فلما كانت الليلة ٢٥٣

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن علاء الدين قال لوالدته: إن أولاد التجار عايروني، وقالوا لي: ما فخر أولاد التجار إلا بالسفر لأجل أن يكسبوا الدراهم والدنانير. فقالت له أمه: يا ولدي، هل مرادك السفر؟ قال: نعم. فقالت له: تسافر إلى أي البلاد؟ فقال لها: إلى مدينة بغداد، فإن الإنسان يكتسب فيها المثل مثلين. فقالت له: يا ولدي، إن أباك عنده مال كثير، وإن لم يجهِّز لك متجرًا من ماله فأنا أجهز لك متجرًا من عندي. فقال لها: خير البر عاجله، وإن كان معروفًا فهذا وقته. فأحضرت العبيد وأرسلتهم إلى الذين يحزمون القماش، وفتحت حاصلًا وأخرجت له منه قماشًا، وحزموا له عشرة أحمال.

هذا ما كان من أمر أمه، وأما ما كان من أمر أبيه، فإنه التفت فلم يجد ابنه علاء الدين في البستان، فسأل عنه فقالوا له: إنه ركب بغلته وراح إلى البيت. فركب وتوجَّه خلفه، فلما دخل منزله رأى أحمالًا محزومة فسأل عنها، فأخبرته زوجته بما وقع من أولاد التجار لولده علاء الدين، فقال له: يا ولدي، خيَّبَ الله الغربة! فقد قال رسول الله : «من سعادة المرء أن يُرزَق في بلده.» وقال الأقدمون: دع السفر ولو كان ميلًا. ثم قال لولده: هل صممت على السفر، ولا ترجع عنه؟ فقال له ولده: لا بد لي من السفر إلى بغداد بمتجر، وإلا قلعت ثيابي ولبست ثياب الدراويش، وطلعت سائحًا في البلاد. فقال له: ما أنا محتاج ولا معدم، بل عندي مال كثير. وأراه جميع ما عنده من المال والمتاجر والقماش، وقال له: أنا عندي لكل بلد ما يناسبه من القماش والمتاجر. وأراه من جملة ذلك أربعين حملًا محزومة، مكتوبًا بأعلى كل حمل ثمنه ألف دينار، ثم قال له: يا ولدي، خذ الأربعين حملًا، والعشرة أحمال التي من عند أمك، وسافر مع سلامة الله تعالى، ولكن يا ولدي أخاف عليك من غابة في طريقك تُسمَّى غابة الأسد، ووادٍ هناك يقال له وادي الكلاب؛ فإنهما تروح فيهما الأرواح بغير سماح. فقال له: لماذا يا والدي؟ فقال: من بدوي قاطع الطريق يقال له عجلان. فقال له: الرزق رزق الله، وإن كان لي فيه نصيب لم يصبني ضرر. ثم ركب علاء الدين مع والده، وسار إلى سوق الدواب، وإذا بعكام نزل من فوق بغلته، وقبَّل يد شاه بندر التجار، وقال له: والله زمان يا سيدي ما استقضيتنا في تجارات. فقال له: لكل زمان دولة ورجال، ورحم الله مَن قال:

وَشَيْخٍ فِي جِهَاتِ الْأَرْضِ يَمْشِي
وَلِحْيَتُهُ تُقَابِلُ رُكْبَتَيْهِ
فَقُلْتُ لَهُ لِمَاذَا أَنْتَ مُحْنًى
فَقَالَ وَقَدْ لَوَى نَحْوِي يَدَيْهِ
شَبَابِي فِي الثَّرَى قَدْ ضَاعَ مِنِّي
وَهَا أَنَا مُنْحَنٍ بَحْثًا عَلَيْهِ

فلما فرغ من شعره قال: يا مقدِّم، ما مراده السفر إلا ولدي هذا. فقال له العكام: الله يحفظه عليك. ثم إن شاه بندر التجار عاهَدَ بين ولده وبين العكام، وجعله ولده وأوصاه عليه، وقال له: خذ هذه المائة دينار لغلمانك. ثم إن شاه بندر التجار اشترى ستين بغلًا وسترًا لسيدي عبد القادر الجيلاني، وقال له: يا ولدي، أنا غائب وهذا أبوك عوضًا عني، وجميع ما يقوله طاوعه فيه. ثم توجَّه بالبغال والغلمان، وعملوا في تلك الليلة ختمة ومولدًا للشيخ عبد القادر الجيلاني، ولما أصبح الصباح أعطى شاه بندر التجار لولده عشرة آلاف دينار، وقال له: إذا دخلت بغداد، ولقيت القماش رائجًا معه فبعه، وإن لقيت حاله واقفًا فاصرف من هذه الدنانير. ثم حمَّلوا البغال، وودعوا بعضهم، وساروا متوجِّهين حتى خرجوا من المدينة، وكان محمود البلخي تجهَّز للسفر إلى جهة بغداد، وأخرج حموله ونصب صواوينه خارج المدينة، وقال في نفسه: ما تحظى بهذا الولد إلا في الخلاء؛ لأنه لا واشي ولا رقيب يعكِّر عليك. وكان لأبي الولد ألف دينار عند محمود البلخي بقية معاملة، فذهب إليه وودَّعه وقال له: أعطِ الألف دينار لولدي علاء الدين. وأوصاه عليه وقال له: إنه مثل ولدك. فاجتمع علاء الدين بمحمود البلخي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤