لغز جديد

كان المغامرون يعقدون اجتماعًا في حديقة فيلَّا «المعمورة» بعد أن عاد «محب»، بينما كان «زنجر» يتمدد على حشائش الحديقة وهو ينظر إليهم، وكأنَّه يتابع ما يدور بينهم من حديث … قالت «نوسة»: إنَّ فرصة دخول «محب» فيلَّا «هاني» ليست مضمونة، ولذلك يجب ألَّا نضعَ عليها آمالًا.

عاطف: هذا صحيح … بالإضافة إلى أنَّه حتى لو فرضنا دخول «محب» الفيلا فلن يتجاوز هول الفيلا … ولن تُتاح له فرصة البحث عن مصدر الكاميرات السرية.

لوزة: قد يدعوه «هاني» لرؤية غرفته مثلًا …

محب: لا أظن وأنا أوافق «نوسة» على وجهة نظرها.

قالت «نوسة»: دعونا لا نسبق الأحداث، فسوف تذهب غدًا للقائه، وبعدها نرى ماذا سوف يحدث؟!

فجأةً رفع «زنجر» رأسه وتشمَّم الهواء، ثم وقف وزام بهدوء، ثم انطلق يعدو إلى باب الحديقة … تساءلت «لوزة»: لعلها دادة نجيبة، فقد خرجت منذ وقت.

لكن لم تمرَّ لحظة حتى ظهر «تختخ» بملابسه المتسخة، و«زنجر» يتقافز حوله، فقالت «لوزة»: لقد عاد مبكرًا، فهو عادة يعود آخر النهار.

انضمَّ إليهم «تختخ»، وعلى وجهه ابتسامة، وقال: أظن «لوزة» تساءلت لماذا عُدتَ مبكرًا.

اندهشت «لوزة»، بينما غرق المغامرون في الضحك. جلس «تختخ»، وهو يقول: حتى لا تحتار «لوزة» في البحث عن سبب عودتي، لم يكن هناك عمل اليوم، وكان لا بد أن أعود إليكم … فالموقف أصبح يحتاج إلى مناقشة من المغامرين.

ثم وقف وقال: وقبل أن نُناقش موقعنا، سوف أُبدل ثيابي وأعود إليكم.

انصرف «تختخ»، فقالت «لوزة» له: وهذا سوف يتوقف على ذكاء «محب» في التعامل مع «هاني».

نوسة: هناك مشاكل مهمة، فأنت حتى الآن موجود في العمارة بالنهار … وأظن أنَّ الأشياء المهمة، خصوصًا إذا كانت ممنوعة، لن يتمَّ التصرف فيها بالنهار، فلا بد أنَّها تُنقل ليلًا.

قال «تختخ»: هذا ما أعرضه عليكم الآن، لقد فكَّرتُ فيما توصَّلَت إليه «نوسة»، ومن حُسن الحظ، أنَّ «روقة»، أقصد «فاروق»، صبي المقهى، قد عرض عليَّ أن أبيت معه، فهو يعيش هو ووالدته فقط.

أسرعت «لوزة» تقول: لكنَّك لا تعرفه جيدًا.

تختخ: إنَّه ولد طيب … وقد أصبحنا أصدقاء.

عاطف: قد ترفض والدته.

تختخ: لقد أخبرها أنني غريب عن الإسكندرية وليس لي مكان أبيت فيه … ولقد جهَّزَت طعامًا خاصًّا حمله «فاروق» معه من أجلي.

محب: إذن هذه فرصة جميلة يجب استغلالها.

سألت «لوزة»: لماذا لا نتصل بصديقنا المفتش «سامي»؟

أجابها «تختخ»: يا «لوزة»، نحن لم نتوصل لشيء بعد … وحتى نتصل به فلا بد أن نكون قد وضعنا أيدينا على ما يثبت إدانته.

ثم نظر إلى «محب»، وقال: يجب أن تذهب إلى «هاني» مبكرًا، فهو يذهب إلى النادي يوميًّا في حدود العاشرة صباحًا.

عندما كانت الساعة تدق السابعة صباحًا، كان المغامرون يودعون «تختخ» و«محب»، وكان «زنجر» يتقافز حول «تختخ»، الذي لبس ملابسه الممزقة والكاوتش القديم، الذي يظهر منه أصبع قدمه، في حين كان «محب» قد علَّق الدوسيه في كتفه، وفيه مجلة «علاء الدين»، وانطلق كلٌّ منهما إلى مهمته، عندما وصل «تختخ» إلى شارع جمال عبد الناصر، مرَّ على المقهى، حيث كان «فاروق» ينظم الكراسي أمام المقهى … قابله «فاروق» بابتسامة عريضة، وهو يقول: ما رأيك في كوب شاي باللبن، أم أنَّك لم تفطر بعد؟

ابتسم «تختخ»، وقال: صباح الخير أولًا … سأذهب إلى الجراج حتى لا أتأخر.

قال «فاروق»: عم «عثمان» لم يستيقظ بعد، فهو عندما يستيقظ أول شيء يفعله ينادي عليَّ من أجل الشاي باللبن.

جلس «تختخ»، وأسرع «فاروق» إلى داخل المقهى، كان «تختخ» يراقب مدخل الجراج … فجأة ظهرت سيارة «حمدي» البيضاء ودخلت الفيلا، قال «تختخ» في نفسه: إذن لقد عاد «حمدي»، وهذا يجعل مهمة «محب» مستحيلة … بعد لحظات خرجت السيارة واتجهت إلى الجراج … تردَّد صوت الكلاكس مرات، فظهر «عثمان»، ونزع العمود الذي يتوسط مدخل الجراج حتى لا تدخل سيارات غريبة، فدخلت السيارة، وأعاد «عثمان» العمود مكانه، أسرع «تختخ» إلى الجراج، وعندما وصله كان السائق خارجًا منه وهو يقول ﻟ «عثمان»: اغسل السيارة، فسوف يخرج الباشا بعد ساعة.

نظر «عثمان» إلى «تختخ»، وقال:

عثمان: هيَّا يا «رجب» … شد حيلك.

أسرع «تختخ» إلى السيارة، وبدأ في تنظيفها، لكنَّه توقف عندما وصل إلى الكاوتش … كانت هناك آثار رمال على عجلات السيارة، قال في نفسه: هذه السيارة دخلت منطقة رملية … قطع تفكيرَه صوتُ «محب» وهو ينادي: أهرام، أخبار، جمهورية، مجلة علاء الدين … وظلَّ النداء يتكرر.

لكنَّه فجأةً صمت … فكَّر: هل دخل «محب» الفيلا؟! وحتى إذا دخلها، فسوف لن يصل إلى شيء، ما دام «حمدي» قد عاد.

عاد إلى السيارة ليُكمل تنظيفها … لكنَّه مرة أخرى توقَّف … مدَّ يده، وجمع بعضَ الرمال من فوق كاوتش السيارة … ثم شمَّها، قال في نفسه: هذه رائحة شحم أو بترول … وهذا يعني أنَّها سارت على شاطئ!

فكَّر بسرعة: هل هو مراقب الآن؟ انهمك في تنظيف السيارة، وتوقف عند أرقامها … ركَّز تفكيره، وقال في نفسه: هذه الأرقام تغيَّرَت … وأتذكَّر أنَّها كانت ٤٩٧٨ عندما رأيتُها أول مرة!

عاد من جديد ليُكمل نظافة السيارة … جاء صوت «عثمان» يقول: لماذا تأخرت يا «رجب»؟

ردَّ بصوت عالٍ: إنني أُجفِّفها يا معلم بعد أن غسلتُها.

جاء صوت «عثمان» مرة أخرى: عندما تنتهي من سيارة الباشا، اغسل سيارة «هاني بيه».

ردَّ «تختخ»: حاضر يا معلم! … كان يعمل بنشاط، بينما أفكاره تدور في رأسه أكثر نشاطًا … كان يفكر: هل أنا مخطئ … وهل ذاكرتي أصبحت ضعيفة … إنني متأكد أنَّ أرقام السيارة كانت ٤٩٧٨، وهي الآن ٤٩٨٧، ما معنى هذا؟!

فجأة تردَّد صوت «محب» ينادي: «أهرام»، «أخبار»، «جمهورية» … ولم يذكر مجلة «علاء الدين» …

قال «تختخ» لنفسه: يبدو أنَّ «محب» دخل الفيلا … لكنَّه لم يمكث فيها كثيرًا … لقد توقعت هذا.

انتهى من سيارة «حمدي»، فبدأ في سيارة «هاني» … ظلَّ يردد في نفسه رقم السيارة حتى لا ينساه، فجأة جاء صوت السائق يقول: هل انتهى الولد من تنظيف السيارة؟

تردَّد صوت «عثمان» يقول: يا «رجب» هل انتهيت من تنظيف سيارة «الباشا»؟

ردَّ «تختخ»: جاهزة يا «معلم».

ظهر السائق، وعندما رأى «تختخ» نظر إلى السيارة، ثم ابتسم، وقال:

السائق: برافو، لقد نظفتَها جيدًا.

ابتسم «تختخ»، وقال: إنَّها سيارة «الباشا».

ركب السائق السيارة، وانطلق بها، ظلَّ «تختخ» يرقبها حتى خرجت من «الجراج» … فكَّر عندما يخرج «حمدي» من الفيلا، أبدأ في البحث عن الكاميرا السرية.

انتهى من سيارة «هاني»، وجاء سائقها … ركبها وخرج … أسرع «تختخ» إلى باب الجراج … فرأى «هاني» وأخته يركبان السيارة … وما إن اختفت حتى ظهرَت سيارة «حمدي» من داخل حديقة الفيلا … امتلأ وجهُه بالدهشة، وهو يرقب السيارة البيضاء الفاخرة، فلم تكن الأرقام هي نفسها التي رآها في «الجراج»، ظلَّ يراقب السيارة حتى اختفت، فقال «عثمان»: أنا في المقهى.

انصرف «عثمان» … فكَّر «تختخ»: لقد تغيرت الأرقام وعادت من جديد ٤٩٧٨، تساءل بينه وبين نفسه: ما معنى هذا؟! وهل هذه سيارة أخرى؟ ردَّ على تساؤله: إنَّها نفس السيارة … فماذا حدث؟

نظر ناحية المقهى، فرأى «عثمان» يتجه إليه … قال في نفسه: الآن أستطيع البحث عن الكاميرا السرية.

دخل بسرعة وهو يفكر: لا بد أن تكون الكاميرا مخفية فوق مدخل «الجراج»، حتى تكشفه، خصوصًا أنَّ الباب الداخلي مواجهٌ لباب «الجراج». رفع عينَيه إلى السقف وأخذ يتفحصه، فلم يستطع أن يرى شيئًا … فقد كانت الإضاءة ضعيفة … اقترب من باب «الجراج»، حين كانت تقف إحدى السيارات تسلَّقها فأصبح قريبًا من السقف، ومدَّ يده يتحسَّس السقف، كان خشنًا، فجأة توقَّفَت يده … كانت هناك دائرة تغوص في السقف … تحسَّس الدائرة، وتوقَّفت يدُه مرة أخرى، كانت هناك عدسة صغيرة لا تكاد تظهر … تأكَّد من وجودها، وقال في نفسه: أرجو ألَّا يكون هناك مَن يراقبني من داخل الفيلا.

نزل من فوق السيارة، وأخذ طريقه إلى باب «الجراج»، وجلس مكان «عثمان»، استغرق «تختخ» في التفكير، كان يفكر في أرقام السيارة التي تغيرت، وسأل نفسه: كيف تغيرت بهذه السرعة؟!

قطع تفكيرَه صوتُ «فاروق» وهو يقول: إلى أين سافرت؟ لعلك سافرت بخيالك إلى «طنطا»!

انتبه «تختخ» وابتسم، وهو يقول: إنَّك ذكي يا «روقة»، فعلًا كنت أفكر في بلدتي … وأعتذر لك لأني انصرفت من المقهى ولم أنتظرك.

فاروق: لقد فهمت أنَّ عم «عثمان» ظهر أمام «الجراج»، ثمَّ مدَّ يده بكوب شاي باللبن وسأل: هل سنبقى معًا؟

فكر «تختخ» بسرعة، وقال: ليس اليوم، لكن غدًا سوف أبيت معك.

فاروق: سوف نتناول الغداء معًا … فأمي جهزت لك الغداء.

تختخ: إنني أشكرها كثيرًا … فهذا كرم منها ومنك!

ابتسم «فاروق» وهو يقول: لا شكر على واجب، فقد أصبحنا أصدقاء.

تحرَّك «فاروق» منصرفًا وهو يقول: إنني في انتظارك.

أخذ «تختخ» يشرب الشاي على مهل، وهو مستغرق في التفكير، قال في نفسه: هذا لغز جديد … فما هي حكاية تغيير أرقام السيارة؟! … قطع تفكيرَه وصولُ سيارة النقل … كانت محملة بالأخشاب … نزل سائقها، وسأل بصوته الخشن: أين «عثمان» يا «رجب»؟

قال «تختخ» وهو يقف: ذهب للمقهى، سوف أستدعيه حالًا.

السائق: لا داعي، سوف أذهب إليه.

سأله «تختخ»: هل أغسل السيارة؟

السائق: غدًا، بعد أن نكون قد أفرغنا حمولتها.

انصرف السائق إلى المقهى، ووقف «تختخ» يتأمل السيارة التي ازدادت ضخامتها بسبب حمولتها، قال في نفسه: ماذا تُخفي هذه الأخشاب. فكَّر: هل هي حمولة عادية؟! لقد تركها السائق وذهب إلى المقهى … وهذا يعني أنَّها حمولة خشب عادية … فقد جاءت في وضح النهار، مع ذلك، مَن يدري؟

قطع تفكيرَه صوتُ «عثمان» يقول: تستطيع أن تنصرف الآن يا «رجب»، ولكن لا تتأخر في الصباح، فعندك عمل كثير.

انصرف «تختخ» وهو يفكِّر: هل أنتظر الليلة، أم أعود ﻟ «لمغامرين» لمناقشة لغز الأرقام؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤