مفاجأة غير متوقعة!

غادر الشياطين الخمسة مطار «باليرمو» عاصمة «صقلية» الذي أحاطَت به الجبال والمرتفعات من كل جانب كأنها تؤكد على طبيعة سكان الجزيرة الخشنة الدموية!

وكانت كلُّ الوجوه حولهم تبدو عليها الخشونة، وتطل منها النظرات الحادة … وتساءلت «إلهام» وهي تخطو خارج المطار: تُرى كيف سنصل إلى رقم «٧٧» في هذه الجزيرة؟

أجابها «عثمان» باسمًا: سوف يسعى هو إلى التعرف علينا ككل مرة.

قالت «هدى» وهي تنظر حولها: أرجو ألَّا يكونَ وجودُنا لافتًا للنظر في هذه البلاد؛ فإن خمسة وجوه عربية معًا في مثل هذه الجزيرة لا بد أن يكون أمرًا لافتًا للنظر.

قال «أحمد»: معكِ حقٌّ يا «هدى» … ولعل هناك أعينًا تُتابعنا عن قرب؛ ولذلك علينا أن نتصرف بحذر … وأشار إلى أقرب تاكسي إليه، فهبط سائقه … وكانت فتاةً في حوالي الخامسة والعشرين ذات ملامح قمحية جذابة، تبدو عليها صلابة وخشونة أهل الجزيرة، ورفعَت قبعتَها في تحية خاصة وهي تقول بالإيطالية: مرحبًا بكم في جزيرتنا الرائعة!

كان أغلب الشياطين يُجيدون الحديث بالإيطالية، ولكن «إلهام» تظاهرت بجهلها بتلك اللغة، وأجابت السائقة بالإنجليزية: نحن لا نعرف الإيطالية … هل يمكنك أن تأخذينا إلى أقرب فندق؟

أجابت السائقة باسمةً: لحسن الحظ أنني أُجيد الإنجليزية … هيَّا بنا.

واستقل الشياطين التاكسي الذي اخترق بهم شوارع العاصمة «الصقلية» إلى أطرافها، حيث يقع فندق هادئ صغير تُحيط به حدائق واسعة متسعة. وأوقفَت السائقة سيارتها وهي تقول: لا شك أنكم ستجدون الإقامة ممتعة في هذا الفندق!

غمغمت «هدى» مجيبة: هذا ما نرجوه.

كان الفندق هادئًا مريحًا بالفعل، وبعد أن اغتسل الشياطين من عناء السفر وتناولوا غداء خفيفًا بعده أصبحوا متأهبين للعمل … وقبل أن يبدأ اجتماعهم في غرفة «إلهام» و«هدى»، أخذ «أحمد» يفحص أركان الحجرة وكل أجزائها تحسُّبًا لوجود أجهزة تنصُّت … ولكن الحجرة كانت خالية.

قال «عثمان»: من العجيب أن فندقًا في جزيرة المافيا يخلو من أجهزة التنصت!

إلهام: لقد أحسنَت سائقة التاكسي اختيار هذا الفندق!

قيس: إننا بحاجة إلى أن نبدأ العمل.

هدى: للأسف لن نستطيع أن نتخذ أية خطوة قبل أن نقابل رقم «٧٧»، فلا شك أن لديه بعضَ المعلومات التي نحتاج إليها لاقتحام السجن … وأيضًا السلاح.

نهض «أحمد» قائلًا: إذن فلنؤجل الحديث إلى المساء … وأعتقد الآن أن كلَّ ما يلزمنا هو جولة سياحية في هذه الجزيرة.

وكانت أمامهم مفاجأة … أن وجدوا سائقة التاكسي جالسةً في صالة الفندق تحتسي مشروبًا باردًا، وعندما وقع بصرُها عليهم قالت باسمة: لقد خمنتُ أنكم ربما تحتاجون إلى جولة سياحية في المدينة، ولم يُخطئ حدْسي!

تبادل الشياطين النظرات في صمت … وبلغة العيون قال «أحمد» للباقين: هناك شكٌّ لديَّ أن هذه الفتاة ربما كانت تعمل لدى المافيا … وأنها مخصصة لمراقبتنا … وعلينا مسايرتها.

وأشار إلى سائقة التاكسي قائلًا: حسنًا … فلنبدأ جولتنا.

كانت السائقة ماهرة في القيادة ودليلة سياحية ممتازة أيضًا وهي تجوب أنحاء المدينة القديمة وتشرح تاريخها، وقد توالى على حكمها القرطاجيون والرومانيون والبيزنطيون والنورمانديون الذين جعلوا منها عاصمة لمملكة «صقلية» … وكيف أن هذه المدينة تشتهر بمينائها الكبير وأحواض بناء السفن وصناعة الصلب والكيماويات والأثاث.

كانت سائقة التاكسي الحسناء منطلقة في حديثها عمَّا تشتهر به المدينة عندما قاطعها «قيس» قائلًا: نسيتِ أن تُخبرينا بشيء هام تشتهر به هذه المدينة … إنها المافيا!

ألقت الفتاة الإيطالية نظرة إلى الشياطين في المرآة، وقالت في صوت عميق بارد: لا أظنكم في حاجة إلى مَن يخبركم عن ذلك!

ترامق الشياطين مرة أخرى وقد زادَت شكوكهم … وقالت بالإيطالية وهي تُلقي ببصرها بعيدًا: إن تاريخ المافيا في هذه الجزيرة قديم وعتيد … وهم حكامها الحقيقيون … ولا شيء يحدث فوق أرضها دون أن يكونوا على علم به … وحتى ما يفكر فيه سكان هذه الجزيرة، يكاد يكون المافيا على علم به.

تبادل الشياطين النظرات مرة أخرى … وبدا الأمر كأنه رسالة تحذير إليهم.

وانحدرَت الفتاة الإيطالية بسيارتها نحو ركن منعزل إلى شاطئ البحر وغادرَت سيارتها وهي تقول للشياطين: هيَّا … سأُريكم شيئًا!

فتَبِعها الشياطين وأشارت «إلهام» لزملائها أن يتأهبوا لأية مفاجأة … حيث كانوا لا يحملون أية أسلحة للدفاع عن أنفسهم في حالة ظهور أي شيء.

وأخذت الإيطالية تقفز فوق الصخور الحادة في مهارة حتى توقَّفَت على حافة المياه أمام فتحة عميقة في الصخور تُشبه الكهف، كانت تبدو مظلمة … ولكن الإيطالية أخرجَت من سُتْرتها كشافًا كهربائيًّا صغيرًا وأسرعَت تتقدَّم به إلى قلب الكهف في صمت. كان الموقف مثيرًا، وتردَّد الشياطين في أن يتبعوا الإيطالية أم لا … ومعرفة سرِّ تصرفاتها الغريبة ولكنهم حسموا تردُّدَهم وساروا خلفها في حذر.

وانتهى السير بهم بمفاجأة لم تكن تخطر على البال … ففي الكهف كانت هناك صناديقُ خشبيةٌ مغلقة! مدَّت سائقة التاكسي يدَها لتفتحها وتُخرج من داخلها بنادق ومدافع رشاشة سريعة الطلقات وقنابل يدوية … كان الكهف يبدو عامرًا بترسانة من الأسلحة، فتبادل الشياطين نظرة دهشة عميقة! وقالت الإيطالية باسمةً باللغة العربية ولهجة مصرية صحيحة: هل تكفي هذه الأسلحة لمهمتكم أم أنكم تحتاجون إلى المزيد؟!

تساءلت «إلهام» في ذهول: هل أنت …؟!

أجابتها الإيطالية: هذا صحيح … إنني رقم «٧٧» … وبرغم أن والدتي إيطالية، إلا أن والدي كان مصريًّا … وقد قضيتُ طفولةً رائعة في «الإسكندرية» قبل أن أرحل مع أمي إلى موطنها الأصلي في هذه الجزيرة بعد وفاة أبي … ويمكنكم أن تنادوني بالاسم الذي كان أبي يناديني به … «علا».

عثمان: لكن …

علا: إنني مدركة لما تريد أن تسأل عنه أيها الشيطان الأسمر … فالتحاقي بمؤسسة الشياطين له قصة طويلة ليس مجالها الآن … وإن كان هذا لا يمنع أنني أعمل مع المافيا أيضًا. هتفت «هدى»: ماذا؟!

أطلقت «علا» ضحكة قصيرة، وقالت: إن الجميع هنا يجب أن يعملوا مع المافيا وإلا كانت نهايتهم؛ ولأن المافيا فوق هذه الجزيرة تراقب أيَّ شخص غريب يصل إليها؛ لذلك كان طبيعيًّا أن يُرسلوا مَن يراقبكم، وباعتباري أُجيد اللغة العربية تم اختياري لهذه المهمة … وبالطبع فسوف أذكر في تقاريري أنكم مجردُ بضعة أشخاص جاءوا للسياحة فوق هذه الجزيرة.

أحمد: إنكِ بذلك تضمنين لنا تغطية رائعة يا «علا»!

أجابته رقم «٧٧» باسمة: لهذا اختارني رقم «صفر» … لأكون عينَه وعونَه فوق هذه الجزيرة، خاصة وإن مهنة قيادة تاكسي سياحي تضمن لي التعرف على كل عملائه الذين يُرسلهم إلى الجزيرة دون أن يشكَّ أحد في شخصيتي الحقيقية.

قالت «هدى»: هذا رائع … فقد بدأت المهمة بأسرع مما كنَّا نخطِّط!

قالت «إلهام»: ولكننا لا زلنا بحاجة إلى زوارق سريعة تنقلنا إلى جزيرة «أوستيكا» لنؤديَ عملنا هناك.

علا: إن هذه الزوارق موجودة بالفعل داخل بعض هذه الصناديق … وهي من النوع المطاط الذي يسهل طيُّه ونفخُه وإخفاؤه … وخلال الليل يستحيل أن يظهر فوق سطح المياه أو ترصده رادارات السجن المثبتة فوق أسواره.

أحمد: هذا رائع! لم يتبقَّ لنا غير دراسة تفاصيل هذا السجن واختيار أضعف أجزائه لاقتحامه من خلالها.

هزَّت «علا» رأسها رافضة، وقالت: إنني لا أنصح بمثل هذه الخطة … فالسجن محصن ويستحيل اقتحامه أو مباغتة حراسه … فالهجوم على السجن بمثل هذه الطريقة أشبه بمهمة انتحارية بلا عودة!

تساءلت «إلهام» في قلق: وما العمل إذن؟!

علا: إن لديَّ خطة بديلة … ولكنها تتطلب شخصًا لديه بعض الدراية بالمهارات … الطبية ويتحدث بالإيطالية كأهلها.

إلهام: إنني أمتلك هذه المهارات … فقد تلقيت تدريبًا طبيًّا مكثفًا في مركز الشياطين الطبي … بل إنني أستطيع تشخيص بعض الأمراض وخياطة الجروح كما أن لغتي الإيطالية ممتازة.

علا: هذا رائع … فإنه يسهل مهمتنا وخطتنا. ضاقت عينَا «أحمد» وهو يتساءل: ولكنكِ لم تُخبرينا بهذه الخطة التي تتحدثين عنها.

علا: إنها خطة سهلة ولا تتطلب غيرَ شخص واحد في نفس الوقت للقيام بها … وهي تتلخص في أن يقوم أحد أطباء وزارة الداخلية الإيطالية بزيارة سجن المافيا بحجة فحص المساجين داخله بعد أن وصلَت للوزارة شكاوى عديدة من منظمات حقوق الإنسان بشأن ما يُلاقيه المساجين من تعذيب داخل هذه السجون.

إلهام: وهذا الطبيب الذي سيزور السجن … هو أنا، أليس كذلك؟

علا: هذا صحيح، وسوف أزودك بكل ما يلزمك من أوراق تُثبت شخصيتك كطبيبة في وزارة الداخلية الإيطالية … وبعد دخولك السجن ستُجرين فحصًا لبعض المساجين، وفي النهاية ستأمرين بنقل المهندس «حلمي» خارج السجن إلى أحد مستشفيات العاصمة بحجة خطورة حالته … وما إن يتم نقله إلى أيِّ مستشفى حتى يكون من السهل علينا تهريبه منها إلى خارج إيطاليا بأكملها.

هدى: إنها خطة رائعة وعبقرية!

أحمد: ولكنها بقدر ما تحمل من بساطة … بقدر ما تحمل من خطورة للشخص الوحيد الذي سيقوم بها في قلب هذا السجن المخيف!

وتعلَّق بصرُه ﺑ «إلهام» في قلق وتوتُّر، ولكن «إلهام» قالت في حماس: لن يُثنيَني شيء عن القيام بهذه المهمة … وأنا مستعدة لتنفيذها حالًا!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤