الصوت الجميل!

ذهل الشياطين وقد أحسوا أنَّه قد تمَّ خداعهم بمهارة، وأنَّ عَدُوَّهم الخفي قد نجح في جرِّهم إلى مصيدة الغابات «البرازيلية» الرهيبة، كانوا قد حاولوا البحث عن طريقٍ؛ للخروج من الغابة بسيارتهم وسيارة الفريق العربي «سالم» و«ممدوح» المشتركة في سباق الموت، وفشلوا في العثور على طريق الخروج من الغابة بعد أن اختفت كافة العلامات المؤدية لخارج الغابة …

وكانت المغامرة قد بدأت منذ أيام قليلة، عندما أخبرهم رقم «صفر» أنَّ ابن أحد الشخصيات العربية الهامة «سالم» قرر الاشتراك في سباق خطير للسيارات يخترق أمريكا الجنوبية من «ريودي جانيرو» وحتى عاصمة «بيرو» «ليما»، وأنَّ هناك معلوماتٍ تفيد أنَّ بعض الإرهابيِّينَ سوف يحاولون اغتيال «سالم» خلال السباق، لحساب إحدى الدول المعادية للعرب … وعلى الفور تمَّ تكليف فريق من الشياطين وهم «أحمد» و«عثمان» و«قيس» و«إلهام» و«زبيدة» بالاشتراك في السباق لحماية سيارة «سالم» ومساعده «ممدوح»، وخلال الجزء الأول من السباق الذي يجري بلا توقُّف، تعرَّضَت سيارة «سالم» لأكثر من هجوم، قام الشياطين بصدِّه، وأقنعوا «سالم» و«ممدوح» بمرافقتهم؛ لحمايتهم حتى نهاية السباق، خاصة وهم يملكون سيارة مُجهَّزة تمامًا للقتال …

وانطلقَتْ سيارة الشياطين والسيارة المعاونة لها وسيارة الفريق العربي، وقادتهم إشارات السباق إلى داخل الغابة، حيث استحال عليهم الخروج منها بعد إزالة العلامات … واكتشف الشياطين أنَّهم وقعوا في فخ بتغيير علامات الطريق، حتى يخترقوا غابات الأمازون الشهيرة … حيث الداخل إليها مفقود … ويستحيل الخروج منها، خاصة لمَن يجهل دروبها ومسالكها المتشعبة والتي تمتلئ بآلاف المخاطر الطبيعية …

تأمَّلَ «عثمان» الأشجار الباسقة الضخمة حوله، والأرض المغطاة بالأعشاب وأوراق الشجر الملوَّنة، وبعض الطيور المغرِّدة، وقال مهوِّنًا على رفاقه: إنَّ المكان يبدو رائعًا … كأنَّه حديقة كبيرة …

قالت «إلهام»: هذا ما يبدو للعِيان … ولكنَّ الحقيقة غير ذلك؛ فهذه الغابات أشبه بجلد ثعبان مُزَرْكَش مُبهِج … ولكنَّ السُمَّ يكمن في داخله.

أحمد: معكِ حق يا «إلهام» … إنَّ الموت يكمن في كل خطوة نخطوها داخل هذه الغابات، وعلينا أن نكون حذِرِينَ أشدَّ الحذر، لأنَّ أيَّ خطوة خاطئة قد تعني النهاية لأيٍّ منَّا …

هتفَ «قيس» في غضب: هؤلاء الملاعين … لماذا لا يواجهونا الندَّ للندِّ؟

زبيدة: لقد واجهونا يا «قيس» وهزمناهم … ولذلك لم يكن أمامهم سوى اللجوء إلى الخدعة للتخلُّص منَّا …

تساءل «عثمان»: ومن تظنُّون يقفُ خلف هذه العملية؟

هزَّ «أحمد» كتفيه وهو يتطلع حوله قائلًا: مَن يدري … قد يكونون «سادة العالم» أو «الأصابع السوداء» أو غيرهم من العصابات الجهنمية التي واجهناها من قبل.

إلهام: لا أظنُّ يا «أحمد» … إنَّ هذه العصابات لا تلجأ للخديعة بمثل هذه الطريقة … وإذا ما هزمناهم مرةً، فلن يكفُّوا عن إرسال مَن يقاتلنا مرةً تِلْوَ الأخرى … لا مَن يخدعنا.

نطق «سالم» أخيرًا قائلًا: وما العمل الآن؟

زبيدة: سنحاول الخروج من هذه الغابات …

– ولكن كل الطرق حولنا مسدودة.

– سنحاول الخروج منها على أقدامنا، قالها «أحمد» بوجهٍ مقطب.

واعترضَتْ «إلهام» قائلةً: ولكن هذا خطر … خطر جدًّا …

أحمد: وهل لديكِ حلٌّ آخَر؟ إنَّنا لا نستطيع الاتصال برقم «صفر» أو بقية الشياطين.

قال «عثمان»: لقد صادَفْنا أخطارًا أقسى وأخطر من ذلك، فلا داعي للتشاؤم المبكِّر.

ربتَ «أحمد» على كتف «عثمان» قائلًا: معكَ حق يا «عثمان» … إنَّنا بحاجة إلى أن نعيد الثقة في قدراتنا وسرعة تصرُّفنا.

عثمان: وعضلاتنا وأسلحتنا!

أحمد: لا أظنُّ أنَّنا سنحتاج إليها هنا … إنَّ أخطر ما قد يواجهنا هي النمور الأمريكية، وهي قليلة العدد على أيِّ حال، ولا تتوغل داخل الغابات، بل تعيش بالقرب من أماكن المياه والأنهار …

عثمان: هذا عظيم … فإذا ما تشرَّفنا بمقابلة نمر فسنعرف أنَّنا قريبِينَ من مياه للشرب …

إلهام: لا يمكنكَ أن تشرب مياه الأنهار في هذه الغابات يا «عثمان» … إنَّ بعضها سامٌّ، والبعض الآخَر قد يسبِّب أمراضًا تقضي على الإنسان … قبل مرور أسبوع.

اتسعَتْ عَيْنا «عثمان»، وهتف قائلًا: وكيف سنشرب إذًا؟

ردَّت «إلهام»: إنَّ هناك وسائل عديدة للحصول على الماء العذب المقطَّر في الغابات، فلا تقلق لذلك … ولكن علينا الآن بتسليح أنفسنا، فلا ندري ماذا سنواجه من أخطار … والأهم من ذلك أن تكون ملابسنا طويلة تغطي كل أجزاء أجسامنا لحمايتنا من الحشرات … والعلق …

تساءل «عثمان» باهتمام: وما هو هذا العلق؟

ردَّت «إلهام» باسمة: ستعرف حينما يسقط عليك أحدها.

أسرع الجميع يرتدون ملابس طويلة تغطي أذرعتهم، ووضعوا أطراف بنطلوناتهم في أحذيتهم، ثم تسلَّحوا جميعًا بما يشبه المنجل؛ لفتح طريقهم داخل الغابات، واحتفظ «أحمد» بمسدس به تسع طلقات وتسلَّح «عثمان» بقنبلتَينِ يدويتَينِ صغيرتَينِ، وتأهبوا جميعًا للسير … قال «أحمد» سنكون أشبه بالمستكشِفِينَ الأوائل … وعلينا أن نترك علامات على جذوع الأشجار الكبيرة ترشدنا إلى الطريق عند عودتنا … ولن نحمل طعامًا أو شرابًا حتى لا تعوقنا عن الحركة، وسوف نجد طعامًا وشرابًا في هذه الغابات الواسعة … هيا بنا.

وساروا جميعًا … «أحمد» و«إلهام» في المقدمة، وخلفهما «سالم» و«ممدوح»، ثم «زبيدة» و«عثمان» و«قيس» في المؤخرة … وأخذ «أحمد وإلهام» يشقَّان بسِكِّينتَيْهما المُعْوَجَّتَينِ (المناجل) طريقًا راحوا يسيرون فيه جميعًا بهمَّة ونشاط، وهم يتطلَّعون إلى مشاهد الطبيعة البِكْر حولهم بإعجاب وانبهار أنساهم دقَّة الموقف والمأزق الذي يعانون منه … كان الجو رطبًا مشبعًا ببخار الماء، فقد كانت الأشجار العالية حولهم تُشكِّل ما يشبه الغطاء فوقهم بقممها العالية، وتمنع وصول أشعة الشمس إلى الأرضية، لذلك كان الجو رطبًا حولهم مليئًا ببخار الماء …

وكانت هناك أنواع عديدة من الأشجار حولهم متفاوتة الطول والحجم، ومدَّ «سالم» يده نحو زهرة حمراء مبهجة، وقد أعجبه ألوانها، وقبل أن يمسَّها صاحت فيه «إلهام» محذِّرة: حاذر يا «سالم».

تراجعَ «سالم» على الفور، ونظر إلى «إلهام» بدهشة، وقالت «إلهام»: إنَّ الكثير من نباتات هذه الغابات وأزهارها سامٌّ … وهناك آلاف الأنواع منها بهيج الشكل، ولكن عصارته تحمل سُمًّا زعافًا … وحيث إنَّنا نجهل السامَّ منها من السليم، فلذلك علينا تجنُّبها كلها … إنَّ بعضها قد يكون جميلًا رائعًا، ولكنَّه يحمل الموت في طياته …

أحمد: معكِ حقٌّ يا «إلهام».

وتعالى من أعلى صياحٌ عالٍ صاخب لطائر ذي ألوان صارخة، فقالت «إلهام» باسمةً: إنَّها ببغاء «الماكاو».

على الفور ردَّدت الببغاء: ماكاو … ماكاو … ماكاو، وحلَّقت فوقهم، ثم طارت مبتعدة … ولكن فجأةً، ظهر أمامهم حيوان عجيب الشكل، طوله يصل إلى المتر، له رأس مثلث، ذات فم مسحوب للأمام، بشدة تنتهي بما يشبه الخرطوم، وجسمه ضخم له ذراعان أماميتان قويتان ذات مخالب رهيبة.

وصاح «عثمان»: احترسوا من هذا الحيوان الرهيب.

وأمسك بإحدى القنبلتَينِ اليدويتَينِ في يده، يتأهَّب لإلقائها على الحيوان، فصاحت «إلهام» به: انتظر يا «عثمان».

توقَّفَ «عثمان» مندهشًا … كان الشياطين ورفيقاهما يقفون متقاربِينَ، والحيوان العجيب يخطو أمامهم بهدوء وبطء، وهو يتشمَّمُ الأرض باحثًا عن شيء ما. وهمس «عثمان» ﻟ «إلهام»: إنَّه يستعد للهجوم علينا.

ردَّت «إلهام» باسمة: إنَّه لا يحسُّ بوجودنا … فهذا هو حيوان «الطماندوة» آكل النمل.

تساءل «سالم» بدهشة: آكل نمل … بكلِّ هذا الحجم؟

إلهام: هذا صحيح تمامًا … إنَّه حيوان هادئ مسالِم يعيش على أكل النمل … ولكنَّه إذا ما ثار فإنَّ النُّمور التي تعيش هنا تفضِّل الهرب من وجهه، وعدم ملاقاة مخالبه الرهيبة.

وراقبوا الحيوان العجيب وهو يبتعد حتى يغيب عن أنظارهم … وما كادوا يهمُّون بالتحرُّك حتى قفز نسناس صغير عجيب الشكل، لا يزيد طوله عن خمسة عشر سنتيمترًا له ألوان صفراء، وقفز النسناس بخفَّة عجيبة، قاطعًا ما يزيد عن خمسة عشر مترًا في القفزة، فهتف «قيس» بإعجاب: قفزة رائعة!

إلهام: إنَّه النسناس العنكبوت … ويُطلِقون عليه هذا الاسم؛ لأنَّه أشبه بالعنكبوت …

وراقبوا النسناس، كانت له بالفعل أطراف طويلة نحيلة، أشبه بأرجل العنكبوت، وراقبهم النسناس بعينَيْه الصغيرتَينِ بفضول بالغ، وهو معلَّق من ذيله فوق أحد الأغصان، ثم تأرجح وقفز مبتعِدًا وغاب عن أنظارهم … ثم تبعه عددٌ آخَر من ذات فصيلة النسناس، وهي تقفز في خفَّة عجيبة …

قال «أحمد» ضاحكًا: دعونا نواصل سَيْرنا. فلو انتبهنا لكلِّ ما يمرُّ بنا وتوقفنا لمشاهدته لاحتجنا إلى مائة عام على الأقل!

واصلَتِ القافلة سيرها، ومضت عدَّة ساعات في سيرها المرهق، أوشك الليل على الحلول، وقد قطعوا برغم ذلك مسافة قليلة، بسبب سيرهم البطيء داخل الغابات الكثيفة، واضطرارهم إلى وضع علامات على الأشجار التي يصادفونها كي لا يضلوا طريقهم …

والتفت «أحمد» إلى «إلهام» (وقد حلَّ الليلُ وسادَتِ العتمةُ المكان) وقال لها: من الأفضل أن نعسكر هنا، فالتجوال في الليل خطر جدًّا …

وقبل أن تجيب «إلهام» على «أحمد» اتسعت عيناها ذعرًا، ثم صرخَتْ صرخة مفزعة. انتبِهْ يا «أحمد»!

ولكنَّ صرختها المحذِّرة جاءت متأخرةً جدًّا … فمن فوق أحد أغصان الأشجار القريبة انقضَّ نمر أرقط هائل الحجم نحو «أحمد» وقد مدَّ مخالبه الرهيبة للأمام، وبرقَتْ عيناه في الظلام مشعَّتَينِ كجمرتَينِ مشتعلتَينِ بالنار …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤