ازدهار البحر
هي ذي «دوفيل» فتنة مُمتنعة عن الوصف، وجه الاخضرار البهي لإقليم النورماندي، ودونها ينتشر بحر المانش حيث يُلقِي نهر السين بآخِر أنفاسه، فلا تعرف أيهما يتشرب الآخر: الملوحة أم العذوبة؟ وما أعرفه أني تتبعت ضفاف السين إلى نهايتها حين أدركتُ أن النهر لا يكفي لأشواقنا وأن لا بديل عن البحر، والحق أنك لا تذهب إلى أي مدينة ولكن إلى كائن موجود أو مُفترَض؛ لذلك نسيتُ البحر مؤقتًا حين وصلتُ دوفيل بِنِيَّة الاصطياف. مُجرَّد خدعة والتقينا أو لم نَلتقِ، وما حدث يمكن اختزاله في الآتي حين قالتْ وقلت:
من الأفضل أن نتعارف، دون مقدِّمات وبلا إسهاب، أنت تقوم وتُقبِّلني من الوجنتين ومثلك أفعل، ونندرج في الكلام كما لو أننا نواصل حديثًا لم نُتمِّمه في وقت سابق. هي، حدثتني عنك في الرسالة وفهمت أنها رسَت أخيرًا إلى محطة، محطتها، وإذ أراك الآن يشتبه عليَّ الأمر؛ إذ هل يمكن الرُّسوُّ عندك أبدًا؟ في الطريق إلى هذا اللقاء عاندتُ نفسي بضرورة أن تكون مختلفًا وبشِدَّة عن الآخَرين، وإلا لَما التقينا، ولَما كنتُ واقفةً قُبالتك، وأنت هنا تنظر إليَّ وكأنك تستعيد وجهًا ضاع في البعيد. ولكن حذارِ، إنني لا أعرف أن أكون صارمةً في التَّخمين، صانعةً لمعاني الأشياء، قبل حضورها، وهذا ما يجعلني لا أواصل أو بالتحديد أتركهم كلهم يعيشون رتابتهم لأزدهر في قطائعي، ولعلَّك تفعل وإلا ماذا يحمل عربيًّا مثلك إلى صُقعنا الذي هو القيامة ذاتها؟ وأريدك أن تعرف أني لستُ نادمةً على شيء، ومن الأفضل أن تكسب حياتك يومًا بيوم، وألَّا تتحسَّر إلا على ما لم تَعِشه غدًا، وحتى الغد، خُذني لنزدهر في البحر.