الفصل الرابع

سام هيوستون

… أستطيع أن أنسى أنني أُسمى خائنًا

كانت خيوط الفجر الأولى تنساب إلى قاعة الشيوخ الخافتة النور في سنة ١٨٥٤ حين وقف خطيب أخير يطلب الكلام، وتراخى أعضاء المجلس الذين استبد بهم التعب والإعياء وطالت لحاهم، تراخوا باكتئاب في مقاعدهم بعد ما عانوه من إرهاق في جلسة استمرت طوال الليل وهم يهمهمون «التصويت التصويت» أملًا بتثبيط عزيمة أي خطيب جديد يريد التحدث عن مشروع باتت الموافقة عليه في حكم المؤكد، ولكن السناتور سام هيوستون ممثل تكساس وبطل سان جاسينتو لم تكن عزيمته لتثبط بسهولة على الرغم من مثل هذه الاحتمالات الساحقة، وعندما انطلق صوته الموسيقي الرنان يحمل إلى زملائه الشيوخ الذين اعترتهم الدهشة، رسالته القوية بكلمات جريئة، وإن تكن غير مصقولة، أخذ الشيوخ ينفضون عنهم السبات الثقيل الذي تسلط على عقولهم المرهقة واستقاموا في مقاعدهم وكلهم عيون وآذان.

وكان مشروع القانون الذي انتهت حوله مناقشة مريرة مضنية هو المعروف بمشروع كانساس-نبراسكا، شعار «الوحدة» الجديد الذي أعده الحزب الديمقراطي وآخر امتياز للجنوب، فقد نقض الحل الوسط المتعلق بولاية ميسوري الذي اعتُمد في سنة ١٨٢٠، وأعاد فتح قضية اتساع الرق التي ساد الظن بأنها انتهت بتسوية سنة ١٨٥٠ بالسماح لسكان تلك الأراضي الشاسعة الممتدة من إيووا إلى جبال روكي بالبت بأنفسهم في مسألة الرقيق، على افتراض أن القسم الشمالي سيكون خاليًا من الرقيق، ويكون القسم الجنوبي منطقة يُمارس فيها الرق، وكان إقرار المشروع بالنسبة إلى الديمقراطيين والجنوبيين أمرًا «حتميًّا».

وكان سام هيوستون عريقًا في ديمقراطيته، كما كان جنوبي المولد والإقامة والفلسفة والولاء، ولكن سام هيوستون كان أيضًا سام هيوستون، واحدًا من أكثر الذين دخلوا مجلس الشيوخ استقلالًا وشعبية، ومن أقواهم حجة وأكثرهم إثارة، بالإضافة إلى أنه كان فريدًا في نوعه. وكان هيوستون، وهو أول شيخ من تكساس، قد ملأ الأسماع كقائد عام لأولئك المتطوعين المتشردين من تكساس الذين هزموا الجيش المكسيكي في سان جاسينتو وأسروا قائده وبنوا استقلال تكساس، وكعضو في كونغرس تكساس وكرئيس قبل دخول تكساس إلى الاتحاد كولاية، ولم يكن، وهو في الرابعة والستين، هدفًا سهلًا، كما أن ارتباطاته بقطاعه الانتخابي وبحزبه لم تكن لتكمَّ فمه.

كان هيوستون يدرك — ولا شك — أن المشروع سيحظى بالموافقة، وكان يعرف أنه لن يقف إلى جنبه أي ديمقراطي جنوبي، ولكنه انتصب في وقفته وقد دفع ذقنه إلى الأمام، وبدا مهيبًا أو غريب الأطوار في عباءته العسكرية وصدرته المصنوعة من جلد النمر (وكان في بعض الأحيان يظهر وقد لف نفسه ببطانية مكسيكية ووضع على رأسه قبعة عريضة الحوافي)، انتصب هذا «البربري العظيم» واقفًا ليلقي إحدى خطبه النادرة في مجلس كله عيون وآذان، وإن أخذ التعب منه كل مأخذ:

«إن هذا إجراء خطير كل الخطورة، فهل تتوقعون مني أن أظل هنا صامتًا أو أن أتقاعس عن واجبي فأحجم عن تحذير الجنوب من العواقب التي أعتقد أنها ستنجم عنه؟»

سأتكلم على الرغم مما قد أتعرض إليه من تخويف أو تهديد، ورغم النظرات المتجهمة التي ستوجه إليَّ، إنني يا سيدي لا آبه لاتهامي بأنني مِلت إلى المنادين بتحرير العبيد أو المنادين بالتربة الحرة (أي التي لا استرقاق فيها)، وكثيرًا ما يدفعني واجبي إلى الوقوف ضد المنطقة التي أعيش فيها ويعيش فيها رفاقي، وأكن لها محبتي … سيدي، إذا كان هذا المشروع منة لاسترضاء الجنوب فإنني كرجل من الجنوب أرفض هذه المنة، ولن آخذ منها شيئًا … فإما أن يعيش أبناؤنا في المستقبل في نعم السلام والانسجام والازدهار، أو في بقايا الفوضى والخلاف والصراع الأهلي، وفي استطاعتنا تفادي هذه الأخيرة … إنني واثق بأننا نستطيع ذلك … إنني أستحلفكم احترام العقد الذي وضع في الماضي لإيجاد انسجام في الاتحاد والإبقاء عليه، أبقوا على تسوية ميسوري! ولا تثيروا الفتن وامنحونا سلامًا!

وكان صوته الوحيد ضد مشروع كانساس-نبراسكا في ذلك الفجر العاصف من سنة ١٨٥٤ «القشة الأخيرة التي طفح بها الكيل»، ودارت همسات مسموعة في مجلس الشيوخ مفادها أن هذا سيكون آخر عهد لهذا الجنرال المليء بالحيوية بمجلس الشيوخ.

وقد يبدو التوفيق بين التناقضات في حياة سام هيوستون قبل قرن أمرًا صعبًا اليوم، ولا يزال هيوستون نفسه لغزًا للمؤرخ الدقيق في عصرنا هذا.

فقد كان طموحًا جدًّا، ومع ذلك فإنه ضحى في النهاية بكل ما كان قد فاز به أو كان يصبو إليه، وكان جنوبيًّا، ومع ذلك فإنه تمسك بولائه بقوة للاتحاد، وكان رجلًا يملك عبيدًا ودافع عن حق ممثلي الشمال في مطالبتهم الكونغرس بإلغاء الرق.

وكان سكيرًا رديء السمعة أقسم على الاعتدال، وكان ابنًا بالتبني لهنود من قبيلة شيروكي، ومع ذلك فإنه حقق أول انتصاراته في قتاله ضد القبائل الهندية، وكان حاكمًا لولاية تنيسي، ولكنه كان شيخًا من تكساس، وكان شهمًا كريم الأخلاق، ومع ذلك فإنه كان حقودًا، وكان ودودًا وقاسيًّا، شاذًّا وواعيًا لذاته، مخلصًا وانتهازيًّا في الوقت ذاته، ولكن تناقضات سام هيوستون تؤكد صفة ثابتة أساسية فيه، هي فرديته الجامحة، التي كانت تارة مثيرة وأخرى فظة، وطورًا تبعث على الحيرة، ولكنها كانت أبدًا تتسم بالشجاعة.

وفي انتخابات سنة ١٨٥٧ أعلن هيوستون ترشيح نفسه لمنصب حاكم تكساس، ورفض أن يخوض المعركة كديمقراطي أو كمرشح لأية فئة أو صحيفة، كما رفض الاستقالة من مجلس الشيوخ، وقال إنه سيخوض المعركة كسام هيوستون «ليجدد سياسات الولاية، فالشعب يريد عنصر الإثارة، وسأوفر هذا العنصر كما يوفره أي امرئ آخر.»

وكان أن وفر عناصر إثارة كثيرة، فخطب في الناس في كل زاوية من زوايا تكساس، مستخدمًا معينه الخصب من نعوت التشهير والتهكم القاتلة، وعندما مُنع من حق الخطابة في قاعة المحكمة في إحدى المقاطعات خلال توقفه في جولته الانتخابية، طمأن الناس إلى أن لا بأس في ذلك، وقال:

«إنني لست دافع ضرائب هنا، ولم أتبرع بشراء طوبة واحدة أو مسمار واحد في هذا البناء، ولا حق لي في الخطابة هنا، غير أنه إذا كان هناك بين مَن يسمعني مَن يرغب في الاستماع إلى سام هيوستون وهو يخطب فليتبعني إلى جانب ذلك التل، وإن لي الحق في أن أخطب وأنا أقف على تربة تكساس؛ لأنني سقيتها بدمي.»

غير أن تصويته بالنسبة إلى كانساس وإجراءات جنوبية أخرى كان أمرًا يصعب شرحه لناخبين غاضبين، وكان أن وجهت تكساس لسام هيوستون أول صفعة شديدة في تاريخه السياسي. وقالت صحيفة غازيت المعادية له: إن عليه أن يستقيل من مجلس الشيوخ الآن «بدلًا من أن يتمسك بالمنصب المجدب … لكي يتلقى فقط علاوته اليومية.» ولكن سام هيوستون الذي لقي ما يشجعه في أن هزيمته لم تتجاوز نسبة ثلاثة إلى اثنين، عاد إلى واشنطن ليمضي آخر سنيه في مجلس الشيوخ دون أن تتزعزع معتقداته. وفي ١٠ تشرين الثاني (نوفمبر) سنة ١٨٥٧ طردته الهيئة التشريعية في تكساس بصورة مشينة، واختارت خلفًا له شخصًا أكثر تطرفًا في النطق باسم الجنوب.

ولا نستطيع أن نختتم حديثنا عن شجاعة السناتور سام هيوستون السياسية باعتزاله من مجلس الشيوخ، فبعد أن عاد السناتور السابق الجريء إلى مزرعته في تكساس، لم يستطع الاعتزال عندما وجد أن الحاكم الذي هزمه قبل ذلك بسنتين راح يهدد بالسير بالولاية نحو الانفصال؛ ولذلك فإن هذا المقاتل المسن عاد في خريف سنة ١٨٥٩ فرشح نفسه كمستقل لمنصب الحاكم، وكان هذه المرة أيضًا دون حزب ودون صحيفة ودون هيئة تؤيده، وقد ألقى خطابًا واحدًا في حملته الانتخابية قال فيه بذلك الصوت الساحر يخاطب سامعيه إنه سيعتمد «على الدستور وعلى الاتحاد وعلى كل الديمقراطية الجاكسونية التي تبنيتها أو مارستها رسميًّا … وأنا في المجال السياسي عدو التجديد؛ لأنني أتمسك بتفانٍ بتلك المبادئ البسيطة التي قامت عليها حكومتنا.»

وكانت الحملة مريرة وشاقة، حمل فيها الديمقراطيون والصحف على هيوستون بعنف وشدة، وعادوا إلى اتهامه كما فعلوا في السابق، بالفجور والجبن، ولكن الغريب أن أثر المسائل التي أثارها (وإن تكن سابقة لأوانها)، ونفوذه بين رفاقه القدماء، والاشمئزاز من إدارة خصومه، والشعبية الجديدة التي اكتسبها قبل تقاعده بقليل بعد أن فضح في قاعة مجلس الشيوخ قاضيًا فدراليًّا كان يقبل رشوة، وفورة الشعب العاطفي نحوه لدى عودته إلى تكساس الحبيبة، كل هذه مجتمعة أدت إلى انتخاب هيوستون حاكمًا، وبذلك انقلب كليًّا التيار الذي أدى إلى هزيمته قبل سنتين.

وعندما التهبت المشاعر إلى حد كبير منادية بالانفصال خلال حملة انتخابات الرئاسة في سنة ١٨٦٠ كان كل ما في استطاعة هيوستون أن يفعله هو أن يناشد أبناء ولايته، الذين نفد صبرهم، الترقب والانتظار لمعرفة كيف يكون موقف المستر لنكولن في حال انتخابه، ولكن حصوله على أصوات قليلة لم يطلبها في المؤتمر الجمهوري كنائب للمستر لنكولن زودت أعداءه بذخيرة جديدة. وعندما التهمت النار بلدة هندرسون بصورة غامضة في شهر آب (أغسطس) لم يستطع الحاكم أن يفعل شيئًا ليمنع موجة الشنق دون محاكمات قانونية والعقوبات الاعتباطية، ولجان الشرطة الأهلية، ومشاعر السخط والغضب التي التهبت في أعقاب انتشار شائعات عن ثورة زنجية وأعمال حرق. وقوبل خطاب ألقاه هيوستون في واكو وندد فيه بالانفصال بانفجار برميل بارود وراء الفندق الذي كان ينام فيه دون أن يصاب بأذى ولكنه نهض من فراش المرض في شهر أيلول (سبتمبر) غير آبه للأخطار الشخصية والسياسية؛ ليوجه نداءً واحدًا وأخيرًا:

«إنني لا أطلب دحر الإقليمية بإقليمية، وإنما بالوطنية … وليست لديَّ مشاعر جديدة، فقد أوضحت هذه المشاعر في مجلس الشيوخ الأميركي في سنة ١٨٥٦، وها أنا ذا أعود إلى ترديدها الآن، لقد أُدنت كخائن حينذاك، وها أنا ذا أُدان الآن، وليكن كذلك، فالرجال الذين لم يعانوا ما عانيته من حرمان وعناء وخطر في سبيل بلادي، ينعتونني بالخيانة؛ لأنني مستعد لإطاعة الدستور والسلطات الدستورية، فليعانوا ما عانيت في سبيل هذا الاتحاد، وعندها سيشعرون أنه يلتف بشدة حول قلوبهم بحيث يصبح الخروج عليه أشبه بتقطيع أوصال الحياة … ومن هم أولئك الناس الذين ينعتونني بالخيانة؟ هل هم أولئك الذين ساروا في ظل العَلم الوطني والمستعدون للدفاع عنه؟ إن ذاك هو عَلمي … وما دام هذا العَلم يخفق بكبرياء فوقي، حتى كما خفق وسط مشاهد عاصفة لم يكن هؤلاء الناس فيها، فإن في استطاعتي أن أنسى أنني أُسمى خائنًا.»

وانتُخب أبراهام لنكولن رئيسًا، وفورًا رُفع العلم ذو النجمة الواحدة في مختلف أنحاء تكساس في جوٍّ من الحماس وتوقُّع أعمال حربية، ولم يلقَ نداء هيوستون بأن تقاتل تكساس من أجل حقوقها «داخل الاتحاد وفي سبيل الاتحاد» آذانًا صاغية، وظهرت الصحف تنعته «بمشاعر العبودية.»

وكان الحاكم هيوستون موضع تجاهل عندما وجهت دعوة إلى عقد مؤتمر لتقرير الانفصال.

وفي اليوم الذي حُدد لتبني قانون الانفصال، جلس سام هيوستون صامتًا متجهم الوجه على المنصة، وبعث وجوده الشجاعة في القليلين من أنصار الاتحاد الذين ظلوا في القاعة، وقال المؤرخ وارتون «لأولئك الذين يتحدثون عن هجومه الرائع على تل سان جاسينتو، أقول إن دخوله مؤتمر الانفصال في أوستن وتحدي المؤتمرين وفرض الاحترام عليهم تطلب شجاعةً منه تزيد ألف مرة على شجاعته في سان جاسينتو.» ولما تشجَّع جيمزو، ثروكمورتون بسحر وجود هيوستون، وألقى بأحد الأصوات السبعة ضد الانفصال ارتفع فحيح عالٍ ومرير ضده، وعندها وقف في مقعده وأطلق رده المشهور: «عندما يعلو فحيح الرعاع، على محبي الوطن أن يرتجفوا.»

ولكن، قليلون هم الذين ارتجفوا عندما أُقر قانون الانفصال وعُرض على الشعب للمصادقة عليه بطريقة الاقتراع بعد ذلك بشهر واحد، وللحال قَبِل الشيخ المقاتل السابق التحدي، وقام وحيدًا بحملة للإبقاء على تكساس داخل الاتحاد، وقوبل بجماهير غاضبة، ورُشق بالحجارة ونُعت بالخيانة حيثما توجه في تكساس، وفي واكو تعرضت حياته للخطر، وفي بلتون وقف قاتل محترف فجأة واندفع نحوه، ولكن سام هيوستون العجوز، ركَّز نظراته في عينيه ووضع يديه على مسدسه، وقال: «سيداتي، سادتي ليبق كل منكم في مكانه، فما هو إلا كلب صغير ينبح على أسد في عرينه.» ولم يُصبْ هيوستون بأذى وطاف بالولاية بأسلوب له طابع خاص باعثًا البلبلة في نفوس أعدائه بتهكمه اللاذع، وسُئل رأيه الصريح في زعيم انفصالي، فقال: «إن له ميزات الكلب جميعها باستثناء الأمانة.» وكان هيوستون الآن في السبعين، غير أنه كان لا يزال منتصب القامة ذا عينين نفاذتين وشعر أبيض كث. وقد اختتم جولته في غالفستون أمام جمهور متهكم بشع من الرعاع، وقال «بعضكم يضحك مستخفًّا بفكرة سفك الدماء نتيجة للانفصال، ولكن دعوني أنبئكم بما هو آتٍ: قد تفوزون باستقلال الجنوب كمجرد احتمال بسيط بعد أن تضحوا بملايين لا تُحصى من الكنوز وبمئات الألوف من الأرواح الغالية، هذا إذا لم يكن الله ضدكم، ولكنني أشك في ذلك؛ لأن الشمال مصمم على الإبقاء على هذا الاتحاد.»

ولم يأبه أحد لنبوءته. وفي ٢٣ شباط (فبراير) صوتت تكساس بأكثرية كبيرة إلى جانب الانفصال. وفي الثاني من آذار (مارس)، وهو عيد ميلاد هيوستون وعيد استقلال تكساس، عاد المؤتمر الخاص إلى الانعقاد في أوستن، وأُعلن عن انفصال تكساس عن الاتحاد، وحاول هيوستون يائسًا الأخذ بزمام المبادرة، فأشار إلى أنه سيوضح خططه بالنسبة إلى الموضوع أمام الهيئة التشريعية، وأثار إصراره غضب المؤتمر فصوَّت بأكثرية ١٠٩ أصوات في مقابل صوتين، معلنًا أن تكساس جزء من الاتحاد الكونفدرالي الجنوبي، وقرَّر أن على جميع موظفي الولاية أن يقسموا يمين الولاء الجديدة في ١٤ آذار (مارس)، وردَّ سكرتير الحاكم بقوله إن الحاكم هيوستون «لا يعترف بوجود المؤتمر ولا يعتبر قراره ملزمًا بالنسبة إليه.»

ويصف شاهد عيان يوم ١٤ آذار (مارس) فيقول، إن قاعة المؤتمر كانت «مزدحمة … ومكهربة بإشعاع ناري انطلق من رجال اضطرمت عواطفهم وتأججت توقعًا لمعركة انتقامية. وكان الجو في القاعة مشحونًا بسخط وجلبة أصوات كثيرة، بينها أصوات الغاضبين وأصوات المنتصرين والهازئين يقطعها بين آونة وأخرى شتيمة أو نعت يدل على احتقار، ولكن صوت سام هيوستون لم يُسمع.»

وفي الساعة المحددة، أمر كاتب المؤتمر بتلاوة أسماء موظفي الولاية الرسميين لمعرفة المتغيبين منهم، وخيم الصمت على الحضور، وراحت كل عين تجول في القاعة بحثًا عن البطل القديم.

«سام هيوستون»، ولكن لا مجيب.

وعادت أصوات ينبعث منها الاحتقار تجلجل: «سام هيوستون، سام هيوستون»، وأُعلن منصب حاكم تكساس، الاتحاد الكونفدرالي الأميركي شاغرًا رسميًّا. وتقدم إدوارد كلارك نائب الحاكم «وهو مخلوق تافه حقير خفيف الحركة ووقح» ليقسم اليمين (وكان كلارك صديقًا شخصيًّا وسياسيًّا مقربًا من هيوستون، وانتُخب على لائحته الانتخابية، وبعد ذلك دخل المكتب التنفيذي طلبًا لبعض إضرابات الولاية ليجد مَن كان يسدي له النصح في الماضي يستدير إليه في مقعده ببطء؛ ليوجه إليه بعظمة سؤالًا مفعمًا بالاحتقار «وما هو اسمك يا سيدي؟»)

وفي ناحية ثانية من مبنى الكابيتول كان بطل سان جاسينتو، الذي طرح جانبًا حياة سياسية حافلة، وشهرة، وتفانيًا من شعبه، يعكف بقلب كسير على كتابة آخر رسالة له كحاكم:

«أيها المواطنون، باسم حقوقكم وحريتكم التي أعتقد أنها دِيست بالأقدام، أرفض أداء هذا القسم، وباسم ضميري ورجولتي … أرفض أداء هذا القسم … «ولكنني» أحب تكساس كثيرًا بحيث لا أستطيع أن أعرِّضها لحرب أهلية ولسفك دماء، ولن أقوم بأية محاولة للاحتفاظ بسلطتي كرئيس للهيئة التنفيذية في هذه الولاية، إلا بما يوجب تصريف مهامي الخاصة. وعندما أعجز عن ذلك فإنني سأنسحب من المسرح بهدوء … إنني كسير القلب؛ لأنني لن أتخلى عن تلك المبادئ التي قاتلت في سبيلها … وقد آلمني أشد الألم أن تأتي الضربة باسم ولاية تكساس.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤