الفصل العاشر

العقاب

للانتقام مذاق حلو!

ها هي صديقتنا سالي وقد اكتشفت لتوِّها أن التاجر قد أقحم خلسة ٣٠ دولارًا إضافية في الشهر ضمن أقساط السيارة، فتثور ثائرتها، والسبب معروف! فماذا ستفعل الآن؟

نعلم مدى الانفعال الذي يكون عليه رد فعل المرء إزاء الظلم من ردود أفعال مجموعات التركيز البحثية الأمريكية التي ندرسها. كان الانتقام أول خاطر يراودهم: «سيخسرونني كعميل لهم!» «سأنتقل حتمًا إلى تاجر آخر!» «سأود البحث عن منافس أفضل لهم في هذا المجال!» «أي منتَج لا بد أن له مثيلًا يمكنك العثور عليه!»

تتشابه ردود الأفعال هذه كثيرًا إزاء الظلم مع ردود أفعال أي عميل مستاء، ويكمن الاختلاف في الدافع وحِدَّة الانفعال. عندما يواجه المستهلك سعرًا جائرًا على المستوى الشخصي والاجتماعي، لا ينتابه الضيق فحسب بل تثور ثائرته، ولا يكون دافعه المصلحة الذاتية، وإنما الانتقام.

يبدو أنه يوجد معيار علوي يقضي بوجوب فرض عقوبات ضد خرق المعايير،1 وحسبما خلص المتخصصان في علم النفس الاجتماعي ريتشارد ديريدر وراما تريباتي ﻓ: «إن المعايير تنطوي على العقوبات.»2 و«لا يمكن اعتبار سلوك من السلوكيات معيارًا إلا عندما يؤدي أي انحراف للسلوك الفعلي عن المعيار إلى العقاب.»3 بالنظر إلى المسألة من زاوية مختلفة، يُعرَّف العقاب بأنه «جزاء سلبي يُطبق عمدًا على شخص اعتُبر أنه انتهك قانونًا أو قاعدة أو معيارًا أو شيئًا متوقعًا.»4

معيار المعاملة بالمثل

النظريات التي تتناول السبب وراء عقاب الناس لانتهاكات المعايير تعود إلى فكرة أرسطو عن المعاملة بالمثل، فحسب تأويل حرفي لمعيار المعاملة بالمثل، ينبغي للمرء أن يرد المعروف بمعروف مماثل، والضُّرَّ بضُرٍّ مماثل. وكما ورد في الإنجيل: «الحياة بالحياة، والعين بالعين، والسن بالسن.» يُطلع الناسُ الباحثين على أن الدافع للعقاب هو «الاقتصاص من مخالفي القواعد.»5 وبحسب ما خلص إليه أحد الباحثين: «إنْ أساء أحدهم إليك، فإن العدالة تسمح — وتُملي من باب الثأر — أن تسيء إليه.»6
يبدو أن هذا الثأر غريزة حيوانية. يخبرنا فرانس دو فال، الذي يجمع بين تخصصات علم الحيوان وعلم الأعراق وعلم النفس في مزيج نادر، بقصة قرود الشمبانزي.7 من الجلي أن مجموعة الشمبانزي قبلت المعيار الاجتماعي الذي أرساه القائمون على تربيتها من البشر، والذي يفيد بأنه لن يحصل أيٌّ من القرود على وجبة عشائه حتى تعود جميع القرود إلى مهاجعها؛ ومن ثَمَّ، فأي قرد يعود متأخرًا سيستقبله القرود الآخرون بغضب.

ذات مرة تأخر قردان صغيران لساعات طويلة، وعندما عادا أخيرًا، عمت الثورة القرَدة الأخرى؛ نتيجة خرق القردين المعيار، لدرجة أن القائمين على القرود اضطروا إلى وضع القردين المخطئين في قفص منفصل لحمايتهما. لكن القرَدة الأخرى لم تسامح أو تنسَ، فعندما سنحت لها الفرصة صباح اليوم التالي، صبت جام غضبها على هذين المجرمين؛ لخرقهما المعيار الاجتماعي، وتسببهما في تأخير عشاء الجميع.

اتِّباعًا للمنهج القائم على نظرية التطور، يزعم الباحثون وجود ميل عقابي اكتسب حتمية جينية في الدوائر التنظيمية الجينية البشرية.8 ويبدو أن الناس في حاجة إلى اكتساب حسٍّ قوي بالمعاملة بالمثل لعقاب من ينتهك معيارًا من المعايير، مضمرًا نوايا خبيثة داخل جماعته.9 ونقلًا عن عالم الاجتماع ألفين جولدنر، فإن المعاملة بالمثل معيار شامل،10 وموجود في الثقافات كافة.

لكن الكيفية التي يعاقَب بها انتهاك المعايير تختلف حسب نوع المعيار. المعايير التعاونية الشائعة في العلاقات بين الشركات لا تحتاج إلى عقوبات بما أنها تبادلية المنفعة لكلا الطرفين: «ساعدني وسأساعدك!» للمعايير المسيطرة أو القسرية عقوبات واضحة وقوية: يخضع الموردون لأوامر شركة وول مارت وإلا فسيتحملون العواقب.

إلا أن معايير التبادل بين التاجر والمستهلكين مختلفة تمامًا؛ حيث يفرضها توقع عقاب انتهاكاتها، لكن العقاب يتأتَّى من خلال عدد كبير من التصرفات البسيطة المستقلة غير المنسَّقة من جانب كل مشترٍ؛ حيث يتصرف كلٌّ منهم من تلقاء نفسه.11 تتسق لامركزية العقاب مع أفكار الاقتصادي فريدريش هايك، فقد ذهب هايك إلى أن السوق يعمل بأعلى قدر من الكفاءة من خلال التصرفات المتفرقة لعدد لا يُحصى من المشترين والباعة، الذين يعملون جميعًا بشكل مستقل.12 ويخضع السوق للقواعد بنجاح عن طريق الأفعال المتفرقة للأفراد الذين يعاقِبون صور الظلم.
لضمان أن مخالفي المعيار سيعاقَبون في عملية تبادل المستهلك والتاجر، يجب دعم المعايير بقوة الإلزام الاجتماعي.13 على المستهلكين أن يشعروا بحس الواجب في دور «مطبِّقو المعايير» الذين يتقلدونه،14 وعلى المشترين أن يواصلوا مراقبة البائعين، ويحكموا على عدالة تصرفاتهم، ويطبقوا العقوبات، عندما ينتهك البائعون معيارًا اجتماعيًّا، وعلى المشترين معاقبة البائعين عندما يوجد خطأ في السعر.

الجهد المبذول للعقاب

يتطلب العقاب جهدًا، وربما قدرًا من المعاناة من جانب المشتري. مع ذلك، يبذل المستهلك جهدًا جهيدًا لعقاب البائع على تسعيره الجائر، وتتمثل إحدى صور العقاب في مجرد عدم الشراء. لكن الامتناع عن أحد المنتجات يعني أن المستهلك سيستغني عن المتعة التي ربما يحصل عليها من المنتج — أيًّا كانت صورتها.

كذلك الشكوى من صور العقاب الأخرى. لكن هذا يتطلب جهدًا أيضًا! فالشكوى تعني إجراء مكالمة هاتفية، ثم محاولة إيجاد أحدهم للرد عليك، وتوصيل المكالمة إلى القسم المختص. ورغم أن الإنترنت سهَّل العملية، فلا يزال من الضروري البحث عن الوجهة التي سترسل لها البريد الإلكتروني، على أمل أنه سيصل إلى الشخص المختص.

إلا أن المستهلك — رغم الأذى والمعاناة — يبذل في الواقع جهدًا خاصًّا ليعاقِب البائع على إساءة التصرف التي بدرت منه. حسب إحدى الدراسات، فإن شركة من الشركات هجرها حوالي ربع عملائها بسبب أنها فكَّرت في تطبيق ممارسات تسعير جائرة.15 وقد خلصت إحدى مجموعات الباحثين إلى أن «العملاء الغاضبين لا يعودون، بل ينتقمون!»16
على سبيل المثال: في ولاية أريزونا وحدها، أُرسِلت ٢٠٠٠ شكوى إلى مصلحة الأوزان والمقاييس بشأن مضخات الوقود غير الدقيقة.17 وعلى مستوى الولايات المتحدة بأسرها، اشتكى أكثر من ٢٦ ألف مستهلك إلى وزارة الطاقة الأمريكية من الارتفاع الحاد الأخير في أسعار الوقود.18
كما يبذل المستهلك جهدًا جهيدًا لتجنب الشركات التي يظن أنها جائرة. في دراستهم الرائدة عن العدالة، قام الباحثون دانيال كانمان وجاك نيتش وريتشارد تالر بسؤال المشاركين في الدراسة عما سيفعلونه إذا رفعت إحدى الصيدليات أسعارها، بعدما اضطرت صيدلية أخرى إلى إغلاق أبوابها.19 اكتشفوا أن ٦٨ في المائة من المشاركين سيفضلون القيادة لخمس دقائق إضافية على أن يكونوا عملاء لشخص يتصرف على هذا النحو الجائر. كان المشاركون مستعدين لبذل جهد خاص من أجل عقاب الصيدلي الذي انتهك المعيار الاجتماعي باستغلال عملائه.
ينظم العملاء في بعض الحالات حملات مقاطعة كوسيلة للعقاب، وتشير الأدلة إلى أن حملات المقاطعة ليست فعَّالة في تخفيض الأسعار، لكنها تنجح في الإخلال بالنظام. «إنها تهدف لعقاب البائعين على زياداتهم الجائرة في الأسعار.»20
لتنظيم حملة مقاطعة، على المستهلكين ابتكار منظومة لتنسيق مساعيهم المشتتة، الأمر الذي يستغرق وقتًا ويتطلب جهدًا.21 ورغم الجهد المطلوب، يشير استطلاع رأي دولي إلى أن ٥٠ في المائة من الأمريكيين يقولون إنهم شاركوا في حملة مقاطعة واحدة على الأقل.22
بالإضافة إلى مشاركتهم، فمن ينضمون إلى حملة المقاطعة يودون عقاب من لا يشاركون بها.23 يشرح إرنست فير، الاقتصادي الذي أجرى أبحاثًا مستفيضة حول العدالة، أن «الشخص الذي لا يشارك في العقاب يبدو كمتطفل.»24 يبدو أن المعيار ليس عقاب من ينتهك معيارًا فحسب، بل عقاب من لا يشاركون في عقاب المنتهكين.
أوضحت مجموعة أخرى من الباحثين أن المستهلكين لا يكتفون في استجابتهم للظلم بالانتقال إلى متجر آخر أو علامة تجارية أخرى، بل يختارون بديلًا أغلى لمجرد الرغبة في الانتقام،25 وقد خلص الباحثون إلى أن «المرء يرغب في توقيع العقاب حتى إن كبَّده ذلك مشقة أكبر من الأذى الذي سيوقعه على هدفه.»26

أدلة من لعبة الدكتاتور

تُظهر الأبحاث التجريبية أن الناس مستعدون لإيذاء أنفسهم من أجل عقاب من انتهكوا المعايير الاجتماعية، ويتضح ذلك بجلاء في «لعبة الدكتاتور» التي عرضناها في الفصل السابع. تضم اللعبة لاعبَيْنِ: الدكتاتور والمتفاعل. يُعطى الدكتاتور مبلغًا ماليًّا، ويختار بين أن يتقاسمه مع المتفاعل أو لا، وللمتفاعل أن يقبل عرض الدكتاتور أو يرفضه، فإن رفضه، لا يحصل هو أو الدكتاتور على شيء.

من وجهة النظر الاقتصادية القائلة بأن الناس حرفيًّا يسعَون لتعظيم أرباحهم بنحو لا يبالي إلا بمصالحهم الذاتية، يُتوقع من المتفاعلين أن يقبلوا بأي مبلغ يعرضه عليهم الدكتاتور؛ لأنه سيكون أفضل من لا شيء على الإطلاق. لكن من وجهة النظر الاجتماعية القائلة بأن البشر يتأثرون بمعيار التكافؤ الاقتصادي، سيُتوقع من المتفاعل أن يطلب نتائج متساوية، فإن لم يحصل عليها، فسيعاقِب الشخص المسئول.

نتائج التجربة أقرب إلى وجهة النظر الاجتماعية: عادة ما يرفض المتفاعل أي قسمة تمنحه أقل من ٤٠ في المائة. يبدو أن المتفاعل يقبل حق الدكتاتور في الحصول على نصيب الأسد، ربما إقرارًا منه بمركز سلطته. يتصرف الدكتاتور بدوره كما لو كان مدركًا للنحو الذي سيستجيب به المتفاعل لأنه في المعتاد يعطيه ما بين ٤٠ في المائة و٥٠ في المائة. أعطى ٣٫٨ فحسب ممن تقلَّدوا دور الدكتاتور المتفاعل أقل من ٢٠ في المائة؛27 يبدو أن كلَّ مَن أدَّوا دور الدكتاتور مدركون بأنهم سيتعرضون للعقاب إن لم يتَّبعوا معيار تكافؤ النتائج.
باستخدام وسائل مسح المخ الحديثة، يشرع الاقتصاديون المتعاونون مع متخصصي علم النفس العصبي في فهم الكيفية التي يؤدي بها المخ وظائفه عند عقاب السلوك الجائر. في إحدى الدراسات،28 هيَّأ الباحثون التجربة بحيث مارس المشاركون لعبة الدكتاتور، بينما تخضع أمخاخهم للمسح بالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. تؤيد النتائج المستخلصة الأطروحة القائلة بأن إدراكات الظلم والأحكام المصدرة به لها استجابة انفعالية. عندما يُعامَل المتفاعلون معاملةً جائرةً، فإنهم يُبدون نشاطًا أعلى كثيرًا في منطقة المخ، يقترن بحالات انفعالية سلبية، مثل: الألم أو العطش أو الغضب أو الاشمئزاز.
وبإجراء مزيد من الأبحاث،29 تحرَّى الباحثون كيف يتعامل المخ مع الصراع بين المصلحة الذاتية والعقاب إزاء مخالفة المعايير. وبالاستعانة بلعبة الدكتاتور مرة أخرى، اكتشف الباحثون أنه عندما يتلقى المتفاعل عرضًا منصفًا، يسارع بقبوله، لكن عندما يتلقى عرضًا شحيحًا مجحفًا، فإنه يستغرق وقتًا أطول كي يبلغ قراره، ويتمثل السبب المقترح وراء التأخر الزمني، في أن المتفاعل يقع في صراع بين العدالة والمنفعة.
في دراسة اقتصادية عصبية أخرى، باستخدام التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني هذه المرة، لعب المشاركون لعبةً بإمكان اللاعب المتعاون بها أن يعاقِب اللاعب المخالف.30 وكانت النتيجة مدهشة: عند التعرض للعقاب على الأفعال الجائرة، نشط «المخطط الظهري» لدى الرجال على الأقل، وهي المنطقة من المخ المعروفة عنها خواص معالجة المكافأة. إنها الجزء الذي يجعلك تشعر بالسعادة. ومن ثَمَّ يأتي العقاب في الواقع مع مكافأته؛ «للانتقام حلاوته!»
كان أحد الشواغل التي واجهتها الأبحاث على لعبة الدكتاتور أن المتفاعلين لم يستجيبوا لعدالة العرض وإنما للمبلغ المالي، فقد يرفض المرء مبالغ نقدية بسيطة تحت أي ظرفٍ، لا لسببٍ إلا لأن المبلغ بسيط. لكن في دراسة عرف فيها المتفاعلون مقدار المبلغ المزمع تقسيمه، قد رفضوا عرضًا سخيًّا؛ إذ كان صغيرًا نسبيًّا مقارنةً بالمبلغ الإجمالي. لم تكن استجابتهم بسبب القيمة المجردة للنقود المعروضة عليهم، وإنما بسبب أفعال الدكتاتور الجائرة.31
بالإضافة إلى المتفاعل الذي يتأثر مباشرةً بأفعال الدكتاتور، حتى غير المشتركين بشكل مباشر في اللعبة سيبذلون جهدًا خاصًّا من أجل عقاب الشخص الذي يتصرف على نحو جائر. ولاختبار مشاركة الدخلاء، أُجريت دراسة بإمكان طرف ثالث بها إقرار عقوبة على أفعال اللاعبين، لكنه سيتكبَّد تكلفةً مقابل ذلك. كان الطرف الثالث مجهولًا، ولن يحتكَّ باللاعبين في المستقبل. ومن ثَمَّ لم يكن للطرف الثالث أي سبب أناني لتوقيع عقاب، وكان عليه التغلب على مصلحته الذاتية للقيام بذلك. إلا أن أكثر من ثلثي المراقبين من الطرف الثالث عاقَبوا من انتهكوا المعايير الاجتماعية.32
لقيت نتائج الدراسات المجراة على لعبة الدكتاتور تأييدًا في تحليل تالٍ أُجري لعشر دراسات،33 وفي دراسات عبر ثقافية.34 مع ذلك، توجد اختلافات ثقافية في مقدار القسمة الذي يمليه المعيار الاجتماعي. في البلدان التي يُتوقع فيها إجراء القسمة، يُعطى الدكتاتور أكثر مما يُعطى في البلدان حيث لا تُتوقع القسمة. عندما لا تكون القسمة هي المعيار، يُقبَل بعروض زهيدة جدًّا تصل إلى ١٠ في المائة.35

العقاب نسبي

في الولايات المتحدة، تتوقف شدة العقاب المُنَزل على ظلم السعر على درجة التوافق على المعيار وقوة قبول المعيار. فكلما زاد عدد الأشخاص الذين يُعتقد أنهم يؤيدون المعيار، زادت احتمالات تبنِّي استجابة عقابية لخرق ذاك المعيار. وسيكون العقاب أشد عندما تزداد درجة الاستهجان الاجتماعي،36 ومن ثَمَّ يلائم العقابُ الجريمةَ.

في بعض الحالات، عندما تكون درجة تبنِّي المعيار ضعيفة، لن يستحق الأمر بذل الجهد من أجل عقاب المذنب. على سبيل المثال: تحصيل أسعار مختلفة من منافذ بيع مختلفة لسلسلة متاجر قد ينتهك معيار الأسعار المتسقة، لكن إذا كان الفارق بسيطًا، فإن المستهلكين لن يكترثوا على الأرجح؛ فالأمر غير جدير بجهدهم.

حسبما أطلعنا أحد المشاركين بإحدى مجموعات الأبحاث النوعية فإنه: «في حالة المنتجات التي اعتدت شراءها، تتوقع أن تزيد أسعارها. ومن ثمَّ إذا كنت أحب المنتج فأغلب الظن أني سأواصل شراءه. وسواء أكان هذا يضايقني أم لا، سأواصل شراءه رغم ذلك.»

إلا أنه عندما يبلغ الضيق بالعميل مبلغه ويقدِم على شيء بناءً على ذلك، فمن الممكن أن تكون النتائج كارثية. تأمَّل — على سبيل المثال — حالة كولمان هيرمان، وهو مستهلك يعيش في دورتشستر، ماساتشوستس؛ إذ انتابه شعور قوي بأن للعملاء حقًّا في معرفة أسعار البضائع كما يقضي تشريع الولاية؛ وعلى ذلك، رفع دعوى قضائية جماعية ضد كلٍّ من وول مارت وهوم ديبوت؛ لعدم عرضهما الأسعار على أرفف المتاجر.37 وافقت وول مارت على دفع ٧٫٣٥ ملايين دولار، وهوم ديبوت على دفع ٣٫٨ ملايين دولار، بالإضافة إلى تكلفة عرض الأسعار على الأرفف. وقد تبرع كولمان بالتعويض للأعمال الخيرية. لم يكن دافعه المصلحة الذاتية؛ وإنما عقاب انتهاكات معيار الشفافية.

موجز الفصل

تزداد دافعية من يشعرون أن السعر جائر لعقاب البائع الذي يتحمل المسئولية، وسينزلون به العقاب حتى إن سبب لهم ذلك ازعاجًا وكلفة شخصية؛ لأن للانتقام حلاوته. هذا الأمر يعود بنا إلى صديقتنا سالي وسيارتها الرياضية؛ فماذا فعلت عندما اكتشفت أن وكيل السيارات زاد على أقساط سيارتها الشهرية بدون وجه حق؟

أولًا، اتصلت بمدير الوكالة، الذي هوَّن من الموقف، واعتبره سوء فهم فحسب. ثم توجهت إلى المكتب الإقليمي للمصنِّع؛ حيث قالوا لها إنهم «بالغو الأسف» وسيبحثون في الأمر.

ولما لم تحصل سالي على رد يرضيها، أرسلت سلسلة من الخطابات إلى الشركة وإلى الصحف، ونشرت شكواها في مختلف مواقع الإنترنت، واستعانت بخدمات محامٍ، وهي الآن تقاضي الشركة لقاء تعويض يبلغ ٦ ملايين دولار؛ وهي بذلك بذلت جهودًا تفوق كثيرًا مبلغ الثلاثين دولارًا المضافة إلى أقساط سيارتها، لكنها سعيدة بما فعلت؛ فالقدرة على عقاب الوكيل مكافأة لها بما فيه الكفاية.

تعريفات

معيار علوي: معيار يضم تحت مظلته كثيرًا من المعايير الأخرى؛ على سبيل المثال: معيار العدالة.
معيار المعاملة بالمثل: القاعدة القائلة بأن الإحسان ينبغي أن يُجازى بالإحسان، والأذى لا يُقابل إلا بالأذى.
تحليل تالٍ: تحليل يشمل نتائج كثير من الدراسات الأخرى ذات الصلة.
العقوبات: جزاء انتهاك معيار اجتماعي.
معيار شامل: قاعدة اجتماعية يُعتقد أن الثقافات كافة تتبناها.
المتطفل: شخص يستغل المنافع التي يتحصل عليها غيره.
المخطط الظهري: مقطع من المخ يعالج المكافآت، ويجعل المرء يشعر بالسعادة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤