الأشياءُ التي تركتِها وراءَكِ١

طوال الأسبوع الماضي، لم يكن بوسعي النظرُ إلى سلَّة الغسيل بالحمام. ما زالت ملأى بأشيائكِ. والحقيقةُ هي أنني أصبحتُ خائفًا منها، مرعوبًا مما قد أجدُه داخلها. قطع الملابس الداخلية، مشدَّات الصدر، بنطلون الركض الخاص بكِ. جواربك. أنا واثق تقريبًا أن زوج الجوارب الذي أهديتُه لك في عيد ميلادك الأخير كان هناك؛ الجورب الذي يَحمل تطريزًا عند الكاحل يمثل رمز إلهة الأنوثة بخيوط ذهبية. لو رأيت أشياءَك ثانية، لا أعرف ماذا سيفعل ذلك بي، لذلك، كلما أردت استخدام التواليت، أُديرُ وجهي للحائط، وأحملقُ في الرسومات على ورق الحائط. أتظاهَر وكأنني في عالمٍ مختلف، حيث الحمامات خاوية، وسلال الغسيل ليست موجودة.

لكنها هناك، أعلمُ أن سلالَ الغسيل موجودة. في العالم الذي تركتِني به، سلال الغسيل موجودة في كل مكان. كلما استعملتُ التواليت، أعلم أنني على بُعد قَدَمٍ من أشيائنا، من الأشياء الخبيئة بالداخل. إنها تُناديني. الأشياءُ التي خلَّفتِها وراءكِ.

لذلك سوف أتعامل معها اليوم. اليوم سأُفرغُ السلَّة.

وها هي الطريقة التي سيتم عليها الأمر.

سأجد قطعة الملابس الداخلية التي تخصُّك، لونها أصفر فاتح ولها أحزمة حول الخصر. شعرتان مُلتفتان مُشتبكتان ببطانة السروال. إنه شعرك.

سأَجلِس لبُرهة بعدما أضعهما في راحة يدي، ثم آتي بقصاصة ورق. سأفردُ الشعرتَين على الورقة وأُحاول أن أقيس طولهما. يبدو ذلك أفضل ما يُمكِن فعله، أوقن أن فعلَ ذلك سيَجعلني في حال أفضل. مثل ذاك اليوم الذي أعاد فيه البوليس أغراضك الشخصية، قلتُ شكرًا، أنتم طيبون جدًّا، وبعدما مضى رجال البوليس، تناولتُ ميزانَ المطبخ وشريط القياس ورحتُ أزن أغراضَك وأقيسها.

هل تذكرين مفاتيحك؟ وزنهم ٧٨ جرامًا، وكان الأكبر بين المجموعة (مفتاح سيارتك) بطول ٧٣ مليمترًا.

شعرتاك ستكونان وغدتَين إلى حدٍّ ما. تتصرفان على نحوٍ سيِّئ. كلما شددتهما تلتفان حول إصبعي من جديد. لا جدوى، لن يفعلا ما أريد.

تبدوان مألوفتَين؟

سوف أنجح في النهاية. إحدى الشعرتَيْن ستكون ٢٤ مليمترًا طولًا، والأخرى ٢٧٫٥ مليمترًا. سوف أقيس بعضًا من شُعيراتي لأقارن. ستكون أطول بكثير، وسوف أتساءل ما إذا كانت هذه اختلافات أساسية بين الذكر والأنثى، أم إن الشُّعيرتَيْن اللتَيْن وجدتهما في سروالك تصادَف أن كانتا قصيرتَين.

سألصق شعرتَيك على الورقة، واحدةً جوار الأخرى، أغطيهما بشرائح اللاصق الشفاف، وأُدوِّن تفاصيلهما. ثم أضع الورقة في مظروف أكتب عليه بخطٍّ أنيق «شعيرات كاثي (٢)»، ثم أضعه في الصندوق، في محاذاة بقية الأشياء التي نجحتُ في استنقاذها من الغرق.

بعد ذلك، في نهاية إحدى ساعات الليل المُرهَقة، سوف يغدو المنزل كبيرًا جدًّا، ولن يكون بوسعي النوم، ولن يكون هناك شيء بالتلفزيون سوى بعض برامج البورنو الخفيفة وعُروض المسابقات، لذلك سوف أُخرِج الصندوقَ من مخبئه، وأتفحَّص ما به مليًّا، ببطء، أستنشقُ، لن أتعجَّل، سوف أمتصُّ آثارَك وشذراتِك بشفتيَّ وأنفي ولساني وأصابعي.

مداخل المباني، هكذا أفكِّر بها. الأشياء التي تركتِ وراءكِ هي المداخل، مداخل الذِّكريات، ممرات الوميض والتحوُّلات. أمرُّ عبر هذه، أو تلك، لأجد نفسي في بُقعة مختلفة منك. بقعة مختلفة منَّا.

لديَّ خاتمُ الزِّفاف الخاص بك. حين ألتقطه، لا أتذكَّر مكتب «باكستون» لتوثيق الزواج، ولا كعكة الزفاف ذات الخمسة عشر جنيهًا إسترلينيًّا، التي كانت شديدة الصلابة حتى إننا لم نَستطِع تقطيعها، ولا حتى حقيقة أنكِ لم تستطيعي نُطقَ كلمة «عائقٌ شرعيٌّ». تلك الأشياء تأتي لاحقًا. الذي أتذكَّرُه أولًا هو اللحظة التي قَذفتِ فيها بالخاتم، هذا الخاتم الذي اشتريتُه من أجلِك، ومرَّرتُه حول إصبعك. قذفتِه لي. طوحتِ به في وجهي. وأتذكَّر كيف ضاع وانتهى به الحال في وعاء الكلب، وبعدها بلحظات، داخل الكلب ذاته. وأتذكَّر الراحة على وجهك حين خرج أخيرًا من الناحية الأخرى.

أتذكَّر كيف جعلتِ الماء الصافي يَنسابُ فوقه في حوض المطبخ لتنظيفِه من غائط الكلب، تضحكين قائلة: «يجب أن يُصبحَ هذا الأمرُ رمزًا!»

وكنتِ محقَّةً، فقد كان.

لكنني لا أذكر ماذا تعني تلك الرموز يا كاثي. لا أذكرُ ماذا يعني أيٌّ منها. ربما تعني لا شيء، ربما كما قلتِ أنتِ مرةً، الأمرُ كلُّه نكتةٌ كونيَّة.

حتى ولو كان الأمر كذلك، سوف أستمرُّ في تجميع الأشياء.

الأسبوع الماضي وجدت قلامةَ ظفر إصبع قدم ضالة كانت مُختبئة تحت حوض الحمَّام. بها أثر من طلاء أظافر أحمر، لهذا عرفت أنها لك. وكذلك — أظن في اليوم ذاته — صادفتُ قائمةَ مشترياتٍ مكرمشة في جيبِ معطفك، وكذا إحدى شخبطاتك: أرنبُ رسومٍ مُتحرِّكة مرسوم بعشوائية على ورقة ملاحظات صفراء، كنت وضعتِها داخل الكتاب كي تُحدِّدي أين وقفتِ. «هاري بوتر» وحجر الفلاسفة. الكتاب الأخير الذي كنتِ تقرئينه، لكنَّ الأرنبَ أخبرني أنكِ لم تنتهي من قراءته. وصلتِ إلى صفحة ٢٩، تمامًا مثل عمرك. هل يعني ذلك أيَّ شيء؟

لا أظنُّ يا كاثي. لكنني سوف أحتفظ بالكتاب وبالعلامة وبالشخبطة وبقلامة الظفر وبشُعيرات العانة وبمفتاح سيارتك وبخاتم الزفاف وبكل القطع الصغيرة الحزينة الآسفة التي تركتِها وراءك. سوف أحفظها جميعًا في صندوقي.

وسوف أعملُ قدر إمكاني على الاحتفاظ، لأطول وقتٍ مُمكن، بالشيء الأشد حزنًا والأشد أسفًا منها جميعًا.

سوف أحتفظُ بنفسي.

١  جائزة Orange Labyrinth Competition.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤