شكرًا لكم!

قفز «أحمد» و«عثمان» إلى السيارة المرسيدس، كانت النيران مشتعلة في المكان كله … وقد تجمَّع عدد من الفلَّاحين، وظهرت سيارة الشرطة من بعيد … واختار «أحمد» طريقًا جانبيًّا … حتى لا يراه أحد، ثم انطلق بالسيارة كالعاصفة فدار دورة واسعة بين الطرقات المتشابكة، ثم صعد إلى الكوبري عائدًا من نفس الطريق … وقال «عثمان»: إنك عائد إلى فيلَّا المعادي حيث كانت السيارة الكاديلاك.

أحمد: طبعًا!

عثمان: ولكن كيف عرف رقم «صفر» طريقنا تحت الأنقاض وفي ذلك الممر المميت؟

أحمد: لقد كان يتابع الضرب عن قرب … ولعلك لاحظت أن بعض الطلقات المتفرقة من الجانب الأيمن كانت تُطلق على العصابة وليس علينا … وهذا معناه أنه كان هناك وشاهدنا ونحن نُحطِّم الباب بالبلدوزر وندخل … ولعله كان خلفنا دون أن ندري.

عثمان: إنه زعيم رهيب!

أحمد: بالطبع … فهو مُخْلص لعمله جدًّا، ومدرَّب تدريبًا رائعًا لا يمكن أن تجد مثله!

عثمان: ولكنَّنا لم نعرف حتى الآن ماذا طلبت العصابة من رقم «صفر» مقابل إطلاق سراح «هشام».

أحمد: ولعلنا لن نعرف أبدًا … ولكن الاستنتاج ممكن طبعًا، فماذا سيطلبون من رقم «صفر»؟ … هل يطلبون فديةً مثلًا؟ إنه رجل فقير وهذه العصابات منظمة وغنية، بل إنهم على استعداد لأن يدفعوا له الملايين مقابل أية معلومات يُدلي بها.

عثمان: إذن كانت عملية للضغط عليه؟

أحمد: بالطبع!

كان عدَّاد السرعة في السيارة يتجاوز ١٥٠ كيلومترًا في الساعة، و«أحمد» يفكر في اللحظات القادمة … إن رقم «صفر» موجود، ويجب أن تكون هذه اللحظات لحظات ناجحة.

وصلا إلى المعادي وانحرف «أحمد» يمينًا، فقال «عثمان»: إنه ليس نفس الطريق.

أحمد: إنني سأدور وأدخل من شارع جانبي.

وبعد لحظات كانت السيارة تهدِّئ من سرعتها، ثم تقف ويقفز «عثمان» و«أحمد» في الظلام … ولم يتقدما سوى بضع أمتار حتى سمعا صوت البومة تنعق في الظلام … سمعاه رغم الريح العاتية والمطر الذي بدأ يتساقط … وأدركا أن «زبيدة» و«إلهام» قريبتان …

تقدَّما تجاه الصوت فوجدا الفتاتين … قالت «إلهام» على الفور: لقد انتظرناكما … عدد الرجال في الداخل خمسة … والسيارة الكاديلاك جاهزة للرحيل … هناك سائق … فهم إذن ستة … ورأينا أن ننتظر حتى يتكامل عددنا … وحتى لا نصيب «هشام».

أحمد: السائق أولًا … وسأجلس مكانه … هل يرتدي زيًّا معينًا؟

إلهام: نعم … معطف أسود، وطاقية صوفية سوداء تغطِّي وجهه.

أحمد: هذا مناسب جدًّا … سينطلقون في سيارتين … الكاديلاك وسيارة أخرى …

زبيدة: شاهدت سيارة أخرى من طراز بويك.

أحمد: سأركب مكان السائق … و«عثمان» ينطلق مع «زبيدة» لمطاردة السيارة الثانية و«إلهام» تتبعني.

وانطلق «أحمد» في الظلام ومعه «عثمان»، وشاهدا السيارة الكاديلاك، وقد جلس السائق في مقعد القيادة وأدار المحرك … كان أمام «عثمان» فتحة النافذة فقط ليصيب الهدف … ورغم الظلام المتكاثف فقد وزن كرته الجهنمية بضع مرات … ثم أطلقها كالرصاصة في اتجاه رأس السائق، الذي مال على الفور جانبُه …

قفز «أحمد» مع «عثمان» إليه … حملاه جانبًا، وأخذ «أحمد» المعطف وارتداه، ووضع الطاقية الصوف على رأسه، وشَعَر بالسعادة لأنه أحسَّ بالدِّفء.

حمل «عثمان» كرته، وعاد إلى مكانه … بعد ثانية واحدة ظهر رجلان … وكان أحدهما يحمل طفلًا على كتفيه … ولم يكن هناك شك أنه «هشام» …

نزل «أحمد» مسرعًا، وهو يداري وجهه قدر الإمكان … وفتح الباب الخلفي، فوضع الرجل «هشام» على الكرسي الخلفي … وجلس بجانبه … وركب الآخر بجوار «أحمد» وقال: هيَّا بنا!

أحس «أحمد» بالخطر … فقد يكتشف الرجل شخصيته في أية لحظة … وتظاهر بالانهماك في عمله، وانطلق بالسيارة وخلفه تحركت السيارة البويك …

كان «أحمد» يريد أن ينتهيَ من عمله قبل أن يصل إلى المدينة المزدحمة … وهكذا انطلق بهدوء إلى الكورنيش ثم انحرف يمينًا … وظل يسير بضع دقائق حتى وصل إلى المستشفى الكبير … كان بجوار المستشفى شارع ضيِّق يصلح للخطَّة … انطلق مُسرِعًا بشكل مخيف حتى صاح الرجل الذي بجواره بالإنجليزية: ماذا تفعل أيها الغبي؟!

ولكن «أحمد» لم يتوقَّف، وانحرف يسارًا بسرعته العالية … وأمسك بمِقْود السيارة بيده اليسرى وبيده اليمنى … وبسرعة هائلة فتح باب السيارة ودفع الرجل الذي بجواره فنزل يتدحرج ثم اصطدم بالسيارة وهو يضغط الفرامل ويتمسك بمِقْود السيارة حتى لا يصطدم بالزجاج … وفي نفس الوقت كان الراكب الآخر قد اصطدم بحاجز السيارة صدمة قوية، وقفز «أحمد» مسرعًا، وفتح الباب وجذبه إلى الخارج … ثم أطلق يده في لكمة هائلة سقطت على الرجل كالصخرة فسقط …

وظهرت أضواء السيارة البويك وهي تنحرف وانطلقت منها بضع رصاصات … ولكن «أحمد» ألقى بنفسه بجوار السيارة الكاديلاك … وظهرت السيارة التالية … وكانت المرسيدس وبها «عثمان» و«زبيدة» اللذان أطلقا نيرانهما على السيارة البويك … فأصابا الإطارات … وانحرفت السيارة بشدة، ثم دارت حول نفسها … وسقطت في الترعة المجاورة للمستشفى.

أسرع «أحمد» إلى «هشام» وحمله بين ذراعيه … ثم قفز إلى السيارة المرسيدس وصاح: بأقصى سرعة!

كان «هشام» نائمًا تحت تأثير مخدِّر خفيف، واستيقظ على الصراع والحركة … ففتح عينيه … وأخذ ينظر حوله في دهشة.

وقال «أحمد»: لا تخشَ شيئًا، أنت مع أصدقاء خالك.

عندما عادوا إلى الكورنيش مرة أخرى شاهدوا — تحت المطر المنهمر … وفي الظلام الكثيف — شخصًا يقف بجوار سيارة مفتوحة المحرك … وهذا يعني أنها مُعطَّلة … وأدرك «أحمد» على الفور مِن وقفة الرجل في ظل السيارة حتى لا يراه أحد … أنه رقم «صفر» وأن سيارته تعطَّلت ولهذا لم يلحق بهم …

كان على «أحمد» أن يتصرف بحيث لا يكشف رقم «صفر» للأضواء، فأشار بيده إلى السيارة الثانية فتوقَّفت … ونزل وطلب من «إلهام» أن تركب معهم … ثم حمل «هشام» ووضعه في السيارة المرسيدس وقال: انتظروا … سوف أعود إليكم.

قاد «أحمد» السيارة المرسيدس بهدوء وبدون أضواء حتى وقف أمام السيارة المعطَّلة … ثم فتح الباب وترك الموتور دائرًا ونزل … ودون نظرة واحدة أسرع عائدًا إلى السيارة الثانية … وعندما استدار، شاهد الشبح يخرج من جانب السيارة المعطلة ثم يركب المرسيدس وينطلق بها.

في تلك الليلة الباردة … في المقر السري في الدقي تلقَّى الشياطين مكالمة من رقم «صفر»، تحدث فيها ببضع كلمات: لقد خالفتم التعليمات … ولكن شكرًا!

ردَّ «أحمد»: سيدي … هناك ولد مشلول ساعدَنا كثيرًا في البحث عن «هشام»، ونريد أن تتولَّى المنظمة علاجه …

ردَّ رقم «صفر»: سنعالجه مهما كلَّفنا … شكرًا لكم …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤