الباب السادس عشر

في الكلام على سويسرة

(١) في تاريخها

اعلم أن سويسرة كانت من سنة ثمانٍ وخمسين قبل الميلاد تابعة لمملكة الرومان، ولكن بعد سقوط الدولة الرومانية الغربية رجعت من توابع جرمانيا في القرن الخامس من التاريخ المذكور إلَّا بعض قطع منها، ثم بعد ذلك صارت متداولة بين فرنسا وألمانيا وأمرائها الذين منهم عائلة هابسبورغ. وهذه العائلة لما ملكت ألمانيا أرادت إضافة هذه البلاد إليها فنشأت من ذلك حروب في سنة أربع وثلاثمائة وألف آل الأمر فيها إلى طرد جيوش ألمانيا واستقلال سويسرة، وإن لم تنقطع الحروب بعد ذلك بينهما إلى آخر القرن الخامس عشر وكان الانتصار فيها دائمًا للسويسرة، وفي التاريخ المذكور اعترف الجرمانيون باستقلالها.

ثم في سنة ثمانٍ وأربعين وستمائة وألف بمقتضى الشروط العمومية التي انعقدت بين الدول الأوروباوية اعترفت الدول المذكورة بها دولةً مستقلة من دول أوروبا. وفي سنة ثمانٍ وتسعين وسبعمائة وألف دخلت الجيوش الفرنساوية هاته المملكة وغيروا تراتيبها، وفي سنة ثلاث وثمانمائة وألف رتَّب لها الجنرال بونابارت — رئيس الدولة الجمهورية الفرنساوية — قانونًا جديدًا لاستقلالها، لكن بعد سقوط نابوليون رفضوا قانونه ورجعوا إلى ترتيبهم الأصلي بعد تهذيبه في سنة خمس عشرة وثمانمائة وألف. ثم في سنة ثمانٍ وأربعين وثمانمائة وألف وقعت حروب أهلية آل أمرها إلى تبديل قوانينهم بالقوانين الآتي شرحها الباقي حالهم عليها إلى اليوم.

(٢) في وصف سويسرة

اعلم أن موقعها بين ثلاث درجات وأربع وأربعين دقيقة وثمان درجات وخمس دقائق من الطول الشرقي، وبين خمس وأربعين درجة وخمسين دقيقة وسبع وأربعين درجة وثمانٍ وأربعين دقيقة من العرض الشمالي. ويحدُّها غربًا فرنسا وشمالًا إمارة بادن وشرقًا التيرول النمساوي وجنوبًا إيطاليا، وطولها من الغرب إلى الشرق ثلاثمائة وثمانية وأربعون كيلومترًا وعرضها من الشمال إلى الجنوب مائتان واثنا عشر كيلومترًا، وتربيع مساحتها أحد وأربعون ألفًا وأربعمائة وثمانية عشر كيلومترًا.

وعدد سكانها سنة ستين وثمانمائة وألف بلغ مليونين وخمسمائة وعشرة آلاف وأربعمائة وأربعًا وتسعين نفسًا، وتختُ أوطانها المتحدة مدينة بارن التي ينعقد بها مجلس نواب الأوطان. وهي منقسمة إلى اثنين وعشرين وطنًا أو إيالة، ومعظمها جبال وأعظم جبال أوروبا بها كما سنبينه إن شاء الله تعالى في خلاصة الكلام على الجغرافيا، وبها أماكن كثيرة لا يزايلها الثلج والجمد وأماكن ذوات بهجة تسر الناظرين بين الجبال المذكورة. وبها أراضٍ منبسطة ذات خصب تشقها بحيرات عذبة، ومن أعظم مكاسب أهاليها الحيوانات لكثرة مراعيها فيخرج منها من الزبد والسمن والجبن شيء كثير، ويوجد بها كثير من المعادن كالحديد والنحاس والرصاص والكبريت والرخام وغير ذلك، وبها عيون معدنية صالحة للتداوي. ولأهلها تقدم بيِّن في جميع الصنائع لا سيما الأقمشة الحريرية والقطنية والصياغة وعمل الساعات ودبغ الجلود ونحو ذلك، ومتجرها مع الأجانب معتبر جدًّا بلغت قيمة الداخل لها منه والخارج منها ثمانمائة وخمسة وسبعين مليون فرنك. والتعليم بها في جميع الفنون في غاية التقدم، والأهالي يلجئون بمقتضى القوانين إلى بعث أولادهم لتعلم علوم الطبقة الأولى، ولها من المكاتب لهذه الطبقة سبعة آلاف ولبقية الطبقات أربعة عشر.

(٣) في تنظيماتها السياسية

تنقسم سويسرة كما تقدم إلى اثنتين وعشرين إيالة كل واحدة منها مستقلة بنفسها في أحوالها الداخلية الخاصة بها، فلها مجالس وتراتيب تخصها كدولة صغيرة جمهورية ذات رئيس، ومجموع الإيالات متحد كدولة جمهورية كبيرة فيما يتعلق بمصالحها الداخلية العمومية والخارجية مطلقًا. ولها مجلسان: مجلسٌ مركَّب من مائة وثمانية وعشرين عضوًا منتخبين من أهالي الإيالات لثلاثة أعوام، باعتبار أن لكل عشرين ألف نفس وكيلًا واحدًا، ومجلس مركَّب من أربعة وأربعين عضوًا منتخبين من المجالس الخاصة بكل إيالة من كل مجلس عضوان. ووظيفة هذين المجلسين تأسيس القوانين العمومية وتعين أصول المصاريف اللازمة كذلك، وعمل الحرب والصلح وعقد شروط المعاهدة والتجارة وغير ذلك. ولها مجلس آخر مركَّب من سبعة أعضاء منتخبين للمجلسين المذكورين لمدة ثلاث سنين، وله رئيس منتخب لعام واحد وهو رئيس الدولة الجمهورية أيضًا في تلك السنة، وكلفة هذا المجلس إدارةُ ما يتفق عليه المجلسان من القوانين والمصالح العمومية وخدمة كل واحد منهم بمنزلة وزارة وهو بمنزلة وزير، فالأمور المكلفون بإدارتها منقسمة بينهم انقسام الوزارات. وفصل النوازل الشخصية الواقعة بين السكان يكون بمجالس الحكم الموجود منها في كل إيالة من الإيالات ما يناسبها، ولها درجات كمجالس غيرها من الدول. وأما الجنايات السياسية والنزاع الواقع بين الإيالات أو بين المأمورين، فَفصْلُ ذلك يكون بمجلس مركَّب من أحد عشر عضوًا ينتخبهم المجلسان المذكوران لثلاثة أعوام.

(٤) في قوتها المالية والعسكرية

فأما المالية فإن دخلها في سنة ست وستين وثمانمائة وألف بلغ تسعة عشر مليونًا ومائة وخمسة وسبعين ألف فرنك، وخرجها تسعة عشر مليونًا وأربعمائة وخمسة عشر ألفًا. وأما العسكرية فجملة جيشها مائة وتسعة وتسعون ألفًا وأربعة وخمسون نفسًا المرتب منهم تحت السلاح خمسة وثمانون ألفًا وأربعمائة وثمانون، والذي في التسريح سبعة وأربعون ألفًا وتسعمائة وأربعة وأربعون، والرديف أربعة وستون ألفًا وخمسمائة وتسعة وأربعون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤