الفصل الخامس

اختراع العرق الأبيض

على غرار الفئات العرقية الأخرى، اختُرِعَ «العرق الأبيض» على أيدي الأشخاص ذوي السلطة وطَعنَ في صحته أولئك الموجودون خارجها.

معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم

لماذا نُكرِّس فصلًا بأكمله للحديث عن اختراع العرق الأبيض؟ إن الإجابة بسيطة هذه المرة. في الولايات المتحدة، «العرق الأبيض» هو ما يُشير إليه علماءُ الأنثروبولوجيا اللغوية على أنه فئة عِرقية «غير موسومة». وتمثِّل الفئات غير الموسومة المعيار «الطبيعي» الذي يُقاس الآخرون على أساسه، على الرغم من أن أفرادها نادرًا ما يَعترفون — على نحوٍ صريح أو رسمي — بذلك. هذه الفئات غير الموسومة تكون بمنزلة «نجم قطبي» يُوجِّهُنا جميعًا إلى التعامل مع الفئات الأخرى على أنها استثناءات (راجِع موكوباداي في هذا الفصل، أورتشولي في الفصل الثاني عشر من هذا الكتاب). وعليه، لا يزال البعضُ حاليًّا يُساوون الهُوية العرقية البيضاء بالهوية «الأمريكية» الحقيقية أو الأصلية. ومع ذلك، فإن تاريخ أولئك الذين نعتبرهم الآن من البِيض الأمريكيين لا يُفهَم من دون الروايات المجيدة للتاريخ الأمريكي التي تُدرَّس في المدارس الابتدائية. إنه لأمرٌ مؤسِف لكنه غير مُستغرَب؛ لأن العرق الأبيض غالبًا ما لا يخضع للتدقيق الأكاديمي والتدقيق العام السائد الممنوحَين غالبًا للهويات العرقية الأخرى. وتاريخ العرق في أمريكا يكون ناقصًا على نحوٍ فادح في حال عدم التطرق إلى الروايات التي تحكي كيف جاء مجتمعُ البِيض إلى الوجود.

ظهر أولُ استخدامٍ قانوني لكلمة «أبيض» في قانون خاصٍّ بمُستعمَرة فرجينيا عام ١٦٩١، أدَّى — ضمن أمورٍ أخرى — إلى توسيع نطاق العقوبات الخاصة بزواج الأعراق المختلفة والعلاقات الجنسية، وزيادة صرامة هذه العقوبات وشدَّتها. يُقدِّم هذا القانون مثالًا مُبكِّرًا يوضِّح كيف حاول زعماءُ المستعمرات أن يُحافظوا على حدود العرق الأبيض حسب فهمهم لها. وكثيرٌ من الأفراد يعتبرون أن كلمة «أبيض» اليوم لم تكن كذلك عام ١٦٩١. وكما أوضَحنا في فصولٍ سابقة، أثَّرت الانتماءاتُ الدينية والوطنية بشدة في الهوية البيضاء في وقتٍ مُبكِّر من تاريخها؛ حيث كانت تقتصر بصفةٍ أساسية على الأنجلوأمريكيين البروتستانت في تلك الفترة. بينما لم يكن آخرون، مثل المهاجرين الألمان والأيرلنديين وأبنائهم، يُصنَّفون ضمن البِيض، ولم يَنْعَم بمزايا المواطنة الكاملة سوى طبقة مُلَّاك الأراضي. بيد أن تطوُّر العرق الأبيض — شأنه شأن كل التكوينات العرقية الأخرى — هو عمليةٌ مستمرة أو «مشروعٌ» مستمر (وينانت ٢٠٠١)؛ ومن ثمَّ فقد تغيَّرت تعريفاتُ العرق الأبيض وحدوده على مدار التاريخ الأمريكي، مع توسيع نطاقه عادةً على نحو استراتيجي من حين لآخر أثناء محاولة العلماء والزعماء السياسيِّين وغيرهم تحقيق التوازن بين مظاهر التحيُّز ضد المهاجرين والانحياز لأهالي البلاد الأصليِّين من جانب واحتياجات العمل في أمةٍ ناشئة من جانبٍ آخر.

لفهم العرق الأبيض المعاصِر، بدأنا مثل كثير غيرنا بويليام إدوارد بورجاردت دو بويز، وهو مصدر كثير من الآراء الحاسمة حول حقائق العرق وأكاذيبه في أمريكا. في كتابه «إعادة الإعمار الأسود» (١٩٧٠)، يوضح دو بويز أن العرق الأبيض لم يكن مفهومًا طبيعيًّا (يستند إلى النمط الظاهري الموروث) أو نتيجةً ثقافية محتومة في الولايات المتحدة، حتى في إطار العبودية العرقية. بدلًا من ذلك، كان العرق الأبيض الذي ابتكره الأسلافُ الأوروبيون حلًّا عِرقيًّا محسوبًا وضعه زعماءُ المستعمَرات لمواجهة التهديد الاقتصادي والمادي الذي تَفرضه وحدة الطبقة العاملة. وعندما صاغ المُشرِّعون النظام القانوني للعبودية العرقية وفرضوه خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، لم يكن من الغريب أن يتَّحد العُمَّال الأوروبيون مع السودِ (عبيدًا وأحرارًا)، ومع الأمريكيين الأصليين، فيتآمرون معهم ويثورون معًا ضد الاستغلال المُشترك الذي يُمارَس ضدهم على أيدي مُلَّاك الأراضي البِيض. يوضح تمرُّد بيكون الذي اندلع عام ١٦٧٦ في فرجينيا (انظر الفصل الثالث) و«مؤامرة» عام ١٧٤١ لتدمير نيويورك فداحة ما يُمثله هذا التهديد بالنسبة إلى الطبقة المالِكة. ردًّا على ذلك، قرَّرت النُّخبة البيضاء تقويض وحدة الطبقة العامِلة المختلفة الأعراق. ونجحَت في ذلك من خلال منح كل الرجال الأوروبيين فعليًّا كامل الصلاحيات السياسية أو القانونية المكفولة للبِيض. خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، ألغى المشرِّعون في المستعمرات الضرائبَ، والملكية الخاصة، والعمل، وغيرها من الشروط التي قَصرَت حقَّ الاقتراع سابقًا على مُلَّاك الأراضي الذكور. وكما يشير مؤرِّخ الطبقة العاملة ديفيد روديجر (١٩٩٩، ٢٠٠٨)، لم يكن هذا التوسُّع في الصلاحيات القانونية للبِيض تعبيرًا عن وحدةٍ قائمة بالفعل للبِيض تستند إلى أسلافهم الأوروبيين، وإنما كان محاولةً ناجحة من جانب النُّخب الاستعمارية لإقامة هذه الوحدة.

من وجهة نظر دو بويز، كان التحالُفُ العرقي مع النُّخب وفقًا لهذه الشروط مشئومًا وذا عواقبَ وخيمةٍ؛ لأن الانتماء الحديث للطبقة العاملة بالعرق الأبيض كان مستندًا إلى خيانة المصالح الطَّبَقية المشتركة وقمعها لأغراضٍ تتعلق بهيمنة البِيض والحصول على مميزاتهم. وساعَد اعتراف العُمَّال الأوروبيِّين بالانتماء الشخصي للعرق الأبيض باعتباره «أمرًا يمكن امتلاكه كمصدر قوة وكهُويَّة» (روديجر ٢٠٠٨) في ضمان استمرار الهيمنة السياسية والاقتصادية من قِبل الطبقة المالِكة. في المقابل، حصل العمال البيض على مزايا ماديةٍ مرتبطة بالمواطنة الكاملة بالإضافة إلى «المكافأة العامة والنفسية» (دو بويز ١٩٧٠) المتمثِّلة في فصلهم اجتماعيًّا وتمييزهم عن حلفائهم السابقين. ووقف الاستقلال السياسي الذي حظيَ به العُمَّال البِيض على النقيض من انعدام الاستقلال السياسي لدى العُمَّال السود. ومن خلال موافقتهم على اقتصار الطبقة الاجتماعية الدنيا حصريًّا على غير البِيض (والسود في المقام الأول)، والمساعدة في ضمان ذلك؛ فقد أسَّسوا حافزًا اقتصاديًّا قويًّا وراسخًا للعنصرية المنهجية تجاه الطبقة العاملة. رأى دو بويز أن العرق الأبيض بما له من تميُّزٍ شخصي وصلاحيات سياسية هو النقيض الصريح للعِرق الأسود، وما تزال رؤيته تلك تفيد التحليلاتٍ النقدية للتبعات القانونية والاقتصادية للتكوينات العرقية البيضاء على الفصائل الاجتماعية من غير البِيض (مثال، هاريس ١٩٩٣، ليبسيتز ٢٠٠٦).

في دراسةٍ رائعة بعنوان «تاريخ الشعب الأبيض»، تُشير المؤرِّخة نيل بينتر (٢٠١٠، المُستشهَد بها في هذا الفصل) إلى ما قامت به نُخب القرن التاسع عشر من توسيعٍ لنطاق حق الاقتراع بحيث يشمل (معظم) الذكور الأوروبيين — هذا التميُّز الطبقي بدعوى العرق — باعتباره فقط أول «توسُّع لمجتمع البِيض الأمريكي». شهدت هذه الفترات في تاريخ الولايات المتحدة توسُّعًا بالأساس في تعريفات العرق الأبيض استجابةً للتحوُّلات الديموغرافية والضغوط الثقافية الواسعة النطاق. ثم حدث توسُّعٌ ثانٍ خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عندما حاز الأيرلنديون والألمان وغيرهم من شعوب «العرق الشمالي» اعترافًا أكبر بهم كأمريكيين «حقيقيين» (على الرغم من أنهم لا يزالون بالتأكيد أقل أصالةً من الأنجلوأمريكيين). وبحصولهم من قبلُ على الامتيازات القانونية والسياسية الممنوحة للذكور البِيض، كان الهدفُ من وضعهم العرقي المُحسَّن هو إعادة تأكيد حدود العرق الأبيض وإعادة تعزيزها — بأجسامهم مع كل ما تحمله الكلمة من معنًى — في مواجهة موجة الهجرة القادمة من جنوب أوروبا وشرقها.

جلبَ هؤلاء المهاجرون الجُدد، أمثال اليهود والبولنديين والروس والإيطاليين، معهم عاداتٍ وتقاليدَ مختلفةً عن المهاجرين القدماء القادمين من شمال شرق أوروبا. ونظرًا لأنهم غالبًا ما كانوا يُصنَّفون على أنهم أقلياتٌ عِرقية في أوروبا (على سبيل المثال، ريبلي ١٨٩٩)، فقد وقَعوا ضحايا في الولايات المتحدة لسياسات الهجرة التمييزية المُقيِّدة الموضوعة لتقييد أعدادهم من خلال حصصهم النسبية. ولمرةٍ واحدة في الدولة، استعادوا أدوارهم كأقلياتٍ عِرقية، بجانب الشعوب الأصلية والأمريكيِّين ذوي الأصول الإسبانية والآسيويين والأمريكيين الأفارقة. ولنتأمل، على سبيل المثال، هذه الأوصاف التي يعرضها ويليام كوك (١٩٢٩) في كتابه «المؤسسات الأمريكية وحمايتها» عن «الأعراق» المختلفة للمهاجرين الأوروبيين:

الإيطاليون

حادُّو المزاج، سريعُو الاستياء، سريعون في ردِّ الإهانة حقيقية كانت أو مُتوهَّمة، لا يتردَّدون مطلقًا في الأسلحة المُختارة لمهاجمة عدوٍّ ما … في أمريكا، هم الأشخاص الذين يتعيَّن عليهم أداءُ الأعمال البدنية الشاقة والمُقزِّزة في المناجم، وخطوط السكك الحديدية، والمصارف، والشوارع، وغيرها. يؤدون هذه الأعمال، بيد أنهم بالكاد ما يُشار إليهم بأنهم مواطنون مرغوبٌ فيهم … ويظلون جَمْعًا ميئوسًا منه وغير مؤهَّل من حيث علاقاتهم بالمؤسسات الأمريكية (ص٢٠٢، ٢٠٣-٢٠٤).

اليهود

عِرقٌ غريب … تدنَّوا بمعايير المسرح والسينما … يَفتقرون إلى الجسارة ولا يُظهِرون أبدًا أيَّ قدر من التحيُّز المُفعَم بالحماس تجاه المؤسسات الأمريكية. وبوصفهم من قاطني المُدن، وبوصفهم مُعادين للزراعة والعمل الشاق، وبوصفهم يتَّسمون بقدرٍ ضئيل من الشجاعة البدنية، وبوصفهم مُعارضون للصراع والجدل، فإنهم من غير ريب لن يدخلوا أبدًا مُعترك الحياة الأمريكية (ص١٦٠، ١٧٣، ١٨٤).

الروس

لا يمكن أن يوجد أي دمجٍ فعلي للعِرقَين [العِرق الأبيض والعرق الروسي]؛ فالاختلافات كبيرةٌ للغاية … لا يحظون — ولن يحظوا أبدًا — بأي أهمية في أمريكا، باستثناء كونهم من العُمَّال الذين يؤدُّون أعمالًا وضيعة (ص٢٠٥-٢٠٦).

البولنديون

لا يرتقون إلى الأعمال القيادية والمراتب الفكرية العليا، وهم من العناصر المشكوك في أهميتها بدرجةٍ كبيرة، اللهم إلا من الناحية الصناعية، إذا أثار أمرٌ استياءَهم، فإن الخطأ يقع على عاتق الدولة، لا على عاتقهم هم، أخلاقياتهم لا تمتُّ للأخلاق بصلة، ويحتاجون إلى قبضة من حديد (ص٢٠٨-٢٠٩).

بالكاد كانت تقييماتُ كوك الساخرة لقدرات المهاجرين الجُدد وتطلعاتهم كأمريكيين مستقبليِّين هامشية أو غير ذات صلة بالموضوع. نشر كوك «المؤسسات الأمريكية» في البداية بصفةٍ شخصية عام ١٩٢٧ عندما كان الباحث الرائد في قانون الشركات على مستوى البلاد. وقبل ذلك بعشر سنوات، أوضحَ ماديسون جرانت القضية الشهيرة التي رفَعها المُعادي للمهاجرين ضد الاعتراف بالمهاجرين القادمين من جنوب شرق أوروبا كأمريكيِّين بِيض في كتابه المؤثر «اندثار العرق العظيم» (١٩١٦). وكانت الحُجة الأساسية بالكتاب مألوفة. رأى جرانت أنَّ المهاجرين القدماء كانوا يتَّسمون بالمهارة، وحُسن التدبير، والاجتهاد في العمل، مثلهم مثل الأمريكيين (على سبيل المثال، الأنجلوأمريكيين) المولودين في أمريكا (على الرغم من أن الأيرلنديين على وجه الخصوص لا يزالون يتلقَّون رسائل تذكير مُستمرة بوضعهم الذي يأتي في المرتبة الثانية في التدرُّج الهَرَمي للبِيض). في الوقت نفسه، كان المهاجرون الجُدد يفتقرون إلى العنصر المهاري، ويتَّسمون بالجهل، وغير لائقين ثقافيًّا للاندماج في المجتمع الأمريكي. كان جرانت وغيره من مختصي علم تحسين النَّسْل بمنزلة مستشارين مُحَنَّكين خلال المناقشات التي عقدها الكونجرس حول قانون تقييد الهجرة (أو قانون جونسون-ريد) لعام ١٩٢٤، الذي صدر بهدف الحَدِّ من التهديد الوطني للأوروبيين أصحاب «العرق الأدنى» عن طريق الحصص النسبية المُقيِّدة للغاية.

على الرغم من هذه العقبات، أفسحت المواصفات العرقية لجماعات المهاجرين الجُدد، المتأصلة في تجاربهم وخبراتهم الأوروبية؛ المجالَ في النهاية لتمييزاتٍ إثنية جديدة ضمن هُويةٍ عِرقيةٍ مشتركة لمجتمع البِيض. وبالطبع، فإن الاعتراف القانوني والسياسي بهم كبِيض، وكذلك نجاحهم الاقتصادي، لم يُترجَم فورًا إلى اعترافٍ اجتماعي أو ثقافي. وكما حدث في الماضي، فإن هذا الاعتراف حينما جاء لم يكن بقدرٍ متساوٍ، وكانت وتيرته أبطأ بالنسبة إلى بعض الجماعات عن غيرها؛ فمع نهاية القرن، على سبيل المثال، وجد كثيرٌ من الأنجلوأمريكيين أن من الأسهل عليهم الترحيب بالألمان والإسكندنافيين، وغيرهم من المهاجرين القدماء في المزيج العرقي للبِيض عن ترحيبهم بالأيرلنديين وتقبُّلهم لهم. عكست تحيُّزاتهم هذه تاريخًا من الإخضاع السياسي للأيرلنديين على أيدي البريطانيين في أوروبا، كما عكست مخاوفَ بشأن الكاثوليكية وعقيدتها المؤمنة بالسيادة البابوية، التي تتعارَض مع المبادئ الأمريكية المُعلَنة عن الحرية السياسية والدينية (فرانكلين ١٩٨٨). وفي الوقت الحالي، ما يزال اليهود والأمريكيون ذوو الأصول الإيطالية في حالة تذبذبٍ دائم بعض الشيء بين الهُويات العرقية غير البيضاء والبيضاء. حتى الحرب العالمية الثانية، اعتُبرَت هذه الجماعات، وهي الأهداف الأساسية لحصص الهجرة المحدَّدة عام ١٩٢٤، أقلَّ انتماءً إلى العرق الأبيض عن غيرها من الجماعات المُتحدِّرة من أصول أوروبية.

مع ذلك، بحلول مُنتصف القرن العشرين، نظر جميع المُهاجرين القادمين من جنوب وشرق أوروبا، وأبناؤهم، إلى أنفسهم — واعتُرِف بهم على نطاقٍ واسع سياسيًّا وثقافيًّا — كشعوب بيضاء، ليكون ذلك ثالثَ «توسُّع» لنطاق العرق الأبيض. خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، استفادت هذه الجماعات من سياسات الإسكان الفيدرالي التمييزية التي ساعدت في تكوين ضواحٍ للبِيض من سكان الطبقة المتوسطة على عكس المدن الداخلية «المُلوَّنة» الآخذة في التزايد. كما خُلِعَت عليهم أيضًا أوصافٌ شائعة لاقت استحسانًا على نحوٍ مُتزايد بوصفهم من البِيض «العاديين»، حتى لو أن الثقافة الشعبية قد ساهمت أيضًا في تذكيرهم بأنهم لا يرقون إلى الجماليات المثالية للأنجلوأمريكيين (برودكين ١٩٩٨). كانت هذه فترةً حاسمة في تاريخ الولايات المتحدة، عندما صار لفظ «البِيض» مرادفًا لجميع الأسلاف الأوروبية، وصار المهاجرون الجُدد «إثنيِّين». من هذه اللحظة، أصبح الأمريكيون هم ذوو الأصول الإسبانية، والآسيويون، والأمريكيون الأفارقة فقط هم الموسومون، واعتُبروا مختلفين عرقيًّا عن البيض.

في هذا الفصل، أوضحنا أن التقسيم العرقي المُؤلَّف من البِيض وغير البِيض، الذي يستند إلى الأسلاف الأوروبية، أحدثُ وأقلُ عقلانيةً مما قد يظنُّ المرءُ. وحسبما يتَّضح، فإن الانتماء إلى العرق الأبيض هو انتماءٌ ثقافي وسياسي بالأساس، ولا يُمكن فهمه من خلال رده إلى أسبابٍ بيولوجية خالصة أو خيالاتٍ وأكاذيبَ أخرى. كما فسَّرنا لماذا ثبتَ أن الهوية العرقية البيضاء أمرٌ محبَّب إلى النفس ومُمكن تحقيقه بالنسبة إلى البعض دون غيرهم. فالانتماءُ إلى العرق الأبيض يعود بمنافع على البِيض … بكل ما تعنيه الكلمة من معنًى، وبطرُقٍ لا تتأتَّى للتكوينات العرقية الأخرى. تقع هذه الملاحظات في صميم الحقل الأكاديمي لدراسات البِيض حسبما طوَّرها المؤرِّخون، وعلماءُ الأنثروبولوجيا، والمُنظِّرون القانونيون، وغيرهم، على مدى العقود القليلة الماضية. من خلال دراسة التكوينات العرقية البيضاء — التاريخية والمُتطوِّرة — على نحوٍ انتقادي وبالاشتراك مع التكوينات العرقية غير البيضاء، يُواصل الباحثون تقليدًا يمتد إلى المقالات النقدية الأولى عن التفاوت العرقي في الولايات المتحدة (راجِع، على سبيل المثال، روديجر ١٩٩٨).

يتيح التحليلُ الثقافي لعلماء الأنثروبولوجيا وغيرهم البناءَ على معرفة الجذور التاريخية للعِرق الأبيض بالكشف عن الاعتبارات العرقية المتضمَّنة، والمُشفَّرة أحيانًا، في الأنشطة الروتينية (توماس وجاكسون ٢٠٠٩، هارجروف ٢٠٠٩). بالإضافة إلى معرفة مَن أصبحوا «رسميًّا» من البِيض ومتى أصبحوا كذلك، يهتم هؤلاء الباحثون بفهم العديد من القنوات والآليات المحدَّدة التي يتمُّ من خلالها الحفاظ على التكوينات العرقية، ومجابهتها، وإعادة صياغتها. يدرس علماءُ الأنثروبولوجيا، على سبيل المثال، المظاهر الأيديولوجية والمادية للعِرق الأبيض عبر نطاقٍ واسع من المواقع والأنشطة. وتتراوح هذه المواقع والأنشطة من مزارع المستعمرات وغيرها من المواقع التاريخية محلِّ النزاع (إيبرسون ١٩٩٧، بينتر ٢٠٠١) إلى الخطاب المُعاصِر والسياسات المعاصرة المتعلِّقة بقضايا متنوعة من بينها التعليم (لي ٢٠٠٤)، وسلوك الإقامة «اللائق» (لو ٢٢٠٩)، والتنمية الحضرية (هارجروف ٢٠٠٩)، وحقوق الإنجاب (دافيس ٢٠٠٩). هذه المُقاربات الثقافية لتكوين العرق الأبيض تُمكِّننا وتدفعنا إلى ربط تحليلات العرق والطبقة الاجتماعية والنوع الاجتماعي على نحوٍ نقديٍّ ومنطقي، والبحث عن معانٍ جديدة لمفهوم الانتماء إلى العرق الأبيض وتفسيرها في نطاقِ — وعلى نحوٍ مثالي، خارج نطاق — تواريخنا وخبراتنا المشتركة بشأن التفاوت العرقي.

المخطَّط الزمني لاختراع العرق الأبيض (١٦٥٠–‏٢٠٠٠)

١٦٩١: أول استخدام قانوني لكلمة «أبيض»: مُستعمرة فرجينيا تسنُّ قانونًا يحظر الزواج بين البِيض والسود.

ولمنع ذلك الاختلاط البغيض وتلك القضية غير الشرعية التي ربما تستشري فيما بعدُ … أيُّما رجل أو امرأة من الإنجليز أو غيرهم من الشعوب البيضاء، نالا حريتهما، يتزوَّجان من رجل أو امرأة من الزنوج أو الملاتو أو الهنود … فإنهما يُنفيان ويُطردان من هذه المستعمرة للأبد.

قوانين فرجينيا، أبريل ١٦٩١ (٣: ٨٦–٨٨)
١٧٩٠: قانون منح الجنسية: هذا القانون يُجيز «للبِيض الأحرار» وحدهم أن يصيروا مواطنين أمريكيِّين. وقد سُنَّ في وقتٍ كان فيه خُمس السكان إما أفارقة أو مُتحدِّرين من أصولٍ أفريقية، وهي أعلى نسبة في تاريخ البلاد.
١٧٩٢: قانون الميليشيات: الكونجرس يُطالب بوجود ميليشيا مُسلَّحة، تتكوَّن من المواطنين «الذكور البِيض الأحرار والأقوياء البنية» الذين تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٤٥ عامًا، ليتم استدعاؤها للخدمة عندما تستدعي حاجة الوطن ذلك.

أصبحت فكرة المُواطنة متداخلة تمامًا مع فكرة «الانتماء للعِرق الأبيض» … لأن المواطن كان في الأساس شخصًا يمكنه المساعدة في قمع تمرُّدٍ للعبيد أو المشاركة في الحروب الهندية.

جاكوبسون ١٩٩٨: ٢٥
١٧٩٥: العرق القوقازي: عالِم التشريح الألماني يوهان بلومينباخ يستخدم جمجمة من مجموعته لإعطاء مثال على العرق «الأبيض». تعود الجمجمة لامرأةٍ عاشت في جبال القوقاز، بين البحر الأسود وبحر قزوين؛ الموطن الأصلي لأجمل شعوب العالم حسبما أشار بلومينباخ. وبذلك، يبدأ استخدام مصطلح «قوقازي» غير العلمي كبديل لكلمة «أبيض».

إنَّ «خرافة العرق القوقازي» التي اخترعها بلومينباخ دون أن يُضمر أي قدر من السوء هي الأغرب بين كل الخرافات الغريبة التي ظهرت في العالم العلمي … أصبحت مثاله النموذجي على الجماجم البشرية، التي ربما يُنظَر إلى كل ما عداها على أنه شذوذ عنها.

هكسلي ١٨٦٥: ٢٤٤-٢٤٥
منتصف–أواخر القرن التاسع عشر الهجرة الأيرلندية: أعدادٌ هائلة من الأيرلنديين، الفقراء في الأغلب، تُهاجر إلى الولايات المتحدة، وتقيم في المناطق الحضرية المزدحمة. في الكتابة واللغة المجازية، تُصوِّرهم الصحافة على أنهم وحشيون ويُشبِهون القردة في هيئتهم، مُكرِّرين الكلمات المستخدَمة مع الأمريكيين الأفارقة خلال الفترة نفسها.
شكل ٥-‏١: كان الأيرلنديون يُرَوْن على أنهم عنصر غير قابل للاندماج في المجتمع الأمريكي. من أسطورة «باكي»، ٢٦ يونيو ١٨٨٩ (بتصريح من مشروع التاريخ، جامعة كاليفورنيا في ديفيس).

على الرغم من أن القوانين الأمريكية المتعلقة بمَن يُمكنهم الهجرة، ومَن يُمكنهم الحصول على الجنسية، ومن يَتحوَّلون إلى عبيد، أقرَّت لون البشرة الشاحِب والجذور الأوروبية للشعب الأيرلندي كدليلٍ على أصلهم العرقي الأبيض؛ فإن التمييز الذي وجده المهاجرون الأيرلنديون في الوظائف، والرسوم الكاريكاتورية التي طالعوها في الصحف والتي تُصوِّرهم على أنهم قِرَدة، يشير إلى أنهم كانوا في مرتبةٍ أدنى «عِرقيًّا» من الأنجلوأمريكيين البِيض؛ ومن ثمَّ يُصنَّفون بطريقةٍ ما على أنهم من غير البِيض، وربما حتى من «السود».

إيجان ٢٠٠١: ٦٦
١٨٣٨: هروب فريدريك دوجلاس: من العبودية سوف يصير دوجلاس، الذي وُلِد عبدًا عام ١٨١٨، مُفكِّرًا مشهورًا ومن مؤيدي إبطال العبودية البارزين. تتصدَّى كتاباته وخُطبه البليغة للعبودية وتردُّ على الافتراضات المتعلِّقة بالتدرُّجات الهَرَمية العرقية، ولا يزال صداها يتردَّد في وقتنا الحالي.

تكفي قطرةٌ واحدة من الدم التيوتوني لتبرير كل الصفات الجيدة والرائعة التي أحيانًا ما تقترن بالبشرة الملوَّنة. وعلى الجانب الآخر، تكفي قطرةٌ واحدة من الدم الزنجي، ولو حتى في أوردة رجل من العرق الأبيض التيوتوني، لكي تُعزى إليها كلُّ الصفات المُهينة والوضيعة.

دوجلاس ١٨٨١: ٦٥٠
١٨٦٦: تأسيس منظمة كو كلوكس كلان: استخدمت منظمة كلان (منظمة هيمنة الأشخاص الراديكاليين ذوي البشرة البيضاء في الولايات المتحدة) طقوسًا وأقنعةً مُتقنة لترهيب السود ومؤيديهم خلال عصر إعادة الإعمار في فترة ما بعد الحرب الأهلية في الجنوب. وجنَّدت المنظَّمة البِيض الفقراء مستغلةً فكرة أنَّ السبب وراء مشكلاتهم الاقتصادية هم السود الذين نالوا حريتهم مؤخرًا.
شكل ٥-‏٢: زيارة كو كلوكس (بتصريح من مكتبة الكونجرس).

كان أهم شيءٍ عن الأعراق هو الحدود القائمة بينها. لو أنَّ شخصًا كان ينتمي إلى عِرقٍ أسمى، فمن الضروري إذًا أن يحافظ هذا الشخص على الحدود التي تؤكِّد تفوُّق عِرقه وتميُّزه، حتى لا يتسنى للأشخاص في الطبقات الدُّنيا التسلل خِلسةً إلى الطبقات العليا.

سبيكارد ١٩٩٢: ١٥
١٨٧٩: أول مدرسةٍ داخلية للأمريكيين الأصليين: افتُتِحَت مدرسة كارلايل للتدريب الصناعي في بنسلفانيا؛ ونظرًا لأن المدرسة كانت تسعى إلى «أمركة» الأطفال الأمريكيين الأصليين، فقد أبعدتهم عن منازلهم وحَلَقت شعرهم وألبستهم ثيابًا تُحاكي ثياب البِيض. وحُظِرَ عليهم التحدُّث بلغتهم أو ممارسة عاداتهم الثقافية.
شكل ٥-‏٣: أُلحِقَ أبناءُ السكان الأصليين بالمدارس الداخلية قسرًا (بتصريح من الجمعية التاريخية بمقاطعة كمبرلاند، معهد التاريخ العسكري للجيش الأمريكي، ثكنة كارلايل العسكرية، بولاية بنسلفانيا الأمريكية).

كانت صديقتي جوديوين تَعرف القليل من الكلمات الإنجليزية، وسمعت مصادفةً امرأة من البِيض تتحدَّث عن حلق شعرنا الطويل والكثيف … ناقشنا مصيرنا لبضع لحظات، وعندما قالت جوديوين: «علينا أن نرضخ؛ لأنهم أقوياء.» عارضتُها ورددتُ عليها قائلة: «لا، لن أرضخ! سأُكافح أولًا.»

زيتكالا-سا (داكوتا) ١٩٠٠: ٣١٤

انقل الرضيع المولود همجيًّا إلى محيط الحضارة، وسوف يشبُّ على اللغة والعادات المتحضِّرة.

ريتشارد هنري برات، مؤسس مدرسة كارلايل، ١٨٩٢: معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم
ثمانينيات القرن التاسع عشر–ثلاثينيات القرن العشرين مخاوف الهجرة: أثارت الهجرةُ الهائلة من أيرلندا وجنوب وشرق أوروبا القلقَ بين الكثير من الأمريكيين البِيض، الذين رأوا أن هؤلاء الوافدين الجُدد غير مرغوب فيهم.

سرعان ما سيُصبح سكان الولايات المتحدة، بسبب التدفُّق الهائل لدم جنوب شرق أوروبا، أغمق لونًا، وأقصر قامةً … أكثر ميلًا إلى جرائم السرقة، والخطف، والاعتداء، والقتل، والاغتصاب، والفجور الجنسي … وسرعان ما ستزيد نسبة الاختلال العقلي في السكان.

دافنبورت ١٩١١: ٢١٩
شكل ٥-‏٤: كانت المشاعر المُعادية للصينيين منتشرة في كاليفورنيا في أواخر القرن التاسع عشر، كما هو واضح في هذا المُلصق الذي يحمل عنوان «حزب العُمَّال» (بتصريح من جمعية كاليفورنيا التاريخية).
١٨٨٢: قانون إقصاء الصينيين: من أواخر أربعينيات القرن التاسع عشر وحتى ستينيات القرن التاسع عشر، توافد كثيرٌ من الصينيين على ساحل المحيط الهادئ بحثًا عن الذهب، وللمساعدة في بناء خط السكك الحديدية العابر للقارات. أدَّت المشاعر المُعادية للصينيين، النابعة جزئيًّا من التنافس على الوظائف، إلى إصدار هذا القانون، الذي يحظر على الصينيين دخول الولايات المتحدة ويحول دون حصولهم على الجنسية الأمريكية. وظلَّ هذا القانون ساريًا حتى عام ١٩٤٣.

أنا رجلٌ صيني، جمهوريٌّ، محبٌّ للمؤسسات الحُرَّة، ومتمسكٌ كثيرًا بمبادئ حكومة الولايات المتحدة. إنك ترى أن هذه الجمهورية لها عِرقٌ معين، وأن دستور الولايات المتحدة لا يقرُّ حقَّ اللجوء السياسي لأي شخص إلا إذا كان من ذوي البشرة البيضاء. وهذا طرح خاطئ لأقصى حدٍّ، وأنت تعلم ذلك. ويُعارضك في ذلك إعلانُ الاستقلال، وكلُّ أفعال حكومتك، وشعبُك، وتاريخُك.

أسينج ١٨٥٢
تسعينيات القرن التاسع عشر–العقد الثاني من القرن العشرين المعارض العالمية: أُقيمت معارضُ كبرى، مثل المعرض العالمي الكولومبي في شيكاغو (١٨٩٣) ومعرض المشتريات في لويزيانا (١٩٠٤) المعروف أيضًا بمعرض سانت لويس الدولي، بوصفها خبراتٍ تعليميةً مهمَّة، وجذبت ملايين الأشخاص من مختلف أرجاء الولايات المتحدة.

في معرض سانت لويس، يُمثِّل العرق والتطوُّر البشري موضوعاتٍ بارزة، وتتضمَّن المعروضات «قرًى حية» بأكملها. يرى ويليام جون ماكجي، عالِمُ الأنثروبولوجيا الذي نظَّم ما أسماه «مُلتقى الأعراق»، أن هذه المعارض إنما يُهدَف منها إلى إعادة التأكيد على التدرُّج الهَرمي للأعراق.

سيكون هدف قسم الأنثروبولوجيا في المعرض العالمي هو استعراض التطوُّر البشري من مطلع العصور المُظلمة إلى مطلع عصر التنوير، من الهمجية إلى التنظيم المدني، من الأنانية وحب الذات إلى الإيثار والغيرية.

ماكجي ١٩٠٣

عندما يجيء رجلٌ أبيض إلى بلدنا، فإننا نعطيه هدايا، من الغنم والماعز والطيور أحيانًا، ونقتسم معه لحوم الفيَلة خاصتنا. أما الأمريكيون على الجانب الآخر، فيُعاملوننا كما يُعاملون القِرَدة الأليفة؛ إنهم يسخرون منا ويفتحون مظلاتهم في وجوهنا غير عابئين بنا.

لاتونا، من السكان القصيري القامة المقيمين في القرية، ورَد على سبيل الاقتباس في جريدة «سانت لويس ربابليك»، عدد ٦ أغسطس ١٩٠٤: معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم
شكل ٥-٥: قرية كليف دويلرز في المعرض العالمي لعام ١٩٠٤ (بتصريح من مكتبة سانت لويس العامة).
١٨٩٦ قضية بليسي ضد فرجسون: أُلقي القبضُ على هومر أدولف بليسي عام ١٨٩٢ عندما كان يستقلُّ إحدى عربات السكك الحديدية المخصَّصة للبِيض وحدهم. وبعد مرور أربع سنوات، وصلت قضيته إلى المحكمة العليا للولايات المتحدة، التي أصدرت حكمًا ضده؛ حيث قضَت بأن الولايات يجوز لها أن تُوفِّر للسود مرافقَ «منفصلة لكنها مكافئة» فيما يخصُّ النقل، والتعليم، والمرافق العامة مثل الفنادق والمسارح.
١٩٠٤ طرد الأيتام البِيض: أرسلت مستشفى اللقطاء في نيويورك، وهي دار أيتام بإدارة كاثوليكية، ٤٠ يتيمًا أيرلنديًّا يافعًا إلى بلدتَين لتعدين النحاس بولاية أريزونا حتى تتبناهم أُسرٌ كاثوليكية من المهاجرين المكسيك. ثارت ثائرة البِيض في كلتا البلدتين، فهَبُّوا لأخذ الأطفال من أُسرهم الجديدة عنوةً. أقامت الكنيسة الكاثوليكية دعوى قضائية لاستعادة الأطفال، إلا أن المحكمة العليا للولايات المتحدة أصدرت حكمًا عام ١٩٠٦ بأن التبنِّي كان قانونيًّا. ومما يُثير الانتباه أن الأطفال لم «يُصبحوا» من البِيض إلا بعد أن تبنَّتهم الأُسر المكسيكية في أريزونا. وعلى غرار اليهود والإيطاليين وغيرهما من «الإثنيات البيضاء» و«المهاجرين الجُدد»، لم يكن يُنظَر إلى الأيرلنديين عادةً في مُستهل القرن العشرين على أنهم يَنتمون انتماءً حقيقيًّا أو كاملًا إلى البِيض في نيويورك.

ينتمي الطفلُ الذي نحن بصدد الحديث عنه هنا إلى العرق القوقازي الأبيض … تنازل عنه [مقدِّم الدعوى] إلى عناية شخصٍ هنديٍّ مكسيكي، [والذي] بمقتضى عِرقه وأسلوب معيشته وعاداته وتعليمه، ليس كفؤًا لأنْ يحصل على وصاية الطفل ويتولى رعايته وتعليمه.

القاضي ويليام روفوس داي، رأي الأغلبية، ١٩٠٦

أثَّر الدينُ في مفاهيم العرق وشكَّلها. يوضح هذا الحدث كيف يتداخل العرق والدين.

ماري مارجريت أوفربي، عالِمة أنثروبولوجيا، الجمعية الأمريكية للأنثروبولوجيا: معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم
شكل ٥-٦: بوكر تاليافيرو واشنطن (بتصريح من مكتبة الكونجرس).
مطلع القرن العشرين «قاعدة القطرة الواحدة»: وفقًا لهذا الاعتقاد، فإن الشخص الذي يُعتقَد أنه يجري في عروقه أي كمية من الدم الأفريقي — ولو حتى «قطرةٌ واحدة» — يُصنَّف على أنه أَسود. ترجع هذه الفكرة، التي تَفتقر إلى أي أساسٍ علمي، إلى فترات الاستعمار الأمريكي، عندما كان يُنظَر تلقائيًّا إلى أي طفل يُولَد في أسر العبودية على أنه عبد، حتى لو كان أحد والدَيه من البِيض. خلال فترة الفَصْل العنصري، أصبحت «قاعدة القطرة الواحدة» مُثبَتة في القانون والعُرف؛ حيث ظهرت في الوثائق القانونية التي تراوحت من سجلات الميلاد وتراخيص الزواج إلى نماذج التعداد.

إذا ثبت أن شخصًا يحمل واحدًا في المائة من الدم الأفريقي، فإنه يُصبح زنجيًّا كل مرة؛ إذ لا يُعتَد بنسبة ٩٩ في المائة المتبقية من الدماء الأنجلوساكسونية، ودائمًا ما يُصنَّف الشخص ضمن عِرقنا. يجب أن يكون الشخص حاملًا لنسبة ١٠٠ في المائة من الدم الأبيض ليُصنَّف ضمن البِيض، بينما ١ في المائة من الدم الأفريقي كفيلة أن تجعل الشخص زنجيًّا كل مرة؛ لذا، نحن عرقٌ أقوى من العرق الأبيض كما ترون.

واشنطن ١٩٠٠: ١١٥
١٩٠٩ حظر زواج اليابانيين من البِيض: كاليفورنيا تُصدر قانونًا يُضاف اليابانيون بموجبه إلى قائمة الأشخاص المَحظور عليهم الزواج من البِيض.
شكل ٥-٧: ميلاد أُمَّة (بتصريح من فوتوفست).
١٩١٥ «ميلاد أُمَّة»: فيلم ديفيد وورك جريفيث يقدِّم وصفًا متعاطفًا لمُنظَّمة كو كلوكس كلان في الجنوب في فترة ما بعد الحرب الأهلية. صُوِّر البِيض في الجنوب على أنهم مُدافعون شرفاء عن القيم الأمريكية، بينما عُرضَت شخصيات السود على أنها إما كسولة أو خطيرة.

بعد الحرب الأهلية، كان ثمة مخاوفُ عميقةٌ في صفوف البِيض بالجنوب حيال التوقُّعات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة للسود المُحرَّرين مؤخرًا. وحَّدت النُّخَب البيضاء، التي كانت تخشى فقدان الامتيازات المعدودة التي خلَّفتها في أعقاب الحرب، والبِيض الفقراء، الذين يُساورهم القلق بشأن ضرورة مشاركة مواردهم الاقتصادية الضئيلة؛ قواهم لتشويه سُمعة السود.

يولاندا موزس، عالِمة أنثروبولوجيا، جامعة كاليفورنيا، ريفرسايد: معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم
شكل ٥-‏٨: زيت «لاكي براون» لفرد الشعر (بتصريح من متحف جيم كرو للآثار التذكارية العرقية، جامعة ولاية فيريس، بيج رابيدز، ميشيجان).
١٩٢٢ قضية أوزاوا ضد الولايات المتحدة: قدَّم رجل الأعمال تاكاو أوزاوا، الذي وُلِدَ في اليابان وتربَّى ونشأ في الولايات المتحدة، طلبًا للحصول على الجنسية الأمريكية، استنادًا إلى قانون منح الجنسية لعام ١٩٠٦، الذي يُتيح للبِيض وأولئك الذين يَنحدرون من أصولٍ أفريقية أن يُصبحوا مواطنين أمريكيين. عندما رُفِضَ طلبه، لجأ إلى القضاء. وصلَت القضية إلى المحكمة العليا للولايات المتحدة، التي قضت بإجماع الآراء أن بوصفه شخصًا يَنحدر من أصولٍ يابانية، فإنه لا ينتمي إلى البِيض ومن ثمَّ لا يستحق الحصول على الجنسية.
١٩٢٣ قضية الولايات المتحدة ضد ثيند المحكمة العليا: الولايات المتحدة تقضي بأن بهاجات سينغ ثيند، وهو باحثٌ ديني من الهند خدم في الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الأولى، لا يُمكنه الحصول على الجنسية الأمريكية لأن القانون الأمريكي لا يسمح بمنح الجنسية إلا «للأشخاص البِيض الأحرار». وعلى الرغم من أن المحكمة أقرَّت بأن ثيند «قوقازي» لأن علماء الأنثروبولوجيا يَعتبِرون أن الهنود ينتمون إلى نفس العرق الذي ينتمي إليه الأمريكيون البِيض، فإنها ترى أن ثيند لا يرقى للمفهوم الشائع لكلمة «أبيض».

قد يكون صحيحًا أن الإسكندنافيين ذوي البشرة الشقراء والهنود ذوي البشرة السمراء كان لهم سلفٌ مُشترك في الفترات السحيقة من العصور القديمة، بيد أن الشخص العادي يَعرف تمام المعرفة أنَّ ثمة اختلافاتٍ عميقةً وواضحة بينهم حاليًّا.

القاضي جورج ساذرلاند، رأي الأغلبية، ١٩٢٣
١٩٢٤ قانون النقاء العرقي في فرجينيا: يحظر هذا القانون التزاوج بين البِيض وغير البِيض. ظلَّ القانون ساريًا حتى عام ١٩٦٧ حينما أبطلت المحكمة العليا للولايات المتحدة فعاليته. كان القانون جزءًا من حركةٍ ناشئة لتحسين النَّسل، تُؤكِّد على إمكانية تحسين الجنس البشري من خلال التحكُّم في النَّسْل.

فيما يتعلَّق بأغراض هذا القانون، لا ينطبق لفظ «أبيض» إلا على الشخص الذي لا يحتوي على أيِّ مقدارٍ مهما كان من أي دمٍ آخر بخلاف الدم القوقازي، لكن أولئك الذين يعود جزء من كل ستة عشر جزءًا من دمائهم أو أقل إلى الهنود ذوي الأصول الأمريكية ولا تحتوي أجسامهم على أي دماء غير قوقازيةٍ أخرى، فإنهم يُعتبرون من البِيض.

قانون النقاء العرقي لعام ١٩٢٤
ثلاثينيات القرن العشرين منتجات لزيادة التشبُّه بأبناء «العرق الأبيض»: يُحدِّد «بياضُ البشرة» مستوى الجمال ويُتخَذ معيارًا له. استخدم الأمريكيون ذوو الأصول الأفريقية زيت «لاكي براون»، ومنتجاتٍ أخرى مُماثلة، للمساعدة في فرد شعرهم باستخدام مشطٍ ساخن.
١٩٤٨ دمج القوات المُسلَّحة: الرئيس هاري ترومان يُوقِّع أمرًا تنفيذيًّا لإجراء دمجٍ عِرقي للقوات المُسلَّحة الأمريكية. ينصُّ الأمر التنفيذي على ضرورة أن تكون «ثمة مساواة في المعاملة والفرص لجميع الأشخاص في الخدمات المُسلَّحة دون النظر إلى العرق أو اللون أو الدين أو الأصل القومي.»
شكل ٥-٩: فريق العمل في المسلسل التليفزيوني «دَعِ الأمر لبيفر» (بتصريح من جيمس برمان).
خمسينيات–سبعينيات القرن العشرين التليفزيون الأبيض: قَدَّمت مسلسلاتٌ تليفزيونية شهيرة مثل «دَع الأمر لبيفر» (ليف إت تو بيفر) و«الأب يعرف أكثر» (فازر نووز بست)، وفيما بعد «رابطة برادي» (ذا برادي بانش) صورًا مثالية للعائلات الأمريكية المنتمية إلى الطبقة المتوسطة، جميعها كانت من البِيض.

لا يسع الأشخاصَ ذوي البشرة البيضاء أن يفكروا في أنفسهم إلا ﮐ «أمريكيين»، أما مَنْ هم سواهم فيجب أن يُوسَموا بأنهم «أمريكيُّون ذوو أصول أفريقية» أو «أمريكيون ذوو أصول مكسيكية» إلى آخر ذلك.

إليزابيث برومفيل، عالِمة الأنثروبولوجيا بجامعة نورث وسترن: معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم
١٩٦٧ قضية لافينج ضد فرجينيا: غادر كلٌّ من ريتشارد لافينج (أبيض البشرة) وميلريد جيتر (أمريكية ذات أصولٍ أفريقية)، وهما من قاطني ولاية فرجينيا؛ الولاية ليتزوَّجا في واشنطن العاصمة. وعند عودتهما إلى موطنهما، وُجِّهت إليهما تُهمة خرق قانون النقاء العرقي لعام ١٩٢٤ الخاص بولاية فرجينيا، وثبتَت إدانتهما، إلا أن الحُكم أُرجئ تنفيذه شريطة مُغادرة الولاية والانتقال إلى مكانٍ آخر. أقام الزوجان في واشنطن وشرَعا في تقديم التماسٍ لإلغاء قانون فرجينيا. وفي عام ١٩٦٧، أصدرت المحكمة العليا للولايات المتحدة حُكمًا بالإجماع بإبطال سريان قانون فرجينيا، وهو القرار الذي امتدَّ أيضًا إلى قوانينَ مُماثلةٍ في ١٥ ولايةً أخرى.
سبعينيات القرن العشرين–العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الهِجرة في الولايات المتحدة: غيَّرت الهجرة الوافدة إلى الولايات المتحدة من كل أنحاء العالم من أنماط الزواج، والإسكان، والتعليم، والتوظيف، وأعادت صياغة الفِكَر المتعلِّقة بالعرق ومفهوم العرق الأبيض.

بوصفي من ذوي البشرة البيضاء، أدركتُ مما تعلَّمته عن العنصرية أنها شيءٌ يُجرِّد الآخرين من امتيازات، بيد أنني تعلَّمتُ عدم النظر إلى أحد الجوانب المُترتِّبة عليها كنتيجةٍ طبيعية، وهو امتياز البِيض، الذي يختصُّني بامتيازاتٍ دون غيري.

ماكنتوش ١٩٨٨: ١٠

خطوات البِيض الاثنتا عشرة

الخطوة الأولى: اعترِف أنَّ لك عرقًا. انتماءُ المرءِ إلى العرق الأبيض يعود عليه بامتيازاتٍ، كما تعلم. ما المانع إذًا في الاعتراف بالأمر؟ إذا كان لديك وعاءٌ مملوء بالفطائر المُحلَّاة، ففي وسعك أن تقضيَ حياتك كلَّها وأنت تُنكر وجود هذه الفطائر لديك … أو يُمكنك مشاركتها مع الآخرين. الفكرة أن الجميع يعلم بوجود تلك الفطائر معك. يُمكننا أن نشمَّ رائحة السكر ونرى فُتَات الفطائر على ذقنك. نعم، لم يعد الأمر سرًّا. لذا، ربما حان الوقت كي تُقدم إلى الآخرين بعضًا من هذه الحلوى اللذيذة (دامالي آيو، «خطوات البِيض الاثنتا عشرة» (٢٠٠٥)).

شكل ٥-١٠: «بطاقة العرق» (بتصريح من دامالي آيو).

يستهوي المزيجُ الفريد لشعوب أمريكا الشمالية المُفكِّرين الغربيين بوصفه حالةً تجريبية للبشرية جمعاء؛ مَن هم الأمريكيون؟ ما شكلهم؟ هل يُمكن للولايات المتَّحدة، الواقعة على مسافة شاسعة عبر المحيط الأطلنطي، أن تكشف عن مُستقبَل البشرية؟ أو على الأقل عن مستقبل الأوروبيين؟ رأى بعضُ الباحثين أن الأمريكيين أشخاصٌ بِيض البشرة ويَدعون للمساواة بين البشر، بينما فَطنَ آخرون إلى مجموعةٍ متعدِّدة الأعراق من الطُّغاة والمظلومين. في الوقت نفسه، باشرت حكومة هذه الجمهورية الجديدة عملها اليومي في الإجابة عن تساؤلاتها الخاصة بإحصاء شعبها وفقًا لأدواتها الخاصة.

في المادة الأولى من الدستور الأمريكي، وتحديدًا الفقرتين الثانية والتاسعة، ابتكرت الولايات المتحدة أسلوبًا جديدًا لتوزيع عدد النواب والضرائب المباشرة؛ وذلك بإجراء إحصاءٍ قومي للسكان كلَّ عشر سنوات. أقرَّ الإحصاء الأمريكي الأول، الذي جرى تنفيذه عام ١٧٩٠، بوجود ستِّ فئاتٍ ضمن السكان: (١) رَبُّ كل أسرة. (٢) الذكور البِيض الأحرار فوق ستة عشر عامًا. (٣) الذكور البِيض الأحرار دون ستة عشر عامًا. (٤) الإناث البِيض الأحرار. (٥) كل ما عدا هؤلاء من الأشخاص الأحرار حسب جنسهم ولونهم. و(٦) العبيد.1 تولى المارشالات الأمريكيون إجراءَ هذا الإحصاء السكاني الأول، مسجِّلين النتائج على أي قصاصاتٍ ورقية تصادَف وجودها معهم. استغرقت هذه الجهود ثمانية عشر شهرًا وأحصت ٣٫٩ ملايين نسمة، وهو ما رآه جورج واشنطن بالتبعية عددًا قليلًا للغاية. وكان هذا هو أول إحصاءٍ يُسجِّل عددًا أقلَّ من الموجود فعليًّا.
حلَّلت ثلاثة بنودٍ العرق الوحيد المذكور في هذا التعداد، وهو العرق الأبيض، وحُدِّدت فئتان: العبيد والأحرار، بموجب القانون. يبدو أن إحصاء عام ١٧٩٠ قد أغفل الأشخاصَ البِيض غير الأحرار، الذين كانوا موجودين بكثرة في الاتحاد الجديد على الرغم من أن ذِكْرَ صفة «أحرار» الوارد أربع مراتٍ في الإحصاء يُستدَل منه ضمنًا على وجود بِيض غير أحرار، من العبيد. فلو كان كلُّ البِيض أحرارًا وكان الانتماءُ إلى العرق الأبيض يعني التمتُّع بالحرية، كما يُزعَم غالبًا اليوم، لما وُجِدَ ما يستدعي إضافة كلمة «أحرار» إلى «البِيض». عالجَ إحصاءُ عام ١٨٠٠ هذه المشكلة من خلال إحصاء «كل ما عدا هؤلاء، باستثناء الهنود الذين لا يدفعون ضرائب.»2 وهكذا، شكَّل مصطلح «الأحرار» في هذه الإحصاءات الأولى تصنيفًا ذا معنًى، وليس مجرد مُطابِقٍ حرفيٍّ لمصطلح «البِيض».
كان السببُ وراء إحصاء الذكور البِيض الأحرار حسب فئتهم العُمرية هو الحاجة إلى تحديد الذكور المؤهَّلين للالتحاق بخدمة الميليشيات، وهي الخدمة المُسلَّحة الوحيدة في ذلك الوقت. ولإحصاء نسبة التمثيل داخل الكونجرس لكل ولاية، أحصى الكونجرس كل الأشخاص الأحرار (والنساء أيضًا، على الرغم من أنهن لا يتمتَّعن بحق التصويت) وثلاثة أخماس عدد الأشخاص «الآخرين»؛ أي العُمَّال المرتبطين بعقودٍ طويلة الأجل والعبيد. فيما بعدُ، تغيَّرت الحقائق الكامنة وراء الإقصاء المَدروس للعبودية والعرق، مما استدعى تضمين فئاتٍ جديدة. وبما أن السياسة نعتَت كلَّ الأشخاص ذوي البشرة البيضاء بالأحرار وجعلت النظريةُ الأيديولوجيةُ الحريةَ حِكرًا على العرق الأبيض دون غيره، بدت عبارة «الذكور البِيض الأحرار» تكرارًا عقيمًا لا طائل منه.3

ظلت فئات الإحصاء تشهد تغييرًا كلَّ عشر سنوات؛ نظرًا لتغيُّر الاحتياجات الحكومية وتعديل الفئات التصنيفية، بما في ذلك تصنيفات العرق. على مدى تاريخ الإحصاء والتعداد الأمريكي، يُحصى غيرَ الأوروبيين وأنصافَ الأوروبيين باعتبارهم جزءًا من السكان الأمريكيين، الذين يُصنَّفون معًا في فئةٍ واحدة على أنهم من «غير البِيض»، إلا أنهم يُقسَّمون أحيانًا إلى «سود» و«مولاتو»، كما جاء في إحصاء عامي ١٨٥٠ و١٨٦٠.

•••

في مستهلِّ القرن التاسع عشر، عندما تراجعت فائدة عبارة «الذكور البِيض الأحرار» بسبب تضاؤل أعداد البِيض غير الأحرار، استُخدِمت عبارةٌ أخرى، استمرت لفترةٍ أطول بكثير، وهي: «حق الاقتراع العام». كانت الولايات المتحدة هي أول دولة تعمد إلى إلغاء الحواجز الاقتصادية على التصويت بدرجةٍ كبيرة. وما بين عام ١٧٩٠ ومنتصف الخمسينيات من القرن التاسع عشر، حازت أيديولوجية الديمقراطية قبولًا واسع النطاق؛ مما أدى إلى فتح باب المواطَنة النَّشِطة فعليًّا أمام كل الرجال البِيض البالغين، بمَن فيهم غالبية المهاجرين المقيمين في البلاد. وبذلك، أغنت فئة الذكور البِيض الأحرار عن مُتطلبات القرن الثامن عشر التي تشترط أن يكون للمرء نصيبٌ في المجتمع (الملكية الخاصة، دفع الضرائب)، والاستقلال السياسي (دخلٌ ثابت للفرد)، قبل أن يتسنَّى له الإدلاء بصوته. وبتضمين الصوت في الحياة العامة، شهدت فترة ما قبل الحرب الأهلية التي ارتبطت بظهور صورة المواطن العادي الذي دعا الرئيس أندرو جاكسون إلى مناصرته أولَ توسيع لدلالة ما يَعنيه كون المرء أمريكيًّا.4
استمر إقصاءُ كل النساء، والأشخاص غير المؤهَّلين للحصول على الجنسية الأمريكية (الهنود الأمريكيين الأصليين والآسيويين)، والعبيد، والأشخاص الأحرار الذين ينحدرون من أصولٍ أفريقية خارج نيو إنجلاند، وكذلك الفقراء المُعدَمون، والمُذنبون، والعابرون مثل عُمَّال القنوات والبحَّارة. (حتى في الوقت الحالي، لا يمكن للأطفال وغير المواطنين ومعظم المُذنبين المُدانين الإدلاء بأصواتهم. كما يُحرَم من حق التصويت أيضًا الأشخاص الذين لا يستوفون شروط الإقامة ولا يُمكنهم التسجيل قبل التصويت.) في هذه الحالة، يعني «حق الاقتراع العام» حق اقتراع الذكور البِيض الأحرار، وإنْ كانت تساؤلات تُثار بين الحين والآخر عن تعريف مصطلح «البِيض». هل يُصنَّف ضمن «البِيض» الأشخاصُ الذين يكون أحد أبويهم أسود والآخر أبيض، أو الذين لهم ثلاثة أجداد من البِيض وجَدٌّ واحد من السود؟ هل يعني مصطلح «البِيض» الأنجلوساكسونيين فقط، أم كل الأشخاص الذين يُعتبَرون من العرق القوقازي، بمَن فيهم أولئك الذين يُصنَّفون على أنهم من الكلتيون؟5

إنَّ إلغاء الحواجز الاقتصادية على التصويت من جانب الرجال البِيض قد جعل من الولايات المتحدة، وفقًا للتعبير الدارج في المحادثات العامة آنذاك، «دولة للبِيض»، حكومةً معرَّفة عِرقيًّا ومقصورة على البِيض. بمجرد أن انحصرت متطلبات الجنسية النشطة في الذكور والبِيض، أصبح الرجال الفقراء مُرحَّبًا بهم ضمن تعريفٍ «أمريكي»، ما دام من المُمكن تعريفهم على أنهم من البِيض، أول توسيع لدلالة ما يعنيه الانتماء إلى «البِيض الأمريكيين».

•••

يمكننا إرجاع تاريخ دمج «الأمريكيين» مع المُنحدِرين من أصولٍ أوروبية إلى «رسائل من مُزارِع أمريكي» التي كتَبها عام ١٧٨٢ المؤلِّف والدبلوماسي العسكري الفرنسي ميشل جيوم جين دي كريفكير (١٧٣٥–١٨١٣)، والتي تُرجِمت ترجمةً سريعة، وقُرئت على نطاق واسع، واستُشهِد بها في عددٍ لا نهائي من المواضع. ابتدع كريفكير نهجًا جريئًا، وهو المقارنة بين أوروبا المُمزَّقة طبقيًّا، بلاد الأرستقراطيِّين الأغنياء والفلاحين الفقراء، والولايات المتحدة القائمة على التكافؤ والمساواة، موطن الديمقراطية والحِراك الاجتماعي والسياسي.

اتخذ طريق كريفكير إلى الشُّهرة مناحيَ بعيدةً ومتشعِّبة. بعد نزوحه إلى كندا ومحاربته على الجانب الفرنسي خلال حرب السنوات السبع/الحرب الفرنسية الهندية التي امتدَّت بين عامي ١٧٥٤ و١٧٦٣، انتقل كريفكير إلى نيويورك وغيَّر اسمه إلى جون هيكتور سانت جون. ساهمت الصورة المُبهِجة التي رسمها كريفكير في «رسائل من مُزارِعٍ أمريكي» ونجاحه اللاحق كدبلوماسي فرنسي في الولايات المتحدة في رفع شأنه كثيرًا؛ مما منَحه حق الترشح لانتخابات الجمعية الأمريكية للفلسفة حصريًّا، بالإضافة إلى حصوله على الكثير من المُميزات المحلية. كرَّم المجلس التشريعي لولاية فيرمونت كريفكير بأن أطلق اسمه على بلدة سانت جونسبري؛ التي أصبحت أكبر مدينة في المنطقة الشمالية الشرقية الفقيرة والمُحافِظة للغاية من ولاية فيرمونت.

تطرح الرسالة الثالثة من رسائل كريفكير التساؤل التالي: «ما المقصود إذًا بمصطلح الأمريكي، هذا الإنسان الجديد؟» ويجيب قائلًا:

إنه شخصٌ أوروبي أو يَنحدِر من أصولٍ أوروبية، ومن هنا يأتي هذا المزيج الرائع من الدماء، الأمر الذي لن تجده في أي دولةٍ أخرى. ويمكنني أن أذكر لكم أسرة كان جَدُّها إنجليزيًّا، وزوجته ألمانية، تزوَّج ابنُها من امرأةٍ فرنسية، وأنجبا أربعة أبناءٍ تزوَّج كلٌّ منهم من امرأةٍ ذات جنسيةٍ مختلفة. الأمريكيٌّ هو مَن يتجاوز كلَّ تحيُّزاته وسلوكياته القديمة، ويكتسب سلوكياتٍ جديدةً من نمط الحياة الجديد الذي اتبعه، والحكومة الجديدة التي يُذعن لها، والمنصب الجديد الذي يشغله … هنا، ينصهر الأفرادُ من كل الجنسيات في بوتقة عِرقٍ واحد، والذين ستؤدي يومًا جهودهم وأجيالهم القادمة إلى إحداث تغييراتٍ هائلةً في العالم. … انتقل من البطالة الجبرية، والتبعية الخَدَمية، والعمالة العديمة النفع [في أوروبا]، إلى عملٍ ذي طبيعةٍ مختلفة للغاية، وكُوفئَ بوفرة العيش وسعته. هذا هو الأمريكي.6

بالإضافة إلى ما يتحلَّى به الأمريكي من رغبة في الابتكار وقدرة على طرح فِكَرٍ جديدة، فإنه يَتميَّز بأنه ينحدر من سلالة غير متجانسة العناصر، لكنها ذات أصولٍ أوروبية خالصة.

فرَّ هذا «الإنسانُ الجديد» من اضطهاد أوروبا القديمة، واغتنم الفرصة الجديدة، ومجَّد حرية الفِكر والحِراك الاقتصادي. الآن كوصفٍ كلاسيكي للأمريكي، تعاود فقرة كريفكير الظهور باستمرار بوصفها تُقدِّم وصفًا موضوعيًّا من شاهد عيانٍ للهوية الأمريكية. بيد أن الرسالة الثالثة ما هي إلا جزءٌ من القصة. عندما دخل الجنوب وفئاتٌ وأعراقٌ وأجناسٌ أخرى صورة كريفكير، أضحى من الضروري إجراء كل أنواع المراجَعة والتنقيح المُمكنة. على سبيل المثال، يشغل الأشخاص البِيض من الفقراء وغير المُروَّضين، لا سيَّما سكان الجنوب، فئةً مُنفصلة أدنى من الأمريكيِّين. وفي حين قد يُنظَر إلى الأمريكيين والفقراء البِيض على أنهم من البِيض وفقًا للقانون الأمريكي، فإن نعتَهم بالفقر، والوحشية الظاهرة، كان سببًا في إقصائهم الدائم من الفئة صاحبة الحقوق والامتيازات. ضَمنَ هذا التعقيد أن يظلَّ السؤالُ عن هوية الأمريكي بلا إجابة واضحة، بيد أن المُراقبين الأوروبيين والأمريكيين لم يتوقَّفوا أبدًا عن تقفِّي الإجابة.

أقرَّ كريفكير بوجود أمريكيين آخرين — من البِيض أيضًا — ممن «لا يقدمون صورة مُرضية للغاية.» وعبَّر عن أمله في أن مسيرة التقدم الأمريكي ستُزيح قريبًا هؤلاء العاطلين الثملين أو تُمدِّنهم، وفي الوقت نفسه، سوف تكشف العائلات البيضاء التي تعيش بمنأًى عن القانون والنظام عن «أكثر أجزاء مجتمعنا تواريًا وتخفيًا». لا يستطيع كريفكير أن يُقرِّر ما إذا كانت العائلات الحدودية غير المُروَّضة تُمثِّل مرحلةً مؤقتة أم أنها انحطاط يستعصي إصلاحه: «وما إن اشتغلوا بالصيد حتى ودَّعوا الزراعة.» ظهر الهنود بمظهرٍ مُحترم على نحوٍ إيجابي بجانب العائلات البيضاء، المختلطة الأعراق، شبه الهمَجية، الكسولة، والثَّمِلة، المشتغلة بالصيد.

وفيما يتعلق بالعبودية، فقد فُطِرَ قلب كريفكير كثيرًا جراء المَشاهد القبيحة التي طالعها في مدينة تشارلستون بولاية كارولاينا الجنوبية، بيد أن تشاؤمه نجَم في معظمه من الصدمة التي اعترته لقسوة مُضيفيه وصلابتهم. كان مالكو العبيد الأثرياء الذين نزل كريفكير في استضافتهم «أسعدَ» الناس في أمريكا، إلا أن سعادتهم تلك جاءت على حساب إنسانيتهم؛ «إنهم لا يرون، ولا يسمعون، بل ولا يشعرون، بنوائب» عبيدهم أو وطأة الظروف الاجتماعية وقسوتها المُروِّعة. لم يسع كريفكير إلا أن يندهش من حالة اللامبالاة وعدم الاكتراث تلك. وعن موقفهم، يقول:

لم أستطع أبدًا أن أهنأ بالراحة؛ فدائمًا ما كان يؤرقني تذكُّر الاحتيالات التي ارتُكِبَت في أفريقيا بهدف محاصرتهم والإيقاع بهم، احتيالاتٌ تفوق في بشاعتها كل ما يُمكن للعقل البشري أن يَتصوَّره. … هل من الممكن أن تجعلني قوة العادة لا ألتفتُ إلى كل هذه الفِكَر، وأُصبح عديم الإحساس تجاه إجحاف تلك التجارة [تجارة الرقيق]، وتجاه معاناة [العبيد] وبؤسهم، تمامًا مثل ما يبدو عليه سكان هذه البلدة الأثرياء؟7

بعد هذه المواجَهة المباشرة مع حقائق العبودية في الجنوب، أصبح كريفكير أول مَن يتنبَّأ بتمرُّد العبيد المسلَّح كنتيجة حتمية لحالة «الاستياء المُستحكِم» و«رغبة الانتقام الدائم». هذا شخص أوروبي يُفكِّر من مُنطلق الفقر المُدقع والغِنَى الفاحش، ويرى العبيد على أنهم مساكين، وليس على أنهم يُمثِّلون ببساطة سلالة من البشر. وبذلك، كانت أمريكا في عهد كريفكير مُقسَّمة طبقيًّا بقدر ما هي مُقسَّمة عِرقيًّا؛ مجتمعًا يتناقض مع الصورة الديمقراطية المُشرِقة التي قدَّمها في تصريحه الأكثر شيوعًا.

•••

أغفل توماس جفرسون (١٧٤٣–١٨٢٦)، في كتاباته التي جاءت عقب كريفكير ببضع سنواتٍ، البُعد الطَّبَقي الذي كثيرًا ما كان مصدر إزعاجٍ لكريفكير. لم يُشكِّك جفرسون، الذي وُلِدَ ونشأ في فرجينيا، في أن المجتمع الأمريكي كان مُنظَّمًا وفقًا للعِرق وليس الطبقة الاجتماعية؛ فمن وجهة نظره، كان الفقراء القائمون بالخدمة، بمَنْ فيهم بوضوحٍ أكبر العبيد الذين يملكهم، ينتمون إلى عِرق يميل للعبودية بطبعه. وفيما يتعلق بالسود، فإنه لم يفرغ عليهم المكانة الاجتماعية كأمريكيين، الذين يمثلون «شعبنا».

وعلى غرار الكثير من المفكِّرين الآخرين، أقرَّ جفرسون بأن العبودية تضرُّ البِيض أكثر مما تضرُّ السود. في «السؤال الثامن عشر: العادات» من كتاب «ملاحظاتٌ حول ولاية فرجينيا» (١٧٨٧)، يستقصي جفرسون تأثير العبودية «البغيض» على طبقة مالكي العبيد، دون التطرُّق إلا فيما ندر إلى معاناة العبيد. وتناول بإسهاب نوعًا ما الثمنَ الذي تكبَّده مالكو العبيد البِيض في الجنوب. يُحاكي أبناءُ مالكي العبيد سوءَ تعامل آبائهم مع الأشخاص الذين يَملكونهم، مُضفِين غلظةً على شخصياتهم؛ ومن ثمَّ على مجتمعاتهم. وهكذا، فإن الطفل الأبيض «الذي ينشأ ويتربى ويتدرَّب يوميًّا على الظلم» — حسبما يُحذِّر جفرسون — «لا بد أن يُوسَم به فضلًا عن اكتسابه خصالًا أخرى مشينة؛ ومن ثمَّ يجب أن يكون المرءُ استثنائيًّا كي يتأتَّى له الحفاظ على عاداته وأخلاقه الحميدة دون أن تفسد بفِعل هذه الظروف.»8

يتفق جفرسون وكريفكير في الأغلب فيما يخصُّ توزيع أضرار العبودية وخسائرها، في حين تتعارض نظرياتهما عن الأصل الأمريكي؛ فقد رفض جفرسون المُفوَّه أي فكرة عن الأمريكي ذي النسب المختلط، على الرغم من أنه كان أبًا لسبعة من الأطفال الأمريكيين المُختلطي النسب الذين أنجبهم من سالي همينجز، وهي امرأةٌ كان يملكها ضمن عبيده. كذلك، رفض جفرسون وجهة نظر كريفكير عن ضرورة إضافة الإنسان «الهولندي» — الذي من المُرجَّح أنه كان يعني «الألماني» أو «الجرماني» — إلى شجرة العائلة الأمريكية. كانت شجرة عائلة جفرسون تتَّسم بالنقاء والقوة؛ حيث إنه ينحدر من شعب الساكسون الذين شكَّلوا أول مملكة لحكم إنجلترا.

•••

كان توماس جفرسون يؤمن، على مدى حياته، بأسطورة شعب الساكسون، وهي قصة الأمريكيين الذين انحدروا من شعب الساكسون عن طريق إنجلترا. فقد فُتِنَ بهذه القصة منذ أن كان طالبًا في كلية ويليام آند ماري عام ١٧٦٢ ولم يشكَّ فيها قط. استطاع جفرسون أن يقتني أكبر مجموعة من الوثائق الأنجلوساكسونية والإنجليزية القديمة على مستوى البلاد، وذلك على مدى ما يزيد على خمسين عامًا قضاها في جمع الكتب، حيث شكَّلت مكتبته الخاصة أساس مكتبة الكونجرس.9
بوصفه أحد الآباء المؤسِّسين، قدَّم جفرسون تفسيرًا نظريًّا لحق الأمريكيين في الاستقلال استنادًا إلى الأصل الساكسوني. ومن خلال طرحه لهذا الزعم في يوليو ١٧٧٤، جعل الإنجليز «أسلافنا»، وجعَل واضعي الميثاق العظيم (الماجنا كارتا) «أسلافنا الساكسونيين». ومع أن تاريخ الماجنا كارتا يرجع إلى عام ١٢١٥، وتاريخ غزو النورمان لإنجلترا يرجع إلى عام ١٠٦٦، يؤكِّد جفرسون أن منظومة حقوق «أسلافنا» كانت جاهزةً بالفعل عندما تواطَأ «المحامون النورمان» لإثقال عاتق الساكسونيين بالأعباء المُجحِفة.10 واستمر في ربط الساكسونيين بحزب اليمين الليبرالي والنورمان بحزب المحافظين، كما لو أن الأحزاب الليبرالية والرجعيَّة كانت موجودة منذ القِدَم، بحُكم النسب ورباط الدم غالبًا.11 لم تكن الحرية الساكسونية ذات الطراز الإنجليزي، من وجهة نظر جفرسون، من الصفات الموجودة لدى الجرمانيين.
تجاهل جفرسون بحُكم أصله الساكسوني عددًا من الحقائق المُزعجة. كان الملك الإنجليزي الغاشم جورج الثالث ساكسونيًّا، وكذلك كان دُوق برونزفيك لوينبورج وناخِب هانوفر في ولاية ساكسونيا السُّفلى. علاوةً على ذلك، وُلِد والِد جورج الثالث وجَدُّه، اللذان اعتليا عرش إنجلترا قبله كمُلوكٍ من هانوفر، في ألمانيا وتحدَّثا اللغة الألمانية كلغةٍ أولى. وبالكاد ما تهم هذه المسألة. من وجهة نظر جفرسون، مهما كانت نزعة الحرية التي أورثها ساكسونيو العصور المظلمة للإنجليز، فقد تغذَّت نوعًا ما على التربة الإنجليزية بيد أنها خبَت وماتت في ألمانيا.12
في الكونجرس القاري في فيلادلفيا عام ١٧٧٦، وصل جفرسون إلى حدِّ اقتراح استخدام صور أسلافه الساكسونيين الأبطال على ختم الولايات المتحدة العظيم. كان من المُقترَح أن صور «هنجيست وهورسا، الزعيمين الساكسونيين اللذين نفتخر بشرف الانحدار من سلالتهما»،13 سوف تحيي بجدارة ذكرى المبادئ السياسية للأمة الجديدة وحكومتها وأصلها الطبيعي.14 لم يحظَ هذا الاقتراح بالموافقة، إلا أن جفرسون ثابَر عليه. كتب جفرسون عام ١٧٩٨ «مقالٌ حول اللغة الأنجلوساكسونية»، الذي ساوى فيه اللغة بالأصل البيولوجي، وهو ما كان موضع التباسٍ شائعًا بين علماء اللغة في ذلك الحين. في هذا المقال، يَمزج جفرسون بين اللغة الإنجليزية القديمة واللغة الإنجليزية المتوسطة، خالقًا حقبةً طويلة من العَظَمة الأنجلوساكسونية تمتد من القرن السادس وحتى القرن الثالث عشر.
إنَّ تأكيد جفرسون الدائم على نقاء الدم تفوح منه رائحةُ الحديثِ عن العرق، وإنْ لم يَنطِق به صراحةً. فمن وجهة نظره أن الساكسونيين لم يُحافظوا على نقائهم العرقي خلال فترة الاحتلال الروماني فحسب (كان ثمة «قدرٌ ضئيل من الاختلاط مع البريطانيين الأصليين».) وإنما ظلت لغتهم أيضًا مُحتفظة بأصالتها على نحوٍ مذهل، على مدى قرنين من غزو النورمان كانت اللغة الأنجلوساكسونية هي «لغة إنجلترا بأسرها، حسبما يُزعَم حقًّا، منذ استحواذ الساكسونيِّين على تلك البلاد في القرن السادس وحتى عهد هنري الثالث في القرن الثالث عشر، وكان يُتحدَّث بها وحدها ودون خلطها مع أي لغةٍ أخرى.»15 ومن ثمَّ، استحقَّ الأمرُ تدريس اللغة الأنجلوساكسونية/الإنجليزية القديمة بوصفها تمثِّل أساسَ الفِكْرِ الأمريكي.
من آخر إنجازات جفرسون العظيمة تأسيسُه جامعة فرجينيا عام ١٨١٨، التي بلورت اهتمامه باللغة الأنجلوساكسونية بوصفها لغة الثقافة والقانون والسياسة الأمريكية. عندما افتُتِحت تلك الجامعة عام ١٨٢٥، كانت الكلية الوحيدة في الولايات المتَّحدة التي تُقدِّم تعليمًا باللغة الأنجلوساكسونية، وكانت الأنجلوساكسونية هي المقرَّر التعليمي الوحيد الذي يُدرَّس لطلاب اللغة الإنجليزية. وأصبحت ملحمة «بيولف»، بطبيعة الحال، من الموضوعات الأكثر تناولًا بالدراسة. ومن دواعي المفارَقة أن المُعلِّم جيورج بلايترمان الذي كان يُدرِّس هذه الملحمة كان من مواليد مدينة لايبتسيج بولاية ساكسونيا شرقي ألمانيا. كان بلايترمان شخصًا صارمًا للغاية لا يحظى بشعبيةٍ كبيرة، وكان يُدرِّس أيضًا اللغة الفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية والدنماركية والسويدية والهولندية والبرتغالية. وبعد أن قضى سنواتٍ صامدًا أمام المشاغبات والاحتجاجات الطلابية، أُقيلَ بلايترمان من وظيفته عام ١٨٤٠ لضربه زوجته بالسوط على رءوس الأشهاد.16

(من دراسةٍ بعنوان «تاريخ الشعب الأبيض» للمؤرِّخة نيل إيرفين بينتر. © حقوق الطبع والنشر لعام ۲٠١٠ محفوظة لنيل إيرفين بينتر. تمَّ الاستخدام بإذنٍ من شركة دبليو دبليو نورتون المحدودة.)

تعكس اللغةُ الكيفيةَ التي ندرك بها العالَم من حولنا ونخبره، وتساهم في تشكيلها. ويقدِّم مفهوم «العرق» مثالًا بارزًا على ذلك؛ حيث يُشير إلى «وجهة نظر» أمريكية مُفصَّلة إلى العالم ترجع جذورها إلى فترة الاستعمار والعبودية ومنظومة عدم المساواة القائمة على أساسٍ «عِرقي». في طريقنا إلى تحليل هذه الأيديولوجية وتفكيكها — لا سيَّما العنصرية العلمية والفكرة المغلوطة بأن الأعراق عبارة عن تقسيماتٍ فرعية للنوع البشري مصنَّفة، وذات جذور بيولوجية، وتنشأ على نحو طبيعي — يتعيَّن علينا أيضًا أن نَدرس بعناية اللغة التي ارتبطت ارتباطًا تاريخيًّا بهذه النُّظم القديمة البالية من التصنيف العرقي، تلك المُسمَّيات التي نستخدمها للإشارة إلى «الأعراق».

من أكثر آثار هذه الأيديولوجية القديمة ضررًا، وأكثرها استمراريةً على نحوٍ مُثير للدهشة، مصطلح «قوقازي».17 على مدى العقود الماضية، أُوقِفت الكثيرُ من المسمَّيات المرتبطة بالعلوم العرقية. واختفت بالأساس مصطلحات مثل «منغولي الشكل» و«زنجي الملامح»، بالإضافة إلى «الإنسان الأحمر» و«العرق الأصفر» من مفرداتنا. وفي الوقت الحالي، يُوسَم المرءُ فورًا بأنه فَقدَ صلته على نحوٍ خطير بمفاهيم العرق الحديثة في حال توظيفه لتلك المُفردات المتحجِّرة. ومع ذلك، لا تزال كلمة «قوقازي» موجودة ومُستخدَمة على الصعيدَين العلمي والعام على نحوٍ يُثير الدهشة.

ألم يَحِن الوقت كي نطرح كلمة «قوقازي» جانبًا؟ قد يذهب البعضُ إلى أنها «مجرد تسمية»، وأننا يجب ألا نعترض على مجرَّد الدلالات اللفظية للكلمة.

إنَّ اللغة واحدةٌ من أكثر الآليات دلالةً وبراعةً وأهميةً في نقل المعرفة الثقافية، بما في ذلك الأيديولوجية العرقية. تلخِّص كلمة «قوقازي» العلوم العرقية القديمة، وتشي ﺑ «ذاكرةٍ» علمية ودقةٍ علمية في غير محلها، وتستدعي مجموعةً مختلفة ومعقَّدة من الصور الذهنية على نحوٍ يفوق المُسمَّيات العرقية الأخرى. تعمل أيضًا كلمة «قوقازي» على إيصال رسائل أوسع نطاقًا عمَّن لديهم «ثقافة» و«إثنية»، والمعنى الحقيقي لأن يكون المرءُ أمريكيًّا. وفي رأيي أننا في كل مرة نستخدم كلمة «قوقازي»، إنما نُرسِّخ وجهة النظر العرقية الأمريكية القديمة تجاه العالم، بدلًا من أن نُخضِعها للبحث والتحليل.

(٢-١) القوقازيون والعلوم العرقية من القرن الثامن عشر وحتى القرن العشرين

ظهَر مصطلح «قوقازي» لأول مرة في القرن الثامن عشر كجزءٍ من علم التصنيف العرقي الأوروبي الناشئ (موكوباداي وآخرون ٢٠٠٧، مع إشارةٍ خاصة إلى الجزء الثاني). بعد زيارة عالِم التشريح الألماني يوهان بلومينباخ لمنطقة جبال القوقاز، الواقعة بين بحر قزوين والبحر الأسود، صرَّح بأن سكان المنطقة هم أجمل مخلوقات الله من البشر على مستوى العالم، واعتقَد أن هذه المنطقة هي الموقع المُرجَّح لأصل الإنسان (وهو اعتقادٌ خاطئ؛ لأن الموقع المُرجَّح لذلك هو أفريقيا). وقرَّر أن جميع الشعوب ذات البشرة الفاتحة من هذه المنطقة، بالإضافة إلى الأوروبيين، ينتمون إلى نفس العرق، الذي أسماه العرق القوقازي.

اقترح بلومينباخ أربعة أعراقٍ أخرى، والتي يَعتبر جميعها أشكالًا «أدنى» خِلقةً وخُلقًا من «خلق الله الأصلي». وصنَّف الأفريقيين (باستثناء شعوب شمال أفريقيا ذوي البشرة الأفتح) على أنهم «إثيوبيون» (سود). كما قسَّم الآسيويين من خارج جبال القوقاز إلى عِرقَين منفصلَين؛ العرق «المنغولي» أو «الأصفر» في الصين واليابان، والعرق «الملايي» أو «البُني» الذي يشمل الأستراليين الأصليين وسكان جزر المحيط الهادئ. أما الأمريكيون الأصليون، فكانوا يُمثلون العرق «الأحمر» أو الخامس.

طُبِّقَ نظامُ التصنيف العرقي الذي وضَعه بلومينباخ في الولايات المتحدة. ويوضح قسم العنصرية العلمية بمتحف العرق كيف قاس العلماء الأمريكيون حجم الجمجمة في محاولة لإثبات أن القوقازيين كانت أدمغتهم أكبر وكانوا أذكى من الأعراق الأخرى (انظر الفصل الرابع). ارتبطت العلوم العرقية بالنظريات الثورية في القرن التاسع عشر، التي صنَّفت الأعراق بدءًا من «البدائي» (الهمجي) إلى الأكثر «تقدُّمًا» (تمدنًا)، مع وضع القوقازيين على رأس القائمة. واستُخدِمت الهَرَميات العرقية لتبرير العبودية وغيرها من أشكال التمييز العنصري الأخرى.

استند النظامُ القانوني للولايات المتحدة إلى تعريفات بلومينباخ لتحديد الأشخاص المؤهَّلين لأن يُصبحوا مواطنين حاملين للجنسية، وهو امتياز قَصَرَه قانونُ منح الجنسية لعام ١٧٩٠ على «البِيض». وأحدث هذا مشكلاتٍ عويصة. كانت المحاكم الأمريكية وغيرها من النُّخب الأمريكية الفعَّالة تأمُل أن تتمكَّن العلوم العرقية من تقديم أساسٍ «علمي» للعنصرية، بما في ذلك سياسة المواطنة المقيَّدة على أساسٍ عِرقي. إلا أن القوقازيين — حسب وجهة نظر بلومينباخ — كانت تَندرج ضمنهم مجموعاتٌ مثل الأرمن، والفُرس، وسكان شمال الهند، وبعض سكان شمال أفريقيا. ومن الواضح أن هؤلاء لم يكونوا يُمثِّلون «البِيض» الذين كان المشرِّعون يضعونهم في تصوُّرهم حين وضعوا قانون عام ١٧٩٠، بل كانوا يقصدون الأوروبيين، لا سيَّما المسيحيين الذين يقطنون شمال وشرق أوروبا؛ ومن ثمَّ كان لا بد من إعادة تفسير مصطلحَي «أبيض» و«قوقازي». في عام ١٩٢٣، رفضت المحكمة طلبَ منح الجنسية الذي تقدَّم به أحد المهاجرين النازحين من شمال الهند بدعوى أنه كان قوقازيًّا وليس أبيض، مُستشهدةً — ضمن أمورٍ أخرى — بلون بشرته وديانته غير المسيحية.18
استمرَّت هذه المُحاولات المستمرة لإعادة اختراع ما كان يُقصَد بمصطلحي «أبيض» و«قوقازي» لأهدافٍ سياسية في القرن العشرين؛ حيث شكَّل ملايين المهاجرين الجُدد تهديدًا يُنذر بتغيير وجه الولايات المتحدة (وديانتها). كيف كان سيتأتى للوافدين الجُدد الاندماج في نظامٍ اجتماعي يقوم على العنصرية وعدم المساواة؟ مرةً أخرى، تدخَّلت العلوم العرقية لإنقاذ الموقف. بحلول فترة العشرينيات من القرن العشرين، قسَّم المُختصون بعلم تحسين النَّسل بالولايات المتحدة القوقازيين إلى أربعة أعراق فرعية مصنَّفة بالترتيب؛ الشمالي، والألبي، والبحر متوسطي، واليهودي (السامي)، مع وضع أصحاب العرق الشمالي في أعلى مرتبة من الناحية الفكرية والأخلاقية.19 استُخدِمَت هذه التقسيمات الفرعية المزعوم أنها علمية (والتي ما زالت تجعل «العرق القوقازي» عِرقًا متفوقًا على الأعراق الأربعة الأخرى) لتبرير قوانين الهجرة التمييزية التي حافظت على السيادة العرقية الأمريكية لأصحاب العرق الشمالي (والمسيحيين البروتستانت).

لم يفقد أيٌّ من العلوم العرقية وعلم تحسين النَّسل مكانته إلا بعد الحرب العالمية الثانية وويلات العنصرية النازية. تلاشَت تدريجيًّا أشكال التمييز فيما بين الأمريكيين ذوي الأصول الأوروبية، على الأقل من الناحية القانونية، فيما يخص الإسكان والتعليم والتوظيف، بل وأصبح اليهود يُصنَّفون ضمن «الشعوب البيضاء». وبدلًا من أن يَختفي مصطلح «قوقازي»، حلَّ محل تسمية العرق «الآري» المرتبط بالنازية والموصوم تمامًا بالفساد؛ بحيث أصبح مكافئًا للعِرق «الأبيض»؛ أي الأمريكيين ذوي الأصول الأوروبية.

يواصل نظام التصنيف العرقي الأمريكي تغيُّره استجابةً للأحداث التاريخية والاقتصادية والسياسية. ومن المثير للدهشة أن الإطار الفكري الذي وضعه بلومينباخ للفئات العرقية الخمس الكبرى لا يزال موجودًا في الوقت الحالي (قارِن التعداد الأمريكي). ومع ذلك، فإن المسمَّيات والتعريفات والخطاب الشامل الذي يدور حول معظم الفئات العرقية المعاصِرة قد تغيَّر ليَعكس المفاهيم الجديدة للعِرق (وحدوده غير الواضحة مع «الإثنية»). فقد استُبدِلَت غالبية المسمَّيات المتعلقة ﺑ «اللون»، مثل العرق الأصفر، أو الآثار شبه العلمية للعلوم العنصرية، مثل مصطلح «منغولي الشكل»، بمسمَّيات تُشير على نحوٍ أكثر ملاءمة إلى المنطقة الجغرافية، والكيانات السياسية، واللغة، والسمات الثقافية، بدلًا من الصفات البيولوجية (مثل الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية، والأمريكيين ذوي الأصول الآسيوية، وسكان جزر المحيط الهادئ … إلخ).

ومع ذلك، تبقى كلمة «قوقازي» رغم تضمينها في العلوم العرقية التي فقدت مكانتها. في الواقع، يبدو أن للكلمة أهميةً علمية وموثوقة، لا ترتبط بالمسمَّيات العرقية الأخرى، ولا بمُصطلح «أبيض» المتداوَل على نحوٍ متزايد. أعَّدت بعض المواقع الإلكترونية الحكومية (وزارة التعليم، ومكتب التعداد، ومعاهد الصحة الوطنية) عددًا مدهشًا من التقارير الرسمية التي استخدَمت مصطلح «قوقازي»، بجانب «أبيض» أحيانًا. وجدتُ تقارير عن الأداء والمساءلة المرتبطَين بالتعليم، وطلباتٍ خاصةً بقانون «عدم إهمال أي طفل»، ووثائقَ خاصةً بالمنطقة التعليمية والولاية ككل، ودراساتٍ بحثية، تَستخدم جميعها مصطلح «قوقازي»، لا سيَّما في السياقات «الرسمية» وملخَّصات البيانات. تضمَّن الموقع الإلكتروني لمكتب التعداد الأمريكي دراسةً رئيسية لإحدى المجموعات المُستهدَفة، استخدمت مصطلح «قوقازي» [و«قوقازي» فقط] على مدى حديثها. وكانت أكثر الأمور اللافتة للنظر النتائج المُنبثقَة عن المكتبة الوطنية الأمريكية لعلم الطب؛ فقد اشتمل ما يزيد عن ٥٦ ألف مقال علمي على لفظ «قوقازي» في عنوان أو ملخَّص المقال، في إشارةٍ إلى السكان المُنحدِرين من أصولٍ أوروبية، الذين يُقصَد بهم في المقام الأول الأمريكيين ذوي الأصول الأوروبية. نُشرت غالبية هذه المقالات في الفترة ما بين عام ٢٠٠٠ وعام ٢٠١٠، في دورياتٍ علمية وطبية وصحيةٍ كبرى، وكانت تعرض النتائج البحثية حسب الانتماء الإثني/العرق، وأحيانًا أيضًا باستخدام مصطلح «أبيض».20 بالإضافة إلى ذلك، تَستخدم أيضًا جامعتي التي تتَّسم بالوعي والتنوع الثقافي كلمة «قوقازي» بانتظام، في صحيفة الجامعة، والأطروحات البحثية للطلاب، والتقارير المهمة للإدارة/الأقسام (على سبيل المثال، تقرير الرابطة الغربية للمدارس والكليات لعام ٢٠٠٤، ووثيقة تخطيط الأقسام لعام ٢٠٠٨، والعروض التقديمية للمركز الاستشاري)، لا سيَّما في الإحصائيات المتعلقة بالأعراق/الإثنية (على سبيل المثال، القوقازي/الأبيض ٧٤٪).

(٢-٢) فئة شاغرة

بالإضافة إلى ارتباط مصطلح «قوقازي» بالعلوم العرقية، فإنه يشي — ككلمة وكمفهوم — بدقة ومصداقيةٍ علمية زائفتَين؛ إنه مقصورٌ على فئةٍ معيَّنة، وهو كلمة مركَّبة مكوَّنة من ثلاثة مقاطع معناها غير واضح أو لا يمكن استنتاجه بسهولة. تصف المسمَّيات العرقية المعاصرة الأخرى، مثل الأمريكيين ذوي الأصول الآسيوية، المنطقة الجغرافية التي شهدت مولد الأشخاص المتحدَّث عنهم. إلا أن مُصطلح «قوقازي»، حسب استخدامه في الولايات المتحدة، لا يحمل فعليًّا أي تشابُه مع الأسلاف أو الأصول الوطنية لأولئك الذين يُحدَّدون على أنهم قوقازيون. يوجد بالطبع قوقازيون «حقيقيون» … شعب القوقاز، على الرغم من أنه يتضمَّن مجموعةً مختلطة من اللغات والثقافات والتواريخ المختلفة. إلا أن قليلًا من الأمريكيين فقط مَن كان يسعه تحديد موقع منطقة القوقاز على الخريطة، أو تحديد بلدانها أو مناطقها، أو مجموعاتها اللغوية (على سبيل المثال، جورجيا، وأرمينيا، وأذربيجان، وأجزاء من شمال إيران، وجنوب ووسط روسيا، بما في ذلك جمهورية الشيشان).

إذن، ما هي التداعيات التي يستدعيها مصطلح «قوقازي» في الأذهان؟ في الواقع، لا شيءَ من ذلك؛ فهو لا يَستدعي الأصول الوطنية ولا الموطن الأصلي المتعلق بالأسلاف، ولا اللغة. في الواقع، إنه لا يُشير إلى أي شيء ثقافي أو إلى شيءٍ تعلَّمه البشر أو شاركوه أو اخترعوه. لا يتحدَّث القوقازيون في الولايات المتحدة القوقازية، فلا يوجد (في الولايات المتحدة) موسيقى قوقازية أو رقص قوقازي. يُمثِّل القوقازيون فئةً شاغرة لحدٍّ ما، على الأقل من الناحية الثقافية؛ ونتيجةً لذلك، من السهل استنتاج أنه «حقيقي» من الناحية البيولوجية وليس اختراعًا ثقافيًّا. وهكذا تأكَّدت المغالطة القديمة بشأن الفئات العرقية بوصفها «طبيعية» ومتأصِّلة من الناحية البيولوجية.

لا توجد بالطبع لغةٌ واحدة، أو طعام أو دينٌ واحد، أو ثقافة موحَّدة ﻟ «الآسيويين» أو «الأفارقة» أو «سكان جزر المحيط الهادئ» أو «الأمريكيين الأصليين»؛ فكلُّ الفئات العرقية الأمريكية الكبرى، حتى لو ارتبطت بمناطق متجاورة جغرافيًّا أو سياسيًّا وتاريخيًّا، ما هي إلا تصنيفاتٌ ظاهرية من صُنع الإنسان، تفتقر إلى الحدود الواضحة، وتنطوي على قدرٍ هائل من التنوع. ولنأخذ مثالًا على ذلك كُتل اليابس التي تُشكِّل «آسيا» أو «أوروبا» أو حتى «أفريقيا»، التي تتسم بأنها غير محدَّدة بوضوح وغامضة. أين يقع الحد الغربي لآسيا أو الحد الشرقي أو الجنوبي لأفريقيا؟

بالمثل، تنطوي الفئات العرقية الكبرى على قدرٍ هائل من التعقيد الثقافي والتاريخي. ولنأخذ مثالًا على ذلك الفئة العرقية المتمثلة في «الآسيويين» أو «الأمريكيين ذوي الأصول الآسيوية» أو «سكان جزر المحيط الهادئ»، التي تتضمَّن مئات اللغات، والجماعات العرقية، والأمم، والثقافات، ولحُسن الحظ أن هذا التنوع أصبح معترفًا به على نحوٍ متزايد. قدَّم السؤالُ الذي طرحه تعداد عام ٢٠١٠ عن العرق العديدَ من الخيارات لفئة «الآسيويين»: «الهنود الآسيويون، والصينيون، والفلبينيون، واليابانيون، والكوريون، والفيتناميون، بجانب غيرهم من الآسيويين»، وهو قسمٌ أضيفَ لتضمين التايلانديين والباكستانيين وغيرهم. وقد يكون سكان جزر المحيط الهادئ من قاطني جزر هاواي، أو ساموا، أو غوام، أو تشامورو، أو «غير ذلك»، مع ترك مساحةٍ شاغرة لإضافة أيٍّ من سكان جزر المحيط الهادئ الأخرى. وطُلِبَ من الهنود الأمريكيين أو سكان ألاسكا الأصليين تحديد قبيلتهم. وكان ثمة فئتان فقط من الفئات العرقية الكبرى تَفتقر إلى المجموعات الفرعية: «السود، أو الأمريكيون ذوي الأصول الأفريقية، أو الزنوج» و«البِيض». وعلى نحوٍ ضمني، فإن هذه المجموعات الفرعية تُمثِّل هوياتٍ/جماعاتٍ عِرْقيةً مُتجانسة (باستثناء «اللاتينيين» الذين يُمثلون «إثنيةً» منفصلة) على الرغم من أن الأيرلنديين والنرويجيين والنيجيريين والأمريكيين المُنحدِرين من أصل هايتي قد يشعرون بخلاف ذلك.

من المُلاحَظ أن البِيض وحدهم لهم تسميةٌ واحدةٌ قائمة على اللون لا تتضمَّن أي مرجعية جغرافية (على عكس «الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية»). تستدعي كلُّ التسميات الأخرى للمَجموعات العرقية الأمريكية الكبرى نقطةً مرجعية ذات صلة بالناحية الجغرافية والثقافية والسياسية، وكذلك مجموعة من الكيانات التي تُجسِّد ثقافاتٍ متنوعةً داخل آسيا أو أفريقيا أو جزر المحيط الهادئ.

لا يستدعي مصطلحُ «قوقازي»، مثله مثل مصطلح «البِيض»، أيَّ مرجعيةٍ جغرافية أو ثقافية أو تاريخية؛ فهو يُخفي داخله تاريخ هذه الفئة العرقية الاعتباطي والمُختلَق ثقافيًّا. ولا يكشف عن الجماعات العرقية واللغوية والدينية والسياسية المتنوِّعة التي تتألَّف منها أوروبا. ومن المُرجَّح أن هذه التقسيمات الفرعية قد شكَّلت الهويات المهمة لمعظم الأمريكيين المُنحدِرين من أصولٍ أوروبية حتى نصف القرن العشرين. يُشير مصطلح «قوقازي» ضمنًا إلى أن السكان المُنحدِرين من أصولٍ أوروبية يمثلون كيانًا مترابطًا ومستقرًّا وراسخًا ومتجانسًا وذا معالمَ بيولوجيةٍ واضحة؛ مما يُعزِّز المفاهيم البيولوجية القديمة عن «العرق».

(٢-٣) الأمريكيون «الحقيقيون» والأمريكيون ذوو الأصول الأجنبية

يشير أيضًا مصطلح «قوقازي» (في مقابل الأمريكيين ذوي الأصول الأوروبية) إلى علاقةٍ مختلفة وفريدة ﺑ «أمريكا» و«الجنسية الأمريكية»؛ فالأمريكيون ذوو الأصول الأوروبية، شأنهم شأن الأمريكيين الآخرين، جاءوا من مكانٍ آخر. ولا يزيدون مطلقًا في انتمائهم إلى الهوية «الأمريكية» عن أي مجموعةٍ عِرْقية/إثنية أخرى. وبالمقارنة مع الأمريكيين الأصليين، فإن جميع الأمريكيِّين ذوي الأصول الأوروبية هم مهاجرون جُدد؛ فقد نزل معظم أسلاف الأمريكيين الأفريقيين بالشواطئ الأمريكية قبل وصول أسلاف مُعظم الأمريكيين الأوروبيين إليها. في الواقع، من المحتمل أن غالبية «القوقازيِّين» الموجودين في الولايات المتحدة حاليًّا لم يكن لهم أي أسلاف في أمريكا قبل القرن العشرين. ومع ذلك، يُخفي مصطلح «قوقازي» في ثناياه ببراعةٍ كبيرة الأصل الأجنبي لهذه المجموعة بينما تبرز التسميات الأخرى — مثل: الأمريكيُّون الآسيويون أو الأمريكيون الأفريقيون — الجذور الأجنبية لهذه المجموعات.

تزيد كلمة «قوقازي» من مَيل الولايات المتحدة إلى مساواة «الأمريكي» بالأشخاص المُنحدِرين من أصولٍ أوروبية (كالحال — مثلًا — عندما نقول الطعام «الأمريكي»). وبوصفها تسميةً مكوَّنة من كلمةٍ واحدة، فإنها تُعزِّز الوضع الهامشي أو «غير المُكتمِل» للمجموعات الأمريكية الأخرى. من الناحية اللغوية، يُستدَلُّ من إضافة مُحدِّدٍ لفظي إلى كلمةٍ عامة (على سبيل المثال، إضافة «آسيوي» أو «أفريقي» إلى أمريكي) على أن الصيغة المُعدَّلة أقل تعبيرًا عن «الوضع الطبيعي» وأكثر هامشيةً. أما الصيغة الأكثر تعبيرًا عن الوضع «الطبيعي» الجوهري والنموذجي، فتُترك دون تمييز. (الأمر أشبه — على سبيل المثال — بما يحدث في اللغة الإنجليزية عند إضافة مُحدِّد النوع male إلى كلمة nurse لتمييز فئة الممرضين الذكور، وهي فئةٌ استثنائية غير طبيعية مقارنةً بالفئة النموذجية الطبيعية المُسلَّم بها جدلًا التي تشير إلى المُمرضات الإناث.)

تضيف حاليًّا مُعظم التسميات الخاصة بالفئات العرقية الأمريكية القياسية بخلاف «قوقازي» (أو «أبيض») مُحدِّدًا لفظيًّا، مثل «آسيوي» أو «أفريقي» أو «أصلي»، إلى كلمة «أمريكي». فعلامَ هذه الازدواجية؟ لماذا تُخفَى الأصول التي انحدر منها القوقازيون (أو البِيض) بينما تُجلَّى أصول المجموعات الأخرى؟ إنَّ هذه المُحدِّدات اللفظية، إذا لم تُستخدَم مع كل المجموعات العرقية والإثنية، من شأنها أن تُهمِّش ببراعة المجموعات «المميَّزة»، مما يشير ضمنًا إلى أنها لا تنتمي إلى الأمريكيين بالمعنى الكامل للكلمة. ولا تزال بعضُ المجموعات تُوضَع في إطارٍ معيَّن، من خلال اللغة، على أنها من المهاجرين الدائمين، بصرف النظر عن عدد الأجيال التي مرَّت على وجودها في الولايات المتحدة.

(٢-٤) مَن الذين لهم «إثنية» و«ثقافة» و«هوية إثنية»؟

وختامًا، فإنَّ مصطلح «قوقازي» يُجرِّد أولئك الذين يُصنَّفون على أنهم قوقازيون من إثنيتهم وأصلهم وعاداتهم الثقافية. ومن دواعي المفارقة أننا استهللنا حديثنا كما لو أن «الإثنية» و«الثقافة» صفاتٌ تختص بها بعضُ المجموعات العرقية-الإثنية دون غيرها، وعادةً ما تكون هذه المجموعات مُهمَّشة ضمن الأعراف والتقاليد المُتَّبَعة. للكثير من الجامعات منظمات «ثقافية» داخل الحرم الجامعي، أو فعاليات للاحتفاء بالتنوع «الثقافي». إلا أن هذه الفعاليات لا تشمل عادةً المجموعات الإثنية الثقافية من الأمريكيين ذوي الأصول الأوروبية. ما هي إذن الثقافة «القوقازية»؟ إنها فئةٌ شاغرة دون توصيفٍ واضح.

أين هو موقع القوقازيين في عالمٍ تُمثِّل فيه الهويات الإثنية بُعدًا مهمًّا، وإيجابيًّا غالبًا، من الهوية الشخصية؟ لا تزال بالتأكيد الثقافة المؤسسية السائدة في الولايات المتحدة ذات أصولٍ أوروبية (شمال غربية، مسيحية) بالأساس. إلا أننا لا نطلق على هذه التقاليد الثقافية أنها «قوقازية»؟ ولا معنى للقيام بذلك، بل ينبغي أن تُسمَّى بوضوح بالأوروبية، أو يُفضَّل ربطها بمناطقَ ثقافيةٍ أو لغويةٍ معينة، مثل إنجليزية أو ألمانية أو إيطالية، وهكذا. وهذا يضعها كواحدة ضمن العديد من التقاليد الثقافية التي أدخلها المهاجرون إلى الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، فإن تحديد الأصول على نحوٍ أوضح يُتيح للأمريكيين ذوي الأصول الأوروبية استكشاف هوياتهم وأصولهم الإثنية.

كيف نمحو مصطلح «قوقازي»، ذاك الأثر الخبيث من آثار الماضي؟ لحُسن الحظ، فإن شيوع المصطلح واستخدامه آخذٌ في الانحسار والتراجع، على الرغم من أن البديل المُعتاد، وهو لفظ «أبيض»، له مشكلاته الخاصة به أيضًا. تؤكِّد مسمَّيات مثل «أبيض» و«أسود» و«أشخاص ملوَّنين» من الناحية اللغوية (ومن ثمَّ الناحية الإدراكية) على العرق كحقيقة بيولوجية وعلى المفاهيم المغلوطة عن المجموعات المتجانسة والمحدَّدة على نحوٍ مميَّز. كما تحافظ أيضًا على الإطار العرقي للبِيض/غير البِيض (الملوَّنين) الموجود منذ زمنٍ طويل.

يُمثل مصطلحُ الأمريكيين ذوي الأصول الأوروبية بديلًا أكثر دقة لمصطلح القوقازيين من مصطلح «البِيض»؛ فهو يضاهي اللغة المستخدمة مع بقية المجموعات الأمريكية العرقية الكبرى الأخرى، موضِّحًا الأصول القومية لهذه المجموعات بدلًا من الأسس البيولوجية؛ مما يسمح بإبراز الخبرات المتنوِّعة دون إغفال الامتيازات الممنوحة تاريخيًّا لأولئك المنحدرين من أصولٍ أوروبية. قد يبدو مسمَّى الأمريكيين ذوي الأصول الأوروبية فضفاضًا أو رسميًّا بدرجةٍ كبيرة في البداية (في مقابل «أبيض» أو «أسود» على سبيل المثال)، لكننا استطعنا أن نتكيَّف مع مسمَّيات الأمريكيِّين ذوي الأصول الأفريقية، والأمريكيين ذوي الأصول الآسيوية، والأمريكيين ذوي الأصول المكسيكية، وسكان جزر المحيط الهادئ، وغيرها من التسميات المُتعدِّدة المقاطع. وفي مقدورنا أن نصيغ صيغًا أكثر إيجازًا، مثل «أورو». ففي إمكاننا نحن البشر أن نتكيَّف مع المصطلحات الجديدة بسرعة إلى حدٍّ ما، لا سيَّما إذا كنا نبذل جهدًا واعيًا في سبيل ذلك أو كنا نعيش وسط آخرين يستخدمونها.

  • جون ايه باول: إنَّ أمريكا دولةٌ مؤلَّفة من المهاجرين. وكان جزءٌ من تكوين هويتها القومية يتمثل في تحديد هوية الوافدين إليها في المقام الأول، بل [وكذلك] تحديد الكيفية التي سيُدمَج بها هؤلاء المهاجرون معًا في نسيج مجتمعٍ واحد. وبالفعل، اتَّحدت أمريكا واندمجت معًا حول مفهوم العرق الأبيض الذي يرجع أصل نشأته إلى الأنجلوساكسونيين.
  • روبن كيلي: ولهذا السبب، فإنَّ ما حدث في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، مع اختراع العرق الأبيض، أن كلَّ هذه الشعوب التي كان يُنظَر إليها على أنها شعوبٌ هجينة ومختلطة — البرتغاليين، والإسبان، والألمانيين، والإيطاليين، وشعوب شرق أوروبا — اندمجت معًا في هذه الفئة التصنيفية التي نُطلق عليها «البِيض».
  • إدواردو بونيللا-سيلفا: في الواقع، امتدَّت فكرة البوتقة لتشمل حصريًّا المهاجرين البِيض، سواءٌ أكانوا من البولنديين أو الأيرلنديين أو الإيطاليين ذوي البشرة البيضاء، وغيرهم. بيد أن هذه البوتقة لم تكن لتشمل أبدًا الأشخاص الملوَّنين. فلا يُمكن للسود، والصينيين، والبورتوريكيين، وغيرهم، الانصهار في تلك البوتقة. قد يُستخدَمون كحَطبٍ لإنتاج النيران اللازمة لها، لكن لا يُمكن أن يُستخدَموا كمادة يتمُّ صهرها وإذابتها داخل البوتقة.
  • جون ايه باول: لذا، أعتقدُ أن الإجابة عن سؤال: كيف يرى البِيض العرق؟ وما هي نظرتهم إليه؟ بادئ ذي بدء، هم لا يُفكِّرون في العرق في شخصهم، وإنما يفكرون فيه باعتباره شيئًا يتعلق بأناسٍ آخرين. فللسُّود عِرْق، وربما يكون للاتينيين، وكذلك للآسيويين، عِرْق. أما هم، فبيضٌ وحسب، بشرٌ وحسب.
  • دالتون كونلي: وهذا جزءٌ مما يعنيه العرق الأبيض. إنه لا يعني ضرورة أن يُفكِّر المرء في كونه ضمن المجموعة القياسية أو المُهيمنة. وفوق ذلك، هو أيضًا إحساسٌ بالتميُّز، إحساسٌ بأن هذا المجتمع مُكرَّس برمَّته لخدمته، وأنه مخوَّلٌ له أن يفعل أي شيءٍ لأن المجتمع الأمريكي، الاقتصاد الأمريكي، أشبه بالمأدبة، ويُمكنه أن يمضي في طلب المزيد من الطعام. هذه هي منظومته، وهي تخصُّه وحده؛ ومن ثمَّ ثمة إحساسٌ بالأهلية والاستحقاق أيضًا يُصاحب العرق الأبيض وفكرة الانتماء إليه.
  • آلان جودمان: وعن شخصي أودُّ أن أقول إنني لستُ مُنتبهًا بشدة للون بشرتي، وأعتقدُ أن هذه في أغلب الظن هي الحالة النمطية بالنسبة إلى كثير من الأشخاص ذوي البشرة البيضاء الذين نشئوا وسط أناسٍ بِيض البشرة؛ حتى إن الأمر بات غير ملحوظٍ لهم بدرجةٍ كبيرة.
  • إيفلين هاموندز: عندما كنتُ طفلة، وبالتأكيد على مدى نشأتي في أتلانتا في المجتمع الأسود، كان يُضفَى بالتأكيد قدرٌ ما من القيمة على الأشخاص ذوي البشرة الأفتح في مقابل الأشخاص ذوي البشرة الأكثر دكانةً في مجتمع الأمريكيين الأفارقة. ورأيتُ، كطفلة، كيف يَشعر بعضُ الأشخاص ببالغ الضرر جرَّاء تلك التقييمات التي ترى أن الأشخاص السود ذوي البشرة الأفتح أفضل إلى حدٍّ ما من الأشخاص السود ذوي البشرة الأكثر دكانةً. تربَّيتُ على قراءة مجلة «إبوني»، ومشاهدة الإعلانات الترويجية لمستحضرات تفتيح البشرة. تربَّيتُ كذلك على مراقبة أفعال الناس، ولا سيَّما نساء عائلتي، مرورًا بكل ما كنَّ يقمْن به من محاولاتٍ غريبة على طبيعتهنَّ حتى يتأكدن من فرد شعرهن وظهوره دائمًا بالمظهر اللائق. لعلَّكم لاحظتم بالطبع أنني تمرَّدتُ كثيرًا على هذه الفكرة. لكنني أعتقد أن فكرة أن الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية كانوا يتعرَّضون لنوعٍ من الضغط على هذا المستوى الاجتماعي والثقافي كي يظهروا بمظهر أقرب إلى البِيض، وأن البِيض كانوا موضع تقدير إلى حدٍّ ما، تبدو فكرة مفهومة تمامًا في مجتمعٍ مُتمحوِر حول العرق على النحو الذي عليه مجتمعنا.
  • آلان جودمان: هذا الأمر ليس فرديًّا بقدر ما هو ببساطة تعبيرٌ عن أننا نعيش وسط نوع من الدخان الضبابي العرقي. إنه عالَم الدخان العرقي. ولا يسعنا أن نفعل شيئًا حيال ذلك، لا يسعنا إلا أن نَستنشِق هذا الدخان. الجميعُ يستنشق هذا الدخان، لكن من الجميل أن يعرف المرءُ أنه يستنشقه؛ حتى يتسنى له إدراكه وتمييزه، وتلك هي بداية الطريق.
  • إيفلين هاموندز: أرى أن الجميع ربما لديه قصةٌ أشبه بقصة أقلام التلوين من «كاريولا»، بيد أنني عندما كنتُ طفلة، كنت أنزعج فعلًا من وجود قلم تلوين أبيض، وقلم بدرجة لون البشرة، وتدرُّجات مختلفة من اللون البُني. ولم يكن لون البشرة يحاكي لون الأشخاص الموجودين في حياتي. كنت أنزعج كثيرًا عندما أهمُّ برسم صورة، وأجدني أقول: «لكن أتدرين يا أمي، إنها أنتِ.» كان عليَّ بالطبع أن أُلوِّن الصورة بالقلم الذي بدرجة لون البشرة، ثم بعد ذلك أغير القلم وألوِّنها باللون البُني. ولم يكن يناسب الصورة أبدًا أيٌّ من تدرُّجات اللون البُني. وكنت أنزعج كثيرًا لأن لون البشرة في علبة الألوان لم يكن يحاكي أيًّا من ألوان الأشخاص الذين أحبهم.
  • بيلار أوساريو: إذا لم يستطع الناسُ تحديد عِرْقك، فإنهم يشعرون بحالةٍ شديدة من عدم الارتياح. وهذا أمرٌ أعلمه جيدًا؛ لأنني أصادفه طوال الوقت؛ فالناسُ دائمًا ما يسألونني عن عِرْقي؛ لأن عِرْقي غامضٌ إلى حدٍّ ما. وأسألُ الناسَ أحيانًا «لماذا تريدون معرفة عِرْقي؟» وفي ظني أنهم يريدون معرفة ذلك لأنهم يشعرون بعدم الارتياح، ولا يُدركون أن الطريقة التي يعاملون بها غيرهم من الناس تقوم في جزءٍ منها على العرق.
  • إيفلين هاموندز: أذكرُ عندما كنت أشاهد في طفولتي مسلسلًا تليفزيونيًّا مثل «الأبُ يعرف أكثر» أو «دَعِ الأمر لبيفر»، وأفكِّر في كونهم بشرًا مثلي، وأنني أعيش في جوار أناسٍ كهؤلاء، كان والداي يعملان، بيد أن أمي كانت تذهب إلى العمل يوميًّا. لكن تلك هي الأمور التي كنت أراها مختلفةً.

    لكنني لم أُدرك أن حقيقة أنني بُنية البشرة ولستُ وردية البشرة — اعتدتُ أنا وأختي إقامة أحاديث مطوَّلة حول أن الأشخاص البِيض ليسوا بِيض البشرة في حقيقة الأمر، وإنما هم ورديُّو البشرة — هي أن الأمر كان ملتبَسًا علينا، لكنه كان واقعًا، وما زلنا لا نفهمه حقًّا. لكنني أعتقدُ أنني كنتُ أرى نفسي كما هي حقًّا. كنتُ أرى فعلًا أن لون البشرة ما هو إلا السطح الذي يراه الناس؛ فهو مجرد لون ولا شيءَ أكثر من ذلك.

(نُسخت بتصريح من كاليفورنيا نيوزريل.)

المراجع

  • Asing, Norman:
    1852 letter to the editor. Daily Alta California, May 15.
  • Brodkin, Karen:
    1998 How Jews Became White Folks And What That Says about Race in America. New Brunswick: Rutgers University Press.
  • Cook, William W.:
    1929 American Institutions and Their Preservation. 2nd edition. Norwood, MA: Norwood Press.
  • Davis, Dana-Ain:
    2009 The Politics of Reproduction: The Troubling Case of Nadya Suleman and Assisted Reproductive Technology. Theme issue, “Whiteness: The Series,” Transforming Anthropology 17: 105–116.
  • Du Bois, W. E. B.:
    1970 [1935] Black Reconstruction: An Essay Toward a History of the Part which Black Folk Played in the Attempt to Reconstruct Democracy in America, 1860–1880. New York: Atheneum.
  • Epperson, Terrence:
    1997 Whiteness in Early Virginia. Race Traitor 7: 9–20.
  • Franklin, John Hope:
    1988 Ethnicity in American Life: The Historical Perspective. In Race and History: Selected Essays, 1938–1988, pp. 321–331. Baton Rouge: Louisiana State University Press.
  • Hargrove, Melissa D.:
    2009 Mapping the “Social Field of Whiteness”: White Racism as Habitus in the City Where History Lives. Theme Issue, “Whiteness: The Series,” Transforming Anthropology 17: 93–104.
  • Harris, Cheryl I.:
    1993 Whiteness as Property. Harvard Law Review 106: 1707–1791.
  • Lee, Stacey J.:
    2004 Up against Whiteness: Students of Color in Our Schools. Anthropology & Education Quarterly 35: 121–125.
  • Lipsitz, George:
    2006 The Possessive Investment in Whiteness: How White People Profit from Identity Politics. Rev. and expanded edition. Philadelphia: Temple University Press.
  • Low, Setha:
    2009 Maintaining Whiteness: The Fear of Others and Niceness. Theme Issue, “Whiteness: The Series,” Transforming Anthropology 17: 79–92.
  • Painter, Nell Irvin:
    2010 The History of White People. New York: W. W. Norton and Company.
  • Paynter, Robert:
    2001 The Cult of Whiteness in Western New England. In Race and the Archaeology of Identity. Charles E. Orser, Jr., ed. pp. 125–142. Salt Lake City: University of Utah Press.
  • Ripley, William Z.:
    1899 The Races of Europe: A Sociological Study. New York: D. Appleton and Company.
  • Roediger, David R., ed.:
    1998 Black on White: Black Writers on What It Means to Be White. New York: Shocken Books.
  • Roediger, David R.:
    1999 The Wages of Whiteness: Race in the Making of the American Working Class. Rev. edition. London and New York: Verso.
  • Roediger, David R.:
    2008 How Race Survived U.S. History: From Settlement and Slavery to the Obama Phenomenon. London: Verso.
  • Thomas, Deborah A., and John L. Jackson:
    2009 Racialized Publics. Theme Issue, “Whiteness: The Series,” Transforming Anthropology 17: 77-78.
  • Winant, Howard:
    2001 White Racial Projects. In The Making and Unmaking of Whiteness. Birgit Rasmussen, Eric Klineberg, Irene Nexica, and Matt Wray, eds. pp. 97–112. Durham, NC: Duke University Press.

كارول شابنيك موكوباداي، العرق القوقازي

  • Mukhopadhyay, Carol C.:
    2008 Getting Rid of the Word “Caucasian.” In Everyday Antiracism: Getting Real about Race in School. Mica Pollock, ed. pp. 12–16. New York: The New Press.
  • Mukhopadhyay, Carol C., Rosemary Henze, and Yolanda T. Moses:
    2007 How Real Is Race? A Sourcebook on Race, Culture, and Biology. Lanham, MD: Rowman and Littlefield Education Press.

اختراع العرق الأبيض (١٦٥٠‏–٢٠٠٠)

  • Asing, Norman:
    1852 Letter to the editor. Daily Alta California, May 15.
  • Davenport, Charles:
    1911 Heredity in Relation to Eugenics. New York: Henry Holt and Company.
  • Douglass, Frederick:
    1881 [1999] The Color Line. Cited in Frederick Douglass: Selected Speeches and Writings. Philip S. Foner, ed. Adapted by Yuval Taylor. Chicago: Lawrence Hill Books.
  • Eagan, Catherine M.:
    2001 “White,” if “Not Quite”: Irish Whiteness in the Nineteenth-Century Irish-American Novel. Eire-Ireland: Journal of Irish Studies, 36 (Spring/Summer): 66–81.
  • Huxley, Thomas Henry:
    1865 On the Methods and Results of Ethnology. In Collected Essays, vol. 7. London: Macmillan and Company.
  • Jacobson, Matthew Frye:
    1998 Whiteness of a Different Color: European Immigrants and the Alchemy of Race. Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • McGee, W. J.:
    1903 Cited in Prof. WJ. M’ Gee. Appointed Chief of the Department of Anthropology. Anonymous. World’s Fair Bulletin 4(10): 29.
  • McIntosh, Peggy:
    1989 White Privilege: Unpacking the Invisible Knapsack. Peace and Freedom Magazine (July/August): 10–12. Women’s International League for Peace and Freedom, Philadelphia.
  • Spickard, Paul R.:
    1992 The Illogic of American Racial Categories. In Racially Mixed People in America. Maria P. P. Root, ed. pp. 12–23. Newbury Park, CA: Sage Publications.
  • Washington, Booker T.:
    1900 The Problem of the South. Journal of Proceedings and Addresses of the Thirty-ninth Annual Meeting of the National Educational Association. Chicago: The University of Chicago Press for the National Educational Association.
  • Zitkala-Sa (Dakota):
    1900 [2000] The School Days of an Indian Girl In Native American Women’s Writing: An Anthology c. 1800–1924. Karen L. Kilcup, ed. Oxford: Blackwell.

هوامش

(1) Margo J. Anderson, The American Census: A Social History. New Haven: Yale University Press, 1988: 9, 12–14; and Bureau of the Census, U.S. Department of Commerce [Frederick G. Boheme], 200 Years of U.S. Census Taking: Population and Housing Questions, 1790–1990. Washington, D.C., 1989: 1.
(2) Indians appeared in the census of 1800, and colored people gained their own category in 1820; thereafter, the races broke down into white, black, and mulatto in 1850. Chinese people appeared in 1870.
(3) The census of 1840 asked for the number of “free white males and females” and “free colored males and females.” By 1850 the question addressed simply “each free person in a household.” The three-fifths clause remains in article 1, section 2, paragraph 3 of the U.S. Constitution, however, in which people bound to a term of servitude—presumably white—are counted as whole persons.
(4) Alexander Keyssar, The Right to Vote: The Contested History of Democracy in the United States (New York: Basic, 2000), xxii-xxiii, 20–34, 52–76, 102, and Sean Wilentz, The Rise of American Democracy: Jefferson to Lincoln (New York: W. W. Norton, 2005), 27-28, 82-83, 17, 485. Keyssar and Wilentz both note historians’ long neglect of the basic history of the right to vote, especially with regard to class. See also Wilentz, “On Class and Politics and Jacksonian America,” Reviews in American History 10, no. 4 (Dec. 1982), 45–48, 59.
(5) Rhode Island delayed ratification of the Fifteenth Amendment to the Constitution until 1870 because legislators feared it might enfranchise members of the Celtic race. Black men had been able to vote there since 1840.
(6) J. Hector St. John de Crèvecoeur, Letters from an American Farmer and Sketches of Eighteenth-Century America (originally published 1782) AS@UVA Hypertexts, Letter 3, 54, http://xroads.virginia.edu/~HYPER/CREV/letter03.html. Post-industrial St. Johnsbury now figures as Vermont’s capital of heroin addiction.
(7) J. Hector St. John de Crèvecoeur, Letters from an American Farmer and Sketches of Eighteenth-Century America (originally published 1782) AS@UVA Hypertexts, 170. Letter 9, 223–25, 229, http://xroads.virginia.edu/~HYPER/CREV/letter09.html.
(8) Thomas Jefferson, Notes on the State of Virginia (originally published 1787), AS@UVA Hypertexts, Query 18, http://xroads.virginia.edu/~HYPER/JEFFERSON/ch18.html.
(9) Stanley R. Hauer, “Thomas Jefferson and the Anglo-Saxon Language,” PMLA 98, No. 5 (October 1983): 879, 881.
(10) Thomas Jefferson, “A Summary View of the Rights of British America,” July 1774 The Papers of Thomas Jefferson. Edited by Julian P. Boyd et al. Princeton: Princeton University Press, 1950–.1: 121–35. http://press-pubs.uchicago.edu/founders/documents/v1ch14s10.html.
(11) Dumas Malone, The Sage of Monticello. Jefferson and His Time, Vol. 6. Boston: Little, Brown: 1981: 202-203.
(12) [The tangled history of the two Saxon regions in Germany would have put Jefferson off, had he sought to trace a the relationship between Hengist and Horsa—who, according to Bede (ca.730) were Jutes—and the English and Americans of his own time. Until German unification under the Prussians, provincial borders changed with the marriages, wars, and alliances of practically every new generation of rulers.]
(13) Hengist (“Stallion”) and Horsa (“Horse”), legendary founders of Saxon England, were said to have come from Jutland (now part of Denmark). According to Bede in his Ecclesiastical History (731), King Vortigern invited them from Jutland to England in 449 to help repulse attacks by the Picts and Scots. Vortigern gave them the Isle of Thanet in gratitude. The Anglo-Saxon Chronicle makes Hengist and Horsa joint kings of Kent.
(14) John Adams to Abigail Adams, Philadelphia 14 August 1776, in Charles Francis Adams, Familiar Letters of John Adams and His Wife Abigail Adams, During the Revolution, with a Memoir of Mrs. Adams. Boston: Houghton Mifflin, 1875: 210-211. See also Malone, Sage of Monticello, vol. 6: 202. For the other side of the seal, Jefferson suggested the children of Israel in the wilderness.
(15) Thomas Jefferson, Essay on the Anglo-Saxon Language, in Andrew A. Lipscomb, ed. Thomas Jefferson, The Writings of Thomas Jefferson. Washington, DC: Thomas Jefferson Memorial Association of the United States, 1903-1904. Vol. 18, 1904: 365-366.
(16) Hauer, “Thomas Jefferson and the Anglo-Saxon Language”: 883–886, 891.
(17) This is a significantly revised version of an earlier article, see Mukhopadhyay 2008.
[There are many others, including the persistence of “color” linked terminology, such as white and black; the collapse of multiple, complex world of U.S. ethnicity/race/communities into the familiar dualistic, oppositional frame (white-others) even if it takes new forms (People of Color-White); the continuation of a race/ethnicity distinction, despite the tortuous and confusing definitions that result ; and the persistence of language inconsistent with what we know to be continuous, gradations of biological traits like skin color “darker” v. “dark,” “lighter” v. “light” (aka “fair”!) skin.]
(18) See also Race Exhibit section, “The Invention of Whiteness.”
(19) Eugenics sought to “improve” the human species, including through race-related breeding practices such as sterilizing women from “inferior” races and preventing “superior” race women from gaining access to contraception and other methods of birth reduction.
(20) Compare Methotrexate (MTX) Pathway Gene Polymorphisms and Their Effects on MTX Toxicity in Caucasian and African American Patients with Rheumatoid Arthritis. (J Rheumatol. 2008); Changes in Caucasian Eyes after Laser Peripheral Iridotomy: An Anterior Segment Optical Coherence Tomography. Clin Experiment Ophthalmol. 2010 Jun 21. (Epub ahead of print).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤