الضلال والتضليل في الأبحاث التَّارِيخية

(١) مزاعم الجنرال طونزند في عوامل هدنة سنة ١٩١٨

لقد عثرتُ في المقدمة التي كتبَها الجنرال طونزند لمذكراته على بعض المزاعم التي تستوقف الأنظار، وتُظهِر مبلغ الضلال الذي قد يغشى كُتَّاب التَّارِيخ في بعض الأحيان، حتى عندما يتكلمون عما شهدوه بأعينهم وعما فعلوه بأنفسهم؛ ولذلك رأيتُ أن أُفنِّد هذه المزاعم بشيء من التفصيل، ليس لأهمية موضوعها، بل لدلالتها البليغة على ضرورة النقد العلمي، في الأبحاث التَّارِيخية، حتى عندما تستند إلى مذكرات.

١

طونزند قائد إنكليزي مشهور، قاد الحملة العسكرية على العراق خلال الحرب العالمية الأولى، وقام بزحفٍ جريء وسريع، أوصله إلى ضواحي بغداد، إلا أن وصول الإمدادات التركية إلى ميدان الحرب اضطَره إلى التقهقُر حتى «كوت الإمارة» والتحصُّن فيها. بقي الرجل محصورًا هناك مع الجيوش التي كان يقودها، مدة من الزمن، اضطُر بعدها إلى التسليم، فنُقِلَ إلى الآستانة وبقي هناك حتى نهاية الحرب ﮐ «أسير حرب محترم». والأتراك عندما يئسوا من النصر وقرَّروا الاستسلام إلى الحلفاء — في خريف سنة ١٩١٨ — أطلقوا سراحه وأوفدوه إلى قائد الأسطول البريطاني ليتوسط في إنهاء الحرب وعقْد الهدنة.

وقد نشر طونزند مذكراته عن حرب العراق سنة ١٩١٩، وتُرجمَت هذه المذكرات إلى العربية، ونُشِرَت في العراق بعنوان «خواطر طونزند».١

ويقول الجنرال طونزند في مقدمة مذكراته ما يلي:

«والذي فشلتُ في القيام به في ميدان القتال أنجزته وأنا رهين الأسر، فقد أقنعتُ التُّرك بالتسليم، وبذلك قصَّرت مدة الحرب عدة أشهُر، فنَجَم عن ذلك حقْن دماء الألوف من الجنود وتوفير الملايين من المال. وقد تم ذلك في ١٧ تشرين الأول بعد الظهر، سنة ١٩١٨، أثناء حديثٍ جرى بيني وبين المشير عزة باشا في ديوانه بالباب العالي. وفي عشية ذلك اليوم توجَّهتُ إلى الأسطول البريطاني، بعد أن قطَع لي التُّرك عهدًا بفتح الدردنيل. وأعددتُ المعدَّات لعقد المؤتمر توًّا عند وصولي جزيرة مودروس، ولما بلغ خبر تسليم تركيا النمسا، سلَّمَت فورًا على أثَر ذلك، وتلَتْها ألمانيا في التسليم.»٢

يظهر من هذه الفِقرات الصريحة أن الجنرال يزعم بأنه هو الذي أقنع التُّرك بالتسليم، وأن تسليم الأتراك بهذه الصورة اضطَر النمسا إلى التسليم. وأما تسليم الألمان فكان بمثابة النتيجة الثانية لتسليم الأتراك، بفضل صاحب المذكرات الجنرال طونزند!

يعود الجنرال إلى هذه القضايا في آخِر مذكراته، ثم يقول ما يلي:

«ولولا ذلك لاستطاع التُّرك مقاومة «اللنبي» مدة خمسة أشهر، وأطول من ذلك. وحاشا أن أُقلِّل من قيمة الفوز الباهر الذي تم لذلك القائد العظيم «أدمندز اللنبي»، ولكني أَوَدُّ أن أُبرهن على نصيبي الحقير من المساعي التي بُذلت في سبيل عقْد الصلح.»٣

يُلاحَظ من ذلك أن الجنرال لا يكتفي بالإشارة العابرة، بل يُكرِّر مزاعمه بعباراتٍ صريحة، ويدَّعي بأنه لولا مساعيه هو لاستمرَّت الحرب خمسة أشهر أخرى على الأقل، ويعلن على الملأ أن مساعيَه الناجحة «حقنَت دماء الألوف من الجنود، ووفَّرت الملايين من الأموال».

٢

بعد أن اطَّلعنا على ما يزعمه طونزند بهذه الصورة، يجدُر بنا أن نبحث: ما هو حظ هذه المزاعم من الصحة؟

إن نظرةً بسيطة إلى ما حدَث من الوقائع خلال النصف الأول من شهر تشرين الأول سنة ١٩١٨ — يعني قبل ملاقاة الجنرال طونزند مع المشير عزة باشا — تكفي للتأكد من أن هذه المزاعم كلها لم تكن سوى «محصول الوهم والغرور» وذلك لأن:
  • أولًا: إن بلغاريا كانت استسلَمت إلى الحلفاء في أواخر شهر أيلول، وهذا الاستسلام كان خطير النتائج جدًّا؛ لأنه قطع الاتصال بين تركيا وبين متفقَيها ألمانيا والنمسا.
  • ثانيًا: قبل يوم ١٧ تشرين الأول ١٩١٨ الذي يذكره الجنرال طونزند، كانت تركيا خسرت كل فلسطين، وأكثر من نصف سوريا بما فيها دمشق وبيروت وحمص … وكان الجيش الذي سُمِّي باسم «جيش الصاعقة» مُنِيَ بهزائم متوالية، اضطَرتْه إلى التقهقُر نحو حلب بسرعةٍ كبيرة.
  • ثالثًا: إن عزة باشا الذي تكلَّم مع الجنرال كان تولى الحكم بعد استقالة وزارة طلعت باشا، وهذه الاستقالة كانت تدُل — في حد ذاتها — على أن القوم كانوا قطعوا الأمل من النصر، وقرَّروا إنهاء الحرب بأي شكلٍ كان؛ لأنها كانت تضم صناديد الاتحاد والترقي — من مَلَكيين وعسكريين — كما أن بقاء وزيرَي الحربية والبحرية، أنور باشا وجمال باشا، خارجَين عن الوزارة الجدِيدة ما كان يترك مجالًا للشك في هذا الأمر؛ لأنهما كانا زعماء الحركة التي زجَّت السلطنة العثمانية بالحرب، فكانا يُعتبران من آباء الحرب والأعصاب المحركة لها.
  • رابعًا: لقد تحقَّق فيما بعدُ، أن إمبراطورَي ألمانيا والنمسا كانا قرَّرا طلب الصلح قبل ذلك التَّارِيخ، وقاما باتصالاتٍ رسمية لإنهاء الحرب.

وزعْم طونزند، مع كل ذلك، أنه هو الذي أقنع التُّرك بإنهاء الحرب، وأن الهدنة التركية هي التي اضطرت النمسا وألمانيا إلى الاستسلام … إن دل على شيء، فإنما يدُل على عمْق الغفلة التي كان يعيش فيها الرجل، وغرابة الخدعة التي انطلَت عليه.

لا شك في أنه كان معذورًا في الانخداع عند ملاقاته مع عزة باشا؛ لأنه كان أسير حرب، فما كان يستطيع أن يطَّلع على شيء غير الذي يريد الأتراك أن يُطلعوه عليه، ولكن الأمر الذي لا يمكن أن يُعذر فيه هو أن يستمر في هذه الغفلة والانخداع بعد أن يعود إلى بلاده … ولا يسمح أن يسمح لنفسه أن يُسطِّر تلك المزاعم في مقدمة المذكرات التي نشرها، بعد مدةٍ تزيد على السنة من انتهاء الحرب.

٣

ولإظهار مدى الضلال الذي تنطوي عليه مزاعم طونزند، أرى من المفيد أن أُدوِّن فيما يلي صفحةً من صفحات قرار الصلح حسب ما كنتُ اطَّلعتُ عليها في حينها بسبب اتصالي الوثيق بجمعية الصحافة العثمانية إذ ذاك:

عندما جاءت الأخبار المتعلقة بانكسار الجبهة البلغارية واستسلام بلغاريا للحلفاء، لم تُقدِّر الجرائد التركية خطورة هذه الحوادث، بل اعتبرتها فأل خير لأنها ظنَّت بأن ألمانيا ستُجرِّد على الفور حملةً عسكرية لاكتساح بلغاريا، كما كانت فعلَت برومانيا، عندما دخلَت الحرب ضدها. هذا، وكانت تركيا تطالب بإجراء بعض التعديلات في الحدود والأوضاع التي كانت خلَّفَتها الحرب البلقانية، ولكن ألمانيا كانت تسعى على الدوام لتوقيف تيار هذه المطالبات مراعاةً لعواطف البلغار. وعندما استَسلَمَت بلغاريا للحلفاء، صار بعض الساسة والمحررين يقولون ويكتبون: «هذا خيرٌ لنا … لأن ألمانيا لا بد أن تستولي على بلغاريا جزاء خيانتها، وتَعدِل عن سياسة الملاينة والملاطفة التي كانت تسير عليها معها، وذلك سيُفسِح أمامنا مجالًا واسعًا لتحقيق أمانينا القومية، وتعديل حدودنا الأوروبية.»

ولذلك صدَرت الجرائد بمقالاتٍ تُظهر سرورها من ثبوت خيانة البلغار، وتدعو الألمان إلى معاقبتها بسرعة، وتتوسع في شرح ما تطلبه تركيا من تعديلاتٍ وتعويضاتٍ في حدودها الأوروبية.

ولكن … طلعت باشا دعا رؤساء تحرير الصحف للاجتماع به في الباب العالي. وذهب الصحفيون إلى الاجتماع وهم في غاية التفاؤل من سير الأمور. وعندما دخلوا على الباشا وجدوا هناك سفيرَي ألمانيا والنمسا، مما زادهم تفاؤلًا، وجعلهم يتوقَّعون بشارةً عظمى.

غير أن طلعت باشا فاجأهم بقوله: لم يبقَ لنا أي أمل في النصر، فأصبح من الواجب علينا أن نسعى للصلح بأعظم ما يمكن من السرعة؛ ولذلك أطلب إليكم أن تغيِّروا لهجة كتاباتكم، وأن تُعِدُّوا الرأي العام بالتدريج إلى هذا الاتجاه الأليم.

وَجَمَ الصحفيون من هذا البيان الذي وقع عليهم وقْع الصاعقة، ثم اتجه أحدهم إلى سفير ألمانيا قائلًا: إننا كنا نعتقد بأن ألمانيا ستُسارع إلى اكتساح بلغاريا جزاء خيانتها. ولكن السفير أجاب بلهجةٍ قاطعة: أُصرِّح لكم مع الأسف الشديد بأنه لم يَعُدْ في استطاعتنا أن نرسل إلى الجبهة الشرقية حتى ولا كتيبةً واحدة. ثم أضاف إلى ذلك بمرارة: نحن أيضًا قرَّرنا ترك القتال وطلب الصلح.

عندئذٍ اشترك سفير النمسا أيضًا في الكلام وأيَّد زميله الألماني قائلًا: نحن أيضًا شرعنا في اتخاذ الإجراءات اللازمة لطلب الصلح.

وخرج الصحفيون من هذا الاجتماع مدهوشين وواجمين … لأن هذه التصريحات الأليمة ما كانت تخطر ببال أحدٍ منهم.

وبعد بضعة أيام من هذا الاجتماع، قدَّمت وزارة طلعت باشا استقالتها، وتألَّفَت وزارة عزة باشا؛ بُغْية إنهاء الحرب وعقْد الهدنة.

وكان أَوَّل الأمور التي فكَّرتْ فيها الوزارة الجدِيدة — بالاتفاق مع رجال الوزارة المستقيلة — الاتصال مع قائد الأسطول البريطاني المرابط في مدخل الدردنيل، كما كان من أول الوسائل التي فكَّرتْ فيها لضمان هذا الاتصال هو توسيط الجنرال طونزند.

ويظهر أن عزة باشا عندما كلَّم الجنرال طونزند استطاع أن يُخفي عنه كل ما كان يساوره من قلق، ولم يتركه يُحِس بشيء من حراجة الموقف وأوضاع الجيش وسير الحرب … بل تظاهر له بأنه وافَقَه على رأيه وقرَّر أن يعمل بنصائحه.

وذهب طونزند إلى مودروس مخدوعًا بأحاديث هذه الملاقاة … وكتب ما كتَبَه مؤخرًا تحت تأثير هذه الخدعة التي انطلَت عليه … وبقِيَت منطلية عليه …

ولكن يجدُر بنا أن نتساءل: كيف لم ينتبه طونزند إلى هذه الخدعة، بعدما عاد إلى بلاده، واطَّلع على حقيقة ما جرى في مختلف ساحات الحروب، خلال الشهر الأخير؟

أظن أنه ليس من الصعب إظهار العوامل النفسية التي لَعِبَت دورها في هذا الأمر: لا شك في أن السرور العظيم الذي كان ملأ قلب طونزند من جرَّاء توهُّمه بأنه قصَّر الحرب فعلًا … وأحاسيس الفخر والمباهاة التي عَمرَت نفسه تحت تأثير هذا الوهم … كانت حالت بينه وبين فهْم الحقائق على أوجهها الصحيحة.

وهنا يجدُر بنا أن نتذكر الكلمة الحكيمة التي كان كتبها ابن خلدون في مقدمته المشهورة: … أن النفس «إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر، أعطَتْه حقه من التمحيص والنظر حتى يتبين صدقه من كذبه. وإذا خامرها تشيُّع لرأي أو نِحْلة، قبِلَت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة. وكان ذلك الميل والتشيُّع غطاءً على عين بصيرتها عن الانتقاد والتمحيص، فتقع في قبول الكذب ونقْله.»

(٢) روايات حول أعلام بعض الدول العربية

١

قرأتُ يومًا في كراسات تلميذ مدرسة بحثًا عن العَلَم العراقي جاء فيه:

«إن النجمتَين المرسومتَين على الرقعة الحمراء من العَلَم ترمُزان إلى دجلة والفرات.»

استغربتُ هذه الرواية لعلمي بأنها تُخالف الحقيقة مخالفةً كلِّيَّة، فرأيتُ أن أبحث عما يُروى في هذا الشأن في سائر المدارس وفي مختلف بيئات المثقفين. ودُهِشتُ دهشةً كبيرة حينما علمتُ بأن هذه الرواية منتشرة في جميع أنحاء العراق وفي أكثر محافل المثقفين …

وأما حقيقة الأمر في منشأ هاتَين النجمتَين، فتتبيَّن من درْس تطوُّر الأعلام التي استُحدثت بعد الثورة العربية:

لقد رأى رجال الثورة العربية — التي بدأت من الحجاز — أن يجمعوا في العَلَم الألوان العربية الأربعة، وقرَّروا أن يكون الأخضر والأبيض والأسود ثلاث مناطقَ أفقية متوازية، وأن يكون اللون الأحمر مثلثًا يقطع هذه المستطيلات الأفقية.

وهذا العَلَم صار العَلَم الرسمي للدولة العربية الهاشمية — أي الدولة الحجازية — التي اعترف بها الحلفاء خلال الحرب، كما أنه صار عَلَم الثورة العام.

ودخل جيش الثورة إلى سوريا، وتغلغل فيها، حاملًا العَلَم المذكور، وتأسَّسَت الحكومة العسكرية أيضًا تحت ظل هذا العَلَم.

ولكن عندما رُؤي أنه لا بد من تكوين دولةٍ سورية منفصلة عن الحجاز — في ٨ آذار سنة ١٩٢٠ — تقرر أن تحتفظ الدولة السورية بعَلَم الثورة، على أن تضيف إليه نجمةً بيضاء، تتوسط الرقعة الحمراء؛ وذلك لتمييزه عن عَلَم الحجاز، من غير أن يختلف عنه اختلافًا جوهريًّا.

وكان تقرَّر أن يُعلَن استقلال العراق أيضًا في الحفلة التي يُعلَن فيها استقلال سوريا، ورُؤي أن يكون عَلَم الدولة العراقية أيضًا شبيهًا بعَلَم الثورة، على أن يُضاف إليه نجمتان؛ لتمييزه عن دولتَي الحجاز وسوريا، وذلك باعتباره الدولة العربية الثانية التي أُنشِئَت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.

هذا هو المنشأ الأصلي والسَّبب الحقيقي للنجمتَين اللتَين تُزيِّنان العَلَم العراقي.

والعَلَم الذي تقرَّر بهذه الصورة في دمشق، انتشر في كل الجهات خلال الثورة العراقية، ثم أصبح عَلَم الدولة الوطنية العراقية عندما تأسَّسَت بصورةٍ فعلية.

وأما منشأ الرواية التي ذكرتها آنفًا، فلا بد أن يكون ما يلي:

أخذ البعض يتساءلون — بطبيعة الحال — عن حكمة وجود النجمتَين على العَلَم العراقي. ولم يتردَّد بعض العقلاء في تأويل ذلك بقوة العقل والمنطق، دون أن يُكلِّف نفسه عناء البحث والدرس لمعرفة حقيقة الأمر. وتوصَّل إلى فكرة ربط النجمتَين بدجلة والفرات. وتولَّدتْ من جرَّاء ذلك هذه الرواية، التي تُخالف الحقيقة والواقع، وإن ظهرت بمظهر المعقول والمقبول.

والغريب في الأمر، أن هذه الرواية نشأَتْ وانتشَرتْ، قبل أن يمضي على مولد العَلَم عَقْدٌ واحد من السنين …

٢

عندما حدث في سوريا الانقلاب العسكري الأول، تحت زعامة حسني الزعيم، تولَّدتْ في بعض البيئات رغبةٌ في تغيير العَلَم السوري.

عَلِمتُ ذلك من أحد السوريين المهتمين بالقضية، وحينما قلت له: «أنا لا أرى أي مبررٍ كان لتغيير العَلَم»، أجابني متسائلًا: «لكن ما معنى النجمات الثلاث؟ يُقال إن الفرنسيين وضعوها ليرمزوا بها إلى الدويلات الثلاث — سوريا وجبل الدروز والعَلويين — فهل يجوز لنا أن نحتفظ بهذه الرموز، بعد أن زالت تلك الدويلات، وأصبَحَت سوريا دولةً موحدة؟»

دُهِشتُ لهذه الرواية أيضًا؛ لعلمي بمخالفتها للحقيقة مخالفةً كلِّيَّة.

وأما السَّبب الحقيقي لهذه النجمات الثلاث فهو ما يلي:

من المعلوم أن الحكومة العربية السورية كانت اختارت لنفسها سنة ١٩٢٠، عَلَمًا يحتفظ بشكل عَلَم الثورة، ويمتاز عنها بنجمةٍ واحدة، إلا أن الفرنسيين عندما استَولَوا على سوريا حمَلُوا الحكومة على إصدار بيان بإلغاء العَلَم المذكور «لأن الدول لم تعترف بالحكومة السورية، التي كانت اختارت ذلك العَلَم»، والعودة إلى استعمال العَلَم الحجازي «لأنه عَلَم دولةٍ صديقة»، وذلك إلى «حين تقرير عَلَم جديد».

ثم قسَّم الفرنسيون البلاد السورية إلى أربع دويلات، ووضعوا لكل واحدةٍ منها عَلَمًا خاصًّا لا يمتُّ إلى عَلَم الثورة بصلة، لا من حيث شكله ولا من حيث ألوانه، وأضافوا إلى زاوية كل واحدٍ منها عَلَمًا فرنسيًّا مصغرًا.

ولكن بعد ذلك، عندما أُلغيت الدويلات المذكورة وتألفت الحكومة السورية المتحدة، قرَّر المجلس التأسيسي إلغاء جميع تلك الأعلام، والعودة إلى الألوان العربية الأربعة. إلا أنه لم يجد إمكانًا لإعادة العَلَم السوري الأول ذي النجمة الواحدة؛ لأن العَلَم المذكور ظل يُستعمل في شرق الأردن، الذي انفصل عن سوريا أثَر استيلاء الفرنسيين عليها، ثم صار العَلَم الرسمي لإمارة شرق الأردن.

ولذلك اضطُر السوريون إلى اختيار ثلاثِ نجماتٍ ما دام النجمة الواحدة صارت من خصائص الأردن، والنجمتان من خصائص العراق.

هذه هي حقيقة الأمر.

ويظهر أنه عندما نبتَت فكرة تغيير العَلَم في بعض الأدمغة، رأوا أن يُضعفوا مكانة العَلَم القائم باختلاق هذه الأسطورة، فراحوا يُشيعون أن النجمات الثلاث تدُل على الدويلات الثلاث.

(٣) حول نزيب ونصيبين

من أغرب الأمور التي لاحظتُها في بعض الكتب والجرائد هو الخلط الشائع بين نزيب ونصيبين.

هناك كُتُب تقول إن مدينة نزيب التي انتصر في جوارها إبراهيم باشا الكبير على الجيش العثماني انتصاره الحاسم المشهور هي مدينة نصيبين الحالية. وكُتُب أخرى تقول بعكس ذلك إن نزيب هي غير نصيبين. والمناقشة حول هذا الموضوع تنتقل إلى الجرائد وتُنشر فيها مقالاتٌ عديدة، بعضها يؤيد الرأي الأول، وبعضها يلتزم الرأي الثاني … كل ذلك من غير أن تصل المناقشات إلى نتيجةٍ حاسمة حول هذه المسألة التَّارِيخية.

في حين أن نظرة تدقيقٍ بسيطة إلى الكتب والخرائط التركية، أو الخرائط المفصَّلة الغربية، تكفي لحسم المسألة، بصورةٍ لا تترك أي مجال للشك والتردُّد.

ذلك لأنه يُوجد هناك مدينة تُسمَّى نصيبين وأخرى تُسمَّى نزيب. وهاتان المدينتان بعيدتان بعضُهما عن بعض بُعْدًا كبيرًا.

فإن نصيبين تقع على الحدود السورية التركية تمامًا، فهناك نصيبين تركية ونصيبين سورية، في طرفَي محطةٍ واحدة.

وأما نزيب فتقع داخل الأراضي التركية، بعيدًا عن الحدود السورية.

ونصيبين التي في تركيا تتبع ولاية ماردين، في حين أن نزيب تتبع ولاية عينتاب، وتمتد بين الولايتَين المذكورتَين ولاية أَورفة الكبيرة، والمسافة بين المدينتَين المذكورتَين تزيد؛ لذلك، على ثلاث درجات ونصف من درجات الطول.

فليس هناك أي حُجة معقولة تُبرِّر القول بأن المعركة المشهورة قامت في نصيبين؛ لأنه ليس هناك أي سببٍ معقول يؤدي إلى تحريف كلمة نصيبين إلى نزيب، أو بعكس ذلك كلمة نزيب إلى نصيبين.

وفضلًا عن ذلك كله أن قليلًا من التفكير أمام الخريطة يكفي لنفي احتمال وقوع الحرب في نصيبين نفيًا باتًّا.

لأن نصيبين تقع في القرب من حدود العراق الحالية في بداية المنطقة المعروفة باسم «منقار البط»، وهي قريبة من ماردين، وبعيدة عن الطُّرق التي تصل بَرَّ الشام بهضبة الأناضول، فليس من المعقول أبدًا أن تكون تلك المنطقة النائية محل احتشاد ولا محل اصطدامٍ للجيوش المصرية والجيوش العثمانية.

وأما نزيب، فهي تقع بالقرب من كليس وعينتاب، ولا تبعُد عن المجازات التي تصل سوريا بالأناضول.

فليس هناك أي مُبررٍ معقول للتشكُّكِ في محل الواقعة نظرًا للاسم المعلوم من جهة، ونظرًا لمتقضيات الحركات العسكرية من جهةٍ أخرى.

فيجدُر بنا أن نتساءل: من أين أتى هذا التشكُّك، في هذه الحقيقة الظاهرة؟ كيف تولَّدتْ أسطورة نصيبين؟

أنا لا أعرف ذلك بالضبط؛ لأنني لم أتتبَّع وأستعرض كل ما كُتِبَ في هذا الموضوع في تواريخَ مختلفة.

ومع هذا، أعتقد بأنني لا أتباعد عن الحقيقة كثيرًا إذا قدَّمت الفرضية التالية:

مدينة نصيبين مدينةٌ مشهورة تذكرها كثيرًا كُتُب التَّارِيخ والجغرافيا، كما أن وجودها على الحدود الفاصلة بين سوريا وتركيا يجعل موقعها أكثر بروزًا للعِيان، في حين أن نزيب مدينةٌ صغيرة لم تُعرَف إلا بسبب الحرب التي نَشبَت بجوارها، كما أنها تقع داخل الأراضي التركية؛ ولذلك لا تُذكَر في الكثير من الخرائط الاعتيادية.

ويلوح لي أن أحد كُتَّاب التَّارِيخ راجع خريطة لأجل أن يعرف موقع المعركة المشهورة، فلم يستطع أن يجد اسم نزيب، ولكنه وجد اسم نصيبين، ولاحظ مشابهة القسم الأول من هذه الكلمة إلى لفظة نزيب في الكتابات الغربية، فقال في نفسه: هذه يجب أن تكون نزيب القَديمة. وكتَب ما كتبه تحت تأثير هذا الوهم، ثم نقل عنه ذلك كثيرون ممن تعوَّدوا النقل دون درْسٍ وتثبُّت، وانتشَرَت الرواية وبلغَت حد التواتر. وبعد انتشارها أصبح القائلون بها ينزعون إلى الدفاع عنها — بقوة الاستمرار — دون أن يلتفتوا كثيرًا إلى قوة الدلائل التي تُبدَى ضدها. وأصبحت بذلك هذه القضية من القضايا التي يحتدم حولها الجدلُ والنقاش على الرغم من تفاهتها الأصلية.

وهذا في نظري من أبرز الأمثلة على الحقيقة التالية:

إن الأغلاط في المعلومات التَّارِيخية تنتشر بسهولةٍ كبيرة، ولكنها لا يمكن أن تُصحَّح — بعد انتشارها — إلا بصعوبةٍ عظيمة وجهودٍ شاقة.

(٤) الغرور والخُيلاء في كتابة التَّارِيخ

إن نزعة التفاخُر والمباهاة تسيطر على بعض النفوس وتدفعها نحو مهاوي الزهو والخُيَلاء …

والأشخاص الذين يستسلمون إلى دواعي هذه النزعة لا يتركون فرصةً تمر دون أن ينتهزوها للتحدُّث عن الأعمال التي كانوا قاموا بها في وقت من الأوقات … وكثيرًا ما يتبجَّحون ببعض الأعمال التي لم يكونوا قد اشتركوا فيها — في حقيقة الأمر — إلا اشتراكًا ضئيلًا، حتى إنهم لا يُحجِمون — في بعض الأحيان — عن انتحال شرف بعض الأعمال التي لم يكن لهم فيها أي يدٍ كانت …

إن آثار هذه النزعة تتجلى في ساحة الحياة الفردية وحدها، بل كثيرًا ما تتعدى ذلك إلى الحياة الاجتماعية، فتَنْصَبُّ على المفاخر العائلية والأمجاد القومية أيضًا.

بعض الكُتَّاب الفرنسيين كثيرًا ما يتبجَّحون بالخدمات التي قدَّمتها الأُمَّة الفرنسية للبشرية، ويتباهَون بذلك على جميع الأُمَم بدون استثناء.

وقد عبَّر مؤرخهم الشهير «ميشله» Michelet عن مزاعم هؤلاء في هذا المضمار أحسنَ تعبيرٍ حين كتب كلمتَه المشهورة:

«لو أن جميع الأُمَم دُعيت إلى عرْض وتكديس كل ما بذَلَتْه من الجهود والأموال والدماء … في سبيل مصلحة العالم، دون أن ترعى مصلحتها هي، لتَكوَّن من مآثر الأمة الفرنسية هرمًا شاهقًا ترتفع قِمَّتُه إلى السماء … وأما تضحيات الأُمَم الأخرى فلا يتكوَّن منها إلا كومةٌ تصل إلى رُكْبة طفلٍ صغير …»

إن هذا الزهو الفرنسي وجد لنفسه مرتعًا خصبًا جدًّا في الشرق العربي، وأدى إلى تكوين أسطورتَين تاريخيتَين: إحداهما في وادي النيل والثانية في جبل لبنان.

الأسطورة الأولى هي النظرية القائلة بأن نهضة مصر بدأَت بفضل حملة نابليون (وقد ناقشنا ذلك في فصلٍ سابق).

والأسطورة الثانية هي النظرية القائلة بأن نهضة لبنان قامت بفضل تدخُّل فرنسا في شئون تلك الديار بعد وقائع سنة ١٨٦٠ (وقد ناقَشْنا ذلك في فصلٍ سابق أيضًا).

(٥) البحث عن أثرٍ سومري عليه جمل ذو سنامَين

زارني يومًا — في إدارة الآثار القَديمة ببغداد — نوري باشا، أحد قُوَّاد الأتراك المشهورين، وقال لي:

سمِعتُ أنه يوجد عندكم أثَرٌ سومري عليه جملٌ ذو سنامَين. يهمُّني أن أرى الأثر المذكور وأن أحصُل على صورته الشمسية.

إن نوري باشا كان أخًا لأنور باشا المشهور، وكان قد رافقه في الحروب التي خاض غمارها في تركستان، بعد أن غادر البلاد العثمانية عقب هدنة ١٩١٨.

ويظهر أنه كان قد تولَّع خلال هذه المدة بالتَّارِيخ التركي — أُسوةً بما فعله عددٌ كبير من مثقفي الأتراك — ولذلك جاءني يبحث عن الأثر السومري الذي يحمل صورة جمل ذي سنامَين.

وعندما أجبتُه بأنه لا يُوجد لدينا أثَرٌ من هذا القبيل، قال: إني علمتُ ذلك من عالِمٍ مجري مشهور، وهو كان أكَّد لي وجود الأثر هنا …

ثم شرح لي الأسباب التي تحمله على الاهتمام بذلك الأثر:

– من المعلوم أن الجمل ذا السنامَين من خصائص تركستان. ووجود هذا الأثر السومري يؤيد رأي القائلين بأن السومريين أتَوا من تركستان.

كرَّرتُ عليه جوابي الأول، ومع هذا استدعيتُ الخبراء الذين يشتغلون في الدائرة؛ لأسألهم عن ذلك بحضوره، وعندما أكَّدوا هم أيضًا عدم وجود أي أثر من هذا القبيل، استغرب الأمر استغرابًا كبيرًا وكرَّر لي بأنه سمع ذلك من عالِمٍ مجري كبير.

ومع هذا رأيتُ أن أترك هذه المسألة جانبًا، ودعوتُه إلى زيارة المُتحَف ليطَّلع على أهم الآثار المعروضة فيه …

وعندما نزلنا إلى إحدى القاعات الأرضية، انبرى يصيح بغتة: ها هو الجمل ذو السنامَين! …

ولكني لم أستطع أن أمنع نفسي من الضحك إلا بمشقةٍ كبيرة؛ لأننا كنا دخلنا قاعة الآثار الآشورية، والأثر الذي رأى عليه الجمل كان نموذج «مسلة شلمانصر» المشهورة.

وكانت مسلَّة شلمانصر أثرًا آشوريًّا لا سومريًّا، وكان تاريخها أحدث من تاريخ السومريين بمدةٍ لا تقل عن ألف عامٍ على أقل تقدير …

وفضلًا عن ذلك كله كانت المسلة تُمثِّل في حقولها السبعة الهدايا والجزيات التي قُدِّمت إلى المَلِك العظيم، من مختلف أقطار العالم المعلوم في ذلك التَّارِيخ.

وأما سبب فرح الزائر من رؤية المسلة المذكورة، فكان ظاهرًا كل الظهور: إنه لم يأتِ إلى المتحف ليشاهد ما هو موجود فيه، إنما أتى ليبحث عما يوافق رغباته … وما يُشبع غروره القومي.

ولكن كم وكم من الكُتَّاب والمؤرخين يعملون مثله وهم لا يشعرون!

(٦) دبيودور الصقلي في قصر الحمراء

قرأتُ يومًا في مجلةٍ أسبوعية وصفًا لمدينة غرناطة وقصر الحمراء «آخر حصون الأندلس»، واصطدمتُ فيها بهذه العبارة الغريبة:

«قال المؤرخ دبيودور الصقلي حين زار قصر الحمراء: لو كنتُ مكان أبي عبد الله لَمَا تركت قصر الحمراء ولو على أسِنَّة الرماح … إن الخروج من الجنة والخروج من الحمراء سواء.»

اصطدمتُ بهذه العبارة لأني أعلم العلم اليقين أن دبيودور الصقلي مات قبل بناء قصر الحمراء بنحو عشرة قرون! … فكل ما يُعزى إليه من كلام عن قصر الحمراء يكون من الوِجهة التَّارِيخية من نوع التخليط المحض.

لا شك في أن كاتب المقالة لم يقرأ دبيودور الصقلي، ويظهر أنه كان قرأ تلك العبارة في كتابٍ ما، ولكنه لم يتذكَّر كاتبها جيدًا، وعزاها إلى دبيودور الصقلي الذي كان سمع به أو قرأ عنه في مكانٍ ما … دون أن ينتبه إلى استحالة ذلك بسبب الفرق الزماني الهائل الذي يفصل بين عصر دبيودور الصقلي وعهد قصر الحمراء.

ولكني أتساءل: كم من القراء انتبَهوا إلى هذا الغلط الفظيع؟ وكم منهم اعتمَدوا على ما جاء في المقالة واعتبروا ذلك حقيقةً ثابتة … وربما راحوا يردِّدونها وينقلونها لأصحابهم في مختلف المجالس وفي مختلف المناسبات!

وهذا، وكم وكم من الجرائد والمجلات تنشر أمثال هذه الأغلاط، التي تصدر أحيانًا من أقلام الكُتَّاب الذين كثيرًا ما ينحرفون في تيارٍ في الاستعجال والارتجال، ويكتبون كثيرًا من الأمور عَفْو الخاطر، دون أن يجدوا متسعًا من الوقت للتثبُّت من صحتها! …

(٧) أسطورة الإنسان الغزال

قبل بضع سنوات تكوَّنَت في سوريا أسطورة الإنسان الغزال:

سيارة تسير في الصحراء عثَرَت على آدميٍّ متوحش يركض بسرعةٍ خارقة مثل الغزال، والسيارة بعد جهود شاقة، استطاعت أن تعتقله. ونقلَتْه إلى دمشق، وسلَّمَته إلى دائرة الصحة، والإدارة المذكورة أرسلَتْه إلى مستشفى الأمراض العقلية.

وعلى أثَر ذلك أخذ ينتشر بين النَّاس وعلى صفحات الجرائد … كثيرٌ من الأخبار والروايات والقصص عن هذا الإنسان الغزال، وصارت هذه الروايات تزداد وتتوسع وتتعقد وتتضاخم يومًا عن يوم.

كنتُ إذ ذاك في دمشق، وذهبت إلى المستشفى القائم في إحدى ضواحي العاصمة لملاحظة أحوال هذا الإنسان الغزال. إلا أني بعد قليل من الملاحظة تأكَّدتُ من أنه إنسانٌ عادي، نشأ نشأةً عادية، ولكنه كان أبكم، وضلَّ الطريق عندما كان يسير في الصحراء، وفَزِعَ من مطاردة السيارة له وأخذ يجري بأقصى ما يمكنه من السرعة. والتحقيقات التي تمَّت في شأنه فيما بعدُ، على يد الأطباء من ناحية، ورجال الدرك من ناحيةٍ أخرى … لم تترك مجالًا للشك في هذه القضية.

إلا أنه خلال هذه المدة كانت الجرائد كتبَت عن هذا الإنسان الغزال كثيرًا من الأخبار والروايات والقصص، مما حمل شركات الأخبار العالمية أيضًا على الاهتمام بأمره، والكتابة عنه مستندة إلى تلك الأخبار والروايات.

حتى إن جريدةً كبيرة زعمَت بأنها أرسلَت أحد محرريها لوصف الإنسان الغزال، ونشَرتْ عنه «تحقيقًا صحفيًّا» مقرونًا بصورةٍ شمسية مأخوذة في وسط الصحراء …

هذا، ومما يجدُر بالذكر أن ظهور نتائج التحقيقات الرسمية لم يقضِ على هذه الروايات والإشاعات على الفور، بل بَقِيَت قصص الإنسان الغزال تتردَّد على الألسُن مدةً من الزمن.

ولكني دهشت يومًا دهشةً كبيرة عندما كنتُ أقرأ كتابًا حديثًا في التَّربية، ألَّفه باللغة الإسبانية أحد علماء الإسبان، وترجمه إلى الفرنسية أحد علماء فرنسا؛ إذ وجدت في هذا الكتاب العلمي فِقرةً عن الإنسان الغزال الذي اكتُشف في بادية الشام!

١  تشارلز فيرفريس طونزند، «محاربتي في العراق، أو خواطر طونزند»، ترجمة عبد المسيح وزير (بغداد، المكتبة العصرية، ١٩٢٣).
٢  المصدر نفسه، ص١١.
٣  المصدر نفسه، ص٥٧٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤