تمهيد

figure
شكل ١: هل نحن حقًّا على هذا القدر من الاختلاف؟

على غرار شبكات المعنى والأفعال التي تتلاحم معًا وتعمل باستمرارٍ على إعادة صياغة فكرة العِرق القوية، فإنَّ وضع كتابٍ عن العِرق يشترك في تأليفه أكثر من مؤلِّفٍ واحد إنما يتحقَّق من خلال تضافُر مجموعة من العلاقات الشخصية والمؤسسية والمِهنية المتعددة. وهذا ما حرصنا عليه في الكتاب بالإضافة إلى حرصنا أيضًا على أن تكون لدينا مجموعةٌ كبيرة ومُركَّبة ونشطة وداعمة من المؤيدين؛ نظرًا لما يعنيه ذلك من قيمة لنا. وينطبق هذا بصفةٍ خاصة على المشروع والكتاب اللذَين نحن بصددهما الآن.

يبدو أيضًا أن العِرق يختلف حسب خبرة الشخص ومكانه وتاريخه؛ ومن ثمَّ نعتقد أن هذا الكتاب سيؤثر في كل قارئٍ على نحوٍ مختلف بعض الشيء. وربما يَنجذب القُرَّاء إلى مواضع الكتاب التي تُمثِّل لهم اهتمامًا ومغزًى معيَّنًا على المستوى الفردي، كما هو الحال حيال المعارض والمواقع الإلكترونية. ومع ذلك، فقد راعَيْنا في تصميم الكتاب أن يُستهَلَّ ببدايةٍ واضحة يليها وسطٌ ثم نهاية؛ مما يسمح بتطوير معرفتنا وتحليلنا على النحو الأفضل. وبوصفه كتابًا مصاحبًا للمشروع الأكبر المُسمَّى «الأعراق البشرية: هل نحن حقًا على هذا القدر من الاختلاف؟» فقد صُمِّم بهدف قراءته من أوَّله إلى آخره، وبوصفه أيضًا كتابًا تمهيديًّا عن العرق (وكذلك عن العنصرية والاختلافات البيولوجية بين البشر). ونأمُل أن نكون قد عبَّرنا عن رسائلنا الرئيسية بأساليب من شأنها أن تترك صداها ومردودها لدى القُرَّاء كافة.

تبلوَر المشروع الذي قادنا إلى تأليف هذا الكتاب، واتخذ شكلًا مُعترَفًا به للمرة الأولى، عام ١٩٩٧. يولاندا موزس، وهي أحد المشاركين في تأليف هذا الكتاب، والتي صارت فيما بعدُ رئيس الجمعية الأمريكية للأنثروبولوجيا، المنظَّمة الأكبر والأهم على مستوى العالم لعلماء الأنثروبولوجيا المُحترفين، دعت باحثين من أقسام الأنثروبولوجيا إلى الاجتماع معًا لمناقشة ما يعنيه مُصطلح «العِرق» في تخصُّصاتهم الفرعية.

خرَج المشاركون في هذه الجلسة النقاشية التي شهدها الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية للأنثروبولوجيا بإجماع آراءٍ واضح على أنه بدلًا من أن يتبنى كلٌّ منا موقفًا مفاهيميًّا مختلفًا، فإن ثمة الكثير من نقاط الاتفاق التي تجمعنا، وهو ما توصَّلنا إليه من واقع سجلاتٍ فكريةٍ مختلفة وبملاحظاتٍ وبياناتٍ مختلفة. ووجدنا أن أقسام الأنثروبولوجيا؛ مثل الأنثروبولوجيا اللُّغوية، وعلم الآثار، والأنثروبولوجيا البيولوجية، والأنثروبولوجيا السياسية، تُسلِّط الضوءَ على الجوانب المتنوِّعة لفكرة العِرق وآليات العنصرية، وهي فكرةٌ مُتغيِّرة على نحوٍ معقَّد.

هل تذكر حكاية الأشخاص المعصوبي العينَين الذين يَتلمَّسون أجزاءً مختلفة في جسم الفيل؟ أحدهم يَلمس الذيل ويعتقد أنه ممسكٌ بثعبان، وآخر يلمس خرطوم الفيل ويعتقد أنه يتحسَّس جدارًا. كان الأمرُ شديدَ الشبه بذلك؛ بدا من الواضح أننا نستطيع من خلال العمل معًا، وأخيرًا التعاون مع زملاء من مجالاتٍ أخرى بدءًا من الفيزياء إلى علم الإنسانيات؛ التوصُّلَ إلى وصفٍ وفهمٍ أفضل لجسم الفيل ككلٍّ؛ وهو ما يعني في سياق حديثنا هذا التوصُّل إلى وصفٍ وفهمٍ أفضل لمفهوم العِرق والعنصرية.

وأخيرًا، بدا من الواضح إلى أي مدًى كانت فكرة «العرق» أداةً ضارَّة في أيدي الأفراد ذوي السلطة لاستبقاء وضعٍ عنصري راهن والاستفادة منه. أُسِّست أنظمةٌ من عدم المساواة ورُسِّخت حول الفكرة الدامغة بأن الاختلافات العرقية وأوجه التفاوت وعدم المساواة كانت تُعزى إلى أسبابٍ بيولوجية وطبيعية. وهذه المفاهيم يتردَّد صداها اليوم، بيد أنه بات من الواضح أنها مفاهيم يُمكن دحضها، وتستند ببساطة إلى علمٍ زائف؛ ولهذا السبب، شعرنا أننا مُضطرُّون إلى إيضاح أنَّ العرق موضوعٌ قويٌّ ومؤثر، لكنه لا يوجد له أساسٌ يتعلق بالجينات أو بعلم الأحياء، وإنما هو مفهومٌ ثقافي؛ ومن ثمَّ يمكن تغييره.

ومن ثمَّ خَلَصنا إلى أن ثمة خطوةً ضرورية على طريق التغيير قد اتُّخِذت بالفعل؛ تحدَّث بعضنا إلى بعض، وأدركنا أن في مقدورنا أن نتواصل، واستطعنا معًا التعبير بوضوح عن فكرة مُعقَّدة. ومع ذلك، لا تكفي هذه الخطوة الضرورية لإحداث تغييراتٍ. احتجْنا أيضًا إلى ما هو أكثر من مجرَّد الحديث إلى زملائنا وطلابنا الجامعيين. ولم يكن من الممكن أن يخرج هذا الكتاب إلى النور لولاهم، ونأملُ أن نصلَ من خلاله إلى مزيدٍ من قاعات الدراسة في الجامعات. نحتاج أيضًا إلى تكثيف النقاشات العامة حول مفهوم العرق، راجعين مرةً أخرى إلى القضايا الجوهرية؛ مثل كيف نشأت فكرة العرق في التاريخ، وكيف اختُرِعت، وكيف أن العرق والاختلاف البشري موضوعان مختلفان. ونحتاج إلى أنْ نُحاول وأنْ نُدرِج الجميعَ في النقاش.

شكَّل برنامجُ «العرق»، وهو برنامج التعليم العام الذي يُمثل هذا الكتابُ جزءًا منه، لجنةً توجيهية تحت إشراف الجمعية الأمريكية للأنثروبولوجيا وتحت القيادة الاسترشادية للدكتورة بيجي أوفربي. وكان من بين نتائجها الملموسة موقعٌ إلكتروني (www.understandingrace.org) أنشأته شركة إس تو إن ميديا (بقيادة كاثي بروسينكساي) ومعرضٌ متحفيٌّ صُمِّم وأُنشئ بالتعاون مع شركائنا في المتحف، وهم فريقُ العمل الاستثنائي بمتحف مينيسوتا للعلوم، بقيادة رئيس المتحف إريك جولي، وترأَّس المشروعَ روبرت جارفنكل وجوان جونز-ريتسي، وإليهما ندينُ بالفضل الأول وبخالص الامتنان. ببساطة، لم يكن من الممكن أبدًا لهذا الكتاب أن يظهر لولا روبرت وجوان وفريقهما المُبدِع الذي يجيد التعامل مع العقبات، وما يتَّسمون به من رُوح الإقدام والتعاون.

ظلَّ المَعرض المتحفي، وهو في الأساس مشروعٌ ضخمٌ يتألَّف من أكثر من خمسين عنصرًا تقريبًا من المعروضات، ويشغل مساحةً مقدارها ٥ آلاف قدم مربَّعة؛ ظلَّ يجوب البلاد حتى عام ٢٠١٥، وحقق نجاحًا مُذهلًا حتى إنَّ معرضًا مماثلًا له تقريبًا وفي حجمه تمامًا قد أُقيم على غراره، فضلًا عن إنشاء نسخةٍ أصغر بمساحة ١٥٠٠ قدم مربعة لصالات العرض المجتمعية الأصغر حجمًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤