فلما كانت الليلة ٢٤٠

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الخليفة لما أخبر زوجته بقصة الجارية، قالت له زوجته: زادك الله من فضله. ثم دخلت أخت الخليفة على الجارية، فلما رأتها قالت: والله ما خاب مَن أنت في منزله، ولو كان ثمنك مائة ألف دينار. فقالت لها الجارية نِعَم: يا صبيحة الوجه، هذا قصر مَن مِن الملوك؟ وأي مدينة هذه المدينة؟ قالت لها: هذه مدينة دمشق، وهذا قصر أخي أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان. ثم قالت للجارية: كأنك ما علمت هذا. قالت: والله يا سيدتي لا علمَ لي بهذا. قالت: والذي باعك وقبض ثمنك ما أعلمك بأن الخليفة قد اشتراك؟ فلما سمعت الجارية ذلك الكلام سكبت دموعها وبكت، وقالت في نفسها: لقد تمَّتِ الحيلة عليَّ. ثم قالت في نفسها: إن تكلَّمْتُ فما يصدقني أحد، ولكن أسكت وأصبر لعلمي أن فرج الله قريب. ثم إنها أطرقت رأسها حياءً، وقد احمرَّت خدودها من أثر السفر والشمس، فتركتها أخت الخليفة في ذلك اليوم، وجاءتها في اليوم الثاني بقماش وقلائد من الجواهر وألبستها، فدخل عليها أمير المؤمنين، وجلس إلى جانبها، فقالت له أخته: انظر إلى هذه الجارية التي قد كمَّل الله فيها الحسن والجمال. فقال الخليفة لنِعَم: أزيحي القناع عن وجهك. فلم تُزِح القناع عن وجهها، فلم يرَ وجهها وإنما رأى معاصمها، فوقعت محبتها في قلبه، وقال لأخته: لا أدخل عليها إلا بعد ثلاثة أيام حتى تستأنس بك. ثم قام وخرج من عندها، فصارت الجارية متفكِّرة في أمرها، ومتحسِّرة على افتراقها من سيدها نعمة. فلما أتى الليل ضعفت الجارية بالحمى، ولم تأكل ولم تشرب، وتغيَّرَ وجهها ومحاسنها، فعرَّفوا الخليفة بذلك فشقَّ عليه أمرها، ودخل عليها بالأطباء وأهل البصائر؛ فلم يقف لها أحدٌ على طبٍّ.

هذا ما كان من أمرها، وأما ما كان من أمر سيدها نعمة، فإنه أتى إلى داره وجلس على فراشه، ونادى: يا نِعَم. فلم تجبه، فقام مسرعًا ونادى، فلم يدخل عليه أحد، وكل جارية في البيت اختفت خوفًا منه، فخرج نعمة إلى والدته فوجدها جالسة ويدها على خدها، فقال لها: يا أمي، أين نِعَم؟ فقالت له: يا ولدي، مع مَن هي أوثق مني عليها، وهي العجوز الصالحة، فإنها خرجت معها لتزور الفقراء وتعود. فقال: ومتى كان لها عادة بذلك؟ وفي أي وقت خرجت؟ قالت: خرجت بكرة النهار. قال: وكيف أذِنْتِ لها بذلك؟ فقالت: يا ولدي، هي التي أشارت عليَّ بذلك. فقال نعمة: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم خرج من بيته وهو غائب عن الوجود، ثم توجه إلى صاحب الشرطة فقال له: أتحتال عليَّ وتأخذ جاريتي من داري؟ فلا بد لي أن أسافر وأشتكيك إلى أمير المؤمنين. فقال صاحب الشرطة: ومَن أخذها؟ فقال: عجوز صفتها كذا وكذا، وعليها ملبوس من الصوف، وبيدها سبحة عدد حبَّاتها ألوف. فقال له صاحب الشرطة: أوقفني على العجوز وأنا أخلِّص لك جاريتك. فقال: ومَن يعرف العجوز؟ فقال له صاحب الشرطة: ومَن يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى؟! وقد علم صاحب الشرطة أنها محتالة الحجاج، فقال له نعمة: ما أعرف جاريتي إلا منك، وبيني وبينك الحجاج. فقال له: امضِ إلى مَن شئتَ. فتوجَّه نعمة إلى قصر الحجاج، وكان والده من أكابر أهل الكوفة، فلما وصل إلى بيت الحجاج دخل حاجب الحجاج عليه، وأعلمه بالقضية، فقال له: عليَّ به. فلما وقف بين يديه قال له الحجاج: ما بالك؟ فقال له نعمة: كان من أمري ما هو كذا وكذا. فقال: هاتوا صاحب الشرطة ونأمره أن يفتش على العجوز. فلما حضر صاحب الشرطة قال له: أريد منك أن تفتش على جارية نعمة بن الربيع. فقال له صاحب الشرطة: لا يعلم الغيب إلا الله تعالى. فقال له الحجاج: لا بد أن تركب الخيل وتبصر الجارية في الطرقات وتنظر في البلدان. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤