الفصل السابع عشر

الخاتمة

في الفصل الأول، زعمنا أن هذا الكتاب من شأنه الإسهام في إجراء فحصٍ دقيق أوَّلي للكيفية التي تتحدَّث بها المجتمعات المختلفة في الولايات المتحدة عن العرق. لقد أرَدنا أن نضمَّ إلى مشروعنا مزيجًا من العلم، والتاريخ، والتجارب اليومية المعيشة مع «العرق والعنصرية». نتمنى أن نكون قد نجَحنا في فضِّ هذا التعقيد وتوجيه القراء نحو اتجاهات جديدة لفهم التبايُن البشري، وكيفية تكوين العرق اجتماعيًّا وثقافيًّا، و«ثقافات العرق» المعاصرة في الولايات المتحدة وخارجها. وكإضافة إلى الموقع والمعرض المتحفي: «الأعراق البشرية: هل نحن حقًّا على هذا القدر من الاختلاف؟» أردنا أن نكشف جذور العنصرية الخبيثة، حتى نستطيع أن نجتثَّها من جذورها.

تناولنا في الجزء الأول تاريخ العرق في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال عدسات القوانين والسياسات الأمريكية وكذا من خلال العلم العرقي في القرن الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين. وشمل هذا أيضًا نظرة إلى حركات تحسين النسل في الولايات المتحدة وفي أوروبا في مطلع القرن العشرين لنُبيِّن كيف أدَّت الاعتقادات المتشكِّلة اجتماعيًّا في كلٍّ من العرق البيولوجي وفي الدونية العرقية لبعضٍ من تلك الأعراق إلى خلق «عنصريةٍ علمية» استمر وجودها في السياسات النظرية والتطبيق العملي حتى منتصف القرن العشرين. فقد كانت المعتقَدات الاجتماعية والدينية بشأن الدونية العرقية بمثابة وقود لعلم الأعراق الذي كان مسئولًا عن «إهانة» البشر. ومن مراجعة لاستخدام العلم في بناء الطبقية الاجتماعية والحفاظ عليه خلال القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين على أساس العرق والطبقة الاجتماعية، يَتوافر لدينا تعقيبٌ قويٌّ على ما تحقَّق حتى الآن من جانب علماء الأنثروبولوجيا، والعديد من العلماء الآخرين، وأنصار العدالة الاجتماعية، وآخرين من أجل التغلُّب ليس فقط على القوانين العرقية الأمريكية، ولكن أيضًا على الافتراضات الراسخة المُنبثِقة من المُعتقَدات الكامنة خلفها، ولا يزال ذلك مُستمرًّا في الحوارات بشأن ما يُمثِّل، ولا يُمثل، ماهية العرق. أما ما لم نَستكشفه صراحة في هذا الكتاب، فهو العلاقة بين الدين المنظَّم أو المؤسَّسي والعلم وقوانين الولايات المتحدة؛ إذ لا يزال هذا بحاجة إلى القيام به كجزء من تناولٍ تاريخيٍّ نقديٍّ متواصل للعرق في أمريكا.

في الجزء الثاني، تناوَلنا ما كان لدى العلم والسجل الأنثروبولوجي لقوله بشأن ما يُمثِّل، ولا يُمثل، ماهية العرق. وكان الهدف من التركيز على موضوعات الأصول البشرية و«الخروج من أفريقيا» هو زعزعة الافتراضات الراسخة لدى الكثير من الناس عن منشئنا في الأصل كبشرٍ عاقلين، وإلى أي مدًى نحن مُتشابهون جينيًّا في واقع الأمر. كان التركيز العلمي الأساسي الثاني لنا على كيفية فهم العامة لعلم لون البشرة، وقد وضع من أجل زعزعة تفسير اختلاف درجات لون البشرة بين الناس ووضعه في سياقٍ علمي. إن لون البشرة، مرةً أخرى، يرتبط بعمليات التأقلم مع تنقُّل البشر واستيطانهم على مدى آلاف السنين، وعلاقة تلك المُستوطَنات بأشعة الشمس فوق البنفسجية، وقدرة الأشخاص على إنتاج ما يكفي من حمض الفوليك وفيتامين د من أجل البقاء في حالةٍ صحيةٍ جيدة. أخيرًا، وفي ميدان العلم، أردنا أيضًا أن نُوضِّح، من خلال إلقاء نظرة على الطب والصحة، وجودَ تفاوت في الحالة الصحية بين جماعات من أصولٍ معيَّنة بناءً على حقائق التكوين الاجتماعي والثقافي للعرق في المجتمع الأمريكي.

وفيما توجد صلة بين البيولوجيا والتفاوت العرقي الاجتماعي لا ينبغي أن تضيع، غير أن العرق يُعدُّ في النهاية بنيانًا اجتماعيًّا مؤثِّرًا، له عواقبُ اجتماعية وبيولوجية على حد سواء، وليس حقيقةً بيولوجية.

في الجزء الثالث، انصبَّ تركيزنا على المفاهيم المتنوِّعة للعرق وتراكم الثروة والسبب وراء استمرار التفاوت بين الأمريكيين الأوروبيين والآسيويين من جانب والأمريكيين الأفارقة واللاتينيين على الجانب الآخر. وركَّزنا على الطبيعة العنيدة للتفاوت في الصحة والتعليم، وكذا تناقضات التصنيفات التي وضعتها الحكومة الفيدرالية بالاستعانة بمكتب التعداد السكاني الأمريكي عبر السنين وفي الوقت الحاضر. وأخيرًا أدرجنا ضمن نص الكتاب بعضًا من آراء الأشخاص الذين حاوَرْناهم من أجل المشروع.

لم يكن الهدف من هذا الكتاب تغطية جميع جوانب التبايُن البشري من جانب، والعنصرية المنهجية والمؤسَّسية من الجانب الآخر. إنما أردنا أن نُشير إلى الروابط والصلات، الملحوظة والدقيقة على حدٍّ سواء، بين الطرق البيولوجية والتاريخية واليومية التي يختبر بها كل شخص «العرق» في الولايات المتحدة. كذلك الْتمَسنا مقالات من زملائنا من مجال العلوم الاجتماعية، والإنسانيات، والقانون، والسياسة العامة لمساعدتنا في استكمال ما لم نقم بتغطيته في الكتاب، وإثارة قضايا جديدة، وتعزيز، وتوضيح، وتحديث تلك القضايا التي لم نَستطع تغطيتَها بتعمُّق.

(١) ما لا يزال ينبغي القيام به: مُستقبل العرق في أمريكا وخارجها

عندما نَنظُر إلى مهمة تعرية العنصرية المنهجية، ومن ثم اجتثاثها، نجد أن هذا الكتاب لم يَلمس سوى سطح موضوع «العرق» من بعض النواحي. نعلم أنه ليس كافيًا أن نكشف عَرض وعُمق الأسس الاجتماعية والثقافية التي تقوم عليها العنصرية المنهجية وديناميَّات السلطة التي تعمل على الحفاظ على هذه المنظومة الاجتماعية التي تتَّسم بقدرٍ بالغ من العنصرية والطبقية. ويُذكرنا عالم الاجتماع هوارد وينانت ونحن نتحدث عن قضية «ما بعد العنصرية» في أمريكا بأن نتذكَّر أن بعضًا من المفاهيم الشمولية للاختلاف العرقي تميل في الواقع إلى إضفاء شرعية على الهويات التي تَزعم أنها تُشكِّك فيها. وبدلًا من أن تعمل كعوامل تحفيز لتشكيلاتٍ عرقيةٍ جديدة بحق، تعمل في الواقع على «تعزيز البنيات الاجتماعية العرقية مثل الطبقية العرقية الشاملة، والتمييز، وفوبيا الأجانب … إلخ، التي تَستنكرها بشدة» (وينانت ٢٠٠٤: ١٩).

نودُّ أن نُشير إلى أنه لا يزال ثمة حاجة لإجراء المزيد والمزيد من الأبحاث النقدية والتطبيقات العملية في المجالات الآتية: تقاطعية العرق والطبقة والنوع؛ العرق والهجرة؛ التمييز العكسي؛ تناقضات عمى الألوان في مقابل الحوارات المستمرة بشأن العرق؛ تأثير التغيُّرات الديموغرافية القومية والعرق؛ دراسة العرق الأبيض والسلطة من الداخل إلى الخارج؛ العرق ودراسات العولمة؛ والعلاقة بين العرق وحقوق الإنسان، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. وإلى جانب هذا، لا بد من إجراء تحليلٍ أعمق وأكثر نقدية للتفاوت في التعليم، والإسكان والصحة؛ القائم على أساس العرق والطبقة على حدٍّ سواء.

(٢) التقاطُعية

لا يزال مصطلح «التقاطُعية»، الذي صاغه كيمبرلي كرينشو في سبعينيات القرن العشرين، ملائمًا لعصرنا؛ فنحن الآن بحاجة إلى فهم الصلات بين العرق، والطبقة، والنوع الاجتماعي، والتوجه الجنسي، والدِّين؛ أكثر من أي وقت مضى. نحن بحاجة إلى اكتساب فهمٍ أعمق للعملية التي تتفاعَل بها فئات التمييز المتعدِّدة التي تشكَّلت اجتماعيًّا وثقافيًّا على عدة مستويات للإبقاء على اللامساواة الاجتماعية المُمنهجة الأشبه بنظام الطبقات الاجتماعية المُنغلِقة. وينبغي إجراء هذا البحث على كلٍّ من المستوى المحلي، والقومي، والعالَمي في كلا السياقين المعاصر والتاريخي. على سبيل المثال، طالع المقال الوارد في هذا الفصل لكلارك وتوماس لمزيد من التوجيهات بشأن ديناميَّات البحث والتطبيق العملي عن العرق والعولمة.

(٣) العرق والهجرة

في عام ٢٠١١، كان ثمَّة جدال لا يزال في طور التكوين من جانب اليمين السياسي المتطرِّف يتحدى مضمون التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي مرةً أخرى. في عام ١٨٦٨، صدَّق الكونجرس على فقرة المواطنة من التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي. وتأتي الفقرةُ في مقدمة التعديل، وتنصُّ على أن «جميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة أو المتجنِّسين بجنسيتها والخاضعين لسلطاتها القضائية؛ يُعتبرون من مواطني الولايات المتحدة ومواطني الولايات التي يقيمون بها.» يعتقد مؤلِّفو هذا الكتاب أنه ينبغي إجراء المزيد من الأبحاث بين علماء الأنثروبولوجيا، والباحثين القانونيين، وصُناع القرار السياسي، والمنظمات غير الحكومية من أجل فهم وتعريف العامة كيف أن إعادة تفسير القوانين والدستور اليوم من قبل اليمين المحافظ إنما يستخدم للحيلولة دون هجرة سكانٍ جدد إلى هذا البلد. على سبيل المثال، على مدار الجزء الأكبر من التاريخ، كان التعديل الرابع عشر تدخُّلًا من جانب الكونجرس لإسقاط قرار المحكمة العليا بشأن دريد سكوت، والذي قضى بأن الأمريكيين الأفارقة ليسوا مواطنين للولايات المتحدة الأمريكية ولا يُمكن أن يكونوا كذلك؛ لأنهم «طبقة من الكائنات الدنيا والتابعة.» ولم يكن مزمعًا قطُّ أن يكونوا جزءًا من المجتمع السياسي (الدستور الأمريكي، التعديل الرابع عشر). وتَعزَّز هذا القرار في عام ١٨٩٨ في قضية «الولايات المتحدة ضد وونج كيم آرك» التي قضت فيها المحكمة العليا بأن أي طفل يولد في الولايات المتحدة ولكنه ولد لأبوين أجنبيين، يظل له حق المواطنة بالولادة (التعديل الرابع عشر: حواشي: القسم ١. الحقوق المكفولة: التصنيفات الجديدة لقانون الحماية المتكافئة المستحَقَّة للتمحيص الدقيق. الأصل الأجنبي والجنسية).1 وثمة حاجة في القرن الحادي والعشرين لمواصلة استكشاف تلك التوتُّرات العرقية والاقتصادية المتأصِّلة في السرد العرقي الأمريكي المتنازَع عليه حول من يُمكنه أن يكون أمريكيًّا بحق ومن لا يمكنه. وكان هذا الأمر محل جدال دار خلال القرنَين التاسع عشر والعشرين، ويبدو أن الحال سيظل كما هو في القرن الحادي والعشرين أيضًا.

(٤) الاستكشاف المتواصل لامتيازات البيض

في أمريكا القرن الحادي والعشرين، ثمة رفضٌ كبير من كل من اليمين السياسي (في الطبقات العاملة والمتوسطة) لدور الحكومة الكبيرة في حياتهم. وثمَّة رفضٌ مماثل من جانب طبقات رجال الأعمال الثرية، ومالكي الشركات الكبرى، والمصرفيِّين، ولكن ربما يكون لأسبابٍ مختلفة. فإدارة أوباما تُنادي بانحياز المسئولية الاقتصادية لرخاء جميع الناس. ولكن منذ فترة الكساد العظيم لم يكن هناك مثل هذا النقد اللاذع والسلبية تجاه فكرة محاسبة أباطرة الصناعة الذين قادوا الأمة بأسرها نحو حافة الدمار الاقتصادي للتكفير عما فعلوه أو تأنيبهم عليه. ومن الأهمية بمكان أن تدرس الأبحاث المستقبلية عن العرق الصلات التي تَربِط بين العرق، والطبقة الاجتماعية، والامتيازات على نحوٍ يُظهِر بوضوح كيف تُصبِح امتيازات البيض (لا سيما الامتيازات الممنوحة للنخب منهم) مستترة في السياسة الحزبية وراسخة في سردٍ مغلوط، لا للامتيازات، وإنما للإيذاء والتمييز العكسي ضد البيض (ويب ٢٠١٠). فهذا السرد المُضلِّل حوَّل دفة الحوار والاهتمام من العرق الأبيض بوصفه ميزة إلى العرق الأبيض بوصفه ضحية لحكومةٍ جامحة تَصادَف أن كان قائدها رجلًا أسود (قد يرى كثيرون في اليمين المُتطرِّف أنه ليس حتى مواطنًا أمريكيًّا!)

(٥) التداعيات الثقافية، والسياسية، والاقتصادية للديموغرافيات المتغيرة

أشار تعداد عام ٢٠١٠ إلى احتمال حدوث مشكلةٍ متعلِّقة بتغير الديموغرافيات في القرن الحادي والعشرين على عدة مستويات. فالشيب الذي يتغلغَل في رأس أمريكا ووصول جيل الأمريكيِّين الذين ولدوا فيما بين عامي ١٩٤٦ و١٩٦٦ إلى سن الشيخوخة ربما يَضع مجتمعًا سكانيًّا عجوزًا أغلبه من الأمريكيين البيض في مواجهة جيلٍ أصغرَ ناشئ من الأمريكيين الملوَّنين المُتنوِّعين عرقيًّا وإثنيًّا ممن قد يكون لديهم رؤًى سياسيةٌ واجتماعيةٌ مختلفة. وتُشكِّل الأقليات الآن أكثر من خمسَي الأطفال دون ١٨ عامًا ويتوقَّع ويليام فراي بمعهد بروكينجز أنهم سوف يُمثلون أغلبية الأطفال الأمريكيين في مجملهم بحلول عام ٢٠٢٣ (فراي في براونستاين ٢٠١٠: ١). يقول فراي أيضًا إن هذا التناقض في كلٍّ من السن والثقافة قد يَخلق ما يُطلَق عليه «فجوةٌ جيليةٌ ثقافية» ومع مرور الوقت، من المحتمل أن يكون التركيز الأساسي لهذا الصراع هو التوتُّر القائم بين مجتمعٍ سكانيٍّ أكثر تحفُّظًا وتزمُّتًا من البيض ومجتمعٍ سكانيٍّ أصغر سنًّا وأكثر تحرُّرًا من الملوَّنين. والقضايا المتعلِّقة بالضرائب، ودور الحكومة في نَشرِ البرامج الاجتماعية، والتعليم، والرعاية الصحية، كلها قضايا تستدعي نظرةً أعمق إلى العرق والتقاطُعية من خلال عدسات السن وكذا عدسات العرق، والطبقة، والمنطقة الجغرافية (فراي في براونستاين ٢٠١٠).

(٦) متناقضة «عمى الألوان» والتركيز الأمريكي المُتواصِل على العرق

تناولنا في هذا الكتاب كيف تتكشَّف مفاهيم العرق البيولوجي، والاجتماعي، والتاريخي في المؤسَّسات وفي الحياة اليومية في الولايات المتحدة. في عام ٢٠١٠، أي في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لا يزال ثمَّة أصداءٌ حقيقية للغاية في المؤسسات القومية الأمريكية وفي حياة الأمريكيين جراء سلطة كلٍّ من مفهوم العرق وحقيقته. فبينما قد أرسينا في الكتاب حقيقة أن «العرق» هو مفهومٌ اجتماعي، فالواقع هو أنه لا يزال ثمة تفاوتٌ عرقي في كل جانب من جوانب المجتمع الأمريكي. فلا يوجد أساس في الواقع للتصريحات التي غالبًا ما تتردَّد في الدوائر السياسية ودوائر السياسة عن أننا نعيش في «عالم ما بعد العرق»، أو أننا ينبغي أن نكافح من أجل الوصول إلى «مجتمع لديه عمى ألوان». وما دامت العنصرية المنهجية والمؤسسية قائمة، وما دامت هرميةٌ اجتماعيةٌ عرقية يظلُّ فيها أصحاب السلطة (على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي) في أماكنهم؛ فإن المساواة العرقية الحقيقية ما هي إلا خرافة. فجميع الحوارات المتعلِّقة بالعرق التي تُعقَد في الولايات المتحدة لن تُغيِّر تلك الديناميَّات العرقية للمكانة والسلطة. ولا يزال هذا مجالًا خصبًا للبحث في القرن الحادي والعشرين. ولا يزال لدينا الكثير لمعرفته بشأن استعصاء منظومة الامتيازات الراسخة بقوة في المجتمع.

(٧) العرق وحقوق الإنسان

من منظَّماتٍ على شاكلة منظمة العفو الدولية إلى هيومان رايتس ووتش (مراقبة حقوق الإنسان)، إلى الأمم المتحدة على المستوى العالمي، وصولًا إلى الجمعية الوطنية للنهوض بالملوَّنين وصندوق الدفاع القانوني والتعليمي الأمريكي المكسيكي، والجماعات الأخرى المُدافعة عن العدالة الاجتماعية على المستويَين القومي والمحلي، يَزداد اعتبار عدم المساواة العرقية التي ينتج عنها معاملةٌ نظامية ومنهجيةٌ مُتفاوِتة للأشخاص بناء على «عرقهم» انتهاكًا لحقوق الإنسان المَكفولة للأفراد أكثر وأكثر. فما كان قبل ذلك قضيةً محلية، أو ولاياتية، أو فيدرالية، ينظر إليه الآن كقضية تنتهك الحق الأساسي سواء للأفراد أو الجماعات في أن يكونوا «بشرًا». ويرصد المقال الوارد في هذا الفصل الختامي لفاي في هاريسون التسلسل الزمني لنشاط الجماعات الدولية، والمنظمات الأهلية، والباحثين؛ إذ يَنسجون معًا خيوط العرق، والعنصرية، ومناهضة العنصرية على كلٍّ من المستوى العالَمي والمحلي. وفيما توجد مجموعةٌ ضخمة من الأبحاث لكل مجال من مجالات البحث، والعرق، والعنصرية، ومناهضة العنصرية، لا يزال ثمة أبحاث ينبغي إجراؤها عن آلية عمل الاضطهاد عبر حدود وتخوم الدول. وقد كان دور الباحثين، أمثال هاريسون، هو توضيح الروابط والصلات بين تلك الاضطهادات على مستوًى عالمي.

صار من الشائع الحديث عن اشتداد عمليات العولمة والطُّرق التي تعيد بها تشكيل بِنيات الحياة اليومية باستمرار. وفيما تزايَدت التحليلات العلمية للعولمة، وفيما وُجدت مُحاولاتٌ حديثة داخل مجال العلوم الاجتماعية لدراسة العلاقات التي تربط بين الإثنية، والنوع الاجتماعي، والجنسانية داخل إطارٍ عالَميٍّ للتحليل، إلا أن العرق وعمليات العرقنة عادة ما لا تُعتبَر عناصرَ جوهريةً في المناقشات الأكاديمية للتحوُّلات الاقتصادية والسياسية العالمية. ومع ذلك تتيسَّر العولمة بفضل انتقال وإعادة استنساخ التحيُّزات الاجتماعية الراسخة بقوة في ماضٍ اتسم بمفاهيم الانتماء الإقليمية التي وَلَّدَت — وتولَّدت بفعل — التفاوت العرقي. وهكذا، فاقمت إعادة التوزيع المُعاصرة للثروة من التراتبيات الهرمية العرقية الراسخة تاريخيًّا. بعبارةٍ أخرى، تُمثِّل التشكيلات العرقية على نحوٍ ديناميكي انعكاسًا للعمليات العالمية وتُشَكِّلها، وليست مجرَّد آثار لها؛ ونتيجة لذلك، لا يُمكن على الإطلاق استيعاب تعقيد العمليات العالمية استيعابًا تامًّا دون فهمٍ عميق للطرق الديناميكية والخاصة التي شَكَّل بها العرق التحولات العالمية، وتَشكَّل بها، على المستوى التاريخي. وعلى ذلك، فمما يُشكِّل أهميةً بالغة لاكتساب فهمٍ أكثر شمولًا للعمليات العالمية المعاصرة وجودُ تحليلٍ مُتكامل للسوابق التاريخية للتداول الحالي للكيفية التي شكَّلت بها الإمبرياليةُ والترتيبُ العرقي الحركاتِ العالمية، والطرق التي جرى بها وضع مفاهيم الانتماء والعضوية والمواطنة، وإضفاء الطابع المؤسَّسي عليها في إطارٍ عرقي.

(٨-١) العمليات العالمية، والانتشار التاريخي، والترتيب العرقي

ظهرت فكرة العرق وإضفاء الطابع المؤسسي الهرَمي على الاختلاف العرقي على نحوٍ عقلاني فيما يتعلق بالتحولات الاقتصادية في القرن السادس عشر؛ التي خلقت في النهاية ما نَعرفه الآن ﺑ «الغرب الحديث» (هولت ٢٠٠٠؛ سيلفربلات ٢٠٠٤؛ ترويو ١٩٩٥). وبينما كانت مفاهيم الاختلاف تعمل قبل هذه الفترة، فإن طرد المسلمين من أوروبا، والرحلات البحرية الأولى للأوروبيين بغرض الاستكشاف والاكتشاف، ونموِّ التداول التجاري ولَّد حالةً جديدة أصبَح بموجبها للعمال العرقيِّين لأول مرة «أهميةٌ حتمية في تحريك القُوى الإنتاجية على نطاقٍ عالَمي» (هولت ٢٠٠٠: ٣٢). وفي نفس الوقت الذي صارت فيه الروابط والصلات بين بناء الأمة والإمبريالية وبين العبودية العرقية ونمو إنتاجٍ زراعي واسع النطاق موجه نحو التصدير أكثر ترابطًا على نحوٍ أقوى، بدأت أيديولوجيات جديدة تنتشر في أوروبا عن «طبيعة الإنسان». ففي داخل الخطابات الدينية، والفلسفية، والعلمية، والسياسية، كانت خريطة التراتبيات الهرمية لقيمة الإنسان ترسم على أساس اختلاف النوع الاجتماعي، والاختلاف العرقي، والحضاري (ترويو ١٩٩٥). وبذلك كان تكوين الدولة المُبكر والرأسمالية التجارية بمثابة الافتتاح للعمليات المادية والأيديولوجية التي ربطت على نحوٍ ثابت «العالم الجديد» و«القديم» في مشروعٍ مشترك لتعريف الذاتية الحديثة في إطارٍ عرقي. بعبارةٍ أخرى، تتشابَك جذور الحداثة الغربية مع مشروعات الغزو الإمبريالي، وعبودية المزارع، والهيمنة العرقية. ونظرًا لأن هذه العمليات العرقية أعادَت تكوين أوروبا نفسها أيضًا، فإن هذه الصياغة للحداثة التي تضع تصوُّرًا للمحيط الأطلنطي كوحدةٍ جيوتاريخيةٍ مُتكاملة ارتبطت فيه التحولات المنهجية بالتوسع الأوروبي المُبكِّر نحو الغرب خلقت ما صار في النهاية شبكةً ثلاثية للعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية الاجتماعية التي تربط الأفراد، والمجتمعات، والطبقات في ثلاث قارات في دائرة تفاعل واحدة.

لقد خلقَت الإمبريالية، والعبودية، والاستغلال الاستعماري روابطَ عالميةً متينة استمرَّت خلال حقبة ما بعد التحرُّر من العبودية في منتصف القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين. وهذه الروابط من شأنها أيضًا تعريف الناس من جنوب وشرق آسيا بالانقسام الثنائي لعالم المزارع الكبرى إلى بيض وسود من خلال برامج التعاقُد المؤقت مع العمالة. في الوقت ذاته، تفوَّق العلم على الدين بوصفه الخطاب السائد للإمبراطورية، وساعد المؤيِّدون للعبودية والتوسع الاستعماري في إضفاء الطابع المؤسسي على علم الأنثروبولوجيا الجديد؛ وهو ما يُعزى جزئيًّا إلى إبطال مزاعم مؤيدي إلغاء العبودية استنادًا إلى العقائد الإنجيلية والأخلاقية. مع تطور هذا الفرع المعرفي خلال القرن التاسع عشر، جرى تحليل الاختلاف البشري عبر تراتبيةٍ هرمية ذات شفرة لونية تدرَّجت من البرابرة إلى المتحضِّرين — من الأسود مرورًا بالبُنِّي والأحمر والأصفر، وصولًا إلى الأبيض (بيكر ١٩٩٨). ولم تُفلح حقيقة أن بعض الباحثين قد وثقوا العادات والسلوكيات بينما قام آخرون بقياس الأدمغة والأجسام في تغيير هذه التراتبية الهرَمية؛ نظرًا لأن التنوع البشري والاختلافات الثقافية لم تكن واضحة ومخططة عرقيًّا؛ مما أعطى الأفضلية للبيولوجيا كأساس للاختلاف البشري.

على الرغم من تحدي بعض علماء الأنثروبولوجيا في الولايات المتحدة فعليًّا للأساس الذي تقوم عليه أبحاث علم تحسين النسل، فقد كان لإضفاء الطابع المؤسسي على العلم الأنثروبولوجي أثره في ترسيخ التصنيفات الهرَمية السابقة للجماعات العرقية. وخلال مطلع القرن العشرين، ترسخت هذه التصنيفات أكثر من خلال الدراسات المتدنية المستوى التي وضعت تصوُّرًا لتمايُز «الشعوب» و«الثقافات» المتنوعة فيما يتعلق بتصورات الانتماء القائمة على أساسٍ إقليمي. ومع ذلك فنظرًا لأن البيولوجيا العرقية — العلم المُعتمد للإمبراطورية — كانت أساسية لتأسيس عالم ما حول الأطلنطي، ظلَّت خريطة هذه الاختلافات ذات الجذور الإقليمية توضع على أساسٍ عرقي. وعلى الرغم من أن حجة فرانز بواس الأولى المؤيدة لوجود اختلافٍ تحليلي (وسياسي) بين العرق والثقافة، غالبًا ما كانت المناقشات التقليدية الدائرة داخل أنثروبولوجيا مجتمعات الشتات الأفريقي — وبين مجتمعات الناشطين المتنوعة — توظِّف مفاهيم العرق البيولوجي في القرن التاسع عشر باعتبارها الأساس المهيمن للاتصال والاستمرارية.

غير أن تغيُّراتٍ أخرى كانت في سبيلها إلى الحدوث في مطلع القرن العشرين عندما حولت العلاقات المُتغيرة بين الإنتاج والاستهلاك المعاني العرقية أيضًا، والتي انتشرت الآن مع تنقُّل كلٍّ من العمال والمُفكِّرين بين الولايات المتحدة، وأوروبا، وجنوب وشرق آسيا، وأفريقيا. وعكَس ظهورُ حركاتٍ واعية بالعرق، مثل حركة وحدة الشعوب الأفريقية، والجارفية، وحركة نياجارا، بعضًا من هذه التحوُّلات مع تعزيز سياسةٍ ثقافية للانتماء العرقي والعضوية. وفيما تطلَّبت الترتيبات السياسية والاجتماعية الاقتصادية ما قبل الفوردية بقاء القوى العاملة العرقية ثابتةً داخل المواقع (المادية والأيديولوجية) المحدَّدة التي نُقلت إليها، اعتمدت النماذج الفوردية للإنتاج والاستهلاك، بحلول منتصف القرن العشرين، على حركة خروجٍ جماعية لنفس هذه القوى العاملة من موقعها، «من الجنوب إلى الشمال في الولايات المتحدة، ومن المستعمرة إلى العاصمة في جزر الهند الغربية البريطانية والفرنسية، ومن الريف إلى المدينة في أفريقيا الجنوبية والغربية» (هولت ٢٠٠٠: ٧٠). وقد ولَّد هذا التنقل، الذي تيسَّر بفعل تحرير قوانين الهجرة الأمريكية في عام ١٩٦٥، موجةً عبر حدودية من الممارسات الثقافية تتدفَّق من أراضي الأوطان الأصلية (خاصةً جزر الكاريبي، وأمريكا اللاتينية، وآسيا) إلى الأراضي الجديدة (الولايات المتحدة، وأوروبا وكندا ولكن بدرجةٍ أقلَّ).

(٨-٢) طرق التعبير الثقافية الجديدة عن العرق

بحلول منتصف القرن العشرين، حثَّت هذه التغيرات على تحوُّل مفاهيم الاختلاف المحلية إلى خطابات عن الأصل الإثني والقومي والانتماء. وتتبع هذه الإعادة لترتيب الذاتية البشرية في إطار إرثٍ إثنيٍّ مُتزايد تغيراتٌ ذات صلةٍ بنيويًّا في لغة التنظيم العرقي الأمريكي الخاصة بحِقبة ما بعد عام ١٩٦٥. خلال هذه الحقبة، كان من شأن اشتداد حدة خطابات حقوق الإنسان ضد التمييز توليد أيديولوجياتٍ جديدة تتعلَّق بالانتماء العرقي والاختلاف العرقي. وهيَّأت هذه التغيُّرات أيضًا الأجواء لتكوين حركات إرث ما بعد الحقوق المدنية وتطوُّر المصالح المؤسسية الشديدة الارتباط الراغبة في استغلال الأسواق المربحة. وكان من شأن التكوين الثقافي لسياسةٍ تجاريةٍ جديدة للاتصال بين الناس في الأمريكتين وأولئك في «الأوطان» المُرتبطة بها تهيئة الأجواء لإنشاء تصنيفٍ تُراثي اسُتخدمت من خلاله العلاقات التي تربطنا بالأصول لتكملة الهوية القومية والمُواطَنة. وقد أعاد هذا التأكيد على التواصُل بين مجتمعات الشتات، في المحيط الاجتماعي، تعريف المفاهيم السائدة للعرق البيولوجي لتصبح مفاهيم العرق الثقافي، والتي تشكَّلت هنا من خلال مفاهيم الإثنية، أو إرث الأجداد. وعلى الرغم من أن هذا المفهوم للإرث قد تجلَّى في السياقات المجرَّدة من أي حدودٍ إقليمية، فقد كان في الواقع إقليميًّا إلى حدٍّ عميق، ولكنه عكس مفهومًا تاريخيًّا وليس وجوديًّا أو بيولوجيًّا.

في الفترة الحالية، يُشرف الخطاب الخاص بالحقوق على الزوال؛ إذ تقلُّ سلطة الدول في بعض المواقع، وفي البعض الآخر تكون أقل استعدادًا لاعتناق «المساواة» كقيمة من قِيَمها. في غضون ذلك، يُعتبر سياق ما بعد الاستعمار واحدًا من السياقات التي خُلقت فيها الهجرة، والتنقُّل، والإعلام — وإن لم يكن ثمة تساوٍ في التعرُّض لها — حالةٌ تعرَّضَت فيها «أبعاد التضامن العرقي القائمة على الأمة إلى الضمور» (وينانت ٢٠٠٠: ١٨٠). نحن في مواجهة عالم تتزايد فيه نِسَب الأمية بين الشعوب القومية أكثر وأكثر؛ حيث صارت سبُل التقدم الذاتي محدودة على نحوٍ متزايد، حيث تُشكِّل التحويلات النقدية نسبًا أكبر من إجمالي الناتج المحلي للدول النامية؛ حيث تتزايَد السياحة الجنسية والاتجار بالجنس؛ حيث يتناقص توافر الخدمات الاجتماعية الضرورية؛ حيث يُصاغ الالتزام نحو المساواة الاجتماعية كشكلٍ من أشكال مناهضة الرأسمالية، وحيث يُنظر إلى الدعوة الجادة إلى السلام كعملٍ مريب يفتقر إلى الوطنية. وهكذا أدَّت إعادة الهيكلة الاقتصادية العالمية إلى إفقار وتهجير أعدادٍ ضخمة من الناس من آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، والكاريبي، الذين في سبيل البحث عن درجة من الاستقرار الاقتصادي، تمركَزوا داخل المراكز الإمبريالية الأوروبية سابقًا وفي الولايات المتحدة المسيطرة حاليًّا، لا سيما في المناطق الحضرية.

درس الكثير من الباحثين، من الناحية الإثنوجرافية، الروابط (غير المتوقَّعة أحيانًا) بين الهجرة، والتكوين العرقي، وعمليات تحديد الهوية الإثنية، وتطور الوعي السياسي، والإنتاج الثقافي. كذلك قامت أبحاثٌ أحدث عن الهجرة ببحث النواحي التي شكَّل فيها تغيُّر عمليات تكوين مفاهيم للعلاقات بين الإثنية، والعرق، والثقافة، والمواطنة في الولايات المتحدة وأوروبا أهميةً بالغة فيما يتعلق بتشكيل الوجود العام والحياة السياسية للمهاجرين في الدول التي يهاجرون إليها. وكان من العناصر الجوهرية لهذه العمليات انتشار وتجديد الأشكال الثقافية الشعبية بين وداخل الجماعات؛ تلك الأشكال التي تحمل في حد ذاتها تاريخ التمثيلات العرقية، ومع ذلك، كانت الهجرة والتغيرات التكنولوجية تَعني أيضًا أن مفاهيم العرق والشتات تخضع للنقاش على نحوٍ أكثر آنية عبر المكان والزمان، خاصة في عالم الثقافة الشعبية الذي يُعتبر الآن، بدرجةٍ ما (بسبب هيمنة وسائل الإعلام الأمريكية) مشتركًا. ونتيجة لذلك، ظهرت لغةٌ مشتركةٌ جديدة، وهي لغةٌ سياسية على نحوٍ مختلف؛ فهي ليست لغة خطابات الحقوق المدنية والسياسية التي سادت في منتصف القرن العشرين، وإنما شيءٌ آخرُ متأصِّل في المفاهيم المُتغيِّرة للمجتمع العرقي.

إن ما نراه هو أن الانتماء في الحقبة المعاصرة يُعرَف كشيءٍ طارئ ومنقوص، والسمات المشتركة تخضع لإعادة التفكير فيها ليس فقط فيما يتعلق بالخصائص التاريخية الخاصة التي تضع الناس الذين يخضعون للعرقنة، والتجنيس، والتصنيف الطبقي، والتصنيف الجنسي على نحوٍ مختلف في علاقاتٍ معقَّدة أحدهم مع الآخر، ولكن أيضًا فيما يتعلق بالعمليات المعاصرة التي يبدو أنها تُعزِّز أنواعًا معينة من التراتبية الهرمية داخل مجتمعات الشتات. وفي ضوء هذه التغيرات بمرور الوقت، ترغمنا التحولات المعاصرة على التفكير في التكوين العرقي كعملية — وكعملية تتكامل مع عملياتٍ أخرى — وليس كفئةٍ ثابتة (وقابلة للمعرفة). وقد أسهمت المقاربات الإثنوجرافية الحديثة لهذه العمليات المُتنوِّعة إسهاماتٍ مُهمةً في فهم كيف أحدثَت التطورات الجديدة على المستويات المحلية والإقليمية والقومية والعابرة للحدود؛ تغيُّراتٍ في الفِكَر والخبرات المتعلقة بالمواطنة، والانتماء، والاختلاف العرقي. والعلماء الذين يستخدمون الطرق الإثنوجرافية — مثل علماء الأنثروبولوجيا، وعلماء الاجتماع، والمؤرخين الشفهيِّين، ومُنظِّري الدراسات الثقافية — في موقعٍ مثالي يؤهلهم لتسليط الضوء على مثل هذه العمليات؛ لأن الأبحاث الميدانية الطويلة المدى يمكن أن تساعد على اكتساب رؤًى عميقةً معقَّدة للعلاقات المتبادَلة العالَمية المحلية؛ لذلك تُقدم البيانات الإثنوجرافية للعمليات العالمية، على نحوٍ مُتزايد، تركيزًا متزامنًا على خصائص الأماكن (والتراتبيات الهرمية للأماكن) — سواء كانت هذه الأماكن قُرًى، أو مجتمعاتٍ مخترعة، أو دولًا قومية، أو شبكات، أو عملياتٍ متخيَّلة — وعلى المصفوفات المؤسسية والأيديولوجية الخاصة الموجودة على المستوى القومي، والإقليمي، والعالَمي، التي تؤثِّر على التطورات المحلية وتتأثَّر بها. وهكذا استطعنا أن نكتب عن العمليات ذات التأثيرات المشابهة عبر مجموعةٍ كبيرة من الأماكن، دون الإشارة إلى أن هذه العمليات تُفعَّل في كل مكان على النحو نفسه. ونتيجة لذلك، استطعنا إثبات أن «العرق» ليس خيالًا وليس شيئًا قائمًا وثابتًا. وركَّزنا، بدلًا من ذلك، على كيفية فهم الناس للهويات العرقية، أو تجسيدها، أو تدميرها عن طريق حشد المعلومات المجمعة من كل من تفاصيل ظروفهم المحلية ومن مجموعة الفِكَر والممارَسات المتداوَلة داخل محيطهم العام. ومن خلال هذا التركيز يُصبح أوضح من أي وقتٍ أن العرق وما يَرتبط به من خيالات كانت أساسية لتشكيل العمليات العالَمية، وفي هذا الإطار، تاريخ التفاعلات الثقافية عبر الزمن، ومن خلال هذه التشكيلات الدينامية، تَشكَّل العرق كحقيقةٍ اجتماعية، ولذا لا يزال يُحدث تغييرات بالعمليات العالمية ويَتغيَّر بفعلها أيضًا في نفس الوقت.

(هذا المقال مُقتبَس من «مقدمة: العولمة وتحول العرق»، لديبورا توماس وكاماري كلارك. في كتاب «العولمة والعرق: تحولات في الإنتاج العالمي للعرق الأسود». تحرير كاماري ماكسين وديبورا توماس، الصفحات ١–٣٦. حقوق الطبع، ٢٠٠٦: مطبعة جامعة ديوك. جميع الحقوق محفوظة. أعيد نسخه بإذن من الناشر.)

(٩) فاي في هاريسون: العرق والعنصرية ومناهضة العنصرية

تداعيات على حقوق الإنسان
فاي في هاريسون: أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة فلوريدا، بجينزفيل. تُعالج أبحاثها التفاوت الاجتماعي والسياسة المنبثقة استجابة له. تُعنى مطبوعاتها العديدة باستكشاف الفروق الاجتماعية للعرق، والنوع الاجتماعي، والطبقة الاجتماعية، والهوية القومية (والعابرة للقومية) و«طريقة تفاعلها وعملها معًا على نحوٍ متزامن في الحياة اليومية» في الولايات المتحدة، وبريطانيا العظمى، وجزر الكاريبي من بين أماكن أخرى. ود. هاريسون هي الرئيس السابق لجمعية الأنثروبولوجيين السود وعضوة سابقة (لفترتين) باللجنة التنفيذية للجمعية الأمريكية للأنثروبولوجيا، وترأَّست مفوضية الاتحاد الدولي للعلوم الأنثروبولوجية والإثنولوجية لأنثروبولوجيا المرأة، وعملت في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي للعلوم الأنثروبولوجية والإثنولوجية. ود. هاريسون عضو بالمجلس الاستشاري العلمي لمشروع «العرق». الصورة بتصريح من فاي هاريسون.

***

(٩-١) العرق والثقافة والسلطة في عصر ١١ سبتمبر

العرق هو تمييزٌ محدد تاريخيًّا للتصنيف الطبقي الاجتماعي المخصَّص لفئات من الناس يُفترض أنهم يَشتركون في سماتٍ بدنية أو بيولوجيةٍ أخرى، أو يَشتركون في أصلٍ بارز اجتماعيًّا يُقتفى منه النسب وفقًا لمعاييرَ مختارةٍ ومشَكَّلة ثقافيًّا. زعم بعض العلماء أن تكوين العرق والهرمية الوثيقة الارتباط به له أصوله، تاريخيًّا، في سياقات التوسُّع الاستعماري وبناء الإمبراطورية، واللذان تميزا بالاستيلاء على الأراضي الخاصة، وبقهر العُمال، وبأشكالٍ قمعية، بل مُذلَّة ومجردة من الإنسانية، لسلطة الدولة. وقد تطورت تنويعات على هذه الموضوعات المثيرة للاستياء الخاصة بالحقبة الاستعمارية، وحقبة ما بعد الاستعمار فيما بعدُ، في الأمريكتين، وأفريقيا، وآسيا (جرينبرج ١٩٨٠). ومع التقاطعات الإرادية والقسرية لتدفُّقات السكان على مدار القرون العديدة الماضية، يمكن تخطيط الترتيبات العرقية (والتي تسمى أيضًا التكوينات العرقية أو منظومات العلاقات العرقية) على مستوًى عالَمي، مع ازدياد التنوع ثقافيًّا وعرقيًّا في أوروبا، التي تُعدُّ المركز التاريخي وقمة السلطة الإمبريالية، أكثر مما كان مُتخيَّلًا أن تكون عليه الدول الغربية في الماضي (أندرسون ١٩٩١). وفيما كان للأعداد المحدودة للأقليات العرقية (أو الإثنية المعرقنة)، بما فيها الأوروبيون السيئو السمعة مثل اليهود والروما، حضورٌ لزمنٍ طويل في تلك المجتمعات المُتجانسة المزعومة، أسهمَت موجات من الهجرة الداخلية (والهجرة العابرة للحدود) على نحوٍ خاصٍّ في العرقنة التعددية المعاصرة لأوروبا؛ مما يُشعل في العديد من الحالات جدلًا عامًّا حادًّا وردَّ فعل سياسيٍّ عنيفًا بشأن الحدود الإثنية للانتماء الإقليمي والقومي. فقد استهدف الخوفُ من الأجانب، الذي من المعتاد أن يأتي مُصاحبًا لمعاني وتأثيرات العرقنة، المهاجرين المسلمين على نحوٍ مُتزايد منذ أزمة الأمن الداخلي التي اندلعَت بفعل هجمات ١١ سبتمبر الإرهابية، التي شنَّها تنظيم القاعدة (سبتمبر ٢٠٠١) في الولايات المتحدة وتفجيرات ٧ يوليو في محطة مترو لندن (يوليو ٢٠٠٥). وسواء في أوروبا، أو الأمريكتَين، أو أفريقيا الجنوبية، أو أي مكانٍ آخر، تتجلَّى ثقافة العرق، وسياساته، واقتصاده السياسي على نحوٍ بارز، على الرغم من أن أساليب الخطاب الحديث تَزعم أنها قد بلغَت لحظة من تجاوُز العنصرية أو انعدامها وطي صفحتها. على النقيض من هذا التفكير الآمل، أو السذاجة السياسية، أو الحيل الخطابية، تتسم المرحلة الحاسمة المعاصرة ﺑ «الصراعات العرقية [التي] تبدو أنها آخذه في التصاعد وليس الانحسار في العديد من الأماكن حول العالم» (هاريسون ٢٠٠٥ب).

في كثير من السياقات المعاصرة، تكون لغة العرق هي اللغة التي يَلعب فيها مفهومٌ ما للثقافة وليس البيولوجيا دورًا أيديولوجيًّا أساسيًّا. بعبارةٍ أخرى، أُعيدت صياغة الافتراضات بشأن العلاقات داخل الجماعات ومُبررات وجود الحدود والمسافات الاجتماعية في إطار اختلافاتٍ ثقافية لا يُمكن رأبها من الأساس. وفي أسوأ السيناريوهات تُصنَّف مثل هذه الاختلافات كمرضٍ أو كشرور شياطنية. وتمثل هذه المفاهيم الأساس الخطابي للمُمارسات والسياسات العقابية التي تَستهدف مجموعاتٍ معيَّنة من السكان، من السكان الأصليين والمهاجرين على حدٍّ سواء، بأنماطٍ متنوِّعة من التمييز والتنميط والتضحية بهم ككبش فداء، والاضطهاد والاعتقال الجماعي، أو في حالة المهاجرين واللاجئين، الترحيل والنفي. وعبر سياقاتٍ عديدة، يمثل العرق جزءًا لا يتجزَّأ من التصورات والإدراكات الشائعة للواقع الاجتماعي والتصنيفات وصور المنطق التي تعمل من خلالها هذه التصورات لكي تكون ذات معنًى. وعلى الرغم من طبيعة العرق البديهية، التي تُعدُّ جزءًا متأصلًا من رؤية للعالم مقبولة دون أي نقد، فإن «العرق عبارة عن مجموعة من المعاني المتناقضة والمتضاربة مشحونة [ومتغيرة] أيديولوجيًّا» (هاريسون ١٩٩٧، ٣٩٢). تشكَّلت بفعل عملياتٍ ثقافية ديناميكية حدثت بفعل تفاوُت السلطة. إنه سلسلة مترابطة من العلاقات نشأت على المستوى الاجتماعي، ولها أبعادٌ معرفية، وانفعالية، ومادية. وبِنيَتاه القائمتان على الشعور والمادية تتخللان الميادين الثقافية الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية. وفي النهاية، تُضمنان العنف المنهجي وأمراض السلطة (فارمر ٢٠٠٣) التي تُعدُّ عناصرَ مكونةً «للعنصرية» في أوساطها وأشكالها المتعددة. وقد وصفت بعض من هذه الأوساط والأشكال في إطار العنصرية الثقافية، والعنصرية المؤسسية، والعنصرية المنهجية، والتمييز العنصري العالمي (بوكر ومينتر ٢٠٠١؛ هاريسون ٢٠٠٢). وفي ضوء منطق البِنية، والقدرة على الفعل، والتغيير، فإن المشاعر والعلاقات المادية التي تمثل جزءًا لا يتجزأ من الواقع المعيش للعرق ليست جميعها سلبية. فقد ألهمت أنماط المقاومة الثقافية والسياسية التي تنشأ منها؛ هُوياتٍ مناهضةً للعرقية أكثر تمكينًا وتحشد من أجل تحقيق أهدافٍ من ضمنها التحرر من العبودية واضطهاد ما بعد التحرُّر، والارتقاء بالجماعات العرقية، والحقوق المدنية، وحقوق الإنسان، حسبما تُبيِّن خبرات ونضالات الأمريكيين الأفارقة.

(٩-٢) الاضطهاد العرقي أكثر من مجرد انحياز

العنصرية من القضايا المتجدِّدة التي تُعدُّ معانيها، وأشكالها (التي يمكن أن تكون دقيقة وغير ملحوظة)، وآثارها محل جدل إلى حدٍّ بعيد. فالعنصرية، التي غالبًا ما تُختزل إلى قصديةٍ مُتعصبة، أكثر من مجرد تعصُّب أو تحيز. وهي أيضًا أكثر من أيديولوجية ورؤية للعالم (سميدلي ٢٠٠٧). لقد عرَّف روث فرانكينبرج (١٩٩٣: ٧٠)، المتخصص في الدراسة النقدية لكيفية تكوين العرق الأبيض اجتماعيًّا، العنصرية، التي يُعدُّ تفوق العرق الأبيض هو الشكل السائد لها، بأنها «ليست فقط أيديولوجية أو توجهًا سياسيًّا، ولكنها أيضًا منظومة من العلاقات المادية مع مجموعة من الفِكَر مرتبطة بتلك العلاقات المادية وراسخة فيها.» وبناءً على أبحاثهما في نيوزيلندا/أوتيروا، تُقدم مارجريت ويزريل وجوناثان بوتر (١٩٩٢) رؤية للعنصرية بوصفها «أي أفعال، سواء كانت مقصودة أم لا، من شأنها إدامة وتعزيز هيكلٍ قمعي لعلاقاتٍ سلطويةٍ غير متكافئة.» بعبارةٍ أخرى، وبحسب تعبير هاريسون، «يُمكن أن تكون العنصرية هي النتيجة غير المقصودة للمحادثات والسلوكيات اليومية، على الرغم من غياب التعصُّب المتمركز حول العرق، وحتى الأفعال التي يُقصَد أن تكون مناهضة للعنصرية قد يكون لها نتائج معرقنة، بدلًا من أن تقضي على العرقنة عن غير قصد» (١٩٩٧: ٣٩٥).

وبالأخذ في الاعتبار أن العنصرية تؤدي إلى «القمع»، أو تُعزِّزه، أو تُقوِّيه، أو قد تكون «هي ذاتها قمعًا»، وأن هذا القمع، الذي يعمل بالاشتراك مع صورٍ مُتقاطعة للإجحاف والظلم (كتلك القائمة على الطبقة، والنوع الاجتماعي، والجنسانية)، غالبًا ما يجرد الشعوب التي يستهدفها من إنسانيتهم، فإن العنصرية مشكلةٌ أساسية فيما يَتعلق بمخاوف المجتمع الدولي وحركات حقوق الإنسان. «فالعنصرية انتهاك لحقوق وكرامة الإنسان». وحقوق الإنسان هي «المطالب المسوغة أخلاقيًّا وقانونيًّا بالكرامة، والحرية، والأمان الشخصي، والرفاهية التي يُمكن للأشخاص كافة بلوغها بفضل كينونتهم كبشر» (هاريسون ٢٠٠٥أ: ١١). تُحدَّد المعايير والمثل الدولية لحقوق الإنسان بدقة في البيانات، والمواثيق، والمعاهَدات التي توقع عليها الدول، إذا وقَّعت عليها. وتحميل الدول — والأطراف التي تفوق سلطتها سلطة الدولة، مثل الشركات عبر الوطنية — المسئولية عن تطبيق مبادئ حقوق الإنسان؛ أمرٌ صعب، لا سيما في «عالم» معولم «مشحون بالصراعات يتسع فيه التفاوت في الثروة، والصحة، والسلطة» (هاريسون ٢٠٠٥أ: ١١). وعلى الرغم من ذلك، فمنذ نهاية الحرب الباردة، «صارت حقوق الإنسان هي القيم السياسية الأكثر قبولًا ووضوحًا على المستوى العالَمي في العالم. وعلى بعض الأصعدة المهمة، تملأ لغة حقوق الإنسان الفراغ الذي خلقه (هاريسون ٢٠٠٥أ: ١١) «توقُّف السرديات السياسية الكبيرة [السابقة]» (ويلسون ١٩٩٧: ١).

(٩-٣) تصنيف التمييز العنصري كانتهاك لحقوق الإنسان

تم التصديق على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في عام ١٩٦٥ ودخَلت حيِّز التنفيذ بعد ذلك بأربع سنوات، أي قبل عقد من إقرار اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي سرَت في عام ١٩٨١. وعلى الرغم من أن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري كانت «من أولى معاهَدات حقوق الإنسان الدولية الأساسية التي تبنَّاها المجتمع الدولي» (منظمة العفو الدولية ٢٠٠١: ٢). فإنها أقل بروزًا وتأثيرًا من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وغيرها من الاتفاقيات. لقد حصلت على تصويت بالإجماع من الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ غير أن «دعمها الواسع النطاق … [نبع من] اعتباره في الأساس … يستهدف التفرقة العنصرية، والمُمارسات العرقية للاستعمارية، وأسلوب معاملة الأمريكيين الأفارقة في الولايات المتحدة. فمعظم الدول لم تكن تراه قابلًا للتطبيق أو حتى يحتاج إلى التطبيق، داخل نطاق أراضيهم. ولا يزال مثل هذا الإنكار لوجود تمييزٍ عنصري يُمثل مشكلةً خطيرة حتى اليوم» (منظمة العفو الدولية ٢٠٠١: ٢-٣). وقد كتب عالم الأنثروبولوجيا الاجتماعية مايكل بانتون (١٩٩٦)، والذي عمل أيضًا في لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، أيضًا عن أهمية السياسة الخارجية للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري خلال الستينيات والكفاح المنظم منذ تلك البدايات لإجبار الدول — بما فيها الولايات المتحدة — على الانصياع لبنودها كمعاهَدةٍ ملزمة قانونًا.

انعكس الخفوت النسبي للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري على نحوٍ واضح، ولكنه مثير للأسف في الأدبيات التي تتناول حقوق الإنسان. ومن الأمثلة على ذلك كتاب ميشلين آر إيشاي «تاريخ حقوق الإنسان: من العصور القديمة حتى عصر العولمة» (٢٠٠٤)، والجزء المُكمِّل له «دليل حقوق الإنسان: مقالاتٌ سياسيةٌ مهمة وخطب ووثائق من العصور القديمة حتى العصر الحاضر» (٢٠٠٧). فعلى الرغم من أن هذَين الكتابين يُعدَّان مصادرَ مفيدةً للمعلومات بالأساس، فإن البارز فيهما تجاهُلهما للقُوى التي أدَّت إلى إعلان عام ١٩٦٣ ثم اتفاقية عام ١٩٦٥، واللذَين عَرَّفا وصَنَّفا التمييز العنصري كانتهاك لحقوق الإنسان وإنكار للحريات الأساسية. فيحوي دليل إيشاي، حتى في طبعته الثانية، وثائقَ مهمةً مثل وثيقة الماجنا كارتا الصادرة عام ١٢١٥، وإعلان استقلال الولايات المتحدة الصادر عام ١٧٧٦، والإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن (١٧٨٩) بوصفها الخلفية الفلسفية والسياسية للوثائق الأخرى المنشورة بالكتاب مثل ميثاق الأمم المتحدة لعام ١٩٤٥، إلى جانب سلسلةٍ طويلة من المواثيق، والاتفاقيات، والمعاهدات، وبروتوكولات الاتفاقيات، من بينها إعلان حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة (١٩٧٥) واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (١٩٧٩ / ١٩٨١). بالطبع كان على المحرِّرة أن تكون انتقائية. غير أنها تُكرِّر في اختياراتها طلاب الأقليات الأكثر عرضة للالتحاق نمطًا شائعًا من الطمس، أو الإسكات، أو ربما الرقابة الفعلية في بعض الحالات. ومع ذلك فقد ورد في كتابها الأول ذكرٌ خاطفٌ للعرقية ومكافحة العنصرية في بعض المواضع في سياق العبودية، وإلغاء العبودية، ومعاداة السامية في عصر الحرب العالمية الثانية. وقد أُدرجت الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في ملحق الكتاب المعنون: «سجل زمني لترتيب الأحداث والكتابات ذات الصلة بحقوق الإنسان» (٢٠٠٤: ٣٦٥)، ولكن دون التطرُّق إلى مناقشته في أي موضع بالكتاب، على الرغم من الاستشهاد بخطبة مارتن لوثر كينج الابن «لدي حلم» في الجزء الخاص بالحركات الاجتماعية الجديدة من الكتاب. لقد أهدرَت إيشاي ببساطة فرصةً لإقامة صلات ربط مع جهود مناهضة العنصرية التي بُذلت داخل وخارج الولايات المتحدة والمُتعلِّقة بإقرار وتطبيق الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والمُعاهَدات الأخرى ذات الصلة وبرامج عمل مؤتمرات الأمم المتحدة.

يَرتبط بهذا النمط في المحو والطمس نزوع التغطية الإخبارية والخطاب السياسي في المؤتمر العالمي لمناهَضة العنصرية، الذي عُقد في ديربان، بجنوب أفريقيا في عام ٢٠٠١، ومؤتمر مراجعة ديربان الذي انعقد في جينيف عام ٢٠٠٩ إلى الاستخفاف بأهمية هذه الفعاليات لحقوق الإنسان الدولية. فقد تعرَّضت هذه المؤتمرات إلى جانب جميع ما ارتبط بها من أبحاث، وجماعات ضغط، وأنشطةٍ تنظيمية أخرى إلى التشوية والتشكيك في وسائل الإعلام الرئيسية إلى حدٍّ كبير. وقد حدَث هذا، إلى حدٍّ كبير، بسبب موقف هذه المؤتمرات المُثير للجدل بشأن تعويضات ضحايا تجارة العبيد العابرة للأطلنطي، التي اعتبَرها المؤتمر العالَمي لمناهضة العنصرية «جريمة ضد الإنسانية»، وانتقادها لسياسة إسرائيل تجاه فلسطين، والسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط بالتبعية. فالعلاقات الدولية، وفقًا للحكومة الأمريكية، تتجاوز النطاق والهدف القانونيَّين لمؤتمرات الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية، ومنتديات المنظمات غير الحكومية، التي واجهت هذه القضايا على نحوٍ غير ملائم في إطار العنصرية. ويتوافَق هذا الرد، من جوانب عدة، مع الأساليب التقليدية في التعامل مع العلاقات الدولية، التي تميل إلى إنكار أهمية العرق وآلياته في العلاقات الدولية الحديثة. فيذهب الباحث في العلاقات الدولية روبرت فيتاليس (٢٠٠٠) إلى أن ثمة «مبدأً» خفيًّا «ضد الالتفات إلى العرق» يطغى على السياسة الخارجية، وكما تُبين عالمة الأنثروبولوجيا كريستين لوفتسدوتير (٢٠٠٩)، أيضًا في مجال التنمية الاقتصادية ذي الصلة. وقد وضَع ويليام إدوارد بورجاردت دو بويز ورالف بانش سوابق علمية ونضالية في مكافحة هذا المبدأ (انظر هاريسون ٢٠٠٢).

ثمة مجالٌ آخر أكثر ارتباطًا بكثير بمجالات اهتمام علماء الأنثروبولوجيا، وهو الحوار المحدود والتفاعل بين أنثروبولوجيا حقوق الإنسان والدراسات الأنثروبولوجية النقدية للعرق والعنصرية. على سبيل المثال، نادرًا ما تَستقصي الأدبيات المُستفيضة التي تتناول الشعوب الأصلية وحقوقهم العرق والعنصرية على نحوٍ صريح كمُكونات للقمع، وفي أسوأ الحالات، الإبادة الجماعية التي تُجابهها الشعوب الأصلية. ويعدُّ أسلوب تعامل بيتر ويد مع «بِنيات الغيرية» (أي الاختلاف، أو الآخر)، التي تُخضِع سكانًا أصليين لأمريكا اللاتينية وأشخاصًا مُنحدِرين من أصول أفريقية إلى أشكالٍ مختلفة من العرقنة — ولكنها عرقنة على أية حال — من الأمثلة القليلة التي يُنظر فيها إلى التطبيق التقليدي «للإثنية» على الشعوب الأصلية والتطبيق التقليدي «للعرق» على السود كأمرٍ إشكالي وخاطئ (ويد ١٩٩٧: ٣٦-٣٧). ويُعدُّ جوناثان وارين (٢٠٠١) وتشارلز هيل (٢٠٠٦) اثنين آخرين من سكان أمريكا اللاتينية ممن حلَّلوا ثقافة وسياسة العرق في عمليات تعبئة وحشد الشعوب الأصلية من أجل العدالة والحقوق.

لقد كان مما جعل إعلان حقوق الشعوب الأصلية الذي تمَّ إقراره في عام ٢٠٠٧ مُمكنًا إلى حدٍّ كبير التأييد الأنثروبولوجي والأرض التي مهَّدتها كفاحات ائتلاف أوسع كثيرًا للمُناهضين للعنصرية لإعداد مسوَّدة الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري تنفيذها و«الإعلان وبرنامج العمل» اللذَين أُقرَّا في المؤتمر العالَمي لمناهضة العنصرية في ديربان، بجنوب أفريقيا في عام ٢٠٠١ (المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية، سكرتارية منتدى المنظمات غير الحكومية، ائتلاف المنظمات غير الحكومية بجنوب أفريقيا ٢٠٠٢). وتضمُّ الوثيقة الأخيرة أجزاء عن «الشعوب الأصلية» (٢٠٠٢: ٢٣-٢٤، ٥٩–٦٢)، وأوصى بشدة بإقرار إعلان حقوق الشعوب الأصلية. وقد لعب تأييد علماء الأنثروبولوجيا نيابةً عن — وبالاشتراك مع — نشطاء يَنتمون إلى السكان الأصليِّين دورًا مهمًّا في تقديم حقوق الشعوب الأصلية كحقوق إنسان. وقد كانت المنظَّمات غير الحكومية مثل «البقاء الثقافي» و«البقاء الدولي»، نماذج في هذا التطبيق العملي.

(٩-٤) مناهضة العنصرية والحقوق في مجتمعات الشتات الأفريقي

يَعمد علماء آخرون في مجال الأنثروبولوجيا إلى إدخال الاهتمام بالعرق ضمن تحليل خطابات وممارسات حقوق الإنسان؛ أو إدخال حقوق الإنسان ضمن دراسة العنصرية ومناهَضة العنصرية. فإلى جانب مايكل بانتون (١٩٩٦)، الذي ذكرت بعض أعماله سابقًا، أقدم جواو كوستا فارجاس (٢٠٠٨) على تفسير مُتسلسلة الإبادة الجماعية (شيبر-هيوز ٢٠٠٠) التي تعمل في سياقات مجتمعات الشتات الأفريقي، خاصة في الولايات المتحدة والبرازيل حيث أجرى أبحاثًا، مُجمِّعًا النتائج التي توصَّل إليها في مواقعَ متعدِّدةٍ بطرُق سلطت الضوء على القواسم المشتركة أو أوجه التشابه بين القمع وانتهاك حقوق الإنسان. وتُوضِّح كيشا-خان بيري (٢٠١٠)، بناءً على أبحاث عن حركات النضال الشعبي للمرأة البرازيلية الأفريقية في سالفادور، بولاية باهيا، كيف تَحشد المنظَّمات التي تقودها النساء السوداوات في الأحياء «من أجل مكافحة القمع العرقي والجنسي والمطالبة بالحق في الحصول على الموارد مثل الأرض والماء» (٢٠١٠: ١٤٣). وتوضِّح كيف تلعب هذه السيدات أدوارًا أساسية في «إعادة صياغة مفاهيم المواطنة» و«توظيف خطاب الحقوق والمطالبة بالحق في الموارد؛ في تكوين ردود منظمة على الهيمنة العرقية المحدَّدة مكانيًّا» (بيري ٢٠١٠: ١٤٨).

تَدرس أبحاثي (هاريسون ٢٠٠٠؛ ٢٠٠٢؛ ٢٠٠٥أ وب؛ ٢٠٠٨) أيضًا مناهضة العنصرية كموضع للوعي بحقوق الإنسان، وخطابها، وممارَستها. وقد تتبَّعتُ شبكة إقليمية جنوبية للعدالة الاجتماعية، شارك قادتها، وأغلبهنَّ سيداتٌ أمريكياتٌ أفريقيات وسيداتٌ أخريات من أصولٍ أفريقية (مثل النساء الكاريبيات واللاتينيات في أتلانتا وجنوب فلوريدا) في المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية؛ وفي مؤتمر بكين الرابع للمرأة المنعقد عام ١٩٩٥. وقد جلبْنَ معهن إلى الوطن دروسًا تعلَّمنها في دورهام في المواقع المحلية والإقليمية التي يَقُمن فيها بنشاطهن الاجتماعي والاقتصادي، وفي مجال العدالة البيئية. وهنَّ يعملن بصفتهن ناشطات على بناء جسور للربط بين عدد من حركات النضال المتقاطعة ضد العنصرية وما يرتبط بها من حملاتٍ قمعية؛ وهو ما يتجلى في المدارس غير المطابقة للمعايير، وظروف العمل الاستغلالية، والتفاوت في الأوضاع الصحية، والعنف ضد المرأة، والممارسات الشُّرطية القمعية، والاعتقال الجماعي. وكما كتبتُ في موضعٍ آخر، فإن «حركات النضال العديدة والمتشابكة في ذات الوقت يجري إعادة النظر فيها وإعادة تأطيرها في إطار شبكة تواصُل مُترابطة قائمة على حقوق الإنسان العالمية» (هاريسون ٢٠٠٨: ١١). وهدفي هو معرفة كيف تُترجم الأفكار والاستراتيجيات المتداوَلة في السياقات العابرة للوطنية (كسياقات الأمم المتَّحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية مثل منظمة العفو الدولية والمجموعة الدولية لحقوق الأقليات) وإدراجها ضمن الخطاب اليومي الدارج (ميري ٢٠٠٦) في الحياة والنضال اليوميَّين في مواقعَ محليةٍ وإقليمية معيَّنة. وعدستي الإثنوجرافية المتعددة البؤر موجَّهة إلى النشطاء في مجال حقوق الإنسان في الجنوب الأمريكي، خاصة النساء السوداوات اللائي يضعن خرائط لأنفسهن ولدوائرهن المتعدِّدة الأعراق التي تضم مواطنين ومُهاجرين على نحوٍ متزايد في نقطة تقاطع العرق والنوع الاجتماعي والطبقة الاجتماعية الواقعة على مشهدٍ ثقافيٍّ اجتماعي؛ حيث يتلاقى الجنوب الأمريكي مع الجنوب العالمي (هاريسون ٢٠٠٥ب).

يعي نشطاء الشبكة البارزون تمامًا تاريخ الوعي بحقوق الإنسان والدفاع عنها في كفاح الأمريكيِّين الأفارقة من أجل الحرية. ويُلقي تقريرٌ سنوي صادر عن المركز القومي لتعليم حقوق الإنسان بولاية أتلانتا (٢٠٠٠) الضوءَ على مواجهة فريدريك دوجلاس لقضية «حقوق الإنسان للزنوج» في خمسينيات القرن التاسع عشر. وخلال أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين كانت أجندة حقوق الإنسان مركز حملات الجمعية الوطنية للنهوض بالملوَّنين لمُناهضة العنصرية ومنظَّمات حقوق الإنسان الأخرى الأكثر يسارية، وأبرزها منظمة المؤتمر الوطني للزنوج ومؤتمر الحقوق المدنية (أندرسون ٢٠٠٣). وقد أعدَّت هذه المنظَّمات عرائض للأمم المتحدة توثِّق انتهاكات حقوق الإنسان، فيما ذهبت عريضة ويليام باترسون بعيدًا إلى الزعم بوجود إبادةٍ جماعية (مؤتمر الحقوق المدنية ١٩٥١). وفي النهاية، اتجهت الجمعية الوطنية للنهوض بالملوَّنين إلى اليمين، لتتَّحد مع إدارة ترومان وتنأى بنفسها عن المواقف الراديكالية التي اتخذها ويليام إدوارد بورجاردت دو بويز، وويليام ولويس باترسون، وبول إسلاندا روبسون، الذين تمَّت شيطنتهم بوصفهم بأنهم «غير أمريكيِّين» في العصر المكارثي في خمسينيات القرن العشرين. وأجبر مناخ الحرب الباردة هذا دو بويز على الهجرة إلى غانا حيث تُوفي هناك قبيل مسيرة واشنطن عام ١٩٦٣. في العام التالي مباشرة واصَل مالكولم إكس المطالبة بمراعاة حقوق الإنسان. ففي حوارٍ أجراه عام ١٩٦٤ مع مجلة مانثلي ريفيو، قال ما يلي:

لقد كان الهدف من خطابي الموجَّه إلى [قادة حركة الحقوق المدنية] هو أن أُبيِّن لهم أنهم لو كانوا سيعملون على توسيعِ نطاق حركتهم للحقوق المدنية لتُصبح حركة لحقوق الإنسان، فإن ذلك من شأنه تدويلُها. أما الآن، فهي لا تزال داخل حدود السياسة المحلية الأمريكية لكونها حركة للحقوق المدنية، وما من دولة أفريقية مستقلة يمكنها أن تنبس بشيء يتعلق بالشئون الداخلية الأمريكية، في حين أنهم إذا وسَّعوا نطاق حركة الحقوق المدنية لتُصبح حركة لحقوق الإنسان، لصاروا مؤهَّلين للتوجه بقضية الزنوج إلى الأمم المتحدة تمامًا مثل قضية الأنجوليِّين المتداولة في الأمم المتحدة، وقضية مواطني جنوب أفريقيا المتداولة في الأمم المتحدة. وبمجرد توسيع نطاق حركة الحقوق المدنية لتصبح حركة لحقوق الإنسان يمكن لأشقائنا الأفارقة، وأشقائنا الآسيويين، وأشقائنا في أمريكا اللاتينية أن يضعوا القضية على أجندة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستناقَش هذا العام دون أن يكون لأبناء العم سام أيُّ سلطة لاتخاذ القرار فيها.

سبيلمان ١٩٦٤

لا تزال أصداء هذه المسيرة التاريخية، بما تحمله من أهمية وإرث، والموثَّقة على نحو شافٍ في تأريخ كارول أندرسون (٢٠٠٣؛ ٢٠٠٨)، تتردَّد في الوعي الأمريكي الأفريقي والأفرو-أطلنطي، وحركة النضال السياسي، والتحليل الاجتماعي إلى اليوم. فلم يكن من قبيل الصدفة مُطلقًا أن من بين أربع روايات وردت على لسان نشطاء في مجال حقوق الإنسان في كتاب «من الحقوق المدنية إلى حقوق الإنسان»، وهو الكتاب الثاني ضمن سلسلة كتب «إعادة حقوق الإنسان لأصحابها» المكوَّنة من ثلاثة أجزاء (سووهو، ألبيسا، وديفيز ٢٠٠٨)، كان ثلاثة منهم أمريكيِّين من أصل أفريقي، وهم: أجامو باراكا، المدير التنفيذي للشبكة الأمريكية لحقوق الإنسان؛ ولوريتا روس الناشطة النسائية المناهضة للعنصرية، والناشطة في مجال حقوق الإنجاب، والتي أسَّست المركز القومي لتعليم حقوق الإنسان؛ وليزا كرومز الناشطة والباحثة القانونية والأستاذة بجامعة هوارد (ألبيسا ٢٠٠٨: ٤٩–٧٠). ولعلَّ في هذا دلالة على مركزية تجربة السود ومناهضتهم للعنصرية بالنسبة إلى حركة النضال من أجل حقوق الإنسان. ويُشير كذلك إلى عدم بلوغ التطورات التي طرأت على الديمقراطية الليبرالية الأمريكية وتوسيع الحقوق الانتخابية للمدى الكامل لحقوق الإنسان التي تتجاوَز الأبعاد السياسية والمدنية، وتؤكد على نحوٍ متزايد في المناقشات الدولية، على توسع نطاق فهم الاستغلال والانتهاك الذي يُشير ضمنًا إلى العنف المنهجي الذي يُمارسه الفقر، وظروف العمل المُجحِفة، والتدهور البيئي على بقاء الإنسان وسعادته.

كان لتجربة السود في الولايات المتحدة وعبر مجتمعات الشتات الأفريقي — لا سيما في ثورة هاييتي كحالةٍ نموذجية — دورها في توسيع معاني الحقوق وتقليص فروقها لزمنٍ طويل بطُرق تتجاوز رؤى ونوايا أنصار الثورة الفرنسية، والثورة الأمريكية، وهزيمة النازية، وغير ذلك من أحداثٍ غيَّرت وجه العالم. ويظل هذا النوع من التأثير ضروريًّا اليوم في الوقت الذي لا تزال فيه حياة بعض الناس تحت مستوى البشر. والتأثير التقدمي لحركة التنوير وإرثها على كيفية وضع مفهوم للحقوق وتوظيفها سياسيًّا؛ من الأمور التي تأمَّلت فيها المتخصصة في نظرية ما بعد الاستعمار الجامايكية سيلفيا وينتر (٢٠٠٢؛ ٢٠٠٣) على نحوٍ جدِّي. وهي تؤيِّد فكرة بناء أي نظرية للمعرفة والوجود الاجتماعي على «أسس مفاهيمية خلاف تلك الراسخة في تصور حركة التنوير الغربي وفي حدود ثوابتها الموروثة» (هاريسون ٢٠٠٨: ١٤). وتذهب إلى أن «نموذج الإنسان المشتق من ذلك المسار الذي يدَّعي الكونية يفترض دونية الأفارقة وكل ما هو نابع من أصلٍ أفريقي واعتبارهم كائنات مختلفة جذريًّا. ونتيجة لذلك، لا يُمكن بلوغ الإنسانية الكاملة دون إعادة هيكلة أساسية لبنود وشروط اكتساب صفة إنسان» (هاريسون ٢٠٠٨: ١٤). وتزعم أن هذه الإعادة الجذرية الأساسية لهيكلة الإنسان التي تفرضها «حقبة ما بعد الإنسان» لها تداعيات على الافتراضات التي وُضعت بشأن موقف الأفارقة وأفارقة الشتات حتى في الحقبة المعاصرة داخل إطار التنمية الاقتصادية، والعلاقات الدولية، وأيضًا، حسب تخميني، حقوق الإنسان.

إن فحصًا وتنظيرًا جادَّين لتجربة السود — وكذا تجربة الشعوب الأصلية والآخرين ممن جُرِدوا من إنسانيتهم جذريًّا — من شأنهما أن يُمثِّلا تحدِّيًا بنَّاءً لإعادة النظر في حدود وخطوط حقوق الإنسان واستيعابها على نحوٍ أكبر إلى جانب العناصر الفاعلة والممارسات التي تَثبُت أهميتها وضرورتها في عالم اليوم.

المراجع

ديبورا توماس وكاماري كلارك: عولمة العرق

  • Baker, Lee D.:
    1998 From Savage to Negro: Anthropology and the Construction of Race, 1896–1954. Berkeley: University of California Press.
  • Holt, Thomas C.:
    2000 The Problem of Race in the 21st Century. Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Silverblatt, Irene:
    2004 Modern Inquisitions: Peru and the Origins of the Civilized World. Durham: Duke University Press.
  • Trouillot, Michel Rolph:
    1995 Silencing the Past: Power and Production of History. Boston: Beacon.
  • Winant, Howard:
    2000 Race and RaceTheory. Annual Review of Sociology 26: 169–185.

فاي في هاريسون: العرق والعنصرية ومناهضة العنصرية تداعيات على حقوق الإنسان

  • Albisa, Catherine:
    2008 First-Person Perspectives on the Growth of the Movement: Ajamu Baraka, Larry Cox, Loretta Ross, and Lisa Crooms. In Bringing Human Rights Home, vol. 2: From Civil Rights to Human Rights. Cynthia Soohoo, Catherine Albisa, and Martha F. Davis, eds. pp. 49–70. Westport, CT: Praeger Pubishers.
  • Amnesty International:
    2001 Using the International Human Rights System to Combat Racial Discrimination: A Handbook. London: Amnesty International Publications.
  • Anderson, Carol:
    2003 Eyes off the Prize: The United Nations and the African American Struggle for Human Rights, 1944–1955. Cambridge: Cambridge University Press.
  • Anderson, Carol:
    2008 A “Hollow Mockery”: African Americans, White Supremacy, and the Development of Human Rights in the United States. In Bringing Human Rights Home, vol. 1: A History of Human Rights in the United States. Cynthia Soohoo, Catherine Albisa, and Martha F. Davis, eds. Pp. 75–101. Westport, CT: Praeger Publications.
  • Anderson, Benedict:
    1991 Imagined Communities: Reflections on the Origin and Spread of Nationalism. London: Verso.
  • Banton, Michael:
    1996 International Action against Racial Discrimination. Oxford: Clarendon Press.
  • Booker, Salih, and William Minter:
    2001 Global Apartheid. The Nation 9(July): 11–17.
  • Civil Rights Congress:
    1951 We Charge Genocide: The Historic Petition to the United Nations for Relief from a Crime of the United States Government against the Negro People. New York: Civil Rights Congress. Papers of William Patterson, Moorland-Spingarn Research Center, Howard University.Washington, D.C.
  • Farmer, Paul:
    2003 Pathologies of Power: Health, Human Rights, and the New War on the Poor. Berkeley: University of California Press.
  • Frankenberg, Ruth:
    1993 White Women, Race Matters: The Social Construction of Whiteness. Minneapolis: University of University Press.
  • Greenberg, Stanley B.:
    1980 Race and State in Capitalist Development: Comparative Perspectives. New Haven: Yale University Press.
  • Hale, Charles:
    2006 Mas que un Indio: Racial Ambivalence and the Paradox of Neoliberal Multiculturalism in Guatemala. Santa Fe: School of Advanced Studies (SAR) Press.
  • Harrison, Faye V.:
    1997 Entries on “race” and “racism.” In The Dictionary of Anthropology.Thomas Barfield, ed. pp. 392–396. Oxford: Blackwell.
  • Harrison, Faye V.:
    2000 Facing Racism and the Moral Responsibility of Human Rights Knowledge. Annals of the New York Academy of Sciences 925: 45–69, December.
  • Harrison, Faye V.:
    2002 Global Apartheid, Foreign Policy, and Human Rights. Theme issue, “Race & Globalization,” Souls: A Critical Journal of Black Politics, Culture, and Society 4(3): 48–68.
  • Harrison, Faye V.:
    2005a Introduction: Global Perspectives on Human Rights and Interlocking Inequalities of Race, Gender, and Related Dimensions of Power. In Resisting Racism and Xenophobia: Global Perspectives on Race, Gender, and Human Rights. Faye V. Harrison, ed. pp. 1–31. Walnut Creek, CA:AltaMira Press.
  • Harrison, Faye V.:
    2005b What Democracy Looks Like: The Politics of a Woman-Centered, Antiracist Human Rights Coalition. In Resisting Racism and Xenophobia: Global Perspectives on Race, Gender, and Human Rights. Faye V. Harrison, ed. pp. 229–250. Walnut Creek, CA: AltaMira Press.
  • Harrison, Faye V.:
    2008 The Politics of Antiracism and Social Justice: The Perspective of a Human Rights Network in the U.S. South. North American Dialogue 12(1): 8–17, October.
  • Ishay, Micheline R.:
    2004 The History of Human Rights: From Ancient Times to the Globalization Era. Berkeley: University of California Press.
  • Ishay, Micheline R., ed.:
    2007 The Human Rights Reader: Major Political Essays, Speeches, and Documents from Ancient Times to the Present. 2nd edition. New York: Routledge.
  • Loftsdóttir, Kristin:
    2009 Invisible Colour: Landscapes of Whiteness and Racial Identity in International Development. Anthropology Today 25(5): 4–7, October.
  • Merry, Sally Engle:
    2006 Human Rights and Gender Violence: Translating International Law into Local Justice. Chicago: University of Chicago Press.
  • National Center for Human Rights Education:
    2000 Bringing Human Rights Home: Linking the Individual Dignity with Mutual Destiny; 1996–2000. Atlanta: National Center for Human Rights Education.
  • Perry, Keisha-Khan Y.:
    2010 Racialized History and Urban Politics: Black Women’s Wisdom in Grassroots Struggles. In Brazil’s New Racial Politics. Bernd Reiter and Gladys L. Mitchell, eds. pp. 141–163. Boulder: Lynne Rienner Publishers.
  • Scheper-Hughes, Nancy:
    2000 The Genocidal Continuum. In Power and Self. Jeannette Mageo, ed. pp. 29–47 Cambridge: Cambridge University Press.
  • Smedley, Audrey:
    2007 Race in North America: Origin and Evolution of a Worldview. 3rd edition. Boulder, CO:Westview Press.
  • Soohoo, Cynthia, Catherine Albisa, and Martha F. Davis, eds.:
    2008 Bringing Human Rights Home, vols 1–3.Westport, CT: Praeger Publications.
  • Spellman, A. B.:
    1964 Interview with Malcolm X. Monthly Review 16(1) May. http://www.monthlyreview.org/564mx.htm, accessed April 5, 2008.
  • Vargas, João Costa H.:
    2008 Never Meant to Survive: Genocide and Utopias in Black Diaspora Communities. Lanhan, MD: Rowman & Littlefield Publishers.
  • Vitalis, Robert:
    2000 The Graceful and Generous Liberal Gesture: Making Racism Invisible in American International Relations. Millennium: Journal of International Studies 29(2): 331–356.
  • Wade, Peter:
    1997 Race and Ethnicity in Latin America. London: Pluto Press.
  • Warren Jonathan W.:
    2001 Racial Revolutions: Antiracism and Indian Resurgence in Brazil. Durham: Duke University Press.
  • Wetherell, Margaret, and Jonathan Potter:
    1992 Mapping the Language of Racism: Discourse and the Legitimation of Exploitation. New York: Columbia University Press.
  • Wilson, Richaerd A., ed.:
    1997 Human Rights, Culture and Context: Anthropological Perspectives. London: Pluto Press.
  • World Conference against Racism NGO Forum Secretariat:
    2002 Declaration and Programme of Action. Johannesburg: Progress Press on behalf of WCAR NGO Forum Secretariat, South African Non-Government Coalition.
  • Wynter, Sylvia:
    2002 After Man, towards the Human: The Thought of Sylvia Wynter. Keynote Response at conference in honor of Sylvia Wynter. Centre for Caribbean Thought. University of the West Indies, Mona campus, June 14-15.
  • Wynter, Sylvia:
    2003 Unsettling the Coloniality of Being/Power/Truth/Freedom: Towards the Human, After Man, Its Overrepresentation—An Argument. CR: The New Centennial Review 3(3): 257–337, Fall.

قراءاتٌ أخرى

  • Ambramsky, S.:
    2010 Look Ahead in Anger. Hyperbolic Rhetoric Threatens to Swamp our Politics. The Chronicle of Higher Education, July 11. http://chronicle.com/article/Look-Ahead-in-Anger/66152/, accessed August 15, 2010.
  • Barash, D. P.:
    2010 Hey, Wait a Minute! Biological Roots of Today’s Anger.The Chronicle of Higher Education, July 11. http://chronicle.com/article/Hey-Wait-a-Minute-/66156/, accessed August 15, 2010.
  • Darity, W. A., J. Dietrich, and D. Hamilton, D.:
    2005 Bleach in the Rainbow:Latin Ethnicity and Preference for Whiteness. Transforming Anthropology, 13(2): 103–109.
  • Durrenberger, P. E., and D. Doukas:
    2008 Gospel of Wealth, Gospel of Work: Counter Hegemony in the U.S. Working Class. American Anthropology, 110(2): 214–224.
  • Friedman, A.:
    2010 All Politics is Identity Politics. The American Prospect, 22(7), August 10, http://www.prospect.org/cs/articles?article=all_politics_is_identity_politics, accessed August 14, 2010.
  • Keaton, T. D.:
    2010 The Politics of Race-Blindness. (Anti)Blackness and Category-Blindness in Contemporary France. DuBois Review, 7(1): 103–131.
  • Mullings, L.:
    2005 Resistance and Resilience: The Sojourner Syndrome and the Social Context of Reproduction in Central Harlem, 13(2): 79–91.
  • Sen, R., and Mamdouh, F.:
    2008 The accidental American. San Francisco, CA: Berrett-Koehler Publishers, Inc.
  • Truong, K.:
    2010 Review of Harvard Scholar’s Arrest Cites Failure to Communicate. The Chronicle of Higher Education, June 30. http://chronicle.com/article/Review-of-Harvard-Scholars/66099/, accessed December 9, 2011.
  • Wellman, D.:
    2009 Reconfiguring the Color Line: Racializing Inner city Youth and Rearticulating Class Hierarchy in Black America. Transforming Anthropology, 17(2): 131–146.

هوامش

(1) United States v. Wong Kim Ark, 169 U.S. 649 (1898), http://caselaw.lp.findlaw.com/scripts/getcase.pl?court=us&vol=169&invol=649, accessed July 14,2010.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤