الفصل التاسع عشر

من انتسب من العلماء إلى وادي الحجارة

منهم أبو بكر يحيى بن الفتح بن حنش الأنصاري الحجاري، يروي عنه محمد بن عبد الرحيم. ومحمد بن عذرة الحجاري، سمع من محمد بن وضّاح وغيره، ومات بالأندلس سنة ٣١٣. وأبو عبد الله محمد بن يونس الحجاري، روى عن أبي عمر الطلمنكي، وأبي محمد بن الأسلمي وغيرهما، وكان مقدمًا بالمعرفة والنحو واللغة، وكتب الأشعار والأخبار، واستأدبه المظفر بن الأفطس، صاحب بطليوس لنفسه ولبنيه، وسكن بطليوس، وتوفي بها سنة اثنتين أو ثلاث وستين وأربعمائة. وأبو عثمان سعيد بن علي ابن يعيش بن أحمد بن خلف الأموي، حدث عنه ابن أبيض، وكان من أهل السنة والخير، مولده سنة ٣١٦. ومحمد بن إبراهيم بن حيون الحجاري، كان إمامًا في الحديث حافظًا لعلله، بصيرًا بطرقه، لم يكن في الأندلس في وقته أبصر به منه، سمع من أبي عبد الله الخشني، وابن وضّاح، وابن مسرّة.

ثم رحل إلى المشرق، فتردد هناك نحوًا من خمس عشرة سنة، سمع فيها بصنعاء من أبي يعقوب الدبري وعبيد بن محمد الكشوري، وسمع بمكة من علي بن عبد العزيز وأبى مسلم الكّـشي، ومحمد بن علي الصايغ، وغيرهم، وببغداد من جماعة، منهم عبد الله بن أحمد بن حنبل، وروى عن القاضي أبي عبد الرحمن أحمد بن حماد بن صفيان الكوفي، لقيه بالمصّيصة سنة ٢٩٤، وسمع بمصر من عبد الله بن أحمد بن عبد السلام الخفَّاني، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، سمع من ابن قتيبة بعض كتبه، ورجع إلى الأندلس، وأخذ عنه الكثيرون، وكان من الشعراء وتوفي بقرطبة عقب ذي العقدة سنة ٣٠٥.١ ومفرّج بن يونس بن مفرّج بن محمود بن فتح بن نصر بن هلال الحجاري المكتب، سكن قرطبة، وكان يعلم بمسجد سرور، وكان شيخًا صالحًا. وأبو بكر محمد بن القاسم بن مسعدة البكري الحجاري، المكنى أبا عبد الله، سمع بقرطبة من الحسن بن سعد، وحدث عنه بالناسخ والمنسوخ، وسمع من غيره بقرطبة، ورحل إلى المشرق، سمع فيها من ابن الأعرابي بمكة، ومن محمد ابن أيوب الصموت بمصر.
وأبو بكر محمد بن القاسم الكاتب، يعرف باسكنهادة، سكن قرطبة، وهو من وادي الحجارة، وارتحل إلى المشرق بعد الفتن التي جرت بقرطبة، وحولت أحوالها فجال في العراق والشام وحلب، ثم عاد إلى الأندلس واستقر بدانية،٢ وطاب مقامه بها. وأبو بكر عبد الباقى بن محمد ابن سعيد الأنصاري، المعروف بن برّال ومحمد ابن إبراهيم بن إسحاق الحجاري.

وأبو عبد الله محمد بن يوسف، الورَّاق التاريخي الحجاري، ألَّف للخليفة الحكم المستنصر كتابًا ضخمًا في ممالك أفريقية ومسالكها، وألف أيضًا كتبًا جمة في أخبار ملوكها وحروبهم، وفي أخبار تيهرت، ووهران، وسجلماسة، ونكور إلخ. قال أبو محمد بن حزم: ومحمد هذا أندلسي الأصل والفرع، آباؤه من وادي الحجارة، ومدفنه قرطبة، وهجرته إليها، وإن كانت نشأته بالقيروان.

وأبو محمد عبد الله بن محمد بن لب بن صالح بن ميمون بن حرب الأموي الحجاري المقرئ، سكن قرطبة، يعرف بالريوله، ولد سنة ٣٤٤، وكان في قرطبة إمامًا لمسجد ابن حيويه، وله رحلة إلى المشرق، روى فيها عن أبي بحر الشيرازي، وروى عن الحسن بن رشيق، وكان من أهل الفضل والخير، حسن الصوت، مجوّدًا للقرآن. وأبو بكر عبد الله بن محمد بن فتح، روى عن أبيه محمد بن فتح، كتاب جهاد النفس من تأليفه، حدّث عنه أبو الفرج بن فتح السالمي، من شيوخ المنذر بن المنذر الحجاري وأبو محمد عبد الله بن محمد الأنصاري، يعرف بابن بيير، سمع من أبي عيسى الليثي، حدّث عنه بالموطأ، وأبى عمرو أحمد بن ثابت التغلبي، وغيرهما. روى عنه أبو عبد الله بن شق الليل الطليطلي، ذكره ابن الدباغ، ترجمه ابن الأبّار في التكملة. وأبو محمد عبد الله بن محمد بن عيسى بن وليد النحوي، يعرف بابن الأسلمي، ويقال فيه أيضًا ابن الأسلمية. روى بوادي الحجارة عن أبي الحسن بن معاوية بن مصلح، وأبى عبد الله بن مسعدة، وأبى عمر المديوني، وأبى بكر بن ينّق، وأبى عبد الله بن خلف بن سعيد الشولة، وروى بقرطبة عن أبي جعفر بن عون الله. سمع منه صحيح البخاري، وعن القاضي عبد الله بن مفرج، وسمع بقلعة أيوب عن أبي محمد بن قاسم، وبقلعة عبد السلام عن أبي عمر بن عمران الفخار، وروى أيضًا عن أبي حفص عمر بن علي الحجاري، وأخذ عن أبي إسحاق بن شنظير، وأبى محمد بن ذنين، من علماء طليلطة، وأخذ عن أبي عمر الطلمنكي، وأجاز له الحسن بن رشيق، مع جاره أبي الحكم المنذر بن المنذر الحجاري. قال ابن الأبار: أحد الأئمة المتفننين في العلوم، المتقدمين في معرفة لسان العرب، والإحاطة به، المشار إليهم بالكمال، مع النزاهة والاعتدال، وله تواليف منها كتاب تفقيه الطالبين، وكتاب الإرشاد إلى إصابة الصواب في الأشربة، وتوفي بعد العشرين وأربعمائة، وقيل إنه كان يختم كتاب سيبويه كل خمسة عشر يومًا، وكان عفيف النفس وقورًا.

وأبو محمد عبد الله بن محمد، المعروف بابن الأثرم، كان من أهل المعرفة بالنحو والأدب معلمًا بذلك، أخذ عنه أبو حاتم الحجاري وغيره، ذكره ابن عزير. وأبو محمد عبد الله بن على بن المنذر بن المنذر بن على بن يوسف الكنانى، كان من أصحاب أبي العيش معمر بن معذل الحجاري، وكان راوية فقيهًا، له وقوف على النحو والأدب، ذكره ابن عُزير. وأبو الحسن إسماعيل بن عيسى بن محمد بن بقي. وإسماعيل بن أحمد الحجاري، كان من أهل الفضل محدثًا. وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن مطرف الحجاري، المعروف بابن الموره. يروي عن أبي محمد الشنتجالي، وكان محدثًا، وقال ابن الأبّار: وقفت على إجازته لبعض رواته في سنة ٤٦٥. ومحمد بن الدباغ أخذ عن إبراهيم بن حفص، وصحب القاسم بن فتح، وسَفِر بينه وبين أبي محمد بن حزم في مسائل وجوابات كانت بينهما، وكان أبرع أهل وقته في النحو والأدب. ذكره ابن عزير. وأبو عبد الله محمد بن عيسى بن محمد بن بقاء الأنصاري، من أهل بُلْغِي وسيأتي ذكرها. وكان يسكن في وادي الحجارة، ويقرئ فيها بالمسجد الجامع، ولد في الثاني والعشرين من شعبان سنة ٤٥٤، وأخذ القراءات عن أبي داود بن نجاح، ورحل إلى الشرق حاجًّا، وقدم دمشق، وأقرأ بها القرآن بالسبع. وتوفي يوم الأربعاء عند صلاة العصر، ودفن يوم الخميس، عند صلاة الظهر، الثاني من ذي الحجة سنة ٥١٢، ودفن في مقبرة الصحابة، بالقرب من قبر أبي الدرداء، رضي الله عنه، قال ابن عساكر: وشهدت أنا غسله والصلاة عليه ودفنه.

وأبو العيش معمّر بن عبد الله بن معذّل الباهلي، أخذ عن إبراهيم بن حفص الحجاري، وكان من كبار أصحابه، عارفًا بالعربية، مع الفقه والحديث، والمشاركة في سائر العلوم، حدث عنه إسماعيل بن عيسي الحجاري، وأبو بكر البلجاني وغيرهما. وأبو عبد الله بن محمد بن عثمان بن حسين البكري الحجاري، روى بوادي الحجارة عن أبي بكر عبد الباقي بن برّال، وأبى الربيع سليمان بن خلف الطحان، وأجاز له أبو عبد الله بن الموره الحجاري، وأبو الوليد الوقشي، كتب إليه من بلنسية سنة ٤٨٥ قال ابن الأبّار: ورأيت السماع عليه في سنة ٥١٩. وأبو الحسن عبد الرحيم بن قاسم بن محمد بن النحوي، كان عالمًا، فاضلا، صالحًا، كثير البكاء والعبادة توفي سنة ٥٤٣ في قرطبة. وأبو الحسن علي بن المنذر بن المنذر بن علي الكناني. روى عن أبي عمر الطّلَمنكي، وأبي عمر بن عبد البر، وله رحلة إلى المشرق، توفي في نحو الثمانين وأربعمائة. وابن أمنية الحجاري الفقيه الشافعي، ذكره ابن حزم وأثنى عليه. وأبو الحسن سعيد بن محمد بن سعيد الجُمحي المقرئ، المعروف بابن قوطة له رحلة قرأ فيها على جماعة، وأخذ أيضًا عن أبي الوليد الباجي، وأقرأ القرآن بوادي الحجارة، وتوفي ببلدة طرسونة من الثغر سنة ثمان أو تسع وخمسمائة.

وسعيد بن عمر، من أهل وادي الحجارة، روى عن وهب بن مسرَّة، وسمع بقرطبة من أبي بكر بن الأحمر، وحدَّث عنه الصاحبان وقالا: توفي بالمشرق في نيف وثمانين وثلاثمائة. وسعيد بن مسعدة الحجَّاري المحدّث، مات سنة ٢٧٣، وقيل سنة ٢٨٨، وذكر ذلك ابن عُميرة في بغية الملتمس. وأبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن لب الأنصاري، روى عن وهب بن مسرة، وابن الأحمر، وأبي ميمونة، ومحمد ابن فتح الحجاري، وحدّث عنه الخولاني، وأبو عبد الله بن عبد السلام الحافظ.

وأبو القاسم عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، يعرف بابن غرسيّة، روى بوادي الحجارة عن محمد بن فتح، وعن محمد بن عبد الرحمن الزبادي، وغيرهما، حدّث عنه الصاحبان وقالا: كان رجلًا صالحًا، وتوفي سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وثلاثمائة. وأبو بكر عبد الباقي بن محمد بن سعيد بن أصبغ بن قُرَّيال الأنصاري، روى عن المنذر بن المنذر، وأبي الوليد هشام الكناني، وأبي محمد بن الفتح، وأبي عمر الطَّلَمنكي. قال ابن بشكوال: وكان نبيلًا، حافظًا، ذكيًّا، أديبًا، شاعرًا، محسنًا، سكن في آخر عمره بالمرية، وأخبرنا عنه غير واحد من شيوخنا، وتوفي في مستهل رمضان سنة ٥٠٢ ببلنسية، وكان مولده سنة ٤١٦.

وأبو الحكم منذر بن منذر بن علي بن يوسف الكناني، روى ببلده عن أبي الحسن علي بن معاوية بن مصلح، وأبي بكر بن موسى، وأحمد بن خلف المديون وعبد الله بن القاسم بن مسعدة، وأبي سليمان أيوب بن حسين، قاضي مدينة الفرج، أي وادي الحجارة، وروى أيضًا عن عبد الله بن قاسم بن محمد القلعي، ورحل إلى المشرق فحج، وأخذ عن أبي بكر أحمد بن محمد الطرسوسي، وأبي عبد الله محمد بن أحمد البلخي، وأخذ بمصر عن الحسن بن رشيق وغيره، وأخذ بالقيروان عن أبي محمد بن أبي زيد، وأبى الحسن القابسي، وكان رجلًا صالحًا، قديم الطلب للعلم، وكثير الكتب، موثوقًا فيما يرويه، قال ابن بشكوال: وكان ينسب إلى غفلة كثيرة، وتوفي سنة ٤٢٣. وأبو بكر أحمد بن موسي بن ينّق، سمع من وهب بن مسرَّة معظم ماعنده، وكان رجلًا صالحًا، ثقة، حدث عنه الصاحبان، وأبو محمد بن ذُنين من علماء طليطلة، وقالوا: توفي في ذي القعدة سنة ٣٧٩، وكان مولده سنة ٣٠٦. وأبو عمر أحمد بن خلف بن محمد بن فرتون المديوني الزاهد الراوية، سمع ببلده وادي الحجارة من وهب بن مسرة، وسمع بطليطلة من عبد الرحمن بن مدراج، ورحل إلى المشرق، وروى عن أبي الفضل محمد بن إبراهيم الديبلي المكي، والحسن بن رشيق المصري، وأبى محمد بن الورد، وأبى الحسم النيسابوري، وأبي علي الأفيوطي، وأبي حفص الجرجيري، وحدث عنه أبو عمر الطلمنكي، والمنذر بن المنذر الكناني، وأبو محمد بن أبيض. وكان زاهدًا، ثقة فيما يرويه. ومن روايته عن وهب بن مسرَّة قال: دخلت على محمد بن وضّاح بين المغرب والعشاء مودعًا، فقلت له: أوصني رحمك الله، فقال: أوصيك بتقوى الله عز وجل، وبر الوالدين، وحزبك من القرآن فلا تنسه، وفرّ من الناس، فإن الحسد بين اثنين، والنميمة بين اثنين، والواحد من هذا سليم. وروى عن النيسابوري عن أبي عبد الرحمن النسائي قال: ما نعلم في عصر ابن مبارك رجل أجل من ابن المبارك، ولا أعلى منه، ولا أجمع لكل خصلة محمودة، هذا، وممن روى عن أحمد بن فرتون المديوني الصاحبان، أبو إسحاق بن شنظير، وأبو جعفر بن ميمون، وكذلك أبو محمد بن ذُنين، وقالوا جميعًا: توفي سنة ٣٧٧، وقال أبو محمد: يوم الخميس في المحرم، وهو ابن ثمان وأربعين سنة، وصلى عليه أبو بكر أحمد بن موسى.

وعلي بن معاوية بن مصلح، يكنّي أبا الحسن، رحل إلى المشرق وسمع بمكة من عمر بن أحمد الجمحي، وأبى الحسن الخزاعي، وأبى إسحاق الديبلي، وأبى بكر الآجرّي وسمع بالمدينة من قاضيها عبد الملك المرواني، وسمع بمصر من الحسن بن رشيق، والحسن بن الخضير، وأبي محمد بن الورد، وغيرهم، وسمع بالإسكندرية من أبي العباس بن سهل العطار وغيره. وسمع بقرطبة من أبي بكر القرشي، وإسماعيل بن بدر وغيرهما، وسمع بطليطلة من ابن مدراج وغيره، وبوادي الحجارة من وهب بن مسرّة ومحمد بن القاسم بن مسعدة، وحدث عنه الصاحبان وغيرهما، وكان شيخًا فاضلًا ثقة توفي في رجب سنة ٣٩٧، ومولده سنة ٣١٣، وذكر مولده ووفاته الحافظ بن عبد السلام. وأبو زكريا يحيى بن محمد بن وهب بن مسرة بن حكم بن مفرّج التميمي سمع ببلده، وادي الحجارة، من جده وهب بن مسرة وغيره، ورحل إلى المشرق، وروى عن أبي بكر الطرسوسي، والحسن بن رشيق، وأبي الطيب الحريري، وعبد الغني بن سعيد الحافظ، واختصر كتاب الأسماء والكُنَى للنسائي، وأخذ عنه الناس كثيرًا قال ابن شنطير: توفي يوم الجمعة عقب ذي القعدة سنة ٣٩٤، ومولده سنة ٣٣٤. وأبو الحسن عبد الرحيم بن قاسم بن محمد بن النحوي المقرئ، كان من أهل المعرفة والفضل والذكاء والحفظ، قوي الأدب، ومع ذلك كان ديّنًا، عابدًا، كثير الصلاة قوام الليل متهجدًا، كثير البكاء، حتى أثر ذلك بعينيه، توفي عقب شعبان من سنة ٥٤٣ ذكر ذلك ابن بشكوال، وكانت وفاته بقرطبة. وأبو محمد عبد الله بن علي بن المنذر بن المنذر بن علي بن يوسف الكناني، وقد تقدمت ترجمة أبيه أبي الحسن علي بن المنذر، وكان عبد الله هذا راوية، فقيهًا عالمًا بالنحو، أديبًا، وصحب أبا العيش معتز بن معذل الحجاري.

وأبو مروان عبد الملك بن غصن الخشني الشاعر، وكان من الأدباء المعدودين، وامتحنه المأمون بن ذي النون، صاحب طليطلة، وسجنه في وبذة مع جماعة غضب عليهم، فألّف حينئذ كتابه المعروف بكتاب «السجن والمسجون والحزن والمحزون». ضمنه ألف بيت من شعره وروايته، ثم أطلق سبيله، فسار إلى بلنسية، ثم إلى قرطبة وتوفي سنة ٤٥٤ في غرناطة. وأبو نصر الفتح بن يوسف بن محمد المعروف بابن الريول والد الحافظ أبي محمد قاسم، من وادي الحجارة، روى ببلده عن القاضي أيوب بن حسين، وبقرطبة عن أحمد بن ثابت وغيره، وحدث عنه ابنه أبو محمد بن الفتح، وأخذ عنه أحمد بن بدر سنة ٤٠٨.

ثم ابنه أبو محمد قاسم بن الفتح، روى عن أبيه، وعن أبي عمر الطلمنكي، وأبى محمد الشنتجيالي، ورحل إلى المشرق وأدى الفريضة، وروى عن أبي عمران الفاسي وغيره وكان عالمًا بالحديث عارفًا باختلاف الأئمة، قارئًا بالقراءات السبع، مفسرًا، متكلمًا شاعرًا، أديبًا زاهدًا، ورعًا، صادق اللهجة، وكان لا يرى التقليد، وله تآليف حسنة ومن شعره:

يا طالبًا للعلاء مهلًا
ما سَهمك اليوم بالمعلّى
كم أمل دونه اخترامٌ
وكم عزيز يذوق ذُلّا
أبعد خمسين قد تولَت
تطلب ما قد نأى وولى
في الشيب، إما نظَرْت وعظٌ
قد كان بعضًا فصار كُلا

قال أبو القاسم بن صاعد: كان أبو محمد القاسم بن الفتح واحد الناس في وقته في العلم والعمل، سالكًا سبيل السلف في الورع والصدق، والبعد عن الهزل، متقدمًا في علم اللسان والقرآن، وأصول الفقه وفروعه، ذا حظ جليل من البلاغة، ونصيب صالح من قرض الشعر. وتوفي رحمه الله على ذلك جميل المذهب، سديد الطريقة، عديم النظير، وذكره الحميدي، ووصفه بالعلم والزهد، وأنشد له من زهدياته:

يا معجبًا بعلائِهِ وغَنَائِهِ
ومطولًا في الدَّهر حبل رجائه
كم ضاحك أكفَانه منشورةٌ
ومُؤَمَلٍ والموت من تلقائه

قال أبو بكر عبد الباقي بن بريَّال الحجاري: إنه كان إمامًا مختارًا، ولم يكن مقلدًا، وكان يقول بالعلة المنصوص عليها والمعقولة، ولا يقول بالمستنبطة، ومضى عليه دهر وهو يقول بدليل الخطاب، ثم ظهر له فساد هذا القول، فنبذه. وتوفي في بلده، بعد مطالبة جرت عليه من جهة القضاة بها، رحمه الله، وكانت وفاته سنة ٤٥١، قاله ابن صاعد.

وأبو حفص عمر بن علي الحجاري، روى عن أبي جعفر بن عون الله، وابن مفرج وغيرهما، وله رحلة إلى المشرق سمع فيها من علماء جلة، وحدث عنه الخولاني وأجاز له سنة ٣٩٧، رواه ابن بشكوال. وطاهر بن أحمد بن عطية المري القاضي، أصله من وادي الحجارة، يكنى أبا محمد، روى عن أبي بكر بن بشر، وأجاز له ولابنه عبد الله بن طاهر في سنة ٥٣٧، يحدّث عنه أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الأشبيلي، ذكره ابن بشكوال. وأبو محمد عبد الله بن إبراهيم الحجاري، المؤرخ الشهير، صاحب المسهب، وولداه أحمد ومحمد، وحفيداه موسى وعلي وكلهم من أهل العلم. وسعد بن عمر. وأحمد بن سعيد بن مسعدة، ذكره صاحب بغية الملتمس.

ومن المدن القريبة من وادي الحجارة على ضفة نهر هناوس «سيفوانه» Siguenza وكان اسمها عند الرومانيين «سيغونطية Segontia»، وقد استولى عليها العرب، وفيها من آثارهم قصر لا يزال معروفًا، وفيها كنيسة قديمة، بنيت سنة ١١٠٢ وسكان هذه البلدة خمسة آلاف نسمة، وغير بعيد عنها بلدة يقال لها «الكنيسة» Alconeza.
والسكة الحديدية بين مجريط وسرقسطة ترتفع إلى علو ١١٩١ مترًا عن سطح البحر، و٥٥١ مترًا عن مجريط، وتدخل في نفق يقال له «هورنه» ثم ينحدر الخط الحديدي، ولا يزال ينحدر حتى يصل إلى سرقسطة، وعلى هذا الخط، بين البلدتين بلاد كثيرة منها «ترالبه» Tarrlb و«المازان» Alamazan و«صوريه» Soria. والعرب يقولون لها شورية، وهي بلدة قديمة، سكانها سبعة آلاف نسمة وموقعها على الضفة اليمنى من نهر دوروه، ولكن الأراضي حولها قليلة الجداء، وفي هذه البلدة أيضًا أديار وكنائس قديمة، ومتحف فيه آثار أيبيرية وأخرى رومانية عثروا عليها في أخربة بلدة «نومنسه» Numance.
وهي بلدة أيبيرية قديمة، عندما زحف الرومان إلى أسبانية، كانت من أشدها مقاومة. فحاصرها هؤلاء مدة سنوات إلى أن فتحوها عنوة سنة ١٣٣ قبل المسيح وجعلوها دكًا. وبقيت خاوية على عروشها. وفي سنة ١٩٠٥، إلى ١٩١٢، قام الأستاذ المسمى «شولتن» Sculthen بأعمال حفر مهمة للكشف عن بقايا هذه المدينة الأيبيرية، التي دمرها سيبون الروماني، فكشف منها جانبًا. وانكشفت له أيضًا مستعمرة رومانية، وأماكن المعسكرات التي كانت لسيبون عندما أحاط بالبلدة، ثم كشف الإسبانيول بعد شولتن مساكن أيبيرية قديمة.
ومن شورية يذهبون بالعربات إلى «كستيجون» Cesijon و«كالهرة» Celaharo و«خرسونه».

هوامش

(١) هذه الترجمة منقولة عن بغية الملتمس وقد رأيتها في نفح الطيب وإنما ثمة بالنفح زيادة وهي: قال خالد بن سعيد: لو كان الصدق لسانًا لكان ابن حيون وكان يزن بالتشيع لشيء كان يظهر منه بحق معاوية رضي الله عنه.
(٢) لمحمد بن قاسم المذكور أورده المقري في النفح وهو قوله عندما دخل حلب:
أين أقصى الغرب من أرض حلب
أمل في الغرب موصول التعب
حن من شوق إلى أوطانه
من جفاه صبره لما اغترب
يا أحباي اسمعوا بعض الذي
يتلقاه الطريد المغترب
وليكن زجرًا لكم عن غربة
يرجع الرأس إليها كالذنب
واجتاز بدمشق فقال عفا الله عنه:
دمشق جنة الدنيا حقيقا
ولكن ليس تصلح للغريب
بها قوم لهم عدد ومجد
وصحبتهم نزول إلى حروب
وقال بعد حلوله بدانية قائلا إلى الأندلس:
وكم قد لقيت الجهد قبل مجاهد
وكم أبصرت عيني وكم سمعت أذني
ولأتيت من دهري وصرف خطوبه
كما جدت النكباء في معطف الفصل
فلا تسألوني عن فراق جهنم
ولكن سلوني عن دخولي إلى عدن

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤