الفصل الخامس عشر

التمييز

من الجائر أن تطالبني بأكثر من الآخرين!
ذات يوم قرر أحد مستخدمي الإنترنت حذف ملفات تعريف الارتباط (ملفات الكوكيز) من حاسبه، وبعد أن فعل ذلك تصفح موقع أمازون؛ ليتحقق مجددًا من سعر أسطوانة دي في دي أراد شراءها، فأدهشه أن السعر انخفض دون سبب من ٢٦٫٢٤ دولارًا إلى ٢٢٫٧٤ دولارًا.1 من الواضح أن ملفات الكوكيز جعلت الموقع يتعرف عليه كعميل قديم لديه، وكما يبدو فالشركة كانت تمنح العملاء الجدد سعرًا أدنى من العملاء القدامى.
انتشرت أخبار تكتيكات أمازون التسعيرية التمييزية على الإنترنت كانتشار النار في الهشيم. وعلى موقع DVDtalk.com، وجَّه المدونون اللوم بقسوة قائلين: «أجد ما تفعلونه خداعًا وتجردًا من الأخلاقيات»؛ «ممارسات أمازون التسعيرية تؤهلهم ليكونوا محتالي الإنترنت!»2 اتفق المدونون على أن هذا التمييز في السعر جائر.3
تحصيل أسعار مختلفة من العملاء القدامى عن تلك التي تُحصَّل من العملاء الجدد، ممارسة جائرة على المستوى الاجتماعي؛ لأن التكلفة التمييزية تنتهك معيار التكافؤ الاجتماعي. «إن لم يلمس العملاء أي فارق بين العروض غير السعر، فغالبًا سيشعرون أنهم ظُلِموا.»4 لكن رغم أن ذلك قد يجعل العملاء يشعرون أنهم تعرضوا لإساءة المعاملة، فإن تحصيل أسعار مختلفة من مختلف العملاء عادةً ما لا يكون مخالفًا للقانون، وهذا يتعارض مع ما يظنه أغلب الناس.
حسب دراسة أجراها مركز أنينبيرج بجامعة بنسلفانيا، فإن ثلثي من خضعوا للدراسة يرون فعليًّا أنه من المخالف للقانون «أن يحصِّل متجر إلكتروني أسعارًا مختلفة من مختلف العملاء في الفترة نفسها من اليوم.»5 بل ترى نسبة أكبر (٧١ في المائة) أنه من المخالف للقانون أن تقوم سلاسل المتاجر بالمدينة بتحصيل أسعارٍ مختلفة مقابل المنتج نفسه في مختلف الفروع. حقيقة، لا يكون التسعير التمييزي — تحصيل أسعار مختلفة لقاء السلعة نفسها من مختلف الأشخاص أو مجموعات الأشخاص — مخالفًا للقانون إلا عندما يكون التمييز راجعًا إلى العِرْق أو الدِّين أو النوع؛ ومن ثَمَّ، فعندما يتكبَّد الأمريكيون من أصول أفريقية أو أصول لاتينية كلفة أكبر مقابل الرهن العقاري، وهم مستوفون للشروط كغيرهم من الأمريكيين، فهذا سبب لإقامة دعوة قضائية، كما هو واضح.6
في الولايات المتحدة، التمييز ضد المجموعات محظور قانونًا بموجب قوانين مكافحة التمييز التي صدرت في ستينيات القرن العشرين، وبإعمال هذه القوانين على الأسعار، سارت ولايات مثل أيوا وفلوريدا وبنسلفانيا ونيوجيرسي على خطى كاليفورنيا في إصدار قوانين ضد التسعير على أساس النوع،7 ففي تلك الولايات، من المخالف للقانون أن تحصِّل من سيدة سعرًا أعلى مقابل تصفيف شعرها، أو أن تحصِّل منها سعرًا أقل أثناء فترة العروض الخاصة المعروفة باسم «الساعة السعيدة»، بل إنه في نيوجيرسي صدر حكم بأنه من المخالف للقانون تحصيل سعر أقل من النساء أثناء الساعة السعيدة يومًا واحدًا في الأسبوع، حتى عندما يتم تحصيل سعر أقل من الرجال في يوم آخر.8

رغم أن الناس يعتقدون أن جميع أشكال التسعير التمييزي جائرة، ويظنون خطأً أنها تخالف القانون، فإنهم يقبلون في كثير من الحالات بالاختلافات بين الأسعار باعتبارها عادلة، وإحدى الحالات الواضحة عندما تكون المعاملة التفضيلية في مصلحتهم.

كما أشرنا من قبل، عادةً ما نقبل أي سعر ونعتبره عادلًا ما دام أقل من السعر المحصَّل من الآخرين. لكن حتى في الحالات التي لا نستفيد شخصيًّا فيها، أحيانًا ما نقبل باختلافات السعر ونعتبرها عادلة. وحسبما كتب الاقتصادي السياسي إدوارد زيجاك، «موقف العامة من التمييز في السعر غير قادر على التفسير العقلاني، فهم عمومًا يمقتون التمييز، لكنهم يتسامحون مع حالات خاصة.»9

وتشيع بالسوق مواقف يُقبل فيها أن يحصل بعض الناس على معاملة تفضيلية عن الآخرين، وتتضمن الأمثلة تذاكر الطيران المجانية للمسافرين المعتادين، والخصومات على الكميات، والأطباق المخصوصة لزبائن المطاعم المبكرين، والمبيعات لعملاء مميزين وحدهم. هذه الأسعار التمييزية كلها مقبولة كمعاملة عادلة، وهنا يكون السؤال هو: ما الذي يجعل التمييز في السعر عادلًا؟

يُعتبر التمييز في السعر عادلًا إذا كان الفارق نتيجة لسبب مقبول اجتماعيًّا، وهي الأسباب نفسها التي تجعل أي سعر عادلًا. السعر أو الممارسة التسعيرية ينبغي أن يخضعا للمعايير الاجتماعية:
  • المعايير الوصفية للعدالة الشخصية: التقاليد والوضع الراهن.

  • المعايير التوزيعية للعدالة الاجتماعية: الإنصاف والتكافؤ في الفرص والحاجة.

  • المعايير الإجرائية للعدالة الاجتماعية: الرأي والحيادية والشفافية.

المعايير الوصفية للعدالة الشخصية

في بعض الحالات، يكون السبب وراء التمييز في الأسعار مجرد عُرف. إنه عادل لأنه هو النحو الذي طالما سارت عليه الأمور. إنه المعيار الوصفي. وكما رأينا في الفصل السادس، العادة يعززها الانحياز إلى الوضع الراهن، وهذا يعني أنه ما إن تُرسَّخ ممارسة تسعيرية، فمن المتوقع أن يُكتب لها البقاء.

لنتأمل ممارسة منح المسنِّين خصومات على تذاكر السينما: كانت الممارسة عادلة في البداية؛ لأنها منحت معاملة تفضيلية لقطاع محتاج من المواطنين، لكن اليوم، فإن أكبر قاسم من الثروة في الولايات المتحدة مع أناس تعدَّوا سن الخمسين.10 ومن ثَمَّ، سيكون من العادل اليوم أن يُحصَّل من المسنين نفس سعر التذكرة الذي يُحصَّل من الجميع، إلا أن الخصم الممنوح لكبار السن لا يزال يُعتبر عادلًا، لا لسببٍ إلا لأنه ترسَّخ كوضع راهن.

المعايير التوزيعية للعدالة الاجتماعية

يُقبَل كثيرٌ من الاختلافات في الأسعار، وتُعتبر عادلة لأنها تخضع لمعيار الإنصاف؛ أي إن الفارق في الأسعار يعكس التكاليف المختلفة في توفير المنتج أو الخدمة؛ وعلى ذلك، يُعتقد أن ارتفاع الأسعار غرب سلسلة جبال روكيز عادل؛ بسبب افتراض ارتفاع تكاليف النقل، وارتفاع سعر تذكرة القصَّر على الطائرات عادل لأنهم يتطلبون جهدًا إضافيًّا.

ويمكن أيضًا اعتبار تباين الأسعار في مختلف أنواع المتاجر منصفًا بسبب الاختلاف في التكاليف. تُظهر دراسة شهيرة الآن أن المرء يتوقع أن يدفع أكثر مقابل كوب الجعة نفسه عندما يشتريه من فندق في منتجع، عما سيدفعه عندما يشتريه من المتجر المجاور لمنزله،11 ويُعتبر الفارق عادلًا نتيجة فهم العميل الضمني أن فنادق المنتجعات تتكبَّد تكاليف تشغيل أعلى من المحالِّ المجاورة لمنزله.

وكذا يمكن أن يكون دفع أسعار مختلفة منصفًا إذا كان المشترون يحصلون على منافع مختلفة في المقابل؛ ومن ثَمَّ، فإن ارتفاع أسعار الصفوف القريبة من خشبة المسرح عادلٌ؛ لأنه بإمكان الشخص أن يرى ويسمع بشكل أفضل عندما يقترب من خشبة المسرح. ارتفاع أسعار تذاكر مباريات كرة القدم ضد الفرق الفائزة يمكن تبريره بتوقع مباراة أفضل. ارتفاع سعر التنزيلات الموسيقية للأغاني الأكثر رواجًا يمكن الدفاع عنه بسبب ارتفاع مستوى الجودة الملموس. وفي المقابل، انخفاض أسعار الخدمات في غير وقت الذروة — كالمعتاد مع خدمات الكهرباء والهاتف والمطاعم — عادل؛ لأن المستخدمين يتلقَّون خدمة في وقت أقل ملاءمة.

كما ذكرنا آنفًا، يُعتَبر حصول شخص على سعر أفضل من شخص آخر منصفًا وعادلًا بتسوقه في وقت الأوكازيون؛ ففي النهاية، المتسوقون أثناء الأوكازيون كانوا من الذكاء والهمة أن اكتشفوا الأوكازيون وتوجهوا لمكانه عندما كان ساريًا، ونظرًا للمجهود الأكبر الذي بذلوه، فمن العادل أنه ينبغي لهم الحصول على أسعارٍ أفضل.

كذلك من المنصف أن يحصل البعض على تخفيض في السعر نظير تنزيلات أو كوبونات. فمن يستغرقون الوقت الإضافي، ويبذلون المجهود الزائد لإرسال وثائق التنزيل، أو للاحتفاظ بكوبون الخصم، مستحِقون لسعر أدنى، فهذا عادل!

لا تُعتبر الأوكازيونات والكوبونات وغيرها من سبل الخصم عادلة دائمًا؛ فحتى عام ٢٠٠١، كانت القوانين في ألمانيا تحظر أي خصم يتعدى ٣ في المائة، ولم يكن مسموحًا بالكوبونات. لم يُسمح بتنظيم أوكازيون للتخلص من المخزون سوى مرتين في العام. يُحصَّل السعر نفسه من الجميع، وهو ما كان يُعتبر عادلًا، إلا أن النظام تغيَّر الآن في ألمانيا؛ فالألمان أيضًا يقرُّون بأنه يمكن أن يكون من العدالة أن يخفَّض السعر.

في الولايات المتحدة، من العادل أن يحصل بعض المتسوقين على أسعار أقل لأنهم ينتمون إلى سلسلة محالِّ بقالة كبرى تبيع بالجملة مثل سامز كلوب، أو سلاسل محالَّ تجارية أصغر مثل ستوب آند شوب. في كلتا الحالتين، يدفع المستهلك المزيد ليحصل على سعر أقل؛ ففي سامز كلوب، يدفع المستهلك رسمًا، وفي المتاجر الكبيرة، يدفع المستهلك من خلال المعلومات الديموغرافية التي يمكن للمتجر أن يبيعها بعد ذلك؛ ففي كلتا الحالتين، تُعتبر مقايضة عادلة.

تُعتبر الخصومات على الكميات منصفة؛ بسبب اقتصاديات الحجم الكبير التي يشاركها البائع مع المشتري؛ ومن ثَمَّ، فمن المتوقع أن تكون الحزمة الأكبر حجمًا أرخص من الحزمة الأصغر حجمًا. منذ بضع سنوات، ضاق المستهلكون عندما تناهى إلى علمهم أن التكلفة الفعلية لعلب التونة الكبيرة لكل رطل أعلى من علب التونة متوسطة الحجم، وترتب على ذلك أن اكتشف الباحثون منتجات أخرى كثيرة مسعَّرة على النحو نفسه، فحسب الرطل الواحد، يفوق سعر علب لحم الخنزير أو الفاصوليا الكبيرة سعر العلب المتوسطة، وعلب معجون الأسنان الكبيرة تكلف أكثر من العلب المتوسطة، ويفوق سعر علب الكريمة المخفوقة الكبيرة سعر العلب المتوسطة.12 يُتهم البائعون باستغلال توقعات المشتري المشروعة بالحصول على خصم على الكميات.
ومع ذلك، فإن السبب الحقيقي وراء أن سعر الوحدة لكثير من سلع متجر البقالة متوسطة الحجم أقل من سعر السلع كبيرة الحجم؛ هو أن العلب متوسطة الحجم هي الأكثر شعبية؛ وهي ما تعرضه المتاجر في إعلاناتها. العلبة متوسطة الحجم هي التي يستخدمها المستهلك لعقد مقارنات بين الأسعار؛ ومن ثَمَّ يكون لها سعر تنافسي.13 والمنافسة معيار اجتماعي راسخ في نظامنا الاقتصادي، ونقبلها كوسيلة لضمان أقل سعر للمستهلك؛ الأمر الذي يخدم مصلحتنا الذاتية؛ فالأسعار القائمة على المنافسة تُقبل وتُعتبر عادلة.
من المتوقع أيضًا أن يُطبق الخصم على الكميات على الزبائن الأوفياء الذين اشتروا المزيد بمرور الوقت.14 وعلى العكس من مثال شركة أمازون التي تُحصِّل أسعارًا أقل من العملاء الجدد، يبدو أن العملاء يعتقدون أن المعيار السائد هو أنه ينبغي للعملاء القدامى أن يدفعوا أقل، فتوفير مسافات سفر مجانية لمكافأة المسافرين معتادي السفر مع شركة طيران معيَّنة أمر عادل؛ فهو حقٌّ يرى معتادو السفر مع شركة طيران معينة أنهم يستحقونه، وفي كل مرة تعتزم شركة طيران إجراء تغيير في برنامج العملاء الأوفياء، فإنها تتلقى شكاوى من المسافرين الذين يعتبرون القواعد والشروط غير قابلة للمساس.15
بالنظر إلى المسألة من زاوية أخرى، يعترض عملاء شركات الهواتف المحمولة على أن الأسعار الأقل تذهب لمن يتحولون من شركة لأخرى.16 يشعر العملاء الأوفياء أنهم خُدِعوا عندما تعطي الشركة التي يتعاملون معها أسعارًا أقل للعملاء الجدد، ويستشيطون غضبًا — كما نشرت شركة سبرينت في إعلانها في الفصل الأول — عندما «يتمتع أحدث من ينضم إلى الملعب بمزايا خاصة.» وهو ما يُعتبر جائرًا.
لتوفير فرص متكافئة، المعيار القائم هو أن للجميع الحق في الحصول على أسعار مخفضة، ومن الجائر قصر الحصول عليها على قلة معيَّنة محظوظة، وهو ما أزعج الكندي توم شيرلوك الذي رأى أنه من الجائر أن تمنح شركة إير كندا أسعار تذاكر أقل لمستخدمي الإنترنت عن غيرهم،17 فحرَّك دعوى قضائية ضد الشركة، لكن الحكم لم يكن لمصلحة توم المسكين؛ لأن القاضي قال: إن الإنترنت متاح الآن للجميع، فتوجد فرصة متكافئة للجميع للحصول على السعر الأدنى، فصدر الحكم أن برنامج الإنترنت الخاص قانوني وعادل في كندا.

بالإضافة إلى معايير العدالة التوزيعية للإنصاف والتكافؤ، التبرير الرئيسي الآخر للأسعار التمييزية هو الحاجة؛ فالمحرومون يستحقون سعرًا أقل (راجع الفصل السابع)؛ ومن ثَمَّ، يؤيد المجتمع الإسكان المدعَّم لضحايا الأعاصير وكوبونات المعونات الغذائية للفقراء وتخفيضات مصاريف الدراسة للطلاب الأكثر فقرًا.

المعايير الإجرائية للعدالة الاجتماعية

إن التمييز في السعر يكون عادلًا إذا كان يخضع للمعايير الإجرائية للعدالة الاجتماعية؛ أي إذا كان يتيح للمستهلكين حرية التعبير عن آرائهم ويتميز بالحيادية وبالشفافية. على سبيل المثال: الأسعار المساوَم عليها عادلة لأن المستهلك تمتع بالحق في التعبير عن رأيه، وشعر أنه يمتلك السيطرة. حتى إن استطعت الحصول على سعر أفضل لسيارة جديدة عن السعر الذي بوسعي الحصول عليه، فهذا عادل، رغم أنه سيصيبني بالضيق؛ والسبب هو أن كلًّا منا يتمتع بالسيطرة على السعر. لكني لم أضطر لقبول السعر الذي عرضه مندوب المبيعات، ولا يمكنني أن أعزو السبب إلى شخص آخر؛ إنه خطئي أنا؛ ولذا، عليَّ أن أقبل السعر وأعتبره عادلًا.

لكن السعر لن يكون عادلًا إن لم يكن حياديًّا، ومثال على ذلك: «تجزئة السعر»؛ أي تحصيل أسعار مختلفة من مختلف قطاعات السوق حسب مدى استجابة المستهلك للأسعار، وهذا يعني أن مختلف الأشخاص سيدفعون أسعارًا مختلفة مقابل السلعة نفسها، بناءً على ما إذا كانوا يَعبئون بالتكلفة. هذه الممارسة جائرة وباغية؛ إنها استغلال للمستهلك. سيستشيط المستهلك غضبًا ويقول: «من الجائر أن أدفع أكثر من الآخرين!»

وقد بات التمييز في السعر ممكنًا الآن على شبكة الإنترنت، فيما يطلق عليه «التسعير الديناميكي»، فبإمكان الباعة على الإنترنت تعديل السعر عندما يعثر العملاء المحتملون على معلومات منافسة على الإنترنت. كما أن بوسعهم تحديد مكان إقامة المستهلكين والتوصل إلى مستوى دخلهم؛ ومن ثَمَّ يُحصِّلون سعرًا يتفق مع ذلك. وحسبما خلص الاقتصادي بول كروجمان: «التسعير الديناميكي … جائر بلا شك؛ فالبعض يدفع أكثر بناءً على هوياتهم.»18
أشهر القطاعات استخدامًا للتسعير الديناميكي هو شركات الطيران، فباستخدام شركات الطيران لنظام تطلق عليه «التسعير المتغير»، تقوم بتحديد الأسعار وفق الطلب الفعلي والمتوقع، فإن كان الطلب الفعلي مرتفعًا، ومن المتوقع أن يظل الطلب المستقبلي مرتفعًا، تزيد تكلفة المقاعد. ورغم أن تسعير شركات الطيران قانوني، فإنه يُعتبر جائرًا بوجه عام.19

والتسعير التمييزي الآن بصدد بلوغ المتاجر التي تستخدم «برمجيات تحسين الأسعار»، المخصصة لتحديد السعر المثالي لكل سلعة بمتجر معين، فبأخذ زبائن هذا المتجر في الاعتبار، لا يقوم البرنامج بتحديد سعر السلعة الأصلي فحسب، بل يقرر أيضًا متى ينبغي تخفيض السعر، وهذا كله يتوقف على المستويات المختلفة لطلب المستهلك في مختلف المتاجر، وليس على تكاليف المورِّد.

وتتمثل إحدى حالات التسعير التمييزي فيما أوردته محطة التليفزيون المحلية بدينفر، من أن متجرَي تارجت ووول مارت حصَّلا أسعارًا مختلفة في مختلف الأحياء بحسب قدرة قاطن الحي على الدفع،20 فسائل الغسيل تايد الذي بيع في أحد فروع وول مارت مقابل ١٢٫٨٣ دولارًا بيع في فرع آخر مقابل ٩٫٥٨ دولارات فحسب.
في استطلاع رأي شمل قرابة ٤٠٠٠ مشاهد تابعوا تقرير دينفر التليفزيوني، تفاجأ ٤٠ في المائة من الاختلاف في الأسعار، ورأوا أن ممارسة التسعير التمييزي خاطئة. ورغم أن سلسلة وول مارت لم تعلِّق على التقرير، فإن تارجت دافعت عن نفسها بقولها إنها لا تعدِّل الأسعار بين المتاجر «بدافع من العدالة» إزاء عملائها.21 لكن يبدو بالفعل أنهم يعدِّلون فعليًّا من الأسعار بين المتاجر، وكما يقولون بأنفسهم: هذا ليس عادلًا.

رغم أننا نعتبر أنه من الجائر قيام سلاسل المتاجر بتحصيل أسعار مختلفة في مختلف متاجرها، فإننا نرى أنه من العادل تمامًا قيام إحدى السلاسل بتحصيل أسعار مختلفة عن السلاسل الأخرى، بل إننا نمتدح ذلك. إذا عرضت وول مارت سلعها بسعر أدنى من تارجت، فإن هذا يُعتبر من فوائد المنافسة؛ فالأسعار القائمة على المنافسة عادلة.

ويبدو أن الباعة لا يعبَئون بمسألة العدالة ما دام المستهلكون لا يعرفون بالتمييز في الأسعار؛ على سبيل المثال: لا تمثل العدالة شاغلًا للباعة إذا كان المشتري لا يعلم أن بإمكانه المساومة مع مندوب مبيعات السيارات، أو يعلم فيما بعد أنه كان يستطيع المساومة على تكاليف النقل. مع ذلك، عندما يكتشف المستهلك أنه قد أضاع فرصة للحصول على سعر أفضل — سعر حصل عليه غيره — فإنه يستشيط غضبًا.22 وثمة أدلة تُفيد بأنه كلما طالت الفترة التي يكتشف بعدها المرء المال الذي كان بإمكانه توفيره، زاد شعوره بظلم الخسارة التي تكبَّدها، وازداد غضبه.23

على سبيل المثال: إذا اكتشف المتسوق أن بإمكانه الحصول على علبة زبادي مجانية وهو يضع بعض علب الزبادي في عربة التسوق، فلا توجد مشكلة حينذاك؛ إذ إنه سيلتقط علبة إضافية ببساطة، أما إن علم أنه فاتته فرصة الحصول على علبة زبادي مجانية بعد عودته إلى منزله، فإنه سيشعر بضيق شديد؛ فالسبيل الوحيد لتعويض الصفقة التي فاتته أن يبدد الوقت والجهد في العودة إلى المتجر، وستثور ثورته حينها. من ناحية أخرى، يقدِّر العملاء كثيرًا إطلاع موظف الحساب إياهم على أن من حقهم الحصول على علبة زبادي مجانية، وهذا عادل جدًّا.

يُعزى جزء من الغضب حيال سياسة التسعير الديناميكي التي تتبعها أمازون إلى افتقار الشركة للشفافية؛ فالكيفية التي يتعرف بها البائعون على الإنترنت على العملاء الذين يُحتمل أن يدفعوا أسعارًا أعلى، غامضة. الأمر يختلف عن الذهاب إلى وكيل السيارات في سيارتك المرسيدس فيعتبرونك هناك مشتريًا ثريًّا. على الإنترنت، «ربما لا يدرك المرء أن مرتبه المرتفع وأسلوب حياته المكلف يجري ترجمتهما إلى تذاكر طيران بأسعار باهظة.»24 وهذا ليس عادلًا.

موجز الفصل

التسعير التمييزي مثال واضح على أن بعض الناس يحصلون على صفقة أفضل من غيرهم، إلا أن بعض المشترين لا يزالون يقبلونه، لا سيما إذا كانوا هم من يحصلون على الصفقة. يطرب المشتري لحصوله على مساومة لا يحصل عليها غيره. ويعتبر هذا عادلًا.

لكن في بعض الحالات، يقبل المشتري بالتسعير التمييزي، ويعتبره عادلًا، إذا لم يكن هو المستفيد، وهذه هي الحالات التي يكون التسعير التمييزي فيها عُرفًا قائمًا، أو التي تُتوخى فيها المعايير التوزيعية القائمة على التكافؤ والإنصاف والحاجة، بالإضافة إلى معايير الشفافية والرأي والحيادية الإجرائية.

لكن ثمة إمكانية متزايدة لوجود التسعير التمييزي الجائر؛ فعلى الإنترنت، ترتفع إمكانية تجزئة السعر. يقول أحد استشاريي الإنترنت: «في المستقبل سيتحدد ما تدفعه حسب المكان الذي تعيش فيه وهويتك، وهذا جائر، لكن ذلك لا يعني أنه لن يحدث.»25
إلا أن آخرين يلفتون الانتباه إلى أنه يجدر بالباعة الاستعداد للانتقام إذا اكتشف عملاؤهم أنهم استخدموا التسعير التمييزي، وحسبما صرَّح أحد الباحثين: «إن اكتشف المستهلك قيامك بذلك، فأمرك قد انتهى.»26 وخلص أحد محللي مجال البيع على الإنترنت: «كان أكبر خطأ ارتكبتْه أمازون هو افتضاح أمرها.»27

تعريفات

التمييز في السعر: تحصيل أسعار مختلفة من مختلف الناس مقابل المنتج نفسه أو الخدمة نفسها (كذلك يُطلق عليه التسعير «المتفاوت»).
الخصم على الكميات: سعر أدنى بناءً على شراء مقدار أكبر.
تجزئة السعر: تجميع المستهلكين في مجموعات حسب استجابتهم للسعر.
التسعير الديناميكي: تسعير تمييزي يتغير بسرعة؛ عادةً ما ينطبق على الأسعار التمييزية على الإنترنت.
التسعير المتغير: تسعير تمييزي يتغير بناءً على الطلب المتوقع، وعادة ما ينطبق على الأسعار التمييزية لتذاكر شركات الطيران.
برمجيات تحسين الأسعار: برنامج كمبيوتر يحدد الأسعار التمييزية حسب طلب المستهلك المحلي؛ عادة ما يُطبَّق على الأسعار التمييزية في متاجر البيع بالتجزئة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤