الفصل الثاني عشر

مقدمة

التعايش مع العرق والعنصرية

في هذا الجزء من الكتاب، سوف نبحث في عواقب الاعتقاد بوجود أعراقٍ بيولوجية، وحقيقة أن الولايات المتَّحدة قد نشأت بها منظومةٌ اجتماعية واقتصادية وسياسية قائمة على الاعتقاد بأن الأعراق حقيقية، وأن بعض الأعراق أكثر تميُّزًا من غيرها؛ كذلك سوف نتناول تأثير التعامُل مع الخرافات البيولوجية والتاريخية عن الأعراق بوصفها حقيقية. وفي سبيل هذا، سوف نقوم بدراسة الأعراق من خلال العدسات المؤسسية لجمع الثروة، والتعليم، والصحة، وكيفية احتساب العرق واستخدامه في التعداد السكاني. وأخيرًا سوف نتناول مستقبل العرق في الولايات المتحدة من خلال التركيز على قضايا العصر، من الهوية المتعدِّدة الأعراق، وتقاطعية الهويات، والهجرة، والعولمة.

ولكن قبل ذلك، نَعتقِد أن من الأهمية بمكان استعراض الآراء الحالية بشأن كيفية تجسيد العِرق في الثقافة الشعبية في الولايات المتحدة وقت تأليفِنا للكتاب. ولنبدأ أولًا بفترة رئاسة باراك أوباما. تولى أول رئيس أمريكي من أصل أفريقي (حسب اختياره الشخصي لهُويته) الحكم في ٢٠ يناير عام ٢٠٠٩، ورحَّب كثيرون في الصحافة والإعلام بهذا الإنجاز بوصفه كلمة النهاية للعنصرية في الولايات المتحدة. بعد ذلك بفترةٍ وجيزة، أطلق كثيرون على الولايات المتحدة مجتمعًا لديه عمى ألوان، وكان الحديث حول الشوط الطويل الذي قطعَتْه الولايات المتحدة حتى انتخاب رئيس أسود، ذلك الرجل الذي ولد لأبٍ كيني وأمٍّ أمريكية من أصولٍ أوروبية. ذاك هو جوهر الإنجاز والأحلام لدى الأمريكيِّين. إن قصته هي قصة طفل ولد لأبٍ مهاجر وأمٍّ أمريكيةٍ ناجحة، أليس كذلك؟ إن قصته هي قصة توضِّح كيف أن الكدَّ، والإخلاص، والإنجاز التعليمي المرموق يؤتي ثماره في أمريكا، أليس كذلك؟ لقد استطاع رئيس أسود، بفضل تفرُّد منصبه، أخيرًا أن يكون تجسيدًا لصوتٍ رسمي ذي سلطة يقود نقاشًا قوميًّا حول العلاقات بين الأعراق. ولعله قد استطاع حتى أن يقود النقاش حول فهم القضايا الاجتماعية الأكبر، مثل المشكلة المستعصية الخاصة بتغيير المؤسسات ذات الطابع العرقي. لننظر عن كثب إلى ما فعلته وسائل الإعلام مع قضية العرق خلال العام الأول من إدارة أوباما. أظهر تحليلٌ عن الأمريكيين الأفارقة في التغطية الإخبارية الأمريكية قام به مركز بيو للأبحاث أن الأمريكيِّين الأفارقة كجماعة، أو بالأحرى القضايا العامة التي تؤثِّر على الأمريكيين الأفارقة، لم تجذب سوى قدرٍ محدودٍ للغاية من الانتباه في وسائل الإعلام الرئيسية الأمريكية (مركز بيو للأبحاث ٢٠١٠: ١). في الواقع، لقد كانت التغطية الموجودة تميلُ إلى التركيز على وقائع بعينها، مثل القبض على الأستاذ الأسود بجامعة هارفرد، د. هنري لويس جيتس، أو وفاة نجم البوب الأسود والأيقونة العالمية مايكل جونسون، وأخيرًا محاوَلة الهجوم على طائرة نورث ويست إيرلاينز التي شنَّها عمر فاروق عبد المطلب، بدلًا من التركيز على القضايا والموضوعات الأشمل التي تمسُّ حياة الأمريكيين الأفارقة والأعراق الأخرى على نحوٍ أعمَّ. لقد شكَّلت تلك الوقائع الثلاث، وفقًا لاستطلاع مؤسسة بيو، أكثر من ٤٦٫٤ بالمائة من إجمالي التغطية التي ورَد بها ذكرٌ حقيقي للأمريكيين الأفارقة (مركز بيو للأبحاث، ٢٠١٠: ١). والرسالة الأساسية من هذا التحقيق هي أن فترة رئاسة باراك أوباما لم تؤدِّ تلقائيًّا إلى حوارٍ أوسع وأشمل حول العرق، أو حول محنة الأمريكيين الأفارقة أو أفراد الأعراق الأخرى من غير البيض؛ فقد أبرز عدد ٣٠ يونيو ٢٠١٠ من دورية كرونيكال أوف هاير إيديوكيشن مقالًا بقلم كيلي ترونج بعنوان «تحقيقٌ عن اعتقال باحث هارفرد يَرصد فشلًا في التواصُل»، ذكر فيه التقرير الذي أعدَّته لجنة تحقيق مستقلة في كامبريدج، بولاية ماساتشوستس، والتي شكلتها الإدارة الشرطية بكامبريدج؛ أن مسئولية الحادث الذي وقَع في يوليو عام ٢٠٠٩ تُعزى إلى «سوء التواصل» بين ضابط الشرطة والباحث. لم توجِّه اللجنة، التي تألَّفت من خبراء في قانون العدالة الجنائية، والعلاقات المجتمعية، وتسوية النزاعات؛ اللومَ إلى الشرطي أو إلى د. جيتس، ولكنها تركت الأمر غايةً في الغموض بشأن ماهية السلوكيات الضمنية للشرطي التي أشير إليها (ترونج ٢٠١٠). فلا يوجد بأيِّ موضع في التقرير، على سبيل المثال، تحليلٌ للكيفية التي لعبت بها العنصرية المنهجية دورًا في الحادث. بمعنى، لماذا اعتقد الشرطي تلقائيًّا أن جيتس لصٌّ حتى بعد أن أخبره بهويته، وأبرز للشرطي بطاقة الهوية الخاصة به كعضو بهيئة التدريس بهارفرد؟ الفكرة هنا هي أن وجود رجلٍ أسودَ في البيت الأبيض ليس من شأنه أن يُغيِّر الطبيعة المنهجية للعنصرية تلقائيًّا، أو الافتراضات القائمة على أساسٍ عِرقي في هذا المجتمع. ووفقًا لدراسة مركز بيو للأبحاث المذكور أعلاه، كانت تلك النقاشات حول العنصرية المنهجية تدور فعليًّا في نطاق الصحافة السوداء، وليست الصحافة الرئيسية، مثلما كانوا يفعلون في الماضي.

ثمة العديد من الفعاليات الإعلامية الحديثة الأخرى من شأنها توضيح مدى عمق العنصرية المنهجية التي لا يَزال مجتمعنا يُعاني منها. في مجال الرياضة، على سبيل المثال، تُذكِّرنا د. روبين لي هيوز في مقالها الأخير «هل التنس لأي شخص؟ العرق والطبقة الاجتماعية يؤثِّران في الرياضة حتى الآن»، بأن الطلاب الملوَّنين يخضعون لمعاييرَ مزدوجة؛ لأن الاعتقاد السائد في التعليم الجامعي أنهم فقراء و«ملونون». فلا يُمكنهم — على حدِّ قولها — الاحتراف، لِنقُل في كرة السلة وكرة القدم، والحصول على قدرٍ من التعليم. فتقول:

لقد قرأتُ لتوِّي مقالًا زاخرًا بالألفاظ الطنانة عن كيف ينبغي لخيرة الرياضيين الشباب، أولئك الذين يُمارسون كرة السلة وكرة القدم، الاعتناء بقدرٍ أكبر بتعليمهم؛ على افتراض أنهم لا يفعلون. وما زلت أتساءل: من كان يهتمُّ حين قرَّرت نانسي كيريجان ممارسة التزحلق، أو حين قرَّر مايكل فيلبس ممارسة السباحة … لا يبدو أن أحدًا قط قد تساءل: لماذا تُتيح لك رياضات مثل الجولف والتنس الاحتراف بينما لا تزال في المدرسة؟ مَن المنوط به اتخاذ هذا القرار؟ لماذا لا يُمكنك أن تفعل الاثنين؟

هيوز ٢٠١٠: ١

وتمضي لتقول إن هذه القرارات أو المعايير المُزدوَجة إنما تتعلَّق في الواقع بتقاطُعات المكانة الاجتماعية الاقتصادية (الطبقة الاجتماعية) والعرق. فلو أن الخبراء الليبراليِّين ذوي النوايا الحسنة معنيُّون إلى هذا الحد بمصير الرياضيِّين كافة، فلنضمَّ إذن من هم في نوادي التنس أيضًا. ففي اعتقادها أن هناك افتراضًا ثابتًا في الأدبيات الرياضية أن الرياضيين المُنتمين للطبقات الاجتماعية العليا والمتوسطة وينتمون إلى البيض؛ يستطيعون القيام بالأمرَين معًا؛ فبمقدورهم الاحتراف في الرياضة «و» الحصول على شهادةٍ جامعية. ولعلاج ذلك، فإنها تحثُّ الكليات والجامعات على خوض النقاش العسير بشأن العنصرية المنهجية التي يُعاني منها الطلاب الفقراء لا محالة والتي ربما تُمثِّل أساس قراراتهم بالاحتراف: «ربما يكون علينا أن نبدأ النظر إلى المشكلات المنهجية أو الهيكلية التي قد تَدفع طلابًا بأعينهم في اتجاه الرياضة الاحترافية.» وتُتابع حديثها قائلة إن تحذير الطلاب الملوَّنين والطلاب الفقراء بالابتعاد عن الرياضات الاحترافية ليس الحل. فتقول: «في الواقع، لنُلقِ نظرةً على أحرامنا الجامعية القائمة على الرعاية ومبدأ الجدارة. أعتقد أن تحذير الطلاب بالابتعاد عن مجالاتٍ مهنية كالرياضات الاحترافية، خاصة كرة السلة وكرة القدم، إنما هو مجرَّد تناولٍ سطحي لنقاشٍ أكبر تحت عنوان العنصرية المؤسسية والمنهجية.» (هيوز ٢٠١٠: ٣) إن الحوار بشأن العنصرية المنهجية لا يتمُّ في وسائل الإعلام الشعبية، ولا يبدو أنه يتمُّ داخل أحرام الجامعات والكليات، على الأقل فيما يتعلق بقضية الرياضة والاحتراف.

في عالَمنا الذي يُفترض أنه يُطبِّق سياسة «عمى ألوان» وأنه «تجاوَز العنصرية»، يقول بعض الناس، لا سيما المحافظين السياسيين، إنه لم يعد ثمَّة حاجة للبرامج التي على شاكلة برامج التمييز الإيجابي. ويقول البعض إننا لم نعُدْ بحاجة إلى تلك النوعية من البرامج فحسب، بل إن تلك البرامج تُعدُّ في الواقع تمييزًا ضد البيض (أو على الأحرى ضد الذكور البيض). وكان هذا هو الشعار السائد منذ عهد ليندون جونسون، الذي أصدر أمرًا تنفيذيًّا، مستخدمًا سلطته التنفيذية، فُعِّلت بموجبه سياسات التمييز الإيجابي في عام ١٩٧٢. وكانت هذه البرامج محل نزاعٍ مرير عبر السنين، داخل وخارج أروقة المحاكم، وفي كثيرٍ من الحالات البارزة كان الأمر يصل إلى المحكمة العليا، وتلك الحالات هي قضية «باكي ضد جامعة كاليفورنيا»، وقضية «جروتر ضد جامعة ميشيجان»، و«قضية جراتس ضد جامعة ميشيجان».1 ولكن مؤخرًا اختار الممثلون لتيار اليمين المحافظ، أو تبنَّوا، لغة حركات الحقوق المدنية، وقاموا بتعديلها من أجل تحويل الأجندة إلى واحدة تخدم أغراضهم. وفكرة الشعار تُؤكِّد أنك تتعرض لتمييزٍ ضدك. فهم يدَّعون أن القوانين، والسياسات، والأشخاص في تيار اليسار (البيض والملوَّنون على حدٍّ سواء، ولكن الملوَّنين أكثر) عنصريون فعليًّا ويُمارسون التمييز ضد البيض. والقضية الأبرز التي نودُّ ذكرها هي قضية تداولتها وسائل الإعلام مؤخرًا، وهي قضية شيرلي شيرود. لقد أُقيلت شيرلي شيرود، وهي مسئولة بوزارة الزراعة، على نحوٍ غير رسمي من قِبَل إدارة أوباما في عام ٢٠١٠، إثر تصريحها في خطابٍ مسجَّل بأنها مارست التمييز ضد البيض. وقد أعيدت إلى منصبها لاحقًا، ولكن فقط بعد أن تبيَّن أن مدونًا من جناح اليمين، ويُدعى أندرو بريتبارت، اجتزأ تصريحها من سياقه. وعلى الرغم من أن الواقعة برمَّتها قد انتهت بتركيزٍ إعلامي أكبر على قضية العرق، فإن الحوار في هذا المثال لا يَتطرَّق إلى المشاكل المنهجية العميقة للعنصرية المؤسسية. إن حقيقة أن مدوِّنًا ذكرًا أبيض من جناح اليمين قد استطاع فصل امرأةٍ سوداءَ بهذه السرعة من قِبَل مسئولٍ أبيضَ في حكومة أول رئيسٍ أسود يَنبغي أن تستوقفنا جميعًا. ففي حين أُعيدت السيدة شيرود إلى منصبها، وهو ما يُعزى جزئيًّا إلى إجراء تحقيقاتٍ موسَّعة أظهرت أن تصريحها الذي أطلق في المؤتمر الوطني للجمعية الوطنية للنهوض بالملوَّنين قد اقتُطع من سياقه وحدَث به تلاعُب من قِبَل المدوِّن، وإلى احتجاجاتٍ عامةٍ عنيفة من جانب كتلة النواب السود بمجلس الشيوخ الأمريكي، إلا أن هذا لا يُبشِّر بوجود استعدادٍ قومي في إعلام التيار اليميني لخوض نقاشٍ صادق بشأن العنصرية المنهجية في الولايات المتحدة. ولا يُشير أيضًا إلى ارتياح إدارة أوباما في الحديث عن العرق على مستوًى مؤسسي. يقول البعض إن واقعة شيرلي شيرود كانت بمنزلة لحظة تَصلُح لأن تُدرَّس؛ استطاع فيها البيت الأبيض الاضطلاع بدورٍ قيادي، أو استطاعت فيها وسائل الإعلام الرئيسية أن تتولى الضغط على اليمين المحافظ للبدء في توفير أدبياتٍ بديلة من أجل تثقيف أمة بأكملها بشأن الشوط الطويل الذي علينا أن نقطعه حقًّا وصولًا إلى حوارٍ صادق حول الموضوع؛ دعونا لا نأبه بمصطلح «ما بعد العنصرية»، دعونا فقط نبدأ في «حوار صادق حول العرق». وسنظلُّ بالانتظار لنرى إن كان هذا سوف يحدث أثناء وجود الرئيس أوباما في السلطة.

مثالٌ آخر للحركة الارتجاعية للبيض، أو اختيار المحافظين البيض لِلُغة الضحية أو المُضطهَد واستخدامها، وهو قضية السيناتور الأمريكي جيمس ويب الذي طالب بإنهاء برامج التنوع التي تُديرها الحكومة بدعوى أنها تضمُّ «بيضًا مكافحين بحاجة إلى الرعاية وتضرُّ بقضية التناغم العرقي» (لويس ٢٠١٠: ١). وقد كتب ويب عمودًا لجريدة وول ستريت جورنال قال فيه إنه يَعتقد أن برامج التمييز الإيجابي قد فقَدت جدواها، وتُميِّز بالأساس المهاجرين الجدد عن البيض المكافحين وحتى الأمريكيين السود الذين كانوا، على حدِّ زعم ويب، المستفيدين الأصليِّين من مثل هذه البرامج. وقام ويب بتأليف كتابَين هما «وُلدوا محاربين» (٢٠٠٤) و«وقت للقتال» (٢٠٠٨)، نُشر كلاهما من قبل مطبعة برودواي بوكس، طوَّر فيهما هذه الحُجَج على نحوٍ أكثر استيفاءً. وقد تعرَّض للنقد من قبل أشخاص مثل دوجلاس وايلدر، والسيناتور ويب، حاكم فرجينيا الأسبق، في عمود الرأي في جريدة وول ستريت جورنال. فقال دوجلاس، أول حاكم أسوَد مُنتخَب في تاريخ البلاد — والذي تصادف أن يكون من مؤيدي ويب في عام ٢٠٠٦ — وفقًا للويس: «لولا حركة الحقوق المدنية وبرامج التنوع، لما صار اليوم مواطنًا أمريكيًّا.» كان وايلدر يشير إلى دعم الأقلية القوية الذي ساعد ويب في هزيمة خَصمِه بفارق ٩٠٠٠ صوت انتخابي. (٢٠٢٠: ٢) الشيء المثير في مقال الرأي هذا عندما تقرؤه في مجمله أن ويب يعرض عدة نقاطٍ أساسية؛ من بينها: (١) البيض الفقراء محرومون من حق التصويت. (٢) السود أيضًا لا يتلقَّون خدمةً جيدة؛ لأن البرامج تُفضِّل المهاجرين الجدد، الذين يستفيد منهم الكثير على نحوٍ غير قانوني. إنه، إذن، يستعين بحجةٍ طبقية لتدعيم حجته المؤيدة للبيض (الذكور البيض في المقام الأول) الساخطين، فيما يبدو، على أوباما، والاقتصاد، والدور المتنامي للحكومة الضخمة في حياتهم. في الوقت ذاته، يحاول ويب ألَّا ينأى بنفسه عن الناخبين السود الذين وضعوه على رأس منصبه واستفادوا من برامج التنوع في الماضي. إنه يسعى إلى رسم صورة للمهاجرين الجُدُد عنوانها: «مهاجرون غير شرعيين»، بوصفهم أكثر المستفيدين حاليًّا من هذه البرامج. غير أنه لا يُقدِّم أي بيانات لتعزيز تصريحه. إنها طريقةٌ أخرى لإذكاء لهيب الخوف من الأجانب المتفشي في الولايات المتحدة، فيما يتعلق بالقانون التشريعي ١٠٧٠ إس بي (قانون ولاية أريزونا الخاص بإنفاذ القانون على الهجرة غير الشرعية المُثير للجدل الذي تمَّ سَنُّه في عام ٢٠١٠)، وخلق عدو من المهاجر، يُشكل تهديدًا لكلٍّ من البيض المكافحين المستحقين والسود الذين خذلتهم الحكومة في الماضي.

وبالحديث عن تاريخ الولايات المتحدة، نرى شيئًا مثيرًا في المنظور الذي يُرى، ولا يُرى، منه العرق، من خلال موشور الزمن. ففيما نعلم جميعًا الخلافات والمجادلات المحيطة بالرموز المعروفة، مثل عَلَم الكونفدرالية، وتشغيل أغنية «ديكسي» في الفعاليات الحكومية والجامعية الرسمية في الجنوب، ظهر شكلٌ أحدث وهو ما يحدث حين تضطر إلى سحب تكريمٍ من شخصٍ ما بسبب ماضيه العرقي. في عدد ١٢ يوليو ٢٠١٠ من دورية إنسايد هاير إيديوكيشن، كتب سكوت جاسشيك في مقال «سحب تكريم» عن الخلافات المُثارة حول تغيير اسم بناية سُميت على اسم أحد أعضاء منظمة كلو كلوكس كلان، الذي رحل منذ زمنٍ طويل. ومن الواضح أنه لم يكن غريبًا في الماضي غير البعيد أن يكون المواطنون الشرفاء في المُجتمعات أعضاءً أيضًا في منظمة كلو كلوكس كلان، وهي منظمة كانت تتباهى بالمُواطِنين المناصرين لها وتعتزُّ بهم. وفي ظل خضوع تاريخ العرق في هذه البلاد للتدقيق عبر عدسة العنصرية المنهجية، فقد بدأنا الآن فقط نرى إلى أيِّ مدًى كان قبول السلوكيات التي أسهمت في عزل السود وأفراد الأعراق الملوَّنة الأخرى مترسِّخًا. فلم يكن يُنظر إلى هذا العزل والتمييز كأمرٍ طبيعيٍّ فحسب، بل إن حدود هذه السلوكيات كانت تُنظَّم من قِبَل المواطنين الشرفاء الذين كانوا لا يَخجلون من أن يُعرَف عنهم أنهم أعضاء في منظمة كلو كلوكس كلان، إحدى أشهر المنظمات العرقية في الولايات المتحدة، والمسئولة عن بعضٍ من أشنع وقائع الإعدام بدون محاكمة في تاريخ البلاد. وخشية أن نعتقد أن أعضاء منظمة كلو كلوكس كلان انحدروا فقط من أقصى الجنوب ومن ولايات مثل تكساس، من الجيد أن نعرف أنه يوجد أيضًا أعضاء من كاليفورنيا. في مجتمع مدينة ريفرسايد بكاليفورنيا الجنوبية، والواقعة في واحدة من أكثر المقاطعات عنصرية في كاليفورنيا، تُظهر الأبحاث التي أُجريَت على منظمة كلو كلوكس كلان أن العرض الأول لفيلم «ميلاد أمة»، للمخرج دي دبليو جريفث كان في مسرح جروف في ريفرسايد في ١٠ أبريل عام ١٩١٣. وقد أشارت الباحثة زيتا وورلي إلى أن عضوية الكلو كلوكس كلان كانت منتشرة على نطاقٍ واسع في المجتمع، حتى إن الصحف كانت تعلن أن مراسم التنصيب سوف تقام في صالة الألعاب الرياضية بمدرسة ريفرسايد الثانوية للفنون (وورلي ٢٠١٠: ٧). والسؤال البادي لنا ليس ما إذا كنا نُقيم حواراتٍ معاصرة حول التناقضات في مجتمع أتاح لمواطنين أن يكونوا أعضاءً بمنظمة بثَّت الرعب في قلوب الملوَّنين، ولكن السؤال هو «كيف» نُقيم ذلك الحوار المعاصر؟

إن المعلومات الواردة في هذا الكتاب، وعلى الأخصِّ في فصول الجزء الثالث، تُعدُّ جزءًا آخر لا يتجزَّأ من مشروعٍ وطنيٍّ كبير وُضِع من أجل مساعَدة الولايات المتحدة على إقامة تلك الحوارات المُتعمِّقة بشأن العرق والعرقية المنهجية. وقد صُمِّم المشروع الذي يُعدُّ هذا الكتاب جزءًا منه ككلٍّ من قِبَل أعضاء الجمعية الأمريكية للأنثروبولوجيا بمنحة مقدَّمة من مؤسسة العلوم الوطنية ومؤسسة فورد. يتألَّف مشروع العرق من المتحف الوطني «الأعراق البشرية: هل نحن حقًّا على هذا القدر من الاختلاف؟» والذي يتألَّف من ثلاث نسخ تجوب الولايات المتحدة حتى عام ٢٠١٤ (اثنان على مساحة ٥٠٠٠ قدم مربَّعة، وواحد على مساحة ١٥٠٠ قدم مربَّعة)؛ والموقع الإلكتروني www.understandingrace.org؛ ومواد ومصادر يُمكن تحميلها مجانًا من على المَوقِع. رجاء انظر قائمة مصادرنا في نهاية هذا الفصل الاستهلالي التي ترتبط مباشرة بموضوع العنصرية المؤسسية والمنهجية.

ولما كان هدفنا الرئيس هو تزويد الأشخاص بأدواتٍ من أجل فهمٍ وتواصُلٍ أفضلَ حول قضايا العرق، تَكشف بوني أورتشولي في أول مقالات الضيوف في الجزء الخاص بالخبرة المعاصرة من كتابنا هذا عن بعض الطرق المهمة التي نؤطِّر بها قضايا الهوية، عن درايةٍ وبلا قصد، من خلال العرق.

العرق ليس شيئًا «يملكه» الناس. إنه منظومة تصنيفٍ اجتماعي، شأنه شأن الجنسية، أو الإثنية، أو الطبقة الاجتماعية، أو النوع الاجتماعي. والأنظمة تتألَّف من فئات توجد معًا بالنسبة لبعضهم البعض، وتَعتمد الفئة التي يُصنف فيها الناس على التفسيرات الخاصة بشكلهم، وسلوكهم، وأسلوب حديثهم، وهكذا. والعرق، كمنظومة، يتألَّف من فئات مثل البِيض، والسود، والآسيويين، وما إلى ذلك، يُفترض فيها أن يكون لون البشرة، وملامح الوجه، والشعر، واللغة … إلخ علاماتٍ طبيعية تدل على الأصل. ومثل هذه العلامات في ذاتها ليست عرقًا؛ فالعِرق هو فكرة أن تلك العلامات تدلُّ على أصلٍ ما يَرتبط بسماتٍ فطرية معيَّنة، وقد يُصنَّف الناس ضمن الفئات العرقية بناءً على افتراضات بشأن النَّسب والأصل، ومع ذلك يكون لديهم علاماتٌ ملحوظةٌ محدودة أو منعدمة. وغالبًا ما يَصعب فهم كلمةِ منظومة؛ لأن مِن الأصعب كثيرًا أن نرى منظومةً كاملة من داخلها عن أن نرى أجزاءً من المنظومة وكأنها الواقع. ولكن تغيُّر أو إزالة أيِّ فئة يترتَّب عليه تغيُّر المنظومة بأكملها. ففي العِرق، مثلما في أي أنظمةٍ أخرى للتصنيف الاجتماعي، تميل فئةٌ واحدة إلى السيطرة، فيُسلَّم بها كفئةٍ قياسية، أو نموذجية، أو الفئة الأكثر مرغوبية، أو على حدِّ وصف علماء الرموز، «غير محددة». والفئة غير المحدَّدة في العرق هي فئة البِيض، وباقي منظومة العرق «محدَّدة» على عكس العرق الأبيض.

بدأ تكوين العرق، كما نعرفه اليوم، قبل قرون، وقام على العلاقة بين المُستعمِرين والمُستعمَرين، والأسياد بالعبيد، وعلى مستوًى أعمَّ، علاقة المُسيطِرين على الموارد بأولئك ممَّن كانت قيمتهم مقتصرة على موقعهم في منظومة الموارد، كعمالةٍ مجانية مملوكة أو مُستغَلَّة، أو في حالة السكان الأصليين، في موقعهم في خطط الراغبين في الاستيلاء على أراضيهم. وتُشكِّل العلاقات الاقتصادية أهميةً بالغة لهذه العملية التاريخية، ولكن ما حوَّلها إلى ما نعرفه اليوم كعرق هو تطبيعُ الأصل كسِمَةٍ فطرية وموروثة كانت تُعتبر أنها تجعل ذلك النوع من الأشخاص ملائمًا لموقعٍ اجتماعي معيَّن. وعلى هذا النحو، كان العبيد الأفارقة، وجماعات السكان الأصليِّين المحرومين، والعمال المُستغَلون جميعًا عرضة للعرقنة؛ إذ افتُرِض أنهم نوعٌ طبيعي يُستدل عليه بسمات جسمانية يشترك فيها أشخاص يُعتقد أن بينهم رابطة «دم». هذه هي الأصول التاريخية للفئات المعروفة الآن بالسود، والهنود، والإسبان، والآسيويين. (ثمة فئاتٌ أخرى تعرَّضت في فترةٍ ما للعرقنة مثل الأيرلنديين، أو اليهود، أو الإيطاليين اندمجت الآن داخل فئة البيض.) وتتغيَّر التصنيفات والعلامات العرقية على مدار الزمن. ما لا يتغير هو الموقف المُميز للعرق الأبيض. وتلعب اللغة دورًا في هذه العملية في كل خطوة عبر الطريق. فالتفكير العرقي والمفاهيم العرقية تَنتقل عبر الخطاب، والفئات العرقية تُحدَّد وتصنَّف بالكلمات والعبارات، والمدركات العرقية تُعزَّز في الاستخدامات اليومية للغة، واللغة في حدِّ ذاتها قد تتعرَّض للعرقنة؛ إذ تُعدُّ بديلًا لمفهومٍ أقدم «للدم».

ولجميع اللغات أشكالٌ متنوِّعةٌ متميزة تعكس الظروف الاجتماعية التي تشكَّلت وتكوَّنت فيها. ويُعدُّ هذا انعكاسًا للمبدأ الأعم من أن اللغات لا تأتي في مجموعاتٍ كاملةٍ محدَّدة على نحوٍ صارم، وأنها تتطور تحت ظروفٍ معيَّنة ولا تتوقَّف عن التغيير. وهذا يعني أن أشكال اللغة المُتنوعة يُمكن أن تعكس الظروف التي تولد الفئات العرقية. من منظورٍ لُغوي، لا يوجد اختلافٌ حادٌّ يميز بين شكلٍ للغة (مثل اللهجة) واللغة؛ فما يُدركه الناس كلغاتٍ منفصلة نشأ من أشكال اللغة المتنوعة. وجميع اللغات وأشكالها المتنوعة، لها قواعدها النحوية وأنماط الصوت المُترابطة الخاصة بها. ويُدرك الناس اللغات المتمايزة أو الأشكال المتنوِّعة المعروفة (الصحيحة) للغةٍ ما؛ لأن الجهد المؤسَّسي الذي بُذل تمَّ بحيث يقدمها على هذا النحو الذي تبدو عليه. وعليه، فإن ما نعرفه الآن كلغةٍ إنجليزية إنما نشأ من خلال الواقعة التاريخية الخاصة باستيطان الشعب الأنجلوساكسوني لبريطانيا منذ ألفٍ وخمسمائة عام، ونشأة إنجلترا في النهاية كقوةٍ استعماريةٍ عالمية. وطالما كانت الإنجليزية مؤلَّفةً من مجموعة كبيرة من الأشكال المتنوعة، وما يعرفه الناس الآن كإنجليزية «صحيحة» هو نتاج أربعة قرون من التنميط من خلال نشر وتدريس المعاجم، والقواعد اللغوية، والعديد من الكتب والمقالات عما يُعتبَر إنجليزيةً جيدة. نفس الشيء انطبق إلى حدٍّ كبير عبر أنحاء أوروبا، وفي عهدٍ أقرب، على بقية أنحاء العالم. وقد كان تنميط وتسمية اللغات مقترنةً بالدول (مثل انجلترا والإنجليزية، فرنسا والفرنسية، إسبانيا والإسبانية … وهكذا) يعني أن الأشكال غير القياسية لنفس اللغات ارتبطت بأشخاصٍ منبوذين، ومصنَّفين عرقيًّا في الغالب، وتتمُّ تسميتها وتفسيرها في إطار هذا الارتباط «المتدني»؛ ومن ثم فإن أشكال الإنجليزية التي نشأت بين العبيد وسلالاتهم صارت مُرتبِطة في الولايات المتحدة بالأمريكيين الأفارقة. وعلى الرغم مما أوضحه ويليام لابوف وجون بو من أن أشكال اللغة الإنجليزية التي يتحدَّث بها الأمريكيون الأفارقة لها أنماطٌ دائمة ومترابطة لقواعد اللغة والنطق، فإن لغتهم طالما كان ينظر إليها وتوصف باعتبارها غامضة، وتَفتقِد إلى قواعد اللغة، وخاطئة، وعلامة على وجود حدود عرقية. بالمثل، تعرَّض التناوب اللغوي، أي التناوب السريع بين الإنجليزية والإسبانية بين ذوي الأصول اللاتينية ثنائيي اللغة من أبناء الطبقة الوسطى، والتي غالبًا ما تُسمى «الإنجليزية الإسبانية»؛ للنقد الشديد بوصفها غامضة، وثقيلة، وخاطئة، ومُربِكة … إلخ. غير أن التناوب اللغوي هو شكلٌ مُترابط ومحدِّدٍ للسلوك اللُّغوي، مثلما أوضحَت أنا سيليا زنتيلا في وصفها الشامل والمعقَّد لاستخدام اللغة بين جيلَين من مُواطني بورتريكو المقيمين بنيويورك ثنائيِّي اللغة.

تَعمل عرقنة اللغة أو أشكال اللغة على إنكار شرعية الهوية اللغوية أو التقليل منها، أو التقليل من كون الطريقة التي يتحدث بها الشخص جزءًا مهمًّا من هويته. ويتعرض الأمريكيُّون ذوو الأصول اللاتينية ثُنائيُّو اللغة إلى عرقنةٍ مُزدوَجة؛ وذلك من خلال اللغة، ومن خلال السلوك اللغوي غير القياسي مثل التناوب اللغوي، ومن خلال ارتباطهم بالإسبانية. ونرى هنا على نحوٍ قويٍّ وواضح ارتباطَ العرق الأبيض الأمريكي باللغة الإنجليزية والعرق غير الأبيض بالإسبانية. ويُعدُّ ارتباط الإنجليزية، والعرق الأبيض، والأمريكانية نمطًا قديمًا في التاريخ الأمريكي. ففي القرن التاسع عشر، تعرَّضت لغات الأمريكيين الأصليين لقمع شديد بين أطفال الأمريكيين الأصليين الذين أُجبروا على الالتحاق بمدارسَ داخليةٍ في محميات الهنود، وربطت شخصياتٌ عامة، مثل تيودور روزفلت، لغات المهاجرين بتهديدٍ إثني ذي طابعٍ عرقي. وفي هذا الإطار اللغوي المنمَّق، يبدو العرق الأبيض، والأمريكانية، والإنجليزية عرضة للخطر وبحاجة إلى حماية. تظهر نفس الافتراضات في خطابٍ بلاغي أحدث يدور حول التعليم الثنائي اللغة واستنكار استخدام اللغة الإسبانية في القنوات الرسمية. وفي ضوء مثل هذه العرقنة اللغوية، تُعتبر اللغة الإسبانية (أو «التهديد» من أيِّ لغة أجنبية) عدوانًا، شكلًا من أشكال التلوث مثلما كان يُنظر إلى الدم «غير الأبيض» لزمن طويل. وثمَّة منطقٌ اجتماعي مُوازٍ بين المعتقَدات بأن «الدم» المُختلط خطير والمُعتقَدات بأن اللغة المختلطة خطيرة؛ ومن هنا تأتي الجاذبية السياسية لوضع تشريعٍ لاستخدام الإنجليزية فقط، أو اعتبار الإنجليزية هي اللغة الرسمية؛ من أجل «حماية» الناس من الإسبانية.

تتولَّد العرقنة أيضًا عبر الإشارات المرجعية؛ فكل لغة تَشتمِل على كلمات وتعبيرات تدلُّ على العرق والتصنيف العرقي، مثل المصطلَحات «الرسمية» المستخدَمة من قِبَل المؤسَّسات، والمصطلحات الرسمية نسبيًّا المستخدمة في المواقع العامة، والمُصطلحات غير الرسمية نسبيًّا التي قد تُستخدم في النطاق الخاص. وتحديد ما إذا كان مصطلح بعينه إشكاليًّا يعتمد على تاريخه الخطابي، مَن الذي استخدمه، ومع من، ولأي غرض؟ فمِن خلال الخطاب، أي عملية الاستخدام المنطوق أو المكتوب للغة، يَنقل الناس المفاهيم ذات الطابع العرقي، وتكتسب المصطلحات تأثيرًا اجتماعيًّا. ويحدث هذا في الخطابات الرسمية، وفي المطبوعات، وفي الحديث اليومي. وقد أصبحت عملية صياغة ونَشر القوانين التي تُعرِّف العرق، أو عملية تشريع الأنشطة على أساس العرق، أو الدراسات الشارحة للعرق؛ جزءًا من خطابٍ عام يُشكِّل مفاهيم العرق ويُمرِّرها. فتصف فرجينيا دومينجيز، على سبيل المثال، أهمية وجود لغة قانونية في لويزيانا (لم يتمَّ إلغاؤها حتى عام ١٩٧٢)، تُعيَّن حدود السود والبيض من حيث كم الدم الأبيض؛ أي عدد الأسلاف البيض الذين لدى الشخص؛ لتوثيقهم من أجل إثبات انتمائه إلى العرق الأبيض.

تدخل الإشارات المرجعية إلى العرق والمُعتقَدات بشأنه حتمًا في كيفية استخدام الناس للغة بأبسط الطرق. وهذا الاعتبار الأخير هو الأهم والأصعب في فهمه بالنسبة إلى معظم الناس؛ لذا دعوني أستفض قليلًا. قلَّما يستخدم الناس اللغة وحدها لنقل المعلومات، وعادةً ما يكون استخدام الناس للغة، الذي يَتساوى في الأهمية مع الإشارة المرجعية، مدفوعًا بمن يَفعل ماذا، وهو ما يجعل الحديث العادي يميل إلى تكوين تحالُفاتٍ اجتماعية، ويجعل الإشارات المرجعية تُنظَّم وفقًا لطبيعة الحديث. ويتَّضح هذا في أفعال النميمة، أو المُمازَحة، أو المُداعَبة. ويسري ذلك أيضًا على تعبيرات التفكير، أو الرأي، أو الشعور، لا سيما حين تكون الاستجابات لمثل هذه التعبيرات ذات أهمية. وتتشكَّل الإشارة المرجعية في الخطاب العام وفقًا لنفس الاعتبارات، بالإضافة إلى ذلك، تتأثَّر الكيفية التي يَنخرِط بها الناس في التواصُل بالظروف العامة التي يَنشَئون فيها، وما يُسلِّمون به بوصفه عاديًّا ومقبولًا، واعتقادهم بشأن الكيفية التي يَسير بها العالم. كلُّ هذه العوامل تُشكِّل الطُّرق التي تَحضر بها مفاهيم العرق في الخطاب، في صورة تعميمات بشأن أنماط الناس، وأشكال من الدعابة، وطُرق تمثيل ما يفعله الناس أو أسلوبهم في الحديث على نحوٍ عرقي، وكذا في صورة معتقدات بشأن اللغة وأشكال اللغة التي يتحدَّث بها الأشخاص المصنَّفون عرقيًّا.

يُدرك معظم الأمريكيين العواقب العنصرية للألقاب، والإهانات، والافتراءات العنصرية، حتى إنهم يَعزون تأثير مثل هذا الاستخدام إلى سوء نوايا المُتكلم. ولكن العرقنة، بصرف النظر عن نية المتكلم، تنشأ من الآثار التراكُمية لمثل هذا الخطاب في تشكيل وتخليد الافتراضات القائمة على التمييز بين الأطراف المعنية. ومثل هذه الآثار قد يتمُّ تجاهلها أو حتى لا تُدرَك من قِبَل المشاركين، خاصَّة حين لا يكونون ضمن أعضاء الجماعة التي تتعرَّض للعرقنة. والنزعة الثقافية الأمريكية نحو اختزال الفعل الاجتماعي في تصرُّفاتٍ ونوايا فردية وتجاهُل الهياكل والمنظومات التي تشكل ذلك الفعل؛ غالبًا ما تدفع الناس إلى الاعتقاد بأنه إذا كان فعلٌ خطابيٌّ ما هو «مجرد دعابة»، أو مجرَّد خطأ، وأنه إذا لم يكن ثمة ضررٌ مقصود، أو إذا اعتذَر المتكلم، إذن فلا يوجد مشكلات أو قضايا عرقية. وتُوضِّح جين هيل هذا في دراستها التفصيلية للغة القائمة على التمييز العرقي. إن أسماء الفِرَق الرياضية والأماكن الأمريكية الأصلية والمبرِّرات المدافعة عن استخدامها؛ وتعليقات الشخصيات العامة بشأن مظهر شخصٍ ما أو تفضيلاته، أو الإسنادات الأخرى المُرتبطة بالعرق؛ والجهد الإعلامي المبذول في تفسيرها أو تبريرها جميعًا؛ وجميع الاستعارات والدعابات في الحديث العادي التي تَعتمد على افتراضاتٍ مُسبَقة بشأن المجموعات الاجتماعية المميَّزة عرقيًّا؛ وإساءات الاستخدام «الدعابية» المُتعمَّدة لأشكال اللغة أو اللغات التي يتحدث بها الأشخاص المصنَّفون عرقيًّا (مثل الاستخدام الذي أَطلَقت عليه هيل «الإسبانية المقلَّدة»)؛ والمُبرِّرات التي تربط بين اللغة الإسبانية، والهجرة غير الشرعية، والفوضى، والخطر؛ مُعتمِدة في الغالب على الرطانة واللغة المجازية المُتصاعِدة. كل هذه الاستخدامات تَعمل بشكلٍ تراكُمي على نبذ أولئك المشار إليهم أو مَن هم في مرمى السخرية بوصفهم فوضويِّين وتافهين. وللغة القائمة على التمييز عواقب محدودة بالنسبة إلى الفئات غير المميِّزة، التي تستطيع تجاهل المظاهر الأدق لمثل هذا الخطاب ولا تَكترِث لعواقبه الخطيرة بالنسبة إلى الأشخاص المميَّزين عرقيًّا. فالبيض غير المميَّزين عرقيًّا يعملون في إطار منظومة هرمية للقيمة يُفترض فيها أن تكون أفعالهم، وفِكَرهم، وأقوالهم منظَّمة ولا تحوي أيَّ إشكاليات. وتقاس قيمة الأشخاص المصنَّفين عرقيًّا على أساس تلك المنظومة؛ ومن هنا يأتي التأثير المُعرقِن للتعميمات الإيجابية ظاهريًّا مثل «أَسود اللون ولكنه مُجتهد.» كذلك تعمل هذه المنظومة الهرَمية للقيمة على حماية غير المميَّزين من عواقب ما يقوله المميَّزون عنهم. فالأشخاص المصنَّفون عرقيًّا لديهم الكثير لقوله عن البيض، في صور الاستخدام الواردة أعلاه، والدعابات الغامضة المعنى وكل الأشكال الأخرى. ولكن الأثر التراكُمي لمثل هذا الاستخدام على البِيض محدود في سياق العواقب القانونية، أو المؤسسية، أو الاقتصادية.

إن العلاقات بين اللغة والعرق، كما نرى، معقَّدة ومتعدِّدة، ولكن ثمة مبدآن يَبرزان في هذا الإطار. اللغة في حدِّ ذاتها يُمكن أن تُعرقَن؛ فشكل اللغة الخاص بفرد ما يمكن اعتباره علامةً عرقية، ويمكن اعتبار لغة بأكملها تهديدًا أقرب إلى تهديد عرقي. والتوجُّهات القائمة على التمييز العرقي تُمرَّر على نحوٍ روتينيٍّ، وفي أغلب الأحيان تُمرَّر ﮐ «تفكيرٍ فطري» من خلال أشكال الحديث اليومية الروتينية. وهذه الاستخدامات اليومية قلَّما يَفطن المُنخرِطون فيها إلى كونها قائمة على التمييز. ولكن جميع العمليات المذكورة أعلاه تعمل معًا، بطُرق تَعمل على تعزيز إحداها للأخرى على نحوٍ تبادُلي، في جوٍّ اجتماعي يكون فيه أكثر المؤهَّلين لإحداث ضرر ما هم أقل مَن يحتمل أن يدرك آثارها الحقيقية أو يعترف بها. ومهما كان ما قد يَنوي، أو لا يَنوي الأفراد فعله، المُهم هو ما يحدث.

المراجع

  • Hughes, R.:
    2010 Tennis Anyone? Race and Class Still Matter in Sports. Diverse Issues in Higher Education, July 12. http://diverseeducation.com/blogpost/278/, accessed July 19, 2011.
  • Jaschik, S.:
    2010 Removing an Honor. Insider Higher ED, July 12. http://www.insidehighered.com/news/2010/07/12/klan, accessed July 19, 2011.
  • Lewis, B.:
    2010 Sen. Webb decries federal diversity programs. Associated Press. July 24.
  • Pew Research Center:
    2010 Media, Race and Obama’s First Year: A Study of African Americans in U.S. News Coverage. Washington, DC: Pew Research Center.
  • Troung, S.:
    2010 Review of Harvard Scholar’s Arrest Cites Failure to Communicate. The Chronicle of Higher Education, June 30. http://chronicle.com/article/Review-of-Harvard-Scholars/66099/?sid=at&utm_source=at&utm_medium=en, accessed July 19, 2011.
  • Worley, Z.:
    2010 “From Orange Groves to White Hoods: The Origins of the Riverside Ku Klux Klan.” Unpublished manuscript. University of California Riverside, Riverside, CA.

بوني أورتشولي: اللغة والعرق

  • Baugh, John:
    1983 Black Street Speech. Austin: University of Texas Press.
  • Dominguez, Virginia:
    1986 White By Definition. Piscataway, NJ: Rutgers University Press.
  • Hill, Jane:
    2008 The Everyday Language of White Racism. Malden, MA: Wiley-Blackwell.
  • Labov, William:
    1972 Language in the Inner City. Philadelphia: University of Pennsylvania.
  • Zentella, Ana Celia:
    1997 Growing Up Bilingual. Oxford: Blackwell.

هوامش

(1) Expert report of Patricia Gurin, Gratz, et al. v. Bollinger, et al., No. 97–75321 (E.D. Mich.) Grutter, et al. v. Bollinger, et al., No. 97–75928 (E.D. Mich.) at www.vpcomm.umich.edu/admissions/legal/expert/gurin, accessed November 15, 2011. Also see “Regents of the University of California v. Bakke” at www.infoplease.com/ce6/history/A0841421.html, accessed November 15, 2011.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤