الفصل الثالث عشر

السودان بعد محمد علي

في عهد إبراهيم

ظلت الحالة في السودان بعد عهد محمد علي باشا كما كانت في عهده، أي ظل السودان بحدوده وإدارته التي أنشأها محمد علي سائرة في عهد ابنه إبراهيم باشا، الذي كان حكمه قصيرًا، إذ ولي الحكم في أبريل سنة،١٨٤٧ وتوفي في ١٠ نوفمبر سنة ١٨٤٨، وإبراهيم باشا هو أكبر أنجال محمد علي، وقائد جيوشه، وساعده الأيمن في الحروب الوهابية واليونانية والشام والأناضول، وفي تنظيم الإدارة المصرية، ولد في قولة سنة ١٧٨٩، وحضر إلى مصر مع أخيه طوسون في سبتمبر سنة ١٨٠٥.

وقد عُيِّن وتوفي في حياة والده محمد علي الذي اعتلَّت صحته وضعف عقله في آخر حكمه، وتوفي في ٢ أغسطس سنة ١٨٤٩ في سراي رأس التين بالإسكندرية، ونُقل إلى القاهرة ودفن بمسجده في القلعة.
figure
إبراهيم باشا الأول بن محمد علي باشا.

في عهد عباس باشا الأول

figure
عباس باشا الأول والي مصر من سنة ١٨٤٨ إلى سنة١٨٥٤.

خَلَفَ عباس باشا الأول ابن طوسون بن محمد علي باشا — عمَّه إبراهيم باشا — في ٢٤ نوفمبر سنة ١٨٤٨، وكان أميرًا مستبدًّا، كثير الوساوس، وقد عَدَّ السودان منفى للذين غضب عليهم، وقد نفى إليه رفاعة بك رافع الطهطاوي الذي ولد سنة ١٨٠١ وتوفي سنة ١٨٧٣، وتخرج في الأزهر، وفي البعثة المصرية بباريس، وعُيِّن ناظرًا لمدرسة الألسن ولقلم الترجمة سنة ١٨٥١، حيث أنشأ عباس باشا الأول مدرسة ابتدائية بالخرطوم، وجعل رفاعة بك ناظرًا لها، ومحمد بيومي أفندي كبير أساتذة الهندسة والرياضيات بمدرسة المهندسخانة، وأحمد طائل أفندي أستاذ الرياضيات، وغيرهم، مدرسين بها. وقد ترجم رفاعة بك في أثناء إقامته في السودان كتاب تليماك، ونظَّم مدرسة الخرطوم، وكان معجبًا بالسودانيين وتلامذته منهم، وقال: «إن لهم قابلية للتمدين الحقيقي؛ لدقة أذهانهم، فإن أكثرهم قبائل عربية، ولا سيما الجعليين والشايقية وغيرهم، واشتغالهم بما ألفوه من العلوم الشرعية عن رغبة واجتهاد، ولهم مآثر عظيمة في حسن التعلم والتعليم، حتى إن البلدة إذا كان بها عالم شهير يُرحل إليه من البلاد المجاورة من طلبة العلم العدد الكثير والجمِّ الغفير، فيُعينه أهل بلدته على ذلك، بتوزيع المجاورين «أي: الطلبة» على البيوت بحسب الاستطاعة، فكل إنسان من الأهالي يخصه الواحد أو الاثنان، فيقومون بشئونهم مدة التعلم.»

وهذا الذي يقوله رفاعة بك منشورًا في صحيفة ٦٢ الطبعة الثانية من كتاب «مناهج الألباب المصرية» لا يزال متبعًا إلى اليوم، فإن الطلبة الفقراء الغرباء في المعهد العلمي بأم درمان يوزَّعون على كبار تجار أم درمان، الذين خصصوا في منازلهم غرفًا خاصة لإيواء هؤلاء الطلبة مع إطعامهم وكسوتهم.

وقد قال رفاعة بك من قصيدة:

رفاعة خمس المنظوم مرتجلا
قريضه وهو «بالخرطوم» قد وجلا
قالت هواتفه بالله كن رجلا
فان جدك «طه» بالخطوب جلا

ويقصد رفاعة بك بقوله «طه» أنه من بيت شريف يتصل نسبه بمحمد الباقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين ابن فاطمة الزهرة بنت النبي .

وقد عاد إلى مصر رفاعة بك من السودان عقب وفاة عباس باشا الأول سنة ١٨٥٤، حيث مات عباس باشا مقتولًا.
figure
رفاعة رافع بك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤