نصوص مختارة

من مؤلفات برتراند رسل

النص الأول: الرياضة وفلسفتها

الرياضة دراسةٌ — إذا ما بدأناها بأكثر أجزائها إلفًا لنا — أمكن متابعتها في أحد اتجاهَين متضادَّين، والاتجاه الذي نألفه أكثر من الآخر هو الاتجاه البنائي الذي ينحو بنا نحو تركيب يزداد تدريجًا: فمن الأعداد البسيطة إلى الكسور، ثم إلى الأعداد الحقيقية فالأعداد المركبة، ومن الجمع والضرب إلى التفاضل والتكامل، وهكذا نمضي في السير إلى الرياضيات العليا، وأما الاتجاه الثاني الذي لا نألفه بمثلِ ما نألف الاتجاه الأول، فيمضي مستعينًا بالتحليل نحو ازدياد مطَّرِد في التجريد والبساطة المنطقية، فبدل أن نسأل قائلين: ماذا يُمكن تعريفه واستنباطه من المسلَّمات التي بدأنا بها، نسأل قائلين: ماذا عسانا واجدوه من أفكار أكثر تعميمًا يُمكن بواسطتها أن نُعرِّف، وأن نستنبط ما كنا قد اتخذناه نقطةَ ابتداء؟ هذا السير في الاتجاه المضاد، هو الذي يُميز الفلسفة الرياضية إذا قُورِنَت بالرياضة المعتادة، لكن ليكن مفهومًا أن هذه التفرقة ليست بتفرقة في الموضوع [الذي تدرسه الرياضة وفلسفتها معًا]، بل هي تفرقة في الحالة العقلية التي يصطنعها الباحث، إن علماء الهندسة من الإغريق الأولين، حين انتقلوا من القواعد العملية التي كان يستخدمها المِصريون في مساحة الأرض، إلى القضايا العامة التي يُمكن بها تفسير تلك القواعد، ومِن ثَم انتقلوا إلى بديهيات إقليدس ومصادراته، كانوا بهذا ينتقلون في مجال الفلسفة الرياضية حسب التعريف الذي أسلفناه، حتى إذا ما بلغوا في سيرهم مرحلة البديهيات والمصادرات، كان استخدامهم لها في العمليات الاستنباطية — كالذي نراه عند إقليدس — من اختصاص الرياضة بمعناها المألوف، إن التفرقة بين الرياضة والفلسفة الرياضية إنما تعتمد على نوع الاهتمام الذي يُحفز الباحث، وعلى المرحلة التي يكون البحث قد بلغها، لا على القضايا التي هي موضوع البحث نفسه.

مدخل إلى الفلسفة الرياضية، ص١-٢

MATHEMATICS AND MATHEMATICAL PHILOSOPHY

Mathematics is a study which, when we start from the most familiar portions, may be pursued in either of two opposite directions. The more familiar direction is constructive; towards gradually increasing complexity: from integers to fractions, real numbers, complex numbers; from addition and multiplication to differentiation and integration, and on to higher mathematics. The other direction, which is less familiar, proceeds, by analysing, to greater and greater abstractness and logical simplicity; instead of asking what can be defined and deduced from what is assumed to begin with, we ask instead what more general ideas and principles can be found, in terms of which what was our starting-point can be defined or deduced. It is the fact of pursuing this opposite direction that characterises Mathematical philosophy as opposed to ordinary mathematics. But it should be understood that the distinction is one, not in the subject matter, but in the state of mind of the investigator. Early Greek geometers, passing from the empirical rules of Egyptian land—surveying to the general propositions by which those rules were found to be justifiable, and thence to Euclid’s axioms and postulates, were engaged in mathematical philosophy, according to the above definition; but when once the axioms and postulates have been reached, their deductive employment, as we find it in Euclid, belonged to mathematics in the ordinary sense. The distinction between mathematics and mathematical philosophy is one which depends upon the interest inspiring the research, and upon the stage which the research has reached; not upon propositions with which the research is concerned.
Introduction to Mathematical Philosophy. pp. 1-2

النص الثاني: تعريف العدد

هَبْنا قد وضعنا كل الأزواج في حُزمة، وكلَّ الثالوثات في أخرى، وهكذا؛ فبهذه الطريقة نحصل على حُزمات مختلفة من مجموعات، كل حُزمةٍ منها تتألف من كل المجموعات التي لها عددٌ معين من الحدود، وبهذا تكون كل حزمة فئةً أعضاؤها هي هذه المجموعات، أي أعضاؤها هي فئات، وإذن فكل حُزمة تكون فئة من فئات، فالحزمة المؤلَّفة من جميع الأزواج — مثلًا — فئة من فئات؛ إذ كل زوجٍ منها فئة ذات عضوَين، والحزمة كلها المؤلفة من أزواج هي فئة قوامها عدد لا نهاية له من أعضاء، كل عضو منها فئة ذات عضوَين.

فكيف يُمكننا الجزم بأن مجموعتَين تنتميان إلى حُزمةٍ بعينها؟ الجواب الذي يُبرز نفسه أمامنا هو هذا: «انظر كم عضوًا تحتوي عليه كل مجموعة، وضع المجموعتَين في حُزمة واحدة إذا كانت كل منهما محتويةً على نفس العدد الذي تحتوي عليه المجموعة الأخرى»، لكن هذا الجواب فيه افتراض سابق بأننا قد فرغنا من تعريف العدد، وأننا نعرف كيف نعلم عدد الحدود التي تتألف منها كل مجموعة، فلقد ألِفْنا عملية العدِّ إلفًا قد يجعل مثلًا هذا الافتراض السابق يُفلِت منا فلا نُلاحظه، ومع ذلك فالواقع هو أن العدَّ — رغم إلفنا له — عملية غاية في التركيب من الوجهة المنطقية، فضلًا عن أنه لا يُجدي — باعتباره وسيلةً للكشف عن عدد الحدود التي تحتوي عليها مجموعةٌ ما — إلا إذا كانت تلك المجموعة نهائية العدد، غير أن تعريفنا للعدد لا يجوز أن يفترض مقدمًا بأن كل الأعداد نهائية، وعلى كل حال فنحن لا نستطيع — بغير الدوران في حَلْقة مفرغة — أن نستخدم العدَّ في تعريف الأعداد؛ لأن الأعداد هي التي نستخدمها في العدِّ، وعلى ذلك فلا غنى لنا عن طريقة أخرى نُقرر بها متى يكون لمجموعتَين نفسُ العدد من الحدود …

ولما كانت فكرة التشابه هي من الوجهة المنطقية مفروضة مقدمًا في عملية العدِّ، وهي من الوجهة المنطقية كذلك أبسط من العدِّ، وإن تكن أقل إلفًا لنا … ففي مقدورنا — إذن — أن نستخدم فكرة «التشابه عند الحكم على مجموعتَين بأنهما ينتميان إلى حُزمةٍ بعينها».

المدخل إلى الفلسفة الرياضية، ص١٤–١٧

DEFINITION OF MUMBER

We can suppose all conples in one bundle, all trios in another, and so on. In this way we obtain various bundles of collections, each bundle consisting of all the collections that have a certain number of terms. Each bundle is a class whose members are collections, i.e. classes; thus each is a class of classes. The bundle consisting of all couples, for example, is a class of classes: each couple is a class with two members, and the whole bundle of couples is a class with an infinite number of members, each of which is a class of two members.
How shall we decide whether two collections are to belong to the same bundle? The answer that suggests itself is: “Find out how many members each has, and put them in the same bundle if they have the same number of members.” But this presupposes that we have defined numbers, and that we know how to discover how many terms a collection has. We are so used to the operation of counting that such a presup-position might easily pass unnoticed. In fact, however, counting, though familiar, is logically a very complex operation; moreover it is only available, as a means of discovering how many terms a collection has, when the collection is finite. Our definition of number must not assume in advance that all numbers are finite; and we cannot in any case, without a vicious circle, use counting to define numbers, because numbers are used in counting. We need, therefore, some other method of deciding when two collections have the same number of terms.
The notion of similarity is logically presupposed in the operation of counting, and is logically simpler though less familiar …
We may thus use the notion of “similarity” to decide when two collections are to belong to the same bundle.
Introduction to Mathematical Philosophy, pp. 14–17

النص الثالث: المنطق والرياضة

(١) الرياضة البحتة هي طائفة القضايا التي تأخذ هذه الصورة: «ق تستلزم ك» حين تكون «ق» و«ك» قضيتَين محتويتَين على متغيرٍ واحد أو أكثر، بحيث تكون المتغيرات في إحداهما هي نفسها المتغيرات في الأخرى، وبحيث لا تشتمل «ق» أو «ك» على ثوابت البتة ما عدا الثوابت المنطقية، والثوابت المنطقية كلها عبارة عن أفكار يُمكن تعريفها باستخدام الحدود الآتية: لزوم، علاقة حد بفئة هو عضو فيها، الفكرة التي تُعبر عنها كلمة «بحيث»، فكرة العلاقة، وغير هذه من الأفكار التي قد تكون متضمَّنة في الفكرة العامة عن القضايا التي هي من الصورة المذكورة، أضف إلى هذه الأفكار كلِّها حقيقةً أخرى، وهي أن الرياضة تستخدم فكرة ليست في ذاتها من مقومات القضايا التي هي موضوع الرياضة، وأعني بها فكرة الصواب.

مبادئ الرياضة، ص٣

(٢) علاقة الرياضة بالمنطق وثيقة جدًّا، فكون الثوابت الرياضية جميعًا ثوابتَ منطقية، وأن مقدمات الرياضة كلها إنما تختص بتلك الثوابت، يُبين لنا — فيما أعتقد — بيانًا دقيقًا ما قصد إليه الفلاسفة حين قالوا عن الرياضة إنها قبلية، إذ الواقع هو أننا إذا ما قبلنا جهاز المنطق، فإن الرياضة بكافتها تلزم بالضرورة، وأما الثوابت المنطقية نفسها فطريقة تعريفها لا تكون إلا بمجرد ذكرها؛ لأنها من الأوَّلية بحيث تكون كافة الخصائص التي يُمكن بواسطتها تعريفُ تلك الطائفة من الثوابت مما لا بد أن يفترض مقدمًا بعضَ أفراد الطائفة، ومع ذلك فمن الوجهة العملية يتخذ تحليل المنطق الرياضي وسيلةً للكشف عن الثوابت المنطقية، إن تمييز الرياضة من المنطق أمر جزاف إلى حدٍّ بعيد، ولكن إذا كان هذا التمييز بينهما أمرًا مرغوبًا فيه، فيُمكن بيانه على النحو الآتي: يتألف المنطق من مقدمات الرياضة بالإضافة إلى جميع القضايا الأخرى التي لا تتناول قطُّ إلا الثوابت المنطقية، ومعها المتغيرات دون أن تكون مستوفيةً لشروط تعريف الرياضة كما قدَّمناه (انظر «أ»)، وأما الرياضة فتتألف من جميع ما يترتب من نتائج على المقدمات المذكورة التي تُثبت لزوماتٍ صوريةً مشتملة على متغيرات، بالإضافة إلى بعض تلك المقدمات نفسها؛ على شرط أن يكون فيها تلك المميزات، وعلى ذلك فبعض مقدمات الرياضة، مثل المبدأ المنطوي عليه هذا القياس: «إذا كانت «ق» تستلزم «ك» و«ك» تستلزم «ر»، كانت «ق» تستلزم «ر»» ينتمي إلى الرياضة، على حين أن بعضًا آخر مثل قولنا «اللزوم علاقة» ينتمي إلى المنطق لا إلى الرياضة، ولولا رغبتُنا في التزام الاستعمال الشائع، لجاز لنا أن نوحِّد بين الرياضة والمنطق، وأن نُعرِّف كلًّا منهما بأنه طائفة القضايا المشتملة على متغيراتٍ فقط مع ثوابت منطقية، لكن احترام العرف يُؤدي بي إلى الأخذ بالتفرقة المذكورة، على ألا أنسى أن قضايا معينةً تنتمي إليهما معًا.

أصول الرياضة، ص٨-٩

LOGIC AND MATHEMATICS

(1) Pure Mathematics is the class of all propositions of the form “p implies q” where p and q are propositions containing one or more variables, the same in the two propositions, and neither p nor q contains any constants except logical constants. And logical constants are all notions definable in terms of the following: Implication, the relation of a term to a class of which it is a member, the notion of ‘such that’, the notion of relation, and such further notions as may be involved in the general notion of propositions of the above form. In addition to these mathematics uses a notion which is not a constituent of the propositions which it considers, namely the notion of truth.
The Principles of Mathematics, p. 3
(2) The connection of mathematics with logic is exceedingly close. The fact that all mathematical constants are logical constants, and that all the premisses of mathematics are concerned with these, gives, I believe, the precise statement of what philosophers have meant in asserting that mathematics is a priori. The fact is that, when once the apparatus of logic has been accepted, all mathematics necessarily follows. The logical constants themselves are to be defined only by enumeration, for they are so fundamental that all the properties by which the class of them might be defined presuppose some terms of the class. But practically, the method of discovering the logical constants is the analysis of symbolic logic. The distinction of mathematics from logic is very arbitrary, but if a distinction is desired, it may be made as follows. Logic consists of the premisses of mathematics, together with all other propositions which are concerned exclusively with logica constants and with variables but do not fulfil the above definition ljo mathematics (I). Mathematics consists of all the consequences of the above premisses which assert formal implications containing variables, together with such of the premisses themselves as have these marks. Thus some of the premisses of mathematics, e.g. the principle of the syllogism, “if p implies q and q implies r, then p implies r”, will belong to mathematics, while others, such as “implication is a relation”, will belong to logic but not to mathematics. But for the desire to adhere to usage, we might identify mathematics and logic, and define either as the class of propositions containing only variables and logical constants; but respect for tradition leads me rather to adhere to the above distinction, while recognizing that certain propositions belong to both sciences.
The Principles of Mathematics, pp. 8-9

النص الرابع: المعرفة بالاتصال المباشر والمعرفة بالوصف

سنقول إن لدينا اتصالًا مباشرًا بشيءٍ ما إذا كنا على وعي بذلك الشيء وعيًا مباشرًا دون أن تتوسط في ذلك أية عملية استدلالية أو أية معرفة بحقائق، وعلى ذلك فحين تكون منضدتي حاضرةً أمامي، فأنا على اتصالٍ مباشرٍ بالمعطيات الحسية التي منها يتألَّف ظاهر المنضدة؛ لونها وشكلها وصلابتها ونعومتها إلخ؛ فكل هذه أشياء أكون على وعي مباشرٍ بها حين أكون للمنضدة رائيًا ولامسًا، فالدرجة المعينة من الضوء التي أراها قد يُقال عنها أشياءُ كثيرة — فقد أقول عنها إنها بُنية، وانها أميلُ إلى الدكنة وهكذا، غير أن أمثال هذه الأقوال — وإن تكن تُضيف إلى علمي علمًا بحقائق عن اللون، إلا أنها لا تجعل علمي باللون ذاته أفضلَ مما كان عليه من قبل، فإذا ما كان الأمر أمر معرفة اللون ذاته — بالمقارنة إلى معرفة حقائقَ عن اللون — فأنا أعرف اللون معرفة كاملة شاملة حين أراه، ويستحيل حتى من الوجهة النظرية أن أُضيف إلى علمي ذاك باللون ذاتِه شيئًا، وهكذا تكون المعيطات الحسية التي منها يتألَّف ظاهر منضدتي أشياء بيني وبينها اتصالٌ مباشر، أشياء أعرفها مباشرةً في حالها التي هي عليها.

أما معرفتي بالمنضدة باعتبارها شيئًا ماديًّا فهي — على عكس ذلك — ليست معرفة مباشرة، فالمنضدة كما هي إنما أحصل على علمي بها عن طريق الصلة المباشرة بالمعطيات الحسية التي منها يتألَّف ظاهرها، وقد رأينا [في الفصل الأول من الكتاب] أنه يُمكن الشك — دون إغراق في السخف — فيما لو كان للمنضدة وجودٌ على الإطلاق، على حين أنه مُحال علينا أن نشك في مُعطَياتها الحسية؛ فمعرفتي بالمنضدة [باعتبارها شيئًا ماديًّا] هي من النوع الذي سأُطلِق عليه اسم «المعرفة بالوصف»، فالمنضدة هي «الشيء المادي الذي عنه يصدر كذا وكذا من المعطيات الحسية.» هذا القول يصف المنضدة، ووسيلة الوصف هي المعطيات الحسية؛ فلكي نعرف أي شيءٍ عن المنضدة، فلا بد من معرفة حقائق تربطها بأشياء يكون لنا بها اتصال مباشر؛ إذ لا بد أن نعرف أن «كذا وكذا من المعطيات الحسية صادرة عن شيءٍ مادي»، وليس هنالك حالة عقلية واحدة نكون فيها على وعي مباشر بالمنضدة [باعتبارها شيئًا ماديًّا]، وكل علمِنا بالمنضدة هو في حقيقة أمره علم بحقائق عقلية، أما الشيء الواقع الذي هو المنضدة فلسنا على علمٍ به إطلاقًا، إذا أردت دقة في القول؛ ذلك لأن ما نعلمه هو وصف، كما نعلم أيضًا أن ثمة شيئًا واحدًا فقط هو الذي ينطبق عليه ذلك الوصف، ولو أن الشيء نفسه لا يقع في علمنا وقوعًا مباشرًا، وفي مثل هذه الحالة نقول عن معرفتنا بالشيء إنها معرفة بالوصف.

مشكلات الفلسفة، ص٧٣–٧٥

KNOWLEDGE BY ACQUAINTANCE AND KNOWLEDGE BY DESCRIPTION

We shall say that we have acquaintance with anything of which we are directly aware, without the intermediary of any process of inference or any knowledge of truths. Thus in the presence of my table I am acquainted with the sense—data that makes up the appearance of my table—its colour, shape, hardness, smoothness, etc.; all these are things of which I am immediately conscious when I am seeing and touching my table. The particular shade of colour that I am seeing may have many things said about it—I may say that it is brown, that it is rather dark, and so on. But such statements, though they make me know truths about the colour, do not make me know the colour itself any better than I did before: so far as concerns knowledge of the colour itself, as opposed to knowledge of truths about it I know the colour perfectly and completely when I see it, and no farther knowledge of it itself is even theoretically possible. Thus the sense-data which make up the appearance of my table are things with which I have acquaintance, things immediately known to me just as they are.
My knowledge of the table as a physical object, on the contrary, is not direct knowledge. Such as it is, it is obtained through acquaintance with the sense-data that make up the appearance of the table. We have seen that it is possible, without absurdity, to doubt whether there is a table at all, whereas it is not possible to doubt the sense-data. My knowledge of the table is of the kind which we shall call “knowledge by description”. The table is “the physical object which causes such-and-such sense-data.” This describes the table by means of the sense-data. In order to know anything at all about the table, we must know truths connecting it with things with which we have acquaintance: we must know that “such-and-such sense-data are caused by a physical object”. There is no state of mind in which we are directly aware of the table; all our knowledge of the table is really knowledge of truths, and the actual thing which is the table is not, strictly speaking, known to us at all. We know a description, and we know that there is just one object to which this description applies, though the object itself is not directly known to us. In such a case, we say that our knowledge of the object is knowledge by description.
The Problems of Philosophy, pp. 73–75

النص الخامس: الكون وأجزاؤه

تميل النظرة التقليدية إلى أن تتخذ من الكون نفسه موضوعًا لمحمولات متعددة لا يُمكن حملها على أي شيءٍ جزئي مما يحتويه الكون، وأن تجعل من وصف الكون بمثل هذه المحمولات المميزة له موضوعَ اختصاص للفلسفة، أما أنا — فعلى عكس ذلك — أذهب إلى أنه ليس هنالك قضايا مما يكون «الكون» فيها موضوعًا، وبعبارةٍ أخرى، ليس هنالك شيء اسمه «الكون»، مذهبي هو أن ثمة قضايا عامةً قد تُقال عن كل شيءٍ جزئي على حدة، مثل قضايا المنطق، لكن ذلك لا يقتضي أن تكون مجموعة الأشياء الموجودة مكونة لكلٍّ يُمكن اعتباره شيئًا آخرَ يُضاف إلى سائر الأشياء، وبذلك يمكن جعله موضوعًا لمحمولات، وكل ما يقتضيه كلامي هو القول بأن هنالك خصائصَ توصَف بها الأشياء جميعًا شيئًا شيئًا، فالفلسفة التي أود أن أُناصرها يمكن أن نُطلِق عليها اسم الذرية المنطقية، أو التعددية المطلقة؛ لأنني في الوقت الذي آخذ فيه بوجود أشياء كثيرة، أنكر أن يكون هنالك كلٌّ واحدٌ مكون من هذه الأشياء.

من فصل «المنهج العلمي في الفلسفة»
في كتاب «التصوف والمنطق»، ص١٠٧ من طبعة بليكان

THE UNIVERSE AND ITS PARTS

The traditional view would make the universe itself the subject of various predicates which would not be applied to any particular thing in the universe, and the ascription of such peculiar predicates to the universe would be the special business of philosophy. I maintain, on the contrary, that there are no propositions of which the ‘universe’ is the subject; in other words, that there is no such thing as the ‘universe’ what I do maintain is that there are general propositions which may be asserted of each individual thing, such as the propositions of logic. This does not involve that all the things there are form a whole which could be regarded as another thing and be made the subject of predicates. It involves only the assertion that there are properties belonging to the whole of things collectively. The philosophy which I wish to advocate may be called logical atomism or absolute pluralism, because, while maintaining that there are many things, it denies that there is a whole composed of those things.
On Scientific method in Philosophy
Mysticism and Logic, p. 107 Pelican edition

النص السادس: المصطلحات الأولية في العلوم

كل ما يُقال في علمٍ من العلوم يمكن قوله بواسطة الكلمات التي تتكون منها مجموعة المصطلحات الأولية؛ لأنه أينما ترد كلمة يكون لها تعريف بكلمات غيرها، يُمكننا أن نضع مكانها العبارة التي تُعرِّفها، ثم إذا كانت هذه العبارة مشتملة على كلماتٍ لها تعريف بكلمات غيرها، لجأنا مرةً أخرى إلى أن نضع مكانها العبارة التي تعرِّفها، وهكذا دواليك حتى لا يبقى أمامنا كلماتٌ يمكن تعريفها بكلمات غيرها، والواقع أن الحدود التي يُمكن تعريفها زوائد يجوز حذفها، بحيث لا يبقى إلا الكلمات التي لا تعريف لها، فهذه هي التي لا غنى لنا عنها، أما إذا سألت: أي الحدود هي التي تعتبر بغير تعريف، وجدت أن الأمر هنا جُزاف إلى حدٍّ ما، خذ مثلًا قائمة حساب القضايا — وهي أبسط مثل لنسق صوري وأكمله — فستجد أنه في مستطاعنا أن نعتبر كلمتَي «أو» و«ليس» بغير تعريف، أو أن تعتبر كلمتَي «واو العطف» و«ليس» — بغير تعريف، ثم لنا كذلك أن نختار من كلمتين كهاتَين إحداهما فقط لنجعلها بغير تعريف، وقد تكون هذه الواحدة هي هذه: «ليس هذا أو ليس ذاك»، أو «ليس هذا وليس ذاك»، وهكذا يمكن القول بصفةٍ عامةٍ إننا لا نستطيع الجزم بأن الكلمة الفلانية لا بدَّ أن تكون واحدة من المصطلحات الأولية في العلم الفلاني، وأكثر مما يمكن قوله هو أن ثمة مجموعةً أو أكثر من مجموعات المصطلحات الأولية تنتمي إليها الكلمة المشار إليها.

ولنضرب مثلًا بالجغرافيا، وهنا سأفرض أن مصطلحات الهندسة قد تم الاتفاق عليها، فبعدئذٍ نجد أن أول ما يحتاجه علم الجغرافيا بصفة خاصة هو طريقة لتعيين خط الطول وخط العرض، ولهذا التعيين يكفينا أن يكون بين مصطلحاتنا الأولية هذه الكلمات: «جرينتش» و«القطب الشمالي» و«غربي كذا»، لكنه من الواضح أن أي مكانٍ آخر يمكن أن يقوم مقام «جرينتش» كما يمكن للقطب الجنوبي أن يحل محل القطب الشمالي، وأما العلاقة «غربي كذا» فليست في الحقيقة ضرورية؛ لأن خط العرض عبارة عن دائرة على سطح الأرض في مستوٍ عموديٍّ على القطر النافذ خلال القطب الشمالي، وأما بقية الكلمات المستعملة في الجغرافيا الطبيعية مثل «يابس» و«ماء» ومثل «جبل» و«سهل» فيمكن تعريفها بمصطلحاتٍ من علم الكيمياء وعلم الطبيعة وعلم الهندسة، وهكذا يبدو لي أن ما يلزمنا هما كلمتا «جرينتش» و«القطب الشمالي»؛ لكي نجعل من الجغرافيا علمًا يبحث في سطح الأرض لا أي جِرْم آخر؛ فبسبب وجود هاتين الكلمتَين (أو كلمتين أخريَين تُحققان الغايةَ نفسَها) استطاعت الجغرافيا أن ترويَ مستكشفات الرحالة، وليُلاحَظْ أن هاتين الكلمتين متضمِّنتان أينما ذكرنا خطَّ الطول وخط العرض.

المعرفة الإنسانية، ص٢٥٩-٢٦٠

MINIMUM VOCABULARY

Everything said in a science can be said by means of the words in a minimum vocabulary. For whenever a word occurs which has a nominal definition, we can substitute the defining phrase; if this contains words with a nominal definition, we can again substitute the defining phrase, and so on, until none of the remaining words have nominal definitions. In fact, definable terms are superfluous, and only undefined terms are indispensable. But the question which terms are to be undefined is in part arbitrary. Take, for example, the calculus of propositions, which is the simplest and most completed example of a formal system. We can take “or” and “not” as undefined, or “and” and “not”; instead of two such undefined terms, we can take one, which may be “not this or not that” or “not this and not that”, Thus in general we cannot say that such-and-such a word must belong to the minimum vocabulary of such-and-such a science, but at most that there are one or more minimum vocabularies to which it belongs.
Let us take geography as an example. I shall assume the vocabulary of geometry already established; then our first distinctively geographical need is a method of assigning latitude and longitude. For this it will suffice to have a part of our minimum vocabulary “Greenwich”, “the North Pole”, and “West of”; but clearly any other place would do as well as Greenwish, and the South Pole would do as well as the North Pole. The relation “West of” is not really necessary, for a parallel of latitude is a circle on the earth’s surface in a plane perpendicular to the diameter passing through the North Pole. The remainder of the words used in physical geography, such as “land” and “Water”, “mountain” and “plain”, can now be defined in terms of chemistry, physics, or geometry. Thus it would seem that it is the two words “Greenwich” and “North Pole” that are needed in order to make geography a science concerning the surface of the earth, and not some other spheroid. It is owing to the presence of these two words (or two others serving the same purpose) that geography is able to relate the discoveries of travellers. It is to be observed that these two words are involved wherever latitude and longitude are mentioned.
Human Knowledge; pp. 259-260

النص السابع: تشابه العقل والمادة

علم الطبيعة ينظر إلى مجموعة الظواهر كلها لقطعة من المادة على أنها وحدة، بينما يُعنى علم النفس بطائفة معينة فقط من تلك الظواهر نفسِها، وسنحصر حديثنا الآن في سيكولوجية الإدراك الحسي، فنُلاحظ أن الإدراكات الحسية إنْ هي إلا ظاهرات معينة مما تظهر به الأشياء المادية، [ومن وجهة نظرنا] نستطيع أن نُعرِّف تلك الطائفة من الظاهرات بأنها هي ظواهر الأشياء حين تلتقي في أماكن تكون فيها أعضاء الحس والأجزاء المناسبة من الجهاز العصبي جزءًا من الوسيط المعترض في الطريق، والأمر في ذلك هو بالضبط كالأمر في لوحة فوتوغرافية تتلقى انطباع مجموعة من النجوم على صورة مختلفة حين يكون المنظار المقرِّب (التلسكوب) جزءًا من الوسيط المعترض، فكذلك المخ يتلقى انطباعًا [من الأشياء] مختلفًا حين تكون العين والعصب البصري جزءًا من الوسيط المعترض، والانطباع الناشئ من مثل هذا الوسيط المعترض يُسمى بالإدراك الحسي، وهو مما يهتم به لذاته علم النفس؛ إذ أهميته عندئذٍ لا ترجع إلى مجرد كونه جزئيًّا من مجموعة الجزئيات المترابطة التي هي قِوام الشيء المادي الذي نُدركه بذلك الإدراك الحسي.

فهنالك وسليتان لتصنيف الجزئيات؛ إحداهما هي أن تضم معًا تلك الظاهرات التي تعتبر عادة ظاهرات لشيءٍ مادي معين ظهرت في أماكن مختلفة، وهذه الطريقة هي — بصفةٍ عامة — طريقة علم الطبيعة، وهي تؤدي إلى تركيب الأشياء المادية على أنها مجموعات من أمثال تلك الظاهرات، وأما الوسيلة الأخرى فهي أن نضم معًا ظواهر الأشياء المختلفة كما تلتقي في مكانٍ معين، ومن ذلك ينتج ما نُسميه بالمنظور، وفي الحالة الخاصة التي يكون فيها ذلك المكان المعين مخًّا بشريًّا، فإن المنظور عندئذٍ يتألف من كل الإدراكات الحسية لفرد معين من الناس في لحظة معينة، وهكذا نرى أن تصنيف الظواهر على أساس المنظورات ينتمي إلى علم النفس، وهو جوهري في تعريف ما نُسميه بالعقل المفرد.

تحليل العقل، ص١٠٤-١٠٥

THE NEUTRAL ORIGIN OF MIND AND MATTER

Physics treats as a unit the whole system of appearances of a piece of matter, whereas psychology is interested in certain of these appearances themselves. Confining ourselves for the moment to the psychology of perceptions, we observe that perceptions are certain of the appearances of physical objects. (From our point of view) we might define them as the appearances of objects at places from which senseorgans and the suitable parts of the nervous system form part of the intervening medium. Just as a photographic plate receives a different impression of a cluster of stars when a telescope is part of the intervening medium so a brain receives a different impression when an eye and an optic nerve are part of the intervening medium. An impression due to this sort of intervening medium is called a perception, and is interesting to psychology on its own account, not merely as one of the set of correlated particulars which is the physical object of which we are having a perception.
There are two ways of classifying particulars. One way collects together the appearances commonly regarded as a given object from different places; this is, broadly speaking, the way of physics, leading to the construction of physical objects as sets of such appearances. The other way collects together the appearances of different objects from a given place, the result being what we call a perspective. In the particular case where the place concerned is a human brain, the perspective belonging to the place consists of all the perceptions of a certain man at a given time. Thus classification by perspectives is relevant to psychology, and is essential in defining what we mean by one mind.
The Analysis of Mind, pp. 104-105

النص الثامن: الزمن

الظاهر أن الزمن الواحد الشامل لكل شيءٍ هو تركيبة [عقلية] شأنه في ذلك شأن المكان الواحد الشامل لكل شيء، حتى لقد أصبح علم الطبيعة نفسُه على وعي بهذه الحقيقة خلال المناقشات التي دارت حول النسبية.

فبين منظورين ينتميان إلى خبرة شخصٍ واحد علاقةٌ زمنية مباشرة، بحيث يُقال عن الواحد منهما إنه قبل أو بعد الآخر، وفي هذا ما يوحي بطريقةٍ لتقسيم التاريخ تقسيمًا يجري على نفس الغرار الذي ينقسم به في خبراتٍ مختلفة، دون أن يُدخل في الموقف خبرة أو غيرها من الظواهر العقلية؛ ذلك أنه في وسعنا أن نعرِّف «السيرة» (= تاريخ وجود شيءٍ ما) بأنها كل شيءٍ مما يكون بالنسبة إلى «محسوس» معين قبله (مباشرة) أو بعده (مباشرة) أو مُتآنيًا معه، فهذا يُكون لدينا سلسلة من منظورات، «قد» تدخل كلها في تكوين خبرة شخصٍ واحد، ولو أنه ليس حتمًا أن تدخل كلها، أو يدخل أي منظورٍ منها في تلك الخبرة دخولًا فعليًّا، وبهذه الوسيلة ينقسم تاريخ العالم إلى عددٍ من السير؛ كلٌّ منها قائم بذاته مستقل عن الآخر.

وعلينا الآن أن نربط بين الأزمنة التي تتمثل في السِّيَر المختلفة، والشيء الطبيعي الذي يتبادر إلى الذهن هو أن نقول إن ظواهر شيء معين (مؤقَّت البقاء) في منظورَين مختلفين، بحيث تنتمي إلى سيرتين مختلفتين، يمكن اعتبارها متآنية، لكن ذلك يُعقِّد الأمر؛ فافرض مثلًا أن شخص «أ» قد صاح لشخص «ب»، وأن «ب» قد أجاب بمجرد سماعه لصيحة «أ»، فعندئذٍ يكون هنالك فترةٌ زمنية فاصلة بين سماع «أ» لصيحة نفسه، وسماعه لصيحة «ب»، وعلى ذلك فلو اعتبرنا سماع «أ» وسماع «ب» لنفس الصيحة متآنِيَيْن الواحد مع الآخر، لنتج أننا إذن نعتبر حادثَتين تكون كلٌّ منهما متآنيةً مع حادثة معينة، ومع ذلك لا تكونان متآنيتَين الواحدة مع الأخرى، وللتغلب على ذلك نزعم أن الزمن الذي يسمع فيه «ب» صيحة «أ» واقع في منتصف الزمن الذي يمتد سماع «أ» لصيحة نفسه وسماعه لإجابة «ب»، وبهذه الطريقة نستطيع أن نربط بين مختلِف الأزمنة.

وما قلناه عن الصوت ينطبق طبعًا — وبالطريقة نفسِها — على الضوء؛ فالمبدأ العام هو أن الظواهر — في المنظورات المختلفة — التي يتم تجميعها بحيث يتكون منها ما يُصبح شيئًا معينًا في لحظة زمنية معينة، لا ينبغي اعتبارها كلها واقعة في تلك اللحظة، بل الأمر على خلاف ذلك؛ إذ الظواهر تنبعث منتشرة من الشيء بسرعاتٍ مختلفة باختلاف طبيعة تلك الظواهر، ولما لم يكن هناك وسيلةٌ «مباشرة» لربط الزمن في سيرة ما بالزمن في سيرة أخرى، كان هذا التجميع للظواهر المنتمية إلى شيءٍ ما في لحظة زمنية معينة تجميعًا يقع في سلسلة الزمن، أقول إن هذا التجميع للظواهر إنما يتم على أساس اتفاقي إلى حدٍّ ما، غايتنا منه أن نصون مبادئَ معينة كالمبدأ القائل بأن الحادثتَين التي تكون كلٌّ منهما متآنية مع حادثة ثالثة، تكونان أيضًا متآنيتين إحداهما مع الأخرى تمامًا، وغايتنا منه كذلك أن نُيسِّر صياغة القوانين السببية.

علاقة معطيات الحس بعلم الطبيعة
من كتاب «التصوف والمنطق»، ص١٥٩-١٦٠، طبعة بلكان

TIME

It seems that the one all-embracing time is a construction, like the one all-embracing space. Physics itself has become conscious of this fact through the discussions connected with retativity.
Between two perspectives which both belong to one person’s experience, there will be a direct time-relation of before and after. This suggests a way of dividing history in the same sort of way as it is divided by different experiences, but without introducing experience or anything mental: we may define a ‘biography’ as everything that is (directly) earlier or later than, or simultaneous with, a given ‘sensible’, This will give a series of perspectives, which might all form parts of one person’s experience, though it is not necessary that all or any of them should actually do so. By this means, the history of the world is divided into a number of mutually exclusive biographies.
We have now to correlate the times in the different biographies. The natural thing world be to say that the appearances of a given (momentary) thing in two different perspectives belonging to different biographies are to be taken as simultaneous; but this is not convenient. Suppose A shouts to B, and B replies as soon as he hears A’s shout. Then between A’s hearing of his own shout and his hearing of B’s there is an interval; thus if we made A’s and B’s hearing of the same shout exactly simultaneous with a given event but not with each other. To obviate this, we assume a ‘velocity of sound’. That is, we assume that the time when B hears A’s shout is half-way between the time when A hears his own shout and the time when he hears B’s. In this way the correlation is effected.
What has been said about sound applies of course equally to light. The general principle is that the appearances, in different perspectives, which are to be grouped together as constituting what a certain thing is at a certain moment, are not to be all regarded as being at that moment. On the contrary they spread outward from the thing with various velocities according to the nature of the appearances. Since no direct means exist of correlating the time in one biography with the time in another, this temporal grouping of the appearances belonging to a given thing at a given moment is in part conventional. Its motive is partly to secure the verification of such maxims as that events which are exactly simultaneous with the same event are exactly simultaneous with one another, partly to secure convenience in the formulation of causal laws.
The Relation of Sense-Data to Physics.
Mysticism and Logic, pp. 159-160.
(Pelican edition)

النص التاسع: تحليل الشيء إلى سلسلة من حوادث

إن ما أعنيه فيما يختص بعدم دوام الكائنات المادية، ربما ازداد وضوحًا إذا اتخذنا من السينما أداة للتوضيح، وهي وسيلة إيضاح كانت محببة إلى برجسون، فعندما قرأتُ لأول مرة عبارة برجسون القائلةَ بأن الرياضي يتصور العالم على غرار السينما، لم أكن قد رأيت السينما قط من قبل، فزرتها لأول مرة مدفوعًا برغبة التحقق من صدق عبارة برجسون هذه، فوجدتها صادقة صدقًا كاملًا، على الأقل من وجهة نظري، فنحن في دار السينما إذ نرى رجلًا يتدحرج على سفح التل، أو يعدو فرارًا من البوليس، أو يهوي ساقطًا في نهر، أو يفعل شيئًا من هاتيك الأشياء الأخرى التي لا ينقطع الناس في مثل هذه الأماكن عن فعلها، فنحن عندئذٍ نعلم أنه ليس في حقيقة الأمر رجلًا واحدًا هو الذي يتحرك، بل هي سلسلة متتابعة من صور فوتوغرافية، كلٌّ منها يُصور رجلًا يختلف عن الآخر اختلافًا مؤقتًا، وإنما جاءنا الوهم بأنه رجل واحد في جميع الحالات، من أن سلسلة الرجال المتتابعين على لحظات هي أشبهُ شيءٍ باستمرار الكائن الواحد، ما أودُّ الآن أن أعرضه على سبيل الاقتراح هو أن السينما في هذا الأمر تقوم بدور الميتافيزيقي على نحوٍ أفضل مما يقوم به الإدراك الفطري، أو علم الطبيعة، أو الفلسفة؛ فعقيدتي هي أن الرجل على حقيقته — مهما أقسم رجل البوليس بأنه شاهد رجلًا واحدًا بذاته — إن هو إلا سلسلة من رجال كلٌّ منهم دام لحظة، وكلٌّ منهم يختلف عن الآخر، لكنهم جميعًا مرتبطون في وحدة، لا عن طريق الذاتية العددية، بل عن طريق الاستمرار وطائفة معينة من قوانين السببية التي تدخل في طبيعة الموقف، وهذا الذي ينطبق على الناس، ينطبق كذلك سواءً بسواء على المناضد والمقاعد والشمس والقمر والنجوم، فينبغي النظر إلى كلٍّ من هذه الأشياء، لا على أنه كائن واحد فرد يدوم على الزمن، بل على أنه سلسلة من كائنات يتبع بعضها بعضًا في الزمن، وكلٌّ منها يدوم فترة غاية في القِصَر، ولو أنها على الأرجح فترة تزيد على اللحظة الرياضية [التي هي بغير امتداد]، وإني إذ أقول هذا، فإنما ألجأ إلى تقسيم الزمن على نفس الصورة التي اعتدناها في تقسيم المكان، فالجسم الذي يملأ قدمًا مكعبة هو في رأي الناس مؤلف من مجموعة من أجسام أصغر كثيرة العدد، كلٌّ منها يَشغَل حيزًا صغيرًا من الفراغ، وهكذا الشيء الذي يدوم بقاؤه ساعةً من زمان، ينبغي اعتباره مؤلفًا من أشياء كثيرة يدوم كلٌّ منها فترةً أقصر؛ فالنظرة الصادقة عن المادة تتطلب تقسيمًا للأشياء إلى جزئياتٍ زمنية، كما تتطلب تقسيمها إلى جزئيات مكانية سواء بسواء.

نهاية التحليل في مقومات المادة
من كتاب «التصوف والمنطق»، ص١٢٣-١٢٤، طبعة بلكان

ANALYSIS OF THINGS INTO EVENTS

My meaning in regard to the impermanence of physical entities may perhaps be made clearer by the use of Bergson’s favorite illustration of the cinematograph. When I first read Bergson’s statement that the mathematician conceives the world after the analogy of a cinematograph, I had never seen a cinematograph, and my first visit to one was determined by the desire to verify Bergson’s statement, which I found to be completely true, at least so far as I am concerned. When, in a picture palace, we see a man falling down hill. Or running away from the police, or falling into a river, or doing any of those other things to which men in such places are addicted, we know that there is not really only one man moving, but a succession of photographs, each with a different momentary man. The illusion of persistence arises only touhrgh the approach to continuity in the series of momentary men. Now what I wish to suggest is that in this respect the cinema is a better metaphysician than common sense, physics, or philosophy. The real man too, however the police may swear to his identity, is really a series of momentary men, each different one from the other, and bound together, not by a numerical identity, but by continuity and certain intrinsic causal laws. And what applies to men applies equally to tables and chairs, the sun. moon, and stars. Each of these is to be regarded, not as one single persistent entity, but as a series of entities succeeding each other in time, each lasting for a very brief period, though probably not for a mere mathematical instant. In saying this I am only urging the same kind of division in time as we are accustomed to acknowledge in the case of space. A body which fills a cubic foot will be admitted to consist of many smaller bodies, each occupying only a very tiny volume; similarly a thing which persists for an hour is to be regarded as composed of many things of less duration. A true theory of matter requires a division of things into time-corpuscles as well as into space-corpuscles.
The Ultimate Constituents of Matter,
Mysticism and Logic, pp. 123-124
(Pelican)

النص العاشر: الإنسان فردًا ومواطنًا

(١) إنه على افتراض أن التربية ينبغي لها أن تُهيِّئ سببًا يُعين على التدريب، لا أن تكتفيَ بمجرد إزالة العوائق التي تَحول دون النمو، فإن السؤال لينهض أمامنا عما إذا كانت التربية من واجبها أن تُدرب [النشء] ليكونوا أفرادًا صالحين أو تُدربهم ليكونوا مواطنين صالحين؛ قد يُقال — بل هكذا يقول كلُّ من أخذ بالاتجاهات الهيجلية — إنه لا تعارض هناك بين المواطن الصالح والفرد الصالح؛ إذ الفرد الصالح هو ذلك الذي ينحو نحو صالح المجموع، وما صالح المجموع إلا تركيبة مؤلفة من صوالح الأفراد، ولست على استعدادٍ أن أُفند أو أُؤيد هذا الرأيَ باعتباره حقيقة ينتهي إليها التفكير الميتافيزيقي، غير أننا في الحياة اليومية العملية، نرى التربية التي تنتج عن اعتبار الناشئ فردًا مختلفة جدًّا عن تلك التي تنتج عن اعتباره مواطنَ المستقبل؛ فتثقيف العقل الفرد ليس — كما يبدو من ظاهر الأمر — هو نفسه التثقيف الذي يُنتج مواطنًا نافعًا؛ فجيته مثلًا كان مواطنًا أقلَّ نفعًا من جيمس وات، أما باعتباره فردًا فلا نزاع في أنه متفوق عليه، وإذن فهنالك صالح للفرد متميز من الشطر الضئيل الذي هو نصيبه من صالح المجتمع.

التربية والنظام الاجتماعي، ص٩-١٠
(٢) المواطنون كما تتصورهم الحكومات هم الأشخاص المعجبون بالنظام القائم، والذين هم على استعداد لإجهاد أنفسهم في سبيل الاحتفاظ بذلك النظام، وإنه لمن عجبٍ أنه بينما تستهدف الحكوماتُ جميعًا إخراج رجال من هذا الطراز دون أي طرازٍ آخر، ترى أبطالها من رجال الماضي هم على وجه الدقة رجال من ذات الطراز الذي تحاول الحكومات أن تمنع ظهوره في الحاضر؛ فالأمريكيون يُمجدون جورج واشنطن وجفرسن، لكنهم يزجُّون في السجن كلَّ من شاطرهما في آرائهما السياسية، والإنجليز يُمجدون «بوريقيا»، لكنهم كانوا ليُعاملونها بالضبط كما عاملها الرومان، لو أنها ظهرت في الهند الحديثة،١ والأمم الغربية جميعًا تُمجد المسيح، مع أنه لو عاش اليوم لكان — يقينًا — موضع ريبة من رجال البوليس السري في إنجلترا، ولامتنعت عليه الجنسية الأمريكية على أساس نفوره من حمل السلاح، هذا يُوضح الوجوه التي تجعل الولاء للوطن غير كافٍ وحده أن يكون مثلًا أعلى؛ لأنه — باعتباره مثلًا أعلى — ينطوي على انعدام قوة الإبداع، وعلى الرغبة في الخنوع لأصحاب السلطان أيًّا كانوا، أولجاركية كانت حكومتهم أو ديمقراطية، وهو اتجاه يُناقض الطابَعَ المميز لعظماء الرجال، ويميل — إذا بُولِغ فيه — إلى الحيلولة دون أوساط الناس أن يبلغوا العظَمة إلى الحد الذي تُمكنهم منه كفاياتهم.
التربية والنظام الاجتماعي، ص١٣-١٤
عنوانه في الطبعة الأمريكية: التربية والعلم الحديث

INDIVIDUAL VERSUS CITIZEN

(1) Assuming that education should do something to afford a training and not merely to prevent impediments to growth, the question arises whether education should train good individuals or good citizens. It may be said, and it would be said by any person of Hegelian tendencies, that there can be no antithesis between the good citizen and the good individual. The good individual is he who ministers to the good of the whole, and the good of the whole is a pattern made up of the goods of individuals. As an ultimate metaphysical truth I am not prepared either to combat or to support this thesis, but in practical daily life the education which results from regarding a child as an individual is very different from that which results from regarding him as a future citizen. The cultivation of the individual mind is not, on the face of it, the same thing as the production of a useful citizen. Goethe, for example, was a less useful citizen than James Watt, but as an individual must be reckoned superior. There is such a thing as the good of the individual as distinct from a little fraction of the good of the community.
Education and the Social Order, pp. 9-10
(2) Citizens as conceived by governments are persons who admire the status quo and are prepared to exert themselves for its preservation. Oddly enough, while all governments aim at producing men of this type to the exclusion of all other types, their heroes in the past are of exactly the sort that they aim at preventing in the present. Americans admire George Washington and Jefferson, but imprison those who share their political opinions. The English admire Boadicea, whom they would treat exactly as the Romans did if she were to appear in modern India. All the Western nations admire Christ, who would certainly be suspect to Scotland Yard if He lived now, and would be refused American Citizenship on account of His unwillingness to bear arms. This illustrates the ways in which citizenship as an ideal is inadequate, for as an ideal it involves an absence of creativeness, and a willingness to acquiesce in the powers that be, whether oligarchic or democratic, which is contrary to what is characteristic of the greatest men, and tends, if over-emphasized, to prevent ordinary men from attaining the greatness of which they are capable.
Education and the Social Order, pp. 13-14
(In Norton’s edition called: Education and the Modern world)

النص الحادي عشر: مصدران للأخلاق

إنه خلال عصور التاريخ المدوَّن، قد كان للمعتقدات الخلقية مصدران مختلفان فيما بينهما أشدَّ اختلاف؛ فمصدر منهما سياسي، وأما الآخر فمتصل بالعقائد الشخصية من دينية وخلقية، ويظهر المصدران في العهد القديم منفصلَين أتم انفصال؛ إذ يظهر أحدهما على أنه «القانون»، ويظهر الآخر على أنه «الأنبياء»، وظهر في العصور الوسطى نفس الفارق الذي يُميز بين الأخلاق الرسمية التي كانت تبثها السلالات الحاكمة، وبين الورع الشخصي الذي كان المتصوفة الأعلام يُمارسونه ويُعلمونه، هذه الثنائية في الأخلاق بين شخصية من جهة، ومدنية من جهة أخرى، وهي ثنائية ما زالت قائمة؛ لا بد أن تتناولها بالبحث أيةُ نظرية في الأخلاق يُراد لها أن تكون مستوفية لموضوعها؛ فبغير الأخلاق المدنية تفنى الجماعات، وبغير الأخلاق الشخصية لا يكون لبقاء تلك الجماعات قيمة، إذن فالأخلاق المدنية والشخصية كلتاهما ضرورية على السواء للعالم الصالح.

إن الأخلاق لا تُعنى فقط بواجبي نحو جاري مهما نبلغ من الصواب في تصورنا لمثل ذلك الواجب؛ فأداء الواجب نحو الناس ليس هو كلَّ ما تتطلبه الحياة الصالحة، بل هنالك أيضًا متابعة الإنسان للسمو بنفسه؛ ذلك لأن الإنسان وإن يكن اجتماعيًّا إلى حدٍّ ما، فليس هو بالاجتماعي إلى كل حد، فله أفكاره ومشاعره ودوافعه التي قد تكون متصفة بالحكمة أو بالحمق، بالسمو أو بالضَّعة، مليئة بالحب أو ملتهبة بالكراهية، ولا بد للجانب الأصلح من هذه الأفكار والمشاعر والدوافع من مجال إذا أُريدَ لحياة الإنسان أن تُحتمَل؛ لأنه وإن يكن قليلٌ من الناس هم الذين يستطيعون أن يسعدوا بالعزلة، فأقلُّ منهم أولئك الذين يُمكنهم أن يسعدوا في مجتمعٍ لا يسمح للفرد بحرية نشاطه.

السلطة والفرد، ص١١٠-١١١

TWO SOURCES OF ETHICS

Throughout recorded history, ethical beliefs have had two very different sources, one political, the other concerned with personal religious and moral convictions. In the Old Testament the two appear quite separately, one as the Law, the other as the Prophets. In the Middle Ages there was the same kind of distinction between the official morality inculcated by the hierarchy and the personal holiness that was taught and practised by the great mystics. This duality of personal and civic morality, which still persists, is one of which any adequate ethical theory must take account. Without civic morality communities perish; without personal morality their survival has no value. Therefore civic and personal morality are equally necessary to a good world.
Ethics is not concerned solely with duty to my neighbor, however rightly such duty may be conceived. The performance of public duty is not the whole of what makes a good life; there is also the pursuit of private excellence. For man, though partly social, is not wholly so. He has thoughts and feelings and impulses which may be wise or foolish, noble or base, filled with love or inspired by hate. And for the better among these thoughts and feelings and impulses, if his life is to be tolerable, there must be scope. For although few men can be happy in solitude, still fewer can be happy in a community which allows no freedom of individual action.
Authority and the Individual, pp. 110-111
١  كان ذلك قبل استقلال الهند، حين كانت إنجلترا تُناهض فيها زعماء المطالبة بحرية البلاد واستقلالها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤