٢١

دراجو. ما زال يأسره مدى عدم إدراك دراجو لطَلْعته البهية، ليس نرجسيًّا؛ ليس مولَعًا بالنظر إلى صورته. ومن ناحية أخرى، لو كان أكثر إدراكًا لنفسه فربما فَقَد جزءًا من صراحته التي لا تعرف الخوف من نظرة المحارب.

هل هناك معادِل أنثوي لصراحة دراجو؟ النقاء الأمازوني؟ بَلَنْكا، الأخت، الكمية المجهولة، ماذا تشبه؟ هل يقابلها ذات يوم؟

اكتشف نرسيس توءمًا في الحوض ولم يستطع الانفصال عنه. كلما ابتسم، ابتسم التوءم بدوره. إلا أنه كلما انحنى ليقبِّل الشفاه الفاتنة، تلاشى التوءم في رقرقة المياه.

لا يَتَّسم دراجو بالنرجسية، ليس حتى الآن، وربما إلى الأبد. ولا تتسم ماريانا أيضًا بالنرجسية، سمة تثير الإعجاب بطريقة ما. يرى بفضول، وقد وقع في حب ماريانا، أنه وقع في الماضي، دائمًا، في حب نساء يعشقن أنفسهن.

هو نفسه لم يتعامل بيُسر مع المرايا. منذ وقت طويل وضع قطعة قماش على مرآة الحمَّام وتَعلَّم أن يَحلق عِميانيًّا، وقد انزعج؛ لأن كُسْتِلُّو المرأة انتزعتْ، أثناء إقامتها معه، قطعة القماش. وحين انصرفتْ وضعها في الحال من جديد.

لا يغطي المرآة لمجرد أن يحمي نفسه من بشاعة صورته العجوز، لا؛ يرى التوءم المحبوس وراء الزجاج مُضجِرًا أكثر مما ينبغي. يفكر مع نفسه، شكرًا للرب لأن يومًا سيأتي لن يكون عليَّ أن أرى ذلك الشخص مرة أخرى!

مضتْ أربعة شهور على خروجه من المستشفى والسماح له بالعودة إلى حياته السابقة. قضى معظم الوقت منعزلًا في هذه الشقة، لا يكاد يرى الشمس، منذ انقطعت ماريانا إلى الحضور لم يتناول وجبة حقيقية؛ فقَد شهيته، لا يعتني بنفسه. الوجه الذي يخشى أن يواجهه في المرآة وجه غير حليق لمتسوِّل عجوز، إنه أسوأ من ذلك. التقط ذات يوم من كشك كتب على نهر السِّين، كتابًا في الطب يحتوي على صور لمرضى من مستشفى سلبترير: حالات هوس، عَته شيخوخة، منخوليا، كوريا هنجتون. رأى فيهم على الفور — رغم اللحى الشَّعْثاء ورغم قمصان النوم الخاصة بالمستشفى — رفاق روحه، أبناء عمومة سبقوه وسيتبعهم ذات يوم في نفس الطريق.

يفكر في دراجو؛ لأن دراجو لم يَعُد ولم يرسل كلمة بعد ليلة قضاها في شقته، ويفكر في المرايا بسبب حكاية مسز كُسْتِلُّو عن العجوز الذي استعبد سندباد. تريد مسز كُسْتِلُّو أن تؤثر عليه ببعض الحكايات التي في رأسها. يود أن يصدق أنه، منذ حلقة ماريانا، قاوم مخططاتها، وجعلها في وضع حرج. لكن هل هو مصيب؟ يرتجف حين يفكر فيما قد تَكشِف عنه لمحة عابرة في مرآة: حيزبون على كتفيه مكشرة، تقبض على حنجرته، منكوشة الشعر مكشوفة الثديين، تلوَّح بالسوط.

لا بد أن يكتب خطابًا إلى ماريانا، سواء كانت في بيت أخت زوجها أو بيتها أو أي مكان. من فضلك لا تنقطعي عني. مَهما يكن ما قلتُ، أعدُكِ بألا أعيده أبدًا، كانت غلطة، لن أحاول أن أجذبك إلى مزيد من الألفة، حتى مع أنك فعلْتِ من أجْلي أكثر، أكثر بكثير مما يَتطلَّبه واجبكِ، لن أكون أحمق وأخلط عطْفَك بالحب، بالشيء الحقيقي. ما أعرضه على دراجو، وعليكِ من خلال دراجو، ليس إلا تعبيرًا عن العرفان بالجميل. من فضلكِ اقبليه بهذا المعنى؛ قمْتِ برعايتي؛ أريد الآن، إذا سمحْتِ لي، أن أردَّ الجميل. أعرض أن أرعاك أو على الأقل، أخفف عنكِ بعض الأعباء، أعرض القيام بذلك؛ لأني من قلبي، من أعماقي، أهتمُّ بكِ أنتِ وأبنائكِ.

رعاية: يمكنه أن يضع الكلمة على الورقة لكنه يجدها مختلفة تمام الاختلاف حين يضعها في فمه وينطقها، كلمة إنجليزية أكثر مما ينبغي، كلمة شخص مُسيطِر. ربما ستشاركه ماريانا البلقانية، الراعية، وقد اضطرت أكثر منه إلى التعبير عن حياتها بلسان أجنبي، إحساسه بهذا الاختلاف. وربما لا، ربما قبلتْ بدون تفكير ما قالته لها هيئة الترخيص: إن المهنة التي كانت على وشك العمل بها تُعرف في العالم الناطق بالإنجليزية باعتبارها مهنة رعاية؛ ومن ثم فإن مُهمتها الاهتمام بالناس أو تقديم الرعاية لهم؛ وهذه الرعاية لا علاقة لها بالقلب، إلا في حالات القلب بالطبع.

ومع ذلك ألم يَتحوَّل خلال الشهور الأربعة الماضية بكل معنى الكلمة إلى حالة قلب، مريض قلب؟ كان قلبه، ذات يوم، أقوى أعضائه، قد يخذله أي عضو آخر من إخوانه؛ الأمعاء، الطحال، المخ إلا قلبه، اختُبِرَ وامتُحِن أولًا على طريق مَجيل ثم في غرفة العمليات، سيخدمه بصدق حتى النهاية.

ثم قابَل ماريانا، وعانى قلبه من التغير. لم يعدْ قلبه كما كان من قبل. يؤلمه الآن ليخدم ماريانا، ماريانا وكل من ينتمون إليها. مثلما أعطتْ له، يريد قلبه أن يرد الجميل، يجب أن يضيف في الهامش: رد الجميل ليس مثل رد الدَّين. سامحيني على درس اللغة، أنا أيضًا أتحسس طريقي، أنا أيضًا على تربة غريبة.

يكتب هذه المرة بقلم حقيقي على ورق حقيقي.

عزيزتي ماريانا، هل تعتقدين أن زوجك يعتقد أني سأحاول فرْض نفسي عليك مقابِل مصروفات مَدرسة دراجو؟ لا أحلم بذلك؛ وعلى أية حال، مسز كُسْتِلُّو تحوم دائمًا، لتتأكد من أني على الصراط المستقيم. تقول مسز كُسْتِلُّو: لا توجد امرأة لها عينان في رأسها يمكن أن يكون لها رفيق مثلكَ. لا أوافق على أكثر من ذلك.

كان عليكِ أن تَرَي الكثير مني وأنتِ تُؤدِّين مهمتك، ربما الكثير جدًّا. أقول ببساطة هذه الكلمات: سأبقى شاكرًا لك، رعايتكِ المخلصة لي، حتى يوم موتي. إذا كنتُ أعرض أن أتكفَّل بتعليم دراجو، فذلك ببساطة مجرد طريقة لرد الدَّيْن.

ناقشْنَا أنا وميروسلاف مسألة وثيقة الائتمان، إذا كانت وثيقة الائتمان هي ما يريح ميروسلاف، فسأرى مسألة عمل وثيقة؛ من أجل دراجو، بل ومن أجل أبنائك الثلاثة.

عرفتُ عنوانك من مسز كُسْتِلُّو، التي يبدو أنها تعرف كل شيء. من فضلكِ فكِّري أنت وميروسلاف مرة أخرى، وامنحيني شرف قبول هبة بدون أية نوايا، كما يقال بالإنجليزية.

المخلص للأبد
بول ريمنت

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤