الفصل الثالث

المشهد الأول

(يدخل كليومينيس وديون.)١
كليومينيس :
الجو ممتع هنا! ما أعذب النسائم الرقيقة! إنَّ الجزيرة
خصبة، وجمال معبدها يفوق مدائح الناس التي اعتدناها.
ديون :
لَسوف أحكي عن أشد ما يأسرني: ملابس القوم «السماوية»٢
— أظن أنَّه يحقُّ لي استعمال هذه الصفة — وما كسا مَن
يلبسونها من الوقار والحشمة! ما أعظم القرابين٣ المُقدَّمة! (٥)
فإنَّها كانت جليلة رزينة، طقوسُها لا تنتمي للأرض!٤
كليومينيس :
أمَّا أنا فإنني فوجئتُ بل صُعِقت
من دوِيِّ صوت صاحب النُّبُوءة الذي
يصم آذان البشر! كأنَّه هزيم رعد صوت الرب جوف!٥
وعندها ظننتُ أنني فنيتُ!٦ (١٠)
ديون :
إن نجحتْ هذي الرحلة، وغدت بُشرى خيرٍ للملكة
ليت الأمر يكون كذلك! وبقدر تمتُّعنا نحن بها — ما دامت
نادرة المَثَل٧ وناجزة وجميلة — كنَّا قد أنفقنا الوقت بما
يجدر أن يُنفَق فيه.
كليومينيس :
فلتقضِ يا أبوللو أيُّها العظيم بالخير العظيم!٨ فالاتهامات التي (١٥)
قد أُلصِقَت علنًا٩ وقسْرًا بالمليكة هرميون
لا تروق لي.
ديون :
السرعة الجبَّارة التي جرت به ستحسِم القضية —١٠
مهما تكن نتيجتها! فعند إعلان الذي احتوته حِكمة العرافة
وهي التي عليها خاتم الرئيس من كهَّان أبوللو (٢٠)
سيعلم الجميع عِلمًا نادر١١ المثال! هيَّا إلى خيولنا الجديدة!
وليْتَنا نأتي بغاية كريمة!

(يخرجان.)

المشهد الثاني

(يدخل ليونتيس مع اللوردات وبعض الضباط.)١٢
ليونتيس :
الحق أنَّ هذه المحاكمة — وفي إعلاننا لها حزنٌ عميق —
تُعارِض الذي في قلْبِنا: فإنَّ من يُحاكَم الساعة
بنت ملك!١٣ وزوجة لنا! وامرأة نحبها حبًّا يفوق الحد!
إنَّا نبرِّئ أنفسنا من تهمة الطغيان،١٤
فقد اتخذنا كل إجراء قضائي١٥ أمام الناس علنًا، (٥)
ولسوف تمضي هذه بالعدل وفق المتَّبَع
كيما تؤدي للإدانة أو تؤدي للبراءة.
فلتُحضِروا المتهمة!
الضابط :
تقضي مشيئة صاحب السمو أن تأتي المليكة للمثول
بشخصها في المحكمة. الصمت! (١٠)

(تدخل هرميون بين الحراس، مع بولينا والوصيفات.)

ليونتيس : اقرأ عريضة الاتهام.
الضابط :
يا هرميون، الملكة، زوجة ليونتيس العظيم ملك صقلية،
أنتِ مُتهمَة رسميًّا بارتكاب الخيانة العظمى، وذلك
بارتكاب الزنا مع بوليكسنيس، ملك بوهيميا، وبالتآمر مع
كميلو على اغتيال مولانا المعظَّم، زوجك الملك المهاب، (١٥)
ولقد توافرت بعض الأدلة التي كشفت عنها الملابسات على
ما قصدت إليه يا هرميون من نقض عهد الإيمان والولاء
الذي يدين به أفراد الرعية المخلصون، بأن أسديت المشورة
لهما، وأَعنْتِهما على الفرار ليلًا طلبًا للسلامة. (٢٠)
هرميون :
ما دمتُ لن أقول غير ما ينفي اتهامي،
وما دامت شهادتي من المحال أن تزيد
عمَّا جاش في صدري،
فلن يُفيد أن أقول إنني بريئة؛
لأنَّكم ستحسَبُون أنَّ صدقي كذب، (٢٥)
ولن تروْا فيه سوى ذلك.
لكنَّني أقول ما يلي: إن كانت القوى العُلوية
ترى فِعال أبناء البشر — وذاك حقٌّ لا جدال فيه —
فإنَّ مشهد البراءة، دون شكٍّ،
سوف يُخجل اتهامي الكاذب. (٣٠)
وإنَّ صبري الجميل سوف يجعل الطغيان يرتعد!١٦
وأنت أعلم الجميع يا مولاي (حتى إن بدا إنكارك)
بأنني التزمت دائمًا بضبط النفس والعفاف والإخلاص!
ولا يجاري ذاك غير حظي الآن من هذي التعاسة،
التي تزيد عمَّا تستطيع قصة١٧ تصويره أو يستطيع ذهن (٣٥)
ابتكاره لِسلب ألباب المشاهدين في المسرح! انظر إليَّ الآن!
إنني شريكة الفراش الملكي … ولي كذاك بعض عرش المملكة،١٨
ووالدي ملكٌ عظيم١٩ … وابني الأمير مَعقِدُ الآمال،
لكنني هنا وقفت للحديث والدفاع دون طائل
عن الحياة والشرف! أمام كل من يريد أن يأتي ويستمع! (٤٠)
أمَّا الحياة فإنَّ تقييمي لها يوازيها مع الحزن
— والاستغناء عنهما لديَّ وارد — أمَّا الشرف
فإنني أصونه وحده … فإنَّه لنابع مني مُورَّث لمن أُنجب!
إنِّي أخاطب ما لديك من ضميرٍ سيدي! قل كيف كان
موقعي لديك قبل أن يحلَّ بوليكسنيس في قصرك؟ (٤٥)
أعلِن مدى تقديرك الشديد لي، وكيف كنت أستحقه!
ومنذ أن أتى: قل لي بأي فعلٍ غير لائقٍ
أخطأت حتى أستحق أن أبدو كذلك؟ لو كنت قد
تجاوزت الحدود الصارمات للشرف … ولو بخطوة واحدة،
أو كنت قد فعلت أو قصدت ما يمسُّ ذلك الشرف؛ (٥٠)
فليقْسُ كل قلب في صدور السامعين لي!
بل فليقف أهلي وأقرب أقربائي فوق قبري،
وليصيحوا: «تبًّا لها تبًّا!»
ليونتيس :
لم أسمع يومًا أنَّ خطايانا المرتكَبة دون حياء
ينقصها إنكار الأفعال المرتكَبة من قبلُ بكل وقاحة! (٥٥)
هرميون : ذاك صحيح يا مولاي، ولكن لا ينطبق عليَّ.
ليونتيس : أفلن تعترفي به؟
هرميون :
لن أعترف بأية أخطاء لم أقربها،
حتى لو كان المنسوب إليَّ يُسمَّى أخطاء!
أمَّا عن بوليكسنيس — من أُتَّهم الآن بأني
خنتك معه — فأنا أعترف بأنِّي أضمرت ودادًا (٦٠)
للرجل، كما يُملي الشرف ويملي موقعه السَّامي،
وهو ودادٌ مفترَض ويليق بمنزلتي السَّامية فقط!
كانت تلك حدود ودادي له … ما زادت عن ذلك،
بل ذلك ما كنتَ أمرتَ به أنتَ، ولو كنتُ (٦٥)
تقاعستُ أنا لَبَدَا ذلك عصيانًا وجحودًا
نحوك، وكذلك نحو صديقك!٢٠ إذ إنَّ وداد الرجل تكلَّم
منذ تعلَّم ذاك الرجل النطق رضيعًا، وتغنَّى
بالحب بلا حدٍّ لك. أمَّا عن دعوى تدبير مؤامرة؛
فأنا لا أعرف للفكرة أي مذاقٍ، (٧٠)
حتى إن كانت قد قُدِّمت الآن على طبقٍ لي كي أتذوقها!٢١
لا أعرف إلا أنَّ كميلو كان أمينًا وشريفًا!
أمَّا أسباب مغادرة الرجل لقصرك،
فمحال أن تعرفها الأرباب؛
إذ لا تعرف أكثر مما أعرف. (٧٥)
ليونتيس :
بل كنت تعرفين أنَّه سيرحل! وتعرفين ما عاهدته
على القيام به … أثناء غيبته.
هرميون :
يا سيدي! لا أستطيع فهم هذه اللغة!
وروحي تحت رحمة الأحلام والأوهام في رأسك!
ولسوف أسلمها لديك رهينة! (٨٠)
ليونتيس :
ما أحلامي إلا أفعالك!
فلقد أنجبتِ هنا من بوليكسنيس نغيلة،
لكن لم يحدث ذلك إلا في حلم من أحلامي! وكما لا
تعترفين بخجلٍ قط، شأن جميع المقترفين لزلَّتك، فإنَّك لا
تعترفين بأي معانٍ للصدق! لم تهتمين بإنكار الأمر بأكثر مما (٨٥)
يجدي الإنكار؟ إنَّا أقصينا طفلتك، كما يجب علينا إقصاؤك،
ما دامت لا تجد أبًا يعترف بها! جُرمك في الواقع أكبر من
جرم الطفلة! ولَسوف تُحِسِّين بِعدْلي؛ إذ تقضي أهون صوره …
ألَّا تنتظري غير الموت!
هرميون :
وفِّر تهديداتك يا مولاي! أنت تحاول أن ترهبني، (٩٠)
لكني أطلب ذاك البعبع!٢٢ لا قيمة لحياتي عندي.
أمَّا تاجي وهناء حياتي برضائك عني،
فأنا وطَّنتُ النفس على فقده؛
إذ أشعر حقًّا برحيله … حتى إن لم أك أعلم كيف رحل!
أمَّا فرحي الثاني، أي أول ما أخرج جسدي من ثمرات، (٩٥)
فأنا أُمنَع من لُقياه مثل مريض ينقل عدوى مرضه.
أمَّا فرحي الثالث … من يرصدها أشأم كوكب نحسٍ …
فلقد حُرِمَت من ثديي … من رضع براءة لبني
في شفتيها، بل سيق بها للقتل العمد!
وأنا نفسي … يُعلَن في الطرقات على كل عمود (١٠٠)
أنِّي عاهرة! وكذا أُحرم بكراهية متناهية من
فترة الاستجمام المطلوبة بعد الوضع،
حتى إن كانت حقًّا لنساء الأرض جميعًا من شتى الألوان!
وأخيرًا أُقتاد على عجلٍ لمكاني هذا غير المسقوف٢٣
من قبل استرداد القوة في فترة الاستجمام المذكورة. (١٠٥)
قل يا مولاي إذن: ما النعم أمامي في هذي الدنيا، إن عِشتُ،
بحيث أخاف الموت؟ وإذن سيروا في الإجراءات.
لكنِّي أبغي الإصغاء لهذا: إيَّاكم أن يلتبِس الأمر عليكم!
إنَّ حياتي تلك قُلامة ظفرٍ٢٤ في نظري،
لكنِّي أبغي أن أثبِت شرفي! لو كنتُ هنا سأدان على (١١٠)
أسس الظن وحسب، ما دامت كل أدلتكم نائمة،
لم يستيقظ منها إلا غيرتكم، فأقول لكم هذا عسفٌ،
لا قانون!٢٥ يا أصحاب الرفعة أجمع!
إنِّي أستند إلى ما تأتي العرافة به،
وليكن الرب أبوللو القاضي في أمري! (١١٥)
لورد ١ :
مطلبك يُمثِّل كل العدل؛ وإذن جيئوا بكلام العرَّافة،
من تنطق باسم الرب أبوللو!

(يخرج بعض الضباط.)

هرميون :
قد كان والدي إمبراطورًا على روسيا،
يا ليته يعيش بيننا ويشهد الذي تلقاه
بنته التي تُحاكم! وليته يرى اشتداد شقوتي٢٦ (١٢٠)
بأعين ترثى لحالي لا بأعين انتقام!

(يدخل الضباط مع كليومينيس وديون.)

الضابط :
قِف يا ديون، وقِف هنا كليومينيس!٢٧
ولتحلِفا اليمين صادقة على سيف العدالة هذا!
قُولا بأنَّكما ذهبتما معًا إلى دِلفوس، وقد أتيتما
بهذه الرسالة المطوية المختومة … ومن يد الكبير من كُهَّان (١٢٥)
أبوللو! ولتحلفا بأنَّ أيًّا منكما لم يجترئ بأن يفضَّ
الخاتم المقدس! أو يقرأ الأسرار في الرسالة.
كليومينيس وديون (معًا) : حَلفنا اليمين على كل ذلك.
ليونتيس : فُضَّ الأختام إذن، واقرأ.
الضابط (يقرأ) :
هرميون عفيفة، وبوليكسنيس بريء، وكميلو من (١٣٠)
أبناء الرعية المخلصين، وليونتيس طاغية غيور، وابنته البريئة
من صُلبه، وقُضيَ على الملك أن يعيش دون وريثٍ إذا لم يُعثَر
على مَن فُقِد.
اللوردات : بوركت يا أبوللو الأعظم!
هرميون : والحمد لك!
ليونتيس : فهل قرأت حقًّا ما كُتِب؟ (١٣٥)
الضابط : نعم قرأت يا مولاي حقًّا ما كُتِب.
ليونتيس : لا حقَّ إطلاقًا بما كُتِب! واصِلوا الجلسة … فإنَّه لَزيفٌ محض!

(يدخل خادم.)

الخادم : أمولانا المليك … أيها المليك!
الملك : ماذا حدث؟
الخادم :
يا سيدي! لَسوف تكرهني إذا أبلغتك! إنَّ الأمير ولدك (١٤٠)
تمكَّنت منه هُمُومه وخوفه على الملكة … فرحل!٢٨
يا ليْتَه يعيش بيننا ويشهد الذي تلقاه.
الملك : وما معنى رحل؟
الخادم : مات!
ليونتيس :
هذا أبوللو غاضب! وهذه السماء نفسها تجازيني على ظُلمي! (١٤٥)
(تسقط هرميون مغشيًّا عليها.)
ماذا جرى؟
بولينا : قَضَى على المليكة النبأ! فأبصروا أربابنا٢٩ ما يفعل الموت هنا!
ليونتيس :
فلتُنقَل فورًا! قلب المرأة أثقله الكرب وحسب. ستُفيق!
إني آمنت فأسرفتُ بصدق شكوكي! أتوسَّل لكمو أن
تعطوها بعض عقاقير تشفيها. (١٥٠)
(تخرج بولينا والوصيفات حاملات هرميون مع الخادم.)
اغفِر أبوللو تدنيسي البالغ لقداسة حُكمك! أعتزِم الآن بأن
أتصالح مع بوليكسنيس، وأجدِّد خَطب وداد قرينتنا،
واستدعاء كميلو كي أعلن أنَّ الرجل تميَّز بالإخلاص
وبالرحمة! إذ إنَّ الغيرة أدَّت بي للشطط، وجاءتني بالتخطيط
لسفك الدم والثأر لنفسي؛ فاخترت كميلو لمساعدتي في (١٥٥)
دسِّ السم لبوليكسنيس صديقي! كان من الممكن أن يحدث هذا
لولا أنَّ الخير بنفس كميلو أخَّر تنفيذ أوامري العاجلة.
وبرغم التهديد له بالقتل إذا لم يفعل، والتشجيع له بمكافأة
إن أفلح، فلقد غَلَبَته الشفقة ونوازع شرفه،
— إذ هو رجل يعمره الشرف الحق — فأفضى بالتدبير إلى (١٦٠)
ضيفي الملكي، نابذًا الموقع والأملاك هنا … وهي عظيمة،
وبذلك عرَّض للأخطار الحقَّة نفسَه! بل لم
يعُد اليوم من الثروة غير الشرف بيده!
كم يلتمع ويبرق درع الرجل خلال الصدأ الملقى
بيدي فوقه!٣٠ بل كم يجعل ورع الرجل فِعَالِي (١٦٥)
تبدو أحلكَ وأشدَّ سوادًا!

(تدخل بولينا.)

بولينا :
الآن أقول لكم نُوحُوا وابكوا! أرجوكم
قَطْعَ مِشدِّيِ من حول الجسد٣١ وإلا مزَّقه قلبي فتحطَّم!
لورد ١ : ما هذا الخبل أيا ذات الكرم؟
بولينا :
أيَّة آلاتٍ دِبَّرتَ هنا يا طاغية٣٢ لتعذيبي؟ (١٧٠)
أيَّة عجلاتٍ ومشدَّات للجسم وتحريق للبشرة؟
هل تسلُخُ جلدي وأنا أحيا، أم تكويني برصاصٍ
مصهورٍ أو زيتٍ يغلي؟ أي طرائق تعذيبٍ مستحدَثة،
أو قَدُمَ العهد بها كُتِب عليَّ تحمُّلها؟٣٣ ومذاق الكلمات
جميعًا ينضح بأشد نكالك قسوة؟ طغيانك٣٤ مُقترِن (١٧٥)
بضروب الغيرة في صدرك، وبأوهامٍ أضعف من
أن تخطُر للصبيان! وسذاجتها وفجاجتها أستنكرُها
حتى عند بناتي! أُوَّاه، انظر ما فعلتْ هذي فينا
ثم افقِد بالحق صوابك بل بِتْ مجنونًا دون مِرَاءٍ؛
إذ لم تك كل حماقات سابقة غير بوادر تُنذِر به! (١٨٠)
ليس بشيء أن خُنتَ صديقك بوليكسنيس؛
إذ لم يُثبِت ذلك إلا أنَّك ذو حُمقٍ قُلَّبُ،
وجحود ملعون! وكذلك لم يك ذا بالٍ
تدبيرك كي تزهق بالسمِّ الشَّرف الحق لكميلو
— بالدفع به حتى يقتل ملكًا — بل لم يك إلا زلَّاتٍ هيِّنة (١٨٥)
إن قيس بما هو أفظع منه وأبشع!٣٥
من ذلك في نظري نبْذُ ابنتك الطفلة للغربان؛
إذ أحسبه لممًا أو لا شيء! حتى إن
يكن الفعل ليجعل شيطانًا في لهب جهنم
يذرف دمع الشفقة قبل أدائه! لا! بل لا (١٩٠)
تُعتبَر مباشرة سبب وفاة ابنك وأمير القصر الأصغر؛
إذ إنَّ الفكر السامي في رأسه — فكرٌ أسمى مما يُعهَد
في هذي السنِّ الغضَّة — فَطَرَ فؤاده!
عزَّ عليه أن يشهد والده الأحمق ذا الغِلظَة
يهبط فيلوِّث شرفَ قرينته ذات العصمة! (١٩٥)
كلا! لا تُسأل أنت مباشرة عن ذلك! بل
تُسأل عمَّا حدث أخيرًا! إن أكملتُ حديثي٣٦ نُوحُوا
يا لوردات! نُوحُوا وابكوا! فالملكة — تلك الملكة —
أحلى وأعزُّ المخلوقات جميعًا … ماتت!
والثأر لها لم يتحقق بعد! (٢٠٠)
لورد ١ : لا قَدَّرَتِ الأرباب العليا!
بولينا :
قلتُ الملكة ماتت. أُقسمُ هذا حق، وإذا لم يُفلِح
لفظٌ أو قَسَمٌ فليذهب مَن يرغب ويُعاين! إن يقدر أحدٌ
أن يُرجِع لِلشَّفة اللون أو اللَّمعة للعين، أو يُرجِع للجسم
حرارته، والأنفاس بداخله؛ فسأعبده كالأرباب! (٢٠٥)
لكن لا تُبدِ الندم أيا طاغية على هذي الأفعال، فلن تُقبَل
منك التوبة مهما ثقُلت أحزانُك! وإذن لا شيء أمامك،
إلا أن تيأس! إنَّك إن تركع آلاف الركعات، وتُخلص
في التكفير هنا عشرة آلاف سنة … بالصوم وتعرية الجسد
على جبلٍ أجرد في جوِّ شتاء لا يتغيَّر، وعواصف لا تهدأ؛ (٢١٠)
لن تقدر أن تستعطِف تلك الأرباب لِتنظُر ناحيتك!
ليونتيس :
فلتستمري! واصلي الحديث … لن تُجاوزي الحدود مهما قلتِ!
فإنني لأستحق من لسان كل فردٍ كلَّ حنظلٍ وعلقم!
اللوردات (إلى بولينا) :
بل كُفِّي! مهما يكن مصير هذا الأمر،
فأنتِ قد أخطأتِ بالصراحة الجسور في كلامك. (٢١٥)
بولينا :
إني لآسفة على هذا. إنِّي أُقدِّم اعتذاري الآن عمَّا قد
وقعتُ فيه من أخطاء حالما أعرفها. أقول وأسفاه!
إني كشفتُ في جلاءٍ صارخٍ عمَّا يكون في النساء من رُعُونة!
لقد مسستُ هكذا شغافَ قلبه النبيل.
لكنَّه لا ينبغي الأسى على ما فات واستحال تغييره! (٢٢٠)
(إلى ليونتيس) أرجوكَ لا يحزنك ما ذكرته عن القنوط!
بل إنني أرجوكَ إنزال العقاب بي … لأنني ذكَّرتُك الساعة
بما عليكَ أن تنساه! يا سيدي الملك العظيم اصفَحْ
عن امرأة بدت منها بلاهة! فالحب في قلبي لزوجتك المليكة –
عجبًا أعود إلى البلاهة! لن أعود لذكرها أو ذكر أطفالك! (٢٢٥)
وكذاك لن أُذكِّرك … بزوجي المفقود أيضًا!
فلتعتصم بالصبر إنِّي لن أزيد عمَّا قُلتُه.
ليونتيس :
لَمْ تُحسِني الحديث إلا عندما صدقتِ في الإفصاح لي
عن الحقيقة. إنِّي إلى حدٍّ بعيد أُوثِرُه
على أن تُشفقي وترثي لي. أرجوكِ دُليني على (٢٣٠)
جثمانيْ الغلام والمليكة؛ إذ إنَّني أريد دفنهما معًا!
ولَسوف أكتب فوق قبرهما الموحَّد ما
يؤكِّد من تسبَّب في وفاتهما؛
حتى يُجلِّلني عَاري إلى الأبد!
ولَسوف آتي إلى المعبد٣٧ الذي يحويهما في كل يوم، (٢٣٥)
ومُسرِّيًا بالدمع عن نفسي هناك!
إنِّي لأقسم إنَّني ما دام لي جسد يطيق
زيارة الأحباب لن أنفكَّ أغشاه على مرِّ الزمن!
هيَّا بنا نذهب! فتأخذيني الآن من فوري إلى
حيث استقرت هذه الأحزان.٣٨ (٢٤٠)

المشهد الثالث

(شاطئ مهجور في بوهيميا. يدخل أنتيجونوس حاملًا الطفلة مع الملَّاح.)٣٩
أنتيجونوس :
هل أنت واثق إذن من أنَّ مركبنا رسا
بالشاطئ المهجور في بوهيميا؟
الملاح :
نعم، ولكنَّي أيا مولاي أخشى أن يكون وصولنا قد جاء
في وقتٍ عصيبْ! إنَّ السماء مكفهرة وتنذر بالعواصف.
إنَّي لأومن٤٠ أنَّما الأرباب٤١ غاضبة على ما نفعل (٥)
وتجهمت لنا.
أنتيجونوس :
لا رادَّ للمشيئة المقدسة! اركب إذن سفينتك.
ولْتَرعها فلن أغيب عنك ها هنا لفترة طويلة.
الملاح :
أسرِع بقدر طاقتك. لكنِّني أرجوك ألا تبتعد؛
فإنَّني أرى بوادر العواصف الرعدية! (١٠)
أضِف إلى هذا اشتهار ذلك المكان بالوحوش الضارية.
أنتيجونوس : اذهب أنت، ولا ألبث أن ألحق بك.
الملاح : كم يُسعدني أن أتخلَّص من هذا الموضوع.

(يخرج الملاح.)

أنتيجونوس :
هيَّا بنا يا طفلة مسكينة! إني سمعت ولم أصدِّق
بأنَّه قد تنهض الأرواح من أجساد من ماتوا وتمشي بيننا!٤٢ (١٥)
إن صحَّ ذاك فإنني في الليلة البارحة … رأيت أمك! وما
شهدت في الأحلام حلمًا يشبه الواقع أو كالصحو مثله.
كانت تجيئني برأسٍ انحنى لجانبٍ حِينًا،
أو انحنى للجانب الآخر حِينًا.
ولم أشاهد قط مثل هذا الحزن في إنسان. (٢٠)
فالحزن كان غامرًا وناطقًا بجمالها. أثوابها بيضاء ناصعة،
كأنَّها القداسة عينُها! جاءت إليَّ حيث كنت راقدًا بغرفتي،٤٣
ثم انحنت ثلاث مرات أمامي. تلاحقت أنفاسها في جُهدها
للبدء في حديثٍ ما؛ وإذ بعينيها وقد تحوَّلتا إلى
نبعيْن دافقين للدموع. وعندما استعادت الثبات قالت: (٢٥)
«يا أيها الكريم أنتيجونوس اسمع! ما دامت الأقدار
قد غلبت طبيعة الخير الكريم فيك،
وكلَّفتْك بالخلاص من بنتي الصغيرة —
أن تَنبُذَ المسكينة النبذ الذي تقضي به يمينك التي حلفتها —
هنا بأقصى بقعة في الأرض في بوهيميا، (٣٠)
فلتبكِ فيها، واترك الصغيرة تبكي! وما دمنا
نَعُدُّ البنت قد فقدت إلى الأبد … أرجوكَ أن تُسمِّيها
هُنا برديتا، أي المفقودة!٤٤ ولقاء قسوة ما جنت يداك
— حتى بتكليفٍ من المليك — لن ترى من بعد هذا اليوم
بولينا قرينتك!» وهكذا وسط الصراخ ذابت في الهواء! (٣٥)
وانتابني خوفٌ شديدٌ أولًا … لكنني لملمتُ بعد حين
جاهدًا شتات نفسي … وقلت كان ذاك واقعًا،
ولم يكن منامًا … فإنَّما الأحلام تُرَّهات!
لكنَّما في هذه المرة — وإن يكن في ذاك تصديقٌ
لبعض خُرافة — سأهتدي بما قالته! إنِّي لأومن (٤٠)
أنَّ هرميون قد ماتت،٤٥ وأنَّ هذي الطفلة الصغيرة
بنت بوليكسنيس … ولذاك شاء أبوللو بأن تُلقى هنا —
إمَّا لِتلقَى الموت أو تحيا —
في أرض والداها الحقيقي.
يا أيها البرعم!٤٦ كُتِبَت لك السلامة! (٤٥)
(يلفُّ الرضيعة في وشاحٍ، ويضع معها صندوق
نقود وبعض الخطابات.)
فلترقدي هنا! وهذه خطابات٤٧ ما هويتك! وهذه
النقود قد يُعين بعضها — إن شاءت الأقدار — من يرعاك حتى
تكبري جميلة٤٨ وبعضها من حقِّك.٤٩ هذي بداية العاصفة!
(يدوي هزيم الرعد.)٥٠
الآن يا مسكينة صغيرة! قد أخطأت أمك …
وتدفعين أنتِ الثمن! (٥٠)
فقد غدوتِ عُرضة للفقد،٥١ والذي قد يتبعه! لا أستطيع أن أبكي
لكنَّ قلبي يَدمَى! حلَّت عليَّ أشدُّ لعنة لأنني
أُمرت بل حَلفتُ أن أفعل هذا. حان الوداع!
الجو يزداد عبوسًا! أظن عاصفة مزمجرة غدت
أرجوزة النُّعاس لك! لم أشهد السماء معتمة لهذا الحد بالنهار! (٥٥)
(يسمع قصف الرعد ونباح الكلاب وأبواق الصيد.)٥٢
هذا ضجيجٌ وحشي!٥٣ يا ليتني أصِل السفينة سالمًا!
(يشاهد الدب.)
الآن قد بدأ الطِّراد!٥٤ قد ضِعت هكذا إلى الأبد!٥٥٥٦
(يخرج والدب من خلفه يلاحقه.)٥٧

(يدخل أحد الرعاة.)

الراعي :
أتمنى أن ينتقل المرء مباشرة من سِنِّ العاشرة إلى الثالثة
والعشرين، أو أن ينام٥٨ السنوات التي ما بينهما! إذ لا يحدث (٦٠)
في هذه السنوات إلا التسبب في حمل فتاة، أو الإساءة إلى
الكبار،٥٩ والسرقة، والمشاجرة! استمعوا الآن بوضوحٍ: هل
يقدِم سوى ذوي العقول الفاسدة في سن التاسعة عشرة
والثانية والعشرين على الصيد في هذا الجو؟ لقد أخافوا اثنين
من أفضل أغنامي٦٠ فشردا، وأخاف أن يجدها الذئب قبل
صاحبهما … لو استطعت أن أجدهما في أي مكان فسأجدهما (٦٥)
على الشاطئ، يعتلفان باللبلاب. هبني يا رب حظًّا حسنًا إن
قضت مشيئتك!٦١
(يشاهد الرضيعة.)
ما هذا؟ ارحمنا يا رب، وليد! وليد بالغ الجمال! ولد أم بنت
يا تُرى؟ وليد جميل، بل بالغ الجمال، لا شك أنَّه ثمرة زلة بين (٧٠)
حبيبين! إنني، وإن لم أستطع أن أقرأ أو أكتب، أستطيع أن
أقرأ أنَّ الزلة زلة وصيفة كريمة المحتد. كان هذا ثمرة لقاء
على الدَّرج، أو في خزانة ملابس، أو خلف باب مغلق! ولا
شك أنَّهما كانا ينعمان بالدفء أكثر من هذا الوليد المسكين.
سوف أحمله من باب الشفقة، لكنني سأنتظر حتى يأتي (٧٥)
ابني. كان يناديني منذ لحظة، أين أنت؟

(يدخل المهرج.)

المهرج (من بعيد) : ٦٢ أنت هناك … مرحبًا!
الراعي :
عجبًا! أنت قريب مني؟ أقبل! تعال إن كنت تريد أن ترى
شيئًا سيظل يذكره الناس بعد أن تموت ويتحلل جسمك. ما
خطبك يا رجل؟ (٨٠)
المهرج :
رأيت مشهدين مؤلمين، أحدهما في البحر، والآخر على البر!
لكنني لا أستطيع أن أقول إنَّه البحر، فإنَّه أصبح الآن سماءً!
لا تستطيع أن تَدُسَّ ما بينه وبين السماء طرف إبرة!
الراعي : عجبًا يا رجل! وكيف كان ذلك؟ (٨٥)
المهرج :
ليتك رأيت وحسب مقدار غضبة البحر ومقدار ثورته،
وكيف كان يبتلع الشاطئ! لكن هذه ليست القضية. أُواه
كم كانت صرخات المساكين مؤلمة للقلب! أحيانًا كنت
تراهم ثم لا تراهم! أحيانًا ترى طرف سارية السفينة وهو
يخترق القمر، وسرعان ما يبتلعه رغاء البحر وزبده! مثلما (٩٠)
تضع قطعة من الفلين في برميل جِعَةٍ فتغطس وتطفو! وأمَّا
ما حدث على البر، فقد شاهدت كم يمزق الدب عظم كتف
الرجل، وكم صاح بي طالبًا العون! كان يهتف أنَّ اسمه
أنتيجونوس، وأنَّه من النبلاء! ولكن دعني أستكمل قصة
السفينة، وأصف كيف ابتلعها البحر مثلما تُبتلَع زبيبة! ولكن (٩٥)
أولًا كم كانت أصوات المساكين تعلو هَادِرَةً، وكم سخر
البحر منهم،٦٣ وكم جأر الرجل النبيل بالشكوى، وكم سخر
الدب منه! كان هديرهما معًا٦٤ يعلو على هدير البحر والجو
العاصف.
الراعي : باسم الرحمة٦٥ متى كان هذا يا ولدي؟ (١٠٠)
المهرج :
الآن الآن! لم تطرف لي عين٦٦ منذ رأيت المشهدين معًا! لم تبرد
أجسام الرجال بعد تحت سطح الماء، ولم ينته الدب من
التهام نصف الرجل النبيل، إنَّه منهمك في ذلك الآن!
الراعي : ليتني كنت قريبًا حتى أساعد الرجل الهَرِم!٦٧ (١٠٥)
المهرج :
بل أتمنى لو كنت قريبًا من السفينة حتى تساعدها! ولكنَّك
لم تكن لتستطيع بكل خيرك وإحسانك السير على قدميك
فوق الماء!
الراعي :
أنباء أليمة ثقيلة الوطأة. ولكن انظر معي هنا يا ولدي. قل
إنَّ الحظ ابتسم لك! فلقد قابلت أنت هناك أناسًا تموت (١١٠)
ووجدتُ أنا هنا حياة وليدة!٦٨ هذا مشهد يرضيك. انظر هنا!
وِشاح تعميد٦٩ لوليد أحد السادة! (يشير إلى الصندوق.)
وانظر هنا أيضًا! ارفع الصندوق يا ولدي! ارفعه وافتحه.
ولنبصر ما فيه. قالت الجنيات لي إنني سوف أغتني. وليد
جميل اختطفته الجنيات لنا!٧٠ افتح الصندوق! ماذا فيه يا (١١٥)
ولدي؟
المهرج (يفتح الصندوق) :
ضَمِنتَ الثراء أيها العجوز! لو غُفِرت
خطايا شبابك٧١ فسوف تعيش في نعيم. إنَّه ذهب! بل كله
ذهب!
الراعي :
هذا ذهب الجنيات يا ولدي! سَيَصدُقُ ما تَنَبَّأت به. هيا (١٢٠)
احمله ولا تُفشِ السر! ولنذهب إلى المنزل من أقرب طريق.
لقد أسعدنا الحظ يا ولدي! وإذا أردنا دوام السعد لا بد من
الحفاظ على السِّرية. فلتذهب غنمي كيف شاءت!٧٢ هيا أيها
الولد المطيع، إلى أقرب طريق للمنزل.
المهرج :
اذهب أنت من أقرب طريق مع ما عثرت عليه، أمَّا أنا (١٢٥)
فسأمضي لأرى إن كان الدب قد ترك الرجل النبيل، وكم
التهم من جسمه. لا تتوحش هذه الدببةُ أبدًا إلا إذا جاعت.
لو كان قد بقي من الرجل شيء سأدفنه.
الراعي :
هذا عملٌ من أعمال الخير، لو استطعت أن تعرف مما بقي منه (١٣٠)
هويته فخذني حتى أراه.
المهرج : قسمًا لأفعلنَّ، وعليك مساعدتي في إنزاله القبر.
الراعي : هذا يوم سعد يا ولدي، وسوف يدفعنا إلى فعل الخير. (١٣٥)

(يخرجان.)

١  المنظر: نحن لا نزال في صقلية، وقد وصل كليومينيس وديون كما سمعنا في آخر الفصل الثاني، ولكنهما يتوقفان في محطة للراحة حيث يركبان خيولًا جديدة (٢١) وينطلقان مسرعين إلى البلاط.
٢  «ملابس القوم السماوية»: نقلتُ الصفة حرفيًّا دون أدنى تفسير لأنَّ ديون نفسه غير واثق من صحتها (celestial) وكيرمود لا يضيف شيئًا حين يقول heavenly وأما القول بأنَّ المعنى هو «دينية» أو «رائعة» فتأويل في نظري لا مبرر له.
٣  «القرابين» من الصعب القطع إن كانت وثنية أو مسيحية، ما دام شيكسبير يخلط في المسرحية بينهما. فقد تكون قرابين وثنية «تُحرَق» وقد تكون «أضحيات» ينحصر معناها في رمزيتها.
٤  «لا تنتمي للأرض» (unearthly) عجبت من وجود هذه الكلمة ذات المعاني الحديثة التي لا تناسب هذا السياق (مفزع مروع) أو مثل قولك what an unearthly hour! أي يا لها من ساعة غير مناسبة من الليل! (أو حتى الخارق أو الفذ) فرجعت إلى المعجم، فوجدتُ أنَّ شيكسبير أول من أدخلها في اللغة الإنجليزية، فاحتفظت لها بالمعنى الأصلي الذي قصده الشاعر.
٥  (١–٩) يشير باحث إلى أنَّ وصف دلفوس يتضمن تفاصيل مُستعارة من ملحمة الإنيادة لفيرجيل.
٦  (٩-١٠) الرعد تقليديًّا يقترن بصوت الأرباب، وهو ما يعود إليه ميلتون في «الفردوس المفقود» حتى في سياق مسيحي صرف.
٧  «نادرة المثل» (rare) من كلمات شيكسبير المفضَّلة.
٨  هذا السطر يمثِّل الصورة الوثنية لما أتت به الأديان السماوية من أنَّ الله رب الخير بِيَدِكَ الْخَيْرُ (٢٦، آل عمران).
٩  «ألصقت علنًا» كاللافتات الحديثة في المدن أو الأوراق المطبوعة التي تُسمَّى «ملصقات».
١٠  المعنى الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو «بل إنَّ ما قُمنا به بسرعة جبارة سيحسم القضية» ولكن المعنى الآخر المتفق مع السياق، ويقول به الشُّراح هو أنَّ التعجُّل الشديد في توجيه الاتهام والمحاكمة من شأنه حسم القضية بسرعة؛ أي إنهما يعترضان على تعجل ليونتيس. ومعنى هذا التفسير أنَّ ديون ينتقل إلى فكرة أخرى في العبارة التالية، وإن كانت مرتبطة بالأولى، وعلى أيَّة حال، فإنَّ الجملة الرئيسية هي هذه الثانية، مهما يكن مقصده من الأولى. لاحِظ أيضًا أنني التزمت في الترجمة بظاهر النص الذي يساند المعنى الثاني مهما يكن به من غموض.
١١  يعود شيكسبير إلى كلمته المفضَّلة (rare) في هذا السطر، وقد أصررت على نقلها حرفيًّا.
١٢  هذا مشهد المحاكمة الشهير، وللمخرج حرية اختيار المكان كأن تكون قاعة العرش أو مكانًا آخر «غير مسقوف»، وإن كنت أستبعد ذلك لأنَّ المحاكمة تُجرى في الشتاء.
١٣  «بنت ملك» وهو إمبراطور روسيا (السطر ١١٨) وانظر أيضًا السطر ٣٨.
١٤  انظر السطر ٢ / ٣ / ١١٥ والحاشية عليه أعلاه.
١٥  ليونتيس يستخدم ضمير الجمع الملكي تأكيدًا لسلطته الملكية وتذكير الحضور — رسميًّا — بأنَّ المحاكمة تجري في محكمة الملك نفسه.
١٦  «يرتعد» أي يرتعد خوفًا من جَلَدِي وإيماني بالعناية الإلهية. وما ترجمته بالصبر الجميل (patience) يفيد هذا وذاك معًا.
١٧  «قصة» تعني ما يُقَص من حوادث الماضي أي التاريخ.
١٨  «بعض عرش المملكة» الكلمة الإنجليزية moiety تعني النصف، ولكن هذا هو المقصود.
١٩  «ووالدي ملك عظيم» انظر الحاشية على ٣ أعلاه.
٢٠  (٦٦-٦٧) أي عصيانًا لك وجحودًا لصديقك.
٢١  (٧٠-٧١) ترجمتُ الصورة حرفيًّا لطرافتها.
٢٢  «البعبع» كلمة عامية أشد تأثيرًا من كلمة غول، ترجمة للإنجليزية bugbear التي يكتبها شيكسبير bug فقط، والمقصود bogey أو أي مخلوق شائه مخيف يستخدمه الكبار في تخويف الأطفال.
٢٣  «غير المسقوف» أي في الهواء الطلق، وكان المعتقَد أنَّ ذلك مُضِر بمن وضعت طفلها قبل فترة قصيرة.
٢٤  «قلامة ظفر» هي المعادل في ثقافتنا لتعبير a straw أي قشة، والتعبير الجاري (للآن) I don’t give a straw يوازي I don’t care a fig وغيره.
٢٥  «هذا عسف لا قانون» (Tis rigour, and not law) وقفت حائرًا أمام كلمة rigour فالمعنى المعتاد الذي نعرفه هو الشدة والصرامة، والتعبير الشائع with the full rigour of the law يعني بكل ما للقانون من قوة مُلزِمة، وتعبير rigour of the law يتكرر عند شيكسبير، ولكن المقابلة بين الكلمتين الإنجليزيتين غير شائعة عنده، والشُّراح يشرحون الكلمة المشكل بأنَّها «طغيان»، بلا استثناء، ولكن الطغيان له كلمة أخرى ودلالة تختلف بعض الشيء عن دلالة هذا اللفظ بعينه. واهتديت آخر الأمر إلى ما يمثِّل عكس تطبيق القانون ألا وهو التعسف في تطبيقه، وهَدَتنِي كلمة التعسف إلى العسْف، ففي العربية نقول عَسَفَ فلانًا بمعنى أخذه بالعنف والقوة وظلمه، وهذا هو المعنى المراد تمامًا، فاطمأن قلبي إليه.
٢٦  «اشتداد شقوتي» (the flatness of my misery) وهو المعنى الخاص المراد.
٢٧  إلى جانب دلالة القسم على السيف المشار إليها في الحاشية على ٢ /  ٣ / ١٦٧، فإنَّ سيف العدالة كان يرمز إلى سلطة المحكمة.
٢٨  «فَرَحَلَ» (is gone) انظر الحاشية على ٢ / ٣ / ٧ عاليه حيث أناقش معنى الذهاب أو الرحيل.
٢٩  «فأبصروا أربابنا» في الأصل Look down فقط، وهي دعوة للأرباب أن تلقي نظرة من علٍ، فصرحت باسم المنادى إيضاحًا للمعنى.
٣٠  (١٦٤-١٦٥) «كم يلتمع ويبرق درع الرجل خلال الصدأ الملقى بيدي فوقه!» الأصل:
How he glisters/Through my rust!
وإزاء إجماع الشُّراح على أنَّ الصورة صورة درع، قررتُ إيضاحها بالبسط، مضحيًا بالضغط الشديد في التعبير الأصلي، فالصورة عندي لها المحل الأول والأولوية فيها للوضوح، يتلوه الإيقاع الشعري.
٣١  «قطع مشدي من حول الجسد» أي قطع أربطة المشد «الذي تلبسه النساء» حتى يسهل لها أن تسترد أنفاسها؛ فالمشد خانق في نظرها، والنبأ الذي تحمله يكاد يخنقها وحده!
٣٢  بولينا تصف ليونتيس بالطغيان صراحة هنا.
٣٣  (١٧١–١٧٤) تعدِّد بولينا أشكال التعذيب المستخدَمة في ذلك العصر لإرغام السجناء على «الاعتراف».
٣٤  تعود بولينا لذِكر الطغيان.
٣٥  (١٨٥-١٨٦) لم تكن بولينا حاضرة عند اعتراف ليونتيس بما فعله، وربما سمعت به من كميلو قُبيل رحيله المفاجئ، ولكن جمهور المسرح نادرًا ما يلحظ عدم الاتساق في هذه الحالة وغيرها.
٣٦  «إن أكملتُ حديثي» الأصل when I said أي عندما أنتهي من الكلام.
٣٧  «المعبد» الأصل chapel وكان اللفظ يُطلَق في ذلك التاريخ على كل دار عبادة، وثنية أو مسيحية.
٣٨  «حيث استقرت هذه الأحزان» أي حيث دُفِنَ ماميليوس وهرميون.
٣٩  المنظر: شاطئ مهجور في بوهيميا، وهذا أول مشهد من ابتكار شيكسبير من ألفه إلى يائه، أي لم يعتمد فيه على أي مصدر آخر.
٤٠  «إني لأومن» في الأصل In my conscience وهذا هو معنى التعبير هنا، وإن كانت هذه الكلمة التي نترجمها اليوم بالضمير تحمل أيضًا معنى التمييز بين الخير والشر.
٤١  «الأرباب» (heavens) يقصد الملاح أربابه الوثنية لا المعنى الديني الآخر للسماء.
٤٢  (١٤-١٥) يقول أنتيجونوس إنَّه سمع ولم يصدق، أي إنَّه يتشكك فيما سمعه عن عودة أرواح الموتى «لتمشي بيننا»، وهو ما يتفق والعقيدة البروتستانتية التي تنكر وجود الأشباح، وتؤكد أنَّها أوهام من خلق الشيطان أو إبليس.
٤٣  «بغرفتي» أي غرفته على ظهر السفينة.
٤٤  «برديتا، أي المفقودة!» أضفت معنى الاسم وهو كلمة لاتينية من المحتمل، بل الأرجح، أن يعرفها المتعلمون في عصر شيكسبير، ولا أظن أنَّها تعني الكثير للقارئ أو السامع العربي، ومن ثَمَّ فضَّلتُ — تأكيدًا للوضوح — الإتيان بالمعنى المقصود، خصوصًا لأنَّ ذكر الفقد ومَنْ فُقِدَ تكرر أولًا في قول أنتيجونوس نفسه مخاطبًا الطفلة «يا من حُكِم عليها بالفقدان» (٢ /  ٣ / ١٩٠، وانظر الحاشية)، وثانيًا في حكم أبوللو بأن يعيش الملك دون وريثٍ إذا لم يعثر على من فُقِدَ (٣ / ٢ / ١٣٢-١٣٣)؛ كل هذا يجعلني أُرجِّح أنَّ السامع الإنجليزي سيدرك المعنى المقصود أو يحدسه، وليس ذلك حال القارئ أو السامع العربي.
٤٥  (٣٩-٤٠) يُقِرُّ أنتيجونوس بصحة التعليمات البروتستانتية، وأنَّ الإيمان بالأشباح ينكره الدين، لكنه يصرُّ على أنَّه «في هذه المرة» شاهد شبحًا!
٤٦  «يا أيها البرعم!» (Blossom) أحببت نقل الصورة لأنَّها في نظري تمهيد لمشهد الزهور الذي سوف يشغل مكانًا جوهريًّا في الفصل الرابع، انظر «المقدمة».
٤٧  «وهذه خطابات»: تعود الإشارة إلى هذه الخطابات في ٥ / ٢ / ٣٤-٣٥ حيث يشير القهرمان إلى أنَّها كانت بخط يد أنتيجونوس.
٤٨  أَخَذْتُ بقراءة الشارح الذي قال إنَّ pretty «جميلة» في موقع الحال، وفق طبعة الفوليو، وإن كان شُراح آخرون يعتبرون الكلمة في موقع المنادى (يا جميلة).
٤٩  «وبعضها من حقك»: المرجح أنَّ أنتيجونوس يقول إنَّ في الصندوق مبلغًا هائلًا من المال، أي من القطع الذهبية، وإنَّه يكفي لتربية برديتا من دون تقليل المقدار الكلي إلى حدٍّ بعيدٍ.
٥٠  الإرشادات المسرحية: هزيم الرعد: معظم حالات سماع قصف الرعد في شيكسبير ذات دلالات خارقة، وتقول إحدى الناقدات إنَّ «صوت الرعد الطبيعي» لا يُسمَع إلا هنا، وفي «الملك لير»، وفي «بريكليس»، ولكن هذا الرعد كما يقول ناقد آخر قد يشير إلى غضب أبوللو (٥-٦) ما دام الرعد وسيلة اتصال أبوللو بالبشر (٣ / ١ / ٩-١٠) وانظر الحاشية أعلاه. وكان رجال المسرح في عصر شيكسبير يصدرون صوت الرعد بدحرجة قذائف مدفع كروية فوق مجرى خشبي غير مستوي السطح فتُقعقِع بصوت مرتفع مثل هزيم الرعد.
٥١  يعود أنتيجونوس لذكر «الفقد» مرة أخرى. ويقول إنَّه لا يستطيع أن يبكي (أو لا يريد) حسبما أمره شبح أنتيجونوس، إما لأنَّ إحساسه بالذنب يشلُّه أو لأنَّه يرى أنَّ البكاء لا يليق بالرجال.
٥٢  الإرشادات المسرحية: كان الممثلون يحاكون صوت نباح الكلاب خارج المسرح، أو يستأجر المخرج كلابًا تلقت التدريب اللازم على النباح عندما يُطلَب منها.
٥٣  «ضجيج وحشي»: قد يشير التعبير إلى «الضجة الرهيبة» (الناشئة عن العاصفة وأصوات الصيد) أو إلى «الزئير الوحشي» ﻟ (الدب).
٥٤  «الطراد» يشير إما إلى أصوات الصيادين أو إلى «اصطياده» (باعتباره «الفريسة»).
٥٥  الإرشادات المسرحية: انظر الحاشية على ٤ / ٤ / ٨٠٦-٨٠٧ أدناه. وبعد خروج أنتيجونوس يخلو المسرح من الممثلين، وهو ما دعا الشاعر ألكسندر بوب إلى افتراض بداية مشهد جديد هنا، في طبعته لأعمال شيكسبير، تطبيقًا للقاعدة التي وضعتها الكلاسيكية الجديدة، أي قاعدة «ربط المناظر» التي ينص عليها درايدن (انظر درايدن والشعر المسرحي، مجدي وهبة ومحمد عناني، ١٩٦٣–١٩٩٤م ط٣). ولكن النقاد المحدثين يؤكدون ضرورة استمرار المشهد نفسه، فمن مزايا الاستمرار قيام المهرج في السطور التالية بتصوير ما حدث للملاحين وأيضًا لأنتيجونوس بأسلوبٍ ضاحكٍ في بعض الجوانب (٨٨–٩٩) وهو ما يستمد دلالته أو «يستثمر» قلقلة مشاعر المتفرجين بعد صدمة دخول الدب، مهما تكن صورة تقديمها على المسرح.
٥٦  «قد ضعت هكذا إلى الأبد!» يقول أحد النقاد إنَّ هذه العبارة كان الممثل الذي يلعب دور أنتيجونوس يوجِّهها إلى الجمهور للدلالة على أنَّ المتفرجين لن يروه ثانيًا في هذا الدور، لأنَّه عادة ما كان يقوم بعدها بدورٍ آخر في المسرحية نفسها.
٥٧  يختلف النقاد في تفسيرهم لما يريده شيكسبير من تصوير العاصفة، ونحن نسمع أنَّ بعض الصيادين يطاردون حيوانًا ما، لعلَّه الدب الذي يدخل الآن، ولكن أحدًا لم يستطع القطع في معنى كلمات أنتيجونوس الأخيرة، ولا في دلالة دخول الدب والأثر الذي يحدثه في الجمهور: هل هو «مرعب» حقًّا، أم ينتمي للكوميديا السوداء، أم هزلي صارخ؟
٥٨  «ينام» يقصد الراعي قضاء تلك السنوات في النوم، أي ما بين العاشرة والثالثة والعشرين.
٥٩  «الكبار» المقصود كبار السن ومن ثَمَّ «الحكماء».
٦٠  (٦٣-٦٤) «اثنان من أفضل أغنامي» يقول أحد النقاد إنَّ فقدان اثنين بدلًا من واحد يقصد به الإشارة إلى الحملين «التوءم» في تصوير بوليكسنيس لطفولته هو وليونتيس، (١ / ٢ / ٦٦–٦٨) حيث يؤكد بوليكسنيس فقدان الصبا اللاهي. ويشير ناقد آخر إلى مثل الراعي الذي يرعي «خرافه» في إنجيل يوحنا (١٠: ١–٥) ويحميها من الذئب لأنَّه صاحبها أي يملكها (الآية ١٠) وذلك هو «الراعي الصالح»، وأما الأجير (مثل الراعي هنا، السطر ٦٥) فليس صاحبها ولا يأبه.
٦١  «مشيئتك»: الراعي يدعو ربًّا وثنيًّا، ولكنه يستخدم كلمة مسيحية مثل أنتيجونوس في السطر رقم ٧ أعلاه، وانظر «المقدمة».
٦٢  المهرج انظر حواشي الشخصيات.
٦٣  (٩٦-٩٧) «كم سخر البحر منهم» يفسرها بعض الشُّراح بأنَّ البحر كان يحاكي ضجيجهم بهديره كأنما يسخر من أصواتهم.
٦٤  «هديرهما معًا» أي أنتيجونوس والدب.
٦٥  «باسم الرحمة» أي باسم رحمة الله.
٦٦  «لم تطرف لي عين» أي إنَّ هذا حدث منذ «طرفة عين»، أي منذ لحظة، ويقول أحد الشُّراح إنَّ التعبير قد يفيد أنَّه ما زال «يحملق» دهشة (مادامت عينه لم تطرف).
٦٧  «الرجل الهرم» كيف حدس الراعي أنَّ أنتيجونوس هرم؟ انظر الحاشية على ٣ / ٢ / ١٨٥-١٨٦.
٦٨  (١١٠-١١١) «قابلتَ أنت هناك أناسًا تموت، ووجدتُ أنا هنا حياة وليدة» العبارة التي يعتبرها النقَّاد نقطة التحول في حكاية الشتاء، وانظر المقدمة حيث تحليل بنائها المتوازي.
٦٩  «وِشاح التعميد»: ملبس الرضيع ساعة تعميده في الكنيسة، ويشار إليه في النص بعبارة bearing-cloth ويفسره الشُّراح بأنَّه (christening gown) والتعميد شعيرة مسيحية لا وثنية.
٧٠  كانت الفكرة الشائعة على المستوى الشعبي تقول إنَّ الجنيات تختطف الأطفال الجميلة من المهد، وتضع بدلًا منها أطفالًا قبيحة، وهكذا فإنَّ البديل (changeling) كان الطفل الجميل الذي تأتي به الجنيات، أي الطفل المختطَف. ويظن الراعي أنَّ هذا الطفل الجميل النغيل قد استُغْنِي عنه في مقابل أطفال وُلِدوا في الحلال.
٧١  (١١٧-١١٨) «لو غُفرت خطايا شبابك» الإشارة هنا إلى المزامير بالكتاب المقدس «لا تذكر خطايا صباي التي ارتكبتها، ولا معاصيَّ … يا رب» (المزمور ٢٥: ٧).
٧٢  «فلتذهب غنمي كيف شاءت» أي فلتنطلق أغنامي كما يحلو لها، وليس معنى ذلك أنَّه تنازل عنها في مقابل الذهب، ولكن أمامه عملًا جادًّا وخطيرًا وهو إخفاء الذهب والتكتم عليه؛ فالأفكار الشائعة كانت تقول إنَّ المرء إن لم يكتم السر ويحافظ عليه انقلب حاله شقاءً، وإذن فهي قضية أولويات، ولا تفيد ما رآه بعض النقاد من أنَّ الراعي أصبح يغتني بالذهب عن الغنم، فهو راعٍ ويحتفل في الفصل الرابع بجزِّ صوف أغنامه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤