فلما كانت الليلة ٢٥٠

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن شمس الدين قال لزوجته: أنتِ سبب حزني. فقالت له: لأي شيء؟ فقال لها: إني لما فتحت دكاني في هذا اليوم، رأيت كل واحد من التجار له ولد أو ولدان أو أكثر، وهم قاعدون في الدكاكين مثل آبائهم، فقلت لنفسي: إن الذي أخذ أباك ما يخليك، وليلةَ دخلتُ بكِ حلَّفتِني أنني ما أتزوج عليك، ولا أتسرى بجارية حبشية ولا رومية ولا غير ذلك من الجواري، ولا أبيت ليلة بعيدًا عنك، والحال أنك عاقر، والنكاح فيك كالنحت في الحجر. فقالت: اسم الله عليَّ، إن العاقة منك ما هي مني؛ لأن بيضك رائق. فقال لها: وما شأن الذي بيضه رائق؟ فقالت: هو الذي لا يحبل النساء، ولا يجيء بأولاد. فقال لها: وأين معكِّر البيض وأنا أشتريه لعله يعكِّر بيضي؟ فقالت له: فتِّش عليه عند العطارين.

فبات التاجر وأصبح متندمًا حيث عاير زوجته، وندمت هي حيث عايرته. ثم توجَّهَ إلى السوق فوجد رجلًا عطارًا، فقال له: السلام عليكم. فردَّ عليه السلام، فقال له: هل يوجد عندك معكِّر البيض؟ فقال له: كان عندي وجبر، ولكن اسأل جاري. فدار يسأل حتى سأل جميع العطارين، وهم يضحكون عليه، وبعد ذلك رجع إلى دكانه وقعد، فكان في السوق نقيب الدلالين، وكان رجلًا حشاشًا يتعاطى الأفيون والبرش، ويستعمل الحشيش الأخضر، وكان ذلك النقيب يُسمَّى الشيخ محمد سمسم، وكان فقير الحال، وكان من عادته أن يصبِّح على التاجر في كل يوم، فجاءه على عادته وقال له: السلام عليكم. فردَّ عليه السلام وهو مغتاظ، فقال له: يا سيدي ما لك مغتاظًا؟ فحكى له جميع ما جرى بينه وبين زوجته، وقال له: إن لي أربعين سنة وأنا متزوج بها، ولم تحبل مني بولد ولا ببنت، وقالوا لي: سبب عدم حبلها منك أن بيضك رائق، ففتشت على شيء أعكِّر به بيضي فلم أجده. فقال له: يا سيدي، أنا عندي معكِّر البيض، فما تقول فيمَن يجعل زوجتك تحبل منك بعد هذه الأربعين سنة التي مضت؟ قال له التاجر: إن فعلتَ ذلك فأنا أُحْسِنُ إليك وأُنعِم عليك. فقال له: هاتِ لي دينارًا. فقال له: خذ هذين الدينارين. فأخذهما وقال له: هاتِ هذه السلطانية الصيني. فأعطاه السلطانية فأخذها وتوجَّه إلى بيَّاع الحشيش، وأخذ منه من المكركر الرومي قدر أوقيتين، وأخذ جانبًا من الكبابة الصيني، والقرفة، والقرنفل، والحبهان، والزنجبيل، والفلفل الأبيض، والسقنقور الجبلي، ودق الجميع وغلاها في الزيت الطيب، وأخذ ثلاث أواقي حصى لبان ذكر، وأخذ مقدار قدح من الحبة السوداء ونقعه، وعمل جميع ذلك معجونًا بالعسل النحلي، وحطَّه في السلطانية ورجع بها إلى التاجر وأعطاها له، وقال له: هذا معكِّر البيض، فينبغي أن تأخذ منه على رأس الملوق بعد أن تأكل اللحم الضاني، والحمام البيتي، وتكثر له الحرارات والبهارات، وتتعشى وتشرب السكر المكرر.

فأحضر التاجر جميع ذلك، وأرسله إلى زوجته، وقال لها: اطبخي ذلك طبخًا جيدًا، وخذي معكر البيض، واحفظيه عندك حتى أطلبه. ففعلت ما أمرها به، ووضعت له الطعام فتعشى، ثم إنه طلب السلطانية فأكل منها فأعجبته، فأكل بقيتها وواقَعَ زوجته؛ فعلقت منه تلك الليلة، ففات عليها أول شهر والثاني والثالث ولم ينزل عليها الدم؛ فعلمت أنها حملت، ثم وفت أيام حملها ولحقها الطلق، وقامت الأفراح، فقامت الداية المشقة في الخلاص، ورقته باسمي محمد وعلي، وكبَّرت وأذَّنت في أذنه، ولفته وأعطته لأمه، فأعطته ثديها وأرضعته فشرب وشبع ونام، وأقامت الداية عندهم ثلاثة أيام حتى عملوا الحلاوة ليفرِّقوها في اليوم السابع، ثم رشُّوا ملحه، ودخل التاجر وهنَّأ زوجته بالسلامة، وقال لها: أين وديعة الله؟ فقدَّمت له مولودًا بديع الجمال صُنع المدبر الموجود، وهو ابن سبعة أيام، ولكن الذي ينظره يقول عليه إنه ابن عام، فنظر التاجر في وجهه فرآه بدرًا مشرقًا، وله شامات على الخدين، فقال لها: ما سمَّيتِه؟ فقالت له: لو كان بنتًا كنتُ سمَّيتها، وهذا ولد فلا يسميه إلا أنت.

وكان أهل ذلك الزمن يسمون أولادهم بالفأل، فبينما هم يتشاورون في الاسم، وإذا بواحد يقول: يا سيدي علاء الدين. فقال لها: نسميه بعلاء الدين أبي الشامات. ووكَّل به المراضع والدايات، فشرب اللبن عامين وفطموه، فكبر وانتشى، وعلى الأرض مشى، فلما بلغ من العمر سبع سنين أدخلوه تحت طابق خوفًا عليه من العين، وقال: هذا لا يخرج من الطابق حتى تطلع لحيته. ووكَّل به جارية وعبدًا، فصارت الجارية تهيِّئ له السفرة والعبد يحملها إليه، ثم إنه طهَّره، وعمل له وليمة عظيمة، ثم بعد ذلك أحضر له فقيهًا يعلمه؛ فعلَّمه الخط والقرآن والعلم إلى أن صار ماهرًا وصاحب معرفة. فاتفق أن العبد أوصل إليه السفرة في بعض الأيام ونسي الطابق مفتوحًا، فطلع علاء الدين من الطابق، ودخل على أمه، وكان عندها محضر من أكابر النساء. فبينما النساء يتحدثن مع أمه، وإذا هو داخل عليهن كالمملوك السكران من فرط جماله، فحين رآه النسوة غطَّين وجوههن وقُلن لأمه: الله يجازيكِ يا فلانة، كيف تُدخِلين علينا هذا المملوك الأجنبي؟ أَمَا تعلمين أن الحياء من الإيمان؟ فقالت لهن: سمِّين الله، إن هذا ولدي وثمرة فؤادي، وابن شاه بندر التجار شمس الدين ابن الدادة والقلادة والقشفة واللبابة. فقلن لها: عمرنا ما رأينا لك ولدًا. فقالت: إن أباه خاف عليه من العين، فجعل مرباه في طابق تحت الأرض. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤