أول خطوة في المغامرة!

لم تكن «إلهام» مشغولةً بشيء ما في هذا النهار. حاولَت أن تملأَ وقتَ فراغِها بشيء مفيد؛ فذهبَت إلى مكتبة المقر السري، واختارَت كتابًا، ثم بدأَت تقرؤه. كان الكتاب يدور حول تخطيط البساتين. بعد أن قرأَت حوالي نصف مقدمة الكتاب. توقَّفَت، ثم أغلقَت الكتاب. كانت تعرف أنَّه كتابٌ جذاب وشيقٌ فعلًا، لكنَّها نفسيًّا لم تكن مستعدةً لذلك. أعادَت الكتاب مرة أخرى إلى مكانه، ثم أخذَت طريقَها إلى باب الخروج. عندما خطَت أولَ خطوة، وجدَت «زبيدة» أمامها، التي نظرَت إليها. ثم غَرِقتَا في الضحك معًا. كانت «زبيدة» هي الأخرى تمرُّ بنفس الحالة.

قالت «زبيدة»: والآن ما العمل؟

ردَّت «إلهام»: لا أدري، ولا أفهم سرَّ اختفاء الشياطين.

ظهرَت الدهشةُ على وجه «زبيدة»، وسألت: ماذا تقصدين؟ هل اختفى الشياطين فعلًا؟

ابتسمَت «إلهام»، وقالت: لا أقصد ذلك، ولكن كل واحد منهم في حجرته، وهذه ليست عادة الشياطين!

قالت «زبيدة»: ولماذا نتركهم هكذا؟! هيَّا بنا!

استدارَت «زبيدة» لتمشيَ، إلا أنَّ «إلهام» ظلَّت تفكِّر لحظة، دون أن تتحرك. شعرَت «زبيدة» بأنَّ «إلهام» لم تغادر مكانها، فالتفتَت إليها. كانت هناك ابتسامةٌ ضائعة على وجه «إلهام». عادَت إليها «زبيدة» تسألها: ماذا هناك؟

إلا أنَّ «إلهام» لم تُجِب. عادَت «زبيدة» تسألها: هل تُخفينَ شيئًا؟

تنهَّدَت «إلهام»، وقالت: إنني أشعر بملل شديد.

ملأَت وجهَ «زبيدة» الدهشةُ، وهي تسأل: لماذا؟

ردَّت «إلهام»: لا أدري، ولا أعرف سببًا لذلك.

ابتسمَت «زبيدة»، وقالت: ما رأيك في مباراة تنس بيننا.

قالت «إلهام»: لا بأس، إنَّ ذلك يقضي على الملل.

بسرعة، كانت «إلهام» و«زبيدة» قد لبستَا ملابس التنس البيضاء، واتجهتَا إلى الملعب. لم تمرَّ دقائق حتى كان بقية الشياطين يقفون حول الملعب، وهم يشجعون … انقسموا إلى فريقين، كلُّ فريق قام بتشجيع لاعبه. فجأة، قال «أحمد»: ما رأيكم لو أقمنا دوريًّا بيننا.

قال «عثمان»: أوافق؛ فإنني أشعر أنَّ عضلاتي في حاجة إلى الحركة.

بينما قال «بو عمير»: على الأقل، نكسر حالة الملل التي نشعر بها.

كانت إلهام و«زبيدة» قد توقفتَا عن اللعب. وبدأ تقسيم اللاعبين في مجموعات، ليبدأ «دوري الشياطين». اقتربَت «إلهام» من «أحمد»، وهي تقول مبتسمة: هل تشعر بالملل؟

نظر لها «أحمد» لحظة، ثم انفجر في الضحك، وقال: كيف عرفتِ.

ضحكَت «إلهام» وهي تبتسم قائلة: لقد كنت أشعر بنفس الإحساس منذ قليل أيضًا!

ضحك «أحمد» وهو يقول: هكذا الشياطين، ما لم تكن هناك مغامرة؛ فإنَّ حالتهم النفسية تكون سيئة.

ما إن انتهى من كلماته، حتى ظهرَت حمامة بيضاء في الفضاء حولهم. نظر لها «أحمد» مبتسمًا، وهو يقول: لقد انتهى الملل. وداعًا، وأهلًا للعمل!

سألَته «إلهام»: ماذا تعني؟

قال «أحمد»: أعني أنَّ هناك مغامرة جديدة.

ظهرَت الدهشة على وجه «إلهام»، وسألت: كيف عرفت؟

كانت عينَا «أحمد» معلقتَين بالحمامة، وقد دارَت دورتَين حول الشياطين، ثم عادَت من نفس الاتجاه الذي جاءت منه. أعادَت «إلهام» سؤالها، فقال «أحمد»: هل لاحظتِ هذه الحمامة البيضاء؟

فقالت «إلهام»: نعم.

ابتسم «أحمد»، وقال: إنَّها دعوة للاجتماع.

رفع يدَه مشيرًا للشياطين إشاراتٍ فَهِموها، فانضموا إليه سريعًا. وقال «قيس»: إنَّها مغامرة إذن.

ضحك «أحمد»، وقال: كيف عرفت؟

أجاب «قيس»: إنَّ إشاراتِك تُعطي هذا المعنى.

ضحك «أحمد»، وقال: إذن، فقد كشفت نفسي.

سألَت «إلهام»: أنت لم تفسِّر لي سرَّ الحمامة البيضاء.

قال «أحمد»: لقد أخبرني رقم «صفر» في الصباح.

قال «بو عمير»: بالمغامرة.

أجاب «أحمد»: بالحمام. إنَّه أحسن دعوة عندما نكون في منطقة بعيدة عن المقر، وهذه أول تجربة مع الحمام اليوم.

عادَت الحمامة من جديد تطوف حول الشياطين. فابتسم «أحمد» قائلًا: إنَّها دعوة سريعة.

فجأة، نزلَت الحمامة، ووقفَت على كتفه، وأصبح منقارُها قريبًا من أُذُنه. ابتسم، وقال: كأنَّها تريد أن تقول شيئًا! ثم أضاف: هيَّا بنا، فيبدو أنَّ الاجتماع هامٌّ وعاجل.

طارَت الحمامة إلى نفس المكان الذي ظهرَت منه، وأسرع الشياطين إلى قاعة الاجتماعات الصغرى في المقر السري. بعد أن أخذوا أماكنهم، جاء صوت رقم «صفر» يقول: إننا أمام قضية خطيرة تمسُّ الكيانَ العربيَّ كلَّه.

صمتَ رقم «صفر» عن الكلام، وظهرَت على الخريطة الإليكترونية تفاصيلُ العالم العربي. ظلَّ الشياطين يتأملون الخريطة. ثم قالت «ريما»: يبدو أنَّ هناك معاناة في هذه الدول! إنَّ عالَمَنا العربيَّ يمرُّ بمرحلة خطيرة فعلًا في تاريخه، وقد قرأتُ دراسة مستفيضة عن المؤامرات التي تُدبَّر ضدَّه. وهذا يحتاج إلى وعيٍ حقيقيٍّ منَّا.

أضاف «عثمان»: إنَّ المؤامرات حول عالمنا العربي قديمة؛ فمنذ اكتشاف أهميته والمؤامرات لا تتوقف.

أضاف «قيس»: بالتأكيد، لأنَّه يقع في ملتقى قارات العالم الكبرى، ولأنَّه طريق للتجارة بين الشرق والغرب، وبه واحدٌ من أهم شرايين المواصلات، وأقصد … «قناة السويس».

ظلَّ الشياطين يُعدِّدون أهمية موقع العالم العربي. وأضاف «أحمد» في النهاية: دعونا ننظر إلى عالمنا نظرةً معاصرة؛ فكل ما ذكرتموه جيدٌ بالتأكيد، لكني أرى أنَّ أهمية عالمنا العربي الآن تتركز في أشياء أخرى، إنَّه موطن ثروة ضخمة، بالإضافة إلى أنه يملك أكبر مخزون بترولي في العالم، وسوف يظل كذلك حتى يكتشفوا بديلًا للبترول، أو ينتهيَ عمر البترول الموجود في الأراضي العربية. والثروة والبترول في عالمنا العربي وجهان لعملة واحدة. النقطة الثانية المهمة: أننا سوق مستهلك؛ فنحن لا نُنتج بقدر ما نستهلك، ولعل أهم الأشياء التي نستهلكها ولم نستطع إنتاجها بعد، هي … التكنولوجيا. فنحن نستطيع أن نُنتج الكثير، سواء في الزراعة، أو الصناعة، لكننا حتى الآن، لسنا منتجين للتكنولوجيا، فما زلنا حتى الآن مستهلكين لها، وهذا يجعل دولَ العالم المنتجة للتكنولوجيا تضع عينَها علينا؛ لأننا سوق ضخم، بالإضافة إلى أنَّه سوقٌ غنيٌّ، يملك إمكانيات شراء التكنولوجيا. ولأننا نعيش فعلًا … العصر التكنولوجي، فإننا نحتاج هذا العالم الهام، حتى نكون داخل العصر، ولا نكون خارجه.

توقَّف «أحمد» لحظة. وقبل أن يعود للكلام مرة أخرى، كان صوت رقم «صفر» … يتردَّد: هذه وجهةُ نظرٍ صائبة جدًّا، وهذه في نفس الوقت مغامرتكم الجديدة.

نظر الشياطين إلى «أحمد». وابتسمَت «إلهام» قائلة: «أحمد» دائمًا يُخفي عنَّا ما يعرفه.

ردَّ «أحمد»: لم أكن أعرف شيئًا، فقط كنت أُبدي وجهةَ نظري، ونحن نتحدث عن عالمنا العربي، فهذه مسألة تهمُّنا جميعًا! صمت لحظة، ثم أضاف: إنني لا أريد أن أسبق الأحداث، لكننا نعرف أنَّ «مصر، والسعودية، وتونس، والجزائر» تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الكمبيوتر، والآن الكمبيوتر يدخل في دائرة التكنولوجيا الحديثة، فأصبح من الضروري أن تكون هناك معاناة في هذه الدول.

سألَت «إلهام»: كيف؟

ابتسم «أحمد»، وقال: أظن أنَّ الزعيم سوف يشرح لنا القضيةَ كلَّها.

جاء صوتُ الزعيم يقول: إنني أُتابع حواركم، وأنا سعيد به، لكن دائمًا هناك جديد؛ لأنَّ ما سأقوله لا تعرفونه، بالإضافة إلى التقارير التي وصلَتنا من عملائنا، وصلَت منذ قليل.

ابتسم «خالد»، وقال: إنني في غاية الشوق لأن أعرف ما يحدث بالنسبة للكمبيوتر العربي.

مرَّت لحظة، قبل أن يقول «أحمد»: أنتم تعرفون أنَّ هناك شركاتٍ تتخصص في سرقة أصول الصناعة وتقليدها، ثم طرحها في الأسواق بسعر أقل، وهذه الشركات موجودة في كل أنحاء العالم، وفي مجال الكمبيوتر ظهرَت هذه الشركات. ليس هذا فقط، وإنَّما هناك شركات تقوم بتدمير برامج الكمبيوتر، لتضطرَّ الدول إلى شراء هذه البرامج مرة أخرى، فإذا كانت هذه البرامج خاصة بها، فإنَّ هذه تُصبح كارثة؛ لأنَّ عمل برنامج للكمبيوتر يحتاج إلى وقت وخبراء ومعلومات.

قال رقم «صفر»: رائع أيها العزيز «أحمد». والآن، ينبغي أن آتيَ إليكم بمزيد من التفاصيل، بعد أن شرَح لكم «أحمد» جانبًا من القضية.

كان الشياطين يستمعون في اهتمام. وتردَّدَت خطواتُ رقم «صفر»، وهي تأخذ طريقَها إليهم؛ فعندما تتوقَّف هذه الخطوات، سوف تبدأ تفاصيل المغامرة الجديدة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤