معلومات كثيرة

عندما اجتمع الأصدقاء في صباح اليوم التالي في حديقة منزل «عاطف» و«لوزة» كان اجتماعًا هامًّا … وإن بدا غير ذلك في بدايته …

قال «تختخ»: سيروي لكم «عاطف» مغامرة يسمِّيها مضحكة … وأرجو أن أسمع تعليقاتكم!

ثم التفت إلى «عاطف» قائلًا: أرجو ألا تنسى كل جملةٍ … وكل كلمة مما رويته لي أمس …

وهز «عاطف» رأسه متضايقًا وهو يقول: لا أدري لماذا يعلق «تختخ» أهمية كبيرة على المغامرة التافهة التي مررت بها أمس … ولكن على كل حال سوف أروي لكم ما حدث.

ولاحظ الأصدقاء أن «تختخ» طلب من «لوزة» دليل التليفونات وأخذ يقلِّب فيه، وهو يستخرج منه أرقامًا ثم وضع الدليل جانبًا عندما انتهى «عاطف» من حكايته …

قال «تختخ»: الآن ما هي ملاحظاتكم؟

سكت الأصدقاء لحظاتٍ ثم قالت «نوسة»: ألاحظ أن البواب يخون الأمانة … والخائن يمكن أن يفعل أي شيءٍ!

هزَّ «تختخ» رأسه وقال: معقول … أي شيءٍ آخر؟

محب: لقد صدَّقنا كلام البواب … ولعله يكذب فمن يدرينا أن هؤلاء الأربعة ليسوا من رجال العصابة، وأنهم لم يأتوا للبحث عن النقود؟!

تختخ: النقود ليست بالمنزل … لقد فتشناه جيدًّا ولم نعثر على شيء! ومن الواضح أنه ليس به مكان خفي يمكن إخفاء النقود فيه … وإنني شخصيًّا طافت برأسي هذه الفكرة، ولكني استبعدتها!

لوزة: الشيء الذي لفت نظري … هو أن السيدة استأجرت الشقة … وقبل أن تكمل «لوزة» جملتها … ظهر الشاويش … فسكت الجميع … فقد كان واضحًا أنه في حالة ثورة … وأنهم سيسمعون منه الكثير …

واقترب الشاويش منهم فوقفوا جميعًا احترامًا له … فسحب كرسيًّا وجلس … وقبل أن يبدأ حديثه قال «تختخ»: إنني أرى من وجهك أنك غاضبٌ يا حضرة الشاويش … وأتوقع أن تقول لنا كلامًا لا نحبه … وسوف تتَّهم «عاطف» — وقد تتَّهمنا جميعًا — بأننا دبرنا لك مقلبًا … ويهمني قبل أن تتحدث أن أؤكد لك أن ما حدث لم يكن مقلبًا على الإطلاق … وليس من المعقول أن يسهر «عاطف» خارج منزله … ويقوم بالمراقبة … ويجري إلى منزلك ويعود معك، وهو يدبِّر المقلب الذي تفكر فيه …

حاول الشاويش أن يتحدث ولكن «لوزة» كانت قد أحضرت له كوب الشاي الذي يفضِّله، وفي الوقت نفسه استمر «تختخ» يقول: وعلى كل حال قد يهمك أن تعلم أن ما فعلتماه أنت و«عاطف» لم يمضِ بلا فائدة … على العكس لقد حصلنا على معلومات على أكبر جانب من الأهمية … إنها أول معلومات يمكن أن تضع يدنا على حل لهذا اللغز العجيب …

انتبه الشاويش بعد هذا الحديث المشجع، وبدأت ملامحه ترتاح … ورشف رشفة كبيرة من الشاي وأخذ ينظر إلى «تختخ» بإعجابٍ، ومضى «تختخ» يقول: إن فكرتي قد تغير مجرى التحقيق كله … بل إنها قد تبدو لكم غير معقولةٍ!

انتبه الشاويش والأصدقاء وقال «تختخ»: والآن يا «لوزة» كنت ستقولين لنا شيئًا لفت انتباهك … ما هو؟

لوزة: إن السيدة قد استأجرت المنزل لأيامٍ قليلةٍ … وذلك شيءٌ مثيرٌ للانتباه!

تختخ: تمامًا! ولكن ما الذي يثير الانتباه في هذا؟

لوزة: إنها لم تكن تنوي الإقامة في المنزل طويلًا!

تختخ: هذا صحيحٌ … فعندما دخلت المطبخ رفعت أنبوبة البوتاجاز فوجدت أنها خفيفة … وعندما فتحتها لم يتصاعد منها أي غاز … وهذا يعني أنها فارغةٌ تمامًا!

برم الشاويش شاربه وقال: وما دخل أنبوبة البوتاجاز في اللغز؟ وهل تقصد أن السيدة كانت ستنتحر بالبوتاجاز؟

تختخ: لا … ولكن عندما يسكن أحد في منزل وينوي الحياة فيه، فإن من أول الأشياء التي يوفرها لنفسه أنبوبة البوتاجاز، تمامًا مثل وجوب توفير الماء والكهرباء! وقد لفتت هذه الحكاية انتباهي، ولكن أمام أدلة أخري لم ألتفت إليها الالتفات الكافي … حتى حصلت أنت و«عاطف» على المعلومات الهامة التي ذكرتني بأنبوبة البوتاجاز الفارغة!

قال الشاويش فجأة: هل تقصد أن النقود أُخفيت في أنبوبة البوتاجاز؟ هيا بنا نبحث فيها!

ابتسم «تختخ» قائلًا: ابدًا يا حضرة الشاويش … لم يخطر ذلك ببالي … ثم كيف يُخفي الإنسان نقودًا في أنبوبة بوتاجاز؟! إن هذا يحتاج إلى جهدٍ كبير!

محب: ألا تخبرنا بنظريتك، وتدعنا من هذا الحديث؟!

تختخ: ليس الآن يا «محب»، ما زلت في حاجة إلى مزيد من المعلومات … وأرجو أن يساعدنا الشاويش!

الشاويش: إنني على استعداد طبعًا لمساعدتكم! ألسنا شركاء في حل هذا اللغز!

تختخ: تمامًا … وما أريده منك أن تعيد استجواب البواب!

الشاويش: ولكنه قال لنا كل ما عنده!

تختخ: لقد أجاب عن الأسئلة التي وجهتها له … ولكن هناك أسئلة أخرى أهم … وكذلك السمسار «إبراهيم»!

الشاويش: وما هي الأسئلة التي تحب أن نوجهها لهما؟

تختخ: أريد أن يصف لك البواب شكل الطفل المخطوف … وهل كان يبكي أو يضحك أو لا يفعل هذا ولا ذاك؟ وماذا كان حجمه بالضبط … وهل طلبت السيدة شراء طعام له؟ وما نوع هذا الطعام؟ ببساطةٍ كل ما له علاقة بالطفل المخطوف «هشام»!

الشاويش: هذه مسألةٌ سهلةٌ … وما هي الأسئلة التي أوجِّهها للسمسار «إبراهيم»؟

تختخ: سؤالٌ واحد … كيف وصلت إليه هذه السيدة؟ أو بمعنى آخر هل يعرفها من قبل؟ ولا تدعه يكذب عليك … فالإجابة عن هذا السؤال هامة جدًّا …

قم الشاويش واقفًا، وجرع بقية كوب الشاي وقال: ستكون عندك الإجابة عن هذه الأسئلة هذا المساء!

قال «تختخ» وهو يصافح الشاويش: إذا حصلت على الإجابات الصحيحة عن هذه الأسئلة … فسوف نتقدم خطوات واسعة على الأمام!

انصرف الشاويش والتفت الأصدقاء إلى «تختخ» وقالت «نوسة»: أظن أنك لن تتركنا كالعميان لا نرى شيئًا … كالصم لا نسمع شيئًا … أو كالخرس لا نتحدث!

تختخ: ماذا تقصدين؟

نوسة: إن في رأسك فكرةٌ معينة لحل اللغز … فلماذا لا تشاركنا فيها؟

تختخ: ببساطة لأنني لم أستقر بعد … وأعدكم أن أضع بين أيديكم كل تصوراتي بعد أن أحصل من الشاويش على الإجابات التي طلبتها …

ثم طلب التليفون من «لوزة» فأسرعت بإحضاره له … وأمسك «تختخ» بالورقة التي كتب فيها بعض الأرقام ثم اتصل برقمٍ منها، وعندما رد الطرف الآخر قال «تختخ»: نقابة المهندسين؟ … من فضلك أريد أن أسأل عن أحد المهندسين! وسكت «تختخ» لحظات ثم عاد يقول: نعم … أعتقد أنه نقابي، واسمه «علي عزت»!

وعاد إلى الاستماع لحظات أخرى ثم بدا عليه الاستغراب الشديد … واستمع لحظات أخرى ثم قال: مات فعلًا … وهل ترك زوجة وأولادًا؟

واستمع لحظاتٍ ثم قال: ولد واحد اسمه «هشام»!

وعاد «تختخ» يقول: أنت متأكدٌ من هذه المعلومات … نعم … كان صديقك … هل أستطيع معرفة منزله؟

واستمع لحظةً واحدةً ثم قال: نعم … خدمةٌ إنسانية!

وعندما وضع السماعة بعد أن كتب العنوان التفت إلى الأصدقاء بوجه جامدٍ وقال: شيءٌ غريب! غريب جدًّا!

قال «محب» متضايقًا: ما هذه الألغاز والمعميات؟! ما هو الغريب جدًّا يا «تختخ» … إنك تتركنا في الظلام!

قال «تختخ» بشرودٍ: أبدًا … أبدًا … اعذروني … لقد كانت عندي فكرةٌ معينة ولكن يبدو أنها كانت خاطئةً!

ونظر إليهم لحظات ثم قال: لقد مات المهندس «علي عزت» فعلًا، وترك زوجة وطفلًا … شيءٌ عجيب!

نوسة: أي عجب فيه! إننا نعرف جميعًا أنه مات وأنه ترك زوجة وطفلًا اسمه «هشام» … وهذا هو الطفل الذي خطف، ثم خطفت أمه بعده!

نظر «تختخ» إلى العنوان الذي كتبه قليلًا ثم قال: «محب» … هيا بنا … عندنا رحلة قصيرة إلى الدقي!

محب: تتصل باللغز؟

تختخ: طبعًا … هل معك صورة السيدة «كريمان»؟

محب: نعم!

تختخ: إذن هيا بنا … وسنعاود اللقاء أيها الأصدقاء في السابعة مساء فإذا حضر الشاويش قبل ذلك فلينتظرني … إننا قد نعود بحل اللغز … وقد نعود بخيبة الأمل!

وقام الصديقان، فسارا حتى محطة المعادي، ثم ركبا القطار إلى باب اللوق، ومن هناك أخذا الاتوبيس إلى الدقي، وسارا حتى وصلا إلى شارع «عبد الحميد سليمان» وبحثا عن المنزل الذي أخذا عنوانه ثم إلى الشقة التي يبحثان عنها …

دق «تختخ» جرس الباب، وكان من الواضح أنه منفعل جدًّا … وفتح ولد صغير الباب فقال له «تختخ» هل ماما موجودة؟

قال الولد: نعم … من الذي يريدها؟!

تختخ: قل لها صديق اسمه «توفيق»!

وبعد لحظات أقبلت سيدة ترتدي ملابس سوداء، وبدت نظرة دهشة في عينيها عندما شاهدت الصديقين، فأسرع «تختخ» يقول لها: آسف جدًّا لإزعاجك … ولكن هل تسمحين لنا بخمس دقائق من وقتك؟! إنك بهذا تسهمين في تحقيق العدالة …

وبرغم دهشة السيدة، فقد سمحت لهما بالدخول، وعندما جلسوا في غرفة الصالون قال «تختخ»: هل أنت حرم المرحوم المهندس «علي عزت»؟

قالت السيدة: نعم … أنا هي!

أشار «تختخ» إلى الولد وقال: وهل هذا «هشام» ابنك؟

قالت السيدة: نعم هو «هشام علي عزت»!

وبدا «تختخ» وكأنه عثر على كنزٍ، فقد احمرَّ وجهه سعادة، وقال «لمحب»: هات الصورة!

وعندما ناولها له «محب» مدَّ يده بها إلى السيدة وسألها: أرجو أن تقولي لنا … هل تعرفين صاحبة هذه الصورة؟

وأمسكت السيدة بالصورة ونظرت إليها جيدًا ثم نظرت إلى «تختخ» …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤