الإطار الأخلاقي للدولة

(١) مفهوم الحق

نقطع الشجرة ونأكل الخروف ونقتل الضبع، وندَّعي بعد ذلك بأننا نملك الحق في الحياة، وفي ما تستكمل الحياة به شروط كِيانها، فمن أين أتى الاختلاف في ذلك بيننا، نحن البشر، وبين الأحياء الأخرى؟ وبالأحرى من أين لنا هذا الادِّعاء؟ أهو فطري يُلازم الصفات التي يتميَّز بها نوع البشر، أم هو وليد العرف والاصطلاح؟ وبتعبير آخر، أمفهوم الحق مفهوم قد اصطُلح عليه بين الناس، ثم أصبح بحكم العادة واجب الرعاية؟

كُنَّا نهتدي بهداية الحدس العربي في استجلاء المشاكل المماثلة، فهلَّا يهدينا هذا الحدس الآن إلى حل المسألة التي نحن في صددها؟ فلنبدأ ولو على سبيل المحاولة باستجلاء الحدس المنطوية عليه كلمة «حق» ذاتها.

إن لكلمة «حق» في اللسان العربي صورةً حسيةً هي «الحق» بمعنى الجرن للعظم، فكأن واقع الأمر من حقيقته بمثابة العظم من جرنه. وكما يبعث خروج العظم من حقه اضطرابًا في الجسد يحدث الميل أيضًا، وهو الانحراف الواقع عن حقيقته، قلقًا في النفس، ولولا هذا القلق لما دأب الذهن لاستكمال شروط الحقيقة. وهل كان القلق يستحوذ على نفوسنا نحن العرب، لو لم يتخلَّف واقعنا عمَّا يجب أن يكون عليه حالنا؟

هكذا أدرك الذهن العربي العلاقة بين الواقع للمجتمع وبين ما يصبو إليه الناس من مثَل أعلى، على مثال العلاقة بين الأنشودة وإلهامها … إنها علاقة يُنشئ المصلح على ضوئها المجتمع، كما يُنشئ الفنان على ضوء إلهامه الأنغام في الأنشودة. وإذا وضع الذهن كلمات «عدم»، «حرية»، «كمال»، فقد أدرك العلاقة بين الحقيقة والعبارة البيانية على غرار العلاقة المتقدِّمة. إنه إذ هو ينظر إليها من حيث تقصير العبارة عن المعنى، يحصل لديه الحدس في العدم. وإذ هو ينظر إليها من حيث فيض المعنى على العبارة، يحصل لديه حدس الحرية. وأمَّا الكمال فهو غاية المرتقى، الغاية التي بها تستكمل العبارة شروط حقيقتها.

ولمَّا اشتق الذهن العربي كلمتَي «الحقيقة» و«الحاق» من «حق»، فعنى بالأولى أصل الشيء ومنتهاه، وبالثانية الوسط والكمال في كلٍّ من الأشياء؛ فطن إلى منزلة الحق المثلى. ولمَّا اشتق هذا الذهن كلمة «الباطل» كضدٍّ للحق وعنى بها الشيطان الساحر، ثم اشتق من نفس المصدر «البطل» و«البطلان» بمعنى الكذب والترهات؛ دلَّ على أن الحق وحده قائم بذاته، في حين أن ضده البطل رمز الشطط؛ بطل: فسد، ذهب خسرانًا وضياعًا، بطل في الكلام هزل. وكلمة «شيطان» نفسها تلتقي باشتقاقها من «شط» مع ما تقدَّم في المعنى. وكذلك كلمتا «خطأ» و«خطيئة» المشتقتان من خط، تشيران إلى الانحراف؛ إذ إن الأولى تُشير إلى الانحراف عن الطريق المستقيم بالهمزة الملحقة بها، والثانية بالهمزة المندرجة في صلبها؛ الأولى تعبيرًا عن حالة «الخطأ في الاجتهاد»، والثانية تعبيرًا عن حالة مستقرَّة «الخطيئة في الأخلاق»، تتناول صميم الحياة فتندرج في السجية بصورة مستقرة.

نحن نستخلص ممَّا تقدَّم أن الحق في الحدس العربي، ذو منزلة مثلى؛ فهو من فوق سلسلة الوقائع الخاضع ظهورها لمبدأ العلة في ظرفَي المكان والزمان، بحيث يتميَّز عن الحوادث الطبيعية. والذهن يستشف الحق متلألئًا في عليائه من خلال تجلياته التي هي الشئون الإنسانية. وتدلُّ عبارة إيثار الحق على الصداقة على تكوين الإنسان المزدوج هذا، على خضوع طبيعته لدائرة الميول وأغراضها، وعلى صبوة يتخطَّى بها هذه الدائرة متساميًا نحو المثل الأعلى. وليس الندم وما يُرافقه من شعور بالذعر والخسة إلَّا نتيجة إعراض النفس عن الحق وهبوطها.

وإذا ضلَّ أعلام الحضارة الحديثة عن الطابع الخاص لعلاقة الشئون الإنسانية مع حكمة وجودها الآية، فأدركوا هذه العلاقة على مثال ما هو قائم بين الحوادث الطبيعية. وإذا ضلُّوا عن علاقة الصورة المستفاضة بالمعنى المستفيض بها، فأرجعوا التجليات إلى الشروط التي تكتنفها من علة متقدِّمة أو غاية متخلِّفة، كما هي الحالة في إيضاح الحوادث الطبيعية؛ فذلك لأن الذهن الحديث بدأ نهجه بدراسة الحوادث الطبيعية ذات الطابع النسبي، والقائم كِيانها على مبدأ الانتشار في المكان، فبدت له الشئون من خلال هذه الدراسة وكأنها ذات بعدَين فقط على مثال الحوادث، بينما هي — أي الشئون — إذا تمثَّلت في الذهن فاستمدَّت منها نسغ الوجود، أي إذا تحوَّلت عن رموز إلى معانٍ؛ هامت في صبوتها نحو المثل الأعلى حتى أصبحت وكأنها ذات أبعاد ثلاثة، مثَلها كمَثَل المعاني للكلمات في القصيدة من الإلهام، الذي هو معنى تجرِبة الفنان المثلى، وليس التعبير عن المعنى الذي هو البعد الثالث بلغة الظواهر، إلَّا عبارة مجازية لما ينطلق من الملأ الأعلى، أو لما يبدو كذلك من صبوة النفس نحو المثل الأعلى.

أمَّا ما قيل من تصنيف الحقوق بين طبيعية ومكتسبة، بين ما يُلازم الفطرة البشرية وبين ما يرجع إلى عهد أقرَّته الهيئة الاجتماعية، فمردُّه إلى الحرية. إن الحرية هي الصفة التي يشترك فيها الإنسان مع الآلة، والتي عليها يقوم حدس الأسطورة القائلة بأن الله خلق الإنسان على صورته لا على سواها من الصفات. إنها وحدها مُنزَّهة عن كل تشخيص يستنزل الإله إلى خطيئة المشبهة، وذلك ما يجعل ما تُقره الإرادة من عهد يكتسب بهذا الإقرار القدسية «وعد الحر دين»، و«أنجز حر ما وعده». وإذا جاز أن تُردف صفة «الطبيعية» بالحقوق تمييزًا لها عمَّا ينتج عن العهد من حقوق مكتسبة، فذلك أن الحياة بناء غرضه البصيرة، أي رؤية الحق رؤيةً واضحة، رؤيةً تحمل معها شروط تحقُّقها خِلوًا من الأهواء والآراء الطارئة. ولمَّا كانت درجات هذا البناء تراثًا أصيلًا ينتقل من الأجداد إلى الأحفاد بالفطرة، فقد أصبحت شروط تحقُّق هذا التراث واجبة الرعاية على الذين يشتركون في الصبوة إلى المثل الأعلى. وإذا كانت الدرجات الموروثة هي قاعدة الحرية التي خُصَّ بها الإنسان، كخليفة الله في الأرض وتاج الخليقة، فإن الحقوق المكتسبة وليدة الحرية.

لكن الحرية ليست فراغًا في النفس، بل هي وقوف النفس موقفًا مُشرِّفًا على رابطة العلة بين الحوادث الطبيعية وعلى رابطة الغرائز والرغبات بأغراضها، حاجات الجسد وما يُمثِّل هذه الحاجات من صور ذهنية. إن الحرية تظهر في النفس بين الطبيعة والملأ الأعلى، بين الصور التي تتمثَّل بها الأشياء، وبين القيم التي تشف منها الآيات. وإذا اشتق الذهن العربي كلمة «إيقاع» من «وقع»، فقد اهتدى إلى أن النظام من الحوادث، وأن ما ينم عنه هذا النظام من معنًى ليس بالمتعال transcendant وبالحال mmanent، بل بين بين. تُعبِّر عنه كلمة «رحمان» التي صورتها الحسية «الرحم»، هي رمز الاتصال من الصميم بين الصورة والمعنى.

فالحق في الحدس العربي ليس إذن من دائرة القوى في الطبيعة، ولا هو أمر يكتسبه الفرد من المجتمع، بل إنه من الواقع بمثابة النجم المتلألئ في عليائه من الغيوم المثقلة. وكيف لا؟ أليست الأشياء في الطبيعة تخضع لمبدأ تعادل القوى؟ أليس المصطلح نظرة يُلقيها الإنسان على دائرة القوى؟

إن كلًّا من الحق والحرية تُوجب على المرء استكمال الشروط التي بها يزداد الأول انبلاجًا في الوجدان والثانية وضوحًا، حتى إذا ما استشفَّ الذهن الشئون وبدرت من خلالها الآية؛ انجذبت النفس بسحر الرَّوعة، ولكنها إذا تخلَّفت عمَّا تُوجبه هذه الرفعة من جهد وتضحية؛ تملَّكت منها عندئذٍ الحسرة. ومن هنا تبدأ العلاقة بين الحق والواجب؛ حق الأمر، ثبت ووجب، بينما الواجب هو دعوة الحق، الدعوة التي تتمثَّل فيها مشيئة الله.

ولمَّا كان المجتمع نظامًا ذا نزعة، أي عناية، وكان الناس يتفاوتون بالتجاوب الرحماني مع العناية، بحيث إن المعنى الحاصل من هذا التجاوب يختلف لديهم بالوضوح، وبتحوُّله إلى نية ذات عزيمة في العمل، فقد أصبح لكلٍّ من أعضاء الهيئة الاجتماعية قيمة مزدوجة مطلقة، من حيث إشراق الحق في النفس، وبدور هذا الإشراق كواجب. ونسبية تأتي من قدرة المرء على القيام بالأعباء العامة. وإذا كان الناس متساوين بالقيمة المطلقة التي يُصبحون بها ذوات لا أشياء، فإنهم يتفاوتون بالقيمة النسبية بحسب تفاوت مؤهِّلاتهم في الإفصاح عن كِيان الأمة، وفي القيام بما تدعو إليه المصلحة العامة.

(٢) العدالة

ترجع كلمة «عدالة» إلى فعل «عَدَل» بالاشتقاق، ويرجع فعل «عدل» إلى «عَدَّ» المتضمن حدس العدد والنظام. ولدى استعراض أسرة الكلمة ومشتقاتها الحسية والعقلية تظهر اتجاهات الحدس العربي الأساسية: عدَل، أنصف، وعادله، وازنه، والعِدل: النظير والمثيل. عدل الشعر، جعله موزونًا مستقيمًا.

يُؤخذ ممَّا تقدَّم أن الحدس العربي في العدالة هو نظام قاعدته المساواة «أنصف»، وقوامه مراتب يتألَّف منها كِيان المجتمع. نظام يشعر به كلٌّ من أعضاء الهيئة الاجتماعية، كما يشعر العازف بإيقاع الأنغام ومواتاتها للتعبير عن الإلهام. وإذا كانت المساواة تُقابل كلًّا من القيم المطلقة التي تتمثَّل في إنسانية كلٍّ من الأعضاء، فإن المراتب تتعيَّن بحسب الوظائف المتعلِّقة بكِيان المجتمع، نموه في اتجاهَي العمق والفسحة معًا.

وكلمة «ظلم» التي هي ضد العدل، تزيد من معنى وضوح العدالة. إنها قد حصلت من إلحاق حرف «م» بفعل ظل، والحرف الملحق يُعبِّر بحسب مخرجه عن معنى الانغلاق، الحرمان، العدم. فكان ظل الإنسان هو مجاله الحيوي، المجال الذي يتناسب بالمدى مع رفعة صاحبه، فمَثل الشخصية بذلك كمَثل الشجرة. وأمَّا الظلم فهو ما ينقض من المجال الحيوي للإنسان ممَّا يجعل الظل يأخذ بالتقلُّص. وكلمة «جور» تلتقي مع الظلم في المعنى باشتقاقها من «جار». إن الكلمات المشتقة من «ظلم» تدلُّ على الحدس العربي في الأمر؛ ظلمه حقه: انتقصه إياه، وكل ما عجله عن أوانه فقد ظلمه. والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، والآية: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ (تنتقص) مِنْهُ شَيْئًا، تُكلِّل الحدس العربي المتفرِّع عنه اتجاهاته في الكلمات المتقدم ذكرها، ومن غريب الأمر أن يشتق الذهن العربي كلمتَي «ظلمة» و«ظلم» من ذات المصدر، فكأنه إذا زاغ واقع الأمر عن الحق، انكسف النور عن البصيرة. وأمَّا إذا صدقت الصورة واستكمل الواقع شروط الحقيقة؛ تأجَّج الذكاء (الضوء). مثَل انبعاث أشعة الذكاء من ثنايا الصورة الصادقة كمَثل النشوة التي تحصل من ملاءمة ظروف البيئة للحياة.

هناك كلمة أخرى ذات علاقة بالعدل وهي الإنصاف؛ أنصف الخصمين: سوَّى بينهما وعاملهما بالعدل، أنصف أحد جزءي الشيئين إذا تساويا، المتناصف من الرجال: المتساوي المحاسن. هكذا يشف معنى العدالة من الكلمات المتقدِّمة.

وكلمتا «إنصاف» و«عدالة» تدلان — بتضمُّن حدسهما مبدأ المساواة والعدل — على أنهما نشأتا داخل الأسرة حيث تسود روح الأخوة. إذ إنه ليس من تمايز بين الإخوة، اللهم إلَّا بالأصالة والأهلية لتمثيل التراث المرموق عند العشيرة. ونشأة العدالة والإنصاف هذه تكشف عن تأثير القرابة على توجيه النفس نحو الكمالات الأخلاقية، عن تأثير البنيان المشترك على توجيه الذهن نحو المثل الأعلى. ولم تزَل كلمة «إنصاف» تحمل معنى الحنان طابع نشأتها، ومن بقايا ذلك العهد كلمتا: تنصَّفناك بيننا؛ جعلناك بيننا المناصف: الخادم.

ولدى التأمُّل في الحدس المنطوية عليه كلمات: عدل، إنصاف، ظلم، يتبيَّن أن لكل امرئ فلكه الذي يتناسب ظله مع مداره. وكلمة «حقيقة» هي التي تجلِّي الحق تُشير إلى هذا الفلك «حقيقة الإنسان»، فكان المجتمع في الحدس العربي على مثال السماء، منظومة من الأفلاك تتعيَّن فيه مراتب الأعضاء بنسبة مؤهلات العضو لتمثيلها، أكان ذلك بوضوح البصيرة أم بالإخلاص لتنفيذ الإرادة العامة؟

ولمَّا كانت العدالة تتضمَّن النظام؛ فقد أصبح من المفيد أن نطَّلِع على نشوء كلمة النظام نفسها، وأن تستقرئ معاني مشتقاتها؛ لعلنا نستزيد بذلك من وضوح مفهوم العدالة. فأمَّا نشأة الكلمة فهي صوت «نس» الطبيعي الذي يحدث عندما يحترق الحطب، ونس الخطب: أظهر الزبد على رأسه، ومن هذه الصورة وبتحويل حرف «س» إلى شقيقه بالمخرج «ز»، استحدث الذهن العربي «نز»، استحدث هذا الذهن «نظنظ»؛ وذلك بتحويل حرف «ز» إلى شقيقه بالمخرج «ظ»؛ نظنظت الأم صبيها: رقصته. وكلمة «نظم» قد حصلت من إلحاق حرف «م» إلى «نظم»، وأمَّا مشتقات «نظم» فقد تبلورت فيها اتجاهات الحدس المختلفة؛ فهي نظم الأمر: أقامه، والمنظوم من الكلام: الموزون، والنظام: الخيط الذي ينتظم فيه اللؤلؤ، والنظام أيضًا: الطريق والعادة، نظام الأمر: قوامه، الأنظام: خيط البيض المنظم في نظامَي السمكة.

ولدى التأمُّل في كلمة «نظم» في أصلها اللغوي وفي مشتقاتها، يتبيَّن أن الحدس يقوم على الانبثاق وعلى ما يُرافق الانبثاق من عفْوية، والعفْوية تتحوَّل إلى نظام بتحديدها، بإدراكها من خلال المكان. وحرف «م» في «نظم» يفي بهذا الغرض. هذا، وإن العلاقة بين النظام وبين ما يُضمَر تحت الشعور، على مثال العلاقة بين الينبوع وبين ما يُتحلَّب من ماء في جوف الأرض. وكما أن الماء المتحلَّب في جوف الأرض يؤلِّف مجاري، والمجاري بتقاربها متحدة تُفجِّر سدها، فتطلع على الضوء ينبوعًا يبص بصًّا، كذلك الأوضاع ترتسم في الذهن، فتستجلي، بتقارب نزعاتها، الآية حكمة وجود الأوضاع نفسها. والصورة الحسية لمصور الآية هي أنظومتا بيض السمك، فإذا كان بيض السمك يظهر متفرِّقًا في المكان، فإنه من حيث الصميم يتحد في ينبوع الحياة.

تلك هي الصورة الحسية لبدور الآية في الحدس العربي. إن النظام وإن كان يقوم على العلاقة بين أفراد متفرقين في المكان والزمان، فإنه من حيث صبوة عناصره الأعضاء ينتهي بالآية مصدر وجوده، وليس النظام إلَّا مصور الآية، وما يُدرك منها خلال المكان. ومن هنا القرابة بين العدالة في المجتمع والاعتدال في الجسد، ومن هنا طبيعة النظام المفصل في الجسد والمجتمع.

وبناءً على ذلك فإن الشعور بالنظام يتقدَّم على القانون الموضوع من قِبَل الهيئة الاجتماعية، حتى إذا ما اختل النظام أنذر من عانى الخلل بالألم في الجسد، وبالقلق في المجتمع، وذلك ما يدعو الأفاضل إلى التعاون على القيام برفع الحيف بسبب الخلل. وإذن فشيمة النفوس الكريمة هي رفع الظلم، لا كما قال شاعرنا المتنبي:

الظلم من شِيَم النفوس فإن تجد
ذا عفة فلِعِلَّة لا يَظْلمُ

وليس البطل إلَّا ذاك الذي تجسَّدت فيه العدالة، النظام الأصيل المنطوية عليه حياة الجماعة أن الشعور بالإنصاف لهو من صميم الحياة، ولولا ذلك كيف كُنَّا نُفسِّر الظاهرة التالية:

بينما كنت مارًّا في ساحة المدينة القديمة بطرطوس شهدت ديكَين بلديين يتقاتلان، وكان بالقرب منهما ديك رومي واقف موقف المتفرِّج منهما. وكم كنت مندهشًا عندما رأيت الديك الرومي يُهرول مسرعًا ثم يمر بينهما مفرِّقًا أحدهما عن الآخر! وبعد أن اجتازهما ببضع خطوات وقف والتفت إليهما. ولمَّا أقدم أحد الديكَين المتخاصمَين على استئناف القتال كرَّ عليه الديك الرومي وأوسعه نقرًا، فكأنه شيخ قرية يفصل بين المتخاصمين.

ومثَل العدالة كمثَل الفنون الجميلة، كلها تحصل من المساومة بين الحدس والعبارة، بل كمثَل الحياة نفسها؛ فكما أن الاعتدال في الجسد أي نظام بنية الفرد يحصل من مساومةٍ بين الحياة والبيئة، فكذلك العدالة تحصل من مساومة بين تجرِبة الأمة المثلى وما ينجم عنها من نظام، وبين مُلائمة ذلك لمقتضيات ظروف البيئة.

ولكن لمَّا كان المجتمع يمر في تطوُّره من مرحلتَين، يبدأ بعهد الناموس، العهد الذي ينشأ فيه عرفه وتقاليده مبهمًا، ثم ينتقل إلى عهد روح القدس، الذي يستجلي فيه النوابغ العرف والتقاليد استجلاءً تتحوَّل به من قواعد مألوفة إلى قوانين صريحة بيِّنة. وكان النابغ يتردَّد ذهنه أثناء الإنشاء بين الحقيقة والعبارة (العمل)، وتارةً يُصيب وتارةً يتوه، عن قصد أو غير قصد. لمَّا كان الأمر كذلك أصبحت القوانين تقتصر في غالب الأحيان على النظام الذي هو قوام العدالة. وإذا ما تمادى الشطط ضج الناس من المَيَل، وقد ينتهي السخط بالثورة على الأوضاع المنحرفة الشاذة.

ومع ذلك فإن الإنسان لا يبقى عند الحد الذي تُعيِّنه الفطرة، وإذا هو اجتاز ذلك إلى مرتبة الحرية أضيف إلى عدالة الفطرة العدالة التي تنجم عن العهد، إلى الوفاء. حتى لقد خُيِّل لبعض الناس أن العدالة والعهد صنوان، والمجتمع يقوم بحسب هذا الرأي على الإرادة الصريحة، ولكن لو كان الأمر كذلك لالتبس الإصلاح بالجريمة. إن كليهما يُبطلان العدل القائم على القوانين المتعارف عليها عند الجماعة. وليس بأدل على أن الإصلاح يُحقِّق ما يتمخَّض عنه الجمهور ظهوره بمظهر الرسالة المحتمة على الإرادة، وظهوره بمظهر الأمنية معًا، والمصلح إذ يُؤدِّي رسالته يُحقِّق شخصيته.

ولمَّا كان الإنسان ذا تكوين مزدوج، تلتبس لديه الفطرة بالحرية، فقد أصبح لوجهة نظره الأثر الأعظم في تعيين حدود العدالة (تطوُّر العدالة بتطوُّر أنظمة الحكم)، ومع ذلك فإن الترتيب المثالي للقيم يبقى أكثر ثبوتًا في وجه تقلُّبات الظروف من ترتيبه حسب الوظيفة. ولمَّا كانت الحاجات والقيم تُؤلِّف كلًّا تتلخَّص فيه دنيا الإنسان، فقد أصبح المجتمع الأقرب من كماله هو الذي تنسجم فيه الحاجات مع القيم، بحيث تقل المحرَّمات المفروضة على الإنسان. إن ما يلتزم الإنسان بأمر تعيينه هو تقدير الحاجات بالنسبة لصلاحها مستقلةً عن أي اعتبار آخر، وهو أيضًا تنظيم المجتمع تنظيمًا تتناسب قيمه مع مدى قدرتها على دعم النفوس في صبوتها نحو المثل الأعلى.

(٣) الشريعة

إن الصورة الذهنية وإن كان تأليفها يحصل من الإحساسات التي ترد بطريق الحواس، فهي لدى مثولها في الوجدان تُصبح ذات نزعة مزدوجة الاتجاه، فتنزع من جهة إلى الشيء الذي اقتبست عنه، حتى لقد تنتهي المشابهة بينهما إلى المسائلة، ومن جهة أخرى تنزع إلى استدراج معنى بديء في الوجدان تتخطَّى به النفس دائرة الغرائز والحاجات نحو إنسانية متعالية الآفاق. فإن يبقَ الذهن في الحالة الأولى عند حدود الطبيعة منتقلًا من الصورة إلى المناسبات بين الصور، كانتقاله من صورتَي الحرارة والتمدُّد إلى قانون تمدُّد المعادن بالحرارة مثلًا، فإنه يُصبح في الحالة الثانية ذا صبوة يتميَّز بها عن العجمة ذات المنظومة المغلقة. لكن الصورة لا تستنقد المعنى، كما ليس للمعنى من عبارة غير الصورة، ممَّا يُلجئ الذهن إلى المجاز للإفصاح عمَّا تُقصِّر عنه الصورة؛ وذلك بالاستناد إلى المماثلة بالجوى (الصدى العاطفي) بين أداة البيان والمعنى المقصود استدراجه من الملأ الأعلى. ألَا تسلك الحياة نفس المسلك إذ تستدرج، بتقدُّم أداة بيانها الجسد في النمو، ما ضمر في عالم الغيب من مكنونات، من ميول وحواس؟!

في التجرِبة الطبيعية حيث يشترك الحس والعقل معًا في صوغ المعرفة، يُحاول الذهن أن يجعل المعقول مطابقًا للواقع، أي إن يجعل ما يُبنى من بنيان ذهني مستوفيًا شروط كِيان الحوادث. وقد يتقدَّم الذهن في هذا الاتجاه حتى ينتهي بنظام مشترك بين «الأنا» و«الأنام»، بنظام اتخذته الفلسفة اليونانية الأوروبية موضوع محاولاتها، حتى كانت منذ ظهر كتاب «ما بعد الطبيعة»، حتى ظهر كتاب «نقد العقل المحض».

لكن الذهن ينهج نهجًا آخر في فهم الشئون الإنسانية، فهو يتمثَّل كُلًّا من الكلمات لدى فهم القصيدة تمثُّلًا تنبعث عنه المعاني المتعارف عليها بين الناس، تمثُّلًا يستشف به هذه الصور البيانية حتى يدرك منها الإلهام معنى تجرِبة الفنان المثلى ومصدر الانسجام والنظام في التحفة الفنية. فالتجرِبة الإنسانية إذن هي اتصال من الصميم بين «الأنا» و«الأنام»، وتكشف عن ماهيتها كلمة «فقه» المتضمنة معنى تفتُّح النفس عن الحقيقة مستضيئة بنور ذاتها.

«إنما تعني كلمة «فقه» معناها هذا لاشتقاقها من «فق، فقفق»، وهو صوت غليان الماء، الصوت الذي اشتقت منه مع أخواتها: فقأ الدملة، فقح الكلب عينَيه، فقس النقف من البيضة، فقر أي تجوَّف، فقع … إلخ، وهي كلمات تتضمَّن خيال الفقاقيع المتفتحة من داخلها».

وها نحن نُقدِّم هنا بعضًا من الأمثلة التي تكشف عن تلوُّن التجرِبة الإنسانية ومداها؛ فمنظر البائس يبعث في قلب من عقد النية على التعاطف مع الآخرين بمشاعر البؤس ومشاعر الإحسان التي تدفع إلى رفع مثل هذا الحيف. ولقد اشتق الذهن العربي كلمة «فضيلة» من «الفيض» للتعبير عن تلك الحالة، أي حالة رفع الحيف عن الآخرين. وهل يقف الإنسان عند حدِّ التعاطف الرحماني الماثل للعيان، عند الحد الذي يشترك فيه مع جميع الأحياء؟ أو لا يفقه أيضًا نظام قيم المجتمع، فتُجيب نفسه إجابةً خاصةً على كلٍّ من مراتب هذا النظام المتحلية برواء رفعتها؟ ولولا ذلك لما حصل تنازع الواجبات في الوجدان.

وعندما يعتري الخلل نظام القيم تضطرب النفس، ويُرافق هذا الاضطراب العزم على تقويم الاعوجاج، وعندما يزيغ نظام القيم في المجتمع؛ يستحوذ القلق على الناس جميعًا من جرَّاء هذا الزيغان؛ وحينئذٍ تظهر محاولات الإصلاح في كل مكان. لكن إذا كان أعضاء المجتمع لم يروا في نفوسهم الكفاءة لإنقاذ الموقف، فإنهم يرجون قدوم المخلِّص من الخارج. هذا ولو أن نبرة الإيقاع في النظام تتحوَّل بتحوُّل وجهة نظر الإنسان في الدنيا.

فالتجرِبة الإنسانية إذن تتميَّز عن التجربة الطبيعية بنزعتها إلى رفع الحيف وتقويم الاعوجاج بالإصلاح، حتى إن لها من السحر ما يدعو صاحبها إلى هدر حياته في سبيلها. ألا تدل كلمة «واجب» باشتقاقها من «وجَّ» على أن الدعوة تنبعث من الصميم؟ إنها لدعوة ذات هُوية معيَّنة يهتدي المرء بها في الأعمال ذات الصبغة الإنسانية. وقد يمتد شفق التجرِبة الإنسانية إلى الطبيعة، فيقوم صاحب العقيدة عندئذٍ بتفسير الوجود على ضوء رؤياه الأصيلة، كما يحصل في الشرائع ذات الآماد البعيدة.

إن التجرِبة الإنسانية تُماثل الحياة من حيث المبدأ والمعنى، كلتاهما تبدأ من فوق سلسلة الحوادث الطبيعية، وكلتاهما تنزع إلى الإبداع واصطفاء الأوفق من بين المبدعات. ولكن لمَّا كانت المبدعات تتجلَّى كاستجابة على دعوة تتلقاها كلٌّ من الحياة والإنسانية، أصبح قانون الملاءمة مع البيئة يشمل الأحياء والأمم. فهل للغرائز من معنًى إلَّا في علاقة الأحياء بالطبيعة؟ وهل للشرائع من معنًى إلَّا في علاقة الإنسان بمجتمع ما؟ وإذا كانت الصحة هي الحالة السليمة للوضع الأول فإن الأخلاق هي الحالة القويمة للوضع الآخر. إن الحياة منظومة يتم نموُّها بانكشافها من الداخل، ويقوم ازدهارها على الوئام بين صبوتها المثالية والملاءمة بينها وبين البيئة.

إن الإنسان لم يقِف عند حد الوفاق بين الحياة والطبيعة، وإذا اشتق الذهن العربي كلمة «فرد» من «فرَّ»، فقد عبَّر عن نزعة المرء إلى التحليق في الأجواء العالية، وإلى تقرير مصيره على مسئوليته في هذه المرة. وإذا اختلفت نبرة الإيقاع في منظومة القوانين بين أمة وأمة، وبين مرحلة تاريخية وأخرى في نفس الأمة؛ فذلك لأن المشرِّع يتردَّد ذهنه أثناء استجلاء الحدس بين الأشياء والقيم؛ يميل تارةً نحو المحسوس المادي، ويصبو تارةً أخرى نحو المثل الأعلى. ولكن التشريع الأقرب من كماله هو الذي يُوفَّق في تقرير الخير العام، وخير الإنسان هو في استكماله شروط كِيانه، بحيث يرتقي إلى المستوى الذي يُصبح فيه حُرًّا في تقدير القيم والأشياء حق قدرها، في تقدير النتائج المادية ورفعة الواجبات الإنسانية تحت ضوء الحقيقة.

وكما اشتق الذهن العربي كلمة «فقه» من «فَقِهَ»، فدلَّ على أن الحقيقة الإنسانية تنبلج عن النفس انبلاجًا مستضيئةً بنور ذاتها. اشتق أيضًا كلمة «شريعة» من «شَرعَ»، فدلَّ على أن الحقيقة لدى صوغها تُصبح قاعدةً يجري عليها الناس في حل مشاكلهم العامة والخاصة. وذلك ما يوحي بالشبه بين الإصلاح والفن، بين الشريعة والتحفة الفنية، كلاهما يقوم على مبدأ المعنى والصورة، إلَّا أن الشريعة أقرب إلى فن البناء من الفنون الأخرى؛ وذلك لأن المشرِّع يأخذ بعين الاعتبار في صنع القوانين الأمور الإنسانية، والطبيعية كالعرف والأخلاق والسياسة والاقتصاد… إلخ. كما يأخذ المعمار بعين الاعتبار الظروف التي هي ذات علاقة بالمخطط، وكما يستعين الفنَّان بالخيال على إيجاد عناصر تحفته الفنية، وعلى إيجاد الوفاق بين هذه العناصر، بحيث يبلغ إلهامه مبتغاه من البيان. كذلك يستعين المشرِّع بصدى حدسه في الجمهور على تعيين هُوية الإصلاح، ممَّا يوجب توفُّر الشروط الآتية في المشرع:
  • (١)

    الأصالة: ونحن نعني بها البنيان الرحماني المشترك بين المشرِّع والجماعة. ذلك البنيان الذي تشف فيه الصورة عن المعنى، بحيث يتلألأ الذكاء موضِّحًا الأوضاع العامة، وبحيث يشتد عزم الإرادة على إحقاق الحق في نفسه وفي العالم.

    إن الذكاء في تقدير القيم حق قدرها هو بمثابة صورته الحسية (ذكاء أي الشمس) في تعيين مواقع الأشياء، ونحن نعتقد بأن الصدى العاطفي لحدس الحقيقة في النفس يشد من عزم المصلح، ويُهوِّن عليه التضحية في سبيل للحقيقة على خلاف ما ذهب إليه أعلام الشعوب الهندية-الأوروبية؛ بأن المشرِّع الغريب عن الجماعة أصدق حدسًا من ذوي القربى، وأنزه موقفًا حيال المصالح العامة.

  • (٢)

    نمو الجملة العصبية نموًّا تصل به الميول والنزعات إلى حد الاستقرار، وإلَّا فما دام الجسد في حالة التطوُّر والاستحالة يبقى صاحبه مستغرقًا في شئونه الخاصة. إن نمو الجملة العصبية حتى ما بعد استقرار الجسد هو قاعدة الحياة الاجتماعية. فلهذه الحكمة اشتُرط السن كشرط أساسي للقيام بالأعباء العامة، ولهذه الحكمة أيضًا استُثني الأحداث والمعتوهون والمجرمون من الاشتراك في سير الأمور العامة؛ ذلك لأن الأحداث تُلزمهم مقتضيات نحو الجسد أن ينصرفوا إلى الأكل والنوم، ولأن الشباب تتغلَّب عليهم الأحلام التي هي وسيلة يتلمَّسون بها سبل الحياة، أمَّا المعتوهون والمجرمون فإنهم يقصرون بالنمو عن إدراك قواعد الحياة العامة.

(٤) المجتمع كنظام

الكلمات المنطوية على معانٍ منافية للعدالة تتضمَّن النظام باعتبار قوام الحياة الإنسانية؛ فكلمة «جزاء» مثلًا، تعني بحسب أرومتها «جز» هذا المعنى، وكلمة «قصاص» تُفيد باشتقاقها من «قص» ذات المعنى. فإذا تطاول أحد أعضاء المجتمع على النظام بالجور والاعتداء، جزَّ أو قصَّ فرد النظام بذلك إلى حالته الأولى.

وكلمتا «ثواب» و«ذنب» تُشيران باشتقاقهما اللغوي إلى العلاقة بين العمل وبين من قام به؛ فالثواب يُشير بصورته الحسية «الثوب» إلى أن العمل يلبس صاحبه، والذنب يُشير بصورته الحسية «الذنب» إلى أن الإثم من مقترفه بمثابة الذنَب من الحيوان، يُلاحقه ويحط من قدره.

وكلمتا «جريمة» و«عقاب» تتضمَّنان الدعوة إلى إحقاق الحق؛ فالجريمة تتضمَّن بحسب اشتقاقها من «جر» معنى ملاحقة الخلل شخص المخل بنظام المجتمع. والعقاب يتضمَّن منى التلازم بين الجريمة والقصاص كملازمة العقِب «الكعب» لصاحبه يتبعه حيثما سار.

وكيف يحصل الحدس في العدل ويشترك الناس في هذا الحدس، إذا هو لم يكن من مقوِّمات النفس؟ ألَا يأخذ الناس بيَد المظلوم ضد المعتدي، في حين أن المصلحة تدعو إلى المساومة؟ إن الشعور بالعدالة يكمن في صميم الحياة، من فوق رابطة الأسباب علةً كانت أو غاية، وإلَّا فكيف يُفسَّر اقتصاص الإنسان من نفسه بالكفارة؟ حتى إذا ما يئس الناس من إنصاف بعضهم بعضًا في الدنيا لجئوا إلى السماء، حيث تستكمل العدالة شروط كِيانها. إنما يكشف الجزاء عن وحدة العلم والعمل، عن وحدانية عليا ليست المعرفة والأخلاق إلَّا وجهتَيها. أمَّا الخلل الحاصل من الظلم فيبعث في النفس القلق، ويدعو الظالم والمظلوم والشهود إلى رفع الظلم.

وهل يقف الجزاء عند حد الكشف عن بنيان المجتمع بنيانًا رحمانيًّا وحسب، أم أنه يكشف أيضًا عن صبوة هذا البنيان صبوةً مثلى؟ ألَا تتضمَّن كلمة «ندم على ما فعل» معنى الأسف والحسرة؟ نجد في أسرة الكلمة «النديم» بمعنى «المنادم»، و«نده» بمعنى «نادى»، و«ندى» بمعنى «النادي»، فكأن الندامة نتيجة صدور الحكم بعد المداولة عن هيئة المحكمة، أي محكمة الوجدان. وكلمتا «الغفران» و«التوبة» تدلَّان على حكمة وجود الندم؛ وذلك أنه معنى «غفر الشيء: غطَّاه»، و«غفر له الذنب: غطَّاه وعفا عنه». أمَّا «تاب» من «تب» المعبِّرة عن معنى القطع، فكأن عذاب الوجدان الحاصل من الندامة يبعث بهمَّة تُرمِّم بها الحياة ما أحدثته الجريمة من عطب في بنيانها، حتى لكأن الغفران أشبه بعملية «التكليس» في رئتي المسلول، أو بعملية «الالتئام» بعد الجرح. وأمَّا التوبة فتُعيد إلى الذهن عملية إخماد قاعدة ذكرى الجريمة في الجملة العصبية.

وهاتان الكلمتان «الغفران» و«التوبة» تلتقيان مع الآية: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ. إن المجتمع إذ يقتص من المجرم، يهدف إلى مدِّه بالمعونة بخلق جو يدعوه إلى الندامة. وتأتي الندامة معها بفيض من المشاعر، وتجرف به ما دنَّسته الجريمة. وتأتي معها بالمهمَّة التي تبعث بما غار في الدماغ من قاعدة آية العدالة. والآيتان التاليتان تلتقيان بالمعنى مع حدس كلمتَي «الغفران» و«التوبة»: غفر لها لأنها «أحبَّت كثيرًا» (الإنجيل)، والْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ (القرآن).

هكذا نستدل بمفهوم الجزاء على تكوين المجتمع تكوينًا رحمانيًّا مثاليًّا.

أمَّا الآية: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، فإنما تعني أن النفس ميَّالة للاستزادة من اللذة المرافقة للهيَجان في انتشاره كمجموعة بوادر جسمانية. إن اللذة بذاتها إشارة النمو في الجسد، كما تدل على ذلك كلمة «لذَّ: تبسَّط» مصدر اشتقاق اللذة، حتى إن السادية Sadisme التي هي حالة شاذة ترجع إلى نمو العبارة المحقِّقة للشعور في الهيجان. إنما الإنسان مزدوج الطبيعة، فهو من جهة يسترسل في رغباته فتنبعث حينئذٍ عبارة هذا الاسترسال، التي هي المسرة كعبارة نمو الحياة. ومن جهة ثانية يصبو إلى الحق صبوةً يُرافقها فرح الاعتلاء. وليس غرض القانون إلَّا خلق الانسجام بين وجهتَي الحياة هاتَين، بحيث تتعيَّن حدود الرغبات بما يُساعد المرء على الارتقاء نحو الحرية، فيصبح بذلك حكَمًا نزيهًا بين نفسه وبين الآخرين، فيُعيِّن موقفه من الحياة على ضوء الحق المشرف على النفس. ولو لم تتناول العدالة بنيان المجتمع لما اشترك الناس في المسئولية، وهاك ما قال أبو بكر مفسِّرًا وجهة نظر الإسلام في الأمر: يا أيها الناس، إنكم تُفسِّرون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، وإني سمعت رسول الله يقول: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغيِّروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه»، وفي حديث آخر: «إن المعصية إذا أُخفيت لم تضرَّ إلَّا صاحبها، ولكن إذا ظهرت فلم تُنكر أضرَّت». ويدل على صدق فهم أبي بكر لروح الإسلام هذه الآية: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.

ومراتب المسئولية أيضًا تدل المتتبِّع على معرفة نظام المجتمع، وإن كان الدلالة في هذه المرة ذات طابع سلبي. إن المسئولية تتعيَّن حدودُها بعاملَين؛ أولهما مدى ما تُحدثه الجريمة من خلَل في نظام المجتمع، وثانيهما مدى ما يكون للإرادة من دَخْل في إحداث العمل المخل بهذا النظام، ولكن لمَّا كان العمل يتبع النية: «إنما الأعمال بالنيات»، وكانت النية منه بمثابة النواة من الشجرة «نوى، نية، ونواة»، فقد أصبحت الإرادة هي العامل الأساسي في تعيين حدود المسئولية. ولمَّا كانت الإرادة تقف بين الحاجات وحق الآخرين فيها، فقد أصبحت المسئولية تُقاس بمقدار استيفاء الحرية شروطها أثناء ارتكاب الجريمة، بحيث إن التهوُّر والمفاجأة يُخفِّفان من التبعة.

ها نحن نستعين بحديثَين على إيضاح وجهة النظر هذه: «لا يكون السارق سارقًا حتى يأخذ من حرز»، و«من أخذ منها بفمه ولم يتخذ خبئه (في حضنه) فليس عليه شيء، ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نكال، وما أُخذ من أجرانه (البيادر) ففيه القطع إذا بلغ ما يأخذ من ذلك ثمن المجني، وما لم يبلغ ثمن المجني ففيه غرامة مثلَيه وجلدات نكال». وكلمة السرقة نفسها تُفيد هذا المعنى بتكوينها اللغوي من «سر» و«ق» الملحق بها، تعبيرًا عن معنى المقاومة، فكأن السرقة في الحدس العربي هي العمل الذي يقع في السر ويلقى عن حق الآخرين فيه المقاومة.

تبقى الإرادة بين الإغراء والحق، فإن لم يترك لها الوقت لاستجلاء الحق استجلاءً تستعين به على تثبيت العزم لمقاومة الإغراء؛ خفَّت عنها التبعة. ولمَّا كانت العبودية تضعف من الأصالة والتربية اللتَين تدعمان الإرادة في صبوتها إلى الحق، بحيث يشتد عزمها حتى تُسيطر على المغريات، فقد ميَّز الإسلام بين العبد والحر في المسئولية: فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ، وإليك تفسير ابن تيميَّة للآية: «ولو كان القاذف عبدًا فعليه نصف حد الحر، وكذلك في جلد الزنى وشرب الخمر … إلخ.»

وإذا قابلنا الكلمات: «لئيم»، «حليم»، «جاهل»، بعضها مع بعض نلتقي بالمعنى من وجهة النظر المتقدمة؛ فكلمة «لم» أدَّت إلى ظهور أسرتَي الكلمات «ألم اللؤم»؛ وذلك بإضافة حرف الهمزة المعبِّر عن معنى التقلُّص؛ ففي الأول تُعبِّر عن تقلُّص الحياة بتأثير عامل خارجي، وتُعبِّر في الثانية عن حالة انغلاق النفس عن كل اعتبار عدا موضوع الهوس، وفي هذه الحالة الأخيرة تلتم من الصميم بحيث تنحجب عن الحق. وموقع الهمزة في كلٍّ من الكلمتَين يدل على ذلك. وكلمة «لؤم» هي ضد كلمة «حلم»، فالثانية تعني إفساح المجال لظهور القيم لدى إقدام المرء على العمل، وعبارة خذني بحلمك «تُشير إلى دعوة القيم تلك». أمَّا كلمة «جهل» فتعني انطلاق النزوات، بحيث يفقد الإنسان الاتزان اللازم لتقدير القيم وتعيين الإجابة بمقتضاها؛ ولهذا فإذا كان الجهل يُخفِّف من المسئولية، فإن اللؤم يتطلَّب شدة الجزاء كيما تستطيع نفس اللئيم تعمير عطبها الحاصل من جرَّاء الجريمة.

غير أن خطورة الجريمة بحسب تأثيرها على كِيان المجتمع، تتبع أحد أمرَين؛ علاقتها بالبيان الرحماني كالقتل أو بتر أحد أعضاء أبنائه مثلًا، وعلاقتها بجدول القيم المعبرة عن وجهة نظر الرأي العام في الحياة. فالأمر الأول أكثر بقاءً على الدهر من الآخر، ومع ذلك فإن كلا الأمرَين يكشف عن طابع المجتمع. وإذا كانت الجرائم المتعلِّقة بجدول القيم تبلغ منتهاها من الشدة في المجتمعات ذات الطابع المثالي، كما كانت الحالة في القرون الوسطى، فإن الأهمية تتحوَّل في هذه الحضارة ذات الطابع الحياتي إلى الأمور المتعلِّقة بكِيان الجسد.

لكن إذا انحرفت الأعراف والقوانين عن حقيقتها، حتى التبس على الناس العدل بشعور الألم، بدا الإنصاف عندئذٍ في وجوب تعادل الألم، كما هي القاعدة في الشرائع القديمة: «العين بالعين، والسن بالسن»؛ فذلك لأن من العسير تمييز السبب عمَّا يُرافقه من أحوالٍ في المجتمعات الابتدائية، كما قد يلتبس في بعض الأحيان حس العدالة بما تُسبِّبه الجريمة من خسران، فيلجأ هذا الحسن عندئذٍ — خطأً — إلى الدية، أي إلى تعويض الخسارة بالمال.

هكذا تُجيب الحياة بالعقاب كرد فعل طبيعي على الاعتداء، وهاك ما شاهدتُه يومًا بهذا الخصوص: كانت سيارة شحن تمر في الشارع، وإذا بدولابها يقصم ظهر القط، فما كان منه إلَّا أن نهض، ثم اندفع بما بقي فيه من حيل فغرس فيه أنيابه. وقد يعجز الإنسان عن ردِّ الإهانة أحيانًا فينتقم لنفسه من أهل بيته. وإنما تعني عبارة «فش خلقه» العامية، رد الفعل الطبيعي بصورة مستقلة عن حس العدالة. وكذلك المرأة التي تُبرِّد غلتها بكسر أواني المنزل. تلك هي حالات منحرفة لحس العدالة تنتج من إفراغ المشاعر الحاصلة من الضيم في غير محلِّها.

(٥) المجتمع عناية

إن الصورة تتضمَّن بحسب نشأتها اللغوية معنى الصيرورة في حدود معيَّنة، وعلى هذا فإنها تبلغ حدَّها من الوضوح في الإحياء، حيث تتمثَّل الصيرورة بالعمر (وكلمة عمر ذاتها تُفيد معنى العمران والإنشاء)، وحيث تتعيَّن الحدود بمحل تمايز خلايا الجسد بعضًا من بعض. وعلى هذا، إن ما يتمثَّله الذهن هو أيضًا صورة، ولكن بنسبة ما يقوم على الجملة العصبية المركزية، بحيث تكتسب الحالات الوجدانية قدرة، فتُصبح بهذا الاكتساب ذات صيرورة. أمَّا استعمال كلمة صورة في الرسم والنحت وغيرهما من الأمور الأخرى، فليس إلَّا على سبيل المجاز؛ إذ إنه ينقصها في هذه الحالة عنصر العمر، العنصر الذي يُساعد بتصالبه مع مبدأ التمايز في المكان على استجلاء المعنى، حكمة وجود الصورة. إن المعنى تتجلَّى رفعته بتمايز مكنونات روائه بالمكان، وما قصر عنه المكان بالزمن، بحيث تبدو العلاقة بين التنوُّع والعمق كعلاقة يشف فيها الحاضر عن الماضي، وينعكس المستقبل كأمنية.

وإذا كانت الحياة تُنشئ الأحياء صورًا عناصرها مقتبسة من الطبيعة غذاءً، فإنها تُثبت بهذا الإنشاء كِيانها في وجه القدر الحاصل تياره من تفاعل الحوادث من جهة، وتستقطب رواء المعنى بصورة متناسبة مع مدى تفرُّع الصورة من جهة ثانية. إنها تزيد بالعمر من نمو فحواها ومن حريتها إذا كان العمر خلوًا من التكرار؛ وعندئذٍ يُصبح جوابها على المؤثرات ذا مغزًى يختلف عن تفاعل الحوادث في الطبيعة، وعن خضوع هذا التفاعل لمبدأ العينية.

وإذا كانت معالم الصورة تثبت، رغم ما تنزع إليه عناصرها من تفاعل مع الطبيعة (الجاذبية الكونية)، بل من انتشار في المكان، فإن المعنى يشد أزرها بتأثير رحماني بينه وبينها، بحيث تتعدَّل تلك النزعة. أمَّا التكتُّل الذي يظهر في الأجسام المادية، فإنه يرجع إلى أسباب ميكانيكية خارجية. غير أنه إذا ظهرت الطبيعة بجملتها في مظهر الصورة؛ فذلك لأن الحياة تنطوي على الميل إلى إنشاء الأحياء والتحف الفنية وجميع الظواهر صورًا ذات معالم معيَّنة. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، إن الطبيعة ذاتها وسط بين المادة والعناية، فمن حيث إنها تخضع لقانونَي الكتلة والمسافة وفق مبدأ الجاذبية، تمس المادة كإمكانية. ومن حيث إنها تنطوي على مراكز ذات نزعة تلتبس بالعناية، ممَّا يوحي بأن الصورة إنشاء؛ قاعدته الطبيعة وأوجه الملأ الأعلى.

وهل ينطبق على المجتمع ما يُقال عن الصورة؟ أللمجتمع تاريخ مماثل لعمر الأحياء، فيصبح الزمن، والحالة هذه، من مقوِّمات الأمة كما هو من مقوِّمات كلٍّ من الأحياء؟ أم أننا نستعمل كلمة تاريخ بمعنى الزمن على سبيل المجاز؟ أليست الشئون الاجتماعية قائمةً بوعي الأفراد؟ أوَليست هي خارجةً عن هذا الوعي رمزًا محضًا، فيُصبح تاريخ الأمة عندئذٍ عبارةً عن عمر كلٍّ من الأجيال؟!

لا شكَّ في أن المجتمع يتألَّف من وظائف متلازمة متتامة، ويظهر تلازمها في الأحوال الخاصة والعامة. ولْنأخذ اللغة — على سبيل المثال — كإحدى ظواهر الحياة العامة، نجد فيها تعضِّيًا على غرار التعضِّي في الأحياء، تتمثل الدخيل على طبيعتها وتدفع بما لا ينسجم معها، لا سيَّما إذا كانت كلغتنا؛ نموُّها من الصميم على غرار الأحياء الراقية، لا تقبل التطعيم أبدًا. حتى إذا ما دخلت عليها إحدى الكلمات الأعجمية خلسة؛ ظلت من منظومة كلامنا بمثابة الشوكة من الأنسجة في الجسد، مهما طال أمد استعمالها. فمن مِنَّا لم يُحاول جهده استبدال الكلمة الدخيلة بأخرى ذات أصول في إحدى أسر كلامنا؟ إن الميزة الخاصة بطبيعة لساننا هذه ترجع إلى تلازم بين اللفظَين والمعنى من جهة، وبينها وبين الخيال المرئي الذي هو خيال نشأة الكلمة من جهة ثانية. إنه لتلازم تُصبح فيه كلماتنا أشبه بالصور الحية؛ فقد تبطل إحداها من الاستعمال فتسقط بذلك من بين الأحياء، ولكن الزمان لا يُحوِّر معالمها. وها نحن نُقدِّم — على سبيل المثال — إحدى القصائد الجاهلية لقس بن ساعدة الإيادي، تبيانًا لطابع الخلود في لساننا:

«في الذاهبين الأوليـ
ـن من القرون لنا بصائر
لمَّا رأيت مواردًا
للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوه
تمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إليـ
ـيَ ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محا
لة حيث صار القوم صائر»

ولدى مقارنة هذه القصيدة مع إحدى القصائد المعاصرة، نجد أن اللغة العربية هي هي في الجاهلية وفي جميع مراحلها المتتالية، كأنها شجرة سحرية جذورها في الحدس وتجلياتها في الطبيعة.

وهل خفي على أجدادنا أمر قيام الحياة على النظام؟! ألم يُعبِّروا بكلمتَي هجين ومقرف عن شعورهم بتردي الأجيال الحاصل تكوينها من التصالب بين أقوام متباعدة؟ أو لم يبدُ لهم التصالب بين العرقَين المتباعدَين على مثال التداخل بين موجتَين ضوئيتَين، تفور من جرَّائه القاعدة العصبية بمزايا العرق عند كل من الأبوين، بحيث تتعذَّر على الأحفاد الاستفادة ممَّا اكتسبه الأجداد من صفات خلقية خلال أجيال مترامية؟ إن التردي شر الهمجية، يبقى صاحبه في حالة الحسرة على ما فاته من مثل أعلى، حسرة تُحدث اضطرابًا وبلبلةً في سلوك المتردِّي.

إن المجتمع ذو كيان عضوي مثالي، فهو منظومة ذات صبوة مشتركة، وإن كان لا يرتقي إلى الصورة المنطوية على الزمن كقوام لها، مثَله كمثَل القصيدة التي تكتسب كلًّا من كلماتها لدى تمثُّلها في الذهن، معنًى يشرئب في تطلُّعه إلى تجرِبة الفنان المثلي، التجربة التي تنم عنها الكلمات بجملتها. إن مثالية المجتمع ليست أمنيةً ملقاةً شبحًا في المستقبل كما هي الحالة عند الأفراد، بل هي تجرِبة رحمانية تنطوي عليها قرارة نفوس الأعضاء. هذه التجرِبة قد تتجلَّى في نفوس أعلام الأمة كرسالة، فيصبح من تجلَّت فيه بشيرًا وقدوة. إن الرأي المعبِّر عن الأوضاع العامة يُجمل ما هو مشترك بيننا من بنيان رحماني فيُحدِّد سلوكنا نحو الآخرين. تنجلي المعاني في النفوس منبعثةً عن الصميم نزَّاعةً إلى التحقُّق، فتحمل من تجلَّت فيهم على التضحية في سبيل تحقيقها. ولئن بدت المعاني مستقلةً عن سلسلة الأسباب التي انحصرت فيها حوادث الطبيعة؛ فقد تجلَّت كوحي موحًى من عالم الغيب في الفنون والأديان.

«أمَّا تمثيل الفرد لما يتمخَّض عنه الجمهور، ويظهر في الأحوال المألوفة عندما يُقال: إنه سبقني إلى الفكرة، وكانت الفكرة تحت لساني. ويظهر أيضًا في انتشار الآراء وشيوع الأزياء كموجة في فترة معيَّنة من الزمن. ويبلغ مداه من الظهور في النبوة إذ تسبر أغوار الحياة، ويكشف عن الحقائق الخالدة فتحل على ضوئها المسائل المستعصية»، من «رسالة المدنية والثقافة» للمؤلف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤