الفصل السابع عشر

الضرائب

من ثقافة الأمريكيين دفع الضرائب رغم بغضها
اشترِ بدلة في ولاية نيويورك، وستُفاجأ بزيادة قدرها ٨ في المائة في المتوسط في ضريبة المبيعات. اشترِ زجاجة شراب، وستُكلَّف ١٫٦١ دولار كضريبة إنتاج. امكث في فندق، وسيزيد سعر الغرفة بنسبة ١٣٫٣٧٥ في المائة مقابل ضرائب المدينة والولاية، بالإضافة إلى دولارين آخرين نظير ضريبة الإشغال و١٫٥٠ دولار ضريبة الوحدات المباعة. اشترِ جالونًا من الوقود، وسيكون ٢٣٫٩ في المائة من السعر ضريبة إنتاج، وحيث إن سعر جالون الوقود الحالي يبلغ ٣ دولارات، فإنه يتضمن ٠٫٧٢ دولار للجالون مقابل ضرائب الأعمال وضرائب الإنتاج الفيدرالية وضريبة مقابل التسرب.1 وإجمالًا، فإن حوالي ١٣ في المائة من دخل قاطني نيويورك يذهب إلى الضرائب المحلية وضرائب الولاية. أضف إلى ذلك ٢٢٫٢ في المائة في المتوسط تذهب إلى الضرائب الفيدرالية، فيدفع قاطنو نيويورك أكثر من ٣٥ في المائة من دخولهم في صورة ضرائب.
ربما يدفع باقي الأمريكيين ضرائب أقل مما يدفع قاطنو نيويورك، لكنهم لا يزالون يدفعون الكثير من الضرائب. حسب مؤسسة الضرائب — منظمة محايدة تُجري أبحاثًا عن الضرائب — تبلغ ضرائب الأمريكيين الآن ٣١٫٦ في المائة في المتوسط من دخولهم.2 وفي ٢٠٠٧، اضطر دافعو الضرائب الأمريكيون إلى العمل من ١ يناير حتى ٣٠ إبريل لمجرد دفع ضرائبهم. لقد عملوا أيامًا لدفع ضرائبهم أكثر مما عملوا لدفع مقابل كل طعامهم وملابسهم ورعايتهم الطبية مجتمعة.
يركِّز هذا الفصل على ضرائب الدخل للأفراد، والأمر المثير للاهتمام هو أن أغلب الأمريكيين يدفعونها: ما يزيد على ٩٠ في المائة من الأمريكيين يخضعون بشكل طوعي.3 تُظهر دراسة للولايات المتحدة و١٥ بلد أوروبي أن الأمريكيين هم الأكثر دافعية بطبيعتهم لدفع الضرائب.4 إننا نتمتع بما يُطلق عليه ارتقاء «أخلاقيات الضرائب». إننا نفخر بدفعنا ضرائبنا.
وقد ذهب الفيلسوف السياسي بنجامين باربر إلى أن الضرائب «ترمز إلى ما يعني للأمريكيين التشكُّل في كيان شعب.»5 وقال قاضي المحكمة العليا أوليفر ويندل هولمز إن «الضرائب هي ما ندفعه مقابل المجتمع المتحضر»، وهو الاقتباس المحفور على بناية دائرة الإيرادات الداخلية في واشنطن العاصمة.6
أجرى المجلس الإشرافي لدائرة الإيرادات الداخلية استطلاعًا مستقلًّا في ٢٠٠٥ انتهى إلى أن ٩٦ في المائة من المشاركين وافقوا على أن «المسئولية المدنية على كل أمريكي تقضي بدفع نصيبه العادل من الضرائب.»7 ووجد مركز بيو البحثي في دراسة مشابهة أُجريت في ٢٠٠٦ أن ٧٩ في المائة من المشاركين قالوا إن «خداع الحكومة الأمريكية أمر مستهجن أخلاقيًّا.»8
بالتأكيد يدفع الأمريكيون ضرائبهم لأنهم مضطرون للقيام بذلك، ومنذ عام ١٩٤٣ فصاعدًا والضرائب تُسحب تلقائيًّا من شيكات المرتبات. لكن الناس يمتثلون أيضًا لأنهم يعتقدون أن ذلك عادل. تشير استطلاعات الرأي إلى أن أغلب الأمريكيين يعتقدون أن «فئة قليلة» فحسب تتهرب من الضرائب،9 فدفع الضرائب، مثله مثل ترك بقشيش، معيار اجتماعي قائم.10 إنه ما يعتقد الأمريكيون أن أغلب الناس يقومون به، وهذا الاعتقاد مهم لأن «أحكام دافعي الضرائب على امتثال الآخرين لها تأثير قوي على دافعيتهم الغريزية لدفع الضرائب.»11
ولبحث تأثير الآخرين على الامتثال لدفع الضرائب، اختبرت دراسة في مينيسوتا أثر خطابين مختلفين أُرسلا إلى دافعي الضرائب.12 قدَّم أحد الخطابين حجة عقلانية لدفع الضرائب: «أموال الضريبة المُحصلة من دخلك تُنفق على الخدمات التي نعتمد عليها نحن أهل ولاية مينيسوتا.» اعتمد الخطاب الآخر على امتثال الآخرين: «تُظهر مراجعات الحسابات من قبل دائرة الإيرادات الداخلية أن الأشخاص الذين يقدِّمون إقراراتهم الضريبية يقدِّمون إقرارات صحيحة، ويدفعون طوعًا ٩٣ في المائة من ضرائب الدخل التي يدينون بها للدولة.» وحده الخطاب الذي اعتمد على امتثال الآخرين زاد من نسبة الامتثال بصورة كبيرة.

العدالة الشخصية في الضرائب

في الولايات المتحدة، رغم أن المعيار الاجتماعي الكائن هو دفع الضرائب، فإن اتِّباع المعيار لا يعني حبه. تبدي الأبحاث أن ٥٩ في المائة من الأمريكيين يعتقدون أن ضرائب الدخل الفيدرالية باهظة،13 ورغم أن الأمريكيين راضون بدفع الضرائب، فإنهم يرون أن العبء الضريبي أثقل مما ينبغي له أن يكون، وهو الأمر الجائر على المستوى الشخصي.
يتمثل جزء من المشكلة في أنه على الرغم من كون ضرائب الدخل معيارًا قائمًا؛ إلا أنه لم يتحدد بعد المقدار الذي ينبغي سداده، والسبب هو أن معدل الضريبة لا ينفك يتغير، فقد تنوَّع من أعلى معدل بلغ ٥ في المائة فحسب إبان الحرب الأهلية، حتى النسبة الضخمة البالغة ٩٤ في المائة إبان الحرب العالمية الثانية.14 وقد تذبذب مؤخرًا أعلى معدل من ٥٠ في المائة في ١٩٨٥ إلى ٣٩٫٦ في المائة في ١٩٩٥ حتى ٣٥ في المائة في ٢٠٠٥. ولما كان المعدل في تغيُّر مستمر، لم يتحدد بعدُ ما يشكِّل معدل ضريبة «طبيعيًّا» ليصبح معيارًا وصفيًّا.

ومن ثَمَّ فالضرائب جائرة على المستوى الشخصي؛ لأنها أعلى مما سيفضِّل المرء دفعه، وكذا لأنه لا يمكن توقُّع المبلغ المدفوع. عند توقع الضرائب، تكون مرهقة ولكن ليست مفاجئة، فيتعلم الأفراد الوفاء بها. وحسب القول المأثور: «أفضل ضريبة هي ضريبة قديمة!» فإن الضريبة غير المتوقعة مفاجأة بغيضة، والمفاجآت جائرة!

إحدى الضرائب غير المتوقعة «ضريبة الاستخدام» التي يزداد عدد الولايات التي تفرضها. وضريبة الاستخدام هي ضريبة على السلع أو الخدمات المشتراة من ولاية أخرى، مثل الكتب المشتراة عبر الإنترنت. ونتيجةً لحكم أصدرته المحكمة العليا عام ١٩٩٢، لا يمكن فرض ضريبة الدخل إلا إن كان للبائع وجود مادي أو صلة بالولاية. وهذا يعني أن وول مارت، التي لها فروع في كل ولاية، عليها أن تحصِّل ضريبة مبيعات على كل منتجاتها المباعة على موقعها الإلكتروني، في حين أن أمازون، التي لها مراكز توزيع في بضع ولايات فحسب، معفاة غالبًا من ضرائب المبيعات.

مع ذلك، قضت الولايات بأن بإمكانها فرض ضريبة على «استخدام» منتَجٍ ما في تلك الولاية، حتى إذا كان مُشترًى من ولاية أخرى، فبدلًا من الدفع مقابل البيع، يدفع المشتري مقابل استخدام البضاعة، لكن مقدار النقود هو نفسه، ولما كانت الضريبة جديدة وغير متوقعة، فإنها تُعتبر جائرة على المستوى الشخصي.

ثمة مثال آخر على الضرائب غير المتوقعة، وهو ضريبة الحد الأدنى البديلة، التي توازي ضريبة الدخل الفيدرالية، فلضريبة الحد الأدنى البديلة معدلان فقط (٢٦ في المائة و٢٨ في المائة) ولا توجد استقطاعات للمعالين، أو لضرائب الولايات، أو الضرائب المحلية. استُحدثت هذه الضريبة في نهاية ستينيات القرن العشرين للإيقاع بالمتهربين من الضرائب، مثل المائة والخمسة والخمسين شخصًا من بين الأعلى دخولًا الذين لم يدفعوا أي ضرائب في ١٩٦٧.

وحيث إن حد دفع ضريبة الحد الأدنى البديلة لم يتم ربطه بالزيادة في التضخم، فحتى الأسر متوسطة الدخل بوسعها الآن أن تجني ما يكفي لتجد نفسها ضمن الشريحة المفروض عليها ضريبة الحد الأدنى البديلة، ومن يستوفون شروط دفع الضريبة عليهم حساب ضريبتين: ضريبة الدخل التقليدية، وضريبة الحد الأدنى البديلة. ثم عليهم دفع الضريبة الأعلى فيهما أيًّا كانت. ومرة أخرى، لما كانت ضريبة الحد الأدنى البديلة غير متوقعة، فهي تُعتبر جائرة على المستوى الشخصي!

العدالة التوزيعية في الضرائب

حسب نموذج السعر العادل الذي تناولناه في الفصل الثالث، عندما يُعتبر سعر غير متوقع جائرًا على المستوى الشخصي، يتولد لدينا الدافع للتفكير في المعايير الاجتماعية للعدالة التوزيعية: معايير الإنصاف والتكافؤ والحاجة.

تتمثل مسألة الإنصاف فيما إذا كان دافعو الضرائب يحصلون على مقابل عادل إزاء ما يدفعونه من ضرائب. إن الكيفية التي تنفق بها الحكومات أموال الضرائب شاغل مهم لدافعي الضرائب، بل أكثر أهمية من مقدار الضرائب التي يدفعونها. وفي استطلاع رأي حديث، سُئل الناس: «فيما يتعلق بدفع الضرائب، أيهما يشغلك أكثر: مقدار ما تدفع من ضرائب أم الكيفية التي تنفق بها الحكومة ضرائبنا؟» وأجاب ٧١ في المائة من المشاركين في الاستطلاع أن كيفية إنفاق الضرائب هي الأهم بالنسبة لهم.15
لكن من الصعب اكتشاف كيفية إنفاق أموال الضرائب. تقول باتريشيا ماكجينيس، الرئيسة والمديرة التنفيذية لمجلس التميز في الحكومة: «الأمر العسير بشأن الضرائب هو أنها تكبِّد الفرد أموالًا كثيرة؛ قِسْمًا كبيرًا من راتبه، ودائمًا لا تتضح الوجهة التي يذهب المال إليها أو المنافع المترتبة عليه.»16
يشك الناس في أن نقود الضرائب تُبدد، ويغذي شكَّهم السياسيون الذين يشجبون تضييع «نقود الضرائب التي كسبها العمال بكدِّهم» على مراحيض تبلغ تكلفتها ١٠٠٠ دولار، وكذا التقارير الإخبارية التي تتفجَّع على مليارات الدولارات التي تُنفَق على الحرب في العراق. نتيجة لذلك، لا يشعر ٦٥ في المائة من الأمريكيين أنهم يحصلون على عائد كافٍ من الضرائب التي يدفعونها.17
لم يكن الأمريكيون يشعرون دومًا بعدم كفاية العائد على ضرائبهم. إبان الحرب العالمية الثانية، أيَّد الشعب بأغلبية ساحقة جباية الضرائب؛ لأنه من المخطط أن تذهب أموال الضرائب إلى المجهود الحربي. وفي عام ١٩٤٤، حتى مع ارتفاع معدل الضرائب، ارتأى ٩٠ في المائة أن ضرائبهم عادلة، أما اليوم فقد انخفضت النسبة إلى ٦١ في المائة.18
ولمزيد من الإنصاف، فثمة أسئلة تُطرح باستمرار حول تكافؤ العبء الضريبي؛ فالناس يتساءلون: «هل النظام الضريبي يعامل الأفراد القاطنين في ظروف متشابهة معاملة متشابهة؟ هل النظام الضريبي يضع في اعتباره قدرات الأفراد المختلفة على تحمُّل العبء الضريبي؟»19

تصطدم مسألة التكافؤ بمسألة الإنصاف، في الجدل حول الضرائب التنازلية أو الضرائب التصاعدية؛ حيث إن الضريبة التنازلية تقل نسبيًّا مع زيادة الدخل؛ أي كلما قل دخلك، زادت النسبة التي تدفعها من دخلك في صورة ضرائب. والضريبة التصاعدية تزيد نسبيًّا مع زيادة الدخل؛ أي كلما زاد دخلك، زاد معدل الضريبة الذي تدفعه.

الضريبة التنازلية، كضريبة المبيعات، عادلة لأنها معاملة متكافئة؛ أي إن الجميع يدفع النسبة المئوية نفسها، لكن ٢٠ في المائة من ٢٠٠٠٠٠ دولار تعني لدافع الضرائب الغني أقل مما تعني ٢٠ في المائة من ٢٠٠٠٠ لدافع الضرائب الفقير. أما الضريبة التصاعدية فعادلة لأنها منصفة؛ فكل شخص يدفع حسب دخله، لكن سيكون على الأغنياء دفع مقدار أكبر من الفقراء. ومن ثَمَّ فكلتا الضريبتين عادلتان من ناحية، لكن تنتج عنهما معاناة بعض الناس أكثر من غيرهم، وهو ما يُعتبر جائرًا!

ضريبة الدخل الفيدرالية في الولايات المتحدة ضريبة تصاعدية؛ فالأفراد الأكثر ثراءً يدفعون ضرائب أكثر، لا بشكل مطلق فحسب، وإنما كنسبة مئوية من دخلهم؛ نسبة ٠٫١ من أصحاب أعلى دخول يدفعون أكثر من ٣٠ في المائة من دخلهم ضرائب، ونسبة ٢٠ في المائة من أصحاب أدنى دخول يدفعون أقل من ٥ في المائة.20 ويقبل أغلب الأمريكيين بذلك. في استطلاع رأي أجرته شبكة إن بي سي نيوز، وافق ٦١ في المائة من المشاركين في الاستطلاع على أنهم يدفعون نصيبًا عادلًا من الضرائب،21 لكن — في الوقت نفسه — رأى ٧٧ في المائة أنه ينبغي إجراء تعديلات في النظام الضريبي.

ولإجراء تعديلات على النظام، اقتُرحَ تغييران كبيران. يزعم مؤيدو التغييرين أن كليهما سيكون أعدل؛ لأنهما يضعان عبئًا متساويًا على دافعي الضرائب كافة، كما تشير الاستطلاعات إلى أنهما أكثر بساطة وشفافية من الهيكل الضريبي التصاعدي الحالي.

يتمثل أحد المقترَحَين في إقرار «ضريبة ثابتة»، كان ستيفن فوربس أبرز من أيدوها في حملته الرئاسية؛ ففي حال دفع ضريبة ثابتة، سيدفع الجميع ما بين ٢٠ و٣٠ في المائة من إجمالي الدخل المكتسب.

تُعتبر الضريبة الثابتة تنازلية لأنها تمس الفقراء بصورة أكبر، إلا أن الضريبة الثابتة تُعتبر عادلة لأنه «لا يمكن تفسيرها على أن أحدهم يتلقى أفضلية ضريبية محابية أو «جائرة» … فالعدالة تتحقق حرفيًّا عندما يتلقى الجميع المعاملة نفسها.»22 وكما شرحنا في الفصل السابع، تحصيل المعدل ذاته من الجميع يُعتبر عادلًا لأنه متكافئ.

إن فائدة الضريبة الثابتة، إلى جانب تحصيل القيمة نفسها من الجميع، هي بساطتها، فالعائد الضريبي بأكمله يمكن إرساله على بطاقة بريدية، وستنخفض كثيرًا حينها تكلفة إعداد ومراجعة الحسابات الضريبية، وستقل إمكانية استغلال البعض لثغرات الضرائب.

تُستخدم فعليًّا هذه الضريبة الثابتة في خمس ولايات، وتتراوح معدلاتها بين ٣ في المائة في إيلينوي إلى ٥٫٣ في ماساتشوستس. كما استُحدثت في العديد من البلدان الشيوعية السابقة، إضافة إلى روسيا نفسها، وشهدت هذه البلدان ارتفاع معدلات النمو، عزاها البعض إلى الضريبة الثابتة. لكن في الوقت نفسه ثمة أدلة على أن الضريبة الثابتة تفضي إلى تفاوتات أضخم في الدخول؛ ففي إستونيا — على سبيل المثال — حيث تُطبق الضريبة الثابتة، «تتعالى الصيحات المطالبة بنظام ضريبي تصاعدي»23 من أجل إضفاء التكافؤ على الدخول.
في الولايات المتحدة، اقتُرح بديل للضريبة الثابتة، برعاية الجمهوريين في الأساس، حيث اقترحوا الاستعاضة عن ضريبة الدخل بضريبة وطنية على المبيعات بالتجزئة أو ضريبة استهلاك؛ ما يطلقون عليه «ضريبة عادلة». يُطرح مشروع قانون الضريبة العادلة في الكونجرس كل عام منذ ١٩٩٩. ويقضي مشروع القانون بإقرار ضريبة مبيعات بنسبة ٢٣ في المائة على بيوع السلع والخدمات كافة، لتحل محل ضرائب الدخل أو ضرائب كسب العمل أو ضرائب الهبات، وستكون مثل هذه الضريبة شبيهة بضريبة الاستهلاك الفيدرالية، «وضريبة الاستهلاك هي ضريبة على الإنفاق لا على الدخل؛ حيث تُحصَّل الضريبة من الدخل عندما يُنفَق (يُستهلك) لا عندما يُدَّخَر.»24

إن كلًّا من ضرائب الاستهلاك، وكذا ضرائب المبيعات ضرائب تنازلية، ولما كان على الفقراء إنفاق دخلهم كله، فستُحصَّل الضريبة منهم على ١٠٠ في المائة من دخلهم، وبما أن الأغنياء لا ينفقون سوى جزء من دخلهم، فلن تُحصَّل منهم ضريبة إلا على هذا الجزء. وبينما ينحو النظام التصاعدي القائم إلى محاباة الفقراء عادة، فإن الضريبة الثابتة أو ضريبة المبيعات/الاستهلاك ستحابي الأغنياء؛ وعليه، فثمة تضارب في المصالح.

في استطلاع رأي حديث، أبدى الأمريكيون آراءهم المتناقضة حيال مختلف الهياكل الضريبية؛ حيث فضَّل ٣٣ في المائة الضريبة الثابتة؛ وفضَّل ٢٠ في المائة ضريبة المبيعات الوطنية؛ وفضَّل ٢١ في المائة الضريبة الحالية.25 اقترن التفضيل بالدخل مباشرة؛ فكلما ارتفع الدخل، زاد تفضيل الضريبة الثابتة أو ضريبة المبيعات، وقل تفضيل الهيكل الضريبي الحالي.

تُبدي هذه التفضيلات المتباينة ما رأيناه سابقًا؛ عندما يجابه المرء معيارَي إنصاف وتكافؤ متضاربَين، فإن اختياره يتأثر بالانحياز للمصلحة الذاتية المفضي للعدالة، فيبدو أنه يفكر كما يلي: «الخيار الأعدل هو العادل لي!»

رغم الجدل حول عدالة ضريبة الدخل الفيدرالية التنازلية في مقابل الضريبة التصاعدية، يعتبر أغلب الأمريكيين أنه من العادل تعديل الضرائب بناءً على الحاجة، ويبدو أنه يوجد إجماع على أنه لا ينبغي فرض ضرائب على الضروريات، وأن المعدمين ينبغي أن يكون لهم وضع خاص في تحصيل الضرائب. لا تُجبى ضرائب على المنتجات الأساسية كالطعام والدواء عادة، وثمة وضع خاص للخدمات الضرورية كرعاية الطفل والتعليم؛ فعلى سبيل المثال يوجد الآن ١٦ إعفاء ضريبيًّا مختلفًا للتعليم.26

لمعادلة تكاليف برنامج الضمان الاجتماعي وبرنامج ميديكير للرعاية الطبية للمسنين، بوسع الفقراء الحصول على اعتماد ضريبي للدخل المكتسب، وإذا تجاوز الخصم قيمة الضرائب التي يدين بها الفقراء للدولة، يُدفع لهم الفارق. يغض المجتمع الطرف عن هذه التعديلات في ضريبة الدخل لأنها تقوم على الحاجة، وهي معيار توزيعي، وهو ما يجعلها عادلة.

إلى جانب ضرائب الدخل، يمكن أن تكون غيرها من الضرائب إما منصفة أو متكافئة إضافة إلى تعديلها من أجل الحاجة. على سبيل المثال: تُجبى «ضرائب الإثم» من الجميع بالتساوي، فهي مصممة لا من أجل جمع الأموال وإنما من أجل الثني عن الاستهلاك. والسجائر مثال واضح على ذلك، ويتنوع مقدار الضرائب، حسب النظرة إلى إثم التدخين المقترَف، من ٠٫٧ دولار على العلبة في كارولينا الجنوبية27 إلى ٣ دولارات على العلبة في نيوجيرسي.28
ومن الأمثلة على الضريبة المنصفة «ضريبة الترف»، التي لا تُجبى إلا من الأغنياء. إلا أن الأغنياء تتعالى أصواتهم بالقول بأن هذه الضرائب جائرة، وأن ضرائب الترف تعاقِب الأغنياء لمجرد أنهم أغنياء. على سبيل المثال: في عام ١٩٩٠، صوَّت الكونجرس بالموافقة على إقرار ضريبة كماليات على المجوهرات ومنتجات الفراء واليخوت والسيارات التي تتجاوز قيمتها ٣٠٠٠٠ دولار، إلا أن هذه الضريبة سرعان ما أُلغيت عندما اشتكى الأغنياء،29 رغم أن بعض الولايات لا تزال تجبي ضريبة على الملابس الفخمة.

تتوقف مسألةُ ما إذا كانت الضريبة عادلة أم لا على الكيفية التي تنظر بها إليها، وتتضح الكيفية التي تتنوع بها وجهات النظر من خلال ضريبة الوقود؛ ففي أوروبا يُعتبر الوقود موردًا محدودًا لا ينبغي تبديده؛ ومن ثَمَّ، تُجبى عليه ضرائب باهظة بوصفه ترفًا وإثمًا؛ نتيجة لذلك، تبلغ تكلفة الوقود في أوروبا أربعة أمثال تكلفته في الولايات المتحدة.

يرجع السبب وراء انخفاض الضريبة على الوقود في الولايات المتحدة إلى أن الوقود يُعتبر ضرورة. يحتاج العمال إلى سياراتهم للتوجه إلى عملهم. وفي استجابة إلى الحاجة، انخفضت النسبة المئوية للضريبة في سعر الوقود على مدار السنين. يقول توم كلوزا، محلل شئون الوقود: «كانت الضرائب على الوقود تمثل النسبة الكبيرة البالغة من ٤٠ إلى ٥٠ في المائة من السعر الذي تدفعه بمحطة الوقود، أما اليوم، فقد انخفض هذا الرقم كثيرًا عن ذلك لأنه لم يتغير منذ ١٢ عامًا.»30
يأبى الساسة زيادة ضرائب الوقود لأن الناخب سيثور عليهم، واليوم يبيعون رسوم عبور الطرق إلى شركات خاصة، عوضًا عن رفع ضرائب الوقود؛ لسداد تكاليف صيانة الطرق.31 يشعر الأمريكيون أن فرض ضريبة أعلى سيكون جائرًا.

العدالة الإجرائية في الضرائب

بالإضافة إلى مسألة ما إذا كانت الضرائب عادلة بناءً على معايير الإنصاف والتكافؤ والحاجة، فمسألة ما إذا كانت الضرائب تُحدَّد باستخدام إجراءات عادلة هي أيضًا عامل في الفصل في قضية العدالة. كي يتمتع النظام الضريبي بالعدالة، يجب أن يتحلى بالشفافية، ويجب أن تجري معاملة دافعي الضرائب باحترام.

تُعتبر ضرائب الدخل جائرة لأنها لا تتسم بالشفافية: ٨٠ في المائة من الأمريكيين يعتقدون أن النظام الضريبي القائم معقد إلى حد ما أو معقد للغاية.32 إن قانون الضرائب الحالي — إلى جانب الكثير والكثير من اللوائح والقرارات التي تُصدرها دائرة الإيرادات الداخلية — يشغل الآن أكثر من ٦٠٠٠٠ صفحة مقارنة ﺑ ٤٠٥٠٠ صفحة في عام ١٩٩٥.
يوجد حاليًّا ٥٨٢ نموذجًا ضريبيًّا، بينما كان هناك ٤٧٥ نموذجًا في عام ٢٠٠٠،33 وكعلامة على تعقُّد المنظومة، يضطر ٦٠ في المائة من دافعي الضرائب إلى الاستعانة بمتخصصين من أجل استيفاء إقراراتهم الضريبية.34 وحتى المتخصصون يختلفون عند تقرير مقدار الضرائب التي يدين بها المواطن للدولة.
التعقيد ليس جائرًا فحسب، وإنما يؤدي أيضًا إلى التهرب الضريبي والأخطاء الضريبية. «إن التعقيد يضفي غموضًا على كيفية فرض الضريبة، وتوقيت فرضها، والأشخاص المفروضة عليهم؛ مما يزيد الارتباك والإحباط، وإدراك أن الضريبة مفروضة بشكل جائر؛ وهو ما يقلل من الامتثال لها.»35 يوفِّر التعقيد للشخص الراغب في التهرب من الضريبة الغطاء المناسب، فإن ضُبط أثناء المراجعة، فبوسعه الزعم: «كنت في غاية الارتباك، فلم أفهم المطلوب مني.»
عيَّن الرئيس بوش اللجنة الاستشارية لإصلاح النظام الضريبي الفيدرالي في يناير ٢٠٠٥ بهدف «جعل قانون الضرائب أبسط وأعدل، وتيسير سُبل تحقيقه للنمو الاقتصادي.»36 أوصت اللجنة بتقليل الشرائح الضريبية، وتخفيض معدلات الضرائب، وتقليل الإعفاءات الضريبية. وكان المبدأ الاسترشادي الذي قام عليه العمل: «النظام الضريبي الناجح … ينبغي أن يكون مفهومًا لمن يُتوقع منهم دفع الضرائب.» من شأن هذا النظام أن يكون عادلًا لأنه سيتسم بالشفافية.
الطريقة الأخرى لإكساب الضرائب مقبولية أكبر هي معاملة دافعي الضرائب باحترام، فقد اتضح أن احترام دافعي الضرائب يؤدي إلى زيادة الامتثال،37 فالبلدان اللذان يتمتعان بأرقى «أخلاقيات للضرائب» — الولايات المتحدة وسويسرا — يُعامَل دافع الضرائب فيهما باحترام. وكدليل على هذا، في استطلاع رأي شمل دافعي الضرائب الأمريكيين الذين سبق أن تعاملوا مع دائرة الإيرادات الداخلية ظهر أن أكثر من ٩٠ في المائة منهم رأوا أنهم عُوملوا بعدالة.38

السلطة والثقة والضرائب

النظرة التقليدية للضرائب هي أن الامتثال للضرائب يرجع إلى قوة الإلزام، ويرى الاقتصاديون أن العقلانيين من الناس يدفعون ضرائبهم؛ لأنهم يخشون عواقب عدم الامتثال، ويقارنون بين احتمالية ضبطهم والغرامة التي سيتكبَّدونها حال ضبطهم. والنتيجة التي نخلص إليها هنا أنه ينبغي للحكومات استخدام سلطتها لفرض دفع الضرائب.

رغم أن لفكرة الإلزام مزاياها بالتأكيد، فقد اتضح أنها دائمًا ما تبالغ في تقدير عدد الأشخاص الذين سيتهربون من دفع ضرائبهم،39 كما أنها لا تفسر السبب وراء تمتع بلدان كثيرة بنسبة امتثال لدفع ضرائب مرتفعة نسبيًّا، رغم أن درجة الإلزام بها منخفضة نسبيًّا.40 ليس ذلك فحسب، بل ثبت أن للإلزام فعليًّا مفعولًا سلبيًّا على الامتثال.
أظهرت الدراسات أن الإجراءات القسرية تُحجِّم الاستعداد الغريزي للامتثال للضرائب.41 تقوم هذه النتيجة على أبحاث عالم النفس الاجتماعي إدوارد ديسي، الذي يقول إن الدافع الخارجي يقضي على الدافع الداخلي.42 وحسب نظريته، فإن مكافأة الأطفال بالمال لحصولهم على درجات مرتفعة ستقلل من دافعيتهم الداخلية للحصول على درجات مرتفعة، وبالمثل، فرض الامتثال لدفع الضرائب سيقلل — أو سيحل محل — الدافعية الداخلية للامتثال.
دعمت أبحاث عديدة نظرية الإحلال، فبعد أن خفضت حكومة جواتيمالا من عقوبات عدم سداد الضرائب، باتت البلدَ الأعلى في معدل الاستعداد لدفع الضرائب في أمريكا اللاتينية؛ أي تتمتع بأرقى أخلاقيات ضريبية.43 وفي كوستاريكا، تبدي الأبحاث أن فرض العقوبات يقلل أخلاقيات الضرائب، كذا إمكانية مراجعة السجلات الضريبية تقوِّض أخلاقيات ضريبية بدرجة أكبر.44 وفي ألمانيا، يخلُص الباحثون إلى أن ثمة عوامل غير الردع هي ما يحض على التحلي بأخلاقيات ضريبية.45 والاستنتاج هو أنه حين تستغل الحكومة سلطتها لفرض الامتثال لدفع الضرائب، فإنها لا تعزز الأخلاقيات الضريبية، بل تهدمها.
إن الثقة هي ما يعزز الأخلاقيات الضريبية، فكلما زاد عدد دافعي الضرائب الذين يثقون في الحكومة، زاد معدل امتثالهم لدفع الضرائب. على سبيل المثال: في روسيا، بعد الانتقال إلى اقتصاد السوق، وُجد أنه «يبدو أن الثقة مؤشر لأخلاقيات الضرائب.»46 (في حالة روسيا؛ حيث لا يُحصَّل فعليًّا سوى ٢٤ في المائة من الضرائب، وربما نقول لمزيد من الدقة إن «انعدام الثقة محدد أساسيٌّ لغياب أخلاقيات الضرائب».)
كما طالعنا في الفصل الثاني عشر، تُبنى الثقة على العدالة الملموسة. يثق دافعو الضرائب في الحكومة، ويقوم النظام القانوني على الأمانة، ويدمره الفساد. كلما زاد الاعتقاد في فساد المسئولين الحكوميين، انخفض مستوى الامتثال لدفع الضرائب.47 ويتضح ذلك في أمريكا اللاتينية؛ حيث وُجد أن الاعتقاد بفساد المسئولين الحكوميين ومحصِّلي الضرائب قلل الأخلاقيات الضريبية بشكل ملحوظ.48
في المقابل، في السويد حيث الضرائب تقارب ضعف ما هي عليه في الولايات المتحدة، يثق الشعب في الحكومة؛ نتيجةً لذلك، يُحصَّل ٩٨٫٧ من الضرائب المفروضة،49 و«لا يشكو السويديون»،50 فهم يثقون في أن حكومتهم تتصرف بعدالة؛ ومن ثم يرون أن ضرائبهم عادلة.

موجز الفصل

يدفع أغلب الأمريكيين ضرائبهم لأنهم يرون أنه من العادل أن يدفعوها. دفع الضرائب عملية عادلة لأنها المعيار الاجتماعي السائد. إنها المعيار الاجتماعي لأن أغلب الأمريكيين يدفعونها بالفعل، وأغلب الأمريكيين يدفعونها لأنهم يعتقدون أنها عادلة، وهكذا. هذه الدائرة المثمرة أدت إلى قبول ضرائب الدخل الفيدرالية في الولايات المتحدة.

إلا أن الجدل سيستمر في التأجج حول الهيكل الضريبي الأعدل، سواء كان الهيكل القائم على معيارَي الإنصاف أو التكافؤ، وكيف ينبغي تعديله بحسب الحاجة. أيُّ حل سيحابي مجموعة على حساب مجموعة أخرى، سيُشبع رؤية تلك المجموعة المتحيزة إلى العدالة، وسيكون جائرًا للأخريات.

علاوة على ذلك، يعترض الأمريكيون على تعقيد القانون الضريبي الحالي، والذي لا يستطيعون فهمه، ويرونه جائرًا. إنهم لا يثقون في أن الحكومة تنفق أموالهم بنحو عادل، ويشكُّون فيما إذا كانوا يحصلون على عائد عادل مقابل الأموال التي يدفعونها للضرائب.

مع ذلك، فلا يزال معظم الأمريكيين يدفعون نصيبهم العادل من الضرائب لأن هذا هو المعيار القائم. إنه الأمر الذي يفعله من يريد تحقيق العدل، وحسب مجلة بزنس جورنال الصادرة في سان أنطونيو: «من ثقافة الأمريكيين دفع الضرائب وبغضها.»51

تعريفات

الأخلاقيات الضريبية: التمتع بدافع غريزي لدفع الضرائب.
ضريبة الاستخدام: فرض ضريبة على استخدام منتَج من المنتجات بدلًا من فرضها على بيعه.
الضريبة التنازلية: ضريبة يقل مفعولها مع زيادة الدخل؛ مثلًا، ضريبة المبيعات ذات النسبة المئوية ذاتها على الجميع، بغض النظر عن مقدار الدخل الذي يجنيه المرء.
الضريبة التصاعدية: ضريبة يزيد مفعولها مع زيادة الدخل؛ مثلًا، منظومة ضريبة الدخل القائمة حيث تزيد النسبة المئوية للضريبة عندما يزيد الدخل الذي يجنيه المرء.
الضريبة الثابتة: ضريبة يدفع الجميع بمقتضاها نفس النسبة المئوية من الدخل.
الضريبة العادلة: ضريبة متوقعة على نسبة مئوية من كل المبيعات؛ ضريبة على المبلغ المنفَق لا على المبلغ المكتسب.
ضريبة الاستهلاك: هي ذاتها الضريبة «العادلة».
ضريبة الإثم: ضريبة على السلع التي تُعتبر عمومًا مضرَّة بالمجتمع أو الأفراد.
ضريبة الترف: ضريبة على السلع الباهظة الثمن غير الضرورية.
الإحلال: استبدال دافع خارجي بالدافع الداخلي الغريزي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤