طلب تدخل

حدث في مساء اليوم نفسه تحولٌ غريبٌ … ففي المساء عندما اجتمع المغامرون الخمسة في مكانهم المعتاد … شاهدوا الشاويش «فرقع» يحوم بدراجته قريبًا من حديقة منزل «عاطف» حيث اعتادوا الاجتماع … وأخذ الأصدقاء ينظرون إليه وهم يفكرون في سبب حضوره … وقال «محب»: إنني أتصور أنه سيلفق لنا تهمة ما … وقد تكون أننا اقتحمنا المنزل الذي على النيل!

عاطف: هذه تهمة بسيطة … إنه سيدعي أننا ذهبنا إلى القمر وحصلنا على عينات من الصخور بدون إذن منه!

وظل الشاويش يذهب ويجئ، على حين بقى الأصدقاء يرمقونه في دهشةٍ، وفجأة هبَّ «تختخ» خارجًا من الحديقة، وسمعه الأصدقاء ينادي الشاويش: يا شاويش «علي» … تفضل فلنا معك حديث!

دهش الأصدقاء إذ وجدوا الشاويش ينزل من على دراجته، ثم يسندها إلى سور الحديقة ويدخل، وقاموا جميعًا وسلَّموا عليه، وأحسَّ الشاويش بالارتياح فقد كان يتوقع لقاء سيئًا …

قال «تختخ»: إنك مشغولً يا حضرة الشاويش، ذلك واضحٌ عليك، ونحن نحب أن نشترك معك في حل أي مشكلةٍ!

تنحنح الشاويش قليلًا ثم قال: هناك مشكلة فعلًا!

تختخ: إننا أصدقاء أيها الشاويش … ولا تظن مطلقًا أننا نعاكسك، إننا نكنّ لك كل احترام، ونقدر جهودك في إقرار الأمن، وتحقيق العدالة …

تشجع الشاويش كثيرًا بعد كلام «تختخ» وقال: لقد خدعنا، واستطاعت عصابة أخذ ثلاثة آلاف جنيه من أموال الحكومة … وخطف سيدة وطفلها، ولا أحد يعرف كيف تم كل هذا ونحن نراقب السيدة والطفل منذ الصباح الباكر …

محب: نحن نفضل يا حضرة الشاويش أن تحكي لنا القصة من البداية، فكثيرًا ما تكون أصغر التفاصيل هي أهم التفاصيل …

الشاويش: أمس حضرت السيدة «كريمان يسري» التي تسكن في شارع النيل، وأخطرتني أن عصابة ظلت تبتز أموالها حتى لا تخطف طفلها أو تقتله حتى نفدت أموال السيدة، فتركت القاهرة وجاءت إلى المعادي هربًا من العصابة، ولكن العصابة عرفت مكانها وخطفت الطفل وطلبت فدية ٣ آلاف جنيه …

وسكت الشاويش، وأدار نظره في المغامرين الخمسة، ولكنهم جميعًا كانوا ينظرون إليه بانتباهٍ شديدٍ، حتى «زنجر» جلس ساكنًا ولم يحاول معابثة الشاويش كما اعتاد أن يفعل …

عاد الشاويش يكمل قصته: كان موعد تسلم النقود هذا الصباح في العاشرة صباحًا، والمكان هو برج القاهرة … وقد سلمنا النقود للسيدة أمس ليلًا، ومنذ الصباح الباكر وضعنا كمائن على طول الطريق إلى البرج … كما وضعنا أكثر من كمين في البرج نفسه للقبض على العصابة … ولكن …

وعاود الشاويش صمته لحظاتٍ ثم مضى يقول: انتظرنا خروج السيدة من الصباح الباكر، ولكنها لم تظهر، وعندما قربت الساعة من العاشرة، ذهبنا إلى شقتها فوجدنا الباب مفتوحًا، ودخلنا فوجدنا الشقة مقلوبةً رأسًا على عقبٍ، ولم نجد السيدة، وكان واضحًا أن العاصبة حاولت أخذ الفدية منها بالعنف، ثم اختطفتها أيضًا …

سألت «نوسة» بسرعةٍ: ولكن لماذا اختطفتها العصابة؟

قال الشاويش: لقد فكرنا في السؤال نفسه … والإجابة؟ إما لأنهم لم يعثروا على الفدية، وسيجبرونها على الاعتراف بمكانها، وإمَّا أنها شاهدتهم وعرفتهم وخافوا من إبلاغ الشرطة بأوصافهم …

محب: معقول … وهذا يعني أنها تعرفت على بعضهم …

الشاويش: نحن نرجح ذلك … وقد بدأ الضابط «فوزي» في البحث عن جميع من له صلة بالسيدة ومنهم السمسار «إبراهيم» الذي استأجرت الشقة عن طريقه، ونحن نظن أنه على صلة بالعصابة لأنه كان الوحيد الذي يعرف أنها سكنت في المعادي …

تختخ: وهل استجوبته؟

الشاويش: طبعًا، وقد أنكر أنه على صلةٍ بالعصابة …

تختخ: وهل سألتم الجيران عمَّا إذا كانوا قد سمعوا أصوات استغاثة في الليل عندما هاجمت العصابة السيدة؟

الشاويش: لم يسمعوا شيئًا!

تختخ: والبواب؟

الشاويش: قال إنه كان نائمًا ولم يسمع شيئًا …

وصمت الجميع … وتنحنح الشاويش بعد فترةٍ وقال: إن المفتش «سامي» كما تعرفون مسافرٌ خارج مصر … وإنني أتصور أنه — لو كان موجودًا — لطلب منكم الاشتراك مع رجال الشرطة في البحث عن العصابة … وإنقاذ الطفل «هشام» وأمه …

لوزة: إننا سنتدخل طبعًا، فمن غير المعقول أن يحدث شيء في المعادي ثم لا نعرفه ولا نشترك فيه …

تختخ: هل يمكننا زيارة الشقة؟

الشاويش: طبعًا!

تختخ: إذن سوف نكون هناك في التاسعة صباح الغد … وأرجو يا حضرة الشاويش أن تلغنا بكل ما يصل إليك من معلومات، وأن تطلب من الضابط «فوزي» الذي يحقق الحادث أن يخطرك بكل المعلومات التي تصل إليه …

وبعد أن شرب الشاويش كوب الشاي الذي يفضِّله، صحبه الأصدقاء حتى باب الحديقة، وأشار «تختخ» إلى «زنجر» ألَّا يحاول معابثة الشاويش …

وبعد أن أصبح المغامرون الخمسة وحدهم قالت «نوسة»: حادثٌ غريبٌ، لقد كانت العصابة تراقب السيدة، وعندما علمت بوصول النقود إليها هاجمتها ليلًا وخطفت السيدة، وربما استولت على الفدية!

محب: أرجح أنهم لم يصلوا إلى الفدية … وإلا فلماذا يخطفون السيدة؟

تختخ: معقول جدًّا … وربما كانت السيدة قد أخفت النقود في مكان ورفضت أن تعترف للعصابة به …

عاطف: وطبعًا هذا المكان في الشقة … لأن النقود سلمت إليها ليلًا، وأعتقد أنها لم تخرج لتخفيها في مكان آخر …

تختخ: وهذا أيضًا معقول جدًّا!

لوزة: وعلينا غدًا أن نكتشف مكان الفدية …

وانفضَّ اجتماع الأصدقاء، واتفقوا على اللقاء في الساعة الثامنة وخمس وأربعين دقيقة في حديقة منزل «عاطف» في اليوم التالي …

•••

في الموعد … اجتمع الأصدقاء … وسرعان ما كانت الدرَّاجات الخمسة، و«زنجر» خلف «تختخ» تتحرك جميعًا وأمامهم «عاطف» يقودهم إلى المنزل الذي وقع به الحادث …

عندما اقتربوا من المكان، نزل «تختخ» وألقى نظرةً طويلةً على المنزل، ثم اتجه إلى ناحية النيل، ونظر … كان هناك مرسى للقوارب بجوار المنزل، وهزَّ «تختخ» رأسه … إن وجود مرسى للقوارب بجوار المنزل يعني أشياء كثيرة بالنسبة لمغامر قديم مثل «تختخ» …

وكان الشاويش في انتظارهم، ففتح باب الشقة، ودعاهم إلى الدخول، كانت الشقة مظلمة، مفروشة بأثاث قليل قد انقلب بعضه … وكانت بعض الكراسي ممزقة بسكين مما يدل على أن شخصًا كان يبحث عن شيء فيها … وقال «تختخ»: سنبحث في الغرف واحدة واحدة … «لوزة» تبحث في «الصالون» … و«نوسة» في «الأنتريه»، و«محب» و«عاطف» … في المطبخ، وسأقوم أنا بالبحث في غرفة النوم …

وانتشر الأصدقاء في الشقة، وكان «زنجر» يتبع «تختخ»، ومضى الأصدقاء يفتشون كل شيءٍ … الدواليب … الأواني … الزهريات … تحت السجاجيد … تحت حشايا الفراش … وكان «تختخ» يأمل أن يجد بعض ثياب الطفل ليشمَّها «زنجر» أو بعض ثياب السيدة … وركَّز بحثه في الدواليب، ولكن لم تكن هناك ثياب على الإطلاق …

ودهش «تختخ» لاهتمام العصابة بإزالة جميع الآثار التي يمكن أن تؤدي ولو إلى خيطٍ رفيعٍ يكشف الحقيقة … إنها عصابة دقيقة حتمًا … تعرف ماذا فعل …

ومضت ساعة والمغامرون الخمسة يفتشون الشقة شبرًا شبرًا … ولكنهم لم يعثروا على شيء … وعندما اجتمعوا في صالة الشقة ومعهم الشاويش «علي» كان الضيق يبدو على وجوههم جميعًا … وقال «تختخ»: أظن أنكم لم تعثروا على شيء!

نوسة: أبدًا!

لوزة: لا شيء على الإطلاق …

عاطف: ليس هنا في المطبخ سوى بقايا طعام! «ساندوتشات» خفيفة وعلبة زبادي …

استمع «تختخ» إلى الأصدقاء يتحدثون، ثم سار ببطءٍ إلى المطبخ، ونظر إلى بقايا «الساندوتشات» … ونظر في علبة الزبادي … كانت نصف فارغة … وبجوارها ملعقة كبيرة بها بقايا زبادي وغير مغسولة … وكانت أواني المطبخ كلها في أماكنها لم تستخدم … وخرج «تختخ» إلى الصالة حيث كان الأصدقاء يتحدثون مع الشاويش، وشخصٌ آخر كان واضحًا أنه البواب … فقال له «تختخ»: هل هذه شقة مفروشة؟

البواب: نعم!

تختخ: متى حضرت السيدة إليها؟

البواب: أول أمس ليلًا!

تختخ: من الذي كان معها؟

البواب: لا أحد سوى طفلٍ صغيرٍ كان نائمًا، وتحمله على كتفها!

تختخ: ألم تكن معها حقائب!

البواب: كان معها حقيبةٌ واحدةٌ كبيرة بها في الغالب ثيابها، وسلة صغيرة بها ثياب الطفل …

تختخ: هل زارها أحد؟

البواب: لا أعرف … فالعمارة كبيرة وهنا عشرات من الأشخاص يدخلون ويخرجون …

تختخ: هل أنت الذي أحضرت لها «الساندوتشات» والزبادي؟

البواب: نعم!

تختخ: ألم تطلب شيئًا آخر؟

البواب: لا! طلبت منِّي فقط ألَّا أخبر أحدًا بوجودها!

التفت «تختخ» إلى الشاويش «فرقع» وقال: من المهم جدًّا أن أعرف كيف خُطف الطفل!

بدا على الشاويش الارتباك قليلًا ثم قال: لقد خطفوه ليلة الأربعاء، عندما خرجت تتنزه به على الكورنيش ليلًا … كانت وحدها تسير، وهو بجوارها وفجأة وقفت سيارة بجوارها، وامتدت يدان خطفتا الطفل، وانطلقت السيارة في الظلام بدون أن يدركها أحد.

قال «تختخ» وهو يشير للأصدقاء بالخروج: إنه لغز مقعد جدًّا … فليس هناك أدلة مطلقًا، وقد دبرت عمليتا الخطف بمهارة شديدة … وأرجو يا حضرة الشاويش أن ترسل لي نسخة من صورة الطفل للأهمية …

وانصرف الأصدقاء إلى حديقة «عاطف»، حيث بدءوا مناقشة كل الحقائق المتصلة باللغز الغامض …

قالت «نوسة»: برغم أن الحقائق في هذا اللغز متوافرة، إلا أنها لا تؤدي إلى شيء … لقد استطاع الخاطف — أو الخاطفون — أن يحصلوا على الطفل والسيدة — وربما النقود — بدون أن يتركوا أثرًا يدلُّ عليهم …

تختخ: الحقيقة أننا محتاجون إلى ترتيب هذه الحقائق لنصل إلى ما يمكن أن ينير الظلام الذي يحيط بالموضوع. من منكم يتبرع بترتيب الحقائق؟

محب: سأتولى أنا هذه المهمة … سنرتبها كما نتصور أنها وقعت، لا بحسب ما وصلت إلينا … وفي تصوري أن الموضوع ينقسم إلى قسمين … القسم الأول قبل أن تصل السيدة «كريمان» إلى المعادي — والقسم الثاني بعد أن وصلت. والقسم الأول كما عرفنا من الشاويش أن هناك أكثر من شخصٍ … ولنقل إنها عصابةٌ … كانت تهدد السيدة بخطف طفلها الوحيد بعد موت زوجها … وإنها دفعت لهذه العصابة ما كانت تملك من نقود حتى أشرفت على الإفلاس … ولم تجد وسيلة إلا الهرب منهم والسكن في مكان بعيد … واختارت المعادي لهذا السبب … أليس هذا معقولًا؟

تختخ: القسم الثاني بدأ يوم الثلاثاء ليلًا … وصلت السيدة إلى الشقة التي استأجرتها في الليل … وكانت تحمل طفلها وحقيبة بها ملابسها وملابس الطفل … استقبلها البواب وأدخلها الشقة … وفي اليوم التالي خرجت مع طفلها للنزهة حيث قامت العصابة بخطفه … وأسرعت السيدة إلى الشاويش «فرقع» وأخطرته بما حدث …

لوزة: هل أخطرته في اللية نفسها؟

محب: لا أدري …

عاطف: وهل يُغيِّر من الموضوع ما إذا كانت قد أخطرته في نفس الليلة أو في اليوم التالي؟ إنه سؤالٌ لا معنى له …

تختخ: على العكس يا «عاطف»، إن أي موعد له أهميته، ومن الأفضل أن نسأل الشاويش في هذه النقطة … استمر يا «محب»!

محب: واتصل الشاويش بالضابط «فوزي» وقدم له تقديرًا بما حدث … فذهب المفتش لمقابلة السيدة في «الكازينو»، وتم الاتفاق على طريقة دفع المبلغ لها لتسلمه إلى العصابة مع إعداد كمين للإيقاع بالعصابة في برج القاهرة حيث تم الاتفاق على التسليم … كان ذلك صباح يوم الخميس … وفي اليوم نفسه ليلّا ذهب أحد رجال الشرطة في ثياب بائع لبن زبادي … وسلم السيدة النقود … وقامت العصابة بمهاجمة السيدة ولا ندري لماذا … قد يكون ذلك خوفًا من أنها أبلغت الشرطة … ولا ندري بالضبط ماذا حدث، ولكن من الأثاث المقلوب في الشقة استنتجنا أن صراعًا دار بين السيدة وبين العصابة انتهى باختطاف السيدة … وفي صباح اليوم التالي — أي الجمعة — أعدَّت الشرطة الكمائن، وتنكَّر الشاويش في ملابس فلاح وكمن بالقرب من منزل السيدة في انتظار خروجها لتذهب في الموعد إلى البرج … ولكنها لم تخرج … وعندما ذهب رجال الشرطة الشقة لم يجدوا السيدة … وكان واضحًا أنها اختطفت …

وسكت «محب» لحظات ثم قال: هذه هي كل الحقائق المتصلة بالموضوع …

نوسة: هل يمكن أن أضيف بعض التساؤلات إلى هذه الحقائق؟

تختخ: طبعًا … إن التساؤلات مهمة جدًّا!

نوسة: أولًا … إننا لا نعرف كيف تم خطف السيدة بدون أن يحس أحد! ثانيًا … إننا يجب أن نعيد استجواب البواب لمعرفة المزيد من الحقائق عن السيدة، وأن نقابل السمسار «إبراهيم» فهو الوحيد الذي كان يعرف أن السيدة قد سكنت في المعادي … وهو شخصٌ مهمٌ جدًّا لنا … ويجب مراقبته!

تختخ: سأترك مهمة مراقبة السمسار «لمحب» ولك يا «لوزة»، وسيقوم «عاطف» و«نوسة» بمراقبة البواب … فليس من المستبعد أنه هو الذي أخطر العصابة … إنه أيضًا عرف أن السيدة انتقلت إلى المعادي … أليس كذلك؟

وافق الأصدقاء على وجهة نظر «تختخ» الذي عاد يقول: أما أنا فسوف أتابع الشاويش … لقد طلب منَّا — ربما لأول مرة — مساعدته. وهي فرصةٌ للتعاون مع الشاويش لأول مرة …

وسكت «تختخ» قليلًا ثم قال: هل هناك أسئلة؟

لم يسأل أحد … وانفضَّ الاجتماع، وتحرك الأصدقاء ليقوم كل منهم بواجبه …

ركب «محب» و«نوسة» دراجتيهما وانطلقا للبحث عن السمسار «إبراهيم» ولم يكن ذلك صعبًا … فقد سألا عنه ووجداه يجلس أمام أحد المقاهي يشرب الشيشة والشاي … وسرعان ما تقدم منه «محب» وقد طرأت على ذهنه فكرة طيبة … لقد قرر أن يطلب منه شقة للإيجار لأحد أقاربه، وهكذا يستطيع أن يبادله الحديث، وأن يراه بدون أن يحس الآخر بارتياب …

ورحب السمسار بالصديقين، وأجلسهما بجواره وطلب لهما مشروبًا باردًا … وأحسَّ «محب» كما أحست «لوزة» بالخجل من ترحيب الرجل بهما … لقد حضرا لمراقبته، فقام بالواجب نحوهما …

قال السمسار: أي نوعٍ من الشقق يطلب قريبك … وفي حدود أي مبلغٍ؟

محب: إنه يريد شقةً ما بين ثلاث غرف أو أربع … وهو على استعداد لأن يدفع الإيجار المناسب …

السمسار: هناك عدة شقق ينطبق عليها ما يريده قريبك، فمتى يأتي للفرجة عليها؟

محب: غدًا أو بعد غد … إنه منقول ولم يحضر بعد … وبرغم أن الحديث انتهى عند هذا الحد … إلا أن «محب» و«لوزة» بقيا جالسين، فقد حضر بعض الزبائن للسمسار وأخذوا يتحدثون عن الشقق الخالية والمفروشة، وسرعان ما جاء ذكر حادث الخطف الذي وقع فقال أحد الزبائن: هل أنت الذي أجرت الشقة للسيدة التي خُطفت هي وطفلها؟

السمسار: نعم … وهذه أول حادثة من نوعها في حياتي … لقد استجوبني رجال الشرطة وقلت لهم كل ما عندي!

محب: هل كانت شقة مفروشة؟

السمسار: نعم … وهي التي طلبتها قرب النيل …

محب: لمدة كم شهر استأجرتها؟

السمسار: لشهرٍ واحدٍ … ولم يكن معها نقود لدفع الإيجار … و… وقبل أن ينتهي السمسار من كلامه، تقدَّم شخصٌ منه، وانحنى عليه، وقال له بضع كلمات في أذنه، فقام السمسار سريعًا، واستأذن الحاضرين ثم اتجه إلى حيث كانت سيارة زرقاء قد وقفت بعيدًا، وركب السيارة وانطلق ومعه الشخص الذي حدثه …

لمحت «لوزة» رقم السيارة، وأخذت تكرره في ذاكرتها حتى لا تنسى «٩٣٩٦» ملاكي جيزة … وعندما انصرفا عائدين إلى الأصدقاء قالت «لوزة» «لمحب»: لقد حفظت رقم السيارة، فقد نحتاج إليه …

محب: عظيم … إنكِ مغامرةٌ عظيمة، ولا يمكن أن يفوتك مثل هذا الإجراء الهام …

التقى الأصدقاء في حديقة منزل «عاطف» كالمعتاد … وجلسوا يتحدثون عن المعلومات التي حصل عليها كل منهم … فروى «محب» حديثه مع السمسار، ورقم السيارة الذي التقطته «لوزة» … وقام كل واحد من المغامرين الخمسة بكتابة الرقم عنده … وكان واضحًا بدون أن يتحدثوا أن عليهم جميعًا البحث عن هذه السيارة، ومعرفة صاحبها …

أما «عاطف» و«نوسة» فلم يحصلا على أية معلومات عن البواب. وقال «عاطف»: لقد راقبناه من بعيد فترة طويلة فلم نجد في سلوكه ما يدعو إلى الارتياب … ولم نجد أحدًا يحدثه بشكل غير عادي …

أما «تختخ» فلم يكن يحمل معلومات جديدة من الشاويش «فرقع»، ولكن كان معه ما هو أهم من المعلومات … كانت معه صورة للسيدة المخطوفة … وقد تسابق الأصدقاء للفرجة عليها بمجرد أن أخرجها «تختخ» من جيبه …

وأمسك «تختخ» بالصورة، والتف حوله الأصدقاء يتفرجون عليها … لم تكن صورةً واضحةً … ولكن كانت تكفي لمعرفة ملامح السيدة … وقال «تختخ»: إنها صورة ٌالتقطها الضابط «فوزي» عندما قابلها في «الكازينو» فأنتم تذكرون أنه كان يحمل «كاميرا» عندما قابلها … وقد انتهز فرضة دخولها إلى «الكازينو»، والتقط لها الصورة بدون أن تحسَّ وقد أرسل منها نسخة إلى الشاويش «علي» الذي أعطاني إياها لتطلعوا إليها!

نوسة: لقد أصبح الشاويش «علي» متعاونًا معنا جدًّا!

عاطف: متعاون أم متهاون؟

تختخ: الحقيقة أن روحه طيبة، ويتمنى أن نحل هذا اللغز المزدوج، لغز اختفاء الطفل، ولغز اختفاء والدة الطفل!

كان «تختخ» يتحدث وهو يمعن النظر في الصورة … وقالت «لوزة»: من المدهش أنها تلبس ملابس غريبة جدًّا وبخاصة القبعة!

نوسة: وتلبس ملابس كثيرة نوعًا بالنسبة للصيف!

محب: ولا تنسوا أنها في الخمسين من عمرها … وفي مثل هذه السن لا تلبس «ميني جيب»، ولا «ديكولتيه» واسع!

واشتدَّ الجدل حول ملابس السيدة، وكانت والدة «عاطف» تسير قريبًا منهم … تقطف بعض الازهار فلفتت الضجة انتباهها فصاحت بهم: لماذا تتصايحون؟! ماذا حدث؟!

وقف «تختخ» مبتسمًا وقال: إننا مختلفون حول «الموضة»!

الأم: «موضة»؟! ما لكم ومال «الموضة»؟

تختخ: إنها جزءٌ من لغزٍ نعمل فيه الآن!

الأم: آه من ألغازكم ومغامراتكم، ألا تكفُّون عن هذا العبث؟

عاطف: وهل مساعدة العدالة عبث يا ماما؟

اقتربت الأم منهم، وقد شدتها كلمة «الموضة»، فقدم لها «تختخ» الصورة قائلًا: نريد أن نأخذ رأيك … هل هذه السيدة تلبس «موضة»، أو أن ملابسها ليست كذلك؟

أمسكت الأم بالصورة مبتسمة، ثم رجعت برأسها إلى الخلف تتأملها وقالت: إن هذه السيدة ليست غريبة تمامًا عني!

أمسك الأصدقاء أنفاسهم … وقال «تختخ»: هل تعرفينها؟

هزت الأم رأسها وقالت: لا … ليست صديقةٌ لي … ولكني رأيتها … إنها ليست غريبةٌ … نعم … لعلي رأيتها في وقتٍ ما، في مكان ما!

عاطف: حاولي أن تتذكري يا ماما … إن هذا مهمٌ لنا جدًّا!

الأم: ربما استطعت إذا حاولت … ولكني الآن لا أذكر بالضبط … على كل حال: … إن ملابسها بالتأكيد ليست أحدث «موديل» … إنها قديمة … وهذه القبعة الواسعة تذكرني بشيء ما!

لوزة: ما هو يا ماما؟

الأم: لا أدري يا عزيزتي بالضبط … ربما تذكرني بفيلمٍ قديمٍ … أو مسرحية شاهدتها منذ فترةٍ طويلة! أو شيءٍ آخر …

أعطتهم الصورة ثم قالت: آسفة … إنني مشغولةٌ الآن … ولكنني سأحاول أن أتذكر! …

ثم استأذنت وغادرتهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤