وفاة ولي العهد

ولي العهد الصغير مريض، ولي العهد الصغير على شفا الموت، في كل كنائس المملكة تلقى الصلوات والشموع الطويلة تحترق على أمل أن يشفى الطفل الملكي، في شوارع العاصمة القديمة حزن وسكون، ولا يسمع قرع للأجراس. أما العربات فتسير ببطء متمهِّلة، وحول القصر اجتمعت الجماهير ترقب ما يجري باهتمام خلال القضبان، أما حرَّاس الأبواب بملابسهم الذهبية الرسمية فقد اجتمعوا في الردهات يتكلمون باهتمام.

إن القصر كله في قلق، فالوصيفات ومديرو القصر يسارعون هنا وهناك على الأدراج الرخامية، أما الأروقة فمملوءة بالخدم والحجاب بملابسهم الحريرية وهم ينتقلون من جماعة إلى جماعة لكي يتسمَّعوا الأخبار الأخيرة بأصوات ضعيفة. أما على السطح الواسع فإن حاجبات الشرف ينحنين لبعضهن في التحية وهن يجففن أعينهن بمناديلهن المزخرفة الجميلة.

وعند حديقة البرتقال مجمع مزدحم من الأطباء، ومربي ولي العهد ونائب الملك يروحان جيئة وذهابًا خارج باب الحديقة في انتظار قرار المجمع، ويمر من أمامهما الخدم بدون أن يحيوهما. أما نائب الملك فهو يقسم ويجدف بالله كالكفرة، والمربي فهو يتلو شيئًا من «هوراس»، وفي كل آونة تأتي من ناحية الإسطبلات صهلة عالية، هذا حصان ولي العهد الكستنائي وقد نسيه الخدم، فهو يشكو بغضب عندما يواجه مذوده الفارغ.

والملك؟! أين جلالة الملك؟ لقد أغلق الملك غرفته على نفسه منفردًا في الجانب الآخر من القصر، إن الملكية تأبى أن يراها أحد وهي تبكي! أما الملكة فشأنها شأن آخر؛ فهي جالسة بجانب سرير ولي العهد، ووجهها مندي بالدموع، وهي تشهق بالبكاء بصوت عالٍ قبل أي شخص آخر، وما كان أشبهها حينئذ بزوجة تاجر أقمشة بسيط! وفي وسط سريره المغطى بالشرائط، يجلس ولي العهد بوجه أبيض من فرش سريره ووساداته، وبعينيه المغلقتين، وهم يظنون أنه نائم، ولكن لا إن ولي العهد الصغير ليس بنائم، فهو يدير رأسه إلى ناحية أمه، وعندما يراها باكية يقول لها: لماذا تبكين جلالتك؟ هل تظنين حقًّا أنني سأموت؟

تحاول الملكة الكلام، غير أن شهقاتها تمنعها.

– لا تصرخي يا صاحبة الجلالة، إنك تنسين أنني ولي العهد، وأن ولي العهد لن يموت هكذا!

أما شهقات الملكة فيزداد صوتها في الارتفاع، حتى إن الرعب يبدأ يدب في قلب ولي العهد وهو يقول: لا أريد أن يأتي الموت ويأخذني، وأنا أعرف كيف أمنعه من الدخول إلى هنا.

مروهم أن يرسلوا إليَّ في الحال أربعين من طوال الفرسان لكي يتولوا الحراسة هنا حول سريري، وليستعدوا بمائة مدفع عظيم، ليل نهار، بنار متأججة تحت شبابيكي.

وبعدئذ إذا أتى الموت فليأت مخاطرًا بنفسه!

ولكي تسكن الطفل الملكي، تشير الملكة، وفي الحال، كان يمكن للإنسان أن يسمع المدافع العظيمة وهي تتدحرج في الردهة، وأن يرى أربعين من طوال الفرسان وقد احتملوا رماحهم الطويلة، أحاطوا بالغرفة.

وقد عرف ولي العهد أحدهم فهو يناديه: «لورين … لورين.»

ويتقدم الجندي المسن خطوة نحو السرير: «إني أحبك يا عجوزي لورين، أرني سيفك الطويل، إذا حاول الموت أن يأخذني فستقتله، أليس كذلك؟» ويجيب لورين: «نعم يا أميري.» وتنحدر دمعتان كبيرتان على خده المجعد.

وفي هذه اللحظة يتقدم القس إلى ولي العهد، ويحدثه مدة طويلة بصوت منخفض مظهرًا له الصليب، ويُصغي إليه الطفل ولي العهد بنظرة عجب، ثم يقاطعه فجأة: «إني أفهم ما تقول يا سيدي الأب، ولكن ألا يمكن أن يموت صديقي بيبو بدلًا مني إذا أعطي نقودًا؟!»

ولكن القس يستمرُّ في حديثه بصوت منخفض، ويزداد الطفل ولي العهد استغرابًا، وإذا انتهى القس يقول ولي العهد بأنَّةٍ عميقة: «إن كل ما ذكرته لي محزن جدًّا يا سيدي الأب، ولكن شيئًا واحدًا يعزيني، وهو أن هناك في جنة النعيم سأظل ولي عهد أيضًا … إني أعلم أن الله ابن عمي، ولن يغفل أن يعاملني حسب مركزي!»

ثم يضيف ملتفتًا إلى والدته: «أريد أن يستحضروا لي أجمل ملابسي، أريد سترتي البيضاء المزينة بالفرو، وحذائي المصنوع من المخمل، أريد أن أتأنق لأجل الملائكة ولكي أدخل الجنة لابسًا اللباس اللائق بولي العهد!»

وينحني القس للمرة الثالثة على الطفل ولي العهد ويحدثه بصوت منخفض، وعندما يستمر في الحديث يقاطعه الطفل الملكي معارضًا: «ولكن في هذه الحالة ما هي الفائدة من أن يكون الإنسان ولي عهد؟»

وبلا رغبة في استماع كلمة أزيد من ذلك يدير ولي العهد الصغير رأسه إلى ناحية الحائط ويبكي بمرارة!

عن «ألفونس دوديه‏»‏

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤