جوٌّ بارد وأحداثٌ ساخنة

كانت ليلة باردة من ليالي فبراير … والشوارع خالية، والرؤية غير واضحة بسبب الضباب الكثيف، ورغم ذلك فقد كان «أحمد» يرتدي ثيابه بسرعةٍ لمقابلة عميلٍ من عملاء رقم «صفر» في فندق «كنج إدوارد» في إحدى ضواحي مدينة «لندن» ليتسلَّم منه تقريرًا هامًّا أرسله معه رقم «صفر» …

كانت الشوارع خالية قطعها «أحمد» بسرعة، ولكن قاعة الفندق كانت مزدحمة بالرواد الذين جاءوا لقضاء السهرة في الفندق الشهير.

ولم يكن عسيرًا على «أحمد» أن يجد الأستاذ «عدنان» وسط هذا الزحام؛ فقد كان «عدنان» من أساتذة الشياطين في تمارين ضرب النار، وكان «أحمد» سعيدًا لمقابلته بعد غيابٍ طويل …

كان «عدنان» رجلًا في العقد الخامس من عمره يشوب وجهه الاحمرار، وكان يجلس في أحد أركان القاعة، وكان اللقاء حارًّا بين المعلم وتلميذه الشاب.

تسلم «أحمد» منه التقرير وبعض الصور، وغادر الفندق إلى مقرِّ الشياطين في قلب «لندن»؛ لدراسة التقرير والرد عليه سريعًا كطلب رقم «صفر» …

كان جميع الشياطين في انتظار «أحمد» الذي دخل عليهم وقد ابتلَّت ثيابه بماء المطر، الذي هطل بشدةٍ أثناء عودته … فأسرع بتغيير ثيابه، وتناول قدحًا من الشاي الساخن، ثُم بدأ في قراءة التقرير:

قامت إحدى الدول الكبرى بتجربة أحدث أنواع الطائرات حاملة الصواريخ ذات الرءوس النووية. والجديد أن هذه الطائرة لها القدرة على إطلاق هذا الصاروخ وتتبُّع مساره لمسافة ١٥٫٠٠٠ ميل، وإصابة الهدف ثم العودة إلى قاعدتها مرةً أخرى، ثم إن لها قدرة هائلة على المناورة على عكس جميع الطائرات التي تحمل القنابل النووية …

كذلك فهي طائرةٌ مقاتلة وقاذفة قنابل، ثم إن لها القدرة على الانطلاق والهبوط العمودي، فهي لا تحتاج إلى ممرٍّ طويل للإقلاع والهبوط. كذلك فإن سرعتها تعادل ضعف سرعة الصوت ومزودة بكمبيوتر ﺑ ٢٥٫٠٠٠ مليون عملية في الثانية، مما يؤمِّن لها أقصى إمكانيات السلامة والأمان.

بدأت هذه الدول في تجربة هذه الطائرة منذ أيامٍ في إحدى القواعد التي تقع على ساحل المُحيط الهادي، واستغرقت العملية منذ الإقلاع وإطلاق الصاروخ والعودة ٨٥ دقيقة، وهي تُعتبر أقصى مدة تستطيع الطائرة البقاء فيها في طبقات الجو بدون التزوُّد بالوقود …

انطلقت الطائرة وعلى ظهرها طيارٌ من أفضل الطيارين المتمرسين يدعى «كارل بيكر»، وهو أمريكي الجنسية، وبعد ٥٥ دقيقة فقد اتصاله بقاعدته، كذلك خرجت طائرته عن دائرة أجهزة رصد القاعدة ثم اختفت تمامًا.

وأغلب الظن أنها قد سقطت في المحيط الهادي، والغريب أن جميع القواعد في المنطقة لم تتلق إشارة استغاثةٍ من الطائرة.

وقد قرَّرَت الدولة إبقاء الأمر سرًّا لخطورته، وتقوم جهاتٌ كثيرة بالبحث عن الطائرة المفقودة، سواء من أصدقاء هذه الدولة أو أعدائها الذين يتمنَّون أن يحصلوا على أسرار هذه الطائرة المفقودة … فحصولنا على أسرار هذه الطائرة يُعطينا ميزةً كبرى.

أُرسل لكم صورةً للطائرة وبيانات مفصلة عنها، كذلك صورة للطيار المُختفي «كارل بيكر»، أُخِذَت له قبل أيامٍ من القيام بتجربة الطائرة الجديدة.

وأرجو أن تعملوا بسرعة … فهناك سباقٌ في الوصول إلى سِرِّ اختفاء الطائرة … والحصول على معلوماتٍ عنها …

أغلق «أحمد» المظروف ونظر إلى الشياطين الذين كانت ترتسِم على وجوههم علامات الاهتمام والجدية.

وقبل أن يتكلَّم أحدٌ منهم وضعت «إلهام» شريط فيديو يعرض المكان الذي سقطت فيه الطائرة، كان رقم «صفر» قد أرسله مع التقرير …

وبدأ الفيلم، وقال «عثمان»: إن المكان الذي اختفت فيه الطائرة يقع في مُنتصف المحيط تقريبًا، فمن غير المعقول أنَّ طائرةً كهذه لا تسمح إمكانياتها بالوصول إلى الشاطئ، إلا إذا كانت بعيدةً عنه جدًّا.

إلهام: معقول … وأعتقد أنا شخصيًّا أن الطائرة غاصت في قاع المحيط.

ثم وقف «أحمد» ووضع صورة «كارل بيكر» … كانت الصورة لشابٍّ طويل القامة، أخضر العينَين، أصفر الشعر والشارب … ثم قرأ «أحمد» ما كُتب على الصورة.

«كارل هانزبيكر» ٣٥ عامًا من مواليد ولاية «بنسلفانيا» بالولايات المتحدة الأمريكية … «غير مُتزوج» … تلقى دراسته حتى التعليم الثانوي في ولاية «فرجينيا» … ثم التحق بالأكاديمية العُليا للعلوم العسكرية … كان طالبًا مُتميزًا ثم أصبح طيارًا ممتازًا يهوى السباحة ولعب التنس، خطب فتاة، ولكن الخطبة فُسخت بعد فترة، وسافرت الفتاة إلى «أوروبا» قبيل سقوط الطائرة.

وقد تعرض «بيكر» منذ فترةٍ لحادث سيارة نتج عنه جرح في ساقه اليسرى.

توقف «أحمد» عن القراءة ثم نظر إلى الشياطين، وقال: ألم تستنتِجوا شيئًا من تقرير رقم «صفر» هذا؟

صمت الشياطين ولم يُجِب أحدٌ منهم …

أحمد: من تقرير رقم «صفر» المفصل هذا، والوصف الدقيق الذي بعث به عن الطيار «كارل بيكر»، أعتقد أن رقم «صفر» يتصوَّر أن «كارل بيكر» على قيد الحياة، ومعنى هذا أن الطائرة لم تغرق ولم تستقرَّ في قاع المحيط … بل تعرَّضت لحادث خطف من طرازٍ جديد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤