الفصل السادس

التوقعات

هذا سعر احتيالي!

صُدمت هذا الصباح! تعطَّل سخَّان المياه عن العمل، وعلمت أن تركيب سخَّانٍ جديد سيتكلف ٧٥٠ دولارًا. هذا ظلم! كنت أتوقع أن يتكلف سخان المياه حوالي ٢٥٠ دولارًا، أو ربما أكثر قليلًا بسبب التضخم، لكن ليس الثلاثة أمثال!

ومع ذلك، كان يمكن أن يكون الوضع أسوأ، كان يمكن أن يطلب السباك أجره نقدًا مقدمًا، كان يمكن أن يقول إنه لا يوجد لديه سوى سخَّان مياه واحد، وسيعرضه للمزايدة على العملاء الثلاثة الذين يريدونه؛ وبعد التركيب، كان يمكن أن يطلب ١٠٠ دولار إضافية مقابل توصيل السخَّان إلى المياه.

لكنه لم يفعل أيًّا مما سبق! فهو على الأقل اتبع المعايير الوصفية التي تُملي النحو الذي يُنتظر من السباك أن يتصرف على أساسه. وهذا عادل! لكنه طالبني بأكثر مما كنت أتوقع دفعه. وهذا احتيال! لقد انتهك ما اعتبرته المعيار الوصفي لأسعار سخَّانات المياه، وما قام به خاطئ!

المعايير الوصفية للأسعار وممارسات التسعير هي توقعات مبنية على خبرة سابقة، وهذه التوقعات التسعيرية ليست مجرد تقدير عقلانيٍّ، بل رغبات انفعالية، فنحن نفضل الحصول على ما نتوقع الحصول عليه.

وتفضيل المرء حصوله على ما يتوقعه هو ما يطلق عليه ويليام صامويلسون وريتشارد زيكهاوزر «الانحياز للوضع الراهن.»1 ويوضحان أن الانحياز ناجم عن معيار الوضع الراهن، الذي «يعزز ميل الفرد إلى الامتثال للمعايير الاجتماعية.»2 والبشر يفضلون استقرار الوضع الراهن.
يبدو أننا كبشر لدينا باعث داخلي ما نحو الاتساق؛ رغبةً في الحفاظ على الاستتباب الاجتماعي، فاستقرار الأسعار وممارسات التسعير تتيح لنا إعداد الخطط، وتمكننا من الشعور بالسيطرة، وهذا شعور طيب. تغيير الأسعار وممارسات التسعير هو «انحراف عن معيار ما أو حالة استقرار»،3 وهذا شيء سيئ.

هذا لا يعني أن توقعاتنا دقيقة. إن المعايير الوصفية ليست شروطًا محكمة، ولكن أفكار عامة يمكن أن تلتبس على الناس؛ فالمعيار السائد أن تترك بقشيشًا بالمطعم، فهذا هو النحو الذي تسير عليه الأمور، لكن النسبة المئوية متروكة دون تحديد، ودفع بقشيش لغير النُّدُل، ومقدار هذا البقشيش، مسائل غير موضحة.

تكون المعايير الوصفية في بعض الحالات أكثر من ملتبسة، بل تكون خاطئة تمامًا. كان هامش الخطأ في توقعات المشاركين بمجموعة «السعر صحيح» من ١٩ في المائة إلى أكثر من ٥٠ في المائة،4 وتتأثر توقعاتهم السعرية بمدى واقعية خبرة المستهلك بالمنتجات بالفئة المعنية (إذ تتوافر لديهم أفكار أدق بشأن سعر السلع التي اعتادوا شراءها.)5 إلا أن التوقعات تتأثر كثيرًا بفعل الانحيازات.
ينتج أحد هذه الانحيازات عن التفاؤل، ويقول علماء النفس إننا نميل إلى التفكير في أن ثمة أشياء مهمة ستحدث حقًّا،6 فنحن نتوقع نتيجة إيجابية أكثر من توقعنا للنتيجة السلبية؛ ومن ثَمَّ لدينا توقعات متفائلة حيال السعر. وهذه التوقعات المتفائلة تتعلق بما يطلق عليه عالما النفس الاجتماعي ديفيد ميسيك وكيث سينتيس7 الانحياز إلى العدالة التي تحقق المصلحة الذاتية، كما ذكرنا في الفصل الرابع.
يؤدي الانحياز للمصلحة الذاتية إلى توقع أسعار في صالحنا، ومن طبع البشر «الدمج بين ما هو العادل وما ينفع المرء.»8 ومن ثَمَّ عندما ندفع أقل مما يدفع الآخرون (ما يطلق عليه الباحثون الظلم المفيد)،9 نقبل ذلك بوصفه عادلًا على المستوى الشخصي عن طيب نفس. إننا نعتبر التغيرات عادلة إذا كانت في صالحنا.

لنتأمل تسعير خدمات الهواتف المحمولة: المعيار القائم هو أن يشتري المستهلكون الهاتف ويدفعون شهريًّا مقابل الخدمة، وغالبًا ما تكون تكلفة الهاتف مشمولة في الخدمة. هذا هو المعيار الساري. عندما دخلت شركة فيرجين سوق الهواتف المحمولة في الولايات المتحدة، انتهكت هذا المعيار بشكل كامل، فبدلًا من بيع الهاتف كجزء من الخدمة، باعت الخدمة مع الهاتف. لم يكن هذا هو المعيار القائم، لكن المستهلك استفاد منه وتقبَّله على الفور.

ونتيجة الانحياز للعدالة التي تحقق المصلحة الشخصية، ما نعتقد أنها معايير وصفية يتشاركها المجتمع عمومًا قد لا تكون في الواقع سوى معايير خصوصية؛ أي أفكارنا الخاصة عما نود أن يكون عليه السعر. مع ذلك، سواء كانت المعايير وصفية أو خصوصية، فإنها تعبِّر عن توقعات قوية، وعندما تُحبَط هذه التوقعات، يشعر المرء أن المسألة جائرة على المستوى الشخصي.

توقعات الممارسات التسعيرية

كثير من المعايير التي سُقتها في الفصول السابقة هي معايير وصفية لممارسات التسعير. تحدد هذه المعايير ما يوفره البائعون بمقابل، وما يوفرونه دون مقابل، وما يشملونه في السعر وما يلحقونه بالسعر كإضافة. وتشير هذه المعايير كذلك إلى الكيفية التي تُحدَّد بها الأسعار، سواء عن طريق المساومة أو المزايدة أو من جانب البائع أو من قبل الحكومة، وتطلعنا المعايير على من يُنتظر منه أن يدفع السعر.

مثال على ذلك الشخص المُنتَظَر منه أن يسدد الفاتورة بالمطعم. عندما بدأت العمل لأول مرة، تضايق العملاء الرجال من دفعي لفاتورة الحساب، ودائمًا ما كانت النادلات تعيد الباقي إلى أحد الرجال (ولا أنسى عندما وضع أحدهم الباقي في جيبه فعليًّا!). من الواضح أن المعيار الوصفي في ذاك الحين كان أن يدفع الرجال بالمطاعم، رغم أن هذا الوضع قد تغيَّر بمرور الزمن.

وبوجه عام، لكل مجالٍ معاييره الوصفية التي تبين الكيفية التي ينبغي تحديد الأسعار بها. محل التنظيف بالبخار يفرض سعرًا حسب نوع الغرض المراد تنظيفه. وتفرض مطاعم البوفيه سعرًا ثابتًا أيًّا كانت كمية الطعام التي تأكلها. تفرض البنوك رسمًا على معدل الفائدة. تضيف محطات الوقود تسعة أعشار السنت إلى السعر الذي تفرضه مقابل الجالون. تحاسب مكاتب المحاماة والمستشارين عملاءها بالساعة. في كل مجال من المجالات، تكون هذه المعايير الوصفية للتسعير، ولأنها مألوفة ومتوقعة، فهي عادلة.

في أغلب الحالات، تتبع الشركات هذه المعايير بشكل بديهي، فهي تعرف قواعد اللعبة وتلعب وفقًا لها، لكن إحدى الصعوبات المستمرة هي المعيار الوصفي لما هو مشمول في السعر؛ أي ما يُعرف بحزمة السعر. في كثير من الأحيان، ينفك رباط ما كان يومًا حزمًا تقليدية؛ الأمر الذي يطرح شكوكًا بشأن العدالة.

المعيار القائم هو أن انتظار السيارة يدخل في حزمة تكلفة البقالة، لكن بعض المتاجر في الحضَر تشرع في تحصيل رسوم إضافية على انتظار السيارات، على غير العملاء على الأقل. كذلك ثمة معيار سائد متمثل في تقديم شركات الطيران خدمة الطعام على رحلاتها التي تستمر أكثر من أربع ساعات، لكن الآن يتزايد عدد شركات الطيران التي بدأت تفرض رسومًا إضافية على تقديم الطعام، ويوجد اقتراح بأن تبدأ شركات الطيران في فرض رسوم على استخدام دورات المياه.

بعض الفنادق الآن تفرض رسومًا إضافية مقابل الخدمة والنظافة، وبعض المحالِّ تفرض «رسم إعادة تشوين» للبضاعة المرتجعة، وبعض الصحف الآن تحصِّل مصاريف مقابل إعلانات الوفيات، وتضيف شركات خدمات التوصيل وشركات الطيران الآن أجرة إضافية مقابل الوقود. تحصِّل البنوك مقابل عمليات السحب على المكشوف واستخدام ماكينات الصرف الآلي، وتحصِّل شركات الهواتف الآن مقابل استخدام خدمة الدليل. تفرض الطائرات رسمًا على الحمولة الزائدة وعلى التذاكر المشتراة من مكاتبها بالمطارات. يفرض بائعو تذاكر السينما رسمًا مقابل إجراء البيع.

تنتهك هذه المصاريف الإضافية ما جرى التعارف عليه كمعايير وصفية لممارسات التسعير، وهي غير متوقعة؛ ومن ثَمَّ فإنها جائرة على المستوى الشخصي.

لتجنب الاتهامات بالظلم، يحاول التجار خلق توقعات واقعية، ويضع بائعو التجزئة بطاقات الأسعار على الملابس. تُبيِّن المطاعم الأسعار في قوائمها، والأطباء والمحامون يوضحون أتعابهم مقدمًا، وتضع محالُّ البقالة الأسعار على الأرفف، وتدرج شركات السياحة ما هو مشمول تحديدًا في السعر. ويقدِّم السبَّاكون — حتى ذاك السبَّاك الذي طلب مني ٧٥٠ دولارًا مقابل سخَّان المياه الجديد — تقديرات سابقة لخدماتهم.

إن المعيار هو أن الأسعار المعلنة وتقديراتها التي يحددها البائعون ستُحترم. يستاء العملاء عندما يكتشفون أن قطعة ملابس معروضة بركن الأوكازيون لا تسري عليها أسعار الأوكازيون. يشتكي مالكو المنازل عندما يطلب العمال مبلغًا أكبر مما قدَّروا. ويقاضي العملاء تجار التجزئة عندما لا تضاهي الأسعار على أجهزة المسح الأسعار المعروضة. فمثلًا سلسلة محالِّ البقالة ألبرتسون غُرِّمت ١٫٨٥ مليون دولار بسبب الزيادات التي تضيفها أجهزة المسح.10
في المقابل، يمكن قبول سعرٍ أعلى واعتباره عادلًا، عندما يكون معروضًا. ظهرت هذه النتيجة في دراسة أُجريت على أسعار محالِّ البقالة.11 وفي هذه الحالة، أظهرت أجهزة المسح سعرًا أقل من المعروض على الرف. ورغم أن السعر المعروض الأعلى كان جائرًا على المستوى الشخصي، فإن ٧٥ في المائة من المشاركين قبلوا السعر الأعلى لأنه كان معروضًا.

توقعات الأسعار

يلقى السعر المتوقع قبولًا واسعًا بوصفه «سعر عادل».12 وحسبما خلصت مجموعة من الباحثين: «في أغلب الأحوال، السعر الذي نحدده كسعرٍ متوقع ينبغي أن يتفق والسعر العادل»،13 ومن ثَمَّ فأي زيادة حادة في السعر تكون جائرة.
تناولت الصحف في عناوينها الرئيسية الزيادة الحادة البالغة ٦٧ في المائة في رسم دخول متحف الفن الحديث في نيويورك بعد إعادة افتتاحه ووصفتها بالصدمة.14 كما أفادت قناة إيه بي سي نيوز الإخبارية أن زيادةً قدرها ٩٤ في المائة في أسعار الوقود أدت إلى شعور المستهلكين بالاستياء.15 ساد هرج ومرج عندما رفعت مختبرات ميلان سعر العقار المضاد للاكتئاب الذي تنتجه من ١١٫٣٦ دولارًا إلى ٣٧٧ دولارًا لزجاجة تحوي ٥٠٠ قرص، وفي النهاية، رفع المتضررون شكوى إلى لجنة التجارة الفيدرالية.16
إن مجرد تغيير السعر بمعدل مُبالَغ فيه تصرُّف جائر في حد ذاته لأنه غير متوقع. أبدى أحد الاستشاريين قلقه من تذبذب الأسعار قائلًا: «عندما بحثنا مؤخرًا عن تكلفة إيجار السيارة من شركة إنتربرايز من أجل رحلة ربيعية إلى لوس أنجلوس، كانت التكلفة تتأرجح تأرجحًا كبيرًا؛ فبعد ساعتين من تفقُّدنا الموقع الإلكتروني للشركة أول مرة، انخفض الإيجار اليومي للسيارة الكبيرة حوالي ٨ دولارات. وعلى مدار الأسبوع اللاحق استمر الإيجار في التذبذب، من ٣٢ دولارًا كحد أدنى إلى ٧٣ دولارًا كحد أقصى.»17
مر أحد الكتَّاب بجريدة لوس أنجلوس تايمز بتجربة مشابهة من تذبذب الأسعار عند شرائه من موقع أمازون عبر الإنترنت.18 قرر أن يشتري كتاب طهي جديدًا، فاتجه إلى موقع أمازون، ووضع الكتاب في عربة التسوق الإلكترونية؛ لكن جدَّ ما شتَّت انتباهه عن إتمام الشراء، ولم يعد لإتمام العملية حتى اليوم التالي. ظهرت نافذة منبثقة تخبره أن السعر زاد ٠٫٥١ دولار، من ١١٫٠٢ دولارًا إلى ١١٫٥٣ دولارًا. حداه الفضول إزاء ما حدث، فملأ عربة التسوق بطلبات الكتب وتركها لعدة أيام، وعندما عاود تفقُّدها، اكتشف ارتفاع أسعار ٩ كتب أمريكية وانخفاض سعر ٣ كتب، واكتشف فيما بعد أن ثمة كتابًا ارتفع ثمنه من ٢٢٥ دولارًا إلى ٣٠٠ دولار بين ليلة وضحاها، وهذا جائر!
وتقديرًا من جانب البائعين لتفضيل المشترين للوضع الراهن، لا يغيِّر البائعون من أسعارهم بنفس وقع تغيُّر تكاليفهم.19 يقول التنفيذيون إن تغيير الأسعار بوقعٍ مبالغ في سرعته ستكون نتيجته الوحيدة إثارة عداوة العملاء.20 ثمة استراتيجية بديلة تتمثل في الحفاظ على استقرار السعر لكن اختزال المنتج، وهذا ما يطلق عليه «تسعير الحلوى» تيمنًا بشركات الحلوى التي حافظت على سعر قالب الحلوى عند ٠٫٠٥ دولار، لكنها خفَّضت من مقدار الشوكولاتة. وعندما استوعب المستهلكون هذه الاختزالات في المنتج، غضبوا لأنهم تعرضوا للخداع.

بالإضافة إلى التقلبات غير المتوقعة في الأسعار، فأي إضافة غير متوقعة تُعتبر أيضًا جائرة؛ كالتكاليف المفاجئة مقابل توصيل الأثاث، والنفقات الإضافية غير المتوقعة الملحقة بفاتورة الهاتف، والضرائب المباغتة. في ولاية ديلاوير؛ حيث لا تُفرَض ضريبة مبيعات، على المستهلكين دفع ضريبة «إيجارية» غير متوقعة عند استعارة مشغِّل أقراص دي في دي، وهذا جائر!

حتى المصاريف الإضافية القليلة تكون مثيرة للضيق عندما لا يتوقعها المرء. انتابني الضيق عندما حوت فاتورة فندق على الطريق السريع رسمًا بدولارين مقابل الخزينة الإلكترونية التي لم أستعملها، وعندما أعدت السيارة المستأجرة دفعت ٦ دولارات مقابل كل جالون من الوقود لملء خزانها، وعندما تقدمت لفصل دراسي يتكلف ٢٨٠ دولارًا دفعت ٢٥ دولارًا إضافية في نفقات مختلفة.

وفي المقابل، سيتقبَّل المرء الرسم الباهظ ويعتبره عادلًا إذا كان متوقعًا. خلصت دراسة أجرتها شركة باسيفيك جاس آند إليكتريك كومباني، إلى أن اختيار العملاء الجاري هو أفضل متنبئ بجدول الخدمات الذي سيختارونه. حتى عندما يمكن للعملاء الحصول على أسعار أرخص، فإنهم يفضلون جدول تسعير الكهرباء الذي سبق أن اشتركوا فيه،21 فحتى عندما يكون السعر مرتفعًا، يفضل المستهلك السعر الذي يتوقعه.

الأسعار المرجعية

يستدعي الأكاديميون الذين يدرسون عدالة الأسعار فكرة «السعر المرجعي»، وحسبما خلص أحد الباحثين: «أهم عامل في تحديد س (السعر المرجعي) هو العدالة.»22

السعر المرجعي هو مقياس يُحكم على أساسه إذا كان السعر رخيصًا أو باهظًا. وهو مطابق للمعيار الوصفي للسعر، عدا أن المعيار الوصفي يضم محتوى عاطفيًّا بينما السعر المرجعي يكون نتاج عملية حسابية معرفية مدروسة. ورغم الاختلاف بينهما، فالأبحاث المجراة على الأسعار المرجعية تتصل مباشرةً بالمعايير الوصفية للأسعار.

يشرح الأكاديميون نشوء الأسعار المرجعية بالرجوع إلى قانون فيبر فشنر الذي يعود إلى القرن التاسع عشر. ينطبق هذا القانون على كيفية تأثير مثيرات كالضوضاء أو الرائحة على الحواس، وتقوم الفكرة على أن متوسط جميع المثيرات التي اختبرها المرء من قبل تكون بمثابة نقطة مرجعية يقارن بها حدة المثير الجديد.

على سبيل المثال: إذا عاش أحدهم في سكون الصحراء، ستبدو له أصوات الطيور والصراصير ضوضائية، لكن إذا عاش وسط صخب مانهاتن، ستبدو له أصوات المزرعة ذاتها رقيقة على نحو يبعث على السعادة. وبعد المعيشة بالمزرعة لفترة من الزمن، سيجد قاطنو المدينة السابقون مانهاتن وقد أصبحت صاخبة؛ والسبب هو أن المثيرات الجديدة تندمج في المعلومات السابقة فتتغير النقطة المرجعية.

بناءً على قانون فيبر فشنر، درس الباحثون في العقود الأخيرة من القرن العشرين كيفية نشوء الأسعار المرجعية، فذهبوا إلى أن الأشخاص يحسبون متوسطًا لكل الأسعار التي خبروها من قبل، فعندما يُعرض على المستهلك سعر جديد، فإنه يدمجه مع الأسعار السابقة، ويحولها لمتوسط لتكوين سعرٍ مرجعيٍّ جديد، وهو ما يكون حينها بمثابة مقياس للحكم على الأسعار المستقبلية.

تعددت طرق الباحثين لحساب متوسط السعر المرجعي، فبعضهم اقترح أنه متوسط متغيرٍ ما للأسعار الماضية.23 وقال بعض آخر إنه المتوسط المرجح للأسعار السابقة لعلامة تجارية بعينها فحسب.24 بينما اقترح آخرون حسابات أكثر تعقيدًا، مثل المتوسط المرجح المتضائل أُسِّيًّا للأسعار السابقة كافة، بحيث تكتسب الأسعار الأقرب زمنًا ثقلًا أكبر.25 كل هذه الوسائل لتحديد السعر المرجعي تؤدي وظيفتها لدرجة ما، لكنها كافة تواجه مشكلة مشتركة، وهي أنها لا تتمتع إلا بفكرة غامضة عن الأسعار الفعلية.
كما حدث مع المشاركين المخطئين في مجموعة «السعر صحيح»؛ فالدراسات المتكررة التي أُجريت على الأسعار بمحال البقالة في كلٍّ من الولايات المتحدة وغيرها، تشير إلى أن ٥٠ في المائة فحسب من الناس يعرفون السعر الفعلي للسلعة التي يشترونها، حتى وهم يتناولونها من الرف.26 ويشير هذا بدوره إلى أن السعر المرجعي، مثله مثل المعيار الوصفي، تقدير تقريبي؛ فهو عبارة عن نطاق لا نقطة محددة،27 ولدى المستهلكين فكرة نسبية عما إذا كان السعر رخيصًا أو باهظًا لا فكرة دقيقة عن ماهية السعر بالتحديد.28

ومع ذلك؛ ففي بعض الحالات، يخلق تجار التجزئة أسعارًا مرجعية معيَّنة من خلال دعايتهم. يصبح السعر المرجعي في هذه الحالات توقعًا محددًا، يشعر المستهلك بأحقيته في الحصول عليه، فهذا هو المعيار الكائن.

ونتيجةً لذلك يكون رد فعل المستهلك حادًّا عندما يستخدم تجار التجزئة الاحتيال في استقطاب العميل، وهذا ما يحدث عندما يعرض التجار سلعة منخفضة الثمن لجذب العميل، لكن عندما يدخل العميل المتجر يقول له التاجر إن السلعة لم تعد متاحة، ويكون خيار العميل الوحيد حينها هو نسخة أغلى من المنتج نفسه. هذا جائر ومخالف للقانون. سيكون الخيار الأكثر إنصافًا أن توفِّر المتاجر «كوبونات خصم»، فإن نفدت السلع المتضمنة في الأوكازيون، يحصل العميل على إيصال بالحصول على المنتج بسعر الأوكازيون في تاريخ لاحق.

يحاول بعض تجار التجزئة معدومو الأخلاق، استغلال العملاء بخَلق سعر مرجعي مزيف، فيعلنون أن سعر منتَج من المنتجات «كان ٧٩ دولارًا أما الآن فهو ٥٩ دولارًا فقط.» مثل هذه المقارنة تجعل السعر ٥٩ دولارًا يبدو أدنى من عرض السعر ٥٩ دولارًا بدون عرض. وقد أكَّد الباحثون أن تأثير هذا الأسلوب يقع حتى عندما تكون المقارنة غير واقعية؛ فجملة «كان السعر ٢٠٠ دولار والآن ٥٩ دولارًا فقط» تجعل السعر يبدو أرخص رغم أنها غير معقولة.29
بالطبع توجد قوانين لمكافحة الأسعار المرجعية الدعائية غير الواقعية، فيجب أن تُباع سلعة من السلع مقابل سعر أعلى منتظم «لفترة زمنية واقعية بصورة معقولة» قبل أن يعلن المتجر أنه السعر «قبل الخصم»،30 لكن وجود القانون لا يعني أن جميع المتاجر تخضع له.
فعلى سبيل المثال: جرى تحقيق في تخفيضات أحد المتاجر في فلوريدا على الأمتعة والحشايا؛ وذلك بسبب أن «السعر الأصلي لم يكن له أي مدلول على الإطلاق؛ فالمتجر لم يبع السلعة قط بهذا السعر.»31 واكتشفت المحققون في متجر آخر أن ٩٧ في المائة من السلع المنزلية بيعت بأسعار الأوكازيون؛ فقط ٣ في المائة من المبيعات كانت بالسعر الذي يُفتَرَض أنه «السعر الأصلي».32

موجز الفصل

السعر العادل أو ممارسة التسعير العادلة على المستوى الشخصي هي التي تستوفي توقعات المعايير الوصفية، إلا أن السعر الذي يرتفع بوضوح عن المتوقع، أو ممارسة التسعير المختلفة عن المنتظر إلى حدٍّ فارق، يتسبب في مفاجأة غير مرغوبة، فهذا جائر على المستوى الشخصي!

في حالة سخَّان المياه، لا زلت أرى السعر احتياليًّا، إلا أنني شعرت أني مكتوفة اليدين؛ كنت أريد الحصول على حمام ساخن ولم أُرِد مياهًا في القبو، فاضطررت لدفع السعر، لكن انتابني شعور سيئ لأنني شعرت بالظلم، وأنا مقتنعة بأن السعر جائر. خامرني شعور بأن السباك يستغل موقفي، وهذا جائر على المستوى الاجتماعي، وهو موضوع الفصل القادم.

تعريفات

انحياز الوضع الراهن: الميل إلى تفضيل الموقف الجاري الذي عليه الأمور.
الاستتباب الاجتماعي: حالة من التوازن الاجتماعي؛ الوضع الراهن.
التفاوت المفيد: حصول المرء على أكثر مما يقدِّم في عملية مقايضة. حصول طرف على أكثر مما يحصل عليه الطرف الآخر في عملية المبادلة أو أكثر مما يحصل عليه الآخرون.
حزمة السعر: عندما يجري تضمين أكثر من سلعة أو خدمة في السعر، على سبيل المثال: تضمين الإطارات في سعر السيارة.
تسعير الحلوى: زيادة الأرباح عن طريق تقليص حجم المنتج لا زيادة سعره.
السعر المرجعي: المقياس الذي يُحكم من خلاله على ما إذا كان السعر رخيصًا أم باهظًا، عادلًا أم جائرًا، بناءً على الخبرة والمعلومات السابقة في البيئة.
المتوسط المتحرك: متوسط يعتمد على عدد معين من الأحداث الماضية بمرور الزمن؛ مثل إيجاد متوسط الثلاثة أشهر الماضية في نهاية كل شهر.
الاحتيال في استقطاب العميل: أسلوب غير قانوني حيث يروِّج المتجر لسعر منخفض لاجتذاب العميل، لكنه يكتشف نفاد السلعة، ويكون البديل أغلى سعرًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤