القصة الكاملة

قالت السيدة: نعم … إنني أعرفها، برغم أن الصورة ليست واضحة تمامًا وملابسها غريبة إلى حدٍّ ما!

تختخ: ملابس ليست عصرية!

السيدة: نعم!

تختخ: هل هي قريبتك؟

السيدة: نعم … إنها ابنة خالتي، وكانت زميلتي في المدرسة الثانوية!

تختخ: ولكنها لم تتم تعليمها!

السيدة: كيف عرفت؟

تختخ: وحاولت أن تحترف التمثيل!

السيدة: نعم … فعلًا!

تختخ: ولكنها لم تنجح!

السيدة: فعلًا!

كان «محب» يتابع الحوار بين «تختخ» وبين السيدة وكأنه يسمع ألغازًا متواصلة، فمن أين «لتختخ» كل هذه المعلومات عن سيدة لم يرها قط!

تختخ: وهل تعرفين أين هي الآن؟

السيدة: لا … إنها تظهر وتختفي بدون أن أعلم إلى أين ذهبت، ومن أين أتت … أحيانًا تختفي بالشهور، بل بالسنوات!

تختخ: وآخر مرة رأيتيها فيها؟

السيدة: كان ذلك عندما مات المرحوم زوجي …

تختخ: هل سبق أن أوقعتك في مشاكل؟

السيدة: نعم … فهي تشبهني إلى حدٍّ ما … وقد اضطررت أحيانًا إلى دفع مبالغ لبعض المحلات التي اشترت منها أشياء بإسمي!

ولاحظ «محب» فعلًا الشبه بين هذه السيدة، وصاحبة الصورة برغم اختلاف الملابس وتباين السن …

قال «تختخ»: لقد عادت إلى استخدام هذا التشابه بينك وبينها، ولكن هذه المرة في جريمة خطيرة …

السيدة: أعوذ بالله … ولكن …

تختخ: ولكن لا تخافي شيئًا … فلست مسئولة عنها … ولكن هل تعرفين لها مكانًا؟

السيدة: لا … ولكنها لا تبتعد أبدًا عن الأضواء … إنها تعيش دائمًا قرب المسارح واستوديوهات السينما … فهي ما زالت مصرَّة على أنها ستنجح في التمثيل!

تختخ: نسيت أن أسألك ما اسمها؟

السيدة: اسمها «سامية حمادة».

تختخ: واسمك أنت؟

السيدة: «كريمان يسري»!

قام «تختخ» واقفًا فوقف «محب» … وقال «تختخ»، مصافحًا السيدة: شكرًا لك يا سيدتي … لقد حللت اللغز!

السيدة: أي لغزٍ؟

قال «تختخ» مبتسمًا: لغز الطفل المخطوف … والسيدة المخطوفة … والثلاثة آلاف جنيه الحكومية!

بدت الحيرة على وجه السيدة فقال «تختخ» وهو يتجه إلى الباب: سوف أتصل بك تليفونيًّا لأروي لك القصة كاملة … ولكني الآن مشغول جدًّا! وأسرعا بالخروج. قال «تختخ» «لمحب» وهما يقفزون السلم: هل فهمت؟

قال «محب»: أظن أنني فهمت … ولكن هناك بعض إيضاحات ضرورية لأفهم كل شيءٍ!

تختخ: ستفهم كل شيءٍ هذا المساء … المهم الآن تعال بنا نزور دار الهلال!

محب: لماذا؟

تختخ: سنذهب إلى سجل الكواكب ونقابل الصحفي «حلمي» المحرر الفني بمجلة الكواكب فلي معه حديث …

ركبا «تاكسي» إلى دار الهلال، وصعدا إلى الدور الثاني حيث قابلا المحرر، وقال له «تختخ»: إنني معجبٍ بتحقيقاتك الصحيفة عن حياة الكواكب … اصة النجوم غير المشهورين … وأريد منك أن تحدثني قليلًا عن صاحبة هذه الصورة …

وأخرج الصورة من جيبه ووضعها أمام المحرر الذي نظر إليها ثم هز رأسه قائلًا: إنها «سميحة سامح»!

قال «تختخ»: هذا ثالث اسم لها أسمعه … المهم ما هي حكايتها بالضبط؟

المحرر: لا شيء كثير … إنها فتاة مثل كل الفتيات والشبان الذين يحلمون بالشهرة والمجد عن طريق المسرح والسينما بدون أن يدرسوا في المعاهد الفنية المتخصصة … قليل جدًّا منهم ينجح … والأكثر لا يحققون أي نجاحٍ ويقبلون بأدوار «الكومبارس» … أي الأدوار البسيطة التي لا قيمة لها … ثم يغيبون تمامًا ولا يعرف أحد مصيرهم …

تختخ: وهذه؟

حلمي: كانت تحلم بتمثيل دور «غادة الكاميليا» وقد مثَّلته فعلًا ولكنها أخفقت إخفاقًا ذريعًا … وبعدها رفض المنتجون التعاقد معها، فقنعت بأدوار بسيطةٍ … ثم اختفت شيئًا فشيئًا حتى اختفت تمامًا منذ فترةٍ ولم يعد أحد يسمع عنها شيئًا!

تختخ: ألا تعرف أين توجد الآن؟

حلمي: لا … ولا أحد يعرف … ربما بعض «الكومبارس» من زميلاتها وزملائها يعرفون أين هي الآن …

شكر «تختخ» الصحفي، ثم نزل هو و«محب» مسرعين … وبعد نحو ساعة كانا في المعادي … وكانت ساعة الغداء قد حانت فقال «تختخ»: اذهب إلى الغداء وموعدنا السابعة … لقد حققنا الكثير جدًّا فإلى اللقاء …

•••

في السابعة اجتمع المغامرون الخمسة ومعهم الشاويش «فرقع» الذي بدا منتفخًا، فقد حصل على كل المعلومات التي طلبها «تختخ»، وجلسوا جميعًا فقال الشاويش: إنني مستعدٌّ!

قال «تختخ»: هل تسمح لي أن أحاول الإجابة عن الأسئلة التي سألتها لك؟

دهش الشاويش وقال: كيف؟ إنك لم تكن معي … هل سألت البواب والسمسار بدون أن تقول لي … إنني …

وقبل أن يتم الشاويش جملته قال «تختخ»: لحظة واحدة … إنني لا أقصد التقليل من قيمة عملك … كما أنني لم أستجوب البواب ولا السمسار من ورائك … إنها فقط رياضة ذهنية أحاول القيام بها إذا لم يكن عندك مانع …

هزَّ الشاويش رأسه مستسلمًا فقال «تختخ» وهو ينظر إلى الأصدقاء مبتسمًا: بالنسبة للطفل المخطوف … لم يشاهده البواب جيدًا … فقد كانت السيدة تلفه في الملابس جيدًا، بالإضافة إلى أن الوقت كان ليلًا …

هز الشاويش رأسه موافقًا فمضى «تختخ» يقول: وكان حجمه صغيرًا … ولم يبكِ ولم يضحك ولم يتحدث!

ومرة أخرى هز الشاويش رأسه موافقًا فمضى «تختخ» يقول: ولم تطلب السيدة طعامًا له …

ومرة ثالثة هزَّ الشاويش رأسه موافقًا وقد أصابته دهشةً شديدة فقال «تختخ»: والسبب بسيط يا حضرة الشاويش … فلم يكن هناك طفل على الإطلاق … لقد كان مجرد دمية … لعبة!

سقط هذا الكلام على رأس الشاويش كأنه حجرٌ ضخمٌ … وأخذ يدير عينيه حوله وكأنه أصيب بمسٍّ من الجنون، ومضى «تختخ» يقول: وأما السمسار فالأغلب أنه كان يعمل في بداية حياته عملًا يتصل بالمسرح … أو السينما، «كومبارس» مثلًا …

هزَّ الشاويش رأسه قائلًا له: لقد كان يعمل في غرفة الملابس يساعد الممثلين على تغيير ملابسهم، وإحضار الطعام والمشروبات لهم … والبحث عن الشقق التي يسكنون فيها وغيرها من الخدمات …

تختخ: آسف … لقد اخطأت قليلًا!

الشاويش: ولكن … المهم … المهم … كيف لم يكن هناك طفل؟ … فما هي قصة الطفل المخطوف إذن؟

تختخ: يا حضرة الشاويش … ليس هناك طفل مخطوف … ولا سيدة مخطوفة! وقف الشاويش وقد اصفر وجهه حتى حاكى وجوه الأموات … وقال بصوت لا يكاد يسمع: ماذا تقول؟

قال «تختخ»: اجلس يا حضرة الشاويش، وسأروي لك القصة كاملة … لقد استطاعت ممثلة درجة ثالثة أن تؤلِّف تمثيليةً محبوكة الأطراف قمت أنت بدور فيها بدون أن تدري!

جلس الشاويش بدون أن ينطق بحرف وقال «تختخ»: أظنكم جميعًا قد أدركتم جانبًا من القصة … وسأرويها لكم كاملة كما حدثت …

وسكت «تختخ» لحظات كأنما يستجمع أفكاره ثم قال: لنبدأ القصة منذ البداية، فهذه الفتاة التي لم تستطع النجاح على المسرح … جرَّبت حظها أن تمثل على الناس أنفسهم في الحياة ذاتها … وقد جربت أن تمثل شخصية السيدة «كريمان يسري» ونجحت في هذا … ولكن في حدود بعض المشتريات بدون أن تدفع ثمنها … ولفترة كانت بنت خالتها — هي السيدة «كريمان» — لا تبلغ عنها الشرطة، وتتحمل مشاكلها … ثم قررت «سامية حمادة» أن تقوم بتمثيلية كبرى … أن تدبر حادثًا وهميًّا باختطاف ابنها المزعوم … ثم اختطافها هي، واستيلائها على مبلغ الثلاثة آلاف جنيه … وقد دبَّرت خطتها بمهارة … فهناك واحدة فعلًا اسمها «كريمان يسري» ولها ابن اسمه «هشام»، وزوجها متوفي واسمه «علي عزت» … وهكذا استطاعت أن تلعب لعبتها أو تمثيليتها الكبرى وتستولي على المبلغ وتفرُّ …

أخذ الشاويش يخبط كفًّا بكفٍ وهو يصيح: إذن فليس لها ابن … وهي أيضًا لم تخطف!

تختخ: طبعًا … وأما الأثاث المقلوب في الشقة فليس إلا دليلًا زائفًا على أنها قاومت العصابة … وليس هناك عصابة ولا أي شيءٍ آخر … لقد انتظرت حتى انصرف البواب ثم غادرت الشقة وغابت في الزحام …

نوسة: وكيف بدأت تشكُّ فيها يا «تختخ»؟

تختخ: البداية عندما شاهدت أثاث الشقة المقلوب … لقد كان مقلوبًا بنظام وليس هناك الفوضى التي تصحب الصراع … ثم إن أحدًا لم يسمع صوت مقاومة ولا صوت هذه المقاعد وهي تقلب … وعندما دخلت المطبخ ووجدت أنبوبة البوتاجاز فارغة أدركت أنها لم تستعد لبقاء طويل … بل لفترة محدودة … ولكني كنت في حاجة إلى أدلة أخرى … ثم عندما شاهدت والدتك يا «عاطف» الصورة، وقالت إنها شاهدت هذه السيدة من قبل … وقالت إنها رأتها على المسرح أو السينما، خطر في بالي فورًا فكرة أن تكون ممثلةً … فدور الأم المسكينة التي خُطف طفلها لا تقوم به سيدة عادية … لابد من ممثلةٍ محترفة … وقد أوحى لي هذا بالبحث عن «كريمان يسري» الأصلية، وهكذا ترابطت النقاط …

احمرَّ وجه الشاويش وقال: ولكنني رأيت بطاقتها!

تختخ: إنها ليست بطاقتها، إنها بطاقة «كريمان يسري» الأصلية، ومن المؤكد أنها سرقتها منها في وقت العزاء، ولم تلتفت الأخرى إلى ما حدث … ربما حتى الآن …

الشاويش: وماذا نفعل؟

تختخ: لقد أوضحنا لك يا حضرة الشاويش كل شيء … وساعدناك كما اتفقنا … أما القبض على هذه الممثلة، فهو مهمة رجال الشرطة وليس مهمتنا …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤