ظهور العفاريت

بينما «تختخ» في طريقه إلى المقهى كان يفكِّر: السيارة سوف تُفرغ حمولتها الليلة، لكن أين سوف تُفرغها؟ هل تُفرغها في العمارة، أم ستُفرغها خارجها؟ إنَّ ذلك يحتاج إلى أن أبقى الليلة قريبًا من «الجراج» وبعد ذلك يمكن مناقشة لغز الأرقام مع «المغامرين» في يوم آخر.

وصل إلى المقهى، وجلس في مكان منعزل، قال في نفسه: تُرى ماذا فعل «محب»؟! لقد خرجَت سيارة «هاني» قبل سيارة والده، وهذا يعني أنَّ «محب» لم يستغرق وقتًا مع «هاني».

اقترب «فاروق» وهو يحمل صينية عليها كوب ليمون مثلج، ابتسم وهو يضعها أمام «تختخ»، ويقول: الليمون الذي تُفضِّله.

تختخ: أشكرك يا «روقة»، أنت تُخجلني بكرمك الزائد.

ضحك «فاروق»، وقال: تعبت من كثرة الشكر، المهم … لماذا غيَّرتَ رأيك ولم تَبِت الليلة معي؟ … سوف أكون سعيدًا إذا بقيت.

تختخ: وأنا تهمُّني سعادتُك.

ظهرت الفرحة على وجه «فاروق»، و«قال»: أفهم أنَّك ستبيت الليلة معي.

ابتسم «تختخ»، وقال: بشرط أن نرى «عمارة العفاريت» بالليل.

اندهش «فاروق»، وقال: لماذا … ما لنا وما ﻟ «عمارة العفاريت»؟! مع ذلك فعندما نكون معًا لن أخاف! هيَّا اشرب الليمون قبل أن يفقد برودته، فاليوم حار!

انصرف «فاروق»، وأخذ «تختخ» يتحسس الليمون المثلج على مهل، كان يفكِّر وقد ظهرت السخرية على وجهه: لعلي أرى «العفاريت» أنا الآخر!

آخر النهار، جاء شابٌّ يتسلَّم العمل مكان «فاروق»، الذي انصرف هو و«تختخ»، قال «فاروق»: نذهب إلى البيت، أُبدل ثيابي، وتُبدل ثيابك أنت الآخر.

قال «تختخ» بأسًى: وأين هي الثياب التي أبدلها؟!

فاروق: سوف نجد حلًّا، لا تحمل همًّا.

فكَّر «تختخ» بسرعة: إذا أبدلتُ ملابسي، فقد يكتشف «فاروق» أنَّه رآني قبل ذلك … عندما جلست أنا و«محب» على المقهى أول مرة، وعندما جلسنا مع المعلم «فرج» صاحب «عمارة العفاريت» في المقهى أيضًا، ثم تساءل بينه وبين نفسه: هل أُخبر «فاروق» أنني أحد أعضاء «المغامرين الخمسة» … وهل يسمع «فاروق» عنهم؟ لكنَّ «فاروق» قطع أفكار «تختخ» عندما قال:

فاروق: هل تحب القراءة؟

اندهش «تختخ»، لكنَّه قال: طبعًا … خصوصًا الألغاز.

ابتسم «فاروق»، وقال: أنا أيضًا أُحب قراءة الألغاز، خصوصًا ألغاز أصدقائي «المغامرين الخمسة» … هل تقرأ مغامراتهم؟

أخفى «تختخ» ابتسامة، وسأل «فاروق»: هل هم أصدقاؤك فعلًا … هل قابلتَهم وتعرَّفتَ عليهم؟

فاروق: لا، لكني أعتبرهم أصدقائي، خصوصًا «تختخ» فتُعجبني أفكاره، كذلك خفة دم «لوزة»!

كانَا يسيران في زحمة الشارع، حيث تزدهر «الإسكندرية» في الصيف …

دخل «فاروق» حارة جانبية … فدخل «تختخ» خلفه … أشار «فاروق» إلى بيت قديم من ثلاثة طوابق، وقال: ها هو بيتنا … ونحن نسكن في الطابق الأرضي … وأخي «مصطفى» يسكن في الطابق الأول … لكنه مسافر.

دخلَا من باب البيت، فوضع «فاروق» يدَه على جرس الباب، مرَّت دقائق، ثم فُتح الباب، وظهرَت أم «فاروق»، ما إن رأت «تختخ» حتى ابتسمت، وقالت:

أم «فاروق»: أهلًا يا بُنيَّ، تفضَّل!

دخل «فاروق» وهو يقول: ها هو صديقي «رجب» يا أمي.

أم «فاروق»: تفضَّل يا «رجب».

ابتسم «تختخ»، وهو يدخل، قال: مساء الخير يا خالتي.

كان البيت متواضعًا … اتجه «فاروق» إلى غرفته وهو يقول: هذه غرفتي.

دخل الغرفة … كانت متواضعة أيضًا … تذكَّر «تختخ» غرفته في «المعادي»، قال «فاروق»: سوف أبحث لك عن ثياب … حتى نخرج، فأنت لا تعرف «الإسكندرية»، وسوف آخذك لترى «مكتبة الإسكندرية».

خرج «فاروق»، فجلس «تختخ» يتأمل الغرفة المتواضعة، قال في نفسه: المهم مَن يسكنها … إنَّهم أناس طيبون.

تأخر «فاروق» … كان «تختخ» يفكِّر وهو يبتسم: «المغامرون الخمسة» أصدقاء «فاروق»، ماذا سيحدث عندما يعرف أنني واحد منهم … وماذا سيحدث عندما يعرف مهمة «المغامرين» في «عمارة العفاريت»؟!

فجأة دخل «فاروق» … وبيده قميص وبنطلون وقال ﻟ «تختخ»: هذه كانت لأخي عندما كان صغيرًا … أرجو أن تناسبَك.

ابتسم «تختخ»، وقال: أنت صديق عظيم يا «روقة».

فاروق: لا تُضيِّع وقتًا، هيَّا إلى الحمَّام.

عندما عاد «تختخ» وقد لبس القميص والبنطلون، ومشط شعره … وقف أمامه «فاروق» مشدوهًا، ابتسم «تختخ»، فقال «فاروق» متسائلًا: مَن أنت؟ لقد رأيتُك من قبل!

ابتسم «تختخ» ولم يردَّ، كان «فاروق» يفكِّر، فجأةً صاح: أنت الذي جاء إلى المقهى وجلس مع المعلم «فرج» صاحب «عمارة العفاريت»، صح؟

ابتسم «تختخ»، وقال: صح.

فاروق: كيف لم أعرفك … لقد تنكَّرتَ بطريقة بارعة.

ثم ضحك «فاروق»، وأضاف: إنَّك تُشبه «تختخ» زعيم «المغامرين الخمسة».

نظر «تختخ» إلى «فاروق» وهو يبتسم، وقال: إنني «تختخ».

ملأَت الدهشةُ وجهَ «فاروق»، فقال «تختخ»: يجب ألَّا يعرفَ أحدٌ، فنحن نريد حلَّ لغز «عمارة العفاريت»؛ لهذا عملتُ في «الجراج»، حتى أكون داخل العمارة … فهي ليست مسكونة ﺑ «العفاريت» كما تظن.

لم يكن «فاروق» يصدِّق أنَّه أمام أحد أصدقائه من «المغامرين الخمسة»، فهمس: أنا لا أصدق ما أراه!

تختخ: لقد كشفتُ لك عن شخصيتي … وعليك أن تُساعدَني في الكشف عن لغز «العمارة» التي تقول إنَّها مسكونة بالعفاريت.

فاروق: لقد رأيتهم بنفسي.

تختخ: ليس مهمًّا هذا الآن، فسوف يُثبت لك «المغامرون الخمسة» أنَّ العمارة ليست مسكونة، وأنَّه لا يوجد شيء اسمه «عفاريت».

فاروق: إذن هيَّا إليها الآن.

تختخ: ليس الآن … سوف نذهب عندما يتأخر الوقت.

في حديقة فيلَّا «المعمورة» … كان «المغامرون» يعقدون اجتماعًا، بينما كان «زنجر» يجري في الحديقة … وكأنه يمارس رياضة … فهو منذ جاء إلى «المعمورة» لم يخرج من حديقة الفيلا، ولم يشترك مع «المغامرين» في لغزهم الجديد، قال «محب»: لولا عودة والد «هاني» كنت قد دخلت إلى الفيلا! فقد كنَّا بدأنا حديثنا حول «المغامرين» وألغازهم … وكان «هاني» يُحدِّثني عن إعجابه بهم، ويتمنَّى لو يزورونه.

لوزة: لماذا لا تحاول مرة أخرى؟!

محب: كيف، لقد ضاعت الفرصة.

عاطف: المهم هو اكتشاف «تختخ» للكاميرا السرية التي في «الجراج».

نوسة: لو تحقق هذا يكون «حمدي» هو أول من أطلق شائعة «العفاريت» على العمارة، ويكون هو مَن يستخدمها في نشاطه السري.

لوزة: إذا اكتشف «تختخ» وجودَ الكاميرا السرية في «الجراج»، يُصبح اتصالنا بالمفتش «سامي» ضروريًّا، والمهم الآن، متى يعود «تختخ»؟

كان الوقت قد تأخر، وأعلنت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وبدأت الحركة تهدأ في الشوارع، بينما كان «تختخ» و«فاروق» يتجولان … سأل «تختخ»: متى يُغلق المقهى أبوابَه؟

فاروق: أوشك أن يُغلق أبوابه … فالمعلم «حسين» صاحب المقهى لا يحب السهر … ولذلك فنحن أول مقهى يفتح أبوابه في الصباح.

فكَّر «تختخ» بسرعة، ثم قال: سوف نتجه إلى هناك، لكننا لن نقترب من العمارة حتى لا يكشفَنا أحد، وخصوصًا المعلم «عثمان».

أخذ «تختخ» و«فاروق» طريقَهما إلى حيث «عمارة العفاريت» … كان الشارع ساكنًا … ومظلمًا … همس «فاروق»: على فكرة … «العفاريت» لا تظهر كلَّ ليلة؛ فعندما كنت أسهر في المقهى كنت أراها في بعض الليالي، وعندما انقطعتُ عن السهر، لا أعرف إن كانت تظهر أم لا؟!

كانَا يتقدَّمان بحذر بجوار العمارات التي في الشارع، حتى أصبحت «عمارة العفاريت» أمامهما مباشرة، فجأةً أمسك «تختخ» بيد «فاروق» حتى يتوقَّف … همس «فاروق»: هل رأيت شيئًا؟

أجاب «تختخ» هامسًا: لقد غيَّرَت السيارةُ وضْعَها … وأصبحَت مؤخرتها في باب «الجراج»!

ظهر عددٌ من الرجال داخل «الجراج»، وبدءوا في إنزال الألواح الخشبية من صندوق السيارة ويرصونها على الأرض … كان «تختخ» يراقب مدخل «الجراج»، حيث يتم تفريغ حمولة السيارة، وفي نفس الوقت يراقب نوافذ العمارة …

مرت ساعتان، فجأة أمسك «فاروق» بيد «تختخ»، فقال «تختخ»: إنَّك ترتجف … مالك!

همس «فاروق» يقول: هل رأيت ما رأيته، لقد ظهرت «العفاريت»، رأيت أنوارًا تتحرك!

ابتسم «تختخ» وهمس: نعم رأيت ما رأيته … لكنهم ليسوا «عفاريت»، إنَّهم الرجال الذين يقومون بتفريغ حمولة السيارة.

كان «فاروق» ما زال يرتجف، وهمس: لا … فهم يضعون الأخشاب خارج «الجراج» والأنوار تتحرك داخل العمارة، هيَّا ننصرف.

ضغط «تختخ» على يد «فاروق»، وهمس له: لقد قلت إنَّك لن تخاف وأنت معي … فلماذا تخاف الآن؟!

كاد «فاروق» يجري، لكن «تختخ» أمسك به، وهمس له: أنت هكذا سوف تكشفنا. انتظر قليلًا … وسوف تختفي الأنوار التي تتحرك.

حبس «فاروق» أنفاسه، وتجمَّد مكانه، في حين كان «تختخ» يفكِّر: لقد نقلوا شيئًا داخل العمارة … ولأنَّ الشارع مظلم، والعمارة مظلمة فقد استخدموا بطاريات صغيرة.

همس «فاروق»: لقد اختفت الأنوار وغرقت العمارة في الظلام!

بهدوء تحرك «تختخ» مبتعدًا عن «عمارة العفاريت»، وهو يجذب «فاروق» معه حتى ابتعدَا … تنفَّس «فاروق» بعمق وهو يقول: ياه … كاد قلبي يتوقف من الخوف!

ضحك «تختخ» وهو يقول: سوف نبيت معًا في «عمارة العفاريت» ومعنا بقية «المغامرين» حتى أُثبت لك أنَّه لا توجد «عفاريت».

ظهرت الدهشة على وجه «فاروق»، وقال: نبيت في «عمارة العفاريت» حتى نصحوَ فنجد أنفسنا في «الجراج».

ضحك «تختخ»، وهو يقول: سوف نرى.

في الصباح، لَبِس «تختخ» ملابسَ التنكُّر … القميص والبنطال الممزقان … والكاوتش القديم، الذي يظهر أصبع قدمه منه، ونكش شعره، فأصبح «رجب»، الذي يعمل في تنظيف السيارات، وقال ﻟ «فاروق»:

تختخ: سوف نفترق الآن. أنت تذهب إلى المقهى، وأنا إلى «الجراج» ونتعامل بشكل عادي.

ثم نظر إلى «فاروق» قليلًا، وأضاف: «روقة»، ما حدث سرٌّ بيننا حتى ننتهيَ من حلِّ لغز عمارة العفاريت.

أخذ كلٌّ منهما طريقَه: «فاروق» إلى المقهى، و«تختخ» إلى «الجراج» … كان الوقت مبكرًا … ولم يكن «عثمان» قد استيقظ بعد، كان «عثمان» يرقد فوق مجموعة من الأخشاب المرصوصة خارج «الجراج» … وكانت سيارة النقل في مكانها لم تتحرك.

قال «تختخ» في نفسه: لقد أوشك اللغز على الحل، والآن يجب الاتصال بالمفتش «سامي»، لينكشف كل شيء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤