الباب الثاني

في الكلام على مملكة فرنسا

(١) في تاريخها

اعلم أن ابتداء تاريخ فرنسا في الحقيقة إنما كان من سلطنة كلويس حفيدة ميروي، وهو الذي أسس ملك العائلة الميرونجيانية، وما يحكى عن سلطنة فرامون وكلوديون وميروي وشلدريك إنما هو مجرد أخبار بتسلطن أولئك الملوك مع عدم وجود ما يفيد القطع بصحة أخبارهم وحوادث أيامهم. وعند ولاية كلويس المذكور في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة مسيحية كانت أمم الويزيغوت والبورغوند والألمان والرومان تتنازع في أرض الغول (ويقال لها الغاليا أيضًا)، وبهذا الملك انتصر الفرنكس أي الإفرنج، وهم فرقة من سكان تلك الأرض فكسروا جيش الرومان في صواصون سنة ست وثمانين وأربعمائة، وطوعوا الألمان بعد حرب تولبياك في سنة ست وتسعين وأربعمائة، وقصروا جماعة الويزيغوت على ملك السبتيمانيا، وهو قسمٌ كبير من جنوب فرنسا، وأخرجوا ما عداه من أيديهم، وذلك بعد الانتصار عليهم في حرب وليي سنة سبع وخمسمائة وكسروا شوكة البورغوند حتى انمحت رسوم ملكهم بالتمام في أيام أبناء الملك المذكور، وذلك في سنة أربع وثلاثين وخمسمائة.

هذا، وبعد وفاة الملك كلويس المذكور اقتسم أبناؤه الأراضي التي كان افتتحها، وذلك في سنة إحدى عشرة وخمسمائة، فمن هذا الاقتسام تكونت أربع ممالك متفرقة: فكانت مدينة باريس تختًا للمملكة الأولى وماتس للثانية وصواصون للثالثة وأورليان للرابعة. ثم في سنة ثمانٍ وخمسين وخمسمائة جمع كلوتير الأول سائر ممالك فرنسا تحت حكمه، لكنها انقسمت بعده ثانيًا وذلك من سنة إحدى وستين وخمسمائة إلى سنة ثلاث عشرة وستمائة، وأعقب الانقسام حروبًا أهلية أجلت عن اجتماع في مدة قليلة، ثم عن افتراق انقسمت به فرنسا إلى أربع ممالك وهي أوسترازيا ونوستريا وبورغونيا وأكويتانيا، فكانت أوسترازيا ونوستريا متميزتين من بين الممالك الأربع بالسطوة ونفوذ الكلمة، وكانتا متكافئتين مدة من الزمن. ثم في سنة سبع وثمانين وستمائة ارتفع شأن أوسترازيا التي كانت محافظة على عاداتها القديمة التي كانت عليها قبل فتوحاتها، وذلك بعدم مخالطتها لحضارة الرومانيين، وعلا أمرها على النوستريا وكانت إذ ذاك لا تلقب بلفظة المملكة لانقطاع العائلة الملكية منها وصيرورتها ربوبليك فاودال؛ أي جمهورية مقودة بالهرستال بلقب دوك، وهم أشرافهم. وهؤلاء الدوكات حكام أوسترازيا لم يزالوا حتى تسلطوا بوظيفة ماردوبالي (بمعنى ناظر القصر) على ملوك نوستريا، وذلك لما انقطعت العائلة الملكية من أوسترازيا كما أشرنا إليه وصارت المملكة جمهورية مرءوسة بأشرافها الذين كانوا مذعنين لأمراء نوستريا بمجرد تلقي اللقب منهم؛ إذ كانوا هم الأمراءَ المتأصلين في الملك من العائلة الميرونجيانية، ثم دخلت بورغونيا تحت طاعتهم والأكويتانيا التي هي القسم الرابع بعد أن استخلصها شارل مارتل من أيدي العرب سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة بانتصاره في حروب شديدة وقعت بينه وبين عساكر الأندلس في إمارة عبد الرحمن الداخل.

ثم بعد مدة وجيزة من إمارة أحد أولئك المار؛ أي نظار القصر، وهو ببان لبراف، انتقل التاج إليهم واستولى المذكور ملكًا في سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة بعد أن عزل شلدريك الثالث آخر ملوك العائلة الميرونجيانية، ومن هذا كان ابتداء العائلة الثانية من ملوك فرنسا، وهي العائلة الكارلونجيانية، وهذا الملك تغلب أيضًا على أكويتانيا وعلى سبتيمانيا، وهو أول مَن جمع فرنسا كلها عدا البرطانيا تحت رئاسة واحدة، وامتد سلطانه ونفوذ كلمته إلى إيطاليا، وأَلْجَأَ اصطلف ملك لومبارديا إلى احترام البابا إسْتِيفَنُو وملَّك الكنيسة عدة أراضٍ.

وأما ابنه شارلمان المذكور في مقدمة هذا الكتاب فقد تغلب بعده على إسبانيا الشمالية وعلى إيطاليا وعلى الساكسونيا وعلى باواريا وعلى الأوار أهل بنونيا، وذلك من سنة ثمانٍ وستين وسبعمائة إلى سنة أربع عشرة وثمانمائة، واستجمع الممالك المذكورة في مملكة كبيرة سماها السلطنة الغربية المتجددة، وأشار بالمتجددة إلى إحياء السلطنة الرومانية الغربية بعد اندراسها. غير أن هذه السلطنة لم تتجاوز سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة حتى انقسمت إلى ثلاث ممالك مستقلة، وهي: فرنسا وإيطاليا وجرمانيا، وصار تاج السلطنة يتداوله بعض الذرية بإيطاليا مرة وأقاربهم من أمراء العائلة الكارلونجيانية أخرى، حتى انتقل إلى طائفة من الأعيان ليسوا من تلك العائلة، ثم انتهى الأمر إلى بقائه بيد الألمان. وكان ابتداءُ سقوط العائلة الكارلونجيانية من سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة حين صارت عصبية أعيانها تتعاظم وتغتنم فرصة التسلط على السلطة الملكية، حتى إنه في سنة سبع وثمانين وثمانمائة كان واحد من أولئك الأعيان المقدمين للخطة من صاحب التاج يسمَّى أودون، وهو جد عائلة الكابيت افتَكَّ المُلك من يد العائلة الكارلونجيانية الذين آل أمرهم في ذلك الوقت إلى وجود مجرد ألقاب السلطنة فيهم بدون قوة ولا مملكة، ثم رجعت العائلة إلى تخت السلطنة، ثم افتُكَّ منهم ورجع إليهم بعد ذلك، ثم آل أمرهم إلى فقْدِ جميع ما كان بأيديهم وسقطوا بالكلية، وكان ذلك سنة سبع وثمانين وتسعمائة على يد هوغ كابيت، وهو أول العائلة الثالثة من ملوك فرنسا وهي العائلة الكابنيسيانية وجعل مركز السلطنة الدوكاتو الكبرى التي كانت في قبضته من فرنسا. وبحسن تدبير هذا الملك وسيايته تزايدت القوة الملكية في فرنسا وحسَّن حالها وأعانه على ذلك شدة حزمه وطول مدة ولايته والمجالس البلدية التي أجاد تأسيسها في الإيالات وما حدث في ذلك الوقت من الحروب بين المسلمين والصليبيين، وذلك من سنة سبع وثمانين وتسعمائة إلى سنة ثمانٍ ومائة وألف. ومن هذه السنة إلى سنة ست وعشرين ومائتين وألف ازدادت السلطة الملكية نموًّا وقوة شوكة، وافتكَّ من أيدي الإنكليز عمالة النورمانديا والأنجو والألمان والبواتو من سنة أربع ومائتين وألف إلى سنة خمس ومائتين وألف، وأشرفت أيالتا غيان وغسكونيا على عوْدِ التاج إليهما لولا مفارقة لويز لوجون زوجه ليونورة داكويتانيا في سنة اثنتين وخمسين ومائة وألف.

ثم إن لويز التاسع الملقب بصان لوي بمعنى الصالح، وهو الذي مات بتونس مَهَّدَ مصالح المملكة وساسها أحسن سياسة من سنة ست وعشرين ومائتين وألف إلى سنة سبعين ومائتين وألف، فإنه وإن لم يزد في أرض المملكة زيادة معتبرة إلَّا أنه أعطى التاج ما يستحقه من السلطة والاعتبار، وأقام دعائم المُلك على أمتن أساس. ثم في مدة فليب الثالث من سنة سبعين ومائتين وألف إلى سنة أربع وثمانين ومائتين وألف أضاف المذكور اللنغدوك إلى فرنسا وتداخل في جميع المنازعات التي كانت واقعة في ممالك إسبانيا النصرانية، وامتدَّ نفوذ كلمته إلى مملكة نابلي من إيطاليا، ثم شرع فليب الرابع من سنة أربع وثمانين ومائتين وألف في استرجاع الأملاك التي كانت سُلِّمت إلى لوتير ونجحت مدافعته في ذلك ضد سلطة البابا الدنيوية، وأقام بين البباصين والأعيان وسلطتهم حاجزًا، وهو مجلس المشورة العمومية (بمعنى أنه عطَّل تصرفاتهم وأحالها إلى الشورى، فكانت أحزاب الناس تجتمع لعرض المطالب)، وهذا الملك هو أول من جمع دواوين المدن بفرنسا، ويقال لها مجالس البارلمان، ثم بعد وفاته مال أولاده إلى الأعيان وقووا سلطتهم بدون تبصر في عاقبة الأمر، وكان دأب أولئك الأعيان البحث عما يتيسر به تخلصهم من القيود المنافية لأغراضهم واغتنام الفرصة في ذلك حتى تمكنوا من السلطة ثانيًا بإعانة أولئك الأبناء الذين كانوا يجهلون مصالح الملك، وكان ذلك من سنة أربع عشرة وثلاثمائة وألف إلى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف، ووقع مثل هذه الإعانة للأعيان من الفرع الثاني الملكي، وهو الملقب بالوَالُوَي اقتداءً بأولاد فليب الرابع، فبتلك السيرة المتهورة أشرفت فرنسا على الاضمحلال، فاغتنم ملوك الإنكلترة الفرصة وشرعوا في الحروب المسماة بحروب المائة سنة، وانضم إليهم الفلمنك والبروتون، وكان مبدأ تلك الحروب من سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف إلى سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة وألف، وبعد أن غُلِبَتْ فرنسا في مقاتلة كريسي وذلك في دولة فليب دووالوي سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف، وفي محاربة بواتيي، وكانت في دولة جان الثاني سنة ست وخمسين وثلاثمائة وألف شرعت في النهوض في دولة شارل الخامس من سنة أربع وستين وثلاثمائة وألف إلى سنة ثمانين وثلاثمائة وألف، لكنها رجعت بعد ذلك القهقرى في دولة شارل السادس حين كان صغيرًا تحت قيد الحجز، ثم حين اختلَّ عقله وذلك من سنة ثمانين وثلاثمائة وألف إلى سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وألف حتى أشرفت على الانقراض ثانيًا بسبب تجاذب أمراء العائلة المتكثِّرين عددًا وثروة وتداخلهم في سياسة الممالك طمعًا في التاج ورغبة في نفوذ الكلمة، مع ما آل إليه أمر العائلة الثانية من أمراء بورغونيا من القوة والسلطان في سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف حتى صارت مضاهية للعائلة الملكية.

ومما زاد الأمة الفرنساوية وهنًا على وهنهم المصادماتُ التي جرت فيها الدماء بين شيعة البورغوند وشيعة أرمنياك. وفي سنة خمس عشرة وأربعمائة وألف تغلبت الأمة الإنكليزية في أزنكور وحازت غالب الإيالات البحرية من فرنسا. ثم في سنة تسع وعشرين وأربعمائة وألف بزغ طالع سعد فرنسا بظهور البنت جان دارك بنت أحد الفلاحين المولودة بقرية دومرمي التي زعمت أن الله أمرها باستخلاص فرنسا من أيدي الإنكليز، فتوجهت إلى الملك شارل السابع بمدينة بورج فانقاد إلى قولها، وكانت السبب في رفع حصار الإنكليز لمدينة أورليان بقَوْدِها لجيوش الملك المشار إليه بأزمَّة النصر، إلى أن أوصلتهم إلى مدينة رامس، وبعد ذلك أُخذت أسيرة في محاصرة مدينة كومبيان فأُحرقت بالنار بدعوى أنها ساحرة.

وفي سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة وألف طُرد الإنكليز من أرض فرنسا بعد محاربات شديدة، وتغلَّب لويز الحادي عشر من سنة إحدى وستين وأربعمائة وألف إلى سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة وألف على عصبة الأعيان المتقدم ذكرهم، وأضاف إلى حكم التاج إحدى عشرة إيالة كبيرة كانت كل واحدة منها مستقلة بالتصرف، وإن كانت ولاية حكامها بيد الملك. وشرع شارل الثامن في حروب إيطاليا سنة أربع وتسعين وأربعمائة وألف ودام الحال إلى سنة ثمانٍ وتسعين وأربعمائة وألف، ثم تمادى على ذلك لويز الثاني عشر الملقَّب بأبي العامة حتى أفنى فيها ماله ورجاله. ومما يُحكى من محاسن هذا الملك أنه كان من الفرع الثاني من العائلة الكابيسيانية، وكان المُلك لابن عمٍّ له من الفرع الأول منها، فلما مات الملك خلفه ابن له صغير السن تحت حَجْر أحد الأعيان، فرأى الملك المشار إليه عدم استقامة الحال واضطراب أمر المملكة بسبب صغر سن الوارث، فتحرك عليه لذلك وتحزَّب بجماعة لافتكاك الملك لنفسه حتى آل الأمر بعد حروبٍ بينه وبين مقدم الصبي إلى القبض عليه وسجنه بسجن حصين، وكان يشدد مع ذلك عليه وينزله في مطمورة بالسجن لِئلا يتمكن من الفرار، وبقي هكذا مسجونًا حتى انقرض الفرع الأول ولحقته الدولة، ولما ولي الأمر طلب منه أحزابه أن ينتقم من ذلك المقدم الذي نكل به وعذبه، ولما ألحوا عليه في ذلك أجابهم بقوله: لا يليق بشرف سلطان فرنسا أن يتنازل لأخذ الثأر على ما وقع لدوك دواورليان. فليتأمل من هذا الجواب الحسن ومن همة هذا الرجل العالية المنبئة عن كمال المروة والمعرفة بمواقع السياسة، وكيف فرَّق بين المرتبتين قبل الولاية وبعدها في ذات نفسه، فمن علم منه مثل هذا رآه جديرًا بأن يُلقب بأبي العامة.

ثم في سنة خمس عشرة وخمسمائة وألف انتصر الملك فرنسوا الأول على السويسرة في حرب مرينيان، ثم انكسر في بيكوك سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وألف عند محاربته لجيش إمبراطور ألمانيا شارل الخامس، وكذلك في باويا سنة خمس وعشرين وخمسمائة وألف انتصر عليه وأخذ أسيرًا ولم يتيسر للملك المذكورة مدة ملكه إلَّا المدافعة بقدر الإمكان لقوة الإمبراطور شارل المذكور. وفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وألف أضاف الملك هنري الثاني إلى المملكة ثلاث عمالات كان كل منها مرءوسًا بمطران. وبقرب ذلك العهد نشأت الحروب الأهلية الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت التي بها خربت فرنسا، وفيها هلكت عائلة الوالوي التي كان آخرها الملك هنري الثالث، وذلك من سنة اثنتين وستين وخمسمائة وألف إلى سنة تسع وثمانين وخمسمائة وألف، وبالملك هنري الرابع ابتُدئ فرع آخر من العائلة الملكية يسمى بالبربون، وفي أيامه انتهت الحروب الأهلية وذلك من سنة تسع وثمانين وخمسمائة وألف إلى سنة أربع وتسعين وخمسمائة وألف، وبه اندملت جراح فرنسا وتيسرت لها أسباب رفعة الشأن من سنة أربع وتسعين وخمسمائة وألف إلى سنة عشر وستمائة وألف.

وفي دولة لويز الثالث عشر من سنة عشر وستمائة وألف إلى سنة ثلاث وأربعين وستمائة وألف أسس الوزير الكردينال ريشليو الملك الاستبدادي، ومهَّد طرقه للويز الرابع عشر بعد أن كسر شيعة البروتستانت ومحا آثار تصرفات الأعيان. وهذا الوزير المشار إليه هو الذي رفع أمر فرنسا إلى الأوج في الحروب المسماة بحروب الثَّلَاثين سنة من عام ثمانية عشر وستمائة وألف إلى عام ثمانية وأربعين وستمائة وألف، ونقل إليها الرجحان الذي كان قبل ذلك لدولة النمسة. وبالجملة فقد صارت فرنسا بموجب شروط وستفاليا سنة ثمانٍ وأربعين وستمائة وألف، وشروط بيريني سنة تسع وخمسين وستمائة وألف، أعظم ممالك أوروبا سطوة وطمعت في التسلط عليها في دولة لويز الرابع عشر، فتعصب عليها جميع أهل أوروبا ودافعت عن نفسها ثلاث مرات، وازدادت قوتها في صلح نيم سنة ثمانٍ وسبعين وستمائة وألف. ثم في صلح ريزويك سنة سبع وتسعين وستمائة وألف كان الأمر لا لها ولا عليها، وتأخرت بعد ذلك قليلًا في صلح أوتْرَخْت سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وألف حين ضعفت من طول الحروب مع إسبانيا الملقبة بحروب وراثة إسبانيا. وفي مدة لويز الخامس عشر من سنة خمس عشرة وسبعمائة وألف إلى سنة أربع وسبعين وسبعمائة وألف حازت فرنسا اللوران والكورسكة، لكن لم يكن لها في ذلك الوقت منهج سياسي تسير عليه؛ أي لم تكن سياستها محصورة يقتدي الخلف فيها بالسلف، فإنها حاربت في فائدة النمسة من سنة ست وخمسين وسبعمائة وألف إلى سنة ثلاث وستين وسبعمائة وألف، وتركت التعرض في انقسام بولونيا من سنة ثمانٍ وستين وسبعمائة وألف إلى سنة أربع وسبعين وسبعمائة وألف، وفوتت الفرصة التي سنحت لها في أخذ الهند من سنة أربعين وسبعمائة وألف إلى سنة ستٍّ وخمسين وسبعمائة وألف، وبعد ذلك ضيَّعت مستعمراتها الخارجية. غير أن أهلها كانوا في ذلك الوقت في مقدمة الأمم بالعلوم والمعارف، وكان لسانهم مستعملًا في سائر نواحي أوروبا ومرغوبًا في تعلمه.

ثم في مدة لويز السادس عشر انتقمت فرنسا من إنكلترة بإعانة أهل أميركا حرصًا على استقلالهم بحكمهم، وذلك من سنة خمس وسبعين وسبعمائة وألف إلى سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة وألف. ثم في سنة تسع وثمانين وسبعمائة وألف وقعت الثورة الفرنساوية التي ساقت الملك لويز السادس عشر إلى مقتله وعوضت المُلك بالربوبليك (أي الجمهورية) في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة وألف، وأعطت الأمة الكونستيتوسيون مؤسسًا على الحقوق الإنسانية. وقد وضع هذا الانقلاب الفرنساوي مبدأ تاريخ جديد للاجتماع الإنساني، حيث غيَّر حال الناس إلى طور جديد بالانتقال من ربقة العبودية إلى تمام الحرية، كما كانت ثورة إنكلترة مبدأ تاريخ لدولة منظمة.

هذا، وينبغي أن نذكر هنا بعض أسباب هذه الواقعة التي تولدت منها حرية أوروبا، وكيف كان حال الأمة الفرنساوية قبلها، وإلامَ آلت بعدُ. فاعلم أن فرنسا لم يكن لها قبل ذلك التاريخ كونستيتوسيون ولا إدارة منظمة، وكانت حالها في السياسة والاقتصاد سيئة جدًّا بحيث لا يمكن تحملها بوجه، وكانت أرضها منقسمة إلى إيالات بعضها عدو لبعض، والناس متوزعون على طبقات متضادة، وكل الأمور كانت تعتبر جزئياتها لاعتبار شخصيات أفراد الناس، بمعنى أنهم كانوا لا ينظرون في الأمور بما تقتضيه كليات الأحوال، بل يقتصرون على الشخصيات التابعة للأغراض الخصوصية، فمَن كانت له حظوة عند الملك أو بعض حاشيته أو حمايةٌ ممن لاذ بهم نال بغيته، ومن لا فلا. وكانت الصناعات وقابليات المعارف محجوزة بقيود لا انفكاك لها، والخطط الدينية والمدنية والعسكرية كانت دائمًا مقصورة على طائفة من الناس، ولم يكن يسوغ للإنسان أن يتعاطى صناعة من الصناعات إلا في حالة مخصوصة وبشروط معتبرة، كدفع المال ونحوه. وبعض المدن كانت لها مزايا خصوصية في التراتيب الداخلية وفي توزيع الأداء ونحوه، وسائر الوظائف كانت مؤبدة تحت يد أفراد من الناس في جميع جهات المملكة، وكان العدد القليل من ذوي الثروة والجاه يقاوم جمًّا غفيرًا من الفقراء والمساكين، وثُقل الأداء ونحوه كان كله يحمل على طبقة واحدة من الناس وهم الضعفاء منهم، أما الأعيان وأهل الكنيسة فكانوا يملكون ما يقرب من ثلثي أرض فرنسا ولا يؤدون عليه شيئًا، والثُّلُث الذي بيد العامة يوظف عليه الأداء للدولة أولًا ثم عوائد كثيرة للأعيان ثم العشر للكنيسة، مع ما كانت تتحمله آراضهم من إفساد زروعها من مرور الأعيان بها عند الاصطياد، ومن الصيد نفسه؛ حيث إن الاصطياد كان محجرًا على العامة ولو في آراضهم؛ إذ هو من خصائص الأعيان، والأداء على الأقوات إنما كان على العامة، واستخلاص المجابي كان بالقهر من دون أدنى ترتيب، والأعيان إذا امتنعوا من أداء ما يوظف على كسبهم لا يلزمهم بالامتناع شيء بخلاف العامة، فإنهم كانوا يعاملون في أموالهم وأبدانهم معاملة سيئة، فمن لم يعجل بدفع ما يطلب منه فقد عرض ماله للتلف وبدنه للسجن، وما كانوا يرتزقونه بعرق الجبين يدفعونه في مصالح الطبقة العليا من الأعيان، ثم يدافعون عنهم بأنفسهم. وأقل شقاوة من هؤلاء أهل الصناعات، فإنهم لعدم الملك عندهم لا يلزمهم من الأداء ما يلزم غيرهم من أرباب الأملاك، لكنهم لا يحصلون على شيء من المنح التي يستحقونها بتزيينهم للمملكة بنتائج أفكارهم وتحصيلهم لها بذلك ثروة وشهرة بين الممالك.

وكانت الأعيان تتولى الأحكام في بعض إيالات المملكة الراجعة لهم، وأما الإيالات التي لم يكن بينها وبين الخطة الملكية واسطة فكانت الخطط بها تباع وتشترى. وكان فصل الأحكام في الكل بطيئًا، وفي الغالب يترجح في الحكم جانب من وفر العطية، وكثيرًا ما يتراضى الخصمان على ترك المخاصمة بالمرة أخذًا بالأصلح لهما لكثرة المصاريف، وفي نوازل الجنايات كانت العامة تعامل بالغلظة والفظاظة بخلاف غيرهم، حيث كانت رسوم الحرية الشخصية عند حكامهم منهوكة، بحيث لا يراقبون في الإنسان إلًّا ولا ذمة، ثم المطابع كانت تحت نظر رقباء من جانب الدولة بحيث لا يرخصون لأحد في طبع ما لا يستحسن عندهم. وبالجملة لم يكن للعامة حق عندهم ولا حرمة، كما لم يكن للسلطة الملكية حد تقف عنده ولا نهاية، فأحوال فرنسا في ذلك الوقت كانت مرتبكة بدون تقييد ولا تنظيم، ولم تكن المملكة محمية من الأجانب كما ينبغي، ودخلتها الخيانة بواسطة صاحبات لويز الخامس عشر، وأشرف نظامها على الاختلال من ضعف وزراء لويز السادس عشر، وبعد ذلك ضيعت شرفها بترك إعانة هولاند وبولاند، حيث كانت حليفة لتينك الدولتين ولم تدافع الأجانب عند استيلائهم عليهما. ولمثل هذه الأسباب قامت الأمة الفرنساوية على الدولة ورجالها، وكانت ثورة أبدلت الكيفية القديمة المختلة الإدارة بكيفية منظمة لائقة بالشرف الإنساني، وعوضت الاستبداد بالقوانين القابضة لأيدي الحكام عن تجاوز الحدود والتفضيل بين الناس بالتسوية بينهم في الحقوق، فتسرحت الصناعات مما كان يعوقها وحميت الفلاحة من تسلط الأعيان ومن أداء العُشر للكنائس، وكفت عن الأملاك موانع التحبيس واتحدت أحوال المملكة وتصرفاتها، وهذه الثورة كانت علامة للحرية وأيقظت لها جفون سائر الأمم وأنتجت مصالح جمة مظنة للدوام والاستمرار، واستبدلت إفراط القتل الواقع فيها بمنافع لا تحصى.

وقد استقر حكم الدولة الجمهورية بفرنسا في الحادي والعشرين من أشتمبر سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة وألف، واستمر ذلك إلى الثامن عشر من ماية سنة أربع وثمانمائة وألف، ففيها ارتقى نابوليون الأول على تخت السلطنة من وظيفة قنصل أول للربوبليك، وهو الذي طوَّع أوروبا الغربية لفرنسا مدة سنين، لكنه ضيَّع خيار عسكره في حروب إسبانيا والروسية سنة اثنتي عشرة وثمانمائة وألف، ثم أُزيل عن كرسيه في سنة أربع عشرة وثمانمائة وألف، وحينئذٍ رجعت عائلة البوربون إلى الملك ورجعت فرنسا إلى حدودها القديمة قبل الثورة، فأعطى الملك لويز الثامن عشر الكونستيتوسيون للأمة وجعل لهم نوَّابًا يناضلون عنهم، وهم أهل القمرة.

وفي سنة خمس عشرة وثمانمائة وألف ظهر نابوليون مرة أخرى لكن بحرب واترلو تعين زوال الإمبراطورية الأولى بالكلية، ورجع لويز الثامن عشر إلى فرنسا ثانيًا، ودام الملك في عقب الفرع الأول من عائلة البوربون إلى سنة ثلاثين وثمانمائة وألف، ثم سقط هذا الفرع في أثناء ثورة لعدم ميل قلوبهم للدولة القانونية، وعوض عنه في الملك الفرع الثاني من تلك العائلة وهو عائلة أورليان. وفي الرابع والعشرين من فراير سنة ثمانٍ وأربعين وثمانمائة وألف وقعت ثورة على حين غفلة رجعت بها الدولة الجمهورية، ثم في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وألف رجعت الإمبراطورية وارتقى على تخت السلطنة لويز نابوليون باختيار سبعة ملايين وثمانمائة وأربعة وعشرين ألفًا ومائة وتسعة وثمانين من العامة ضد مائتين وثلاثة وخمسين ألفًا ومائة وخمسة وأربعين منهم، ولقَّب نفسه بالثالث؛ لأن نابوليون الأول كان تنازل عن الملك لابنه الصغير الملقب بنابوليون الثاني بعد حرب واترلو وقبله أهل القمرتين إلا أنه لم يتم له أمر كما تقدم.

(٢) في ذِكر أسماء ملوك فرنسا وتاريخ ولايتهم وانتهائها

من سنة إلى سنة أسماء الملوك ونسبهم
العائلة الأولى الميرونجيانية
٤۲۰ ٤۲۷ فاراموند
٤۲۷ ٤٤۸ كلوديون
٤٤۸ ٤٥۸ ميروي
٤٥۸ ٤۸۱ شيلدريك الأول
٤۸۱ ٥۱۱ كلويس الأول
٥۱۱ ٥۲٤ كلودومير في أورليان
٥۱۱ ٥۳٤ تييري الأول في ماتس أي أوسترازيا
٥۳٤ ٥٤۸ تيودوبرت الأول فيها أيضًا
٥٤۸ ٥٥٥ تيودوبالد فيما ذكر
٥۱۱ ٥٥۸ شيلدبرت الأول في باريس
٥٥۸ ٥٦۱ كلوتير الأول في صواصون ٥۱۱–٥٥۸ ثم في فرنسا كلها
٥٦۱ ٥۷٥ سيجبرت الأول في أوسترازيا
٥۷٥ ٥۹٦ شيلدبرت الثاني فيها أولًا ثم فيها وفي بورغونيا من سنة ٥۹۳ بعد وفاة غونتران الآتي ذكره
٥۹٦ ٦۱۲ تيودوبرت الثاني في أوسترازيا
٥٦۱ ٥٦۷ كاريبرت الأول في باريس
٥٦۱ ٥۹۳ غونتران في أورليان وبورغونيا
٥۹٦ ٦۱۳ تييري الثاني في أورليان وبورغونيا أولًا، ثم فيهما وفي أوسترازيا من ٦۱۲ بعد تيودوبرت الثاني المار ذكره
٥٦۷ ٥۸٤ شيلبريك الأول في صواصون أولًا ٥٦۱ ثم فيها وفي باريس
٥۸٤ ٦۲۸ كلوتير الثاني في صواصون إلى ٦۱۳ ثم في فرنسا كلها
٦۲۸ ٦۳۱ كاريبرت الثاني في أكويتانيا
٦۲۸ ٦۳۸ داغوبرت الأول في أوسترازيا ٦۲۲ إلى ٦۲۸ ثم في فرنسا كلها
٦۳۸ ٦٥٦ سيجبرت الثاني في أوسترازيا
٦۳۸ ٦٥٦ كلويس الثاني في نوستريا وبورغونيا
٦٥٦ ٦۷۰ كلوتير الثالث فيهما أيضًا
٦۷۰ ٦۷۳ شيلدريك الثاني في أوسترازيا إلى ٦۷۰ ثم في فرنسا كلها
٦۷٤ ٦۷۹ داغوبرت الثاني في أوسترازيا
٦۷۹ ٦۹۱ تييري الثالث في نوستريا ٦۷۳ إلى ٦۷۹ ثم في فرنسا كلها
٦۹۱ ٦۹٥ كلويس الثالث
٦۹٥ ۷۱۱ شيلدبرت الثالث
۷۱۱ ۷۱٥ داغوبرت الثالث
۷۱۷ ۷۱۹ كلوتير الرابع في أوسترازيا أولًا إلى ۷۱۷ ثم في فرنسا كلها
۷۱٥ ۷۲۰ شيلبريك الثاني في نوستريا وبورغونيا
۷۲۰ ۷۳۷ تييري الرابع فيهما أيضًا
۷۳۷ ۷٤۲ فترة خمس سنين
۷٤۲ ۷٥۲ شيلدريك الثالث
العائلة الثانية الكارلونجيانية
٦۸۷ ۷۱٤ بابن دوهريستال استولى دوكًا في أوسترازيا
۷۱٤ ۷۱٥ تيود والد
۷۱٥ ۷٤۱ شارل مارتل
۷٤۱ ۷٤۷ كارلومان ثم انخلع
۷٥۲ ۷٦۸ بابن لبراف مع كارلومان ۷٤۱ إلى ۷٤۷ ثم ملك فرنسا
۷٦۸ ۷۷۱ كارلومان ثم انخلع
۷٦۸ ۸۱٤ شارلمان أي شارل الكبير مع كارلومان إلى ۷۷۱ ثم على فرنسا كلها
۸۱٤ ۸٤۰ لويز الأول الملقب باللين
۸٤۰ ۸۷۷ شارل الملقب بالأصلع
۸۷۷ ۸۷۹ لويز الثاني الملقب بالتمتام
۸۷۹ ۸۸۲ لويز الثالث وكارلومان
۸۸۲ ۸۸٤ كارلومان وحده
۸۸٤ ۸۸۷ شارل الملقب بالغليظ، وكان إمبراطور ألمانيا أيضًا
۸۸۷ ۸۹۸ أود أو أودون أول ملك من الكاباسيان
۸۹۸ ۹۲۳ شارل الثالث الملقب بالساذج بويع ملكًا في ۸۹۳ بمدينة رامس فطرد منها ثم استولى على فرنسا كلها بعد أودون
۹۲۲ ۹۲۳ روبرت الأول أخو أودون بويع في صواصون
۹۲۳ ۹۳٦ راءول من أقارب الكاباسيان
۹۳٦ ۹٥٤ لويز الرابع الملقب دوترمار أي القادم من وراء البحر إشارة إلى كونه تربى في إنكلترة
۹٥٤ ۹۸٦ لوتار
۹۸٦ ۹۸۷ لويز الخامس الملقب بالكسلان
العائلة الثالثة الكاباسيانية
۹۸۷ ۹۹٦ هوغ كابات
۹۹٦ ۱۰۳۱ روبرت الثاني
۱۰۳۱ ۱۰٦۰ هنري الأول
۱۰٦۰ ۱۱۰۸ فليب الأول
۱۱۰۸ ۱۱۳۷ لويز السادس الملقب بالغليظ
۱۱۳۷ ۱۱۸۰ لويز السابع الملقب بالصغير
۱۱۸۰ ۱۲۲۳ فليب الثاني أوغست
۱۲۲۳ ۱۲۲٦ لويز الثامن الملقب بالأسد
۱۲۲٦ ۱۲۷۰ لويز التاسع المشهور بصان لوي
الفرع البكري المعروف بالفرع الفليبي
۱۲۷۰ ۱۲۸٥ فليب الثالث الملقب بالجسور
۱۲۸٥ ۱۳۱٤ فليب الرابع الملقب بالجميل
۱۳۱٤ ۱۳۱٦ لويز العاشر الملقب بمعجب نفسه
۱۳۱٦ جان الأول المولود بعد أبيه وهو ابن لويز العاشر
۱۳۱٦ ۱۳۲۲ فليب الخامس الملقب بالطويل وهو عم جان
۱۳۲۲ ۱۳۲۸ شارل الرابع الملقب بالجميل عم جان أيضًا
صنو ثانٍ من الفرع الفليبي ويقال له الوالوي وهم من بني فليب الثالث من عقب أخٍ لفليب الرابع وهو شارل دو والوي
۱۳۲۸ ۱۳٥۰ فليب السادس دو والوي ابن شارل المذكور
۱۳٥۰ ۱۳٦٤ جان الثاني الملقب بالمليح، مات رهينًا ببلاد الإنكليز
۱۳٦٤ ۱۳۸۰ شارل الخامس الملقب بالعاقل
أول فرعي دوحة شارل الخامس
۱۳۸۰ ۱٤۲۲ شارل السادس الملقب بالحبيب
۱٤۲۲ ۱٤٦۱ شارل السابع الملقب بالمنصور
۱٤٦۱ ۱٤۸۳ لويز الحادي عشر
۱٤۸۳ ۱٤۹۸ شارل الثامن
ثاني فرعي الدوحة المذكورة ويقال له والوي أورليان وهم ولد شارل الخامس من ابنه الثاني لويز دوك أورليان، نسل البكر من ذلك، ويقال لهم أورليان أورليان، وهم من بني شارل دوك أورليان بِكر لويز المذكور
۱٤۹۸ ۱٥۱٥ لويز الثاني عشر الملقب بأبي العامة
نسل صنو البكر مما ذكر ويقال لهم أورليان أنغولام من عقب جان كونت دانغولام ثاني أولاد لويز دوك أورليان المذكور وحفيد شارل الخامس
۱٥۱٥ ۱٥٤۷ فرنسوي الأول الملقب بأبي الآداب أي علوم الأدب
۱٥٤۷ ۱٥٥۹ هنري الثاني
۱٥٥۹ ۱٥٦۰ فرنسوي الثاني
۱٥٦۰ ۱٥۷٤ شارل التاسع
۱٥۷٤ ۱٥۸۹ هنري الثالث مات قتيلًا
الفرع الثاني من العائلة الكاباسيانية صنو الفرع الفليبي، ويقال له الفرع الروبرتي أو بيت بوربون، وهم من بني روبرت دوكلارمون سادس أولاد صان لوي وأخي فليب الثالث
۱٥۸۹ ۱٦۱۰ هنري الرابع دو بوربون
۱٦۱۰ ۱٦٤۳ لويز الثالث عشر الملقب بالمنصف
نسل البكر من بيت بوربون المذكور
۱٦٤۳ ۱۷۱٥ لويز الرابع عشر الملقب بلويز الكبير
۱۷۱٥ ۱۷۷٤ لويز الخامس عشر الملقب بالمحبوب
۱۷۷٤ ۱۷۹۲ لويز السادس عشر عزل في أغشت سنة ۱۷۹۲ وقطع رأسه في يناير سنة ۱۷۹۳ بحكم مجلس النواب
لويز السابع عشر ابن لويز السادس عشر لم يتولَّ الأمر
۱۷۹۲ ۱۸۰٤ الدولة الجمهورية من اشتنبر
۱۷۹۲ ۱۷۹٥ الاتفاق
۱۷۹٥ ۱۷۹۹ الديركتوار
۱۷۹۹ ۱۸۰٤ القنصلية أقيم فيها ثلاثة قناصل منهم نابوليون بونابارت بخطة قنصل أول وكامباسارس ثانٍ ولوبرون ثالث الإمبراطورية
۱۸۰٤ ۱۸۱٤ نابوليون بونابارت جلس على كرسي فرنسا بلقب نابوليون الأول إمبراطور الفرنسيس في الثامن عشر من ماية
العودة الأولى
۱۸۱٤ ۱۸۱٥ لويز الثامن عشر أخو لويز السادس عشر
رجوع الإمبراطورية
۱۸۱٥ نابوليون الأول في المرة الثانية ثلاثة أشهر وثُلُث وتعرف هذه المدة في التاريخ بمدة المائة يوم
نابوليون الثاني تنازل له أبوه في ۲۲ يونية بعد واقعة واترلو وقبله السناتو ومجلس النواب، لكنه لم يتول
العودة الثانية
۱۸۱٥ ۱۸۲٤ لويز الثامن عشر المذكور
۱۸۲٤ ۱۸۳۰ شارل العاشر أخو لويز ثم خلع في آخر يولية
نسل صنو البكر من بيت البوربون ويقال لهم بوربون أورليان، وهم من بني فليب أخي لويز الرابع عشر
۱۸۳۰ ۱۸٤۸ لويز فليب الأول ملك الفرنسيس خلع في فراير واستوطن سراية كلارمونت بإنكلترة ومات فيها في ۲٦ أغشت سنة ۱۸٥۰ ولقب بملك الفرنسيس؛ لأنه لم يكن من أولياء العهد لوجود وريث الكرسي من بيت البوربون إذ ذاك في قيد الحياة، وهو الكونت دو شامبور حفيد شارل العاشر من ثاني ولديه، لقَّب نفسه بهنري الخامس
۱۸٤۸ ۱۸٥۲ الدولة الجمهورية الثانية نشأت في ۲٤ من فراير
۱۸٤۸ ۱۸٥۲ لويز نابوليون بونابارت صار رئيس الدولة الجمهورية في العاشر من دجمبر ۱۸٤۸
الإمبراطورية الثانية
۱۸٥۲ لويز نابوليون بونابارت ترقى إلى الإمبراطورية في الثاني من دجمبر بلقب نابوليون الثالث إمبراطور الفرنسيس

(٣) في وصف فرنسا

اعلم أن فرنسا إحدى الممالك الأوروباوية الغربية، موقعها بين سبع درجات وتسع دقائق من الطول الغربي وخمس درجات وست وخمسين دقيقة من الطول الشرقي، وبين اثنتين وأربعين درجة وعشرين دقيقة وإحدى وخمسين درجة وخمس دقائق من العرض الشمالي، ويحدها في ناحية الشمال بحر المانش وبوغاز كالي، الفاصل بينها وبين إنكلترة، ثم البلجيك وألوكسنبورغ وإيالات بروسية وباواريا التي على شاطئ وادي الرين، وشرقًا الدوكاتو الكبرى من بادن والسويسرة وإيطاليا وقبلة البحر المتوسط أي بحرنا هذا وإسبانيا، وغربًا البحر المحيط الأطلانتي. وقدر امتدادها مما بين الشمال والغرب إلى ما بين القبلة والشرق ألف كيلومتر وأربعة وستون كيلومترًا، ومما بين القبلة والغرب إلى ما بين الشرق والشمال تسعمائة وأربعة وعشرون كيلومترًا، وقدر مساحتها بالتكسير خمسمائة واثنان وأربعون ألفًا وثلاثمائة وستة وتسعون كيلومترًا مربعًا، وعدد سكانها بلغ في سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف سبعة وثلاثين مليونًا وثلاثمائة وستة وثمانين ألفًا ومائة وإحدى وستين نفسًا، منها بمدينة باريس وهي تختها مليون وستمائة وستة وتسعون ألفًا ومائة وواحد وأربعون. ومن سكان فرنسا خمسة وثلاثون مليونًا وسبعمائة وأربعة وثلاثون ألفًا وستمائة وسبعة وستون متمذهبون بالمذهب الكاثوليكي الذي رئيسه البابا، ومليون وخمسمائة وواحد وستون ألفًا ومائتان وخمسون بروتستانت ومائة ألف وستة آلاف من اليهود، والباقي على عقائد مختلفة.

وبشطوط فرنسا عدة جزر راجعة إليها، مثل: جزيرة كورسكة وجزر يارس في البحر المتوسط، وجزر ري وأوليرون وويسان في البحر المحيط، ويرجع إلى فرنسا زيادة على ما ذكر مستعمرات في جهات مختلفة، ففي قسم أفريقية الجزائر في الناحية الشمالية منها، وسنيغال وجزيرة غوري في الجهة الغربية وجزيرة صانت ماري وجزيرة بوربون في الجهة الشرقية منها، وعدد سكان جميعها ثلاثة ملايين ومائتان وثمانية عشر ألفًا وأربعمائة وخمس وعشرون نفسًا، منهم للجزائر مليونان وتسعمائة وتسعون ألفًا ومائة وأربع وعشرون نفسًا، والمسلمون منهم مليونان وسبعمائة وثمانية وسبعون ألفًا ومائتان وواحد وثمانون، والباقي منهم مائة وخمسة وثمانون ألفًا ومائة من الكاثوليك، وستة آلاف وسبعمائة وستة وثلاثون من البروتستانت، وتسعة وعشرون ألفًا وسبعة من اليهود، وتربيع مساحة أرض الجزائر ثلاثمائة وتسعون ألف كيلومتر، وفي قسم آسيا أراضي بونديشري وكاريكال وماهي ويناون وشاندرنغور في الهند وسايغون في الكوشنشين، وعدد سكان جميعها ثلاثمائة ألف وتسعة عشر ألفًا وثمانمائة وثمانٍ وستون نفسًا. وفي قسم أميركا جزيرة صان بيير وجزيرة ميكلون وجزيرة مارتينيك وجزيرة غوادلوب والغيان الفرنساوية، وعدد سكان جميعها ثلاثمائة ألف وثلاثة عشر ألفًا وخمسمائة وثمانٍ وستون نفسًا. وفي قسم الأوقيانوس جزر مركيز وتاييتي، وعدد سكان جميعها مائة وثمانية وسبعون ألفًا وتسعمائة وعشرون نفسًا، فجملة رعايا فرنسا في الأقسام الخمسة أحد وأربعون مليونًا وأربعمائة وستة عشر ألفًا وتسعمائة واثنتان وأربعون نفسًا.

وكانت فرنسا في المدة السالفة ملكت من أميركا لويزيانة والكانَدَة وصان دومنيك وصانت لوسي وتاباغو، وملكت بآسيا مراكز عديدة كان أعظمها مركز سورات، لكنها ضيعت جميع ذلك فيما بعد خصوصًا وقت حروب نابوليون الأول مع الإنكليز. وأما حدودها باعتبار الطبيعة الأرضية فيحيط بفرنسا من ناحية الشرق والقبلة سلسلة جبال بعضها شامخ جدًّا كالجورا وجبال الألب في الناحية الشرقية، وجبال الووزج بين الشمال والغرب، ويوجد مع النزول من القبلة إلى الشرق رُبا الشمبانيا الشرقية وبورغونيا وجبال فوريز وجبال أوارن وساوان، وفي الناحية القبلية جبال بيريني الفاصلة بين فرنسا وإسبانيا، وبها من الأودية الكبار ستة، وهي: الرين والموز ومأخذهما من أرض فرنسا قليل، والرون والغارون واللوار والسان. وبها أنهار وأودية كثيرة غير ما ذكر، والأنهار تصب في الأودية الكبيرة فتسقي الأراضي وتجري بها السفن. وبها خُلج؛ أي قنوات مستحسنة الكيفية متقنة الصنعة؛ كخليج جنوب فرنسا وخليج وسطها والخليج الكائن بين وادي رون ورين وخليج بورغونيا والخليج المحاذي لوادي لوار وخليج سانتر والخليج المار من نانت إلى براست، والقناة المارة من نيورت إلى روشال، وقناة لوانغ وبريار.

ويوجد بفرنسا طرق عديدة عمومية تتصل بها الطرق المعتادة، وست طرق كبيرة حديدية، وهي أمهات الطرق كالتي بين باريس ومرسيليا، والطرق الحديدية الفرعية كثيرة، وطول جملة الذي تم منها في سنة أربع وستين وثمانمائة وألف ثلاثة عشر ألفًا وسبعة وخمسون كيلومترًا، والذي فيه العمل ثلاثة آلاف وثمانمائة واثنا عشر كيلومترًا، وبها كثير من مقاطع الفحم الحجري الكثيرة الفائدة والقطران الأرضي، ومقاطع الحديد والرَّصاص كثيرة بها، ومقاطع النحاس قليلة والفضة أقل والذهب، بحيث لا يستخرج لعدم قيامه بالمصاريف، وبها عدة مقاطع من الرخام المتشفف والمرمر والكذان والرخام الجيد وحجر الطبع وغير ذلك من أنواع الحجر المنتفع به وأنواع الجص والتراب الكبريتي والزاجي ونحوها والمياه المعدنية والعيون الملحة والسباخ الشهيرة. وغالب أراضيها خصب وبها سهول تنبت الحبوب، ومن مروجها ما هو طبيعي ومنها ما هو مزدرع، وبها بساتين كروم جيدة، ومع هذا يوجد بها أراضٍ معطلة كائنة بين القبلة والغرب على شاطئ البحر المحيط. ومن نباتات أرضها غير القمح والشعير وغيرهما من الحبوب الدخانُ والقنب، إلا أنهم ينتفعون بخيوطه فقط، وحبوب الزيوت على اختلاف أنواعها والفول والجلبان والغرفالة واللوبيا والقسطل والبطاطة وسائر الثمار على اختلاف أنواعها. ويزرع بها اللفت الأحمر والعنب بكثرة، يستخرج من الأول السكر ومن الثاني المقطرات. ويربى بها دود القز بكثرة والنحل وأنواع الطير والحيوانات المستخدمة والأنعام، ومنذ سنين رُبِّي بها الغنم المرينوس المجلوب من إسبانيا ومعز التبت وهو صقع بآسيا الوسطى اللذان شعرهما يشبه الحرير لينًا. وأعمال اليد بها في غاية الإتقان، لا يسلمون جودة الصنائع وأعمال اليد لأمة من الأمم إلَّا للأمة الإنكليزية في عمل المكينات وبعض الأقمشة القطنية وغيرها في الكثرة ورخص أسعارها، وفيما عدا ذلك فإنهم متميزون عمن عداهم بإتقان الجوخ وجميع أقمشة الصوف والحرير والكتَّان والقطن وما يستعمل من الجلود، وكذا الصيني والفخار المطلي والبلور وما شاكل ذلك، وكذا صناعة الصياغة والآلات التي يستعان بها على سائر الصنائع وعمل الكراريس وغير ذلك، كما أن دائرة المتجر بها في غاية الاتساع داخل البلاد وخارجها، وأصول السلع التي تخرج من فرنسا راجعة على سبيل الإجمال إلى الأقمشة من حرير وقطن وكتان وصوف، والأشربة من سائر المقطرات والزيوت والموبيلية؛ أي أثاث البيوت، وأنواع اللباس والأسلحة والكتب والجلود. وأصول ما يدخل إليها إجمالًا مثل القطن والدخان والسكَّر والقهوة والنيلج والكاكاو والكشنيلية وخيوط الكتاب والزيوت بأنواعها والقطران والأقمشة والذهب والفضة والقصدير والحديد والنحاس، ودخل أهل مملكة فرنسا من جميع ما ذُكر في السنة كثير جدًّا كما يأتي تفصيل بعضه.

والأمة الفرنساوية أقل الأمم اختلاطًا بمعنى أنهم أقرب الناس إلى اتحاد الجنس، ومع ذلك فإن أهل الجنوب منهم لا يشبهون أهل الشمال، لا سيما خارج المدن الكبيرة، ولم تزل سيماء الألمان ظاهرة في وجوه الألزاس وفي بعض جهات لوران، وصور الغال بادية في البريطانية السفلى، وصور الباسك في سكان جبال بيريني. والأمة في الأصل متكونة من أخلاط الغال، وهم فرع من السالت والكيمريس أو البالج والأيبار أو الباسك، ثم من الفينيقيين، ثم من الإغريق والرومان، ثم من الفرنكس المتقدم ذكرهم، ومن الألان والغوت والبورغوند والسواف. واللسان الفرنساوي مشهور بحسن التنظيم والإيضاح حتى كاد يستعمل في سائر جهات أوروبا. وأما الديانات بجميع أنواعها فَغُضَّ عنها الطرف بفرنسا، فلا يُمنع أحد من التدين بما شاء، إلَّا أن غالب الفرنسيس متمذهبون بالمذهب الكاثوليكي.

(٤) في نظام الإدارة السياسية

اعلم أن نظام الإدارة السياسية بفرنسا ناشئ عن موافقة جمهور الأمة في الحادي والعشرين والثاني والعشرين من دجمبر سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وألف، ومؤسَّس على قواعد المعاهدة المسماة عندهم بالكونستيتوسيون المعطاة لهم في الرابع عشر من يناير سنة اثنتين وخمسين، وعلى عدة شروط صدرت بعد ذلك التاريخ. وهذا الكونستيتوسيون منشؤه أن رئيس الربوبليك — أي الدولة الجمهورية — استشار العامة، وبمساعفتهم أسسه على الأصول الآتية التي أولها: أن يبقى الرئيس مدة عشر سنين ثم يطالب في تصرفاته. الثاني: الوزراء يطالبون لرئيس الدولة فقط. الثالث: مجلس الدولة المركَّب من الأعيان المنتخبين مكلف بإحضار القوانين والمدافعة عنها أمام أهل القمرة. الرابع: أهل القمرة؛ أي مجلس نواب العامة، يتحاورون في القانون المراد تحريره ويقترعون عليه، وأعضاء هذا المجلس يختارهم العامة. الخامس: مجلس السناتو يتركب من الأعيان الذين لهم مزيد شهرة في المملكة، وعليهم حراسة أصول القوانين والحرية العامة. فبرز الكونستيتوسيون مؤسسًا على هذه الأصول في الرابع عشر من يناير سنة اثنتين وخمسين المتقدم ذكرها، وتعينت السلطة الحكمية بأن يتصرف رئيس الربوبليك بواسطة الوزراء ومجلس الدولة ومجلس السناتو وأهل القمرة، والسلطة التأسيسية بأن تكون باتفاق الرئيس مع أهل القمرتين؛ أعني السناتو ومجلس النواب.

وما أشير إليه في مقدمة هذا الكتاب من أن وضع أصول القوانين لا يكون إلَّا بموافقة غالب الرشداء من أهل المملكة … إلخ، فهو في مثل الأصول المذكورة، تأمل! ثم بمقتضى المرسوم الذي صدر من مجلس السناتو في نومبر من تلك السنة استتبَّت المنزلة السلطانية، وصار لويز بونابارت رئيس الدولة الجمهورية إمبراطور الفرنسيس؛ أي سلطان الفرنسيس، وتسمى بنابوليون الثالث، وهذه طالعة أوامره الرسمية: السلام من نابوليون إمبراطور الفرنسيس بنعمة الله وإرادة الأمة. وسوَّغ له أن يجعل وراثة الملك في ذريته الشرعيين من الذكر إلى الذكر، وإذا لم يكن له عقب فإن له أن يتبنَّى أحد الذكور من سلالة إخوة نابوليون الأول، وهذا التبنِّي يقرر في مرسوم من السناتو، والتغيير المذكور المتعلِّق بالكونستيتوسيون عُرض على العامة وقبلوه، ومن ذلك الوقت صدر ترتيبه على ما يأتي ذكره، وهو أن الإمبراطور هو رئيس المملكة وبيده العقد والحل في القوة البحرية والبرية، يُشهر الحرب ويعقد شروط الصلح والمعاهدة والتجارة، ويُسمي سائر المتوظفين ويعمل التراتيب اللازمة لإمضاء القوانين، وتصدر الأحكام باسمه ويعرض على القمرة ما يروم إحداثه من القوانين، وله أن يعفو عن الجناة ولو في الحق الخاص، ويقبل سائر القوانين التي يوافق عليها مجلس السناتو ويمضيها، وله أن يوقف الحرية حال المحاصرة عن وطن أو قسم من المملكة إن اقتضى الحال ذلك لوقوع هرج ونحوه بشرط أن يعرف بذلك السناتو في أسرع وقت ممكن. هذا وإن الشروط المتجرية التي يحررها الإمبراطور مع الدول الأجانب تكون قانونًا للعامة فيما يتعلق بتبديل الأسعار، وجميع الخدم والمشروعات المتعلقة بالمصالح العمومية تصدر بأمر أو بترخيص منه، وكل وزير يطالب بخدمته للدولة ولا يطالب مجموعهم؛ أعني مجلس الوزراء، حيث كان مرجع المطالبة في السياسة العمومية إلى ذات الإمبراطور، ومجلس الدولة المسمى كونسيل ديتا مكلف بإعطاء الرأي في التصرفات بدون أن يعطلها عن مرادها، وأعضاء هذا المجلس يسميهم الإمبراطور الذي هو رئيسهم الطبيعي، وله تبديلهم متى شاء.

وتنقسم خدمة هذا المجلس إلى ستة أقسام تحت رئاسة رؤساء يُنصِّبهم الإمبراطور: قسم لتهذيب القوانين الجديدة والأحكام والأمور الخارجية، وقسم لفصل النزاع الواقع بين المتوظفين فيما يخص الإدارة، وقسم للنظر في المصالح الداخلية كالتعاليم العامة وترتيب إجراء المناسك الدينية ونحوها، وقسم للأعمال في المصالح العمومية من الزراعة والتجارة ونحوهما، وقسم للمصالح العسكرية برًّا وبحرًا، وقسم لترتيب المجابي والمصاريف. وتجتمع الأقسام المذكورة تحت رئاسة الملك أو نائبه للتأمل في الأمور المهمة مما ذُكر وغيره، وللوزراء الحضور في هذا المجلس، ولهم آراء يعتد بها، ومجلس السناتو هو المحافظ على الكونستيتوسيون والحرية العمومية كما سلف، وله التداخل في فصل كل نازلة تحدث في غيبة مجلس وكلاء العامة وشرح مقاصد القانون وإبطال حكم مستبد أو مخالف للقانون، كما أن له أن لا يُمضي ما اتفق عليه مجلس وكلاء العامة من القوانين إذا رآه مخالفًا لأساس الكونستيتوسيون، وأن يتصرف في الكونستيتوسيون بما فيه صلاح إذا كان ذلك بطلب من الملك وكان غير مُضرٍّ بالأصول.

وهذا المجلس هو الذي يقبل عرض أحوال السكان وتشكيهم من سائر الأمور، وله عرض تقرير في ذلك على الملك إن ظهر له، كما أن له التداخل في إيجاد قانون جديد بدون أن يُطلب ذلك منه؛ بمعنى أنه يستأذن الإمبراطور في التقرير الذي يعرضه عليه في إحداث ما تعم مصلحته. ثم إن هذا المجلس يتركَّب من مائة وخمسين عضوًا في الأكثر منهم كل مَن بلغ من أمراء العائلة الملكية من العمر ثمان عشرة سنة وكبراء الدين أي الكردينالات والماريشالات الذين حازوا نهاية المراتب العسكرية، وأمراء البحر الذين لهم رتبة ماريشال. وولاية المذكورين في المجلس تكون بمجرد وصولهم إلى تلك الدرجة من غير ولاية خاصة؛ لأنه قد جعل من حقوق وظيفتهم أن يكونوا أعضاءً في المجلس المذكور، وبقية الأعضاء ينتخبهم الإمبراطور من الأعيان بوظيفة عمرية، كما ينتخب الرؤساء الأُول والثواني لهذا المجلس، ولمجلس النواب أيضًا.

وأما أهل هذا المجلس الأخير فإنهم يتأملون في صورة سائر القوانين التي يُرام صدورها ويقترعون عليها، وكذلك أمور الأداء، وتعيين أصول مصاريف الدولة وأعضاؤه تسميهم العامة، فكل خمسة وثلاثين ألف نفس ممن لهم حق الانتخاب ينتخبون واحدًا، ثم إذا تجاوز عدد المنتخبين في عمالة المقدار المذكور بأكثر من تسعة عشر ألفًا يختارون نائبًا آخر وهكذا، والدولة تقسم البلاد إلى دوائر للانتخاب لكل دائرة ما تحتاجه من النواب، وما يفضل عن العدد المطلوب يضاف لدائرة أخرى، وتجدد النظر في التقسيم بعد كل خمس سنين لتطَّلِع على ما يحدث من زيادة أو نقصان في الأهالي المستحقين للانتخاب، وتدوم نيابة أولئك المختارين مدة ست سنين.

وفي قوة الإمبراطور أن يعطل مجلس وكلاء العامة لسبب من الأسباب السياسية على شرط أن يطلب من الأهالي إعادة الانتخاب، وأن لا يتجاوز تعطيلهم ستة أشهر. والمتوظف في الدولة لا يكون نائبًا عن العامة، وكل مَن بلغ سنه من الأهالي إحدى وعشرين سنة يكون له حق الانتخاب بدون اعتبار كسب، إلَّا أن يكون قد حُكم عليه بجناية تشين العِرض أو يكون ممن لا يحسن التصرف في نفسه. وكل مَن بلغ سنه خمسًا وعشرين سنة يمكن انتخابه لمجلس وكلاء العامة. وينبغي أن تكون أسماء الأهالي الذين لهم حق الانتخاب مقيدة بجريدة، وأما المنتخب فلا يشترط أن يكون اسمه معلومًا قبل الاقتراع.

ولهذين المجلسين — أي مجلس السناتو ومجلس وكلاء العامة — تراتيب لتحسين إدارة خدمتهم كتقسيم الأعضاء إلى عدة أقسام تجتمع اجتماعات سرية للتأمل في النوازل قبل عرضها على الاجتماع العام ونحو ذلك. واعلم أن أهل القمرتين — أعني مجلس السناتو ومجلس النواب — يقترعون في كل سنة عند ابتداء الخدمة على المعروض الذي يكون جوابًا عن خطبة الإمبراطور التي يلقيها عليهم بعد ندبه إياهم للاجتماع. وعند المفاوضة في المعروض المذكور يحضر نواب من الدولة في القمرتين ليشرحوا لهم سياستها ويناضلوهم عنها، وذلك المعروض هو المسمى عندهم بالادريس، وقد يتضمن تلميحات وإشارات تنبئ عن مقاصدهم من غير أن يخرجوا عن حدود الحقوق القانونية. ومباحثهم تتناول سائر متعلقات السياسة الداخلية والخارجية؛ لأن الدولة تعرض على ذينك المجلسين سياساتها على العموم، وترسل إليهما المكاتيب السياسية الواردة إليها والصادرة عنها، كما أن خطبة رئيس الدولة التي تُفتتح بها الخدمة في المجلسين تتضمن الإشارة إلى السياسة الداخلية والخارجية المفصلة في حججها المعروضة.

وكل من المجلسين المذكورين يكلف كومسيونًا — أي جماعة منتخبة منه — لتحرير الجواب عن الخطبة المذكورة، وقد تقع المجادلة أولًا ويحضر غالبًا مكلف من الدولة لإيضاح ما يشكل عليهم من مقاصدها. والكومسيون المشار إليه يُجيب عن سائر المقاصد التي أشار إليها رئيس الدولة، إما بالقبول والثناء أو بعدم الإقناع والارتضاء، ثم توزع نسخ جواب الكومسيون على سائر أعضاء المجلس وتقع المفاوضة فيه بعد ذلك علنًا، وهناك يلتمس كل عضو ما يراه من التبديل والتغيير. وقد كان التبديل في المدة الأولى محجرًا على مجلس وكلاء العامة، وإنما يلقى إليهم صورة الجواب فيقبلونه على ما هو عليه أو يمتنعون من قبوله، ثم أبيح لهم التصرف فيه. ووزير الدولة وهو غير وزير الداخلية هو المكلف بمتعلقات خدمة الملك مع القمرتين، ولا يتعاطى غير ما ذكر من الإدارات، ويعينه في المناضلة المذكورة رئيس مجلس الدولة ونائبه وأعضاء منه في أمور خصوصية.

واعلم أن المباحثة في الأمور السياسية بمقتضى القوانين التي قررناها لم تكن متيسرة لمجلس وكلاء العامة ومجلس السناتو إلَّا في وقتين؛ وقت جوابهم عن خطبة الإمبراطور، ووقت تأملهم في مصاريف الدولة، ثم رُخص لأعضاء كل من المجلسين بمقتضى المنشور الذي صدر في ثامن عشر يناير سنة سبع وستين وثمانمائة وألف في سؤال الوزراء عما يظهر لهم مدة انعقاد المجلس، بشرط أن يجتمع رأي خمسة أعضاء فأكثر على الأمر الذي أريد البحث فيه، وأن يعرضوه في مكتوب مبين فيه جهة البحث على رئيس المجلس، وهو يعرضه على جميع أقسام المجلس المنقسم إليها، ويعطي منه نسخة لوزير الدولة المناضل عنها، فإذا اتفق على قبوله أربعة أقسام من الأقسام التسعة المنقسم إليها مجلس وكلاء العامة أو قسمان من الأقسام الخمسة المنقسم إليها مجلس السناتو صار نازلة عمومية تعرض على المجلس وقت اجتماعه العام لتقع المجادلة فيها علنًا بين القادح والمدافع. وبعد تمام النزاع بين الخصمين يُنظَر، فإن كان رأي غالب المجلس بمقتضى القرعة مع القادح وجب عرض ذلك على الدولة لتعتبر ما يلزم وتعمل بمقتضاه، وإن كان العكس انتهت النازلة حينئذٍ وأفاضوا في غيرها، وفي كل من الوجهين تحصل فوائد جمة. وقبل صدور هذا المنشور كان المدافع عن حقوق الملك وزير الدولة ورئيس مجلس الدولة وأعضاء منه، وبمقتضى هذا المنشور صار ممكنًا لكل من الوزراء أن يتولى الدفاع عن القدح في سيرته أو سيرة غيره بإعانة مَن كان مستقلًّا بذلك من وزير الدولة ومن معه بمقتضى أمر يصدر في ذلك من الملك.

وللمملكة مجلس مركَّب من أعضاء ورئيس أول ورؤساء ثوانٍ جميعهم بولاية من الإمبراطور بوظيفة عمرية لتحرير حساب الدخل والخرج ومطابقته بما تقتضيه القوانين. وحكم هذا المجلس في ذلك كله ماضٍ، وبه تبرأ ذمة المأمورين. ثم إنه بمقتضى الكونستيتوسيون المتقدم ذكره تكوَّن مجلس عالٍ لفصل نوازل البغاة الثائرين على الحكام أو الدولة، انفرد الثائر أو تعدد، ولجنايات المحيرين لراحة السكان. ولا يتعقب أحد حكم هذا المجلس ولو مجلس الكاساسيون. وينقسم هذا المجلس إلى قسمين كل منهما مركَّب من سبعة أعضاء مأخوذين من مجلس الكاساسيون المذكور؛ قسم للتأمل في الدعوى وحججها وسؤال الشهود وغير ذلك مما يقتضي قبولها أو ردها، وقسم للحكم في النازلة بمحضر الجوري الذي عدده تسعة وثمانون عضوًا مأخوذة من أعضاء مجالس الإيالات، إلَّا أنه لا يحضر منهم في المجلس وقت الحكم إلا ستة وثلاثون عضوًا ينتخبون بالقرعة من التسعة والثمانين المذكورين، ولا يكون في هذا الجوري أحد من الوزراء، وأعضاء مجلس السناتو ومجلس وكلاء العامة ومجلس الدولة، ولو كان من أعضاء مجالس الإيالات المذكورة، والسبب في ذلك واضح؛ لأن النوازل المعروضة على هذا المجلس هي من النوازل السياسية فيحينئذٍ هم الخصماء فلا يسوغ وجودهم في المجلس الحاكم في النازلة.

والكونستيتوسيون يضمن في الأصول التي تقررت سنة تسع وثمانين وسبعمائة وألف، وهي أساس حقوق العامة بفرنسا، وهذا ملخصها: التسوية أمام الحكم وقبول كل واحد من الناس لأي خطة كانت بدون اشتراط شيء زائد على الأهلية والحرية الشخصية، وتمام الأمن على النفس والعرض والمال، والحق في مدافعة الظلم، والحرية في المطابع والاجتماعات العامة، وكون إرادة العامة أساس كل سلطة، وجواز مشاركة سائر السكان في أعمال الدولة بواسطة نوابهم الذين يسمونهم، وتعيين الأداء وتحرير أصول المصاريف ومطالبة كل متوظف في تصرفاته، وكون سلطة التشريع منفصلة عن سلطة التنفيذ، بمعنى أن لا يكون مخترع القانون هو المنفذ له، وأن أعضاء مجالس الحكم لا يعزلون، وحضور الجوري عند فصل نوازل الجنايات وإشهار المفاوضة السياسية ونوازل الجنايات في الجريدة الرسمية، وعدم التعذيب للتقرير بالذنب، وعدم التحجير في الصناعات وتأسيس المكاتب للفقراء.

(٥) في الوزارات

اعلم أن إدارة المملكة تحت نظر عشرة وزراء كل منهم يتصرف فيما وُكِلَ إلى أمانته عن أمر الإمبراطور؛ لأنهم مسئولون له عن تصرفاتهم، ويجتمعون للنظر في المصالح تحت رئاسته أو رئاسة من ينوبه كل أسبوع مرتين في الأقل:
  • فأولهم: وزير الدولة وهو الذي يكون واسطة بن الملك والمجالس، بحيث يعرض عليه ما يَرِد منهم ويُبلغ إليهم ما يصدر منه، وهو الذي يناضل عن تصرفات الدولة لدى مجلسي السناتو ونواب العامة مع رئيس مجلس الدولة ومن يعيِّنه الملك من الأعضاء، وهو الذي يمضي مع الملك على أوامر ولاية الوزراء ورؤساء المجالس المذكورة وأعضاء مجلس السناتو ومجلس الدولة، والأوامر الصادرة في فتح المجالس وإغلاقها، وغير ذلك مما لا يتعلق بخدمة وزارة من الوزارات. والحاصل أن العادة في الممالك الأوروباوية المؤسسة على القوانين هو وجوب إمضاء الوزير مع الملك في جميع الأوامر الرسمية، سواء تعلقت بالسياسة الخارجية أو الداخلية، كعقد الشروط مع الدول الأجانب وتولية المتوظفين وتأخيرهم وإمضاء القوانين والتراتيب والأحكام وغير ذلك، ليدل إمضاء الوزير على علمه بها المقتضي لموافقتها للقانون، خصوصًا فيما تكون المسئولية فيه على الوزراء. ومن أعمال هذا الوزير تحريرُ تقرير فيما يقع بمجلس الوزراء وحفظه، وتقديم من وجب تقديمه للولاية من متوظفي وزارته لموافقة الملك. وتنقسم خدمة هذه الوزارة إلى ثلاثة أقسام، كل قسم مركَّب من المقدار اللازم من الكتَّاب وغيرهم تحت رئاسة مستشار.
  • الثاني: وزير الأحكام والديانة، وهو مكلَّف بحفظ طابع الدولة الذي يختم به على القوانين والشروط وغيرها من الأوامر الرسمية، وهو الذي يقدم لموافقة الملك من وجب تقديمه من أعضاء مجالس الحكم وأهل الحسبة وغيرهم من المكلفين بالأحكام، ويوزعهم على الخدمات، وعليه إدمان المراسلة مع مجالس الحكم وأهل الحسبة فيما يتعلق بتحسين الإدارة في الأحكام وأمرهم بالوقوف عند الحدود، وله النظر في سيرة الشهود وغيرهم ممن له مساس بالأحكام، ومن واجباته إعلان القوانين الجديدة للعامة والنظر على مطابع الدولة، وهو الذي تُعرض عليه مطالب التخفيف أو العفو من الملك عمَّن حُكم عليه بعقوبة، ومطلب من أراد الدخول في العصبة الفرنساوية، ومطلب الترخيص للفرنساويين في خدمة دولة أجنبية؛ لأن القاعدة في أوروبا أن كل مَن يخدم منهم عند الدول الأجانب بدون رخصة فقد ضيع جنسيته وحماية دولته له. وأما خدمة الوزير المذكور في الديانة فبالمراسلة مع دولة البابا فيما يتعلق بأمور الدين ومع كبراء الديانة بفرنسا، وحفظ الكنائس وغيرها، وهو الذي يمضي مع الملك في الأوامر الصادرة منه في هذا الشأن. وتنقسم الوزارة المذكورة إلى ستة أقسام تحت رئاسة ستة مستشارين.
  • الثالث: وزير الأمور الخارجية، ومن أعماله تهذيب شروط المعاهدة والتجارة مع الدول الأجانب بما يوافق عز الأمة وفوائدها، وتقديم من استحق الولاية لموافقة الملك من السفراء من الرتبة الأولى والثانية والثالثة والقناصل وغيرهم من النواب في الدول الأجانب والمتوظفين من الوزارة سواء كانوا داخل المملكة أو خارجها، وهو الذي يصحح مع الملك على شروط الصلح والمعاهدة والتجارة وأوامر المتوظفين وغير ذلك من الصحائف الرسمية، وهو الآمر لنواب الدولة بالوقوف عند حدود مأموريتهم بمقتضى سياسة الدولة والحافظ لشروط الدولة مع غيرها، وللخريطات المرسوم بها حدود المملكة. وأقسام هذه الوزارة خمسة تحت نظر خمسة مستشارين.
  • الرابع: وزير العمالة؛ أي الداخلية، ومن مأموريته إجراء القوانين المتعلقة بالضبطية العامة الحافظة لراحة المملكة، وهو الناظر على عموم سياستها الداخلية وعلى إدارة الإيالات، وهو الذي يقدم لموافقة الملك عمال الإيالات والأوطان والبلدان التي يسكنها أكثر من ثلاثة آلاف نفس وسائر متوظفي وزارته، وله النظر في انتخاب وكلاء العامة وإجراؤه على مقتضى القوانين، وفي إدارة التلغراف والسجون والمارستانات والديار المعدة لمصالح الفقراء وترتيب الحراسة البلدية وإحصاء عدد سكان المملكة في كل خمسة أعوام، وإدارة المطابع العمومية خصوصًا مطابع الجرنالات الرسمية. وهو الذي يمضي مع الملك في جميع الأوامر الرسمية من الولايات وغيرها، مما له تعلُّق بوزارته. وتنقسم الوزارة المذكورة إلى أحد عشر قسمًا تحت نظارة أحد عشر مستشارًا.
  • الخامس: وزير المال، وهو المكلف بعرض القوانين المتعلقة بالمال وحصر دخل الدولة وخرجها في كل سنة، وإدارة ما عليها من الدَّين بمثل إعطاء الفائدة أو اشتراء شيء من الدين المؤجل، وتوزيع مرتبات المتقاعدين من العسكر وأهل السياسة ومن صدرت منه خدمة مهمة؛ إذ من العوائد الأوروباوية أن مَن خدم الدولة ثلاثين سنة بوظيفة سياسية أو عسكرية يرتب له مرتب مدة حياته بحسب ما بلغه من المراتب، وكذا مَن صدرت منه خدمة نافعة للوطن يعين له مرتب عمري بحسبها، وقد يورث عنه إذا طلب ذلك الملك في الوجهين ووافق عليه مجلس وكلاء العامة. ومن أعمال وزير المال النظر على البانكات المرتبة بإذن الدولة؛ أي ديار الصيارفة، وعلى الاتفاقات التي تقع بين الدول في شأن البريد وغيره مما له تعلق بوزارة المال، وهو الذي يقدم لموافقة الملك متوظفي وزارته والقبَّاض والجباة ونحوهم، ويمضي مع الملك على جميع الأوامر المتعلقة بالوزارة المذكورة، وتنقسم خدمتها إلى سبعة عشر قسمًا كل منها تحت رئاسة مستشار.
  • السادس: وزير الحرب، ومن أعماله حصر عدد العساكر البرية وإدارة المهمات الحربية من المؤنة واللباس والأسلحة وفبريكاتها والحصون والمكاتب والمارستانات العسكرية ومجالس أحكام العسكر وسجونهم، وهو الآمر على حركات الجيش في وقت الصلح والحرب، والمكلف بإدامة الطاعة منهم وتعيين المبلغ الذي يدفعه من أراد إعفاء نفسه والخروج من الخدمة العسكرية، ويقدم لموافقة الملك ولاية مَن وجب تقديمه من ضباط العسكر على اختلاف مراتبهم ومتوظفي وزارته والمكلفين بخدمة مهمات الجيش ممن له تعلُّق بالوزارة، ويمضي مع الملك في جميع الأوامر المتعلقة بهذه الوزارة. وتنقسم خدمتها إلى تسعة أقسام كل منها تحت رئاسة مستشار.

    ولما كان الجيش الفرنساوي من أشهر الجيوش في وقتنا ناسب أن نبين هنا الأسباب التي اقتضت شهرته، وذلك أن الخدمة العسكرية بمقتضى قانون فرنسا تجب على أبناء الأمة الفرنساوية من غير فرق في ذلك بين الأهالي، بحيث يجب على مَن بلغ السن المحدود في القانون أن يحضر وقت أخذ العسكر ليدخل القرعة مع أبناء جنسه من سكان بلده، إلَّا إذا كان له عذر معتبر في القانون. والخدمة العسكرية لها مدة معلومة تنتهي إليها. ومن تراتيبهم أنه لا يمكن لأحد أن يصير ضابطًا في العسكر إلا بالاستحقاق، وذلك بأحد أمرين؛ أولهما: تعلم الأمور العسكرية في المكتب العسكري، فإذا شهد بنجابة المتعلم أهلُ المعرفة خرج من المكتب فسيالًا صغيرًا ملازمًا فما دونه، ثم يترقى بحسب أهليته. والثاني: أن يخدم في الجندية ستة أشهر في الأقل فيترقى إلى ما فوق بالشروط المقررة عندهم، وهي أن الأنباشي لا يترقى إلى رتبة شاوِش إلَّا بعد خدمته ستة أشهر أيضًا، والشاوِش لا يترقَّى إلى رتبة ملازم إلَّا إذا خدم عامين، ولا يترقَّى من هذه الرتبة إلى ملازم أول إلَّا إذا خدم مثل ما ذكر، وكذا المذكور لا يترقى إلى رتبة يوزباشي إلَّا إذا خدم مثل الذي قبله، وكذا اليوزباشي لا يترقى إلى رتبة بينباشي إلَّا بعد خدمته أربعة أعوام، والبينباشي لا يترقى إلى رتبة قائم مقام إلَّا بعد ثلاثة أعوام، والقائم مقام لا يترقى إلى رتبة أمير ألاي إلَّا بعد عامين، والأمير ألاي لا يترقى إلى رتبة أمير لواءٍ إلَّا بعد ثلاثة أعوام، وأمير اللواء لا يترقى إلى رتبة أمير أمراء إلَّا بعد ثلاثة أعوام أيضًا، وأمير الأمراء لا يصير ماريشالًا — أي مشيرًا في العسكر — إلَّا إذا تأمَّر على قطعة من الجيش في وقت الحرب. والمدة المذكورة في الانتقال من رتبة إلى رتبة هي المدة اللازمة في غير وقت الحرب وغير جيش المستعمرات، أما في وقت الحرب فيكفي نصف المدة المذكورة، وكذا الجيش المقيم بالمستعمرات الخارجة عن المملكة كالجزائر وغيرها، فإن مَن خدم فيها عامًا يحسب له عامان، وقد تُعطى الرتبة العليا لمَن ظهرت نجابته في ميدان الحرب بدون اعتبار المدة المشار إليها، ولم نذكر في المراتب المتقدمة بلوك أمين وباش شاوش وصاغ قول أغاسي وألاي أمين؛ لأن الأول عندهم بمثابة الأنباشي والثاني مثل الشاوش والثالث كاليوزباشي والرابع كالبينباشي، ولا يتيسر الانتقال من رتبة إلى ما فوقها إلَّا بالتدريج مثل البينباشي لا يتولى أمير ألاي إلَّا بعد أن يكون قائم مقام، ولو كان في ميدان الحرب، وصدرت منه أهم الخدم.

    وأما معيار الاستحقاق للمراتب العسكرية فقبل رتبة البينباشي يكون ثلثا المراتب بالسبقية والثُّلُث بالانتخاب؛ أي بالتقدم على أقرانه في معرفة الفنون العسكرية، وأما رتبة البينباشي فالنصف بالمعرفة والنصف بالسبقية، وفي مدة الحرب يعتبر التنصيف في المراتب المذكورة كلها، والترقي من قائم مقام فما فوق المعتبر فيه المعرفة لا غير. ومن تراتيبهم أن وزارة الحرب ترسل في كل عام عدة أمراء إلى مراكز الجيوش؛ لتفقد أحوالها في التعليم وسيرة الضباط والمؤنة والكسوة وأحوال السلاح إلى غير ذلك من الأمور التي يجب البحث عنها، وهؤلاء الأمراء يحررون تقارير لوزير الحرب تتضمن بيان ما يشاهدونه من تلك الأحوال، ويقيدون أسماء الضباط الذين يستحقون الترقي. وينعقد مجلس بوزارة الحرب من الأمراء المذكورين عند رجوعهم ليتأملوا التقارير المذكورة، خصوصًا في ترقية الضباط، حيث يوجد في كل من جرائد الأمراء أُوَل وثوانٍ وثوالث باعتبار الاستحقاق، فلا بدَّ من جمع ما في الجرائد كلها في جريدة واحدة لبيان تلك المراتب من المجموع، وتقدم هاته الجريدة لوزير الحرب، ولا يمكن لأحدٍ كائنًا من كان ممن هو في رتبة المذكورين ولم يذكر في الجريدة أن يترقى قبل المذكورين بها إلَّا إذا صدرت منه خدمة مهمة معتبرة قانونًا.

    ومن تراتيبهم أن مَن خدم في العسكر مدة معلومة أو عجز قبل تمام المدة بسبب الخدمة، فإنه يعطى مرتب التقاعد على كيفية مبينة في قوانينهم، وقد يعطى لزوجته بعد موته ثُلُث ذلك. وللدولة اعتبار تام بتربية أيتام مَن مات في خدمتها، خصوصًا الخدمة العسكرية، ذكورًا أو إناثًا، ولهم مكان معدٌّ لتربية البنات تحت نظر الإمبراطورة، ولهم دار ضخمة البناء معدة لسكنى مَن يعطب في الخدمة العسكرية، وبها إدارة عجيبة في تدبير المساكن والمآكل والمشارب، وبها القدر اللازم من الخدمة ذكورًا وإناثًا، حتى إن مقطوع اليدين مثلًا يوكل به نسوة يطعمنه ويسقينه ولا يفارقنه، وبها بستان عظيم يحتوي على أنواع شتى من الشجر لنزهة أولئك العاجزين، وبها كراريس صغار لركوب من لا يقدر على المشي ليستنشق الهواء بالدوران في ذلك البستان، ولهم خَدمة يجرون تلك الكراريس. فبهذه الأسباب يعلم القارئ مقدار شهرة الجيش الفرنساوي الذي صار قدوة لغالب الممالك.

  • السابع: وزير البحر، ومن أعماله إدارة المراسي والترسخانات وحصر عدد العساكر البحرية، وكذا البرية المعدة للبحر، وبحرية السفن المتجرية الحاملة لراية الفرنسيس، والنظر في إدارة العمالات التابعة لفرنسا غير الجزائر، وإدارة المهمات البحرية كالمؤنة واللباس والأسلحة وفبريكاتها والكرستة والحديد لإنشاء السفن وغير ذلك مما له تعلق بالقوة البحرية، وإدارة دار السواقط والمارستانات وسجون المحكوم عليهم بالكراكة. وعن إذنه تسير الدوننمة في وقت الحرب والصلح، ويقدم لموافقة الملك ولاية جميع الضباط البحرية ومتوظفي وزارته والترسخانات وسائر ما له تعلق بخدمة الوزارة، ويمضي مع الملك على سائر الأوامر المتعلقة بخدمتها، ولعساكر البحر من تراتيب الترقي والتفقد مثل ما ذُكر لعساكر البر. وتنقسم خدمة هذه الوزارة إلى اثني عشر قسمًا كل قسم منها تحت نظر مستشار.
  • الثامن: وزير المعارف، ومن أعماله إدارة جميع المكاتب العمومية غير المكاتب الحربية وترتيب كيفية الدروس، ويقدم لموافقة الملك ولاية المكلفين بإدارة المكاتب ومتوظفي وزارته، ويمضي مع الملك على جميع الأوامر المتعلقة بالوزارة، وتنقسم خدمتها إلى ثمانية أقسام تحت ثمانية مستشارين.
  • التاسع: وزير الفلاحة والمتجر وسائر الأشغال العمومية، وهو المكلف بالإعانة على نمو الفلاحة والتجارة وسائر الصناعات بتراتيب حسنة ترفع عنها العوائق، وله النظر في إدارة المكاتب المعدَّة لعلوم الفلاحة وإدارة المجالس المركبة من العارفين بالصنائع لإعطاء الرأي فيما يلزم فعله لتنمية ما ذكر، وترتيب قوانين الكمارك وإعلام العامة بأحوال الفلاحة والمتجر في كل سنة؛ لتحصل لهم ملكة التجريب بما يقع فيها من النقص والزيادة، وله النظر على مكاتب البيطرة وعمل الطرقات وبناء القناطر ونظافة الأودية والترع لتيسير سير السفن فيها، وإدارة نزح السباخ ومنع فيض الأودية، والنظر على سائر طرق الحديد سواء كانت للدولة أو للجمعيات؛ لتكون على حالة مستحسنة، ويقدم لموافقة الملك جميع المتوظفين بالوزارة وسائر المأمورين بالخدم المتعلقة بها، ويمضي مع الملك في الأوامر الصادرة فيما يتعلق بوزارته، وتنقسم خدمتها بين خمسة عشر مستشارًا.
  • العاشر: وزير دار الملك، ومن أعماله إدارة صرف المبلغ المعين للملك في كل سنة وغير ذلك مما له تعلق بخاصة الملك وداره، وإدارة التياطرات وهي مجالس الملاهي وما أولاها أن تسمَّى مجالس تهذيب الأخلاق؛ لأن الإنسان يشاهد فيها ما تضمنته القرون الماضية عيانًا لمزيد اعتنائهم بمحاكاة الوقائع ولغات الأمم وأشكال لباسهم المختلفة باختلاف الأعصار والأمصار، فغالب لعبهم في تلك المجالس جِد في صورة هزل؛ ولذلك يحضرها الملوك والأعيان. ومن أنظار الوزير المذكور إدارة الأماكن المعدة لتوليد الحيوانات، فإن كل إيالة من إيالات فرنسا بها محل معد لتوليد الحيوانات يُجلب إليه جياد الخيل وأحسن سائر الحيوانات من جميع جهات الأرض لتوليدها وبيعها للعامة، وليس مراد الدولة بذلك التجارة والربح، وإنما المراد تكثير الحيوانات لتنمية عمارة المملكة. وفي كل وزارة مجلس مركب من أعضاء ورئيس ينتخبهم الإمبراطور من الأعيان للتأمل وإعطاء الرأي للوزير في الأمور المهمة.

(٦) في ولاة إيالات المملكة

اعلم أن مملكة فرنسا تنقسم إلى تسع وثمانين إيالة تسمى ديبرتمان، وتلك الإيالات تنقسم إلى ثلاثمائة وسبعين أرونديسمان؛ أي وطنًا كبيرًا، وتلك الأوطان تنقسم إلى ألفين وتسعمائة وثمانية وثلاثين كانتونًا؛ أي وطنًا صغيرًا، والأوطان الصغار تنقسم إلى سبعة وثلاثين ألفًا وخمسمائة وعشرة كومونات مثل البلدان والقرى، وقد يوجد في البلدة الواحدة عدة كومونات، ومحصل الكومون أنه عبارة عما يتصرف فيه أحد المشايخ. إذا تمهَّد هذا فنقول: إن في كل مركز من الإيالات واليًا عموميًّا من طرف الدولة مكلفًا بإجراء القوانين وأوامر الدولة والنظر في مصالحها، كالإعانة على استخلاص المجابي وأخذ العسكر والنظر في الاجتماعات العامة لانتخاب أعضاء مجلس وكلاء العامة وحفظ راحة السكان وغير ذلك من كليات الأعمال، وله النظر على نمو الفلاحة والتجارة وسائر الصناعات والعلوم ورفع العوائق عنها وإدارة عمل الطرقات وبناء القناطر والمارستانات وحفظ جميعها عن إذن وزير العمالة؛ إذ عموم خدمة الولاة المذكورين تحت أمر الوزير المذكور، وإن كان لبقية الوزراء مراسلات معهم فيما يتعلق بوزاراتهم. ثم مع كل من الولاة مجلس تحت رئاسته مركَّب من أعضاء ينصِّبهم الملك، وهذه المجالس تسمى مجالس ولاة الإيالات، ومن أعمال هذه المجالس التأمل في فصل النوازل التي تتعلق بالإدارة كشكاية بعض الناس من ثقل الأداء المرتَّب عليهم، غير شكايات الأوطان والبلدان؛ لأن مرجع ذلك لغير هذه المجالس، وكالنزاع الذي يقع بين المأمورين بتنفيذ المصالح العامة وبين مَن أخذ شيئًا منها بقدر معلوم من أرباب الاتفاقات على مقتضى الشروط الواقعة بينهم، وكالتأمل في الخسارة والفائدة التي يطلبها أشخاص من أهل الإيالة من أرباب الاتفاقات المذكورة لما يحصل بأعمالهم من الضرر، إلى غير ذلك من النوازل المتعلقة بالإدارة لا النوازل الشخصية التي تقع بين أفراد الناس، فإن مرجعها إلى مجالس الحكم.

وأما الأوطان الكبار ففي كل مركز منها نائب عن الوالي ينصِّبه الملك، ومأموريتهم في الأوطان كمأمورية الولاة في الإيالات، وتصرفهم عن إذن الولاة المذكورين. وفي كل مركز إيالة مجلس عدد أعضائه بعدد الأوطان، تنتخبهم الأهالي لمدة تسعة أعوام، وينتخب الملك رئيس المجلس ونائبه من الأعضاء، وتسمى هذه المجالس مجالس الإيالات، ويتبدل ثُلثهم في كل ثلاثة أعوام، ومن أعمالهم توزيع الأداءِ المرتب من مجلس وكلاء العامة بين أوطان الإيالة باعتبار المكاسب وتعيين المدة المطلوبة من كل واحد من سكانها لخدمة مصالحها العامة عدا العسكرية، والمقدار اللازم دفعه للمجلس البلدي ممن أراد إعفاء نفسه من تلك الخدمة، وما يلزم إحداثه من مصالح الإيالة كتمهيد الطرقات وبناء القناطر والمارستانات ونحوها، والمبالغ اللازم صرفها في ذلك؛ لأن العادة في فرنسا أن أحداث الطرقات السلطانية المارة من تخت المملكة إلى حدودها وما يتبعها من القناطر وحفظها على الدولة، والطرق الموصلة من بعض بلدان الإيالات لبعضها أو منها للطرق السلطانية على أهل الإيالات، والمبالغ ومدة الخدمة اللازمة لذلك ونحوها من المصالح تُعيِّنها هذه المجالس. وكذلك من مأموريتهم إعطاء الرأي فيما تجب إزالته من مضار الإيالة، وتحقيق حساب الوالي وغيره من المكلفين بصرف المبالغ المعينة لإجراء مصالحها، وهم الذين يعينون الأمناء الذين يُرجع إليهم في النظر في تقويم ما يؤخذ من الأملاك للمصلحة العامة، ولهم أن يعرضوا على وزير العمالة ما يرونه من المصالح، ويجب اجتماع هذا المجلس كل سنة في وقت يعينه الملك، وللولاة حضوره عند اجتماعه للخدمة، وتُسمع آراؤهم إلَّا إذا كان تأمل المجلس في تحقيق الحساب المتعلق بمصالح الإيالة. ثم في كل من مراكز الأوطان الكبار مجلس أيضًا تنتخب الأهالي أعضاءه لستة أعوام تحت رئاسة رئيس ونائبه، ينتخبهما الملك من أعضائه، ويتبدل نصفه في كل ثلاثة أعوام، ويجتمع هذا المجلس مرتين في السنة في وقتين تعينهما الدولة، ومن أعماله توزيع الأداء المعين من مجلس الإيالة على الوطن بين بلدانه باعتبار المكاسب، والتأمل في شكايات البلدان من ثقل الأداء المرتب عليهم، وله إعطاء الرأي في مصالح الوطن مثل مجلس الإيالة في مصالحها، ولنواب الولاة في الأوطان حضور هاته المجالس عند اجتماعها غير أنهم لا كلام لهم وقت ترجيح الرأي. وأما البلدان والقرى ففي كل منها شيخ ينصبه الملك إذا بلغ عدد سكانها ثلاثة آلاف فأكثر، وأما إذا كان سكانها أقل من ذلك فولاية مشايخها من والي الإيالة، ومن مأمورية المشايخ المذكورين النظر في مصالح البلد من إدارة الأملاك المعينة لذلك، وحفظ راحة السكان وحصر عدد مَن يموت ومَن يزداد، وأمر التزويج وانتخاب وكلاء العامة ليكون الانتخاب على مقتضى القانون، ولهم أحكام تخص الضبطية، وهم نواب الدولة في إعلان القوانين وإجرائها في البلدان سواء كانت عامة أو خاصة، ومن حقوقهم تولية سائر المتوظفين بالبلد ممن لم تعين القوانين ولايته ككتَّاب الإدارة والمكلَّفين بحفظ خزائن الكتب والبنائين والحراس ونحوهم.

ثم إن في كل بلد من بلدان فرنسا مجلسًا بلديًّا تحت رئاسة شيخ البلد أو نائبه مركبًا من أعضاء تنتخبهم الأهالي لخمسة أعوام، ومن أعمال هذا المجلس ترتيب إدارة الأملاك المعدة لمصالح البلد التي تباشر إدارتها المشايخ، وتنقسم المراعي بين أهل البلد وتعيين مقدار الحطب الواجب دفعه لكل من سكان البلد في السنة، والمكان الذي يؤخذ منه من غابة البلد، وإعطاء الرأي فيما يتعلق بحدود البلدان لمعرفة ما يجب على كل منها من تمهيد الطرقات. وله تعيين ما يجب إحداثه من مصالح البلد وترتيب إدارة ما يعين لديار الصدقات، وإعطاء الرأي فيما يعرض عليهم من والي الإيالة، وبالجملة فلهم النظر في جميع مصالح البلد. ثم لوالي الإيالة في حالة معروفة في القانون أن يعطل خدمة هذا المجلس لمدة شهرين، ولوزير العمالة تعطيله لمدة عام، وللملك تعطيله لتمام خمسة أعوام، وفي كل من الأحوال الثلاثة تُعيَّن جمعية لإدارة خدمة المجلس المذكور، ففي البلدان المسكونة بأقل من ثلاثة آلاف نفس يكون التعيين من والي الإيالة، وفي البلدان التي سكانها أكثر من ذلك يكون من الملك، وعند تمام مدة التعطيل يجب إعادة الانتخاب من الأهالي. ويتسبب التعطيل عن أمور سياسية كتداخلهم فيما ليس لهم ونحو ذلك، ولم يرجعوا عنه بعد النهي. هذا وفي كل مركز من مراكز الإيالات قابض عمومي يقبض مجابي الدولة تحت أمر وزير المال، وفي كل من مراكز الأوطان قابض أيضًا تحت إذن القابض العمومي، وفي كل بلد أو قرية جابٍ تحت إذن القابض، وليس للوالي أو نائبه مدخل في خلاص المجابي إلَّا إعانة المذكورين، وما أحسن هذا الترتيب في منع ولاة الإيالات والأوطان من التعاطي في قبض المجابي؛ لأنه بذلك يتيسر لهم الاحتساب على سيرة القبَّاض والجباة في حفظ حقوق الدولة والرعية؛ إذ هو أهم المقاصد من ولايتهم.

(٧) في الكلام على تقسيم الجيش

اعلم أن الجيش الفرنساوي ينقسم إلى سبعة أقسام كل منها تحت رئاسة ماريشال، ستة منها بفرنسا والسابع بالجزائر. فالستة التي بفرنسا تنقسم إلى أحد وعشرين مركزًا كل منها تحت رئاسة أمير أمراء، ثم تنقسم هذه المراكز إلى تسعة وثمانين كل منها تحت رئاسة أمير لواء، والقسم الذي بالجزائر مقسوم إلى ثلاثة مراكز كل منها تحت رئاسة أمير أمراء، ثم تنقسم هذه المراكز إلى خمسة عشر كل منها تحت رئاسة أمير لواء. وللملكة المذكورة خمس مراسٍ حربية؛ أربع منها في شطوطها على البحر المحيط، وهي شربورغ وبرست ولوريان وروشفور، والخامسة على البحر الرومي تسمى طولون.

(٨) في الكلام على مجالس الحكم بفرنسا

اعلم أن سائر النوازل التي يمكن وقوعها بين السكان قسموها إلى تسعة أقسام:
  • أولها: الجنايات السياسية، وهي كمن يتحزب على الدولة أو يقصد ذات الملك بسوء أو يخون المملكة، ونحو ذلك مما يعم ضرره، وقد تقدم الكلام على ترتيب المجلس الذي يفصل هاته النوازل بمحضر الجوري.
  • ثانيها: النوازل الصادرة من المتوظفين في خدمة الدولة مما له تعلق بمأموريتهم؛ أي النوازل التي تُرتكب بقوة الخطة وبسببها دون نوازلهم الشخصية، وفصل تلك النوازل يكون من كبراء المأمورين كالوزراء وغيرهم من رؤساء الإدارة، كولاة الإيالات، إلى أن تنتهي النازلة إلى مجلس الدولة، وهذا الحكم الصادر سواء كان من الرؤساء أو من مجلس الدولة هو حكم سياسي من باب نظر أمر في فعل مأموره بترجيع الحق لربه أو رفع الضرر الناشئ من سيرة المأمورين، إلَّا إذا ثبت في النازلة مخالفة عمدية توجب عقوبة بدنية فإنها تنقل لمجلس الجنايات.
  • ثالثها: النوازل الشخصية التي تصدر من المتوظفين مما لا تعلق له بالمأمورية، وهذه يكون الفصل لها بمجالس الحكم، إلَّا أنه ليس للمجالس المذكورة جلب المدعى عليه إلَّا بعد أخذ الرخصة في ذلك من مجلس الدولة.
  • رابعها: النوازل العسكرية التي تفصلها المجالس الحربية.
  • خامسها: الجنايات التي تقع بين الأهالي مما عقوبته شديدة كالقتل والسجن بالكراكة والسجن الطويل والنفي إلى مكان بعيد ونحو ذلك. وفصل هذه النوازل بمجلس الجنايات بمحضر الجوري الآتي بيانه.
  • سادسها: الجنايات الخفيفة الواقعة بين الأهالي مما عقوبته السجن مدة خمسة أعوام فأقل، وهذه النوازل تفصل بمجالس الضبطية.
  • سابعها: النوازل المالية إذا كانت في مائتي فرنك فأقل، ويفصلها حكام الصلح.
  • ثامنها: النوازل المالية التي تزيد على مائتي فرنك، ونوازل الرَّبع والعقار والإرث والزوجية وغيرها من سائر النوازل المالية غير المتجرية، وهذه كلها تفصل بالمجالس العرفية.
  • تاسعها: النوازل المتجرية برًّا وبحرًا، وهذه يكون فصلها بمجالس المتجر. وسيأتي في الفصل بعد هذا تفصيل ترتيب المجالس المذكورة.

واعلم أن وظيفة أعضاء ورؤساء مجالس الجنايات والمجالس العرفية عمرية، للملك توليتهم وليس له عزلهم إلَّا بحكم يصدر من المجالس.

(٩) في الكلام على ترتيب مجالس الحكم

اعلم أن في كل كومون أي محل ولاية لشيخ حاكمًا يسمَّى حاكم الصلح، وله نائبان للقيام بمأموريته في مغيبه بالتناوب، والجميع بولاية من الملك، وليست وظيفتهم عمرية، بل يمكن تأخيرهم عن المباشرة. وكلفة هذا الحاكم فصل النوازل الخفيفة المالية الواقعة بين السكان على وجه الصلح، وأحكامه على قسمين:
  • أحدهما: الحكم القاطع في الحال، بحيث لا يتوقف تنفيذه على نظر مجلس التحقيق، وهو ما تعلق بمقدار مائة فرنك فأقل.
  • والثاني: ما يتوقف تنفيذه على التحقيق، وهو ما تعلق بأكثر من مائة إلى نهاية المائتين. وكذلك له فصل النوازل التي تكون في مقدار ألف فأقل إذا كانت فيما يفوت بفوات الوقت، وترفع إليه نوازل الجنايات الواقعة بين سكان عمله لعمل التقارير وتحرير الحجج اللازمة، وقد تطلبهم كبار العائلات بالتوجه إلى محل سكناهم لمعاينة ما يقع من الجنايات فيها، ولهم النظر مع الضبطية في النزاع الخفيف الواقع بين السكان كالتعدي على الزروع والبساتين وقطع ما لا يسوغ قطعه من شجر الغابة ونحو ذلك. قلت: وما أنفع هذا الترتيب؛ إذ النوازل الخفيفة لا تقبل التطويل إلَّا أنه يشترط في الحاكم الصلحي من المعرفة وتمام المروة أكثر مما يشترط في غيره؛ لانفراده بالحكم وعدم تعقبه في غالب النوازل، وفي كل من الأوطان الكبار مجلس لفصل النوازل العرفية من الماليات ما عدا النوازل المتجرية، إلا إذا لم يكن في الوطن مجلس متجري، وكلٌّ من المجالس المذكورة مركَّب من رئيس أول ورؤساء ثوانٍ، ومن سبعة أعضاء إلى اثني عشر، ومن أربعة معينين إلى ستة، فالمجالس المركبة من سبعة أعضاء وأربعة معينين تنقسم إلى قسمين، والمركبة من اثني عشر عضوًا وستة معينين تنقسم على ثلاثة، بحيث لا يكون القسم أقل من ثلاثة أعضاء، ولكل قسم نوازل معروفة، وفي النوازل المهمة تجتمع الأقسام كلها، ولا تحقيق على المجالس المشار إليها في الأحكام المتعلقة بمبلغ ألف وخمسمائة فرنك، وفيما دخله ستون فرنكًا في السنة من الريع والعقار. وفيما عدا الفصلين المذكورين للمحكوم عليه أن يرفع نازلته لمجلس التحقيق. ثم إن المجالس العرفية المذكورة لها تحقيق الأحكام الصادرة من حكام الصلح في القدر الذي فيه التحقيق، ولها الحكم في الجنايات الخفيفة التي تقع في أوطانها وسجن الجاني مدة معلومة أقلها خمسة أيام وعقوبته بأداء مال أكثره خمسة عشر فرنكًا، وفي كل من مراكز الإيالات مجلس جنايات يتركب من رئيس يرسله مجلس التحقيق الكائن في تلك الإيالة وثلاثة أعضاء تؤخذ أيضًا من مجلس التحقيق أو من المجالس العرفية إن لم يوجد بتلك الإيالة مجلس تحقيق. وفي كل من مجالس الجنايات اثنا عشر عضوًا في الأقل تنتخب من أعيان المملكة تسمى الجوري، وذلك أن مقتضى قوانينهم أن ينتخب في كل سنة عدة أشخاص من أهل المملكة ممن تتوفر فيهم شروط مقررة في القوانين، وهم المسمون بالجوري، فيحضر منهم بالمجلس اثنا عشر عضوًا في الأقل، وصورة عملهم في ذلك أن الوكيل العمومي أي المحتسب إذا أدلى بدعواه على المدعى عليه؛ لأنه هو القائم بالدعوى في الجنايات، وناضل عنه وكيله واستوفى الرئيس أعماله من الاستفسار وجلب الشهود ونحو ذلك يلتفت الرئيس إلى الجوري ويطلب منهم بيان ما ظهر لهم في النازلة، فتنحاز جماعة الجوري إلى مكان لهم ليتفاوضوا فيها، وما يتفق عليه غالبهم يُعرِّف به رئيسهم رئيس مجلس الجنايات؛ لأن الجوري لا مدخل له في تعيين مقدار العقوبة، وإنما نظره في طرق ثبوت الدعوى، وكون المدعى عليه معذورًا عذرًا يقتضي التخفيف أولًا لتفاوت العقوبة عندهم باختلاف بواعث الجناية، فإن مَن صمم على القتل مثلًا قبل صدوره منه بمدة ليس كمن تعدى عليه المجني عليه حتى حمله على الفتك به، إلى غير ذلك من الأعذار التي تخف بها العقوبة.

وحكمهم بالبراءة لا يتوقف تنفيذه على موافقة مجلس التحقيق، نعم قد ينظره المجلس الأعلى باعتبار فهم القانون ليعتَبر ذلك فيما يستقبل، فلا يبقى لمجلس الجنايات بعد إعطاء الجوري رأيه إلا تنزيل العقوبة من القانون إن كان الحكم بالعقوبة، أو إطلاق المدعى عليه في الحين إن كان الحكم بالبراءة.

ولا يقبل هذا المجلس نوازل الجنايات السياسية كمن يهجم على ذات الملك بسوءٍ أو يحير راحة المملكة أو نحو ذلك؛ لأن لتلك النوازل مجلسًا يخصها كما تقدم. قلت: ومع كون وظيفة أعضاء مجالس الحكم ورؤسائها عمرية في ممالك أوروبا فإن الأهالي لم ترَ فيها ضمانة كافية لحفظ حقوقها إن قصد الأمراء ظلمًا؛ لأن تأبيد وظيفة الأعضاء لم تنتفِ به سلطة الأمراء عليهم؛ لأنه قد بقي بأيديهم ترقيتهم من مرتبة إلى ما فوقها من الخطط، وربما يتسبب عن ذلك ميل الأعضاء إلى إرضاء جانب الأمراء وقت الحكم، ولذلك جُعل تعيين الحكم بالذنب أو البراءة إلى جماعة الجوري التي تنتخبها الأهالي سدًّا للذريعة، وجُعل تنزيل العقوبة من القانون إذا كان الحكم بالذنب، وجلب الشهود واستفسارهم وغير ذلك من الأعمال لأعضاء المجالس ورؤسائها، وبالمملكة ثمانية وعشرون مجلسًا تسمى كوردابل، بكل منها رئيس أول ورؤساء ثوانٍ بقدر ما يوجد به من الأقسام التي هي في الغالب ثلاثة: قسم لتحقيق أحكام العقوبات الخفيفة التي لا يحضرها الجوري، وقسم لتحقيق سائر الأحكام الصادرة من المجالس العرفية ومجالس المتجر، وقسم للتأمل في حجج الدعوى هل تقتضي إرسال المدعى عليه لمجلس الجنايات أم لا؛ لأن دعوى الجناية تعرض أولًا على المحتسب، وهو يعرضها على هذا القسم بعد إتمام أعمال له. وفي كلٍّ من المجالس محتسب عمومي ومعه محتسبان لإعانته من طرف الدولة للمناضلة عن حقوق القانون في سائر النوازل، لا سيما الجنايات. وبالبلدان الكبار مجالس متجرية مُركَّبة من أعضاء ينتخبهم أهل المتجر لمدة عامين.

ولما كانت جميع المجالس تحكم باسم الملك؛ إذ هم نوابه، وجب عرض أسماء المنتخبين لها عليه؛ إذ له تولية سائر أعضاء مجالس الحكم ورؤسائها، ولا يتجاوز المجلس المتجري أربعة عشر عضوًا غير الرئيس، ولا يكون أقل من عضوين، وفي كل مجلس معينون بقدر الحاجة، والنوازل التي تنشر في المجالس المتجرية هي ما يقع بين أهل المتجر من رسوم الاتفاقات وبيوع السلع بالآجال وعقد الشركات والسفاتج وغير ذلك مما له تعلق بالمتجر.

وبالمملكة مجلس أعلى مقره تختها تنتهي إليه جميع الأحكام الصادرة من المجالس، سواء كانت في الأمور العرفية أو الجنايات أو المتجر، وبحكمه تنتهي النوازل. وصورة نظره أنه لا يتأمل في أصل النازلة من جهة ثبوتها أو بطلانها، وإنما ينظر في أعمال المجالس أكانت على مقتضى القانون أم لا وهل يقتضي القانون ما حكموا به أم لا، ومهما عثر على خلل في الحكم يحكم ببطلانه ويُرجع النازلة إلى مَن يعينه من مجالس التحقيق ليستأنف النظر فيها، فإن وافق المجلس الأول وردَّت النازلة إلى المجلس الأعلى فإنه يعيد التأمل فيها باجتماع غالب أعضائه، وبحكمه تنتهي النازلة، وهذا الحكم الأخير يجب على مجالس الحكم اعتباره كشرح للقانون في نظائر تلك النازلة، ولهذا المجلس السلطة والنظر على أعضاء سائر مجالس الحكم بالمملكة كإلزام طاعة أهل المناصب بعضهم لبعض واحترام مكارم الأخلاق واجتناب ما لا يسوغ للحاكم، وفي قوته تعطيل خدمة أحد أعضاء مجالس الحكم وإرساله إلى وزير الأحكام لاختبار حاله.

ويتركب المجلس الأعلى من رئيس أول وثلاثة رؤساء ثوانٍ وخمسة وأربعين عضوًا ينصبهم الملك بوظيفة عمرية، وتنقسم أعماله إلى ثلاثة أقسام؛ قسم يسمع دعاوي المشتكين من أحكام المجالس لتمييز ما يقبل من ذلك وما يردُّ، وما يقبل ينقل إلى أحد القسمين الآتيين، وقسم يحقق الأحكام الصادرة من مجلس الجنايات، وقسم يحقق أحكام المجالس العرفية والمتجرية، وبهذا المجلس أيضًا محتسب عمومي ومعه محتسبان للمناضلة عن القانون.

(١٠) في الكلام على مجالس العسكر بفرنسا

هي على مرتبتين؛ الأولى: لفصل النوازل العسكرية وعددها سبعة وثلاثون مجلسًا. والثانية: لتحقيق الأحكام الصادرة من المرتبة الأولى وعددها ثمانية مجالس، وكل من المجالس المذكورة مركَّب من رئيس وستة أعضاء تنصِّبهم أمراء مراكز الجيش، وذلك إذا كانت رتبة المدَّعى عليه قائم مقام فما دونه، وأما إذا كانت رتبته رتبة أمير ألاي فما فوق إلى رتبة الماريشال التي هي أعلى المراتب العسكرية، فإن نصب الأعضاء والرئيس يكون من وزير الحرب، وفي كل من المجالس المذكورة وكيل عمومي ومعه أعوان للمدافعة عن القانون وكتَّاب لتحرير الوقائع ينصِّب جميعهم وزير الحرب.

(١١) في تركيب المجالس المذكورة

إذا كانت رتبة المحكوم عليه من باش شاوش فما دونه يكون رئيس المجلس أمير ألاي أو قائم مقام، والأعضاء بينباشيا أو ألاي أمين ويوزباشيين وملازمًا أول وملازمًا ثانيًا وشاوشًا، وإذا كانت رتبته ملازمًا ثانيًا فيكون الرئيس كما ذكر، والأعضاء بينباشيًّا أو ألاي أمين وثلاثة يوزباشية وملازمًا أول وملازمين ثانيين، وإذا كان ملازمًا أول فيكون الرئيس كما ذكر، والأعضاءُ بينباشيًّا أو ألاي أمين وثلاثة يوزباشية وملازمين، وإذا كان يوزباشيًّا فيكون الرئيس أمير ألاي والأعضاء قائم مقام وثلاثة بينباشية أو ثلاثة ألاي أمينية وثلاثة يوزباشية. وإذا كان بينباشيًّا أو ألاي أمين فيكون الرئيس أمير لواء والأعضاء أميري ألاي وقائمي مقام وبينباشيين. وإذا كان قائم مقام فيكون الرئيس أمير لواء والأعضاء أربعة أمراء ألاي وقائمي مقام. وإذا كان أمير ألاي فيكون الرئيس أمير أمراء والأعضاء أربعة أمراء لواء وأميري ألاي. وإذا كان أمير لواء فيكون الرئيس ماريشالًا والأعضاء أربعة أمراءِ أمراءَ وأميرَي لواءٍ. وإذا كان أمير أمراء فيكون الرئيس ماريشالًا والأعضاء ماريشالين وأربعة أمراءِ أمراءَ. وإذا كان ماريشالًا فيكون الرئيس ماريشالًا والأعضاء ثلاثة ماريشالات وثلاثة أمراءِ أمراءَ، ويكون تركيب مجلس التحقيق في الرئيس والأعضاء مثل تركيب المجلس الذي وقع القدح في حكمه.

(١٢) في دخل أهل فرنسا من نتائج الأرض كالنباتات والمعادن والحيوانات ومن المتاجر والصنائع وغيرها

فرنك   
۳۸۰۰٤۷۰۰۰ المتحصل في السنة من أكرية الربع والعقار
٥۰۰۰۰۰۰۰۰۰ قيمة أنواع السلع التي تصنع بفرنسا وعدد الأشخاص المشتغلين بها يبلغ ستة ملايين
دخل النباتات قبل طرح المصاريف.
فرنك   
۲۱٦۰۰۰۰۰۰۰ ثمن حبوب على اختلاف أنواعها
۳۰۰۰۰۰۰۰۰ ثمن بطاطة
۱۲۰۰۰۰۰۰ ثمن قسطل
۸۰۰۰۰۰۰۰ ثمن دخان
۱٤٥۰۰۰۰۰۰ ثمن كتان وقنب
۳۸۰۰۰۰۰۰ ثمن اللفت الأحمر
٥۰۰۰۰۰۰۰ ثمن بزر الكتان وغيره من الحبوب الزيتية عدا الزيتون
۱۰۰۰۰۰۰۰ ثمن أنواع ما يصبغ به
۹٥۰۰۰۰ ثمن بزر الهبلون وهو نبات تخمر به البيرة
۷٥۰۰۰۰۰۰۰ المتحصل من المحاش كالفصة وغيرها مما يزرع أو يحمى
۱٤۰۰۰۰۰۰۰ ثمن بيرة وهي الجعة (بكسر الجيم) أي نبيذ الشعير
٥٥۰۰۰۰۰۰۰ ثمن عنب
۱۲٥۰۰۰۰۰۰ ما يتحصل من ثمار البساتين المشجرة ومن المقاثي
٦۰۰۰۰۰۰۰ ما يتحصل من ثمن ثمر شجر التوت وورقه
۳۰۰۰۰۰۰۰ ثمن غلة الزيتون
۲۲۸۰۰۰۰۰۰۰ ثمن ما ينتج من الحيوانات
۳۰۰۰۰۰۰۰۰ ما يتحصل من أثمان الكرستة والحطب
٦۰۰۰۰۰۰ ما يتحصل من ثمن عسل النحل
۹۸۰۰۰۰۰۰ ما يتحصل من ثمن الحرير
۱٥۰۰۰۰۰۰۰ ما يتحصل من أثمان الطيور وبيضها من الدجاج وغيره
۱۰۰۰۰۰۰ ما يتحصل من أثمان الصيد البري
۳۰۰۰۰۰۰۰ ما يتحصل من أثمان الصيد البحري
۷۳۱٥۹٥۰۰۰۰ الجملة
ما يتحصل من نتائج المعادن.
فرنك   
۱۷۰۰۰۰۰۰۰ ثمن الحديد والذكير
۱۷۰۰۰۰۰۰ ثمن الفضة والنحاس والرصاص وغيرها
٤٦۰۰۰۰۰۰ ثمن الفحم الحجري
٥۷۰۰۰۰۰۰ ثمن الرخام والمرمر وغيرهما من الحجارة
۲۹۰۰۰۰۰۰۰ الجملة
فرنك   
٥۲۳۲٦۰۸۳۳ دخل طرق الحديد المنجزة سنة ۱۸٦٤ وعدد المسافرين بها ۷۱۸۷٤٥۸۹ وما حمل بها من السلع ۲۹۷۹۳۰۰۰ طونلاتة
دخل التلغراف.
فرنك   
۳۳۰٥۹۹۳ من داخل المملكة سنة ۱۸٦٤
۲٦۳۱۹۱۱ من المكاتيب الواردة به من خارج المملكة والصادرة عنها
٥۹۳۷۹۰٤ الجملة
عدد الحيوانات الموجودة في مملكة فرنسا.
رأسًا   
۲۹۸۳۹٦٦۰ خيل
۳۲۷۷۲۰ بغال
۳۹۸۱٤۹ أحمرة
۱٤۱۹۷۳٦۰ بقر
۳۳۲۸۱٥۹۲ ضأن
۷۲٦۸۰۸۱ معز
٥۸٤٥٦۸٦۸ الجملة
فرنك   
٤۰٥۰۰۰۰۰ قيمة أنواع الطير الموجودة بفرنسا من دجاج وغيره
قيمة السلع التي دخلت فرنسا والتي خرجت منها سنة ۱۸٥۸.
الخارج الداخل أسماء الممالك
۳۷۱٤۰۰۰۰۰ ۲۱٥٦۰۰۰۰۰ إنكلترة
۳۷۱٤۰۰۰۰ ۸۷٤۰۰۰۰۰ العمالات الراجعة لإنكلترة
۱۸۰۰۰۰۰۰۰ ۱۸۸۸۰۰۰۰۰ أميركا أي الدول المتحدة
۱٥۷٦۰۰۰۰۰ ۱۲۳٦۰۰۰۰۰ البلجيك
۸۲۲۰۰۰۰۰ ۱۹۰۲۰۰۰۰۰ سردانية ومونكو
۱۲٥٥۰۰۰۰۰ ۷۱۲۰۰۰۰۰ زولوراين من ألمانيا
٤٦٤۰۰۰۰۰ ٦۳٦۰۰۰۰۰ بر الترك
۲۰۸۰۰۰۰۰ ٥۲۲۰۰۰۰۰ الروسية
۱۱۱۷۰۰۰۰۰ ٤٦۱۰۰۰۰۰ إسبانيا
۳۳٦۰۰۰۰۰ ۹٦۰۰۰۰۰ العمالات التابعة لها
۹٥٦۰۰۰۰۰ ۳٤۹۰۰۰۰۰ السويسرة
۳٥٥۰۰۰۰۰ ۳۰۰۰۰۰۰۰ نابلي وصقلية
۲٤٤۰۰۰۰۰ ۲٤۰۰۰۰۰۰ هولاندة
۱۰۰۰۰۰۰ ۸٦۰۰۰۰۰ العمالات التابعة لها
۲۰۰۰۰۰۰ ۲۰۸۰۰۰۰۰ الشطوط الغربية من أفريقية
۲۱۲۰۰۰۰۰ ۱۷۲۰۰۰۰۰ غُرْنَة
۱٥۰۰۰۰۰۰ ۱٦۰۰۰۰۰۰ دول بلاطة من أميركا
۲۷۰۰۰۰۰ ۲۱٥۰۰۰۰۰ السويد والنورويج
٤٥۰۰۰۰۰۰ ۱۲٥۰۰۰۰۰ برازيل
۳۸۰۰۰۰۰۰ ۱۰۱۰۰۰۰۰ هاييتي
۱۲٥۰۰۰۰۰ ۹۱۰۰۰۰۰ مصر
٥٥۰۰۰۰۰ ۹۱۰۰۰۰۰ تونس وطرابلس والغرب الأقصى
٤۰۰۰۰۰ ۲۱۰۰۰۰۰ بلدان مختلفة من أفريقية
۱۹۲۰۰۰۰۰ ۹۱۰۰۰۰۰ بيرو في أميركا
۱۱٥۰۰۰۰۰ ۷۱۰۰۰۰۰ مكسيكو
۱۰۳۰۰۰۰۰ ۷٦۰۰۰۰۰ فرانكفورت ولوبك وبريمن وسبور
۱۱۰۰۰۰۰۰ ٦۷۰۰۰۰۰ النمسة
۱۷۷۰۰۰۰۰ ٥۹۰۰۰۰۰ شيلي في أميركا
۸۹۰۰۰۰۰ ٤۸۰۰۰۰۰ رومية
۳٥۰۰۰۰۰ ٤۲۰۰۰۰۰ الصين والكوشنشين والسيام
۹۳۰۰۰۰۰ ۳۹۰۰۰۰۰ أورغون في أميركا
۱۰۸۰۰۰۰۰ ۳۷۰۰۰۰۰ البرتوغال
۳۷۰۰۰۰۰ ۳٦۰۰۰۰۰ وينازويلة في أميركا
٦۹۰۰۰۰۰ ۲٥۰۰۰۰۰ الإغريق
۸۰۰۰۰۰ ۲۱۰۰۰۰۰ غواتيمالة في أميركا
٤٥۰۰۰۰۰ ۱٦۰۰۰۰۰ غرناطة الجديدة في أميركا
٦۰۰۰۰۰۰ ٥۰۰۰۰۰ دنيمرك
۲۰۰۰۰۰ ۳۰۰۰۰۰ بوليفيا
۹۰۰۰۰۰ ۱۰۰۰۰۰ أكواتور في أميركا
٤۰۰۰۰۰ هانوفر
۱۲٦٤۰۰۰۰۰ ٤۳۲۰۰۰۰۰ الجزائر
۱۰۰٥۰۰۰۰۰ ۱۱۸٤۰۰۰۰۰ العمالات التابعة لفرنسا
۱٥۹۷۲٤۰۰۰۰ ۱٤٦۲٥۰۰۰۰۰ جملة المتاجر الداخلة والخارجة فرنكًا
۱٤٦۲٥۰۰۰۰۰ يضاف الداخل إلى الخارج
۳۰٥۹۷٤۰۰۰۰ تكون قوة المتجر داخلًا وخارجًا
عدد المراكب التي دخلت فرنسا والتي خرجت منها.
مراكب دخلت مراكب خرجت أصحاب المراكب
طونلاتة مراكب طونلاتة مراكب   
۱٤٤٥۸۷۲ ۸۲۰۱ ۱۹۰۷۸۹۷ ۱۲۳۷٤ مراكب فرنسيس
۱٥٦۰۰۹۷ ۱۱۰۰٤ ۲٦٥۸۷۷٦ ۱٦٤٤۸ مراكب أجانب
۳۰۰٥۹٦۹ ۱۹۲۰٥ ٤٥٦٦٦۷۳ ۲۸۸۲۲
٤٥٦٦٦۷۳ ۲۸۸۲۲ يضاف الداخل للخارج
۷٥۷۲٦٤۲ ٤۸۰۲۷ الجملة مما ذكر
تكاثر الخلق بمملكة فرنسا.
عدد أنفس   
۱۹٦٦۹۳۲۰ كان عدد الخلق في مملكة فرنسا سنة ۱۷۰۰
۲۱۰۰۰۰۰۰ وصار في سنة ۱۷۷۲
۲٤۸۰۰۰۰۰ وفي سنة ۱۷۸٥
۲۷۳٤۹۰۰۰ وفي سنة ۱۸۰۱
۳۰٤٦۱۸۷٥ وفي سنة ۱۸۲۱
۳٤۲۳۰۰۰۰ وفي سنة ۱۸٤۱
۳۷۳۸٦۱٦۱ وفي سنة ۱۸٦۱

وليعلم الناظر أن هذه الزيادة إنما هي من نمو العمران والثروة وممن يدخل في العصابة الفرنساوية من أفراد الأجانب ونحو ذلك من ثمرات العدل لا من إضافة ممالك جديدة؛ إذ لم يقع ذلك خصوصًا من سنة ۱۸۲۱ إلى سنة ۱۸٦۱.

تقسيم أهالي فرنسا في الخدم الآتي ذكرها.
عدد أنفس أصناف الخدم
۲۰۳٥۱٦۲۸ خدمة أنواع الفلاحة
۲۰۹٤۳۷۱ ملاكة مواد الصناعات
۷۸۱۰۱٤٤ صناع
۳۹۹۱۰۲٦ أهل العلم من المدرسين والكتَّاب وغيرهم
۷۳٥٥۰٥ خدمة
۷۸۰۹٥٤ أنواع أخر
۳٥۷٦۳٦۲۸ الجملة

(١٣) في دخل دولة فرنسا وخرجها والدين الذي عليها وقوَّتها البرية والبحرية

دخل دولة فرنسا سنة ۱۸٦٤ مأخوذًا من الحساب الرسمي الذي وافق عليه مجلس وكلاء العامة.
فرنك أنواع الدخل
٥۰٤۸٥۲٦۳۳ الأداء الذي على الربع والعقار والأبواب والشبابيك
٤۲۳۷٦۰۲۱٦ الأداء الذي على كتب العقود والطبع ودخل أملاك الدولة
۳۹۹۲۱٥۰۰ دخل الغابات واصطياد الحوت
۱۲۱٦٤۲۰۰۰ دخل الكمارك والملح
٥۳۹٥۱۰۰۰ الأداء الذي على السلع والمأكولات وأمثال ذلك
٦۹۲۳۳۰۰۰ دخل البوسطة
۱۸۸۰۰۰۰۰ دخل الجزائر
۱٤۳۹۹۰۰۰ ما نقص من مرتبات المتوظفين وغيرهم
۸۱۰۳٥٥۱٥ ما تحصل من أنواع طارئة
۱۳٤۹۹۰۰۰۰ الأداء الموظف على السكر
۲۰۳۷۰۹۰۰۰ الأداء الموظف على المشروبات
۲۲۰۳۷٦۰۰۰ الدخل الحاصل من الدخان
۱٤۱۸۳۰۰۰ الدخل الحاصل من البارود
۲۸٤٦٥۰۰ الدخل الحاصل من المكاتب
۲۷۰۰۰۰۰ الأداء الموظف على الخيل والكراريس
۱۷٦٥۳۷۹۸۱ المبلغ المعين لشراء كواغد من الدين المرتب على الدولة
۳۰۰۰۰۰۰ الدخل الحاصل من سهام طرق الحديد
۳٥۰۰۰۰۰ ثمَن أراض
۷۰۰۰۰۰۰ القسط الرابع من المبلغ المطلوب من دولة الصين
۱۲۰۰۰۰۰۰ ما بيع من غابات الدون
۲۰۰۰۰۰۰ ثمَن حطب
۲۱۱۰٤۳۷۳٤٥
۲۱۰٥۰۹۳۱۲٤ يطرح منه المصروف الآتي بيانه
٥۳٤٤۲۲۱ فاضل المقبوض بعد المصروف
خرج دولة فرنسا.
فرنك   
۲٦٥۰۰۰۰۰ مرتب الإمبراطور وعائلته من الذكور والإناث
۹٤۰٤۰۰۰ مرتب ومصروف مجلسي الساتو ووكلاء العامة
۹۲۰۹۲۸۰ زيادة في مرتب نيشان الافتخار
۳۸٥۹۳۷٥٤۷ فائدة الدَّين المؤبد
۱۱۸۰۲۲۷٤٥ لشراء كواغد من الدَّين
٦۰۳۰۸٦۱۷ فائدة الدَّين المؤقت وغيره
۷٦٦۰۷۹۳۱ المرتبات العُمْرية
۲٥٥۹٥۹۰۰ لوزارة الدولة
۳۳۱٦۷٦۱۰ لوزارة الأحكام
۱۲٥۳٤۲۰۰ لوزارة الخارجية
۱۷۹٥٥۲۰۰٦ لوزارة العمالة
۲٦٤۷۲٥۲۲ لوزارة المال
۳۷۷۱۷۳۰٤۰ لوزارة الحرب
۱۹٤٤۳٥۳۳ للمأمورين وغيرهم في الجزائر
۱٦۷۲٤۲۳۳۲ لوزارة البحر والعمالات الخارجية
۷٥۸۲۰۲٥۷ لوزارة العلوم والديانة
۱۳٥۸٦٥۱٥۳ لوزارة الفلاحة والمتجر والمصالح العامة
۲۳۳٤٥۱۲٤۸ مصروف على إدارة الدخان والمعادن
۱۳۲۷۸٥۲۰۳ لجباية المال وصرف كواغد الدولة وغير ذلك
۲۰۹٥۰۹۳۱۲٤ جملة الخرج
۹۸٤۰۰۰۰۰۰۰ جملة الدَّين الذي على دولة فرنسا

اعلم أن ما تراه من الديون الكثيرة على كل دولة من دول أوروبا لم يكن ناشئًا عن عدم ضبط السبب الذي يتعين لأجله اقتراض الدَّين، ولا عن سوء التدبير بصرف شيء من المال قلَّ أو كثر فيما لا يلزم سياسة في نظر المجلس، ولا عن خيانة من المباشرين، وإنما السبب فيه ما يأتي شرحه؛ وهو أن العادة الدارجة في الممالك المضبوطة بالقوانين أن الدولة تقدم لمجلس وكلاء العامة جملة المصاريف المعتادة اللازمة للسنة القابلة بأوضح بيان في جميع فصولها، وما يثبت عند المجلس من المقدار اللازم لها في نظره بعد المجادلة بينه وبين الوزراء في ذلك يترتب الأداء الواجب أخذه من الأهالي في تلك السنة على مقتضاه؛ ولهذا كان قانون الأداء والمصاريف يتجدد عندهم في كل سنة. وأما إذا لزمت مصاريف غير معتادة لعمل حرب للمدافعة عن المملكة أو للهجوم على الغير إن اقتضته مصلحة الأمة السياسية أو المتجرية كحرب القريم التي صرفت فيها الدولة الفرنساوية وحدها ما يقرب من ألفي مليون فرنك، أو لمصلحة عمومية كعمل الطرقات والخلج والمراسي وتعمير المراكب الحربية وتبديل أسلحة الجيوش بالمستحدثات منها، ونحو ذلك مما يلزم لتنجيزه مبالغ وافرة لا يتيسر أخذها من الأهالي لما ينشأ عنه من ضعفهم الموجب لخلل العمران في المملكة، فإن الدولة تطلب من مجلس الوكلاء الرخصة في اقتراض المبلغ اللازم لتلك المصلحة بفائدة معلومة في السنة، والمجلس يتفاوض في أصل السبب الداعي إليها بمحضر الوزراء المقدمين لذلك من طرف الدولة المناضلين عنها، فإذا رأى غالب المجلس لزومه رخص للدولة في الاقتراض بقدره، وحينئذٍ تعلن الدولة للعامة بالمبلغ المطلوب وفائدته وآجاله التي يدفع فيها مقسطًا، فتبادر العامة إلى قبول ذلك لما هم عليه من الثروة واتساع الآمال بسبب تنظيماتهم العادلة الضابطة لتصرفات الدولة الملزمة لوفائها بالشرط، بحيث لا يسوغ لها أن تسلم شيئًا من المال إلَّا لمن تحققت حُسن تدبيره وحسن إدارته فضلًا عن أمانته؛ لأن مجلس المحاسبات يتعقب جميع مصاريف الدولة بحساب مدقق، ولما لهم في الاقتراض من الفوائد العمومية والخصوصية؛ لكونه من أهل المملكة غالبًا، فهو في الحقيقة كسب من مكاسبهم كسائر الأملاك، وحينئذٍ لا يزاد على الأداء السنوي إلَّا فائدة الدَّين المذكور في كل سنة مثلًا إذا كانت جملة المبلغ المقترض مائة مليون فرنك بخمسة في المائة، فالذي تجب زيادته في الأداء السنوي خمسة ملايين، فتنتفع الدولة وأهل المملكة في أحوال السياسة والمتجر باقتراض المبلغ المذكور لسهولة مواد العمران لهم، ولا يثقل عليهم في الأداء إلَّا الملايين الخمسة.

وأما الفوائد المرتبة لأرباب الديون على المبالغ المقترضة فإنها تختلف في القلة والكثرة بحسب سياسة كل دولة وصحة معاملتها وحسن إدارتها ونحو ذلك مما تعتبره أرباب الديون، فما كان من الدول بتلك المثابة خفف عنه أرباب الدَّين فوائد أموالهم كدولة الإنكليز ودولة الفرنسيس، فإن الأولى تدفع من اثنين ونصف في المائة إلى ثلاثة ونصف، والثانية من أربعة ونصف إلى خمسة في المائة فائدة لمن تقترض منه سواء كان من الأهالي أو من الأجانب؛ لأن صحة معاملتهما وحسن إدارتهما كالكفيل بالدين. ومن الدول ما تكون فائدة ديونه ستة في المائة، ومنها ما تكون سبعة ومنها ما تكون عشرة ومنها ما لا طمع له في الاقتراض أصلًا، حيث تكون معاملته في حيز السقوط وعدم الاعتبار في أنظار أرباب الديون، ففوائد دين كل دولة عنوان على حسن إدارتها ومعاملتها. وبهذا التقرير يعلم أسباب وفوائد الديون الكثيرة التي على دول أوروبا.

القوة العسكرية البرية بدولة فرنسا سنة ۱۸٦۱.
جملة الجيش عسكر التريس خيالة وطوبحية ومهندسون أمراء وفسيالات أصناف العسكر
۱۱ ماريشالات
۹۰ أمراءُ أمراءَ تحت السلاح
۷۰ ممن ذكر في اليداك
۱۸۰ أمراءُ ألوية تحت السلاح
٥۲۳ ۱۷۲ ممن ذكر في اليداك
٦۱۰ فسيالات أتاماجور الجيش
۹٦۷ ۳٥۷ ممن ذكر في الحصون
۳٦٥ ۳٦٥ ممن ذكر شواش وأنباشية في الحصون
٦٦۲ فسيالات في اليداك
۳٦٤٥ فسيالات في الإدارة وأطباءُ
۸٦۹٦ ٤۳۸۹ فسيالات بمجالس الحكم العسكري
٥۱٥۰۳۷ ٥۱٥۰۳۷ عسكر تريس
۱۰۰۲۲۱ ۱۰۰۲۲۱ خيالة الجيش
٦٦۰۰۷ ٦٦۰۰۷ طوبجية الجيش
۱٥٤٤۳ ۱٥٤٤۳ مهندسون
۲٤۱۷۲ ۲٤۱۷۲ جندرمرية وهم خيالة لحفظ البلد
۲٤٥٦۱ ۲٤٥٦۱ صناع العسكر
۲۹٦۱ ۲۹٦۱ تلاميذ مكتب العسكر
۷٥۸۹٥۳ ٥٤۲۹۲٤ ۲۰٥۸٤۳ ۱۰۱۸٦ الجملة

وفي هذه المدة الأخيرة طلبت الدولة من مجلس وكلاء العامة إنشاء قانون جديد في صيرورة جملة الجيش وقت الحرب مليون نفس ومائتي ألف، ولم يزالوا يتفاوضون في شأن ذلك.

القوة البحرية بدولة فرنسا سنة ۱۸٦٦.
جملة البحرية أمراء البحر وقبطانات أصناف البحرية
۲ أميرال في مقام ماريشال
۱۷ ويس أميرال في مقام أمير أمراء تحت السلاح
۱٤ ممن ذكر في اليداك
۳۰ كنتر أميرال في مقام أمير لواءٍ
۲۰ ممن ذكر في اليداك
۸۳
۱۳۰ قبطانات أجفان في مقام أمراءِ الإيالات
۲۷۰ قبطانات فراقط في مقام قائمي مقامات
٤۰۰
۸۲٥ يوزباشية
۱۲۰۰ أنيس وسبيران وتلاميذ مكتب البحر
۹۲۲ مهندسون ومصورون وتلامذة مكتب الإدارة
٦٤۲ أطباءُ وأعضاء مجالس الحكم
۳٥٥٤ مكينجية وصنَّاع
۳۳۱٤۰ بحرية
۲٤۷۹۷ عسكر البر والعملة
٦٥٥٦۳ ٤۸۳ الجملة نقلت إلى [الجدول التالي]
تابع القوة البحرية بدولة فرنسا سنة ۱۸٦٦.
جملة المراكب وبها مدافع ٦۲۳۰ مراكب قلاع فابورات بها قوة خيل ۱۰٥۲٦۷ جملة البحرية أمراءُ البحر وقبطانات أصناف البحرية والمراكب
بالذنب وبالعجلة حديد
٦٥٥٦۳ ٤۸۳ نقلة جامعة [الجدول السابق]
۳۹ ۱ ۳٦ ۲ أجفان
۷۲ ۱۸ ۳۷ ۱۷ فراقط
٤۰ ۸ ۲٤ ۸ قرابط
۱۲ ۱۲ أبركة
۹۷ ۹۷ أفيزو
۷۳ ٦۲ ۱۱ مراكب خفاف
۷۹ ۳۰ ٤۹ مراكب لحمل الأثقال
۲۷ ۲۷ بطرية عوامة
٥۲ ٥۲ شالوب كوتير أي قوارب
٤ ٤ مراكب صغار لحراسة الشطوط
٤۹٥ ۱۳۱ ۳۰٦ ٥۸ ٦٥٥٦۳ ٤۸۳ الجملة
عدد مراكب متجر الفرنسيس.
طونلاتة عدد المراكب أصناف المراكب
۹۱۰۷۲۹ ۱٤۷۳۸ مراكب قلاع
۷۳۲٦۷ ۳۲۷ فابورات
۹۸۳۹۹٦ ۱٥۰٦٥ جملة ذلك
دخل المجلس البلدي بباريس (ونعني بذلك المقادير المعينة لمصالح باريس ليرى القارئ كيف ينمو عندهم العمران).
فرنك   
٥۰۳۸۱۸ كان دخل المجلس المذكور سنة ۱۷۹۸
۱۲٥۳۰۷٤۰ وصار في سنة ۱۸۰۱
۳٤۳۳٦۹۱۸ وفي سنة ۱۸۱۱
٤۱٦٥٤۳٦۰ وفي سنة ۱۸۲۱
٥۰۰۸٤۱۲۸ وفي سنة ۱۸۳۱
٦۰٤۹٤۰٥۸ وفي سنة ۱۸٥۱
۱۰۸۲٥۱۸۹۸ وفي سنة ۱۸٥۹
۲۰۲٥٥٤۰۹۲ وفي سنة ۱۸٦۰ ودخل في هاته السنة مداخيل طارئة
۱٥۱٤۰۸۹٤۲ وفي سنة ۱۸٦٤
۲۱۸۱٥۸۹۰٥ وفي سنة ۱۸٦٦

فمَن تأمل تدرج التفاوت بين هاته الأرقام يظهر له أن لخصوص مدينة باريس من الدخل السنوي ما ليس لكثير من الممالك، ولا يُتوهَّم أن ذلك نتيجة تثقيل الأداء لما أن قاعدتهم في توزيعه على وجه لا يضر بالأصول المأخوذ منها تمنع ذلك كما تقدم، وإنما ذلك من تزايد العمران وثروة السكان والقليل من الكثير كثير.

ثم إن ما تقدم من الأرقام في بيان ما للأمة الفرنساوية من الثروة وما لدولتها من الدخل وكذا ما سيأتي من البيان لما ذُكر في بقية ممالك أوروبا ربما يستكثره الناظر الذي لا خبرة له بما كان لمَن تقدم من الأمم من الثروة، ولو تأمل ما حكاه المقريزي في كتابه «الخطط» عن مجابي مصر زمن الفراعنة وزمن الخلفاء الراشدين، وما حكاه أيضًا في الكتاب المذكور، وحكى ابن بطوطة مثله عن سلطان الهند، وما حكاه ابن خلدون عن مجابي دولة بني العباس ببغداد ودولة الأمويين بالأندلس، وما حكاه غيرهم من جهابذة المؤرخين — مما أشرنا إلى بعضه في مقدمة هذا الكتاب — لظهر له صحة ما نسبناه إلى الأمم الأوروباوية. على أنه تيسَّر للأوروباويين من أسباب الثروة والغنى ما لم يتيسر لغيرهم ممن تقدم، كسهولة المواصلة بين الممالك برًّا وبحرًا بواسطة الفابورات والطرق الحديدية وغيرها، وجودة الصنائع لجودة آلاتها، والجمعيات المتجرية والبانكات وغير ذلك من وجوه التمدن الذي تقدم شرحه.

ومُحصَّل جوابنا للمنكر هو ما أجاب بمثله ابن خلدون لما بيَّن مداخيل الدول الإسلامية، وخشي استكثار الناس لذلك فقال: «ولا تنكرنَّ ما ليس بمعهود عندك ولا في عصرك شيءٌ من أمثاله، فتضيق حوصلتك عن ملتقط الممكنات، فكثير من الخواص إذا سمعوا أمثال هذه الأخبار عن الدول السالفة بادروا بالإنكار، وليس ذلك من الصواب، فإن أحوال الوجود والعمران متفاوتة، ومَن أدرك منها رتبة سفلى أو وسطى فلا يحصر المدارك كلها فيها، ونحن إذا اعتبرنا ما يُنقل إلينا عن دولة بني العباس وبني أمية والعبيديين، وقابلنا الصحيح من ذلك والذي لا نشك فيه بالذي نشاهده من هذه الدول التي هي أقل بالنسبة إليها، وجدنا بينهما بوْنًا وهو لما بينها من التفاوت في أصل قوتها وعمران ممالكها، فالآثار كلها جارية على نسبة الأصل في القوة كما قدمناه، ولا يسعنا إنكار ذلك عنها؛ إذ كثير من هذه الأحوال في غاية الشهرة والوضوح، بل فيها ما يلحق بالمستفيض والمتواتر، وفيها المعاين والمشاهد من آثار البناء وغيره، فخذ من الأحوال المنقولة مراتب الدول في قوتها أو ضعفها أو ضخامتها أو صغرها واعتبر ذك بما نقصُّه عليك من هذه الحكاية المستظرفة، وذلك أنه ورد للمغرب في عهد السلطان أبي عنان من ملوك بني مرين رجلٌ من مشيخة طنجة يُعرف بابن بطوطة، كان رحل منذ عشرين سنة قبلها إلى المشرق، وتقلب في بلاد العراق واليمَن والهند، ودخل مدينة دلهي حاضرة مَلك الهند وهو السلطان محمد شاه، واتصل بملكها لذلك العهد وهو فيروزجوه، وكان له منه مكان واستعمله في خطة القضاء بمذهب المالكية في عمله، ثم انقلب إلى المغرب واتصل بالسلطان أبي عنان.

وكان يحدِّث عن شأن رحلته وما رأى من العجائب بممالك الأرض، وأكثر ما كان يحدِّث عن دولة صاحب الهند ويأتي من أحواله بما يستغربه السامعون، فتناجى الناس بتكذيبه ولقيت وزير السلطان أبي عنان أبا منذر فارس ابن ودرار البعيد الصيت ففاوضته في هذا الشأن، وأريته إنكار أخبار ذلك الرجل لما استفاض في الناس تكذيبه، فقال لي الوزير فارس: إياك أن تستنكر مثل هذا من أحوال الدول بما أنك لم تره، فتكون كابن الوزير الناشئ في السجن، وذلك أن وزيرًا اعتقله سلطانه ومكث في السجن سنين ربَّى فيها ابنه في ذلك المحبس، فلما أدرك وعقل سأل عن اللحمان التي كان يتغذى بها فقال له أبوه: هذا لحم الغنم. فقال: ما الغنم؟ فيصفها له أبوه بشياتها ونعوتها، فيقول: يا أبتِ تُراها مثل الفأر؟ فينكر عليه ويقول: أين الغنم من الفأر؟ وكذا في لحم الإبل والبقر؛ إذ لم يعاين في محبسه من الحيوانات إلَّا الفأر فيحسبها كلها أبناء جنس الفأر، وهذا كثيرًا ما يعتري الناس في الأخبار، كما تعتريهم الوساوس في الزيادة عند قصد الإغراب كما قدمناه أول الكتاب، فليرجع الإنسان إلى أصوله وليكن مهيمنًا على نفسه ومميزًا بين طبيعة الممكن والممتنع بطريق عقله ومستقيم فكرته، فما دخل في نطاق الإمكان قبله وما خرج عنه رفضه، وليس مرادنا الإمكان العقلي المطلق، فإن نطاقه أوسع شيء فلا يفرض حدًّا بين الواقعات، وإنما مرادنا الإمكان بحسب المادة التي للشيء، فإنا إذا نظرنا أصل الشيء وجنسه وصنفه ومقدار عِظمه وقوَّته أجرينا الحكم من نسبة ذلك على أحواله وحكمنا بالامتناع على ما خرج عن نطاقه.» انتهى المراد منه بلفظه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤