الثَّقب الأسود!

السيد رقم «صفر» … نرجو أن توافق على عقد اجتماع عاجل تحضره بنفسك في المقر الفرعي بميدان الرماية.

الأمر مهم للغاية … ننتظر اتصالكم وتحديد الموعد.

الشياطين اﻟ «١٣»

وفي مكان ما على سطح الكرة الأرضية، تلقَّى رقم «صفر» رسالة الشياطين على شاشة ساعة يده، وآثر أن يُجيبهم فَور تلقيه الرسالة؛ لشعوره بشدة حاجتهم إليه.

وقد كانت سعادتهم كبيرةً عندما تلقَّوا ردَّه وعرفوا أنه سيعقد معهم اجتماعًا مساء نفس اليوم.

فانصرف كلٌّ منهم إلى جهاز الكمبيوتر الخاص به، يجمع معلومات ويُعد تقارير، ويكوِّن تصورًا خاصًّا به.

وأغلقت القيادة باب مركز المعلومات عليهم، وأعلنت لباقي أعضاء المنظمة أن المركز مغلق في هذا اليوم. وقبل موعد الاجتماع بدقائق، كانت مقاعد الاجتماعات قد استقبلت فرقة الشياطين كاملة.

وعندما أطلقت ساعةُ القاعة إشارات الساعة تمام السابعة، ران صمت مطبق على المكان قطعه أزير باب غرفة يُفتح، أعقبه تكة خفيفة تدل على إغلاقه، ثم تلاه أزيز خفيف مُتقطِّع للكرسي الخاص بالزعيم.

وتوقَّفت الأصوات فجأة، وعاد الصمت يملأ القاعة للحظات، قبل أن يقطعه الزعيم قائلًا: أهلًا بكم.

تقاطعت همهمات الشياطين سعيدةً مرحة ترد على تحيته، ثم توقَّفت سريعًا وعاد الصمت من جديد للحظات قطعه صوت نفس عميق لرقم «صفر»، تلاه بقوله: لقد لبَّيت نداءكم فَور تلقِّيه.

أحمد: نشكرك يا زعيم … نحن في شوق إليك.

رقم «صفر»: وأنا أيضًا … منذ متى ونحن نلتقي عبر شبكة الإنترنت؟

إلهام: منذ زمن بعيد.

رقم «صفر»: ليس إلى هذا الحد … هاه … هاتوا ما عندكم.

أحمد: الأمر خطير يا زعيم.

رقم «صفر»: الأمور الخطيرة كثيرة … فأي أمر تقصد؟

أحمد: لقد عرفتَ بأمر الخزان الذي انفجر … أليس كذلك؟

رقم «صفر»: نعم عرفت … وعرفتُ أيضًا أن طريقة انفجاره غير عادية!

إلهام: لقد توصَّل خبراء المنظمة إلى طريقة الانفجار … ولكنهم لم يتوصَّلوا إلى معرفة كيف تمَّ ذلك … وكيف يتم إذا أراد فاعل أن يقوم به.

رقم «صفر»: تقصدين ما هو متاح من طرق التفجير التي نعرفها أليس كذلك؟

إلهام: نعم.

قيس: لقد حدث ذلك في نفس الوقت الذي كانت طائرة «بيتر» تمر فيه فوق موقع الخزان.

رقم «صفر»: وما علاقة «بيتر» بذلك؟

قيس: لقد كان يشكو من قوًى خفية تتبعه، ولم يستطِع رصدها، ولا نحن، رغم أننا استعنَّا بالقمر الصناعي.

رقم «صفر»: وأين هو الآن؟

ريما: اختفى ولم نعثر على أية أثر له.

رقم «صفر»: ما رأيك يا «عثمان»؟

عثمان: بالنسبة للخزان … قد يكون الانفجار بفعل مرور نجم هائل أو ثقب أسود في خط هندسي رأسي مع الخزان.

رقم «صفر»: وما علاقة الثقب الأسود بما حدث للخزان؟

عثمان: تعرف سيادتكم أن الثقب الأسود له جاذبية يمكنها ابتلاع بل وسحق آلاف الكواكب.

رقم «صفر»: تقصد أنها جذبت الغلاف الجوي حول الخزان؟

عثمان: نعم.

أحمد: وسقف الخزان؟!

رقم «صفر»: إن التفريغ الذي حدث حول المبنى صنع مجالًا ضاغطًا في المركز أليس كذلك؟

عثمان: نعم.

رقم «صفر»: إنها وجهة نظر تستحق الدراسة … ولو كان هذا هو السبب فعلًا … فإنه يعني أن الانفجار لن يتكرَّر.

أحمد: وكيف نتأكَّد من صحة هذا التفسير؟

رقم «صفر»: بزيارة مكان الانفجار، والحصول على عينات من بقايا الخزان والوقود.

عثمان: لقد قامت فرقة «العمليات الخاصة» بذلك.

رقم «صفر»: هذا لا يكفي، يمكنكم القيام بهذه الرحلة غدًا، وإعداد تقرير دقيق عن نتائج الانفجار … وسأقود هذه العملية بنفسي … انتظروا اتصالًا مني … أتمنَّى لكم التوفيق … شكرًا.

ما كادت تكة انغلاق الباب تعقب أزيز فتحه، حتى اختفى صوت خطوات رقم «صفر»، وتداخلت أصوات الشياطين في نقاش محموم حول قنبلة «عثمان» التي أطلقها في الاجتماع وأصبحت محور اهتمام رقم «صفر» واهتمامهم أيضًا.

ورغم عدم اقتناع «أحمد» بالفكرة؛ إلا أنه وجد نفسه مشغولًا بها، مهمومًا بتفاصيلها؛ فهو يشعر أن بينها وبين الحقيقة صلةً ما، تستحق البحث عنها.

فانسحب من قاعة الاجتماعات في هدوء حتى لا يشعر به أحد … ولكن هيهات … فقد رأته «ريما» وعن عمد سارت خلفه، وهي تشعر في قرارة نفسها أنها ستصل إلى شيء جديد بمراقبته؛ فلن ينسحب «أحمد» بهذه الطريقة إلا إذا كان على وشك الوصول إلى نتيجة مهمة.

وعندما دخل قاعة المعلومات … وقبل أن يجلس على أحد أجهزة الكمبيوتر، شعر بخطوات ناعمة رشيقة تتوقَّف عند الباب، فعرف أنها «ريما»، ابتسم رغمًا عنه؛ فهو يحب فضولها.

ولكنه لم يلتفت إليها، وكأنه لم يشعر بها حتى لا تدخل معه في نقاش يصرفه عمَّا أتى من أجله، فجلس إلى جهاز الكمبيوتر وأداره … وانشغل عن كل من حوله؛ فبداخله هاجس يُقلقه … وتوقُّع يخاف أن يحدث … فهو يشعر أن في تفسير «عثمان» لِمَا حدث جزءًا كبيرًا من الحقيقة، ولكن … ليس كل الحقيقة، بل إن بقية الحقيقة حتى الآن غامضة وتحتاج منهم إلى بذل الكثير من الجهد، غير أنه يشعر أن نهاية البحث ستصل بهم إلى نتيجة هامة، وهي أن هذا الانفجار سوف يتكرَّر مرةً أخرى، وشعر حوله بضوضاء شديدة، فانتبه منزعجًا.

فوجد حوله زملاءه كلهم في حالة قلق شديد، و«ريما» تدفعه في كتفه محاولةً إخراجه ممَّا هو فيه.

فسألها قائلًا: ماذا حدث يا «ريما»؟

ريما: مرةً أخرى يا «أحمد»!

أحمد: ما الذي حدث مرةً أخرى؟!

ريما: انفجر حزان وقود في طريق «الفيوم».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤