المفاجآت تتوالى أمام «أحمد»!

عندما أغلقوا باب حجرة «أحمد» في فندق «الجزيرة» الذي ينزلون فيه، قال «بو عمير»: لقد كنت سيِّئَ الحظ؛ فمنذ قامت الطائرة، استغرقَت جارتي العزيزة في النوم، ولم يكن أمامي إلا أن أفعل مثلها.

ضحك الشياطين، وقال «أحمد»: الآن، نحن أمام مصادفة غريبة، كيف نلتقي بأربعة أشخاص لهم نفسُ الاهتمام؟! وفي مكان واحد! وفي اتجاه واحد أيضًا، إنَّها مسألة لافتة للنظر.

قال «رشيد»: أخشى أن تكون مسألة عادية؛ فنحن نعيش عصر الكمبيوتر، ومن الطبيعي أن يكون هو اهتمام الجميع.

غير أنَّ «مصباح» قال: لماذا نتعجل الأمور، إنَّ لدى كلِّ واحد منَّا موعدًا الليلة، وربما نتيجة هذه اللقاءات تضع أمامنا الحقيقة.

ضحك «أحمد» وهو يقول: إنَّ «مصباح» أكثرنا حظًّا، فموعده مع حسناء.

ضحك الجميع، فأضاف «أحمد»: إنَّ «بو عمير» سوف يكون رجلَ الاتصالات الليلة؛ فسوف يبقى في الفندق، أما باقي الشياطين فعليهم الانصراف الآن، استعدادًا لمواعيد الليلة.

أخذ كلٌّ من الشياطين طريقَه إلى غرفته. أما «أحمد» فقد استغرق في التفكير. قال لنفسه: يبدو أنَّنا أمام عددٍ من الأشخاص يعملون في قمة التكنولوجيا، وما لم نكن على حذر كامل، فسوف ينكشف أمرُنا. فجأةً، قام من مكانه، واتجه إلى الحمام، أخذ دشًّا دافئًا، بعث النشاط في أعضائه، ثم ارتدى ثيابه واتجه إلى التليفون. رفع السماعة، ثم أدار القرص يطلب «وود».

فجأة، شعر كأن أحدًا اقتحم عليه خطَّ التليفون. قال في نفسه: هذه فرصة طيبة على كلِّ حال. أخرج من حقيبته السرية جهازًا صغيرًا، ثم لصقه بجهاز التليفون فأضاءَت فيه لمبة حمراء. ابتسم وقال: إذن، هناك مَن يتجسَّس علينا! ثم فكَّر وقال لنفسه: هل هو المقصود، أم أنَّ رقم تليفون «وود» هو المقصود؟ كان جرس التليفون يرنُّ في الطرف الآخر. مرَّت لحظات، دون أن يردَّ أحد. قال في نفسه: ترى هل هو تليفون لاصطياد الآخرين.

فجأة، رُفعت السماعة، وجاء صوت «وود» يتحدث، كان الصوتُ نائمًا، قال: مَن هناك؟

ردَّ «أحمد»: مساء الخير يا سيد «وود»، يبدو أنني أيقظتُكَ من نومك!

جاء صوت «وود» يقول: هذا صحيح، لقد غلبني النوم، فما زلتُ أشعر بالإجهاد.

قال «أحمد» بسرعة: إذن، أنت في حاجة إلى النوم، ما رأيك في أن نؤجل موعدَنا للغد.

جاء صوت «وود» يقول بسرعة: إنني فعلًا أعتذر إليك، وأشكر لك تأجيل الموعد.

قال «أحمد»: إلى اللقاء إذن!

ثم وضع السماعة. فكَّر لحظة، ثم اتجه إلى حقيبته، وأخرج جهاز الإرسال، ثم أرسل رسالة شفرية إلى عميل رقم «صفر». كانت الرسالة تقول: «٥٢ – ٤٦ «وقفة»، ٥٢ – ٥٠ – ٤٤ «وقفة»، ٦ – ٤٠ – ٢ – ٢٨ – ٥٨ – ٤٦ «وقفة»، ٢ – ٥٠ – ٦ – ٣٤ – ٢٠ «وقفة»، ٢ – ٤٦ – ٤٦ – ٤٢ – ٢، انتهى.» انتظر قليلًا، فجاءه ردُّ عميل رقم «صفر» شفريًّا أيضًا. كان الرد يقول: «٥٠ – ٣٦ – ٤٨ «وقفة»، ٥٠ – ٤٦ – ٦ – ٤٢ – ٥٨ «وقفة»، ٤ – ٣٦ – ١٦ «وقفة»، ٥٠ – ٢٨ – ٤٠ «وقفة»، ٢٤ – ٢ – ٣٦ – ٥٢ «وقفة»، ٤٠ – ٨٥ «وقفة»، ٢ – ٤٦ – ٥٠ – ٤٢ – ٣٢ – ٥٨ «وقفة»، ٤٦، انتهى.»

نظر «أحمد» في ساعة يده، ثم قال لنفسه: ينبغي أن أُخبرَ «بو عمير» قبل انصرافي. كانت حالة التجسس التي كشفها جهاز الكشف تشغل بالَ «أحمد»، فما معنى أن يتجسس على مكالماته أحد؟ إنَّه أمرٌ من اثنين، إما أنَّ «وود» تحت نظر العصابة أو هو فرد منها، وإما أنَّ الشياطين أنفسهم قد انكشفوا. وفي كلتا الحالتين فإن «أحمد» نفسَه قد أصبح مراقَبًا، ما دامت مكالمتُه مع «وود» قد سُجِّلَت. فجأةً، قرر أن يذهب إلى غرفة «بو عمير» حتى لا يحدِّثَه تليفونيًّا، في نفس الوقت يجب على الشياطين ألَّا يتصلوا به في التليفون، وإلا فإنَّهم سوف ينكشفون أيضًا. فتح الباب، وقطع الممر الطويل بنشاط، حيث كانت تقع غرفة «بو عمير» وعليها رقم «٩١٣». طرَق البابَ طرقاتٍ متفقًا عليها، فانفتح الباب، ووجد «بو عمير» أمامه، سأله «بو عمير» في دهشة: ماذا هناك! هل ألغيت الموعد؟

جلس «أحمد»، وبدأ يحكي ما حدث، وعندما انتهى قال «بو عمير»: هذه إذن البداية.

قال «أحمد»: سوف ألتقي بالعميل بعد ربع ساعة، وعليَّ أن أنصرف فورًا! ثم أضاف بسرعة: عليك أن تُخبرَ بقيةَ المجموعة، في نفس الوقت عليك أن تكون يقظًا تمامًا، فمَن يدري ماذا يمكن أن يحدث، إلى اللقاء!

انصرف «أحمد» مسرعًا. كان مشغولًا؛ فهو لا يدري مَن مِن بين هؤلاء الناس جميعًا يمكن أن يكون أحدَ أفراد العصابة! وبرغم أنَّ صالة الفندق كانت مزدحمةً بالنزلاء من كل جنس ولون، إلا أنَّ ذلك لم يستوقف «أحمد»؛ فقد كان موعد «العميل» بعد دقائق. عندما خرج من باب الفندق، التقطَت أُذُنُه كلمةً من الحارس الذي يقف على اليمين، لم ينظر إلى الحارس، واندفع بسرعة، لكنه عاد يفكِّر في نفس الوقت: هل يمكن أن يكون الحارس أحدَ رجال رقم «صفر»؟! … ردَّ على نفسه: ربما، وإلا لماذا قال هذه الكلمة؟ قرَّر أن يتجه يمينًا في نفس الوقت الذي كان يستعد فيه لشتى الاحتمالات. عندما دخل منطقة مظلمة قليلًا، سمع مَن يقول «١٣»، فعرف أنَّ الصوت لأحد عملاء الزعيم، ركَّز بصرَه في الظلام. كانت هناك سيارة سوداء صغيرة الحجم، تقف على بُعْد أمتار. اتجه إليها مباشرة. وعندما وصل، انفتح الباب، وجاء صوت يقول: مرحبًا بكم في «نيقوسيا»!

رَكِب وأغلق الباب. وعندما نظر بجواره ملأَته الدهشة، ولم يصدِّق عينَيه. دارَت الدنيا برأسه، وتزاحمَت علاماتُ الاستفهام! كيف وقع في الفخ، بهذه البساطة؟! … وماذا يمكن أن يحدث؟! … ليس له فقط، ولكن لبقية الشياطين، ترى هل يكون ظنُّه هذا صحيحًا، أم أنَّه يتخيل شيئًا غير صحيح. في الظلام، كانت السيارة قد انطلقَت. فجأة أضاء نورٌ صغير، جعل الأشياء أكثرَ وضوحًا، وجاءه الصوت يقول: مفاجأة، أليس كذلك؟!

قال «أحمد» وما زالَت الدهشة تملأ وجهه: ما زلتُ لا أصدق!

ضحك مَن بجواره وهو يقول: أردتُ فقط أن أسعدَ بك الليلة؛ فأنا معجب بك تمامًا.

لقد كان المتحدث هو نفسه «وود»، الذي غَرِق في الضحك بقوة، أمَّا «أحمد» فقد كانت الأسئلة التي تملأ رأسه كثيرة وكلُّها تبحث عن إجابات، هل «وود» هو أحد رجال العصابة، وأنَّه يستدرجه الآن؟ لكن كيف عرف رقم «١٣»، وهو رقم سري؟ وكيف عرَف الشفرة؟ هل تكون العصابة قد كشفَت كلَّ شيء؟ ظلَّت الأسئلة تدور في رأسه، في حين كان «وود» يضحك باستمرار.

أخيرًا قال: لا تحاول أن تُجهدَ ذهنك؛ فإنَّك لن تصلَ إلى شيء وحتى تنكشفَ أمامك الألغاز، فإنني عميل رقم «صفر».

ظهرَت الدهشة على وجه «أحمد» من جديد، ثم فجأةً غَرِق في الضحك هو الآخر. مع ذلك كان يفكر: وماذا عن «باسم» و«رشيد» و«مصباح»، هل تكون لقاءاتهم مع عملاء آخرين لرقم «صفر». فجأة، توقَّفَت السيارة أمام مبنًى صغير، كانت أمواج البحر تصطدم برصيف مرتفع، فيَصِل صوتُها إلى «أحمد» الذي همس: هل هو بيتٌ خاصٌّ.

قال «وود» مبتسمًا: نعم إنَّه بيتي، هل تقبل ضيافتي؟

ردَّ «أحمد»، وهو يبتسم ابتسامة هادئة: بالتأكيد، فهذا يُسعدني جدًّا.

تركَا السيارة ودخلَا البيت. بعد أول خطوة، توقَّف «أحمد» مبهورًا. ابتسم «وود» وقال «أحمد»: إنَّه معرَّضٌ للأجهزة الحديثة.

ردَّ «وود»: في مكان مثل هذه الجزيرة، تحتاج لأحدث الأجهزة! فهنا ملتقى كثير من شبكات التجسس وتجار كل شيء، ومغامرون هاربون من القانون، وتجار مخدرات، فهذا بلد مفتوح.

ثم قال «وود»: هيَّا لنرى غرفة العمليات!

عندما فتح الباب، بعد أن ضغط «وود» أرضيةَ الصالة الصغيرة بقدمِه ثلاث مرات، دخل «أحمد» أولًا، ثم تَبِعه «وود»، كانت غرفةً غريبةَ الشكل، قليلة الأثاث، لكنها مزدحمة بأجهزة الاتصال. وفي نفس اللحظة، كان أحد الأجهزة يستقبل رسالة ما، في الوقت الذي كانت تلمع فيه لمبة خضراء اللون، ابتسم «وود» وهو يقول: هل تدري مصدرَ هذه الرسالة؟

فكَّر «أحمد» لحظة، ثم قال: أعتقد أنَّها من الزعيم!

ضحك «وود» وهو يقول: هذا صحيح.

لكن فجأة، كان جهاز آخر يستقبل رسالة أخرى. وعندما نظر «وود» إلى «أحمد»، ابتسم «أحمد» وهو يقول: أعترفُ أنني لا أعرف.

قال «وود»: سوف تُدهَش عندما تعرف.

انتظر «أحمد» أن يُفصح «وود» عن مصدر الرسالة، لكنه لم ينطق؛ فقد كان يتابع رسالة رقم «صفر»، التي كانت طويلةً نوعًا، وعندما انتهَت الرسالة، نظر إلى «أحمد» وقال: إنَّها من زعيم آخر.

ثم ضحك. كان «أحمد» يقف حائرًا، دهشًا في نفس الوقت. وتردَّد في خاطره سؤالٌ: ماذا يعني «وود» بالزعيم الآخر؟ شعر أنه يعيش في لغز، ولاحظ «وود» حيرتَه، فقال: سوف تعرف كلَّ شيء الآن. إنَّ مغامرتكم تكتمل حلقاتُها بسرعة، وأظن أنَّكم سوف تبدءونها غدًا.

كان «أحمد» يتابع كلماته، لكن «وود» توقَّف لحظة، ثم قال: أعرف أنَّ هناك تفاصيلَ أخرى عندكم، وهي يمكن أن تُكمل ما عندي.

مدَّ «وود» يدَه، وضغط زرًّا أمامه، فبدأَت ترجمةُ رسالة رقم «صفر» الشفرية تظهر على شاشة صغيرة. تابعها «أحمد»، كما تابعها «وود»، وعندما انتهَت، قال العميل: ما رأيك؟

ردَّ «أحمد»: إذن المغامرة سوف تبدأ غدًا.

صمتَ لحظة، ثم قال مبتسمًا: وماذا عن رسالة الزعيم الآخر؟

استغرق «وود» في الضحك، ثم ضغط زرَّ جهازِ حلِّ الشفرة، فبدأَت ترجمةُ الرسالة تظهر على الشاشة. قرأ «أحمد» الترجمة بسرعة، ثم امتلأ وجهُه بالدهشة؛ فلم يكن يظن أنَّ «وود» يلعب دورًا معقَّدًا إلى هذا الحد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤