِفاقْ،
فعند انتهاءِ الحروبِ الغَضَوبِ يعودُ ابتسامُ الشِّفاهْ،
فننسَى به كيف خُضْنا المَشاقَّ،
وننسَى المخاطرَ بعد النجاة،
ألا فاحتفي يا بيانكا الجميلةُ أيَّ احتفاءْ،
هنا بأبي مثلما أحتفي (٥)
وأُبدي لوالدِكِ الحُبَّ صِنْوَ الرفاءْ،
ويا إخوتي بتروشيو وكيت
ويا هورتنسو وزوجُكَ أرمَلَةٌ مُغرَمة!
إليكم أُقدِّمُ أفخَرَ ما في المآدِبِ من أطعمة
وآياتِ ترحيبِ منزلنا بالكِرامْ
وأمَّا الشرابُ وطِيبُ الفواكهِ فهي خواتيمُ خيرِ الطَّعامْ
فهيَّا اجلسوا كي يدورَ الكلامْ (١٠)
فإنَّ الكلامَ رفيقُ الطَّعامِ بهذا المَقامْ!١٤
بتروشيو : وإذَن فجُلوسٌ وجُلوسٌ … وطَعامٌ أيضًا وطَعامْ!
بابتيستا : بالنِّعمةِ تسخُو بادوا يا ولدي بتروشيو.
بتروشيو : لا تسخُو بادوا إلا بالنِّعمِ!
هورتنسو :
أتمنَّى أنْ يَصدُقَ هذا القول … (١٥)
من أجلِكَ وكذلك من أجلي!
بتروشيو : أُقسِمُ بحياتي إنَّ أخانا هورتنسو يخشى أرملَتَهْ
الأرملة : إنْ خِفتُ فلن أُصبحَ موضِعَ ثقةٍ أبدًا.١٥
بتروشيو :
أنتِ امرأةٌ عاقلةٌ لكنَّكِ أخطأتِ مُرادي
أعني أنَّ لدى هورتنسو خوفًا منكِ.
الأرملة :
ومَنْ يَكُ رأسُهُ يومًا يدورُ (٢٠)
يظنُّ الأرضَ والدُّنيا تدورُ!١٦
بتروشيو : لا لفَّ هنا أو دوران.
كاترينا : بأيِّ وجهٍ تَحمِلُ المعنى؟
الأرملة : بوجهِهِ الذي حملتُهُ منه.
بتروشيو : حملتِ منِّي؟ كيف يُرضِي ذاك هورتنسو؟
هورتنسو : تقصدُ أرمَلَتي ما تحمِلُهُ١٧ من صُلْبِ المعنى!١٨ (٢٥)
بتروشيو : أصلحتَ الوضْعَ تمامًا … وعليكِ إذَنْ يا أرملةً صالحةً تَقبيلَهْ.
كاترينا :
ومَنْ يَكُ رأسُهُ يومًا يدورُ
يظنُّ الأرضُ والدُّنيا تدورُ
فما معناهُ أرجوكِ اشرحي لي.
الأرملة :
زوجُكِ يَلقَى من زوجتِهِ الشرسةِ كلَّ بلائهْ،
ويقيسُ هنا حُزْنَ قريني بمقاييسِ عنائهْ، (٣٠)
وبذا أوضحتُ لك المَقصِد.١٩
كاترينا : قصدُكِ مُنحَطٌّ فعلًا!
الأرملة : قطْعًا فأنا أعنيكَ بهِ.
كاترينا : بل كم يحُطُّ من قدْري بأنْ أُجادِلَكْ
بتروشيو : عليكِ يا كيت بها!
هورتنسو : عليكِ أرمَلَتي بها!٢٠ (٣٥)
بتروشيو : ورهاني مِائةُ جنيهٍ أنْ تَعلُوها كيت وتَطرَحَها أرضًا!٢١
هورتنسو : ذلك عَمَلي وحدي.
بتروشيو : تتحدثُ مثلَ المُلتزمِ بحقِّ الزوجية! دعني أشربْ نَخْبَك.

(يشرب بتروشيو نخب هورتنسو.)

بابتيستا : وهل تحبُّ يا جريميو ما تَرَى من سُرعة البديهة؟
جريميو : أقولُ صدِّقْني فإنَّهم يُجيدون التناطُح. (٤٠)
بيانكا :
تناطُحٌ بالرأسِ والعَجُزْ؟٢٢،٢٣ كلَّا فإنَّ مَنْ يودُّ سُرعة البديهة
يقولُ إنَّهُ تناطُحٌ بالرأسِ والقُرونْ٢٤ … لا الرأسِ والعَجُز.
فنشنتو : أجلْ يا أيتُها العروس. هل ذاك أيقظَك؟
بيانكا : نعم. لكنَّني ما خِفتُ منه. وهكذا أعودُ للنُّعاس.
بتروشيو :
بل لن يكون ذلك. ما دُمتِ قد بدأتِ فاستعدِّي (٤٥)
حتى تنالي نُكتةً أو نُكتتين.
بيانكا :
إنْ كنتَ تَراني طيرًا تبغي صيدَهْ٢٥ … فسأدخُلُ دَغَلًا آخَرَ،
وعليكَ بأنْ تَتْبَعَني من قَبْلِ خُروجِ السَّهمِ من القَوْسِ!
 (إلى الجميع)
أهلًا ومرحبًا بكم جميعًا.

(تخرج بيانكا ومعها كاترينا والأرملة.)

بتروشيو :
سبَقَتْني فتحاشَتْني … يا سنيور ترانيو! ارفَعْ كاسَكَ واشربْ (٥٠)
في صحَّةِ هذا الطائرِ … مَنْ وجَّهْتَ إليهِ السَّهمَ فطاشْ،
بل فَلْنَشربْ في صحَّةِ كلِّ فتًى لم يُصِب المَرمَى.
ترانيو :
أطْلَقَني لوسنتو مِثلَ كلابِ الصَّيدِ العدَّاءةِ
إذ تَجري كي تقتَنِصَ فرائِسَها وتعودَ بها للمالك.
بتروشيو : تشبيهٌ حَسَنٌ نَمَّ على سُرعَةِ خاطِرِكَ وإنْ لم تكُن الكلبَ الأسرعْ! (٥٥)
ترانيو :
أحسنْتَ بأنْ قرَّرْتَ القَنْصَ بنَفْسِكَ حتى
إنْ قِيلَ بأنَّ غزالَكَ أصبحَ يتحدَّاكَ الآن!
بابتيستا : بَرْحَى بَرْحَى يا بتروشيو! سهمُ ترانيو الآنَ أصابَك!
لوسنتو : أشكركَ على هذي الغَمْزةِ يا ترانيو!
هورتنسو : اعتَرِف الآنَ بأنَّ السَّهمَ أصابَك! (٦٠)
بتروشيو :
أَعتَرِفُ بأنَّ الغَمْزةَ كانت مُوجِعةً بعضَ الشَّيء،
لكنَّ المُزحةَ في الحالِ ارتدَّتْ وانحرَفَتْ،
وأراهنُ رهنَ الواثقِ أنَّ السَّهمَ أصابَكما فورًا بجروح!
بابتيستا :
فلنتحوَّلْ للجِدِّ الآن.٢٦ أعتقدُ أيا ولدي بتروشيو
أنك زُوِّجْتَ بأشرسِ هذي النِّسوَةِ حقًّا. (٦٥)
بتروشيو :
الواقعُ أنِّي أُنكِرُ ذلك. وإذا شِئتَ البُرهانَ عليهِ٢٧ فدَعْ
كُلًّا منهم يُرسِلُ في طلبِ قَرينتهِ ولنتراهنْ:
مَنْ تُبدِي أكبرَ قدْرٍ من طاعتِها للزوجِ وتأتي
قبل سواها تضمنْ للزوجِ الفوزَ بمقدارِ رهانٍ
نتفقُ عليه الآن. (٧٠)
هورتنسو : أنا راضٍ! ما مِقدارُ رهانِك؟
لوسنتو : عشرون جنيهًا.
بتروشيو :
عشرون جنيهًا؟٢٨
بل ذاك مِقدارُ الرهانِ إنْ يكُنْ على صُقورٍ أو كلابْ،
أمَّا على حَليلَتي فإنَّهُ يزدادُ عندها عشرين ضِعفًا. (٧٥)
لوسنتو : فقُل إذَن مِائة.
هورتنسو : موافقٌ.
بتروشيو : إذَنْ عَقَدْنا الاتِّفاق.
هورتنسو : مَنْ عساهُ يبدأ؟
لوسنتو : أنا! اذهَبْ بيونديلو إلى سيِّدتِكْ، واطلبْ إليها أنْ تجيء.
بيونديلو : أذهَب! (٨٠)

(يخرج بيونديلو.)

بابتيستا : أتحمَّلُ نِصفَ رهانِكَ٢٩ يا ولدي فستأتي بيانكا.
لوسنتو :
لن أَقبلَ أنصافًا … بل أتحمَّلُ كلَّ رهاني وحدي.
(يدخل بيونديلو.)
ماذا حدَثَ وما أخبارُك؟
بيونديلو :
تقولُ سيِّدتي لكَ إنَّها مشغولةٌ يا سيِّدي … ولا تستطيعُ أنْ
تجيء. (٨٥)
بتروشيو : عجيبٌ! مشغولةٌ لا تستطيعُ أن تجيء؟ هل هذه إجابة؟
جريميو :
بل إنَّها تمتازُ بالتهذيبِ أيضًا! إنِّي لَأدعُو اللهَ يا سيِّدي ألَّا تنالَ
أنتَ ردًّا أقسى.
بتروشيو : بل إنَّني لَأرجُو أنْ يكونَ أفضَل.
هورتنسو : اذهَبْ يا بيونديلو وتوَسَّلْ إلى زوجتي أنْ تأتي فورًا. (٩٠)

(يخرج بيونديلو.)

بتروشيو : ها ها! وتوسَّلْ؟ وإذَنْ لا مَندُوحةَ من أنْ تَحضُر.
هورتنسو :
يؤسفُني يا سيِّدُ أنَّكَ مهْما تفعلْ
زوجتُكُم لن تَقبلَ أيَّ توسُّلْ.
(يدخل بيونديلو.)
أين امرأتي قُلْ!
بيونديلو :
تقولُ إنَّكم تمارسونَ لُعبةً جميلةً٣٠ وإنَّها لا تستطيعُ (٩٥)
أنْ تجيء … وتبتغي ذَهابَكَ الآنَ إليها!
بتروشيو :
الأمر يزدادُ سوءًا٣١ … لا تستطيعُ المجيء؟
ردٌّ فظيعٌ كَرِيهٌ … بل لا يُطاقُ احتمالُهْ،
فيا غُلامي جروميو … اذهَبْ إلى زوجَتِنا،
وقُلْ بأنِّي أمَرْتُ … بأنْ تَجيءَ إلينا. (١٠٠)

(يخرج جروميو.)

هورتنسو : إنِّي لَواثقٌ من الإجابة.
بتروشيو : وما هِيَهْ؟
هورتنسو : بل لن تجيء!
بتروشيو : إذَنْ سأَقبلُ الحظَّ التَّعِسْ … وليسَ عندي ما يُضاف.

(تدخل كاترينا.)

بابتيستا : أقسمتُ بالمقدَّساتِ كلِّها٣٢ … ها قد أتتْ كاترينا! (١٠٥)
كاترينا : ماذا تُريدُ سيِّدي … ما دُمتَ قد أرسلتَ في طلبي؟
بتروشيو : أين شقيقتُكِ وأين قرينةُ هورتنسو؟
كاترينا : في جَلسَةِ سَمَرٍ بجوارِ المِدفَأةِ بغُرفةِ الاستقبال.
بتروشيو :
فلتَذْهبي إليهما وتُحضريهُما هنا … فإنْ بَدَا عليهما العِصيانُ
فاضربيهما ضربًا مبرِّحًا٣٣ حتى تجيءَ كلٌّ منهما لزوجها. (١١٠)
هيَّا إذَنْ وأحضريهما فورًا.

(تخرج كاترينا.)

لوسنتو : هذا حدثٌ خارقْ! يا مَنْ تَحكُونَ عن النُّذُرِ الخارقةِ.
هورتنسو : فبماذا يُنذِرُ هذا الحدثُ الخارق؟
بتروشيو :
بل ذاك يُبشِّرُ بالسِّلْمِ وبالحُبِّ وبالعَيْشِ الهادئْ،
بمَهابَةِ مَنْ يَحكُمُ وسيادَتِهِ الحقَّة، (١١٥)
وإذا شِئتَ الإيجازَ فقُلْ بدواعي العَيْشِ العَذْبِ الهانئ.
بابتيستا :
فلْيُسعِد الحظُّ الكريمُ بتروشيو! الآنَ قد كَسَبَ الرهانْ،
لكنَّني سأُضيفُ من عندي إلى ما يدفعانِهِ
عشرين ألفَ جُنيه! قُلْ إنَّهُ مَهرٌ جديدٌ لابنةٍ أخرى، (١٢٠)
إذ إنَّها اختلفَتْ وما عادَتْ تُماثِلُ أيَّ ما كانت عليه.
بتروشيو :
بل إنِّي لن ألبَثَ أنْ أُثبِتَ أنِّي فُزتُ بما
راهنتُ عليه بأسلوبٍ أفضلَ وأُقدِّمُ بُرهانًا آخَرَ
بالحقِّ على طاعتِها المُكتسَبةِ وفضائلِها.
(تدخل كاترينا وبيانكا والأرملة.)
ها هي ذي قد حضَرَتْ وأتَتَ مَعَها بالزوجاتِ الشَّرِساتِ (١٢٥)
أسيراتٍ لبراعَتِها النِّسويَّةِ في الإقناعْ.
قُبَّعتُكِ يا كاترينا غيرُ مُناسبةٍ لكِ.
أَلقي هذي الأُلعوبةَ فورًا … دُوسيها بالأقدامْ!

(تخلع كاترينا القبعة وتدوسها.)

الأرملة :
يا ربِّ نجِّني من أيِّ حسرةٍ يأتي بها الوقوعُ في
أشراكِ مَأزِقٍ سخيفٍ مثلِ هذا! (١٣٠)
بيانكا : تبًّا ويا لَهُ من واجبٍ ينمُّ عن غبائك!
لوسنتو :
يا ليتَكِ التزمْتِ بالغَباءِ أيضًا في أداءِ واجبكْ،
فالحكمةُ التي أبديتِها فيما اعتبرتِهِ من واجبكْ
قد كلَّفَتْني منذُ أنْ تناولْنا العَشاءَ خَمسَ مِائة!٣٤
بيانكا : وازدَدْتَ حُمقًا حين راهنتَ على حُدودِ طاعتي إيَّاك. (١٣٥)
بتروشيو :
يا كاترينا! هاتانِ امرأتانِ مُناوِئتانِ مُعانِدتانْ … وأنا
آمُرُكِ بإرشادِهِما الآنَ إلى ما يَقضي الواجبُ بِهْ … للسيِّدِ والزوج!
الأرملة : دعْ هذا القولَ الهازل!٣٥ لن نَقبلَ إرشادًا من أحدٍ!
بتروشيو : هيَّا الآنَ أقولُ وهيَّا ابتَدِئي بالأرملة!
الأرملة : بل لن تَفعلَ. (١٤٠)
بتروشيو : بل قلتُ ستَفعلُ «وابتَدِئي بالأرملة».
كاترينا :
تبًّا وتبًّا لكْ! الآنَ حُلِّي عُقدَةَ الجبينِ فالوَعيدُ في تَقْطيبِهِ
مناقضٌ للفِطرة! لا تُطلقي سِهامَ الاحتقارِ الجارحاتِ من
عينيكِ نحوَ سيِّدِكْ … فإنَّهُ لَعاهِلُكْ … ومالكٌ زِمامَ أمرِكْ!
وإنَّها لَتَطمِسُ البهاءَ فيكِ مثلما يُشوِّهُ الصقيعُ مَشهدَ المُروج! (١٤٥)
وتُسقِطُ الصِّيتَ الجميلَ مثلما تهوي البراعمُ الحِسانُ في
أيدي الرياحِ العاتية! وليس هذا بالمُحبَّبِ الذي يليقُ بك،
فالمرأةُ الغَضوبُ عندما تثورُ تُشبِهُ النَّبعَ الذي تعَكَّرْ،
وأصبَحَتْ مياهُهُ طينًا وأكدارًا وقُبحًا وفَظاظَة،
وعاطلًا من الجمالِ يأنَفُ العَطشانُ في حُرقَتِهِ (١٥٠)
من أنْ ينالَ رَشفةً أو أنْ يَذُوقَ قَطرةً وحَسْب!
زوجُكِ سيِّدُكْ … وإنَّهُ حياتُكِ الدُّنيا وعائِلُكْ.
وإنَّهُ الرئيسُ والمليكُ لكْ … مَنْ يعتني بأمرِكْ،
ويَكسِبُ الرزقَ الذي يُقِيمُ أَوْدَكْ،
مَنْ يبذُلُ الجُهدَ الأليمَ بَدَنًا … في البحرِ والبرِّ معًا، (١٥٥)
ويسهَرُ الليلَ الطويلَ وسْطَ العاصِفَة … مُكابدًا للزمهريرِ بالنَّهارْ،
وأنتِ تَنعَمينَ بالدِّفءِ الأمينِ والمأمونِ في دارِكْ،
وليس يرجو من جزاءٍ منك غيرَ الحُبِّ
وزينةِ المَظهَرْ … والطاعةَ الحقَّة …
فما أقلَّ هذا الأجرَ في مُقابلِ الدَّيْنِ العظيمِ لَهْ، (١٦٠)
فدَيْنُ كلِّ زوجةٍ لزوجِها دَينُ الرَّعايا للأميرْ،
أمَّا إذا تَنَكَّرتْ لهُ وضاقَ صدرُها بِهِ
وأبدَت التجهُّمَ المَريرَ والعِصيانَ للإرادةِ المَشروعة،
فما عساها أنْ تكونَ غيرَ ثائرٍ خبيثٍ قد تمرَّدْ (١٦٥)
وخانَ في فَظاظةٍ ولاءَهُ للحاكِمِ الذي يُحبُّهْ،
إنِّي لَأخجَلُ إنْ رأيتُ المرأةَ الحمقاءَ
ترفعُ رايةً للحربِ لا أنْ تَنْشُدَ السِّلْمَ وتَرجُوهُ،
أو إنْ سَعَتْ للحُكْمِ أو للقَهْرِ والسيادَة،
وإنَّما الواجبُ أنْ تُقدِّمَ الحُبَّ الذي يرجوهُ زوجُها والطاعة. (١٧٠)
ما سرُّ خلْقِنا بأجسامٍ رقيقةٍ ضعيفةٍ ملساءَ
لا تستطيعُ الكدَّ والجهدَ الجهيدَ في الدُّنيا
هل ذاك غيرُ أنْ تصفو النفوسُ والقلوبُ عندنا
تناغمًا مع الصفاءِ في أبداننا؟
هيَّا إذَنْ يا حيَّتين تهوَيَانِ دون قوةٍ طبائعَ المُشاكَسة! (١٧٥)
كانت لديَّ ذات يومٍ كبرياءُ وكان قلبي ذا جسارةٍ،
وعقلي طامحًا مثلكما … وكان يَهوَى أنْ يُقارِعَ الألفاظَ
بالألفاظِ والعُبوسَ بالعُبوسْ … لكنَّني رأيتُ اليوم
أنَّ كلَّ هذه الرماحَ أعوادُ أسَلْ! وأنَّ قوَّةَ المرأةِ
مثلُ القشِّ ضَعْفًا! وأنَّ ضَعْفَها شديدٌ لا مثيلَ لَهْ! (١٨٠)
وإنَّما أشدُّ ما نُظهرُهُ أشدُّ ما نَفتَقِدُهْ.
فلتُقلِعا إذَنْ عن التكبُّرِ الذي لا نفْعَ فيه لكما،
لكنْ ضَعَا أيديكما … من تحت أقدامهما،
أمَّا أنا فواجبي يقضي بأن أُقدِّمَ اليَدَا،
إنْ شاءَ أنْ يَقبلَها … أرجو بها أنْ يَسعَدَا.٣٦ (١٨٥)
بتروشيو : فذاك دأبُ المرأةِ الحقَّة. فأعطيني يا كيت قُبلة.٣٧

(يتبادلان قُبلة.)

لوسنتو : لكَ الهناءَ يا صديقي العزيز! إذ تنالُ ما وَدِدْتَ نَيْلَهْ
فنشنتو : للطاعةِ في الأبناءِ بمَسمَعِنا صوتٌ رنَّانْ.
لوسنتو : وسماعُ مُشاكَسَةِ المرأةِ يؤذي الآذانْ.٣٨
بتروشيو :
هيَّا إذَنْ إلى الفِراشِ كيت حتى نَنْعَما (١٩٠)
ثلاثةٌ تزوَّجُوا … فزتُ أنا وأنتُما خَسِرتُما
أصبتُما مَرماكما لكنَّني قد فزتُ بالرهانْ
نرجو لكم نومًا هنيئًا ثم نتركُ المَكانْ.٣٩

(يخرج بتروشيو وكيت.)

هورتنسو : أحسنْتَ فقد روَّضْتَ امرأةً ضاريةً وشراسَتُها لا حدَّ لها.
لوسنتو : واسمَحْ لي أن أذكُرَ أنَّ الترويضَ هنا سيمثِّلُ مُعجزةً لا شكَّ بها.٤٠

(يخرجان.)

١  تقسيم المسرحية الذي يجعل هذا المشهد الأول من الفصل الخامس من وضع المحرر تيبولد ١٧٣٣م، أمَّا في طبعة الفوليو الأصلية ١٦٢٣م فالمشهد مستمر. وكنت قد ذكرتُ في المقدمة أن اللقاء بين فنشنتو الحقيقي والتاجر الذي يدَّعي أنه فنشنتو أقرب المَشاهد إلى الهزل الصارخ. جريميو يدخل المسرح أولًا، وعلى الرغم من أنه شكَّاك فهو لا يتمتع بما يكفي من الذكاء لإدراك الحقيقة كلها، فهو لا يتعرف على لوسنتو بعد أن نزع الأخير تنكره في شخصية كامبيو، ويظل على المسرح وحده ينعى حظَّه.
٢  الإرشاد المسرحي يطلُّ التاجر من النافذة: يتوسع الشرَّاح في تصوير أسلوب أداء الحوار بين الحاضرين على المسرح والتاجر بسبب وجود هذه النافذة، وخلاصة ما يقولون هو افتراض وجود مستوًى عالٍ بعض الشيء، كالمصطبة، وبها ما يشبه النافذة، من دون تصور لوجود جدارٍ كاملٍ يمثل منزل لوسنتو.
٣  «حضر إلى بادوا» (is come to Padua): هذا هو التعديل الذي أدخله الشاعر بوب على النصِّ في الطبعة الأصلية للمسرحية (فوليو ١٦٢٣م) الذي يقول: «حضر من بادوا.» وكان المحرر كابل (Capell) قد اقترح أن تكون العبارة «من مانتوا»، ويوافقه من المحدثين هيبارد الذي يقول إن عبارة «حضر من بادوا» لا معنى لها ما دام موجودًا في بادوا، ويضيف قائلًا: «يمكن إحداث تأثير فكاهي أفضل بأن نجعل التاجر ينسى أنه يمثل دور فنشنتو مؤقتًا ويصرِّح باسم المكان الذي أتى منه في الحقيقة» (ص١٩٦). وأوليفر، في طبعة أوكسفورد، يبقى على عبارة «حضر من بادوا» باعتبارها فكاهة، ومنتقدًا هيبارد في محاولته تحسين الفكاهة، إذ يقول أوليفر: «ليس من حقِّ المحررين تحسين نصِّ شيكسبير بالإتيان بفكاهاتٍ أفضل (أيْ بجعل التاجر يكشف عن المكان الذي جاء منه فعلًا)، فليس التاجر مضطرًّا إلى أن يقول أيَّ شيء لفنشنتو، وقوله إنه حضر من بادوا عبارةٌ لا بأس بها، فهو ينتمي إليها الآن وقضى فيها بعض الوقت. والواضح أنني التزمت بنصِّ طبعة آردن التي تختلف عن الطبعات الأخرى.»
٤  «أدعو الله أن ترسو السفينة على بر الأمان»: التعبير يستند إلى مَثَل شائع هو: God send you good shipping، ويُطلق عادةً على «رحلة الزواج».
٥  خروج بيونديلو يتيح له أن يخبر لوسنتو وبيانكا بما حدث.
٦  «برجامو» (Bergamo): مدينة بعيدة عن الساحل ولا علاقة لها بصناعة السفن أو أشرعتها.
٧  الإرشاد المسرحي: يخرج بيونديلو وترانيو والتاجر بأسرع ما يستطيعون، والأصل يقول:
Exeunt Biondello, Tranio and Merchant as fast as may be.
وتقول جميع الطبعات عندي بالمعنى الذي أتيتُ به باستثناء طبعة آردن ٢٠١٠م التي تقول في الحواشي إن المعنى «في قيود مشدَّدة أو مقبوضًا عليهم» (securely bound or restrained)، وهو معنًى عجيبٌ لا يتفق مع السياق، فلم تأتِ الشرطة للقبض عليهم وتكبيلهم، بل إننا سرعان ما نلقاهم في حفل الزفاف الأخير في المشهد الثاني من الفصل الخامس. وأمَّا إشارة هودجدون إلى ورود هذه العبارة في كوميديا الأخطاء فتؤكد المعنى الذي جئتُ به، فهي العبارة الإنجليزية نفسها مضافًا إليها كلمة «خائفين» فقط. وعلى هذا تجاهلتُ ما قالت به هودجدون باعتباره من باب السهو والخطأ.
٨  حديث لوسنتو «حقَّق الحبُّ هذه المعجزات» يوحي بأنه سابق الإعداد، فهو يتميز بالضغط الشديد والانتظام العَروضي، الأمر الذي دعاني إلى محاكاته في الترجمة من البحر الخفيف الذي لا يكتمل مذاقه إلا بتقابل الأشطر الثلاثية التفعيلات، وبعض القوافي العارضة. ومن شأن المقارنة أن تُظهر كيف تحايلتُ كي أبسط ما هو مضغوط حتى يتفق مع مصطلح العربية الأصيل.
٩  كان جدْعُ الأنف من أساليب الانتقام المعترَف بها.
١٠  ١٢٩–١٣٢: هذه السطور الأربعة بالعربية تمثل بيتين من بحر الخفيف، وأظن المقارنة مع الأصل الموزون المقفَّى كفيلة بإيضاح منهجي في الترجمة المنظومة. الأصل يقول:
My cake is dough, but I’ll in among the rest,
Out of hope of all but my share of the feast.
والترجمة:
خابَ ما كنتُ أرتجيهِ ولكنْ
سوف أبقى في الصُّحبةِ المُستديمة
ضاعَ كلُّ الرجاءِ عندي ولكنْ
لم يَضِعْ ما رجوتُهُ في الوليمة.
السطر الأول في النصِّ الإنجليزي يتكون من قسمين، أيْ من جملتين بسيطتين ترتبطان بحرف العطف «لكن»، والجملة الأولى معناها خاب أملي أو فشل مشروعي، والتعبير اصطلاحي ويجري مجرى الأمثال His cake is dough (حرفيًّا: فطيرته عجينة) ويوازي هذا معنى الجملة الأولى في السطر الثاني وهي التي تنتهي أيضًا بحرف العطف «لكن»، ولذلك جعلتُ كل قسم من هذين شطرًا مستقلًّا، وأمَّا القسم الثاني من السطر الأول فيفيد أن جريميو لن ينفصل عن الصُّحبة التي اعتادها، ويمهِّد للفكاهة في نظير هذا القسم في السطر الثاني، أيْ إن «نصيبه» في الوليمة محفوظٌ كأنما يعوضه عن خسارة حبيبته! وهكذا حاولتُ محاكاة البناء أيضًا لإظهار رنة الهبوط من مستوى الآمال إلى مستوى الطعام! وهو يخرج هنا ثم يعود في وليمة الزفاف (وانظر الحاشية على ١ / ١ / ١٠٧-١٠٨ عاليه).
١١  ١٣٣–١٤١: تقول هودجدون:

«هذا الحوار يستبق سلوك كاترينا فيما بعد وحديثها الأخير في ٥ / ٢ / ١٤٢–١٨٥. ومن أهم ما نلاحظه هنا أن كاترينا تشير إلى بتروشيو بعبارة «يا زوجي!» (١٣٣) وعبارة «يا حبيبي!» (١٣٩). والحوار الذي يبدأ نثرًا يتطور إلى شعر ركيك ثم يتميز بالقوافي، حتى ينتهي المشهد بعبارات «باهرة»، وهكذا فبعد أن أصبح الترويض حقيقةً واقعة، فربما كان من الممكن أن تنتهي الحبكة وتنتهي المسرحية هنا، وفقًا للتمييز الذي قدَّمه بتروشيو بين السلوك الخاص والسلوك العام (٢ / ١ / ٣٠٨–٣١٧). وإذا كان جروميو قد أحضر الشرطي الذي أُمر بإحضاره، وكان ذلك الشرطي لا يزال واقفًا على المسرح، فربما كان في هذا تفسير لتردُّد كاترينا لتقبيل بتروشيو علنًا» (ص٢٩٠).

١٢  ١٤١-١٤٢: «مهْما يكُن تأخير ما تأتي به … يأتي لنا موفَّقًا»: الأصل يستند إلى مَثَل سائر يقول إن التأخير في الأداء أفضل من عدم الأداء (Better late than never)، وله نظير في الشعر العربي، حيث يقول الشاعر:
غِبتَ عن عَيْني وطالَ الصبرُ حتى شَقَّني
فتأخَّرْ كيفما شِئتَ ولكنْ وافِني
والثاني، أيْ قول بتروشيو إن أوان فعل الخير لا يفوت مطلقًا، يستند أيضًا إلى مَثَل سائر يقول It is never too late to mend وله أيضًا نظير في الشعر العربي، يقول الشاعر:
أسرفْتَ على نفْسِكَ لكنْ
لا تَقْنَطْ من رحمةِ ربِّكْ،
أبوابُ التوبةِ مَفتوحة،
فاستغفِرْ يومًا عن ذنْبِكْ.
وبتروشيو يمزج الفكرتين معًا في سطرٍ واحد هو:
Better once than never, for never too late.
١٣  المفترض أن يفصل بين هذا المشهد والمشهد السابق فاصلٌ زمنيٌّ طويل، وهذا أمر طبيعي حتى في أيامنا هذه، باعتبار أن هذا الفاصل الزمني لازمٌ لإتمام مراسم قِران لوسنتو وبيانكا والاستعداد للوليمة، والملاحظ أن الجميع موجودون هنا وإن لم تنُصَّ الإرشادات المسرحية على ذلك.
١٤  يستعرض لوسنتو طاقته اللغوية من جديد بعد أن عرضها في المشهد السابق، فالبحر الشعري مختلف، ولا تبقى من صور المخاطر وشطِّ النجاة إلا صورة المرفأ (والذي كنتُ أرتجيه أتاني / من نعيمٍ بمرفأٍ من غرامي) (٥ / ١ / ١١٧-١١٨)؛ إذ يقول الآن «فبعد انتهاء الحروب الغضوب يعود ابتسام الشفاه … وننسى المخاطر بعد النجاة.»
(… when raging war is done/To smile at scapes and perils overblown). (2-3)
وفيما عدا هذه الصورة فهو يخاطب المدعوين باعتباره «صاحب الفرح»، ولكنه لم يفقد سذاجته المحبَّبة إذ يخصِّص عدَّة أسطرٍ للحديث عن الطعام والشراب، متباهيًا بكرم أهل بيته أمام والده.
١٥  «إن خفتُ فلن أصبح موضع ثقةٍ أبدًا»: يستند هذا التعبير إلى مَثَل شائع يقول:
Never trust him who be afreard أيْ لا تجعل خَوَّافًا موضع ثقتك.
١٦  «ومَنْ يَكُ رأسُهُ يومًا يدورُ، يظنُّ الأرضَ والدنيا تدورُ»: مَثَل شائع وقد علَّقتُ عليه في المقدمة من زاوية دلالته المباشرة في السياق، والأصل هو:
He that is giddy thinks the world turns round.
وإلى جانب البيت الذي أتيتُ به في المقدمة وهو:
ومَنْ يكُ ذا فمٍ مرٍّ مريضٍ
يجدْ مُرًّا بهِ الماءَ الزُّلَالَا
     أورد مثلًا عربيًّا آخر يبين مدى اتفاقه مع المعنى الذي ترمي إليه الأرملة وهو:
وكمْ من عائبٍ قولًا صَحِيحًا
وآفتُهُ من الفَهْمِ السَّقيمِ
أيْ إن الأرملة تنسب إلى بتروشيو العيب الذي يظنه فيها، وهو ما جعل النقاد يهتمون بهذه المرأة التي لا تحمل اسمًا ومع ذلك تتَّهم بتروشيو الذي يهنئه الرجال على انتصاره بضعف في الاستدلال ما دام ينسب إلى الآخرين أحد مثالبه، أيْ إنها تتَّهمه في قدرته على التفكير السليم. ولعلَّ القارئ يرى سبب استخدامي البحر الوافر في الترجمة.
١٧  التلاعب واضح في لفظ «يحمل المعنى» (conceive) الذي يلتقطه بتروشيو ليشير به إلى حمل المرأة كي يردَّ الإساءة إلى الأرملة.
١٨  لاحظ أن هورتنسو حين يحاول تفسير قول زوجته يزيد الطين بلَّة باستخدام كلمة «صلب» حتى وإن أضاف إليها المعنى، فكأن جوَّ الزواج يفرض هذه الفكاهات.
١٩  تشرح الأرملة ما قالته أولًا لكاترينا ببيتٍ كاملٍ من الشعر الموزون المقفَّى:
زوجُكِ يَلقَى من زوجتِهِ الشرسةِ كلَّ بلائهْ
ويقيسُ هنا حُزْنَ قريني بمقاييسِ عنائهْ
(Your husband, being troubled with a shrew,
Measures my husband’s sorrow by his woe):
ويقول النقاد إن كلمة shrew كانت تُنطق مثل show لا مثل shoe وبذلك فالقافية صحيحة بالإنجليزية، وأمَّا الترجمة العربية فأهم ما فيها — في نظري — تَساوي عدد التفعيلات في البيتين، إذ تستفيد من رُخَص شعر التفعيلة في الشعر العمودي (بحذف تفعيلة واحدة من الخبب التام).
٢٠  «عليك بها» (To her!): المقصود هو التعبير العامي «خش عليه!» أو «خشي عليه!» أو بالعامية المصرية «عليكي بيها!» والتعبير الإنجليزي من مصطلح الصيد، يُقال لتشجيع الكلب على متابعة الفريسة أو الرائحة. والنقاد يعلِّقون على هذه المنازلة النسوية التي يحضُّ عليها الرجال كأنهم في حلبة مصارعة. وانظر المقدمة، حيث أورد آراء مَن يقولون إن بتروشيو فخور بقوة الزوجة التي اقترن بها ويودُّ هنا أن يثبت أن ما كان يُعتبر ترويضًا لم يكُن إلا حفزًا لها على إظهار طبيعتها الحقَّة التي يراها مناسبةً لطبيعته.
٢١  «تطرحها أرضًا» (to put her down): أيْ تغلبها في المجادلة، ولكن هورتنسو يفهم التعبير بمعنى المضاجعة (٣٧) فيردُّ بتروشيو بتعبير قانوني وهو الإشارة للجماع بتعبير حقوق الزوجية أو ما نسميه نحن «الحقوق الشرعية».
٢٢  تتكلم بيانكا بعد طول صمتٍ فيسخر منها حموها قائلًا ما يوازي بالعامية «انت صحيتي؟» أو «صح النوم!»
٢٣  «تناطح بالرأس والعجز» (Head and butt): المعنى الحرفي هو التناطح بالرأس والذيل، ولكن butt هنا مختصر لكلمة buttock؛ أي العجز (وتُجمع بإضافة S) حسبما يقول معجم أوكسفورد الكبير OED n.1 3.
٢٤  المقصود بالقرن هنا الإشارة إلى قرنَي الديوث.
٢٥  ٤٧-٤٨: الإشارة هنا إلى صيد الطيور بالنبل أو ما يُسمَّى قوس صيد الطيور الشبيه بالنبال، فإذا تحرك الطائر كان على الصائد أن يقتفي أثره. وبعض الشرَّاح يصرُّون على استنباط معانٍ خارجةٍ لا يوحي بها أيٌّ من هذه الألفاظ.
٢٦  «فلنتحول للجدِّ الآن»: الأصل Now in good sadness.
٢٧  «وإذا شئت البرهان عليه»: في الأصل تعبير غريب لم يجد الشرَّاح له معنًى، وها هو ذا Sir Assurance وطبعة آردن (٢٠١٠م) تورده مع إضافة ملاحظة تقول إن معظم المحررين المحدثين يقبلون ما جاء في طبعة الفوليو الثانية (١٦٣٢م) من تصحيح هذه العبارة باستبدال for بكلمة sir وهذه هي القراءة التي تأخذ بها طبعة آردن (١٩٨٢م) وطبعة أوكسفورد (١٩٨٢م) وطبعة ماكميلان (١٩٧٥م) وطبعة سيجنت (١٩٦٦م) وطبعة بنجوين (٢٠٠٦م) وطبعة فولجر (١٩٩٢م) ولكن طبعة نيوكيمبريدج (١٩٨٤م) تستبقي القراءة القديمة، وتقدِّم الباحثة آن طومسون حاشيةً بالغة الطول تبريرًا لهذه الغرابة، ثم تذيلها (مثل هودجدون في طبعة آردن ٢٠١٠م) بالنصِّ على أن معظم المحررين يأخذون بقراءة طبعة الفوليو الثانية ١٦٣٢م المُشار إليها استنادًا إلى احتمال وقوع خطأ في قراءة الكلمة لأن حرفَي S وF كانا يُكتبان هكذا مع شرطة صغيرة قد لا تبين في منتصف ذلك الحرف. وإزاء هذا اعتبرت أن الأصل يقول For assurance ويعنى إن أردتَ التأكد من صحَّة ذلك أتيتُك بالدليل القاطع، وهو ما اهتديتُ به في الترجمة.
٢٨  مقدار الرهان (عشرون جنيهًا) يذكِّرنا بما قاله اللورد في المدخل بأنه لو راهن على أحد كلابه بعشرين جنيهًا فلن يخسر الرهان. ويربط النقاد بين الموقفين.
٢٩  «أتحمَّل نصف رهانك»: أيْ إن بابتيستا واثقٌ من أن لوسنتو سوف يربح ولن تأتي كاترينا!
٣٠  «لعبة جميلة» (some goodly jest): النبرة ساخرة، إذ يفيد الكلام عكس المعنى.
٣١  «الأمر يزداد سوءًا»: الأصل تعبير اصطلاحي هو worse and worse.
٣٢  «أقسمت بالمقدَّسات كلها»: الأصل by my halidom، ولكن طبعة الفوليو الأولى تورد هجاءً مختلفًا يكشف عن الاعتقاد الفاسد بأنها تحريف لتعبير holy dame، أيْ مريم البتول وهو الهجاء التالي hollidam، ولكن كلمة halidom تعني المكان أو الشيء المقدَّس، ويقول معجم أوكسفورد الكبير إنها تعني كلَّ ما يعتبره المرء مقدَّسًا (OED 3b)، ومع ذلك فإن طبعة نيوكيمبريدج تطبعها holidame، وتتبعها في ذلك الطبعات باستثناء أوكسفورد. وفولجر وآردن ٢٠١٠م، والطريف أن هيبارد يشرح الكلمة الشاذة في طبعة بنجوين بالعبارة التي وجدتُها في المعجم متبوعةً بالهجاء الصحيح في الهامش، مردفًا بين قوسين كلمة (قداسة).
٣٣  «فاضربيهما ضربًا مبرِّحًا» (swinge me them soundly) والضمير me: هنا من بقايا النحو القديم الذي كان يستخدم مصطلحات اللاتينية، ويطلق على هذا الضمير مفعول الأداة العرفي (ethic dative)، ومَجمع اللغة العربية قرر تعريب اللفظة الأجنبية (داتيف) والمعنى أن هذا المفعول غير مباشر لأنه يفترض وجود أداة (حرف) قبله، وهي في هذه الحالة for، وكان أساتذة اللاتينية يسمونه «القابل»، عند تدريس اللاتينية لنا بالعربية تمييزًا له عن مفعول الأداة الحقيقي، وهو ablative، وربما تغيرت المسمَّيات، ولكن المعنى لا يزال كما هو، أيْ إن me هنا تعني for me كما تقول في العامية المصرية «اضربيهم لي» وتُنطق «اضربي هُمْلي»، واستعمال هذه الصيغة كثير في شيكسبير.
٣٤  «خمس مائة»: عدل المحرر كابل (capell) (١٧٦٨م) الرقم إلى «مائة» حتى يتفق مع قيمة الرهان الذي خسره، ولكن لِمَ لا نفترض أن لوسنتو يبالغ في مقدار ما خسره؟
٣٥  «دع هذا القول الهازل»: الأصل come, come you’re mocking!، والعامية المصرية أقدر على إخراج الدلالة: «لا لا لأ! انت بتهزر!»
٣٦  ١٤٢–١٨٥: خطاب كاترينا الطويل سبق تحليله في المقدمة.
٣٧  ١٨٥-١٨٦: لاحظ القافية بين سطرين يقولهما شخصان مختلفان.
٣٨  ١٨٧-١٨٨: يتعمد لوسنتو أن يأتي بسطرٍ يشترك مع سطر فنشنتو في القافية.
٣٩  ١٩٠–١٩٥: سطور بترويشو الأربعة مقفاة وفقًا للأصل.
٤٠  ١٩٤-١٩٥: تختتم المسرحية بسطرين مقفَّيَين على لسانَي الزوجين الآخرين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤