الفصل الأول

أمورٌ ذات صلة بالعرق

هل العِرق حقيقي؟ الأمر نسبيٌّ أحيانًا؛ فهل من الواضح أنه حقيقي؟

لا يهمُّ إنْ كنا نتحدث عن العرق أو نخشى الحديث عنه، إنْ كنا نسهبُ كثيرًا أو نقتصد كثيرًا في كلامنا عنه؛ فنحن على ما يبدو لا نتعمَّق فيه كثيرًا على أيِّ حال.

figure
شكل ١-١: حفل التخرُّج في مدرسة سيوارد مونتيسوري (جزءٌ من مجموعة «ليك ستريت» الولايات المتحدة الأمريكية، ١٩٩٧–٢٠٠٠) التصوير الفوتوغرافي: وينج يونج هيوي.

كيف نَخرج من حالة الجمود هذه؟

الإجابة هي أن نبدأ في طرح أسئلةٍ مختلفة عن العرق ونجيب عنها. يعتقد معظم الناس أن العرق حقيقي، وهم على حقٍّ بالتأكيد. العرق حقيقي، بيد أنه ليس حقيقيًّا من حيث طريقة تفكيرنا فيه على أنه مُتأصِّلٌ وموجودٌ منذ الأزل، وله أساسٌ بيولوجي. إنَّ العرق بالأحرى هو فكرةٌ راسخة ذات عواقبَ وخيمةٍ ومدمِّرة؛ لأننا جعلناه كذلك عبر تاريخنا وثقافتنا.

يهدف هذا الكتاب إلى توجيه القُرَّاء بحيث يفهمون كيف أن العرق حقيقي وغير حقيقي في آنٍ واحد. ويُمكن تبديد الجذور الأكثر رسوخًا للعِرق والتفكير العنصري والعنصرية السافِرة من خلال التركيز ببساطة على مفهوم التنوُّع والقبول كما هو شائع حاليًّا. على الجانب الآخر، لا يُمكن لمنهجٍ موضوعي وعلميٍّ صِرف أن يسرد القصة الكاملة للكيفية التي شكَّل بها العرق الأحداثَ التاريخية والتي يواصل بها تأثيره القويَّ على حياة الأفراد. إنه بلا شك لا يسرد كلَّ شيءٍ عن التباين القائم في تجارب الأفراد بشأن العرق واختلافها عبر الزمان والمكان.

نحن نهدف في هذا الكتاب إلى تقديم مزيج من المعالجة العلمية، والتاريخية، والتجارب الشخصية. والنتيجة التي نأمُلها من ذلك هي تحريرُ تلك الفكرة على نحوٍ رائع. لقد أصبح العرق بمنزلة كُرة غزل يتشابك فيها التاريخ، والثقافة، والهُوية، وعلم الأحياء. وهدفنا هو فكُّ تشابك تلك الكُرَة وحَلُّ خيوطها. وبمجرد فكِّها، يتسنى للمرء فهم المزيد عن الاختلافات الطبيعية بين البشر جميعًا، والكيفية التي أصبح بها العرق تلك القوة المؤثِّرة.

نعلم أن العرق يبدو حقيقيًّا بالتأكيد لأي شخص مُنغمِس في الثقافة السائدة لأمريكا الشمالية؛ فالعِرق يبدو حقيقيًّا على نحوٍ واضح، ويستطيع المرءُ كلَّ يوم أن يلاحظ اختلافَ الأفراد في المظهر الخارجي. ومن الأمور المثيرة للانتباه أن العرق حقيقي — لا لأسبابٍ بيولوجية — وإنما لأسبابٍ تتعلق بالأساليب اليومية التي نُفسِّر بها الاختلافات، ونسبغ بها معنًى على تلك الاختلافات البيولوجية. قد يبدو الأمر على خلاف التوقعات البديهية، لكن العِرق له أساسٌ بيولوجي؛ نظرًا لأن فكرة العرق — وتحديدًا العيش في مجتمعٍ عِرقي مع إمكانية وصولٍ متفاوتة إلى الموارد — لها تأثيراتٌ على الجسم تظهر في معدل وفيات الرُّضَّع والبالغين. إذا كان العرق وهمًا، فإنه إذن وهمٌ قويٌّ على نحوٍ غريب.

مع هذا، فإن ما استوعبنا أنه دليلٌ رأيناه بأعيننا على «حقائق» العرق مثل الاختلافات في لون البشرة وغيرها من العلامات المزعومة للاستدلال على العرق، ليست له أهميةٌ اجتماعية وسياسية متأصِّلة أو أشدُّ تأصُّلًا مما تسبغه عليه ثقافتنا. ثمة اختلافاتٌ لغوية وثقافية وبيولوجية ووراثية بين البشر، إلا أن هذه الاختلافات ليست عِرقية؛ بمعنى أنها لا تُقسِّم الأفراد «بطبيعتهم» إلى أعراق.

من الآراء الرئيسية في علم الأنثروبولوجيا أن ما نراه على أنه حقيقي إنما يُعزى غالبًا إلى ما تهيئ آراؤنا السائدة عقولنا لرؤيته. وبالطريقة نفسها التي اعتدنا بها الاعتقادَ بأن الشمس تدور حول الأرض؛ فإننا نرى الاختلاف على أنه عِرق لا لسببٍ آخر سوى أن الفكرة مُنتشرة حولنا وليست محل نظرٍ أو نقاش. وكما تقول رئيسة كلية سبيلمان بيفرلي تيتوم، فإن العرق مثل الضباب الدخاني؛ إذا كنا داخله، فهو كلُّ ما نراه، وعلاوةً على ذلك، فإنه يعوق رؤيتنا الواضحة لطبيعة الاختلاف الحقيقية. حان الوقت لأنْ ينقشع هذا الضباب ويزول.

إنَّ ما نأمله في هذا الكتاب، المصاحِب لموقعٍ إلكتروني ومعرضٍ متحفي حائزَين على جوائز، هو أن نوضِّح كيف أن فكرة العرق لا تزال تُواصل تبعاتها، كلَّ يوم، على كل جوانب حياتنا. العرق ليس بنيةً اجتماعية فحسب، إنه عقدٌ اجتماعيٌّ قوي. سجَّل دستورُ الولايات المتحدة العبدَ الأفريقي على أنه يُمثِّل ثلاثة أخماس الشخص الواحد. وعلى الرغم من تعديل هذه الصيغة وفقًا للتعديل الثالث عشر للدستور الأمريكي (أقرَّت أيضًا معظم الولايات قوانينَ إضافيةً لمناهضة اختلاط الأجناس؛ أي التزاوج بين أعراقٍ مختلفة) فإن العقد العرقي أعمق بكثير من القوانين والبَيانات «الرسمية». يُعزى سبب رسوخ العقد العرقي على وجه التحديد إلى أن فكرة العرق محفورةٌ بعمق في أذهان المجتمع الأمريكي ومؤسساته. وما نريده هو أن نوضِّح العقد الاجتماعي؛ ومن ثمَّ نكشف عن الجذور العميقة للتفكير العِرقي والعنصري. وكما أن الحشائش الضارة تعود لتنمو من جديد إذا لم نجتثَّها من جذورها، فلا سبيلَ أمامنا للقضاء على العنصرية ما لم نهتمَّ بدراسة جذورها وصولًا إلى الفِكَر الأساسية التي تقوم عليها.

وعلى الرغم من أن فكرة العرق أصبحت — ولا تزال — محفورةً على نحوٍ جوهري في أذهاننا ومؤسَّساتنا، ففي وسعنا تغيير طريقة فهمنا للعِرق، بل والكيفية التي يتمُّ بها تضمين العرق في المؤسسات وجعله جزءًا منها. ولن يتأتَّى لنا ذلك بتجنُّب العرق أو التظاهُر بأنه غير ملحوظ، وإنما بالأحرى عن طريق فهم عِلم الاختلاف البشري، وتاريخ العِرق وثقافته وسياساته، وكل التجارب الحياتية اليومية المرتبطة بالعرق والعنصرية.

غالبًا ما يمرُّ طلابنا — وهؤلاء ممَّن زاروا المعرض — بلحظاتٍ من «الكَشْف»، يرون فيها العرق بمنظورٍ مختلف لم يعرفوه قط من قبلُ. فجأةً، يُرى العرق على أنه ليس مكونًا طبيعيًّا وإنما فكرةٌ ونِتاجٌ ثقافي. إنه لأمرٌ مُذهل!

ولحُسن الحظ، أيضًا، أن لحظات الكَشْف هذه لا تتطلب تدريبًا مُسبقًا في علم الجينوم، أو الأنثروبولوجيا، أو الفلسفة، أو أي مجالٍ معرفيٍّ آخر. وإنما كلُّ ما تتطلَّبه في حقيقة الأمر هو انفتاحٌ ومُكاشَفة في مناقشة الفرضيات التي كنا نعتقد في صحتها على نحوٍ واضح.

تخيَّل أنك تعيش حياتك في مكانٍ طبيعي لم يقُدك قط أنت أو المحيطين بك إلى التشكيك في أن الأرض يُمكن أن تكون شيئًا آخر خلاف كونها مسطحة. اعتلِ قمة جبل، وأمعِن النظر في المسافة المُمتدة أمامك، ولاحِظ كيف أن الأفق يبدو مقوَّسًا للداخل. هذا التقوُّس علامةٌ على أن الأرض كروية. حان الوقت للانتباه إلى علاماتٍ كهذه، ومع ذلك، عليك أن تتوخَّى الحذر؛ فالنتائج تكون مُربكة للعقل. والتحوُّل من رؤية الأرض على أنها مسطَّحة إلى رؤيتها على أنها كروية هو ما يُطلِق عليه العلماءُ تحوُّلات النموذج الفكري. ويمكن لتحوُّل النموذج الفكري، أو التغيُّر في نظرة المرء ورؤيته إلى العالم، أن يكون مُربكًا. والأمرُ يستغرق بعضَ الوقت لتنظيم الأفكار وإعادة ترتيبها.

بالإضافة إلى ما يطرحه هذا الكتاب من حُجةٍ جديدة، فإنه يَنفرد بميزةٍ أخرى، وهي أنه مُصاحِب لمشروع التعليم العام الوطني «الأعراق البشرية: هل نحن حقًّا على هذا القدر من الاختلاف؟» الذي حقَّق نجاحًا مُذهلًا. يتألَّف هذا المشروع المطوَّر من قِبل الجمعية الأمريكية للأنثروبولوجيا من مجموعة من المَعارض المتنقِّلة (يوجد حاليًّا معرضان بمساحة ٥ آلاف قدم مربَّعة يجوبان أنحاء البلاد، ومعرضٌ أصغر بمساحة ١٥٠٠ قدمٍ مربعة تقريبًا)، وموقع إلكتروني، ومواد تعليمية إضافية. يتمحور المشروع حول ثلاث فِكَرٍ رئيسيةٍ قوية: (١) العرق اختراعٌ بشريٌّ حديث. (٢) يتعلق العرق بالثقافة وليس بعلم الأحياء (مِن دواعي المفارقة أنَّه على الرغم من أن العرق لا يتعلق بعلم الأحياء أو بالبنية الوراثية؛ فإنَّ له نتائج بيولوجية. وسيتم تركيز الضوء في هذا الكتاب على بعض هذه النتائج، لا سيَّما فيما يخص الصحة والثروة). (٣) العرق والعنصرية موجودان بقوة داخل المؤسسات وفي حياتنا اليومية. والكتاب مُنظَّم في ثلاثة أقسام تماشيًا مع تلك الفِكَر الرئيسة الثلاث: قسمٌ عن التاريخ، يليه قسمٌ عن العِلم، وقسمٌ أخير عن التجارب الحياتية.

نأملُ أن يستحوذ هذا الكتاب على اهتمام أولئك الذين زاروا الموقع الإلكتروني أو المعرض، وكذلك القرَّاء الجُدد. وبالنسبة إلى مَنْ زاروا الموقع الإلكتروني والمعرض، فسيجدون في الكتاب مزيدًا من الشروح المُفصَّلة والأحداث التي وقعت على خلفية الموضوع والتي لم يكن من المُمكن توضيحها في جولةٍ تفقدية داخل المعرض. يتضمن الكتاب أكثر من مائة صورة نهدف من خلالها إلى استيعاب المعنى الذي تشرحه الصور وتُوضحه، وكذلك إلى تعزيز ما يمكن شرحه على النحو الأفضل من خلال الكتابة الموجزة.

إنَّ الهدف من الكتاب الذي بين يديك أن يكون كتابًا تمهيديًّا جوهريًّا عن فكرة العرق وحقيقته، وعن كيفية ارتباط هذه الفكرة بالعنصرية في المؤسسات وفي حياتنا اليومية. ومن وجهة نظرنا، فإن الأعراق البشرية «لا وجود لها في الطبيعة.» وإنما الفكرة بالأحرى أن البشر هم مَنِ اخترعوا العرق.

من خلال الجمع بين الآراء والأمثلة المُستقاة من مجالات العلم والتاريخ والقصص الفردية، فإننا نهدف إلى تأليف كتابٍ جادٍّ في موضوعه ولكنه جذاب أيضًا ومُفعَم بالحيوية. وهدفنا هو أن ننأى بالقرَّاء عن التقسيم الثنائي المغلوط للأعراق البشرية على أنها حقيقية وغير حقيقية. نريد أن يُدرك القُراء دور التحليلات الاجتماعية والبيولوجية المعاصرة في إظهار أن العِرق حقيقي، والطُّرق التي توضح من خلالها أن العرق بات فجأةً فكرةً بالية ومُهمَلة (لا سيَّما من حيث كونه طريقة للتفكير في الاختلافات الوراثية بين البشر). نريد لهذا الكتاب أن يُحدِث تحوُّلًا عميقًا لدى قرائه، وأن يمرَّ الجميع بلحظة من «الكَشْف».

تتمثَّل الفِكَر الرئيسية الخمس التي يتناولها هذا الكتاب فيما يلي:
  • (١)

    «فكرة العرق هي فكرة مُخترَعة.» اختُرِعَ العرق كطريقة لتصنيف الجماعات — وبالتبعية الأفراد — وترتيبهم. لم يَحدث هذا الاختراع في معملٍ معزول أو في مكانٍ واحد كلَّ مرة. وإنما أخذت هذه الفكرة العلمية والاجتماعية تسود ببطءٍ، وأصبحت حقيقيةً أكثر فأكثر من خلال الاستكشافات الأوروبية والاستعمار والعبودية في الأمريكتَين. في القرن الثامن عشر، ربما كان للعِرق معنًى لأن الاختلافات الجسدية (أو الاختلافات المتعلِّقة بالنمط الظاهري) بين الأوروبيِّين وغيرهم كانت هائلة فيما يبدو.

    وعلى الرغم من أن العرق اختراعٌ بشري نتناوله في القسم الأول من هذا الكتاب، فإن الفكرة كانت قوية ومؤثِّرة من الناحية السياسية؛ لأن الاعتقاد في وجود أعراقٍ مُنفصلة وغير متساوية كان بمنزلة التبرير الأدبي والأخلاقي الوحيد فعليًّا للمعاملات اللاإنسانية التي مُورست في شكل الاستعمار والعبودية. في القسم الأول من الكتاب، سوف نتحدَّث عن القصة الجذَّابة للتاريخ الاجتماعي والديني والسياسي والعلمي المتشابك للعِرق. والقصة معروضة في أربعة أجزاءٍ على نحوٍ مُتماثل تمامًا مع النسق المُتبَع في المعرض.

  • (٢)

    «التباين البيولوجي بين البشر حقيقيٌّ وواضحٌ ومذهلٌ وضروريٌّ.» نحن متباينون حقًّا. يقدم الجزء الثاني من هذا الكتاب معلوماتٍ تمهيدية عن التبايُن الجيني بين البشر؛ أي النمط الذي يظهر به التباين ضمن الأفراد وبين الأفراد والجماعات. بمفهوم التطوُّر، حتى إذا لم يكن التنوع يضفي بهجةً على الحياة، فإنه بالتأكيد أحد المقومات المطلوبة لبقاء النوع البشري.

  • (٣)

    «فكرة العرق لا تُفسِّر التباين بين البشر.» من كبرى خرافات العرق على الإطلاق أننا — بصفتنا بشرًا — لنا أعراقٌ بيولوجية وأنه على المستوى البيولوجي، أو بمعنًى أدق، على المستوى الجيني، يُحدِّد عِرقنا جانبًا كبيرًا من حجم الاختلاف القائم بيننا وفي إمكاناتنا، ومع ذلك، يخبرنا علم التباين البشري خلاف ذلك. إنَّ العرق بوصفه تباينًا جينيًّا خرافة؛ فالعرق لا يُفسِّر التباين، كما أنه ليس بِنية وراثية نافعة. في هذا الكتاب، سنستعين بمجموعة من الأمثلة المترابطة لبيان سبب ذلك.

  • (٤)

    «العرق ثابتٌ ومُتغيِّر في آنٍ واحد.» فكرة العرق هي أمرٌ نتشارك فيه جميعًا إلى حدٍّ كبير. ونحن نرى أن العرق في الوقت الحالي لم يَختلف كثيرًا — في جوهره — عمَّا كان عليه منذ مائة عام أو حتى ثلاثمائة عام مضت. بيد أن حقائق العرق — كيف تُدخل الأفكار في الخبرات الحياتية — تتغيَّر من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان. أمامنا الفرصة هنا لمشاركة بعضٍ من تلك النماذج الحياتية المختلفة التي اتَّسمت بأنها ذات طابعٍ عِرقي. تخيَّل كيف كان يصبح الأمر لو كنتَ أحد السكان الأمريكيِّين الأصليِّين ورأيت الأوروبيين للمرة الأولى؟ كيف كان يُصبح الأمر لو كنتَ أحد اليابانيِّين الموجودين في أمريكا خلال الحرب العالمية الثانية؟ نتوقَّع أن يُساعد فهم كيفية اختلاف العرق بين المجموعات المختلفة في تقديم فهمٍ أعمقَ لكل مجموعة، وفهمٍ أعمقَ لمفهوم العرق نفسه.

  • (٥)

    «نحن مَنْ بيدهم مُستقبل العرق.» الأمرُ متروكٌ لنا في الطريقة التي نُواصل بها فهم العرق واستخدامه. ولدينا اعتقادٌ راسخ بأن كتابنا سيُسهم في إحداث إصلاحٍ جوهري في طريقة تفكير العامة — على اختلاف فئاتهم — في العرق وكيفية حديثهم عنه. ومن خلال شرح الكيفية التي تمَّ بها استغلال قوة العرق في الماضي لتقسيمنا، سنُوضِّح في هذا الكتاب كيف أن هذه المعرفة الجديدة هي قوةٌ تهدف نحو الفهم والاتحاد من جديد. بمجرَّد أن نفهم العرق وما يتَّصل به من حقائق وخرافات، يتوقف التذرُّع بالعرق كمُبرِّر جاهز للاختلافات المفرطة بين البشر من حيث الثروة، والصحة، وغير ذلك من مؤشرات المساواة الأساسية والتجارب الحياتية.

العرق اختراعٌ بشريٌّ حديث.

يرجع تاريخُ العرق إلى بضع مئاتٍ فقط من السنين، مقارنةً بالتاريخ البشري الممتدِّ لفتراتٍ طويلة. وعلى الرغم من أن فكرة العرق ليست علمية، فإنها افترضَت وجود اختلافاتٍ كبيرة بين البشر سمحتْ بتقسيمهم إلى عددٍ محدود من الفئات أو الأعراق. ومع ذلك، هل نحن مُختلفون بدرجةٍ كبيرة؟ يشترك كلُّ البشر في أصلٍ مشترك، ولأن كلًّا منا يُمثل مجموعةً فريدة من الصفات الموروثة، فإن كل البشر يُظهِرون تباينًا بيولوجيًّا.

ارتبطَت فكرة العرق منذ البداية بالسلطة والتدرُّج الهرمي بين البشر؛ حيث كان يُنظَر إلى مجموعةٍ ما على أنها أعظم شأنًا، ويُنظَر إلى الآخرين على أنهم أدنى شأنًا. وعلى الرغم من إثبات بطلان مفاهيم التراتبية الهَرَمية، وإزالة العوائق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فلا تزال فكرة العرق الموروثة تُشكِّل حياة الأفراد وعلاقاتهم في الولايات المتحدة وفي كل أنحاء العالم.

ربما يردُّ هذا الكتاب على المفاهيم الشائعة عن العرق، ويُثير تساؤلاتٍ، ويُحفِّز التفكير النقدي. ونأمُل أن يسهم المعرض، والموقع الإلكتروني العام، والمواد التعليمية التي أنتجها مشروع «العرق»، في تعزيز الحوار على مستوى الأُسر والمجتمعات في كل أنحاء الولايات المتحدة، وأن يساعد في تحسين العلاقات بيننا جميعًا.

الجمعية الأمريكية للأنثروبولوجيا

نص الفيديو الافتتاحي لمعرض «العرق»

العِرق.

ما العِرق؟

ما الذي نعرفه حقًّا عن العِرق؟

إليكم ما نعرفه بالفعل: العرق كلمةٌ قصيرة ذات تاريخٍ طويل في الولايات المتحدة الأمريكية. يمكنكم التفكير في تاريخ أمريكا وفكر الأمريكيِّين عن العرق على أنهما متصلان، ومتشابكان، ومتغيِّران باستمرار. العرق مُبتكَر كهذه اللوحة الزيتية تمامًا، وهو فكرةٌ قوية ومؤثرة اخترعها المجتمع.

العرق مفهومٌ راسخ شكَّل اقتصاد أمتنا وقوانينها ومؤسساتها الاجتماعية، وهو مفهومٌ معقَّد شكَّل مصير كلٍّ منا. وكثيرٌ من الفِكَر التي نربطها حاليًّا بالعرق نشأت خلال عصر الاستكشاف الأوروبي.

سافر أوروبيون أمثال كريستوفر كولومبوس عبر البحار وقابلوا، ثم استعمروا أو غزوا، شعوبًا في أفريقيا وآسيا والأمريكيتَين، مُختلفين كثيرًا عنهم في الشكل واللغة والسلوك. ثم جاء العلماءُ والمنادون بالمذهب الطبيعي بعد ذلك، فصنَّفوا تلك الاختلافات إلى أنظمة أصبحت أساسًا لمفهوم العرق كما نعرفه حاليًّا.

في المستعمرات الأمريكية، كان العُمَّال الأوائل خدمًا أوروبيين يعملون بنظام التعاقد الطويل الأجل.

عندما تم جلب العمَّال الأفارقة عنوةً إلى فرجينيا في أوائل عام ١٦١٩، كانت المكانة الاجتماعية تتحدَّد من خلال الثروة والدين، لا الصفات الجسدية مثل لون البشرة.

إلا أن الوضع تغيَّر.

بمرور الوقت، أصبح للاختلافات الجسدية أهميتها، ومع ظهور تجارة الرقيق عبر الأطلنطي، شرع مُلَّاكُ الأراضي الزراعية في إحلال العبيد الأفارقة الذين استُعبِدوا بموجب صكوك العبودية الدائمة محل العُمَّال الأوروبيين. وسرعان ما ظهرت بنيةٌ اجتماعيةٌ جديدة تستند بصفةٍ أساسية إلى لون البشرة، وهي بُنيةٌ يتصدَّرها الأشخاص ذوو الأصول الإنجليزية ويأتي في نهايتها العبيدُ الأفارقة والهنود الأمريكيون.

بحلول عام ١٧٧٦، عندما أوردَ توماس جفرسون — وهو من مالكي العبيد — عبارة «كلُّ البشر خُلِقوا سواسية» في إعلان الاستقلال، وُلِدت أمةٌ ديمقراطية تنطوي على تناقضٍ كبير في جوهرها بشأن قضية العرق. وعلى الرغم من تأكيد أمتنا الجديدة على استقلالها من الطغيان والاستبداد الأوروبي، كان يُنظَر إلى السود والهنود الأمريكيِّين على أنهم أقل من البشر، ولا يستحقون الحريات نفسها التي يحظى بها البِيض.

في القرنين التاسع عشر والعشرين، استمرَّت فكرة العرق في تشكيل الحياة في الولايات المتحدة. ودعم ظهورُ «عِلم الأعراق» الاعتقادَ الشائع بأن الأشخاص ذوي البشرة غير البيضاء أدنى درجةً من الناحية البيولوجية. ويُعتبر إخراج الأمريكيِّين الأصليِّين من أراضيهم، وإقرار الفصل العنصري، واعتقال اليابانيين الموجودين في أمريكا خلال الحرب العالمية الثانية أمثلةً موروثة عن العواقب التي قادنا إليها هذا التفكير.

يخبرنا العِلمُ حاليًّا أن كلَّ البشر يشتركون في أصلٍ مُشتركٍ واحد. وعلى الرغم من وجود اختلافاتٍ بيننا، فإننا متشابهون أيضًا في نواحٍ كثيرة للغاية.

تؤدي الديموغرافيات المتغيِّرة في الولايات المتحدة وفي مختلف أرجاء العالم إلى ظهور أنماطٍ جديدة من الزواج، والإسكان، والتعليم، والتوظيف، وفِكرٍ جديد بشأن العرق.

وعلى الرغم من مظاهر التقدُّم هذه، فلا يزال تراث العرق يؤثر فينا بأساليب شتى.

إنَّ الفرضيات الراسخة، والصور النمطية المتأصِّلة، عن العرق تجعلنا نعتقد أن الاختلافات القائمة من حيث الثروة، أو الصحة، أو الإسكان، أو التعليم، أو التوظيف، أو القدرة البدنية في المجال الرياضي، هي أمورٌ طبيعية. ونعجز أن نرى الامتيازات التي مُنِحَت للبعض وحُرِم منها آخرون بسبب لون البشرة.

لقد عزَّز هذا الاختراعُ، المُسمَّى العرق، مُمارسات التمييز وعدم المساواة على مدى قرون.

لقد أثَّر في كيفية تواصلنا كبشر بعضنا مع بعض؛ ومن هذا المنطلق، صمَّمت الجمعية الأمريكية للأنثروبولوجيا هذا المعرض لمشاركة قصة العرق المُعقَّدة، وتمييز الوَهْم عن الحقيقة، والتشجيع على وجود نقاشاتٍ هادِفة حول العرق في المدارس، وفي أماكن العمل، وفي الأُسر والمجتمعات.

فكِّر كيف يمكن أن يتغيَّر رأيك في لوحةٍ ما بينما تمعن النظر فيها عن كثبٍ أكبر.

ندعوك إلى اتخاذ النهج نفسه في نظرتك للعِرق. اختبِر فِكَرك ومعتقداتك بشأن العرق وافحصها من جديد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤