ملخص

يبدأ البحث بتأكيد أن البنائية، من حيث هي منهج، قديمة العهد، أما من حيث هي مذهب فكري شامل فهي ظاهرة حديثة، ومع ذلك فمن الوجهة الفلسفية الخالصة يمكن تتبع جذورها الفلسفية إلى أصول من أهمها فلسفة «كانت» التي كانت بدورها تبحث عن نسق «قبلي» تنظم إطاره التجربة ويتألَّف من صور أو قوالب ذات طبيعة ذهنية. وتشكِّل البنائية حلقة في تلك السلسلة الطويلة من المحاولات التي تهدف إلى جعل دراسة الإنسان علمًا دقيقًا، ومن ثم كان النموذج اللغوي يقوم فيها بدور أساسي.

وأهم ما يميز البنائية، فلسفيًّا، هو محاربتها للنزعة التجريبية من جهة، وللنزعة التاريخية من جهة أخرى. فهي تذهب إلى أن العقل ينمو نموًّا عضويًّا، بحيث تظل فيه صور هي أشبه بالنواة الثابتة، وإن كنا نزيدها على الدوام توسيعًا وتعميقًا. وعن طريق اكتشاف عناصر الثبات هذه تعتقد البنائية أنها انتقلت بدراسة الإنسان ومجتمعاته إلى مرحلة العلم المنضبط.

ويعرض البحث بعد ذلك للأسس الفلسفية للبنائية عند عدد من ممثِّليها الرئيسيين:

(١) ليفي ستروس

يظهر الأساس الفلسفي لتفكير ستروس في تأكيده تدخُّل الذهن البشري في تشكيل كل نواتج ثقافته، وجمعه بين مجموعات متغايرة من الظواهر ضمن إطار أو بناء واحد، هو أساس كل المظاهر الخارجية للنظم الاجتماعية. وهذا الطابع الفلسفي هو أساس الانتقادات التي وجهها إليه علماء الأنثروبولوجيا، حين اتهموه بأنه كان دجماطيقيًّا يخرج البناءات عن مجرى الزمان. كما أن هذا هو أصل المعركة المشهورة بين ستروس وبين سارتر والوجودية بوجه عام.

(٢) ميشيل فوكو

في كتاب «الكلمات والأشياء» يحاول فوكو أن يبحث بطريقة غير تاريخية عن البناء المميز لكل مرحلة من مراحل الفكر الأوروبي الحديث، منذ عصر النهضة حتى اليوم. وهو يتعسف في تحديد هذا البناء الذي يراه ثابتًا إلى حدِّ إغفال كثير من العناصر الأساسية التي يستحيل فَهْم العصر بدونها.

(٣) الماركسيون

يستعرض البحث محاولة إيجاد مركب بين البنائية والماركسية عند «لوسيان سيباج»، وهي المحاولة التي ارتكزت على أساس اهتمام ماركس بالبحث عن أطر «كلية» تتجاوز نطاق العوامل الاقتصادية التي اقتصرت عليها الماركسية التقليدية؛ ولذلك أنكر «سيباج» السببية المطلقة للعامل الاقتصادي، ووضعه في إطار أوسع منه.

والمحاولة الأهم هي التي قام بها «لوي ألتوسير»، الذي أراد أن يعيد إلى الماركسية انضباطها العلمي، ويؤكد استقلالها عن هيجل وعن التراث الفلسفي السابق كله، ويجعل محورها بناءً اجتماعيًّا اقتصاديًّا يكون الإنسان ذاته جزءًا منه. وهو يستعيض عن السببية التقليدية بين البناء الأدنى والأعلى، بسببية معقدة متعددة الجوانب. وقد انتقدت هذه المحاولة بسبب تفسيرها المتعسف للماركسية من خلال منظور واحد، هو المنظور العلمي الدقيق وحده، وتجاهلها المفرط للإنسان.

وفي خاتمة البحث تنتقد البنائية ككل لهذا السبب نفسه، أي تجاهل الإنسان، وتجاهل التاريخ والتطور، وإن كان «بياجيه» و«سيباج» يذهبان إلى تأكيد إمكان التوفيق بينها وبين النزعة التاريخية عن طريق تحديد أدق لمعنى «الإنسان» الذي تركز عليه البنائية أبحاثها. وينتهي البحث بتأكيد أن هذا الدفاع غير مقنع تمامًا، وأن البنائية لم تعمل حسابًا لعوامل الحركة والتغير والفاعلية؛ لأنها ركزت على الإنسان في حالته «السكونية» حين يكون «مفعولًا» لا «فاعلًا».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤