فلما كانت الليلة ٢٣٦

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأسعد لما وصل إلى المدينة أدركه المساء، وقد قُفِل بابها، وكانت المدينة هي التي كان أسيرًا فيها وأخوه الأمجد وزير ملكها، فلما رآها الأسعد مقفلةً رجع إلى جهة المقابر، فلما وصل إلى المقابر وجد تربة بلا باب فدخلها ونام فيها، وحطَّ وجهه في عبِّه. وكان بهرام المجوسي لما وصلت إليه الملكة مرجانة بالمراكب كسرها بمكره وسحره، ورجع سالمًا نحو مدينته، وسار من وقته وساعته وهو فرحان، فلما جاز على المقابر طلع من المركب بالقضاء والقدر، ومشى بين المقابر فرأى التربة التي فيها الأسعد مفتوحة؛ فتعجَّبَ وقال: لا بد أن أنظر في هذه التربة. فلما نظر فيها رأى الأسعد وهو نائم ورأسه في عبِّه، فطلَّ في وجهه فعرفه، فقال له: هل أنت تعيش إلى الآن؟ ثم أخذه وذهب به إلى بيته، وكان له في بيته طابق تحت الأرض مُعَدٌّ لعذاب المسلمين، وكان له بنت تُسمَّى بستان، فوضع في رجلَي الأسعد قيدًا ثقيلًا، وأنزله في ذلك الطابق، ووكَّلَ بنته بتعذيبه ليلًا ونهارًا إلى أن يموت، ثم إنه ضربه الضرب الوجيع، وقفل عليه الطابق، وأعطى المفاتيح لبنته.

ثم إن بنته بستان نزلت لتضربه فوجدته شابًّا ظريف الشمائل، حلو المنظر، مقوَّس الحاجبين، كحيل المقلتين، فوقعت محبته في قلبها، فقالت له: ما اسمك؟ قال لها: اسمي الأسعد. فقالت له: سعدت وسعدت أيامك، أنت ما تستاهل العذاب، وقد علمت أنك مظلوم. وصارت تؤانسه بالكلام، وفكَّتْ قيوده، ثم إنها سألته عن دين الإسلام، فأخبرها أنه هو الدين الحق القويم، وأن سيدنا محمدًا صاحب المعجزات الباهرة والآيات الظاهرة، وأن النار تضر ولا تنفع، وعرَّفَها قواعد الإسلام فأذعنت إليه، ودخل حب الإيمان في قلبها، ومزج الله تعالى محبة الأسعد بفؤادها؛ فنطقت بالشهادتين، وصارت من أهل السعادة، وصارت تطعمه وتسقيه، وتتحدث معه، وتصلي هي وإياه، وتصنع له المساليق بالدجاج حتى اشتدَّ وزال ما به من الأمراض، ورجع إلى ما كان عليه من الصحة. ثم إن بنت بهرام خرجت من عند الأسعد، ووقفت على الباب، وإذ بالمنادي ينادي ويقول: كل مَن كان عنده شاب مليح صفته كذا وكذا وأظهره، فله جميع ما طلب من الأموال، ومَن كان عنده وأنكره فإنه يُشنَق على باب داره، ويُنهَب ماله ويُهدَر دمه. وكان الأسعد قد أخبر بستان بنت بهرام بجميع ما جرى له، فلما سمعت ذلك عرفت أنه هو المطلوب، فدخلت عليه وأخبرته بالخبر، فخرج وتوجَّه إلى دار الوزير، فلما رأى الوزير قال: والله إن هذا الوزير هو أخي الأمجد. ثم طلع وطلعت الصبية وراءه إلى القصر، فرأى أخاه الأمجد فألقى نفسه عليه، ثم إن الأمجد عرفه فألقى نفسه عليه وتعانقا، واحتاطت بهما المماليك، وغُشِي على الأسعد والأمجد ساعة، فلما أفاقا من غشيتهما أخذه الأمجد وطلع به إلى السلطان وأخبره بقصته؛ فأمر السلطان بنهب بيت بهرام. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤